الصحة والجمال

أنفلونزا فائقة التحور تجتاح بريطانيا وتحذيرات من أسوأ شتاء منذ عقود

تشهد المملكة المتحدة الآن ما وصفه مسؤولون صحيون بأنه بداية “أسوأ موسم إنفلونزا منذ سنوات” بعد رصد سلالة متحورة من فيروس الإنفلونزا A-H3N2 التي تُعرف إعلاميًا بـ”الإنفلونزا الفائقة”. هذه السلالة أظهرت قدرة عالية على الانتشار وتسببت في أعداد قياسية من حالات الدخول إلى المستشفيات بنسب تفوق المعتاد لهذا الوقت من العام، فيما تطالب السلطات بارتداء الكمامات، وتسريع حملة التطعيم، وتفعيل تدابير وقائية صارمة في المستشفيات والمدارس والأماكن المزدحمة. الخبر أثار قلقًا واسعًا في الشارع البريطاني والعالمي، وأثار سؤالاً كبيرًا: هل هذا الشتاء هو بالفعل الأكثر خطورة منذ عقود؟ وما الإجراءات التي يجب اتخاذها لتجنّب الكارثة؟

سلالة H3N2 المتحورة: لماذا تصنف بأنها “فائقة”؟

السلالة المسيطرة حاليًا هي H3N2 من فيروس الإنفلونزا، لكنها اكتسبت طفرات تجعلها أكثر عدوى وقدرة على التسبب بمرض شديد مقارنة بالسلالات المعتادة، وفق تصريحات مسؤولي الصحة البريطانيين.

هذه الطفرات، بحسب علماء الفيروسات، قد تجعل المناعة المكتسبة من التطعيم السابق أو عدوى سابقة أقل فعالية، ما يرفع من خطر الإصابة، خصوصًا بين الأطفال وكبار السن والمرضى ذوي المناعة الضعيفة.
وتأتي هذه السلالة بعد موسم إنفلونزا شديد عانت منه دول أخرى مثل أستراليا، ما جعل الخبراء يتوقعون أن الشتاء الجاري سيشهد ذروة كبيرة في الإصابات.

أرقام صادمة من المستشفيات تُنبئ بموسم شتاء مرعب

أعلنت NHS England أن أعداد المرضى المقبولين في المستشفيات يوميًا بسبب الإنفلونزا تجاوزت 1,700 مريض — وهو رقم يفوق المعدل المعتاد لنفس الفترة في الأعوام الماضية. كما أن عدد حالات العناية المركزة ازداد بشكل ملحوظ.
وكان من المأمول أن يبدأ موسم الإنفلونزا في ديسمبر لكن الحالات ظهرت مبكرًا، ما يعني ضغطًا إضافيًّا على طواقم التمريض والإسعاف وأقسام الطوارئ.
بعض المناطق شهدت ارتفاعًا بنسبة 70٪ في حالات الدخول للمستشفى في أيام قليلة، مما دفع السلطات إلى وصف الوضع بأنه “قريب من الانهيار” إذا استمر على هذا النحو.

هل اللقاح يحمي من السلالة الجديدة؟ ما تقول الجهات الصحية

دعت السلطات الصحية بريطانية المواطنين، وخصوصًا أصحاب الفئات الأكثر عُرضة للخطر (كبار السن، مرضى المناعة، الأطفال)، إلى تلقي لقاح الإنفلونزا بأسرع وقت ممكن.

لكن العلماء أوضحوا أن بعض الطفرات في السلالة تجعل فعالية اللقاح أقل من المعتاد، خاصة في الوقاية من العدوى، لكن لا يزال يُقلل من فرص الدخول إلى المستشفى أو الإصابة الشديدة.
ولهذا السبب تؤكد الجهات الطبية أن التطعيم مهم، لكنه ليس ضمانًا مطلقًا — ويجب أن يُصاحبه التزام بالإجراءات الوقائية الأخرى مثل الكمامات، التهوية الجيدة، وتجنب التجمعات قدر الإمكان.

أعراض الإنفلونزا المتحورة.. متى يجب القلق؟

تشبه أعراض السلالة الجديدة أعراض الإنفلونزا التقليدية: حرارة مرتفعة، سعال شديد، زكام، صداع، آلام في الجسم وإرهاق عام — لكن ما يميزها هو سرعة تفشيها وشدتها أكثر من المعتاد.

كما أن الأطفال هم الفئة الأكثر تأثرًا، سواء في الإصابات أو معدلات دخول المستشفى، ما أثار قلقًا في الأوساط التعليمية والعائلات.
وتؤكد السلطات أن أي شخص تظهر عليه الأعراض يجب أن يرتدي كمامة ويتجنب الاختلاط، خاصة في الأماكن المزدحمة أو عند وجود أشخاص مع وضع صحي ضعيف.

كيف تحاول المدارس والمستشفيات التصدي لتفشي الفيروس؟

بدأت عدة مدارس في بريطانيا باتخاذ إجراءات احترازية مشابهة لتلك التي شهدتها في أوقات الجائحة: منها تعليق الأنشطة الجماعية في التجمعات، تقليل التجمعات بين التلاميذ، وتشديد التهوية ونظافة الفصول، ودعوة التلاميذ والطاقم التعليمي إلى ارتداء الكمامات.
أما المستشفيات فقد عادت لوضع استراتيجات طوارئ، بإعادة جدولة العمليات غير العاجلة، وتوفير أسرّة إضافية، وتعزيز حراسة الأقسام الحساسة مثل الطوارئ والعناية المركّزة، خصوصًا أن الأعداد زادت بشكل مفاجئ.

تحذير عالمي: أوروبا والعالم قد يتأثرون أيضًا

المتخصصون في أمراض الجهاز التنفسي يؤكدون أن السلالة المتحورة التي اجتاحت بريطانيا وبدأ موسمها مبكرًا قد تنتشر إلى دول أوروبية أخرى، خصوصًا مع حركة السفر المكثفة في موسم الأعياد.
وهذا يعني أن ما يحدث في بريطانيا قد يكون بمثابة تجربة إنذار لمجتمعات أخرى؛ فارتفاع أعداد الإصابات والمستشفيات المكتظة يمكن أن يؤدي إلى أزمة صحية تتجاوز حدود المملكة المتحدة، خصوصًا إذا لم تُتخذ الإجراءات الوقائية مبكرًا.
الدعوات اليوم ليست فقط لتلقي اللقاحات، بل لتنسيق الجهود على المستوى الأوروبي والعالمي لمراقبة الفيروس وتحديث اللقاحات إن لزم الأمر.

نصائح للمواطن العادي: كيف تحمي نفسك وأسرتك هذا الشتاء؟

أولًا: الحصول على لقاح الإنفلونزا فورًا إذا كنت من الفئات المؤهلة أو تنوي مخالطة أشخاص من الفئات الضعيفة. ثانيًا: الالتزام بارتداء الكمامة في الأماكن المزدحمة أو المغلقة، خصوصًا في وسائل النقل العام أو المستشفيات أو أثناء الزيارات. ثالثًا: غسل اليدين باستمرار، وتجنب لمس الوجه، والحفاظ على التهوية الجيدة في المنزل والعمل. رابعًا: تجنب التجمعات الكبيرة قدر الإمكان، وإذا ظهرت أعراض — حرارة، سعال، تعب شديد — يجب العزل فورًا واتصال الطبيب. هذه الإجراءات قد تبدو بسيطة لكنها الآن أهم من أي وقت مضى.

لماذا هذا الشتاء قد يكون الأسوأ منذ سنوات؟

المزيج بين سلالة أكثر عدوى، انتشار الفيروس في سن مبكرة، دخول الأعداد الكبيرة للمستشفيات قبل ذروة الشتاء المعتادة، ونقص في الإقبال على اللقاح في بعض المناطق، جعل الخبراء يتحفظون على وصف هذا الموسم بأنه “عادي”. فبحسب الأرقام، أعداد الدخول للمستشفيات أعلى من أي موسم في السنوات الأخيرة مقارنة بنفس التوقيت، وقرار بعض الدول الأوروبية بعدم تشديد الإجراءات ساعد على انتشار العدوى.
لهذا السبب، الحكومات وأنظمة الصحة تحذر من “تسونامي صحّي” إذا لم يلتزم المواطن بالإجراءات الوقائية بشكل جاد.

كيف أثرت الإنفلونزا الفائقة على الاقتصاد البريطاني؟

مع ارتفاع الإصابات بشكل غير مسبوق، بدأت تأثيرات الإنفلونزا الفائقة تظهر على قطاعات اقتصادية متعددة، أبرزها قطاع التجزئة الذي شهد غيابًا جماعيًا للموظفين، ما أدى إلى نقص العمالة في وقت حساس من العام. كما تأثر قطاع النقل العام نتيجة تغيب السائقين، وظهرت تأخيرات في حركة الحافلات والقطارات. أما الشركات الصغيرة فقد شعرت بالضغط الأكبر، إذ إن غياب موظف واحد فقط قد يعطل العمل لساعات أو أيام. إضافة إلى ذلك، رفعت المستشفيات تكاليف تشغيلها نتيجة استهلاك أكبر للمعدات الطبية وأدوية الإنفلونزا، فيما تشير التوقعات إلى أن العبء الاقتصادي قد يمتد طوال فصل الشتاء إذا استمرت الإصابات في الارتفاع بالوتيرة الحالية.

هل يمكن أن تتحول السلالة الفائقة إلى وباء عالمي جديد؟

رغم أن الإنفلونزا المتحورة لم تُصنَّف حتى الآن كتهديد وبائي عالمي، إلا أن سرعة انتشارها وقدرتها على إصابة الفئات العمرية كافة تثير مخاوف خبراء الصحة العالمية. فالعالم اليوم أصبح مترابطًا بشكل غير مسبوق، ما يعني أن انتقال الفيروس من دولة إلى أخرى يمكن أن يحدث خلال ساعات فقط عبر السفر الجوي. وإذا لم تُتخذ إجراءات وقائية فعّالة في أوروبا ودول الشرق الأوسط وآسيا، فقد تتكرر سيناريوهات ارتفاع الإصابات كما حدث في بريطانيا. منظمة الصحة العالمية تتابع الأمر بدقة، وتحلل الطفرات المكتشفة لتقييم خطر تحوّلها إلى موجة عالمية، خصوصًا إذا استمرت قدرة السلالة على تجاوز المناعة المكتسبة من اللقاحات السابقة.

دور التكنولوجيا في مواجهة تفشي الإنفلونزا الفائقة

اعتمدت المراكز الصحية في بريطانيا على عدد من الأدوات الرقمية للتعامل مع الانتشار السريع للسلالة، مثل تطبيقات المتابعة اليومية، وأنظمة الذكاء الاصطناعي التي تراقب معدلات الدخول إلى المستشفيات، وتحدد المناطق الأكثر عرضة للانتشار. كما ساعدت البيانات الضخمة في التنبؤ بالمناطق التي ستشهد زيادة في الإصابات قبل حدوثها فعليًا، ما أتاح للمستشفيات إعطاء الأولوية لتوفير الأسرة والأدوية في المناطق الأكثر خطورة. ويؤكد الخبراء أن الاستثمار في التكنولوجيا الصحية سيصبح عنصرًا أساسيًا في مواجهة أي موجات مستقبلية، خصوصًا في ظل التطور السريع للفيروسات وقدرتها على التحور.

خاتمة: هل نستطيع مواجهة التسونامي؟

الوضع في بريطانيا اليوم يجسّد كيف أن الفيروسات المتحورة ما زالت بعيدة عن الانقراض، وأن استعداد الحكومات والمجتمعات لا بد أن يكون مستمرًا. إدراك الخطر والالتزام بالتطعيم والإجراءات الوقائية هو ما سيحد من انتشار الفيروس، وليس التفاؤل فقط. هذا الشتاء يختلف، وقد يكون حقًا من أصعب المواسم على الصحة العامة. لكن مع الوعي والمسؤولية الفردية والجماعية، يمكن أن نواجه “الموجة الفائقة” بدون أن تصبح كارثة جماعية.

 



هل كان المحتوى مفيداً؟

نعم
لا
شكرا لك

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى