
أثار علماء الآثار دهشة كبيرة بعد العثور على مقبرة امرأة تعود إلى ما قبل 4000 عام، كانت مدفونة إلى جانب مروحة مصنوعة من ريش النعام، في موقع أثري يقع ضمن نطاق الحضارات القديمة في شمال إفريقيا. هذا الاكتشاف النادر يعكس أن تلك المرأة لم تكن عادية، بل ذات مكانة اجتماعية مرموقة، ربما كانت كاهنة أو من علية القوم، حيث ارتبطت المراوح قديماً بالسلطة والرمزية الدينية.
ما يزيد من أهمية هذا الكشف أن المروحة لم تكن مجرد أداة للتبريد، بل أداة طقسية محاطة بالهيبة، وقد وُجدت موضوعة بعناية فوق جسد المرأة، في وضع يُظهر اهتمامًا واضحًا بشعائر الدفن. هذا يدل على طقوس دقيقة ومعتقدات عميقة تخص الحياة بعد الموت، ما يدفع الباحثين لإعادة النظر في دور النساء في تلك المجتمعات القديمة، وتقدير مدى حضورهن الرمزي والروحي.
أحزمة الرأس: رموز سلطة نسائية في عصور ما قبل التاريخ
يرتبط هذا الاكتشاف الجديد أيضاً بأحد أقدم الشواهد على استخدام أحزمة الرأس، والتي كانت توضع غالبًا للتزيين أو لأغراض شعائرية. ففي ذات المقبرة التي وُجدت فيها مروحة النعام، وُجد حزام رأس مزخرف مصنوع من ألياف نباتية دقيقة وأحجار شبه كريمة، مما يؤكد أنه كان يستخدم بشكل رمزي وجمالي معًا.
-
اليوم على كوكب الأرض قد يصبح 25 ساعة2024-06-28
هذه الحلية تثبت أن مفهوم الزينة والهوية الشخصية لدى النساء في تلك الحقبة لم يكن بدائيًا كما يُعتقد، بل متطورًا ويحمل دلالات ثقافية معقدة. فقد كانت أحزمة الرأس تعبيرًا عن الانتماء، وربما رتبة اجتماعية، ومما لا شك فيه أن صاحبة المقبرة كانت تحمل صفات القائدة أو العارفة بأسرار الطقوس، وهو ما يستدعي إعادة قراءة دور المرأة في مجتمعات ما قبل التاريخ.
الطقوس الجنائزية القديمة تعيد رسم دور المرأة في الحضارات المبكرة
مع دراسة محتويات المقبرة، اتضح أن المرأة دُفنت وفق طقوس دقيقة وعناية فائقة، بدءًا من وضع الجسد وحتى تنظيم الأدوات المحيطة به. فقد عُثر إلى جانب المروحة وحزام الرأس على أوانٍ فخارية، ومرايا مصقولة، وقلائد حجرية، مما يعكس طقوس انتقال للآخرة ذات طابع احتفالي وروحاني كبير.
تكشف هذه الطقوس عن تقدير واضح لدور المرأة ومكانتها، فهي لم تُدفن بعشوائية، بل كُرمت كما يُكرّم الزعماء الدينيون أو النخب الحاكمة. هذا يدعم فكرة أن المرأة في تلك الفترات لم تكن مجرد تابعة، بل كانت حاملة للمعرفة، وربما وسيطة بين الأرض والعالم الآخر، وهو تصور مغاير للصورة النمطية التي رسّخها التاريخ التقليدي.
ريش النعام كمادة فاخرة في العالم القديم
كانت مروحة النعام المكتشفة في المقبرة رمزًا للأبهة والمكانة، حيث ارتبط ريش النعام في العصور القديمة بالفخامة، واستخدم في قصور الملوك والكهنة الكبار. تشير هذه القطعة إلى أن المرأة المدفونة كانت تحظى بمقام اجتماعي كبير، واستخدمت عناصر الترف في حياتها ووفاتها.
يعتقد الباحثون أن الحصول على ريش النعام كان مكلفًا ويتطلب مهارات في الصيد والتجارة، خاصة وأن هذه الطيور كانت منتشرة في مناطق بعيدة عن موطن الدفن، مما يعني وجود شبكة علاقات أو تبادل تجاري متطور. بهذا، فإن ريش النعام لم يكن مجرد زينة، بل جزء من منظومة رمزية واقتصادية تشير إلى السلطة والثروة.
المقبرة تكشف عن بدايات مفاهيم الأناقة الشخصية
من الأدوات التي عُثر عليها في المقبرة، نجد مرآة مصقولة ومشطًا صغيرًا مصنوعًا من العاج، إلى جانب حزام الرأس. هذا يعكس اهتمام المرأة في تلك الحقبة بجمالها ومظهرها الشخصي، وهو ما ينفي فكرة أن العصور القديمة كانت تفتقر إلى مفاهيم الأناقة والعناية الشخصية.
المثير أن الأدوات كانت موضوعة في أماكن محددة، وكأنها ستُستخدم لاحقًا في حياة ما بعد الموت. هذا يعزز من الاعتقاد بأن المجتمع آنذاك كان يؤمن باستمرارية الوجود، ويعكس وعيًا جماليًا عميقًا حتى في أكثر المراحل قِدمًا من التاريخ البشري. فالجمال هنا لم يكن زينة عابرة، بل امتداد للهوية الروحية.
أدوات التجميل في عصور ما قبل الأسرات: ما بين القداسة والخصوصية
من خلال تحليل المواد الموجودة في المقبرة، اتضح أن المرأة كانت تمتلك أدوات تجميل بدائية ولكن متقنة، مثل الكحل المصنوع من مسحوق الفحم والمعادن، وزيوت معطرة محفوظة في أوانٍ صغيرة. يشير هذا إلى أن التجميل لم يكن مجرد رغبة جمالية، بل طقس مقدس ربما يمارَس قبل أداء الشعائر أو المناسبات.
المثير أن هذه الأدوات شبيهة بما تم العثور عليه في مقابر ملكية لاحقة، ما يثير احتمال أن تلك المرأة كانت تشغل منصبًا كهنوتيًا أو ملكيًا رمزيًا في مجتمعها. وعليه، فإن ما نراه من عناصر جمالية كان يعكس طبقات أعمق من الرمزية والقوة الروحية.
تسريحات الشعر وحزام الرأس: مزيج بين الجمال والهوية
أظهر فحص الجمجمة والمواد العضوية أن المرأة كانت تضع تسريحة شعر معقدة، ربما كانت تتضمن ضفائر أو لفائف مزينة بأشرطة نباتية. وقد وُجد حزام الرأس مثبتًا بطريقة تُظهر أنه كان جزءًا من هيئة مقدسة أو احتفالية، لا مجرد زينة.
يعزز هذا الاكتشاف الفرضية القائلة بأن تسريحات الشعر في الحضارات القديمة كانت لغة هوية، تُعبّر عن الحالة الاجتماعية أو الدينية لصاحبتها. وربما كانت هذه المرأة تتمتع بوضع خاص يُظهره تكامل حزام الرأس مع تسريحتها، وهو ما يجعلنا نعيد النظر في تطور مفهوم الأزياء والتجميل منذ فجر التاريخ.
الأزياء القديمة من خلال رفات دفين واحد
رغم أن القماش لم يصمد لأربعة آلاف عام، إلا أن بقايا أنسجة نباتية وألياف دقيقة وُجدت على جسد المرأة تشير إلى أنها كانت ترتدي ملابس محاكة بعناية. إضافة إلى حزام الرأس، كانت ترتدي قلادة حجرية دقيقة الصنع، ما يشير إلى اهتمام بالأناقة واستخدام عناصر رمزية في اللباس.
يكشف هذا عن مدى تعقيد مفهوم اللباس في عصور ما قبل التاريخ، وأن الأزياء لم تكن مجرد وسيلة للستر، بل وسيلة للتعبير عن الذات والانتماء، وربما الإيمان. وهكذا، فإن صورة المرأة المتحضرة والمعبّرة عن ثقافة غنية، تبرز بوضوح في هذا الاكتشاف الاستثنائي.






