قصص إثارة وغموض

عبقري سجين كرسي

مات وترك لغزاً

عبقرية الأرقام.. هي ميزة أحترمها، وعارف إني مش متميز فيها.

 من أيام الدراسة وكان عقلي كل ما يشوف الأرقام بيحصله توقف مفاجئ، وعلى الرغم من ده ما أقدرش أوصف نفسي بصفة الغبي بس أنا عقلي بيحب أكتر الجمل والحروف، هي دي اللغه اللي بيعشقها وبينجح فيها.

 عماد فريد.. كان ما فيهوش شبه مني في أي حاجة، كان بيتميز بالعبقرية الرقمية، حتى إنه يقدر يحفظ أي رقم من مرة واحدة، ويقدر يعمل أي عمليات حسابية ببساطة.

 حاولت فترة إني أشاركه إهتمامه في الأرقام، بس ما عداش وقت كبير وأقتنعت إن موهبته العبقرية في الأرقام هي موهبة أتولد بيها، ومن ناحية تانية أنا متميز عن عماد في مواهب تانية، لعب الرياضة، والقوة الجسدية، حبي للشعر، يمكن الحاجة الوحيدة اللي بيحبها عماد غير الأرقام هي الموسيقى وبيقول عليها: الموسيقى مسائل رياضية ليها صوت.

 من الناحية العملية عماد اتجه لدراسة الرياضيات وبقى ليه مكانه كبيرة جداً فيها، أما أنا فبقيت ضابط شرطة، يمكن كان السبب ورا الموضوع ده القوة الجسدية اللي عندي.

علاقتي بعماد ما انتهتش مع الدراسة، فضلنا أصحاب هو بيكملي اللي ناقص في عقلي، وأنا بكمله اللي ناقص في جسمه، ولما بقى عندي 24 سنة أتجوزت تغريد اللي بقت أم لأولادي الثلاثة، أما عماد ما ارتبطش وما أتجوزش وشاف إنه من الأفضل يبص للحياة ديه من بعيد.

 لما تم عماد ال 30 سنة حصلتله حادثة بالعربية كبيرة، أتقلبت بيه العربية، الحمدلله هو خرج منها حي، بس للأسف كان عنده تمزق شديد في الحبل الشوكي اللي هيخليه يقعد بقية حياته على كرسي متحرك.

كانت أمه ست كبيرة في السن مكنتش تقدر إن هي تعتني بيه بشكل كويس، عشان كده جبتله عبير بنت لطيفة بقت المساعدة بتاعته، وممكن نقول إنها بتقوم بكذا وظيفة قارئة وممرضة وأم ومربية.

فضل عماد بيشتغل في المهنة اللي بيحبها وهي تدريس الرياضيات، وليه تلاميذ ومحبين اللي بيشهدوله بالذكاء والعبقرية.

 فضلنا مع بعض بنتقابل مرتين في الأسبوع، وفضل هو قاعد على الكرسي المتحرك بجسمه الضعيف، بس عينيه كلها قوة وثبات وإصرار.

كنت أفضل قاعد جنبه أحكيله عن مشاكلي أو نخرج أنا وهو نشم شوية هوا، أو نتكلم عن المواقف والحكايات اللي مرينا بيها وإحنا صغيرين، دايماً بيجي سؤال في عقلي إيه اللي هيحصل لو عماد مكانش موجود في حياتي؟! يا ترى كنت هبقى إيه!

 وكل ما الوقت ما يعدي بشوف عماد بشكل أقوى وأوضح، عقل عبقري محبوس في جسم ضعيف، ساعات بفكر إن الحادثة اللي حصلتله كانت نعمة أكتر ما هي مأساة.

العبقرية اللي وصلها دلوقتي مكانش هيوصلها لو كان في أي حاجة تانية بتشغله هو دلوقتي عقل بس.

طبعاً عمري ما قلتله الكلام ده لإن علاقتي بيه بعيدة عن أي شفقة، وديه حاجة هو بيحبها لإنه دايماً بيعتقد إن الشفقة بتكون على الناس الضعيفة أو زي ما بيسميها قليلة الحيلة.

 كنت قاعد مع عماد في يوم وحكيتله عن حادثة في شغلي من باب كسر الملل والتسلية، أنا أصلا مكنتش ماسك القضية ديه.

 قلتله: علي البحراوي، راجل عنده حاجة و50 سنة، ليه شركات كتير، بيشتغل رجل أعمال، وبيشتغل في القروض وبيعمل صفقات وغيرها، محدش يقدر ينكر عليه إنه راجل بيتمتع بذكاء شديد وعنده سرعة بديهة مش طبيعية.

 كان عماد بيبصلي وهو ماسك كوباية الشاي وبيركز في اللي بقوله.

 كملت كلامي: طبعاً أكيد جه في دماغك إن هو انتهت روحه!.

 إبتسم عماد وقالي: أنا مش هقول أي تعليق غير لما أسمع القصة كلها.

 فكرتني قعدتي معاه بفيلم شارلوك هولمز وصاحبه قليل الذكاء، وطبعاً أنا مكنتش بلعب هنا دور هولمز، أنا بلعب دور صاحبه، ودايماً في الفيلم هولمز بيستنتج قبل ما ياخد المعلومات كاملة بس عماد هنا كان مختلف عنه.

كملت: في اليوم الموعود فضل علي في الشركة بتاعته لغاية وقت متأخر، وتاني يوم الصبح جه الفراش يفتح الشركة عشان يلاقي إن علي قاعد على المكتب بتاعه بس مضروب برصاصة في دماغه.

أنا هنا هقولك الملخص اللي وصلتله الشرطة، بعد البحث والتحريات لقوا إن في شخص قابل علي في الليلة ديه وقعد معاه، ويمكن كان الموضوع ليه علاقة بفلوس أو صفقة، ويمكن حصل ما بينهم خناقة اللي إتطورت بعد كده إن الشخص ده خرج مسدس وخلص على علي.

بس قبل الوفاة كان علي ماسك ورقة وكتب عليها كلام مش مفهوم، والأكيد إن القاتل اتأكد إن الورق ديه مش مكتوب فيها حاجة تخصه وبعد كده هرب، ده كل اللي حصل، ما لقوش أي بصمات، ما فيش شهود، عدد كبير جداً من المشتبه فيهم.

عماد وهو بيشرب كوباية الشاي: ليه مش عايز تديني تفاصيل أكتر؟!

 قلتله وأنا بطلع ورقه من جيبي: عليك إنك تحل القضية بناء على المعلومات اللي إديتهالك، ودي صورة الورقة اللي كانت موجودة قدام علي بعد ما أتقتل، الشرطة عندها شك كبير إن يكون مكتوب في الورقة ديه إسم القاتل.

 عماد: وليه ما تقولش إن القاتل ساب الورقة ديه عشان يشتت البوليس أكتر.

 رديت عليه: لا مش ده اللي حصل، الدم اللي موجود على المكتب وعلى الورقة بيثبت إن الورقة ديه كتبها القتيل قبل وفاته، وبعدين إحنا لحد دلوقتي ما قدرناش نفك لغز الورقة ديه فيبقى إزاي هو عايز يشتتنا بحاجة غير مفهومة.

 مسك عماد الورقة وفضل يبص عليها كانت ورقة عادية جداً مكتوبة بخط سريع بيدل على الإستعجال والسرعة وكان مكتوب فيها: 

1234 و أ ث أ ؟؟

فضل عماد يفكر.. وهو بيشرب كوباية الشاي ويفكر، طبعاً أنا عارف إن في اللحظة ديه دماغه بتشتغل بأقصى طاقتها، حتى إن شوية شاي وقعوا على البنطلون بتاعه وهو ما خدش باله، وطبعا ما حسش بيهم لإن يعتبر الجزء السفلي ده غير موجود أصلا بالنسبة له.

 دخلت عبير الاوضة وسألته عن حاجة، ومن كتر تركيزه ما ردش عليها، كنت متخيل إن الأرقام والحروف ديه ما لهمش أي فايدة ولا أهمية، زي مثلاً لما أنت بتتكلم في التليفون ومعاك قلم بتقعد ترسم أشكال وحروف ملهاش معنى بالنسبة ليك.

 بصلي عماد وقالي: مين هم المشتبة فيهم؟

 رديت عليه: في عدد كبير جداً من المشتبه فيهم لأنه كان ليه مشاكل مع ناس كتير.

 عماد: ممكن تقرأ لي بعض الأسماء منهم.

 خرجت ورقة من جيبي وبدأت أقرأ: حسام فريد، علاء فايز، محمد أبو القمصان، نادية فواز وهي مراته بالمناسبة، أمجد حيدر، خيري سالم، خميس منصور،محمو..

 وقفني وسألني وهو سرحان: في إسم حد من القايمة اللي عندك بيبدأ بحرف الخاء؟

 بصيت في القايمة وحركت راسي: هو مفيش غير خيري سالم، وخمي..

عماد بحماسة: هو خيري سالم، هو القاتل.

 بصتله في ذهول ورديت بغيظ: إنت عرفت منين، وما تقوليش بقى حاسة سادسة، ولا إنت بتعمل سحر هنا.

 حط كوباية على الترابيزة وقال في هدوء: ولا ده، ولا ده، القتيل كان ذكي جداً، وكان عايز يكتب إسم القاتل بس لو عمل كده كان القاتل هياخد الورقة وهيقطعها أو يحرقها، عشان كده كتب الأرقام والحروف اللي تظهر لأي حد إن مالهاش أي معنى، في الأول هو كتب 1234، معناهم إيه؟ أرقام مكتوبة بالترتيب، وبعد كده كتب و أ ث أ  معناهم إيه؟

 قلتله وأنا لسه متغاظ: الله أعلم السر مات مع اللي مات.

رد بإبتسامة: لا دي برده ترتيب عددي، بيركز على الحرف الأول في العدد يعني واحد أثنين ثلاثة أربعه، اللي هي الحروف الأولى ليه و أ ث أ،وبعد كده عمل إثنين علامة إستفهام معناهم، إيه هما الحرفين اللي بعد كده، طبعاً اللي جاي بعد كده هي خ..س  اللي هم أول حرفين في خمسة وستة اللي هو خيري سالم. 

رديت بصوت عالي: مكان كتب خ..س من غير كل ده وخلاص.

عماد بهدوء: لو كان القاتل شاف الحرفين دول اللي بيدلوا عليه كان طبعا حرق أو أخذ الورقة.

 قمت وقفت وقلتله: إنت متخيل إن شخص خلاص ثواني وحياته هتنتهي، يجي في دماغه إنه يكتب رسالة بالشكل ده.

 عماد بنفس الهدوء: ما اعتقدش إن هو اخترع الطريقة ديه في نفس اللحظة، أكيد كان بيستخدمها قبل كده في شغله أو في ملفاته، ويمكن تخيل إن حد هيفهمها.

 أنا: بس ما حدش فهمها.

 عماد بابتسامة: لا حصل دلوقتي.

 اللي ما حكيتوش لعماد إنه فعلاً كلامه صح، وإن الشرطة قبضت على القاتل بعد الجريمة بدقائق، وكان هو خيري سالم، اللي كان جاي يترجى علي إنه يستناه في الديون المتأخرة عليه، ورفض علي، وإتخانق معاه، وكانت قدامه ورقة وشخبط فيها اللي كتبه.

أتجنن خيري على عدم إهتمامه وخرج المسدس وقتله، والشرطة مسكت القاتل عشان سبب تاني خالص، صوت الرصاصة اللي كانت في نص الليل، والفزعه اللي كان فيها خيري اللي خلاه يجري على السلم ما يستناش الأسانسير وطبعاً الجيران اللي طلعت على صوت الرصاصة وشافته وهو بيجري، واللي أكتر من كده دورية الشرطة اللي كانت تحت البيت وجت لما سمعت صوت الرصاصة.

طبعاً بمجرد ما قبضت عليه الدورية أعترف بكل حاجة لأنه كان منهار جداً، بس فضلت الورقة اللي كانت موجودة قدام القتيل لغز ما حدش عرف يحله، لغاية ما عماد حلها في دقايق بسيطة، بس ما أنكرش إني إنبهرت بعلي اللي كان متأكد إنه هيموت ورغم كده كتب الورقة دي عشان يدل على القاتل، مات وترك لغزاً.

عماد: هو إنت مبسوط في حياتك الزوجية؟

 قلتله وأنا بفكر: مش عارف.. ما عنديش وقت إني أفكر، أنا أتجوزت وخلفت ثلاث أطفال في خمس سنين، مش هقدر أعرف الموضوع ده إلا بعد ما أجوز أصغر عيل فيه.

 عماد وهو بيتفلسف: خلينا نقول السؤال بطريقة تانية، هل جوازك لسه فيه نفس الأحاسيس والمشاعر اللي كانت موجودة في قصص حبك القديمة؟

 رديت بسرعة: لا طبعا، الجواز حياة مستقرة وهادية، إنما القصص القديمة كانت قصص مشتعلة.

 رحت وبصيت من ثقب الباب عشان أتأكد إن مراتي مش واقفه وسامعة اللي بيتقال.

 رحت عند الشباك المفتوح وبصيت منه وبدأت أفتكر، كان قدامي مدرسة والطلاب خارجين منها، بدأ المشهد ده يفكرني بنفسي أما كنت بخرج من المدرسة وألعب أنا وأصحابي بالكورة.

أفتكرت نفسي وأنا عندي 15 سنة وكنت طول بعرض، كانت المدرسة ديه مدرسة مشتركة، وكانت هناك شذى البنت الجميلة اللي كنت ببذل أقصى مجهود في الرياضة عشان خاطرها، وبعد كده أرجع البيت أبذل أقصى مجهود في المذاكرة عشان خاطرها، يمكن تحن عليا وتبصلي بصة واحدة.

بصيت لعماد: إنت فاكر شذي صح؟

حرك عماد راسه بمعنى أيوه، هو كان من النوع اللي مبيركزش مع البنات ولا كان الموضوع من ضمن إهتمامه.

 عماد: أنا فاكر إن إنت كنت بتحبها، وفاكر إن هي كانت ذكية جداً، عمري ما شفت في حياتي بنت ذكية زيها، لدرجة إن ذكائها كان بيخوفني.

 رجعت أبص للشباك وقلتله: كان عندي إستعداد أعمل أي حاجة عشان تعجب بيا، بس هي فضلت البنت اللي صعب أي حد يوصلها، لغاية ما جه اليوم اللي قررت فيه إن لازم أحكيلها على كل حاجة لأن معدتش قادر أستحمل.

وفي يوم بعد نهاية اليوم الدراسي كانت قاعدة وجنبها الكتب بتاعتها والآلة الحاسبة، وكانت بتذاكر درس اللوغاريتمات اللي أنا بكرهه، ولما عرفت إن العالم الخوارزمي هو اللي أبتكر العلم ده زعلت أوي، لإني كنت متخيل إنه حد شرير غير عربي هو اللي أبتلانا بالعلم ده.

 بكمل وأنا سرحان: قعدت جنبها وهي بصتلي في ذهول وقالتلي بصوت واطي: الناس كلها شايفانا.

 ما سمعتش اللي هي قالته وبدأت أحكي وأحكي وأحكي عن كل حاجة في قلبي، حكيتلها إزاي بقضي يومي كله في المذاكرة، وإن جسمي كله في إصابات بسبب إني بزود في الرياضة، وإني بشوف وشها في كل مكان، وإني بعمل كل ده عشان خاطرها.

 ردت عليا من غير حتى ما تبصلي: إنت شاب كويس، بس مبتهتمش بعقلك زي ما بتهتم بجسمك، أنا متخيلة إن أنا لو شفت طائر أسطوري فوق المدرسة هصدق أكثر مني أصدق إن إنت تمسك كتاب.

 رديت عليها بإصرار: هحاول أعمل أي حاجة عشان خاطرك، قوليلي إنت كمان إنك هتحاولي إنك تحبيني.

 قالت بهدوء: مش هقدر أقول أي حاجة والكل بيبصلنا.

 وبعد كده مسكت الآلة الحاسبة بتاعتها وبدأت تكتب مجموعة من الأرقام حتى إني فاكرها لغاية دلوقتي كتبت، 0.4 مقسومة علي 200، 0.4 مقسومة علي 200.

 أتضايقت جداً من تجاهلها ليه ومشيت وأنا غضبان، كنت فاكر إن هي بتستهزئ بيه، كنت شايف وقتها إن أنا شاب ما اترفضش طول بعرض، ورجعت البيت وأنا عمال أفكر بسيناريوهات درامية كتيرة.

أموت نفسي وبعدين أموت الباقيين، أو أسافر أشتغل في دولة من الدول وأموت نفسي هناك من كتر الشغل عشان أنساها، بس أنا كنت بحبها.

 وبعد أسبوعين رجعت تاني وكلمتها وكان ردها: ماشي أنا هجرب حبك ليا، النهاردة السبت هطلب منك إن تجيبلي وردة واحدة، وبكرة تجيبلي وردتين، وبعد بكرة تجيبلي أربع وردات، واليوم اللي بعده ثمانية وهكذا، ولو قدرت إن إنت تعمل الموضوع ده أطول مدة ممكنة أنا هحبك.

 عماد وهو بيرجعني من السرحان اللي أنا فيه لأرض الواقع: وطبعا مقدرتش تنفذ الوعد ده.

 رديت عليه بخيبة أمل: سابت المدرسة ومعرفتش إني أوصلها، مشيت بعد ما وصلت ل 32 وردة، تعبت جداً عشان أجمعهم بس شذي كانت تستاهل.

 عماد بإستغراب: يعني ده كان اليوم السادس، وكنت متخيل إنك هتقدر تستمر على كده.

رديت بثقه: وليه لا.. الموضوع ما كانش صعب.

 قرب عماد مني بالكرسي المتحرك ووقف جنبي وبص من الشباك.

 عماد: كانت بتستهزأ بيك يا صاحبي… هي عملت معاك زي الحكيم الهندي ما عمل مع الملك، لما الملك كان عايز يكافئه إنه اخترع لعبة الشطرنج، طلب منه الحكيم إنه يحط حبة قمح في المربع الأول من لعبة الشطرنج، وحبتين في المربع التاني، وأربعة في المربع الثالث وهكذا، لغاية ما يوصل للمربع 64.

وطبعا الملك وافق إنه يعمل كده، وراح رجاله الملك عشان يحسبوا عدد حبات القمح اللي مطلوبه، وأكتشف الملك بعد كده إن كمية القمح اللي مطلوبة عشان ينفذ وعده مع الحكيم هتحتاج كل القمح اللي موجود على كوكب الأرض.

مد إيده عماد وخرج على الكمبيوتر ناتج ضرب 2 في نفسه 64 مرة وخرج ناتج مكون من 20 رقم حبة قمح، فأنت يا صديقي لو وصلت لليوم ال 64 معاها كنت هتقطف نفس عدد الورود.

 رديت بإستغراب: وده معناه إيه!

 عماد بهدوء: كانت بتحاول إن هي تعجزك، هي كانت عارفه كويس إن هي هتسيب المدرسة بعد ست أيام.

كمل عماد وهو بيضرب أرقام علي الآلة الحاسبة وقال: أول مره قعدت فيها معاها عملتلك إختبار بسيط بي إنت فشلت فيه، طريقة معروفة أوي للكتابة، حيث إنه الأرقام العربية بتشبه الحروف اللاتينية على شاشة الآلة الحاسبة، وما تنساش يا صاحبي إن الأرقام 123 دي أرقام عربية، وضحك وقال أما الأرقام اللي إنت متخيل إن هي عربية هي هندية.

 العملية الحسابية اللي إنت سمعت شذى بتقولها كان هيكون الناتج بتاعها0.002 ولو قلبت الإله كنت هتقرأ الكلمة ديه zoo يعني بكل بساطة هي كانت بتديك ميعاد في حديقة الحيوان وأنت ما فهمتش.

 بصيت لعماد في ذهول: معقولة كانت عايزة تقابلني وأنا ما فهمتش رسالتها!

عماد بهدوء: عملتلك إختبار بسيط ويتفهم يا ما تفهمش، ولو كنت فهمت كنت هتبقى بتستحقها فعلاً، بس إنت مشيت غضبان.

 قمت بصوت عالي وبغضب: يعني هي قالتلي المكان اللي هتقابلني فيه وأنا ما فهمتش؟! وجاي أفهم دلوقتي بعد 30 سنة.

 عماد بخبث: هو ده اللي حصل.

 قلت بصوت عالي وأنا في قمة الغيظ: يعني كان ممكن إن أكسب شذى حبيبة قلبي وأنا اللي ما فهمتش.

 فجأة كانت ملامح عماد بتتغير وعمال يرفع حواجبه وينزلها، لفيت ظهري عشان ألاقي تغريد مراتي وعبير واقفين وهما ماسكين صينية عصير وصينية كيكة، كانت بتبصلي بصة عمري ما شفتها في حياتي، حطت الصينية، لو كانت النظرة رصاصة كنت وقعت ميت في لحظتها، وبعد كده مشيت ومعاها عبير.

 عماد بصوت واطي: كلام بيني وبينك إنت ما تستاهلش شذى، أولًا مفهمتش طريقة كتابة الحروف على الالة الحاسبة، ثانياً مقدرتش توطي صوتك وانت بتزعق بإسم حبيبتك الأولى ومراتك واقفة في المطبخ اللي جنبك، صدقني يا صاحبي إنت ما تستاهلهاش. 

موت مع إيقاف التنفيذ 

حرارة الصيف.. تقتل التفكير، تقتل الأحلام، ممكن إن هي تقتل أي حاجة حلوة أو جميلة وبالذات في ساعات الحرارة الشديدة في الظهر في يوم من أيام شهر أغسطس.

في الأجزخانة اللي عند أول الشارع بتقعد سميرة، البنت اللي بتتصف بالوسط في كل شيء، في الشكل الجميل، في الحالة المادية، في الدراسة العلمية، فإنت ما تقدرش تقول عليها إنها شكلها وحش، أو معدومة مادياً، او بتفتقر العلم، بس في نفس الوقت ما تقدرش تقول عليها رائعة الجمال، أو غنية، أو درجتها العلمية والثقافية عالية، فهي وسط في كل شيء.

 كانت في اليوم ده قاعدة في الأجزخانة بتتابع مسلسل على التلفزيون، دخل شاب الأجزخانة.

 كان الشاب ده طويل لابس نضارة سوداء، عنده جرح معلم على خده اليمين، لابس لبس يعتبر كويس بيدل إن ذوقة أنيق.

وقف في الأجزخانة للحظات وبدأ يبص على المنتجات اللي موجودة على الرفوف، دي حاجة تعرفها سميرة كويس، بتدل إن الزبون بيحاول يفتكر الحاجة اللي هو عايزها، في الآخر بيطلب الشاب منها إسم دواء معين عشان يقلل من شهية الأكل، وطبعا هيأدي الى نقصان الوزن.

بصت سميرة على على لبسه الواسع، وسألت نفسها عن السبب اللي يخليه يطلب دواء زى ده، يمكن طالبه لمراته اللي وزنها بدأ يزيد، أكيد في حكاية ورا طلب الدواء ده، كان من عادة سميرة عشان تكسر الملل إنها تكمل تخيل بقية الحكاية في دماغها.

راحت سميرة لرف الأدوية، وأخذت منه الدواء المعين وبدأت تكتب على العلبة: خمس حبايات قبل الأكل بربع ساعة مع شرب كوباية ميه كبيرة… ثلاث مرات يومياً.

 إستغرب الشاب من كمية الجرعة.

 سميرة: فكرة الأدوية ديه إن القرص الواحد بينفش في المعدة فبياخد حيز من المعدة، وبالتالي تبدأ الأكل وإنت يعتبر بطنك مليانة.

 الشاب وهو ماسك العلبة وبيلفها يمين وشمال: مفيش أي نشرة تعليمات؟!

 سميرة: الادوية ديه كدة، ما تقلقش الأدوية  بتبقى عبارة عن ألياف نباتية، ده حتى لو الطفل خد العلبة كلها مش هيكون في أي ضرر.

خرج الشاب ورقة ب 200 جنية، خدتها سميرة واديته الباقي، مشي الشاب وبعد كده رجعت تتفرج سميرة على التلفزيون.

 كنا في الوقت ده قاعدين أنا و عماد عنده في البيت.

 قال عماد وهو بيرمي المنديل الخامس في الباسكت: ما فيش أمل، واضح إن ده المرض اللي هموت فيه.

 ما شاء الله زي ما أتعودت على عماد متفائل جداً، بس الحقيقة كان تعبه والمرض اللي هو فيه بيدي الإيحاء ده، مناخيره حمراء وعينيه دبلانه، أصعب دور إنفلونزا شفته من زمان، الغريب إن الحالة دي تحصل في شهر أغسطس.

كان عماد قاعد على كرسي متحرك مش قادر إنه يتكلم أو إنه يتنفس، وكانت عفاف كل خمس دقايق تقريباً تدخله عصير ليمون سخن، بس بدون فايدة كإنه بيسوء أكتر.

 قلت لعماد: إنت هتحتاج مضاد حيوي.

 عماد بغيظ: إزاي اخذ مضاد حيوي مع فيروس، إنت لازم تقرأ شوية وتزود معلوماتك  في الطب.

 وشاور عماد على صف من الأوراق وقال: المفروض إني أقرأ كل الأبحاث العلمية ديه، بس دماغي مش قادرة تركز وعندي صداع شديد.

 رديت بسرعة: هجيبلك مسكن من الأجزخانة، هي قريبة من هنا.

 بحس بفرحة لما بقدر أساعده في حاجة، لأن هو عنده كبرياء شديد ما بيحبش أي مساعدة من حد.

نزلت في الشارع، كانت الأجزخانة قريبة من البيت، وفوجئت إن في حالة درامية في الشارع عياط، وصريخ وزعيق.

 وكان فيه إثنين رجاله بيتكلموا بصوت عالي وبنت بتعيط.

 على حسب ما فهمت إن البنت إسمها سميرة كانت عماله تقول وهي بتعيط: أنا مليش دعوة باللي حصل ده، وواحد من الرجلين اللي واقفين بيرمي عليها اللوم وبيوصفها بالغباء وبيقول بصوت عالي: قلتلك إني هاحط دواء علاج السكر في العلبة ديه وإنتي قلتيلي ماشي.

 دخلت في الحوار وسألت واحد من الرجلين اللي واقفين على الموضوع.

 رد واحد منهم: الأستاذة باعت دواء علاج السكر على إنه دواء تقليل الشهية.

 قلت للراجل: وهل ده في مشكلة؟

 رد الراجل: دواء السكر بيتاخد حباية أو حبايتين في اليوم، أما دواء تقليل الشهية فبيتاخد خمس حبايات قبل الأكل ثلاث مرات في اليوم.

قلت: دي مشكلة!.

 رد عليا بإنفعال: دي مصيبة الولد ده هياخد خمس حبايات مرة واحدة قبل الأكل، يعني هيموت قبل ما يفهم إنه بيموت.

 سألت الراجل بغباء: طب إنت ما بلغتوش بكده ليه؟

 الراجل: ده زبون مش دايم، مش من سكان المنطقة، ما نعرفوش ولا شفناه قبل كده، ومش هنشوفه تاني أبدا.

 طبعاً الموقف ده يفكرك بالجملة الشهيرة الدواء فيه سم قاتل.

سمعت من البنت أوصاف الشاب وقلت بالثقة: انا ضابط شرطة، وان شاء الله هلاقي حل.

 بس هلاقي حل إزاي، في الفيلم الصيدلي أتصل بالمسؤول، وفي دقائق كانت الإذاعة بتقول الجملة الشهيرة، وكان الكلام ده في وقت كانت الناس قليلة وبيشغلوا الإذاعة بشكل مستمر، في حالتنا دي أنا محتاج أكثر من نص يوم عشان حد يوافق انه يبلغ الخبر ده في الإذاعة غير كده مش كل الناس بتسمع الراديو.

 رجعت البيت وبلغت عماد بالحكاية، رغم التعب الشديد بدأ يركز ويسأل في تفاصيل.

 عماد: يعني الشاب الغلبان ده معاه دلوقتي علبة من دواء السكر وهيستخدمها على إنها دواء لتقليل الوزن!

كمل وهو بيحرك راسه: قد إيه في غباء وإستهتار من الناس، أحتفظ بعلبة دواء خطير زي ده في علبة دواء تاني من غير ما يسجل أي ملاحظة أو بيانات!!

فكرتني بالأمهات اللي بيحطوا الكلور في أزايز العصير، وترجع تعيط وتصوت لما إبنها يشربه، وللاسف بيكون الطفل يا أما مات فوراً أو حصله أحتراق في المريء.

بدأ يفكر عماد وبعد كده طلب مني: ناولني التليفون.

 طلب رقم وبعد كده قال: أزيك يا محمد، في راجل أشترى دواء تقليل وزن في علبة، أنت بتقول إيه؟ مش وقته دلوقتي، المصيبة إن العلبة فيها دواء هيقتله، الشاب ده لابس لبس شكله كويس، عنده جرح عامل علامة على خده اليمين، ولابس نظاره سوداء، الصيدليه اللي أشترى منها الدواء إسمها إبن سينا، وموجودة في الشارع.. أنا عايزاك تبلغ الرسالة دي لخمسة من اللي تعرفهم، اللي يلاقي الشاب ده يتصل على الرقم… دي أمانه هيسألك عليها ربنا، مصير الشاب ده بين إيديك.

 وقفل السماعة وطلب رقم تاني: أزيك يا شريف في راجل أشترى دواء تقليل وزن……

 وعمل نفس الموضوع تلات مرات كمان، وبصلي هو مبتسم.

 قلتله وانا بشكك في اللي هو عمله: إنت متخيل إن اللي إنت عملته ده هينفع!

 عماد بإبتسامة ثقة: طبعاً هينفع، ده يمكن يكون هينفع أكثر من موضوع الإذاعة نفسها، كل واحد من اللي كلمتهم نبهت ضميره إن دي أمانه قدام ربنا، وإن مصير الشاب بين إيده، عشان كده مش هيقدر ما ينفذش اللي أنا طلبته منه، عشان إحنا شعب متدين، أصبر وهتشوف، الساعة كام دلوقتي؟

 قلتله: الساعة 1:15.

 وفضلنا مستنين.

بدأت أعطس زيه ومناخيري ترشح، تقريباً أنا أتعديت منه، وبدأت أشك إن ده المرض اللي هينهي حياتي، طلبت من عبير إنها تجيبلي ليمون سخن، أما عماد فحاول إنه يراجع شوية من الأبحاث العلمية اللي كانت عليه.

 الساعة 3:45 رن التليفون، عماد ماسك السماعة.

بدا يركز جداً في المكالمة: مهندس دياب؟ أهلا بحضرتك أنا عماد فريد… تمام شكراً لحضرتك، حضرتك بتقول إن إنت جاره، وبلغته؟ يعني هو ما أخدش الأدوية؟ متشكر لحضرتك جداً.

 قفل السماعة وبصلي بصت المنتصر.

كنت في حالة ذهول: إزاي؟… في ساعتين إلا ربع.

 مسك عماد ورقة وقلم وهو مبتسم إبتسامة ثقة: الناس مش فاهمة قوة المتتابعات، بص يا سيدي إحنا قلنا القصة لخمس أشخاص، هنفترض إن مكالمة التليفون هتاخد ربع ساعة، فالساعة 1:00 كان شخص واحد بس اللي عارف القصة.

 وفي الساعة 1:15 عرف القصة خمس أشخاص وأنا، يعني ست أشخاص.

 في الساعة 1:30 دقيقة كان منقول الخبر 6 +(5×5 ) ناتجهم 31 شخص.

 في الساعة 1:45 دقيقة كان منقول الخبر 31 + ( 5 × 25) ونتجهم كان 156 شخص.

الساعة 2:00 كان الخبر عرفوا 156 + (125x 25) ونتجهم 781 شخص.

 الساعة 2:15 دقيقة كان الخبر عرفوا  781 + (625  x 25 ) ونتاجهم 3906 شخص.

 في الساعة 2:30 دقيقة كان الخبر عرفه 3900 + (25×3125 ) ونتجهم 19531.

الساعة 2:45 دقيقة كان الخبر عرفوا 19531 +( 15625×25) ونتجهم 97656.

يعني إحنا قدرنا نوصل الخبر تقريبا 100 ألف شخص في أقل من ساعتين.

 رديت عليه بإستغراب: على فكرة إحنا عددنا وصل للملايين دلوقتي.

 رد بإبتسامة: وده من حسن حظنا إن واحد من ال 100 ألف كان يعرف الشخص ده، وبعدين لو كان الموضوع أستمر عدد ساعات أكتر، كان خلال 24 ساعة القاهرة كلها هتعرف.

 وبدأ يرجع تاني لحالة التعب اللي كان فيها قبل كده.

عماد: تقدر تروح الأجزخانة دلوقتي تشتري الدواء، وتاخذ معاهم الإجراء القانوني المناسب، توجهلهم تهمة الإهمال أو حاجة زي كده.

 قلتله وأنا بعطس: أنا مش قادر أروح في حته، خلي عبير تنزل تجيب لنا إحنا الإثنين دوا، أنا مبسوط إني جيتلك النهاردة وكان ده سبب في إني أنقذ حياة إنسان، بس مجيتي ليك برضو النهاردة هتكون سبب في نهاية حياتي أنا.

 بس ده ما يمنعش إني كنت منبهر بذكاء وعبقرية عماد المعتادة.

في يوم تاني

ما كانش صاحبي عماد فريد من الأشخاص اللي بتهتم بالرياضة حتى قبل ما اتصاب في الحادث، وكان بيسأل أسئلة تافهة لما بيكون بيتابع معايا أي مباراة على التلفزيون، وساعات كتير مش بيعرف يفهم يعني ايه أوف سايد أو تسلل، ولثواني كنت بحس إن هو غبي وبعد كده أرجع في كلامي لإن آخر حد ممكن يتصف بالغباء هو عماد.

 كان ممكن وهو بيتابع المباراة يقول حاجات غريبة ما لهاش أي دعوه بالموضوع، في مرة كنا بنتفرج على مباراة كرة قدم والمعلق قال إن فيه في الإستاد حوالي 100 ألف متفرج موجودين في المدرجات.

 عماد: إنت متخيل إن فيه 270 فرد في الناس دي ليهم نفس تاريخ ميلادك؟

 بصيتله بذهول، كمل عماد كلامه: إحنا بنتكلم بشكل متوسط يعني ممكن يكون الرقم ده أكبر أو أقل حاجة بسيطة، بس لو كان الكلام على 10 مباريات فالنتيجة هتكون دقيقة أكتر من كده.

 قلتله: وينطبق الموضوع ده برضو عليك، إنت مولود 29 فبراير.

 عماد بإبتسامة: أنا الشاذ من القاعدة، في حوالي 68 فرد ليهم نفس عيد ميلادي من المشاهدين، ورجع يكمل أكله ورجعت أنا أكمل المباراة.

شوية دخلت عبير وهي جايبه الشاي وفضلوا يتكلموا في موضوع ما حاولتش إني أسمعه، بس بجد مراتي ديه عندها حق، عبير بتحب عماد، بس يا ترى إيه اللي هيحصل للحب ده؟ ولو هو ما خدش باله يبقى غبي، ولا يمكن أنا اللي غبي بسبب اللي عملته بعد كده.

 تاني يوم قررت إني أسافر أنا ومراتي والأولاد رحلة عبر الصحراء، بصراحة مش فاهم إيه فكرة إن الناس يحطوا نفسهم وعيالهم وشنطهم في عربية ويسافروا في الصحراء، بس للأسف هو ده اللي حصل، دي رحلة صعبة وشاقة، وعدد ساعاتها طويل خاصة لما يكون الإنطلاق من القاهرة.

قررنا نروح الرحلة ديه في شهر مايو قبل زحمة المصايف، وكنت أنا وزوجتي وأولادنا الثلاثة وبالعافية خدنا معانا عبير وعماد، قعد عماد جنبي في الكرسي اللي قدام وعلى رجليه طفل، وتغريد مراتي وعبير قعدوا في الكنبة اللي ورا وعلى رجل كل واحدة منهم طفل.

بدأت الرحلة وبدأ عماد يحكي للأولاد قصص مسلية، وكنت خلاص فقدت صبري الطريق طويل ما بيخلص، حاولت أمتلك أعصابي عشان ما اقتلش الحمولة البشرية الموجودة في عربيتي.

 بدأنا نمشي على الطريق الصحراوي ونمر بفنادق وقرى سياحية اللي بيقعد فيها الزائرين لمدة ثلاث أيام تقريباً مرة واحدة في السنة وبعد كده تبقى  قرية خالية.

فجأة بدأت العربية تعمل أصوات وتطلع دخان، كإنها بتطلع في الروح، ركنت على جنب وديه كانت أحسن حاجة عملتها لإنها كانت خلاص طلعت في نفسها الأخير.

 نزلت من العربية فتحت الغطاء وطبعاً ما فهمتش إيه المشكلة، بس هي حركة لا إرادية كل السواقين بيعملوها.

 تغريد مراتي: في مشكلة؟

 رديت بعصبية: هو ما فيش غير مشكلة،  بصيت على الطريق ما فيش أي عربيات جاية والطريق ده ما بيمشيش فيه مرور كتير، الحل الوحيد إني أمشي يمكن ألاقي حد يساعدني ويفضلوا هما في العربية.

 وبدأت رحلتي الشاقة، كان الوقت قرب على العصر قد إيه الموضوع هيبقى لطيف.. ليل وصحره، كان نفسي أعيط وأجري أستخبى جنب حد من الكبار، بس المصيبة إن أنا من الكبار اللي لازم أبقى قوي وأدي القوة والأمان للي حواليا.

 فضلت أمشي وأمشي تقريباً ساعة، كل حاجة حواليا كانت شبه بعض.

 فجأة لقيت من بعيد وسط الرملة جنب الطريق، جسم غريب وفي تليفون مدفون نصه في الرمل، وطبعاً بحدثي البوليسي قربت عشان أشوف في إيه، بس لازم أخذ بالي عشان ممكن إني أتعمق في الرمال وأوصل لحقل ألغام مثلاً، لقيت آثار أقدام مشيت عليها وبدأت أسمي بالله.

 قربت أشوف التليفون، أتفزعت ورجعت لورا، كان في إيد ماسكة التليفون، واضح إن الحيوانات المفترسة نبشت اللي مدفون، وأكيد الموضوع ده ما كانش من مدة طويلة وإلا كانت الرياح أخفت آثار الأقدام.

 حاولت إني أحدد أنا فين، عشان أقدر أرجع للمكان ده تاني، ما فيش أي شجر أوعلامة مميزة في المكان سحبت غصن شجرة كان موجود على الطريق وغرسته في الأرض، دلوقتي لازم أحدد أنا دخلت في الرمل قد إيه، تقريبا 20 خطوة من الطريق الرئيسي.

 سبت الموقف البشع ده وكملت مشي، والحمد لله المرة ديه ما مشتش كتير 10 دقائق ولقيت ميكانيكي، دقايق وكنت راكب وراه الموتوسيكل راجعين عند العربية.

 طبعا الميكانيكي خد مبلغ كبير، بس ديه كانت أسعد مرة أدفع فيها فلوس وأنا راضي، قعد يكلمني عن حاجات ما فهمتهاش في العربية، المهم إن العربية رجعت تدور تاني.

 مشيت بالعربية وشوية ونامت تغريد وعبير والأولاد، وكده أقدر أحكي لعماد اللي أنا لقيته.

 طبعاً عماد أتحمس للأمر وقال: إحنا لازم نبلغ الشرطة، علشان ناخد حق الشخص اللي مات .

 بدأت أمشي بالعربية وأمشي وأمشي، وفجأة حسيت إن أنا تهت ما عدتش عارف أرجع لمكان الجسم.

عماد: ما كنتش عارف إنت في الكيلو كام؟

 رديت عليه بضيق: لا والله ما كانش معايا مقياس لحساب المسافة.

 عماد بتفكير: إحنا بقلنا قد إيه ماشيين من ساعة ما العربية تعطلت.

 قلت في ثقة: 3 كيلو تقريباً.

 عماد: أنزل أمشي من العربية.

طبعاً نفذت اللي طلبه عماد فأنا واثق فيه وعارف إنه هيلاقي مخرج للي إحنا فيه، بدأ يمسك الساعة بتاعته ويقولي إني أمشي وبدأ يحسب خطواتي، وقال في إبتسامة ثقة: خلاص لقيت الحل يلا تعالى أركب.

 عماد بإبتسامة: إنت لقيت الجسم بعد 4 كيلومتر عن مكان العربية، لان إنت بتمشي في الساعة 4 كيلو متر وإنت لقيته بعد ساعة.

 رديت بإستغراب: يا سلام، وإنت عرفت منين إن أنا بمشي أربعة كيلو متر في الساعة.

 عماد بثقة: في قاعدة بتقول إن عدد الخطوات اللي بتمشيها في ثلاث ثواني هي نفس عدد الكيلومتر اللي بيتقطعها في ساعة، فإنت بتمشي أربع خطوات في ثلاث ثواني يبقى إنت بتمشي 4 كيلومتر في الساعة.

 رديت: أنا ما سمعتش اللي إنت بتقوله ده قبل كده.

 عماد بثقة: بس اللي أنا بقوله صح، وبعدين إحنا قربنا من الكيلو الرابع بطئ العربية ودور معايا على الغصن اللي إنت زرعته.

 ثواني ونده عماد: الغصن هناك أهو.

 نزلت من العربية، وخرج عماد راسه من الشباك وقال في خبث: هتلاقي الجسم بعد 16 متر ونص.

 بصيتله بغيظ: هم 20 خطوة، ما تقوليش إن إنت عرفت طول خطوتي قد إيه؟!

 رد عماد في ثقة: لا عرفت خطوتك بتكون 0.83 متر، في قاعدة تانية بتقول إن طول الخطوة هو نص المسافة بين عينيك وقدمك، وطولك زي ما أنا عارف 175 سم، نشيل منهم 10 سم عشان نوصل لعينيك يعني إحنا بنقول 165 سم، نصهم هيكون 0.83 متر تقريباً، ف 20 خطوةx 0.83هيكون الناتج 16 متر ونص.

 كنت متغاظ جداً من عماد وهو بيتذاكي عليا، بدأت أمشي ال 20 خطوة ولقيت الجسم.

طبعاً اللي قدرنا نعمله إن إحنا نبلغ الشرطة، ومجرد ما الشرطة تيجي وتخرج الجسم هيقدروا يتعرفوا هو مين، مفقود من إمتى، يبدأوا يعرفوا المشتبه فيهم بمعنى أصح ظهور الجسم هيكون بداية الخيط عشان يوصلوا للفاعل.

 كالعادة بيثبتلي عماد إنه عبقري في الأرقام وإن دماغه ديه كمبيوتر.

 رجعت للعربية وحاولت أشغل الموتور ما اشتغلش، كان غلط مني إني أوقفه.

 عماد: هتعمل إيه؟

 فتحت باب العربية وقلتله: همشي في الضلمة 666 متر أو 10 دقائق بخطوه طولها0.83 متر لحد ما الاقي الميكانيكي وأرجع بيه عشان يصلح العربية.

 أنا فعلاً مش عارف إيه السبب اللي يخلي الناس تحط نفسها وعيالها وشنطها في عربية وتمشي بيهم في الصحراء ويسموا الموضوع ده أستمتاع.

رحلة ملعونة

القوة البشرية ما تقدرش تتوقعها، ده اللي أنا قلته لنفسي في الليلة ديه.

في اليوم ده كنت مدعو لحفلة واحد من الأثرياء المعروفين اللي بيسموا نفسهم رجال أعمال.

حفلة من اللي بتحضرها مرة واحدة بس في حياتك، وتفضل بعديها شهور وشهور بتحكي عن اللي حصل فيها.

 قلت لتغريد مراتي: ده حرامي وعاملي الدعوة ديه للحفلة مخصوص عشان بيحاول يكسب صداقة مع رجال الشرطة، متخيل إني هقدمله مساعدة في يوم من الأيام.

 تغريد: بلاش الشك اللي دايماً عندك ده، ديه مجرد حفلة لناس أثرياء ما فيهاش أي مشكلة.

 بمجرد ما دخلنا كانت الفيلا رائعة الجمال، حمام السباحة مليان بالاضاءة الملونة وبلالين بتغطي سطحه، وحوالينا دخان غريب، وأشعة الليزر اللي بتضرب من وقت للتاني.

كان فيه جسر خشبي مايل جداً بشكل منحدر وآخره المسرح (وكنت وقتها مش فاهم إيه سبب وجود الجسر الخشبي المنحدر ده) وعلى المسرح في فرقة موسيقية بتعزف الألحان، وكان في مطربة بس أنا مش عارف إسمها مش متابع الساحة الفنية، بس هي ليها شعبية كبيرة ومنتشرة جداً.

أما بقى البوفية أصناف الأكل اللي موجودة عليه فهي أصناف غالبا بنشوفها في التلفزيون، وأنواع يمكن ما نعرفش أسمائها.

طبعاً وقت الأكل ما أكلتش غير الحاجات اللي أنا أعرفها ما لوش لازمة نجرب حاجات ما نعرفهاش.

كان فيه كتير من الغنا والرقص، مجموعة كبيرة من الأشخاص اللي بيتسموا زبدة المجتمع، كل واحد فيهم لازم تقرن إسمه بكلمة باشا.

 على الرغم من حالة الترف الكبيرة اللي كانت موجودة في الحفلة إلا إني ما كنتش فرحان بوجودي هناك، حسيت دلوقتي إن وجودي مع الحرامية والقتلة والنشالين كان في راحة أكثر من وجودي هنا.

 بعد فقرة المغنية والفرقة الموسيقية، ظهر المضيف من مكان مش عارف منين، وبدأ يعلن فقرة هتخطف الأنفاس وتقشعر لها الأبدان.

المضيف: هركليز نفسه موجود معانا في الحفلة النهاردة، وهيقدملنا عروض وفقرات مذهلة.

 بدأت الموسيقى الحماسية ومعاها خرج من تحت الأرض برافعة، شاب ليه طول وعرض ضخم ولابس قميص كإنه جسمه أتحشر في القميص حشر من كتر ما الأزرار هتنفجر من ضخامه جسمه، لونه أسمر، رقبته بتظهر فيها العروق، وتقريباً في الثلاثينات من عمره.

وكانت أول فقرة إن هركليز مسك كأس فاضي وبدأ يقطم الإزاز ويمضغه وياكله، كإنه بياكل حته كيكة، أستغربت السيدات وضحك الرجال، والاستاذ هركليز يخلص أكل الكأس الإزاز ويرفع اللي باقى منه، ويسقف الكل بحرارة شديدة.

دلوقتي جه وقت الفقرة العظيمة، دخلت عربية نص نقل أتحرك الناس عشان تعدي، بدأت السيارة ترجع بظهرها عشان توصل للجسر الخشبي المنحدر.

وبدأ الشخص المضيف يقول: طبعاً أنتم فاهمين اللي مثبت العربية دلوقتي هي الفرامل، بس في أي لحظة ممكن إن هي تنحدر من الجسر، هركليز هيقدر يثبت العربية ديه من غير فرامل.

 دخل هيركليز وربط حبل في أول العربية، وبعد كده شد الحبل وربطة في عمود خارج من المسرح، ولفوا عليه ثلاث مرات، وبعد كده حطه على كتفه وبدأ يشد.

خرج السواق من العربية عشان يثبت للناس إن ما فيش حد دايس على الفرامل بس العربية فضلت ثابتة، وقوه هركليز العظيمة هي الحاجة الوحيدة اللي خلتها كده، بدأ يشد الحبل بقوة وبدأت عروقه تظهر كإنها هتنفجر، دقائق كانت كفيلة بقطع الأنفاس وأنا شايف راجل قادر أنه يشد عربية ممكن توصل وزنها لأطنان، بس بقوتة الجسدية.

 تصفيق حار، صيحات وهتافات، محدش مصدق أبدا اللي اللي هو شايفه.

  تغريد مراتي: لو حقيقي الشخص ده هركليز يبقى أكيد صاحب الحفلة هيكون قارون نفسه.

 أخيراً وقف التصفيق ورجع سواق للعربية وبدأ هركليز يفك الحبل عشان تنزل العربية بكل سلاسة من الجسر الخشبي.

 بعد نهاية الحفلة رجعنا كلنا لبيوتنا بس العرض اللي عمله هركليز فضل في دماغنا محفور، ما كنش من المعتاد إن تكون موجودة العروض دي في الحفلات الكبيرة اللي زي ديه، بس الشخص صاحب الحفلة كان قاصد يقطع أنفسنا من الدهشة.

 تاني يوم بالليل رحت عشان أزور صاحب عمري عماد، بدأت أحكيله علي الحفلة.

أنا بضيق: الحفلات ديه بتحسسني بالطبقية، الناس اللي هناك دي مش ناس عادية زينا، عندهم كل حاجة الفلوس والنفوذ والجمال، أما أنا بقى راجل الشرطة المكافح اللي مش قادر ألاقي سباك كويس يصلحلي حوض المطبخ اللي بينقط.

 عماد بجدية: إنت راجل شرطة مكافح وشريف ومجتهد، تقدر تعمل نفس الفلوس اللي عندهم بس إنت حبيت تمشي في الطريق الصح، يكفي إن إنت فرد صالح في المجتمع بتعمل دورك على أكمل وجه، اما الناس اللي إنت بتتكلم عنهم دول اللي مش معروف هم شغالين إيه، ويمكن بنسبة كبيرة تكون ثروتهم ديه جايه من سرقة أو أعمال غير شرعية، بس أكيد إنت تقدر تلاقي سباك كويس.

 أتبسطت جداً بالكلام اللي قاله عماد، كإني كنت حابب أسمعه، هفتكره عشان أعيده لمراتي تاني.

 أنا: العروض اللي أتقدمت هناك كانت مبهرة.

 عماد بهدوء: طبعاً لازم تبقى كده السبب الوحيد اللي دعاكم ليها صاحب الحفلة إنه يخليكم في حالة إنبهار وذهور، في روما كان الأشخاص الأثرياء بيرموا السجناء للأسود عشان يبهروا ضيوفهم، طبعاً العروض ديه بالنسبة للناس اللي ما بينزلوش الحواري والشوارع فهي شيء مبهر.

أنا: بس هي حاجة مبهرة فعلاً.

عماد: أنا بختلف معاك، إنت عارف إن موضوع أكل الإزاز كان موجود بين طلاب كلية هارفرد سنة 1973، لغاية ما إدارة الكلية أصدرت أوامر صارمة في الموضوع ده، بسبب إن في طالب حاول إنه يعمل كده عشان يذهل ويبهر صحابه، فأكل كوباية إزاز ومصباح كهربه، وطبعاً إنت شايف إن ميزة أكل الزجاج بتكون لأشخاص عندهم قدرات غير عادية، أما بقى لما عملها الأشخاص العاديين كان كل اللي عايزينه يبهرو أصحابهم، طبعاً ما أنصحكش إنك تجرب الموضوع ده لأنه خطير.

 أنا: طيب لو ده تفسيرك لأكل الإزاز، إيه هيكون تفسيرك بقى لموضوع شد العربية بالحبل، مش هتقدر تقولي إن هو عمل كده بالتمرين.

مسك عماد ورقة وقلم وبدأ يعمل حسابات وقالي: هنفترض إن وزن العربية النص نقل 50 طن فهركليز اللي بتتكلم عنه ده ما كانش محتاج الا لقوة 9 كيلو جرام، فمثلاً إنت عمرك ما أشتريت حاجات من السوق، ورجعت شايل كمية أكياس كبيرة وزن 10 كيلو جرام! هو ده بالظبط القوة اللي أحتاجها هركليز.

أنا بذهول: هترجع تتكلم بالألغاز تاني.

 عماد بهدوء وإبتسامة ثقة: ديه مش ألغاز ده علم، هركليز اللي إنت بتتكلم عنه ما عندوش أي قدرات غير طبيعية، لو كنت قلتلي إن هو شد العربية بشعره أو شدها بنفسه من غير العمود، كنت قلتلك إن عنده قدرات خارقة، ولكن الحالة اللي إحنا بنتكلم فيها ده يعتبر هركليز شخص نصاب بس بيفهم في علم الميكانيكا.

 كنت متأكد إن عماد عنده تفسير لكل ظاهرة، كنت متأكد إنه هيقنعني، بدأت أشرب كوباية الشاي وقعدت قدامه زي الطفل الصغير عشان أفهم.

 عماد وهو بيقرب مني الورقة اللي كتب فيها معادلات وحسابات كثير: الموضوع بسيط من زمان جداً كل الناس عارفه إنك لما تلف الحبل حوالين عمود كذا مرة، فإن التلامس بين العمود والحبل بتوصل لمقدار كبير، وكل ما زودت عدد لفات الحبل بيزيد قوة التلامس، الأمر ده اللي عرفه العالم أولير اللي كان موجود في القرن ال 18 وحط معادلة اسمها…

 قطعته: بلاش معادلات أرجوك أنا مش ناقص تشتيت أكثر من كده.

 عماد بإبتسامة: تمام الموضوع بإختصار إن المعادلة ديه تقدر تحسب القوة اللي عملها هيركليز عشان يهزم وزن قابل للسقوط، فلو كان وزن العربية النص نقل 50 طن، وده رقم كبير جداً، وإن هيركليز لف الحبل على العمود ثلاث مرات فهو هيعوز قوة 9 كيلو جرام تقريباً.

 أنا بالذهول: إنت عايز تقول إن..؟!

 حرك عماد راسه: أيوه هركليز ده ما كانش هركليز، تخيل بقى لو لف الحبل حوالين العمود خمس أو ست مرات ده ممكن يخلي طفل صغير يقدر إنه يشد عربية بنفس الحجم.

 وكمل عماد: نفس الكلام بينطبق على العقدة، كل بحار عارف إن كل ما زود العقد في الحبل كان الحبل أكثر قوة، السبب في ده إن العقدة بتقوم بدور العمود في القصة بتاعتك، عشان كده كل ما زادت العقد، كل مكان الحبل أقوى وأكتر تحمل لشيل الأوزان الكبيرة.

 أنا بنفس الذهول: تفتكر هركليز نفسه يعرف اللي إنت بتقوله ده؟!

عماد: إحنا بشكل يومي بنستخدم الفيزياء في حياتنا من غير ما نعرف إنها معادلات فيزيائية، يعني مثلاً في الشتاء دايماً بنلبس الألوان الغامقة التقيلة من غير ما نعرف إن الألوان ديه بتمتص الحرارة خلاف اللون الأبيض اللي بيعكس الحرارة، وبرضو العربية لما بتبطئ في أي ملف صاحبها ما بيكونش عارف إن ده قانون القصور الذاتي، بس خليك متأكد إن لو قلت للراجل ده إنه يشد العربية على طول من غير ما يلفها في العمود بالحبل، ما كانش هيقدر وهتجري العربية وتقع من المنحدر.

 رديت عليه: يعني الموضوع كله كان خدعة.

 عماد وهو بيحط الورقة بمكتبه: كل حاجة في الليلة ديه كانت خدعة، حتى الناس اللي كانوا موجودين هناك هما كمان خدعة، أشمعنا هيركليز مش هيكون خدعة.

 مرة على مرة بنبهر أكثر وأكثر بذكاء عماد، عرفت بعد كام يوم إن صاحب الحفلة، رجل الأعمال المشهور أتقبض عليه بقروض للبنك بملايين الجنيهات، خداع في خداع، ده حتى هدومه وجزمته اللي كان لابسهم ما كانش شاريهم بفلوسه، أحلى حاجة إن أنا مش مديون لحد ولا بخدع أصحابي بأشخاص عارفين قانون الإحتكاك، الحمد لله أنا أحسن حال من الناس ديه، بس أنا لسه لغاية دلوقتي بدور على سباك كويس، تقدر تعرف واحد؟!

……………….

في صباح اليوم التاني

في اليوم ده لما رحت عند عماد ما كنتش متخيل اللي أنا هشوفه ده.

فتحتلي عبير الباب سألتها عن أخبارها… ردت إن هي كويسة.

 بس لا هي مش كويسة خالص، كان شكلها باين عليها إن هي معيطة عينيها حمراء، مناخيرها منفوخة وحمراء، فتحتلي الباب وبعد كده راحت على البلكونة اللي تقريباً كانت واقفة هناك قبل ما أنا أخبط.

 بصراحة خفت جداً من الحالة اللي هي فيها وجريت وراها سألتها: عماد فيه حاجة؟

  عبير وهي بتحاول تضحك: لا أبدا ما فيهوش حاجة، وبعدين كان ممكن تفتح عليه الباب وتطمن بنفسك.

 رديت عليها: طب إيه المشكله؟! أكيد قالك كلمة زعلتك ما هو كلام وهزاره رخم.

 عبير بسرعة: لا أبدا هو بياخد باله من كلامه معايا جداً، ويمكن هي ديه المشكلة.

 ما كنتش حابب إني أتدخل في خصوصيتها، بس في نفس الوقت ما كنتش مستحمل أشوف دموعها، دموع أي ست هي دموع غالية، دموع أي ست ممكن تعجز أي راجل وتخليه مش قادر يتصرف ولا يفكر، سبت عبير في البلكونة، وطبعاً ما قدرتش أطلب منها كوباية شاي، رحت لمكتب عماد اللي كان قاعد قدام الكمبيوتر بيعمل عمليات حسابية معقدة.

من غير سلام أو تحية كلمته بشكل جاد: أنا مش حابب إني أتدخل في خصوصياتك، بس إنت عارف إن عبير قريبتي، وأنا كنت متخيل إنك هتعملها بشكل أحسن من كده.

 عماد بإستغراب: أنا عمري ما ضايقت عبير لا النهاردة ولا في أي يوم، وإنت عارف كده كويس.

بإنفعال: أمال بتعيط ليه في البلكونه؟!

 عماد بذهول: عبير بتعيط؟ ليه؟!

 يمكن أكون عرفت السبب، مراتي ذكية زي عماد بالظبط، وقالتلي قبل كده إن هي واثقة إن عبير بتحب عماد، وأنا اللي ما صدقتهاش، وفي كل مرة بيحصل قدامي موقف يثبت ويأكد كلامها.

 بتسرع قلتله: أنا حاسس إن عبير بتحبك.

 عماد بغضب: ما تبقاش غبي، عبير بنت جميلة، وأنا شبه راجل، مفيش حاجة باقية مني غير عقلي، إيه اللي هيخليها تتعلق بعقل على كرسي متحرك؟!

عماد ليه جاذبية خاصة، عبقريته وذكائه اللي ما تقدرش إنك تصدقها إلا لما تشوفها، يمكن عبير متكونش مقدرة حجم عبقرية عماد بس هي فاهمة كويس إنه شخص عنده قدرات هائلة.

 عماد في محاولة تغيير الموضوع: إيه سبب زيارتك ليا؟

 هو عارف كويس إن في ثلاث أسباب بتخليني أجي أزوره، إني أطمن عليه، أو أخذ رأيه في حاجة، أوهربان عنده من مشكلة ما بيني وما بين مراتي.

 رديت عليه: ثلاث حاجات مع بعض، أنا هربان من مراتي وجيت أسأل عليك، وأخذ رأيك إن إنت تيجي معايا رحلة للبحر الأحمر الأسبوع اللي جاي.

عماد بإبتسامة: هساعدك في حاجتين أما الحاجه الثالثة فلا، موضوع الرحلة مش هقدر لأن عندي مشغوليات كتير جداً.

 ويكمل عماد بنفس الإبتسامة: أكيد مش هتسافر مع مراتك بما أنك هربان منها.

 رديت عليه بنفس الإبتسامة: هسافر مع إبني الكبير.

 قمت وقفت وفتحت الباب ورجعت لفيت لعماد: حاول إنك تصالح عبير، إزاي ما اعرفش؟ دي مشكلتك إنت!!

 بعد تسعه أيام

 وانا بنهج ومش قادر أخذ نفسي أتصلت على عماد: عماد الحمد لله إنك رديت على التليفون، أنا دلوقتي في وسط البحر الساعه 4:00 الفجر، الدنيا ضلمة حواليا، ما كنتش عارف أتصل بمين، أنا خايف ومرعوب، أنت أول واحد جيت في دماغي عشان أتصل عليك، حاول تركز معايا أنا سافرت أنا وأبني محمود البحر الأحمر زي ما قلتلك، وقضينا يومين كويسين جداً، وبعد كده أتعرفت على بنت أمريكية أسمها مليجا …مش عارف إيه اللي خلاني وافقت على طلبها إن هي تاخد محمود باللنش في وسط البحر، وإمتي بالليل الساعة 12:00.

مش عارف إقتناعت إزاي يمكن تعلق الولد بيها، يمكن جمالها اللي ما تقدرش ترفضله أي طلب، كنت متخيل إن الولد هيبقى في أمان معاها، ليه ما ركبتش معاهم؟ لان أكيد اللانش مش هيستعمل وزننا إحنا التلاتة، دماغي فيها ألف سيناريو، أكيد أنا مش هشوف إبني تاني، بنت وطفل في البحر الظلمة، أتصلت بغفر السواحل بس ما لقيتش منه أي إستجابة، في راجل هنا عرض عليا إني أركب معاه اللانش عشان أدور عليهم، وعمالين نلف بس ما فيش أي فايدة، أنا مش قادر أتخيل أرجع لأمه وأقولها إني ضيعت إبنها.

 عماد.. أنا سامع صوته من بعيد بينادي عليا… بابا، أنا واثق مش بيتهيألي ده صوت محمود بينادي عليا.

 عماد في التليفون: نادي عليه.

 بصوت عالي جداً: محمود…. إنت فين؟!

 يجي صوته من بعيد: أنا على صخرة، اللانش أتخبط فيها بس إحنا كويسين، ألحقنا يا بابا.

كأن الموضوع سهل ولا بسيط، البحر كبير وظلمة، وموضوع التفتيش هيبقى صعب جداً محتاجين طايرة هليكوبتر، إزاي هجيبها، وإمتي؟

 الصخرة ديه ممكن تكون في أي مكان، ممكن تبقى بعيدة كيلو متر أو أكثر، إني سامع صوته فمش معناه إن هو قريب.

 كنت قربت أفقد صوابي لغاية ما لقيت عماد بيكلمني بهدوء: حاول تهدى لأن إنت محتاج ده، ساعتك لسه شغالة أستوب واتش؟

رديت بسرعة: أيوه.

 عماد: طيب أنا طالب منك دلوقتي أنك تنادي على محمود وتشغل الأستوب واتش بمجرد ما تخلص كلامك، وأول ما يوصلك صوته ترجع توقفها تاني، حاول تركز مفيش مجال للخطأ.

نفذت اللي هو قاله بالظبط، وأول ما رجعلي صوت محمود وقفت الساعة قريت الرقم اللي مكتوب عليها: 20 ثانية.

 عماد بهدوء: كده معناه إن في 10 ثواني لغاية ما صوتك وصل لمحمود وعشر ثواني تاني لغاية ما صوته مرجعلك، الصوت بيقطع 340 متر في الثانية يعني هو بعيد عنك بحوالي 3 كيلو متر تقريباً. 

ويكمل عماد: هتتحرك باللانش وتنادي عليه، وحاول إنك تتحرك إتجاه الصوت أكثر، وكل مره تعيد العملية وتحدد الوقت بين صوتك وصوته، وبعد كده تقسمه على إثنين، تضرب النتيجة في 340 متر، كده هتقدر تعرف هو بعيد عنك قد ايه؟

حاولت أنفذ اللي طلبو مني، طلبت من الراجل صاحب اللانش إنه يتحرك جوه البحر أكتر، وقلتله إن يدور في دواير، بدأت أنادي ويجيلي صوت محمود، وأبدت أحسب، البحر ظلمه وما فيش غير نور كشاف اللانش، أنا لازم ألاقي محمود.

 حساباتي بتقول انه بعيد عني 4 كيلومتر، أنا كده ببعد عنه.

 بدأت أنادي: محمود…. إنت سامعني؟

 محمود: أنا سامعك يا بابا.

 أعيد حساباتي، بدأ الصوت يقرب مني إحنا على بعد أقل من 3 كيلو متر.

 قربت أوصل كيلو متر واحد.

 أخذ الموضوع مني تقريباً ساعة ونص لغاية ما بقى الصوت قريب أوي، وفي الآخر لقيت الراجل اللي معايا بينادي: الصخرة هناك أهي.

 بدانا نقرب منهم، وصلت للصخرة وساعدت محمود إنه يطلع والبنت الأمريكية، تحمد ربنا إني ما رزعتهاش كف وقعها من طولها.

إتصال من عماد: هاه، وصلتله؟

الحمد لله قدر عماد إنه يرجعلي إبني في البحر الواسع المخيف وهو قاعد في بيته جوه أوضة نومه، ما قدرتش أتكلم واديت التليفون لمحمود اللي قال: عمو عماد إنت عبقري.

 أخذ عماد نفس عميق وبعدين قال: مش أنا اللي عبقري، العبقري يبقي جون فيرن، هو اللي أستعمل الطريقة ديه في قصة رحلة إلى مركز الأرض عشان يقدر يلاقي عمه.

يكمل عماد: محمود يا حبيبي أنا عايزاك توعدني إن ما تجبش سيرة لماما عن البنت الأمريكية الجميلة، وأنها أخذتك في اللانش في وسط الليل، أوعدني بده. 

حاسس إن إحنا في فيلم أجنبي أكشن.

 قاعد في العربية وعامل نفسي إني مش شرطي، ولا إني براقب حد، جنبي قاعد زميلي عدنان وهو بياكل ساندوتش جابه من المطعم اللي جنبنا، بس عدنان ما كانش شاغل نفسه الناس تعرف هو ظابظ أو لاء.

 العربية واقفة في شارع….. وسط القاهرة، واقف في مكان غير مسموح فيه بالركن، عشان كده كل شوية يقرب مننا شرطي مرور، وبغضب يطلب مننا إن إحنا نمشي، وأول ما يشوف وشنا والنظرة اللي في وش عدنان يهز راسه إن هو فهم ويمشي.

 عدنان والكاتشب بينزل من جنب بقه: شكلنا غريب، لو كنت من المجرمين دول للغيت الصفقة، ويبلغوا بعضيهم إن الشرطة موجودة في كل مكان.

رديت عليه بغيظ: ما فيش مكان نقدر نشوف منه باب السينما غير هنا، ولو سمحت بعد أذنك بطل تتكلم وإنت بتاكل، أكتر حاجة بكرهها بعد إن الشخص ما يقدرش يمسك نفسه عن الأكل شوية، إن الراجل يتكلم وبقه مليان بالأكل.

 عدنان وهو بيشرب مشروب غازي: أنا جعان وده وقت الغداء، إنت بقى مش عايز تاكل ديه مشكلتك إنت مش مشكلتي أنا.

 بصيت في ساعتي ولمست الكاميرا اللي محطوطه على رجلي، كنت عايز أتأكد إني مش هفوت لحظة واحدة إلا لما أسجلها.

 كان في عربيتين واقفين بعيد عننا بكام متر، وكانت مليانه برجالتنا، كنا واخدين احتياطاتنا مكناش عارفين إيه ممكن يحصل.

 شوية وجه راجل من بعيد حاطط إيده في جيبه، والإيد الثانية بياكل آيس كريم، رغم الموقف الخطير اللي هو فيه إلا إنه بيتظاهر إن هو سائح بيستمتع بوقته، قرب من باب السينما وكانت الدنيا زحمة جداً، وفضل واقف وهو عمال ياكل الآيس كريم، بدأ يتلفت حواليه ويبص يمين وشمال، أنا متأكد إن عينه جت في عيني.

 أعرفكم ستيف جان ده إسمه دلوقتي، الشخص اللي يعتبر مطلوب في عدد من الدول، وإللي البوليس المصري حاطط عينه عليه من ساعة ما جه مصر، بس هو حريص جداً وما حدرش قدر إنه يمسكه متلبس، زي مهو ظاهر دلوقتي إنه مجرد سائح بيستمتع بوقته في شوارع القاهرة.

 في هدوء طلعت الكاميرا وبدأت أصور.. بيعمل مكالمة تليفون….. واقف….. شكله حاسس بالقلق.

 في وسط الزحمة يقرب شاب مصري يسلموا على بعض، وبعد كده الشاب يديله شنطة، مجرد شنطة رياضية ما فيهاش أي شك، وبعد كده يديله ستيف ورقة ويبتسمله.

 فجأة الشاشة بتاعة الكاميرا تظلم، رفعت عيني عن الكاميرا عشان أشوف إيه اللي بيحصل، عشان ألاقي عربية فان واقفة قصادي ومنعه عني الرؤية، يروح شرطي المرور يتخانق مع السواق عشان يمشي من المكان ده، وينزل رجالتنا من العربية ويجروا عند باب السينما، بس للأسف ستيف مش موجود.

 اللي واقف الشاب المصري حاول إنه يهرب بس رجالتنا مسكته، حاول إنه يحط الورقة في بقه عشان يبلعها بس قدروا يمسكوه وياخدوا منه الورقة.

قلت لعدنان وأنا ماسك التليفون: خليهم يقبضوا على سواق العربية الفان، أنا متأكد إنه بيشتغل مع ستيف، وإنه أتصل عليه وطلب منه أنه يقف قدامنا لما حس بالقلق.

عدنان بسخافة: قلتلك إن شكلنا غريب كان ناقص نحط يافطة الشرطة في خدمة الشعب.

 رديت عليه بنفس السخافة: حاضر هنعمل كده المرة الجاية، المهم دلوقتي إن الشاب ده قدرنا نمسكه ومهربش، وهنعرف منه كل حاجة.

بس الشاب ما تكلمش.

 بعد فترة من التحقيقات ما قدرناش نطلع بمعلومة مفيدة عن مكان الممنوعات، كل اللي عرفناه إن الشاب ده كانت مهمته إنه يقابل ستيف ويديله الفلوس، وياخذ منه المكان اللي محطوط فيه الممنوعات.

 بس اللي حصل إن إحنا إتدخلنا، وستيف هرب، أما الولد ما يعرفش أي حاجة عن المكان، وطبعاً أفضل حاجة للولد ده إنه يفضل موجود معانا، لأن الناس اللي بيشتغل معاهم أول ما يخرج هيبعتوه على الآخرة.

 الورقة اللي خدها من ستيف، الولد ما يعرفش عنها أي حاجة، كل اللي قاله إن اللي موجود في الورقة ديه شفرة، وأن الناس اللي هو شغال معاهم هما بس اللي يعرفوا يفكوها.

 ولما سأله واحد من الضباط: كنت ضامن إزاي إن الورقة اللي هو بيديهالك فيها مكان الممنوعات.

 رد الشاب بكبرياء: اللي أنا شغال معاهم ناس جامدين جداً ما حدش يقدر يضحك عليهم ده اولاً، ثانياً بقى الأمر ليه علاقة بالإحترام… ما فيش حد هيشتغل مع تاجر ما عندوش إحترام لمهنته.

 النهاردة يوم العجائب العالمي أول مرة أسمع عن إحترام في مهنة تجارة الممنوعات.

مع التحقيقات المستمرة بدأنا نتأكد إن الشاب بيقول الحقيقة، ما كانش قدامي غير حل واحد.

 رحت لبيت عماد منقذي في أغلب القضايا، كان قاعد قدام الكمبيوتر بيشرب الشاي.

أول ما دخلت وسلمت على عماد قلتله: مكنتش حابب إني أعطلك، كنت عايزك تساعدني إني أفك الشفرة ديه.

 إبتسم عماد وقال: شفرة …دي حاجة حلوة أوي.

رديت بسرعة: تاجر ممنوعات….. شحنة كبيرة مستخبيه في مكان ما نعرفهوش…. كل اللي معانا الورقتين دول.

 الورقه الاولى مكتوب عليها: k y_ u t_ Wii_  e j s g_ z h- t x z g h_ n x_  l s_ w o s h.

والورقه الثانيه مكتوب عليها: 4 – 10 – 7 – 3 – 5 – 3 – 5 – 5 – 2 – 1 – 5 – 4 – 1 – 5 – 3 – 2 – 5 – 1 – 5 – 1 – 3 – 5 – 1 – 10 – 4.

عماد وهو مستغرق في التفكير: المفروض في الشفرة إنك بتحول الحرف لرمز أو رقم يعني مثلاً حرف A ترمز له برقم 6، وحرف B  ترمز له برقم 8، أو إنك تدل على حرف A  بوش بيضحك أو علامة زائد، وده شكل مبسط للشفرة.

 رديت بسرعة: طب ما الموضوع سهل وبسيط.

 حرك عماد راسه بمعنى لا: الموضوع مش بسيط تعالي هشرحلك.

يكمل عماد: في قصة الحشرة الذهبية، البطل بتاع القصة لقي شفرة بتدل على كنز، وعشان يحلها فكر، وقال إن أكثر حرف بيستخدم في اللغة الإنجليزية هو حرف E ، عشان كده الشكل اللي هيتكرر في الرسالة هيبقى هو حرف E، ولما لقى إن في ثلاث كلمات بتنتهي بحرف E، والكلمات دي مكونه من ثلاث حروف أستنتج إن دي كلمة the، ومع مجهود كبير جداً قدر إنه يفك الشفرة.

بص عماد على الرسالة وكمل: المشكلة أن مفيش ولا حرف واحد متكرر في الرسالة الأولى، عشان كده فك الشفرة مش هيكون سهل، لأن الراجل ده ذكي جداً.

 يكمل عماد: المشكلة لو هو أستخدم رمز واحد بأكثر من معنى، يعني مثلاً حرف N مرة يشير في الرسالة إن هو حرف M، ومرة يشير إن هو حرفL، وطبعاً الموضوع ده يخلي فك شفرة الرسالة مستحيل.

 يكمل عماد: أي شفرة ليها مفتاح، تقدر من خلال المفتاح ده إنك تفك الشفرة.

 مسك عماد الورقة الثانية وبدأ يفكر وبعدين هتف: لقيتها.

 عماد: هنفترض هنا إن حرف A بيدل على رقم واحد، وان حرف B بيدل على رقم 2 وهكذا، هنلاقي إن الورقة الثانية بتقول إن إحنا نطرح 4 من الحرف الأول في الورقة الأولى، نفس الكلام مطلوب مننا نطرح رقم 10 من الحرف الثاني في الورقة الأولى وهكذا، لغاية ما نفك الشفرة ونوصل للرسالة اللي فيها.

 عماد: يلا هات ورقة وقلم وتعالى.

 قربت من عماد وجبت ورقة وقلم وبدأ يقولي.

 عماد: أول حرف في الورقة الأولى هو حرف K، ورقمه في الحروف الأبجدية 11، الورقة الثانية بتطلب مننا إن إحنا نطرح 4 أرقام يعني هنوصل للرقم 7، ورقم 7 في الحروف الأبجدية هو حرف G.

عماد: نيجي بقى للحرف الثاني Y ،ورقمه في الحروف الأبجدية 25، هنطرح منه 10 هتبقى النتيجة 15، ورقم 15 في الحروف الأبجدية هوO.

 يبقى أول كلمة في الشفرة هي GO،يعني أذهب.

 فضل عماد شغال على نفس الطريقة لغاية ما وصل في الآخر لفك الشفرة إنها:go to the cine WC stuff in third.

وكان معناها روح لحمامات سينما البضاعة في ثالثة.

 رديت: يعني إيه ثالثة؟

 عماد: أكيد يقصد الحمام الثالث.

 جريت على التليفون وأتصلت على عدنان: أبعت قوات دلوقتي تفتش حمامات السينما، أكيد محطوطه في الكومبنيشن، مكان مخفي بعيد عن عيون عمال النظافة، بسرعة قبل ما المجرمين يتصلوا عليه ويبلغهم بالمكان.

 إبتسم عدنان: مش هيحصل، البوليس قبض على راجل في المطار أوصافه زي ستيف هيتم نقله والتحقيق معاه.

قفلت السماعة، ورحت عند الباب، لفيت لعماد وقلتله: شكراً.

………….

في يوم من أيام زيارتي لعماد فتحتلي عبير الباب، وكالعادة قالتلي تقرير مفصل عن حالة صديقي.

 عبير: مش بياكل كويس الأيام ديه، مش عارفه إيه السبب، عملتله شوربة خضار وما أكلش منها إلا كام معلقة، بيشرب قهوة كتير جداً، يا ريت تقوله إن ده هيضره، وطبعاً أنا ما قلتلكش أي حاجة.

 دخلت على عماد، فأنا الوحيد اللي مسموحلي إني أجي من غير موعد سابق.

 أول ما شافني فرح جداً وسلم عليا.

 أنا: أنا مش عارف إيه اللي مخليك ما عندكش شهية الأيام ديه، يمكن يكون سبب الموضوع ده القهوة الكتير اللي إنت بتشربها، طب إنت عارف إن القهوة الكتير ديه ممكن تسبب سرطان البنكرياس، أنا مش بفول عليك بس ده ممكن يكون السبب في إن شهيتك قليلة.

عماد بابتسامة: مين اللي بيبلغك الإخبار ديه؟! أكيد عبير، بتعاملني إن هي أمي، مهما أكلت هي برده مصممة إني مش باكل كويس.

 رديت عليه بخبث: هو الراجل محتاج إيه غير أم وممرضة وبنت جميلة، ويا بخت الراجل اللي عنده زوجة فيها كل المواصفات دي.

بص عماد في كتاب من الكتب اللي قدامه كإنه مش مهتم باللي بقوله وقال: مش صحيح، على فكرة في واحد بيتصل عليها إسمه سامح، بيتصل كتير أوي الأيام اللي فاتت، وأول ما ترد عليه وشها بيحمر وصوتها بيوطي، كويس إن ما أخذتش السماعة وقلتله ما يتصلش عليها في بيتي.

 وكمل عماد بنبرة درامية: عموماً هي ست، وأي ست محتاجة لراجل، راجل كامل، مش زيي مجرد عقل على كرسي متحرك.

إستغربت جداً من اللي بيقولوا عماد، معقولة أكون غلطان وكمان مراتي تغريد هي كمان غلطانة وما بتفهمش، كنت متخيل إن مراتي ما بتغلطش أبدا.

 رديت: خير.

 عماد: إنت جاي النهاردة عشان تطلب رأيي في قضية عندك؟

  حركت راسي بمعنى لا: أنا النهاردة جاي أقعد معاك كصديق وأطمن عليك، قعدنا نلعب الشطرنج، وعلى الرغم من إن عماد يقدر إنه يكسبني في خطوات بسيطة، إلا إنه كان بيحاول ينزل بعبقريته لمستوى أقل.

 قعدنا نلعب حوالي نص ساعة، لغاية ما عبير خبطت على الباب وقالت في خجل: لو سمحت يا عماد سامح هنا وعايز يكلمك.

كنت في قمة الذهول أنا وعماد بنبص لبعض، إيه الوقاحة ديه معقولة جاي يطلب إيديها من عماد؟! مستحيل.

 قالت بخجل زيادة: معلش سامح قريبي وهو في مشكلة حقيقية.

 رديت: معنى إن هو قريبك من بعيد، معناها إن سامح ده قريبي أنا كمان.

 حرك عماد راسه بمعنى إنها تدخله، كان راجل رفيع، أسمر، لابس قميص شكله غالي بس كان محتاج إنه يتكوي، عينيه دبلانه، يمكن حسيته كئيب شوية، الأكيد إن الراجل ده مش فتى أحلام عبير، الراجل ده ما عندهوش أي صفة تخليه فتى أحلامها.

 قعد سامح على الكرسي جنب الباب، قدرت أشوف في إيده الشمال خاتم وده يأكد نظريتي إنه مش العريس المنتظر لعبير.

عبير: هو هيحكي حكايته… بقاله كام يوم بيحاول إنه يقابلك، أنا حاولت كذا مرة إني أرفض، بس هو عنده مشكلة وأنا شفت إن إنت مش هترفض أبدا إنك تساعده.

 سامح: أعرفكم بنفسي أنا سامح عزت، متجوز وعندي ولدين، شغال مدرس رياضيات.

 عماد: يعني إحنا زمايل.

 حرك سامح راسه وكمل: حياتي كلها أتغيرت من شهرين، كنت ماشي وسط الطريق، واضح إن الإشارة كانت خضراء للعربيات، وأنا ما كنتش واخد بالي، فجأة سمعت صوت فرملة شديدة، ولقيت نفسي مرمي على الأرض، والناس حواليا من كل مكان، حسيت في لحظتها بصداع شديد جداً في دماغي، ودي أخر حاجة فاكرها، وبعد كده أغمى عليا، بعد فترة فوقت في المستشفى ولقيت مراتي وأولادي حواليا.

 بصيت لعماد، وعماد بصلي نظره معناها إن سامح ده ما فيش منه أي خطر على عبير، بيقولك متزوج ويعول.

 كمل سامح كلامه: قالولي في المستشفى إني حصلي إرتجاج في المخ، وإني قعدت يوم كامل في خطر، وبعد ما بقيت كويس وحالتي أستقرت سبت المستشفى، بس كان عندي إحساس كبير إن في حاجة أتغيرت جوايا، الوقت ده كان بداية السنة الدراسية، وللأسف بقيت أقف قدام السبورة في الفصل أكتب المسألة وبمجرد ما أوصل لآخرها أنسى أنا كنت هقول إيه، أبتدي الكلام وأنسى أنا ليه قلته، الموضوع بقى صعب، المدير وافق إنه يديني أجازه بدون مرتب.

 عماد: إسألني أنا عن الحوادث، بس الحادثة بتاعتي ما أثرتش علي عقلي، أثرت علي جسمي وخلتني مسجون طول عمري على الكرسي ده.

 سامح: مش عارف المفروض إني أحسدك لأنك قادر إنك تركز وتتكلم ولا أشفق عليك، أغلب الأطباء قالوا إن موضوعي هيتحسن وأن الأمر محتاج مجموعة من الأدوية والتدريبات الذهنيه بس هياخذ شوية وقت، المشكلة إن كل فلوسي أنا حطتها في البنك، وعشان أقدر أصرف من البنك لازم أفتكر الرقم السري المتكون من أربع أرقام، واللي طبعاً أنا نسيته.

 سألته: طب ليه ما رحتش للبنك خليتهم يعملولك رقم جديد.

 سامح: المشكلة الأكبر إن أنا نسيت أنا بوقع إزاي، لازم في البنك أعيد نفس توقيعي اللي وقعته أول مرة ،عشان يتأكدوا إن أنا هو أنا، أنا مش هقدر أستنى لغاية ما أخف، مراتي ما بتشتغلش وما معناش أي فلوس نعيش بيها.

عبير: هو جه عشان يطلب رأيك.

 عماد: المفروض إن أنا هعرف الرقم اللي هو نسيه!!.

 عبير: أكيد في طريقة تساعده بيها.

عماد وهو بيفكر: إنت متاكد إنك ما كتبتش الرقم السري في أي حته؟

 سامح: لا كنت معتمد على ذاكرتي فقط.

 عماد: أنا عارف إن ما فيش حد بيحط البطاقة والرقم السري في مكان واحد، ده يبقى غباء لأنه يعتبر سرقة سهلة بس أنا حابب إني أبص على محفظتك، ممكن.

 سامح: أيوه طبعا.

 وبإيد مرتعشة طلع سامح محفظتة،  وبدأ يخرج الحاجة اللي جواها، صورة لمراته وعياله، وصل، تذكرة سينما، البطاقة الشخصية، آية قرآنية، بطاقة البنك اللي ما لهاش أي قيمة دلوقتي.

 بدأ عماد يبص على الأوراق بعد كده مسك تذكرة السينما: غريبة أوي إن الواحد يشيل معاه تذكرة سينما، إلا لو كتبت عليها حاجة مهمة، كان أحمد شوقي بيكتب أول القصيدة على علبة السجاير قبل ما ينساها.

 قلب عماد التذكرة لقى مكتوب عليها بخط الإيد:MMMM CCCC LV III.

قلت بضيق: وأضح إنها مجرد شخبطة ملهاش معنى.

عماد: الرومان هما الشعب الوحيد اللي أستخدم الحروف اللاتينية على إنها أرقام، فهما دلوا على الرقم خمسة بحرف V ،ودلو على الرقم 50 بحرف L، ودلو على الرمز 500 حرف D، أما حرف M فمعناه 1000، وحرف C يدل على 100، أما علامة I فبيدل على الجمع أو الطرح فحرف V اللي معناه خمسة إذا جت حرف I قبله كان ده معناها بالناقص رقم أربعة، أما لو جه حرف I بعده فده معناه بالزائد ستة .

الرقم الرومان MMMM معناه 4000.

 والرقم CCCC معناه 400.

  والرقم L معناه 50.

 والرقم Vمعناه 5، وجمبه III بمعني +3هيكون8.

يبقي الرقم 4458.

سألته: الرقم ده بيفكرك بحاجة؟

 هز سامح راسه بمعنى لا.

 عماد: إنت مدرس رياضة، الأمور ديه سهلة بالنسبة ليك، ممكن جداً إنك حبيت تدون الرقم السري بحيث إنه يكون واضح ليك، إنما صعب على أي حد تاني، روح على البنك وجرب الرقم ده وإن شاء الله أزمتك هتتحل.

 لم سامح حاجته ورجعها للمحفظة، وجري على البنك عشان يجرب الرقم.

 حركت عبير راسها بمعنى شكراً، أما أنا فكان لازم أقول تعليق أتحشر في زوري: شايفك مبسوط عشان عرفت الحقيقة.

 عماد: حقيقه إيه؟ الرقم!

 رديت: حقيقة أن سامح متزوج ويعول…. ومفلس كمان.

 ما ستنيتش منه رد لأني هربت من الاوضة.

مكنتش حاسس إني مستريح للبنت اللي إسمها سيليا، اللي رجع بيها أخويا من أمريكا كخطيبته.. أخويا محمد شخص منفعل يعمل الحاجة، أو يحب الشخص، أو يصرخ ويتخانق وبعد كده يفكر في الموضوع، هو عنده 28 سنة، يشتغل في شركة كبيرة، أعتقد إن شكله جميل، لإن شهادتي في أخويا هتكون مجروحة.

 سافر محمد أمريكا سفر ليه علاقة بالشغل، وديه كانت أول مرة يسافر فيها بره، وهو مش متجوز، عشان كده كنت متوقع إنه يرجعلنا بعد سنتين من السفر في إيده بنت أمريكية ويقول لنا إنه بيحبها وعايز يتجوزها، وأمي كانت وقتها هتصرخ بلا أي فايدة، لأن أخويا الغبي ساب بنت عمه اللي عارفين أخلاقها وتربيتها وأختار بنت غريبة عننا في تربيتها وأخلاقها.

الحاجة اللي أنا هبقى متأكد منها إن هو نفسه مش هيبقى متأكد من مشاعره، ياترى هو بيحبها، ولا إنبهار بالحضارة الأوروبية، ولا إنبهار بشعرها الأصفر وبشرتها البيضا، ولا كل ده عشان ياخذ الجنسية الأمريكية؟

 للأسف ما رجعلناش محمد بالبنت الأمريكية اللي كنت متخيلها، رجع لنا بسيليا.

 بنت رفيعة حاطه مناكير لونه أسود، ومركبة حلق في مناخرها، وحاطه روج على شفايفها أسود، لدرجة إنها بقت شبه السحلية، هي دي سيليا اللي هو عايز يتجوزها.

 قلتله: البنت دي شكلها زي المغنيين المجانين اللي بنشوفهم على التلفزيون، أمك لو شافتها هتقع من طولها.

محمد بسخافة: لازم أمي تبص لجوهر الإنسان مش طريقة لبسه.

 للأسف اللي كنت متوقعه حصل هو متعلق بالبنت ديه، وشغله تفكيره تماماً، أما أمي فضلت حبسه نفسها في أوضتها بتقرأ قرآن .

قالي محمد مرة: عيد ميلاد سيليا اللي جاي في 6 يونيو، وإنها عايزة نروح مع بعض المنيا نقضيه هناك.

تروح في الصيف المنيا؟ الأمر ده مش طبيعي، الحر هيكون شديد، والمفروض إن البنت مش هتستحمل لأنها مش متعوده على الحر ده.

 رديت عليه: إنت أتجننت؟!

  محمد ببرود: عايزة تشوف تونة الجبل وديه بلد جنب المنيا، واللي أنا فاهمة إن البلد دي زمان كانت جنب مدينة أختاتين وكمان كانت تعتبر مقبرة لمدينة هيرموبوليس اللي جنبها، ومدينة هيرموبوليس بعيده عنها ب 5 كيلو متر تقريباً، وكانت المدينة ديه مركز لعباده الإله تحوت.. وهي نفسها جداً تشوف المكان ده.

 بصراحة ما حسيتش إني مستريح أكتر لما حكالي الحكاية ديه، لما حد يحكيلي القصة ديه كعالم آثار أو ست محترمة فوق ال 60 هقبلها، إنما السحلية ديه مهتميه بالتاريخ الفرعوني، حاجه تقلق، شغلتي كراجل شرطة تحتم عليا إني أقرأ اللي ما بين السطور، يعني مثلاً راجل عجوز شعره أبيض مهتم بآخر أغاني عمرو دياب هل دي حاجة طبيعية؟ فاللي بيحصل هنا نفس الحاجة.

 كنا أول شهر يونيو، وكنت قلت لأخويا إني مش مستريح للفكرة الغريبة اللي هي قالتها، ولما قابلتها في اليوم ده رجعت أتفحصها تاني: أنا مش فاهم إيه السبب إن هي بتحب رقم ستة، كل حاجه بتلبسها… السلسلة اللي لابساها عليها رقم 616، دقه وشم على إيديها مكتوب 616، وشم تاني على الكتف نفس الرقم، وبعدين إيه التاريخ الغريب ده عيد ميلادها يوم 6/6/2006.

 في حاجة غريبة في القصة ديه.

  سيليا وهي بتقرب راسها على كتف أخويا: هنروح المنيا ونقضي عيد ميلادي هناك، وبعد كده هنرجع ونتجوز، ونرجع على أمريكا.

إبتسم محمد أخويا إبتسامة فيها بلاهه.

 كان رأي مراتي اللي غالبا ما بيغلطش: سيليا دي مش كويسة، وأخوك مضحوك عليه.

في أرقام في الأمر، الأرقام اللي أنا مش قادر أفهمها ديه مفيش غير شخص واحد هو اللي هيحلهالي.

 كان عماد بياكل وأول ما دخلت طلب من عبير إنها تحضر طبق تاني وتجيبهلي.

 قلتله: مش عايز أكل، أنا خايف على أخويا محمد، حاسس  إنه أتجنن وندهته النداهة زي ما بنسمع في الصعيد، كنت متخيل إن هيرجعلنا بأي بنت أمريكية بس رجعلنا باللي إسمها سيليا.

 عماد وهو بياكل: إنت بس متضايق عشان مش متخيل إنه ممكن يبقى سعيد مع واحدة مش عربية.

 بصيت لعبير وقلت في نفسي: بنت زيها تقدر إن هي تسعد أي راجل، جميلة محترمة، الأمر ملوش علاقة إن هي عربية، الأمر له علاقة بإن هي بنت فعلاً مش سحلية.

 حكيت لعماد كل اللي أنا فكرت فيه، وقف عماد أكل ومسح بقه، وحمد ربنا على الأكل، وبدأ يستمعلي بالتركيز.

 عماد: رقم ستة مهم جداً في كتير من الثقافات البشرية، وكل شعب بيتعامل معاه بطريقة مختلفة، فمثلاً في قرية أفريقية نطق رقم 6 عندها هو إيفا، ولما الشخص يحب أنه يتقدم لبنت بيقدملها ست أصداف، فترجع البنت تقدمله 8، إنت عارف إيه السبب؟ لأن طريقة نطق رقم ستة هي نفس طريقة نطق كلمة زواج، وطريقة نطق رقم 8 هو نفس طريقة نطق كلمة أقبل.

 يكمل عماد: أما بقى رقم أربعة مثلاً هو رقم سيء الحظ عند الصينيين، فنطقه بيشبه نطق كلمة الموت، في حين إنهم بيحبوا جداً رقم 168 لأنه نطقه يشبه نطق كلمة الصراط المستقيم، ورقم 9 عندهم رقم خاص بالإمبراطور، وأي حد يستخدم رقم 9 في لبسه يتعاقب بالإعدام هو وعيلته.

 رديت عليه بعصبية: انا مش عايز شرح لكل ده، أنا عايز تفسيرك على البنت السحلية المجنونة برقم 6.

 عماد: للأسف يا صديقي رقم 666 معناه الوحش، في الثقافات الغربية الرقم ده بيدل على ضد المسيح وهو شبه المسيح الدجال عندنا.

 رديت عليه: بس البنت مش كاتبه 666 هي كاتبة 616.

 عماد: في دراسات راحت إن رقم 616 هو دقيق أكثر، نيجي بقى ليوم عيد ميلادها اللي بتقول عليه 6/6/2006 ده يوم ظهور الوحش (اللي هو ضد المسيح).

كانت دماغي هتنفجر، سألته: وده معناه إيه؟

 عماد: معقولة كل ده ما فهمتش؟ البنت ديه حياتها كلها قايمة على رقم 616، وكمان بتقول إن عيد ميلادها هو يوم ظهور الوحش، تفتكر إيه؟ أكيد من جماعة تمجيد الشيطان، أخوك العبيط أختار واحدة من دول عشان تكون أم لأولاده.

 قلتله بيأس: كنت حاسس إن الموضوع في حاجة زي كده، ويا ترى إيه علاقة ده بالرحلة اللي عايزة تعملها؟

 عماد: معبد تحوت ومدينة هيرموبوليس كل الجماعات ديه في العالم بيظنوا إن تحوت خبى كتابه السحري هناك.

قمت من مكاني بسرعة، جريت على العربية وسقت للفندق اللي البنت ديه موجودة فيه، بصيت على إسمها في الإستقبال لقيتها قاعدة في غرفه 616…. طبعاً!!… وقالي موظف الإستقبال إن هي صممت إنها تحجز الاوضة ديه بالتليفون قبل ما تيجي مصر.

 جريت على الأسانسير، ودقايق وكنت واقف قدام الاوضة خبطت على الباب، فتحتلي الباب وأول ما شافتني حست بالقلق والإرتباك، ما استنتش ودخلت جوه، رفعت الملاية اللي كانت محطوطة على الأرض، ولقيت أخويا نايم على الارض مغمى عليه وكانت السحلية رسمت حواليه النجمة الخماسية، كان في شموع، الموضوع كله كان مخيف ومرعب، وأكيد إداره الفندق مش هتسمحلها باللي هي بتعمله ده وهتطردها من الفندق، بس يا ترى هي كانت بتعمل إيه؟

 لسه هتفتح بقها ضربتها لكمية في وشها وقعتها على الأرض، قربت من أخويا اللي كان فاقد الوعي ومش متزن، فتح عينه بالراحة وقالي: في إيه، إيه اللي حصل؟

رديت عليه وأنا بساعده وبنخرج من الاوضة: مش عارف… بس أكيد كان في حاجة وحشة هتحصل.

محمد بعدم إتزان: أنا كل اللي فاكرة أنها صممت تقدملي عصير في أوضتها.

 قلتله: الحمد لله إن أنا لحقتك، السحلية ديه كانت هتعمل فيك حاجة بعد يومين في معبد تحوت.

 كالعادة عماد هو منقذي، هو اللي نبهني إن الموضوع مش مجرد ذوق وحش في اللبس، الموضوع أكبر من كده، أكتفيت بإني بلغت إدارة الفندق باللي البنت بتعمله، والحمد لله يوم 6/6 عدى من غير ما يحصل أي حاجة، خلي السحلية ديه بقى ترجع بلادها لوحدها.

في يوم تاني

عماد وهو بيبص من البلكونة على غروب الشمس: أعتقد إن إحنا عشنا حياتنا بشكل كويس.

 كنت قاعد معاه، وفي لحظة حسيت إن إحنا إتنين عواجيز قاعدين في دار مسنين مستنيين كلمة النهاية، بالنسبة ليه انا حاسس إن لسه حياتي طويلة، يمكن ما تكونش في أولها بس اكيد لسه ما وصلتش لآخرها، ده لو أتكلمنا بلغة معدل الوفيات.

 بصيت لعماد وحسيت إن حياتي كلها بتدور حوالين عماد فريد، أنا متأكد لو ما كانش عماد موجود في حياتي مكنتش هقدر أقول كلمة صديقي لأي حد غيره، أنا راجل عندي معارف كثير بس أصدقائي قليلين جداً، يمكن الموضوع ليه علاقة بشغلي.

 أنا فاكر لما كنا في المدرسة وكان عماد بيستمتع برجليه وكان لسه قدامه 15 سنة على المتعة ديه قبل الحادثة، كنت أنا شاطر في إستخدام جسمي كله إلا عقلي، أما عماد ما كانش بيستخدم أي جزء في جسمه إلا عقله، أنا كنت بلعب كرة القدم، والسباحة، والملاكمة وقلبي بيدق بالحب، وكان فيه شذى الجميلة، وأستاذ عمر وعصايته التخينة، وفي عيسى فتوة الفصل.

في اليوم ده قفل عيسى الباب وفضل يطبل على الديسك ويعمل صوت وحش جداً غير إنه صوته أوحش من الحمار نفسه.

 يمكن السبب اللي خلانا نشارك معاه حاله النشاز اللي هو كان عاملها، الطاقة الزيادة اللي بتبقى موجودة عند المراهقين، اللي بيخرجوها دايماً في الضوضاء وفي الأذى، وفي الزعيق.

 طلع عيسي فوق الديسك وفضل يرقص وإحنا بنسقفله، وفجأة دخل من الباب أستاذ عمر مدرس الرياضيات، كله إتفزع ونط رجع مكانه، وهو طبعاً فضل يسب ويلعن فينا وفي تربيتنا وفي اللي جابونا.

 بعد شوية لما هدي وقف قدام السبورة وقال: هكتبلكم مسألة بسيطة محتاجة شوية مخ مش أكتر، واللي أنا طبعاً عارف إنه مش عندكم.

 مستر عمر: إيه مجموع الأعداد من 1 إلى 100؟ يعني 1 + 2 + 3 + 4 +……

طبعا ما حدش رفع إيده إلا عماد اللي وقف بكل أدب وقال: 5050.

 كان مستر عمر مذهول لدرجة انه طلب منه إنه يعيد الإجابة مرة كمان، تخيلنا للحظة إن المستر نفسه مش عارف الإجابة الصحيحة.

 رجع مستر عمر وسأل عماد: إيه مجموع الأعداد من 1 إلي 1000؟

عماد من غير أي تردد:500500.

 فضل مستر عمر يبرطم ويتهم عماد بإنه غبي، وحافظ الإجابة بدون أي تفكير، في اللحظة ديه رن الجرس اللي أنقذنا كلنا من مستر عمر، بعد كده كان مستر عمرو منبهر بعماد العبقري، رغم برضو إنه كان بيوصفه إنه قليل الأدب.

 رجعت من أرض الذكريات لقعدتنا في البلكونة وقلت لعماد: تخيل ياعماد إنت لغاية دلوقتي ما قلتليش إزاي عرفت مجموع أعداد من 1 ل 100 أو مجموع أعداد من 1, ل 1000 اللي قلتها لمستر عمر وإحنا صغيرين.

أفتكر عماد الحكاية وقالي: الأمر بسيط لما تكون عايز تجمع مجموعة من الأعداد من واحد ل 10، قسم العشرة على إثنين، وبعد كده حط الرقمين جنب بعض يعني 55.

 ومجموع الأرقام من واحد ل 100 اقسم ال 100 على 2 وحط الرقمين جنب بعض هيبقى 5050، ونفس الكلام على ألف و العشرألاف.

عماد: ديه حاجات بسيطة جداً بستغرب إن الناس ما بتبقاش عارفها.

 قلت لعماد وكنت أفتكرت حكاية تانية: بس على الرغم إن إنت ذكي وعبقري في موضوع الأرقام، إلا إن إنت غلطت في حساب العظام، في اليوم اللي رحنا زرنا فيه أختك لما خلفت.

 أبتسم عماد وما علقش.

 عشان الصداقة القوية اللي ما بيني وما بين عماد كنت كإني فرد من أسرته، وكانت أخته متجوزة من مدرس أحياء سمج، كنا قاعدين هناك بنبارك على النونو الصغير، وكان موجود زوج أخته وقال: أنا صرفت على القرد الصغير ده من المستشفى لغاية السبوع عارفين كم؟ عدد عظامنا كلها مع بعض؟

 كل الناس سكتت ما حدش علق إلا عماد اللي كان في ثانوية وقتها قال بهدوء: صرفت 1124 جنية!

 طبعا الرقم ده كان الرقم ضخم جداً في وقتنا زمان، بس زوج أخته لازم يكمل سخافته وقال:  كنت فاكرك أشطر من كدة، أنا صرفت 1030 جنية.

طبعا بالنسبة ليه أنا ما كنتش فاهم هما الإثنين إزاي خرجوا بالناتج ده أو ده، أما عماد ففضل ساكت وما علقش على كلام جوز أخته.

 رد عماد: أنا كنت صح، عدد العظام في أي جسم ناضج 206، وكنا إحنا خمسة أنا وإنت وأختي وهو والنونو… وطبعا حاول إن هو يتذاكي فضرب 206 × 5 فكانت نتيجتهم 1030، وبالصدفة البحتة كان هو ده المبلغ اللي صرفه، الحاجه بقى اللي هو غلط فيها إن الطفل أول ما يتولد بتكون عظامه 300 عظمة، وبعد كده بيلتحموا مع بعض أثناء النمو، عشان كده إجابتي كانت 206×4 + 300 هيكون الناتج 1124.

 علي صوتي بذهول وأنا بقول لعماد: وإزاي سكت وما صلحتش المعلومة.

 عماد: الغرور اللي كان فيه جنب سخافته خلاني إستخسرت إني اديله معلومة.

 ثواني ودخلت عبير ومعاها شوية ورق أعتذرت وقالت: البواب عايز 317 جنية.

 الفلوس دي كانت عبارة عن 27 جنية في الشهر لتنظيف السلم، وده كان مجموع 11 شهر، بكره جداً تراكم الفواتير عليا، أسهلي إني أدفع 27 جنية في الشهر عن إني أدفع أكثر من 300 جنية مرة واحدة.

 طلعت من جيبي الفلوس وبدأت أعدها، عشان عماد ما يخرجش من البلكونة ويروح يجيب فلوس من الاوضة.

 عماد بهدوء:مش تشوف الأول إذا كان الرقم صح ولا لا؟

 رديت: أكيد يعني مش هجيب ورقة وقلم وهقعد أضرب 27 جنيه في 11 شهر، أكيد الراجل مش غلطان.

 عماد بهدوء: الناس يا إما حرامية يا أما غلطانة في الحساب، والإثنين غلط على محفظة نقودك، الرقم الصح هو 297 جنية.

 من غير مناقشة طلعت الفلوس وعديتها لعبير واديتها.

سألته في غيظ: إنت أكيد مش حافظ جدول الضرب 27.

 عماد بإبتسامة: الأمر بسيط، لما تضرب رقم ثنائي في رقم 11 فإنت هتحط الرقم اللي على اليمين في خانة الآحاد، والرقم اللي على الشمال في خانة المئات، وبعد كده تجمع الرقمين وتحط الناتج في خانة العشرات يعني 11 × 27 هتكون السبعة في خانة الآحاد، والإثنين في خانة المئات، ونجمع سبعة وإثنين هيطلع 9 هنحطها في خانة العشرات فيكون الناتج 297.

 جرب تضرب 35 × 11 هيكون الناتج 385.

 جربت الموضوع في أكثر من رقم وكنت مذهول وفي حالة صدمة.

 ضحك عماد وقال: أنا ما بعملش أي عملية حسابية هنا، كل اللي أنا بعمله بستعمل قواعد معروفة وثابتة، أنا مش عبقري، أنا شخص بيعرف يفتكر المعلومة في الوقت اللي بيحتاجها فيه.

 

لتكملة القصة اضغط الزر بالاسفل



هل كان المحتوى مفيداً؟

نعم
لا
شكرا لك

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى