9 فئات محرومة من مباشرة الحقوق السياسية.. تعرف عليها

غير أن هذه الحقوق، على الرغم من كونها عامة ومكفولة بنصوص الدستور، قد تُقيَّد أو تُمنع مؤقتًا عن بعض الفئات، وذلك وفقًا لضوابط يحددها القانون تحقيقًا للصالح العام وضمانًا لنزاهة العملية السياسية وحماية المجتمع من سوء استخدام هذه الحقوق.
وفي مصر، ينظم قانون مباشرة الحقوق السياسية رقم 45 لسنة 2014 هذه المسائل بشكل تفصيلي، حيث نص في مواده على الحالات التي يُحرم فيها بعض الأفراد من مباشرة حقوقهم السياسية، سواء بصفة مؤقتة أو دائمة، تبعًا لطبيعة الحالة القانونية لكل شخص.
وفي هذا المقال نعرض بالتفصيل التسع فئات المحرومة من مباشرة الحقوق السياسية، مع تحليل قانوني واجتماعي لكل حالة، وأثر ذلك على النظام الديمقراطي في الدولة.
أولاً: تعريف الحقوق السياسية ومباشرتها
يقصد بالحقوق السياسية مجموعة الحقوق التي تخول للمواطن المشاركة في الحياة العامة، ومن أبرزها:
- الحق في الانتخاب والترشح.
- الحق في إبداء الرأي في الاستفتاءات العامة.
- الحق في الانضمام إلى الأحزاب السياسية والمشاركة في الجمعيات ذات الطابع العام.
وتُمارس هذه الحقوق وفق ضوابط دستورية وقانونية، أبرزها أن يكون المواطن قد بلغ السن القانونية، ويتمتع بالأهلية المدنية والسياسية الكاملة.
ثانياً: فلسفة الحرمان من الحقوق السياسية
يظن البعض أن حرمان فئة معينة من مباشرة حقوقها السياسية هو نوع من العقوبة المجحفة أو الانتقاص من المواطنة، إلا أن الفلسفة القانونية تؤكد أن هذا الإجراء هدفه حماية العملية السياسية من التلاعب أو الاستغلال.
فالدولة لا تمنع المشاركة إلا عندما تكون هناك أسباب جدية تمس النزاهة أو العدالة أو الثقة العامة.
وتعتمد هذه الفلسفة على مبدأين:
- حماية المجتمع من الفئات التي قد تسيء استخدام الحقوق السياسية مثل الفاسدين أو من صدرت ضدهم أحكام مخلة بالشرف.
- تحقيق العدالة عبر الموازنة بين حق الفرد في المشاركة وحق المجتمع في سلامة العملية الانتخابية.
ثالثاً: الفئات التسع المحرومة من مباشرة الحقوق السياسية
1. المحكوم عليهم في جرائم الجنايات
تأتي هذه الفئة في مقدمة من يُحرمون من الحقوق السياسية. فالمحكوم عليه في جريمة من جنايات القانون العام، لا يجوز له أن يشارك في الانتخابات أو يترشح حتى تُرد إليه اعتباره قانونيًا.
والغرض من ذلك هو حماية المنظومة السياسية من العناصر التي ثبت ارتكابها جرائم جسيمة تمس الأمن أو الشرف أو النزاهة.
2. المحكوم عليهم في جرائم مخلة بالشرف أو الأمانة
تشمل هذه الجرائم السرقة، الرشوة، التزوير، النصب، خيانة الأمانة وغيرها.
ويرى القانون أن من فقد شرفه أو أمانته لا يمكن أن يكون مؤتمنًا على صوت الشعب أو على تمثيله في مؤسسات الدولة.
ويستمر الحرمان إلى حين صدور حكم برد الاعتبار أو انقضاء المدة القانونية المحددة.
3. من صدرت ضدهم أحكام نهائية في قضايا إرهاب أو انضمام لتنظيمات محظورة
يُعتبر الانتماء إلى تنظيمات تهدد أمن الدولة أو تمارس العنف سببًا كافيًا لحرمان العضو من مباشرة حقوقه السياسية، لأن ولاءه للمجتمع موضع شك.
ويأتي هذا الإجراء في إطار مواجهة التطرف فكريًا وسياسيًا، وضمان عدم تسلل عناصر هدامة إلى مؤسسات الدولة المنتخبة.
4. من حُكم عليهم بعقوبة الحبس في جرائم انتخابية
تشمل هذه الفئة الأشخاص الذين تورطوا في التلاعب بالانتخابات، مثل شراء الأصوات أو تزوير أوراق الاقتراع أو التلاعب في نتائج الفرز.
وهؤلاء يُمنعون من ممارسة أي نشاط انتخابي لفترة محددة، وذلك حماية لنزاهة الانتخابات.
5. المحجور عليهم قضائيًا
المحجور عليه هو الشخص الذي سُلبت أهليته القانونية بسبب فقدان العقل أو العته أو الإفلاس أو غيرها من الحالات التي تقرها المحكمة.
وبما أنه لا يملك القدرة على إدارة شؤونه الخاصة، فمن المنطقي ألا يُمنح صلاحية المشاركة في القرارات العامة.
6. من أعلن إفلاسه ولم يُرد إليه اعتباره
يُعتبر الإفلاس في القانون المصري أمرًا يمس الثقة العامة في ذمة الشخص المالية.
فإذا لم يُرد إليه اعتباره بعد تسوية وضعه المالي، يُحرم من ممارسة الحقوق السياسية، لأن الإدارة العامة تحتاج إلى أشخاص يتمتعون بسمعة مالية سليمة.
7. من حُكم عليهم بعقوبة الحرمان من الحقوق السياسية
قد يصدر القاضي حكمًا بعقوبة تكميلية تنص على الحرمان من الحقوق السياسية، سواء بشكل دائم أو مؤقت، تبعًا لطبيعة الجريمة.
ويُعتبر هذا الإجراء من الأدوات القانونية لضمان ردع المخالفين والمحافظة على سمعة الدولة.
8. من أُحيلوا إلى محاكم الجنايات أو أمن الدولة بتهم تمس الشرف أو الأمن القومي
في بعض الحالات، يتم تعليق مباشرة الحقوق السياسية حتى صدور حكم نهائي، وذلك لضمان عدم استغلال المتهمين مواقعهم للتأثير على القضاء أو الرأي العام.
فالمتهم في قضية تمس أمن الوطن لا ينبغي أن يُمنح صوتًا سياسيًا في أثناء نظر القضية.
9. العاملون في القوات المسلحة والشرطة أثناء الخدمة
يُمنع أفراد القوات المسلحة والشرطة من ممارسة الحقوق السياسية أثناء الخدمة حفاظًا على حيادهم المهني والمؤسسي.
فهم يُمثلون أذرع الدولة الأمنية ولا يجوز أن يكونوا طرفًا في صراع سياسي أو حزبي.
لكن بمجرد انتهاء الخدمة، تُرد إليهم حقوقهم كاملة.
رابعاً: المدة القانونية لحرمان الحقوق السياسية
الحرمان ليس دائمًا في كل الحالات؛ فالقانون يُميز بين الحرمان المؤقت والحرمان الدائم.
ففي بعض الحالات يُرفع الحرمان تلقائيًا بانقضاء المدة المحددة، مثل حالات الإفلاس أو انتهاء العقوبة، بينما يتطلب في حالات أخرى صدور حكم قضائي برد الاعتبار.
خامساً: إعادة الاعتبار واسترداد الحقوق السياسية
يتيح القانون للمواطن الذي فقد حقوقه السياسية إمكانية استعادتها بعد استيفاء الشروط القانونية.
ويتم ذلك من خلال تقديم طلب إلى النيابة العامة لرد الاعتبار بعد مرور فترة زمنية معينة من تنفيذ العقوبة أو زوال سبب الحرمان.
ويُعد رد الاعتبار بمثابة شهادة ثقة جديدة من الدولة للمواطن، تؤكد أنه أصبح صالحًا للاندماج من جديد في المجتمع والمشاركة في الشأن العام.
سادساً: الفرق بين الحرمان والتعليق
من المهم التفرقة بين الحرمان التام من الحقوق السياسية والتعليق المؤقت.
ففي بعض الحالات، يُعلق حق المواطن في التصويت أو الترشح فقط دون أن يُحرم من باقي الحقوق المدنية،
بينما في حالات أخرى، يُحرم حرمانًا شاملًا يشمل المنع من عضوية الجمعيات أو الأحزاب.
سابعاً: الأثر المجتمعي والسياسي لهذه الإجراءات
يرى خبراء القانون الدستوري أن تنظيم مباشرة الحقوق السياسية على هذا النحو يُعد من علامات النضج التشريعي في أي دولة.
فالديمقراطية الحقيقية لا تعني السماح المطلق بالمشاركة دون ضوابط، بل تتطلب أن يكون المشارك مؤهلًا وملتزمًا بالقانون.
ومن ناحية أخرى، فإن هذه الضوابط تُرسخ مبدأ المسؤولية والمحاسبة، وتدفع الأفراد إلى الحفاظ على نزاهتهم وسيرتهم الطيبة،
إذ يعلم كل مواطن أن ارتكاب جريمة مخلة بالشرف قد تُحرمه من حقوقه السياسية لسنوات.
ثامناً: الرؤية الحقوقية للمنظمات المدنية
بعض منظمات المجتمع المدني ترى أن الحرمان من الحقوق السياسية يجب أن يُراجع دوريًا لضمان ألا يتحول إلى أداة تمييز أو عقوبة إضافية.
فالمجتمع الديمقراطي يُبنى على إعادة التأهيل لا على الإقصاء الدائم.
لذلك تطالب هذه الجهات بتقصير مدة الحرمان في بعض الحالات البسيطة، مثل الجرائم غير العمدية أو تلك التي لا تمس النزاهة.
تاسعاً: الدور التوعوي للدولة والمجتمع
لا يكفي أن تُحدد القوانين من يُحرم من الحقوق السياسية، بل يجب أن يكون هناك وعي مجتمعي بأن هذه الحقوق ليست مجرد امتياز،
بل مسؤولية وطنية تستوجب النزاهة.
ومن هنا تقوم الدولة بحملات توعية قبل كل انتخابات لتوضيح القواعد، وتدعو المواطنين للتحقق من أهليتهم قبل الإدلاء بأصواتهم.
عاشراً: مقارنة مع القوانين الدولية
تشير الدراسات المقارنة إلى أن أغلب الدول الديمقراطية تضع قيودًا مشابهة.
ففي فرنسا مثلًا، يُحرم المحكوم عليهم في جرائم الفساد من الحقوق السياسية لخمس سنوات.
وفي ألمانيا، يُحرم من يثبت تورطه في جرائم ضد الدستور من المشاركة مدى الحياة.
أما في الولايات المتحدة، فإن القوانين تختلف من ولاية إلى أخرى،
لكن في بعض الولايات، لا يُسمح للمجرمين السابقين بالتصويت إلا بعد انتهاء فترة مراقبة السلوك وإعادة التأهيل.
حادي عشر: التوازن بين العقوبة وحق المواطنة
التحدي الأكبر أمام المشرّع هو إيجاد التوازن الدقيق بين حماية الديمقراطية وصون كرامة الفرد.
فليس الهدف من الحرمان الانتقام، بل تحقيق الردع الإصلاحي الذي يدفع المواطنين للالتزام بالقانون،
ويحافظ على نزاهة العملية السياسية.
ثاني عشر: نحو مستقبل سياسي أكثر نزاهة
من المهم أن يُنظر إلى هذه القواعد باعتبارها جزءًا من منظومة شاملة للإصلاح السياسي،
وليست مجرد قيود، إذ إنها تسعى لبناء ثقافة احترام القانون وتعزيز الثقة بين الدولة والمجتمع.
فكلما كان النظام الانتخابي نزيهًا والمرشحون مؤهلين ومشهودًا لهم بالكفاءة،
كلما زادت قوة البرلمان والمؤسسات المنتخبة، وارتفعت مكانة الدولة على المستويين الإقليمي والدولي.
خاتمة
الحقوق السياسية ركن أصيل من أركان الديمقراطية، لكن ممارستها مسؤولية قبل أن تكون امتيازًا.
والدولة حين تحدد الفئات المحرومة من مباشرة هذه الحقوق، فإنها لا تسلبها اعتباطًا،
بل تُوازن بين المصلحة العامة والعدالة الاجتماعية.
ومن ثم فإن وعي المواطنين بحقوقهم وواجباتهم هو الضمان الحقيقي لحماية الحياة السياسية من الانحراف أو الفساد.
في النهاية، تبقى القوانين قابلة للتطوير والتحديث،
لكن جوهرها يجب أن يظل قائمًا على مبدأ أن الحق في المشاركة يُمنح لمن يحترم القانون ويحافظ على شرف المواطنة.






