اخبار

زيادة مخصصات «تكافل وكرامة» بنسبة 22.7٪ لتصل إلى 54 مليار جنيه: قراءة تحليلية كاملة

 خطوة بارزة في مسار الحماية الاجتماعية

أعلنت وزارة التضامن الاجتماعي، في احتفالية رسميّة بإطلاق التقرير الرابع لتنفيذ الاستراتيجية الوطنية لحقوق الإنسان، عن قرارات هامة في ملف الحماية الاجتماعية. من أبرزها قرار رفع مخصصات برنامج «تكافل وكرامة» بنسبة 22.7 % لتصل الإجمالي إلى نحو 54 مليار جنيه خلال العام المالي 2025-2026، مقارنة بنحو 44 مليار جنيه في العام السابق. 3

تمتاز هذه الزيادة بأنها ليست مجرد رقم مالي يُضاف إلى الميزانية، بل رسالة واضحة على أولوية الدولة لقضايا العدالة الاجتماعية والاحتواء المالي والفقر. إذ إن برنامج «تكافل وكرامة» يُعتبر أحد أدوات الشبكة الأمان الاجتماعي في مصر، الموجّه للمستحقين من الأسر تحت خط الفقر أو التي لا تغطيها الضمانات الاجتماعية، وهو ما يجعل أي تعديل في مخصصاته شأنًا يستحق الوقوف عنده وتحليله بعمق.

ما هو برنامج «تكافل وكرامة»؟

انطلق البرنامج قبل نحو عقد من الزمن، كإحدى المبادرات الوطنية لتقديم دعم نقدي مشروط وغير مشروط للأسر ذات الدخل المحدود، وهدفه:

  • تقديم دعم نقدي للأسر تحت خط الفقر.
  • ربط الدعم بشروط اجتماعية: مثل انتظام الأطفال في التعليم، والرعاية الصحية للإناث.
  • توسيع قاعدة المستفيدين ليشمل كبار السن، وذوي الإعاقة، والأسرة التي لا تغطيها التأمينات الاجتماعية.

ووفق تصريحات الوزيرة، فإن البرنامج «تحول إلى حق تشريعي بموجب قانون الضمان الاجتماعي رقم 12 لسنة 2025» ليدخل في إطار الحماية القانونية للمستحقين. 5

أسباب الزيادة: لماذا 54 مليار؟

يمكن حصر الأسباب التي دفعت إلى هذه الزيادة في عدة محاور تبدو مترابطة:

  • تضخم تكاليف المعيشة: حيث تأثّرت الأسر الفقيرة بارتفاع الأسعار، والطلب على الدعم النقدي زاد.
  • التحوّل إلى حق تشريعي: ما جعل الدولة ملزمة بـ «استدامة التمويل» وليس مجرد مساعدة موسمية.
  • تمكين اقتصادي ومشروعات صغيرة: إذ ربطت الوزارة البرنامج بمنظومة التمكين الاقتصادي والشمول المالي، مما يستلزم دعمًا أكبر. 6
  • تركيز على عدالة التوزيع: توسيع قاعدة المستحقين وتعزيز الحوكمة لضمان وصول الدعم لمن يستحق فعليًا.

ما هي الميزانية وللتوضيح؟

بحسب العقدة الرقمية:
العام المالي 2024-2025 → مخصصات «تكافل وكرامة» = ~ 44 مليار جنيه.
العام المالي 2025-2026 → مخصصات = ~ 54 مليار جنيه … بزيادة قدرها حوالي 10 مليار جنيه أو بنسبة 22.7 %.
وهذا ضمن مخصصات أكبر للحماية الاجتماعية التي تستهدف أن تصل إلى نحو 742.6 مليار جنيه بزيادة 16.8 % خلال العام نفسه حسب الوزارة. 7

من يستفيد من البرنامج؟ مَن هم المستحقون؟

حسب ما صرَّحت به الوزارة:
– البرنامج يغطي الآن نحو 4.7 مليون أسرة مستحقة. 8
– يشمل كبار السن، وذوي الإعاقة، والأسر التي ليس لها تأمين اجتماعي.
– بموجب القانون، أصبح هناك حرمان لمن يرتكب جرائم اجتماعية مثل الزواج المبكر وختان الإناث من الدعم، كجزء من الحوكمة. 9

الأبعاد الاقتصادية والاجتماعية للزيادة

هذه الزيادة تحمل تأثيرات عدة على الساحتين: الاقتصادية والاجتماعية. نُلخّص أبرزها فيما يلي:

أولاً: الاقتصاد المحلي

– ضخ إضافي للدخل في أيدي ملايين الأسر يُسهم في تنشيط الاستهلاك المحلي، خصوصًا في المجتمعات الريفية والمناطق الأكثر احتياجًا.
– تخفيف الضغط على الإنفاق الاجتماعي الآخر، من خلال تقليل اللجوء إلى القروض أو العمل غير الرسمي.
– تعزيز الاستقرار الاجتماعي الذي يُعد شرطًا لجذب الاستثمار والأعمال.

ثانيًا: الاعتبارات الاجتماعية

– تعزيز شعور العدل والمساواة: إذ يرى المستحقون أن الدولة تولي اهتمامًا بأوضاعهم.
– الحدّ من الفقر والتهميش: من خلال شبكة أمان تعمل كدرع أول للأسر الضعيفة.
– ربط الدعم بتمكين حقيقي: إذ لم يعد الهدف مجرد صرف نقدي، بل إدماج المستفيد في الاقتصاد (منحة + تمكين).

التحديات التي ما زالت قائمة

رغم الإيجابيات، إلا أن هناك عدة تحديات أمام تطبيق هذا القرار وصولًا إلى نتائج ملموسة:

  • دقة الاستهداف: كيف يمكن ضمان وصول الدعم لمن هم فعليًا في حاجة بدلاً من التسرب؟
  • التمويل المستدام: زيادة المخصصات مرّة واحدة جيدة، لكن كيف تحافظ الدولة على هذا المستوى في ظل ضغوط التمويل والدين العام؟
  • ربط الدعم بالتمكين: الدعم النقدي وحده ليس كافيًا، بل يجب توفير فرص للعمالة، والتدريب، وربط المستفيد بسوق العمل.
  • رقابة الأداء: هل هناك مؤشرات واضحة لقياس تأثير البرنامج على الحدّ من الفقر؟

مقارنة دولية سريعة

عند مقارنة دول عربية أو عالمية، نجد أن برامج الدعم النقدي المصمّمة والمموّلة جيدًا تُحقّق نتائج أفضل في الحدّ من الفقر.
مثال: مدينة برازيلية أو برنامج في الهند حيث يُربط الدعم بالتعليم والصحة والتمكين.
ما يميز القرار المصري هو الربط التشريعي الجديد والتحوّل نحو تمكين وليس مجرد صرف.

ما التالي؟ رؤية المرحلة المقبلة

– تعزيز «منظومة التمكين الاقتصادي» عبر مشروعات متناهية الصغر وإدماج المستفيدين في سوق العمل.
– تحسين قاعدة البيانات وتنقية المستحقين عبر الذكاء الاصطناعي والتحليلات.
– تكامل أكبر بين برامج الحماية الاجتماعية والتعليم والصحة لضمان «دورة حياة أفضل».
– مراقبة مؤشرات ما بعد الدعم: هل انخفضت معدلات الفقر؟ هل ارتفع الانتاج والدخل داخل الأسر؟

دور المجتمع المدني في دعم برنامج «تكافل وكرامة»

رغم أن البرنامج يُدار رسميًا من خلال وزارة التضامن الاجتماعي، إلا أن المجتمع المدني يعد أحد أعمدة النجاح الرئيسية لهذه المنظومة. فالجمعيات الأهلية والمبادرات المجتمعية المحلية تعمل جنبًا إلى جنب مع أجهزة الدولة في تحديد الحالات الأكثر احتياجًا، وتقديم المساعدة في تحديث البيانات، ومتابعة التزام الأسر بالشروط الاجتماعية.

تقوم بعض الجمعيات أيضًا بتنظيم دورات تدريبية للسيدات المستفيدات لتمكينهن من إقامة مشروعات صغيرة، مثل إنتاج المخبوزات أو الحرف اليدوية أو إعادة تدوير المخلفات المنزلية.
وهذه المشروعات تحقق هدفين في آن واحد: تمكين المرأة اقتصاديًا، وتقليل اعتماد الأسر على الدعم النقدي فقط.
كما تشارك الجمعيات في توعية المواطنين حول أهمية إرسال أبنائهم إلى المدارس والحفاظ على المتابعة الصحية للأطفال،
مما يعزز من أثر البرنامج التنموي بعيد المدى.

وتعمل الوزارة على توسيع مظلة الشراكات مع الجمعيات الكبرى، لتتحول مبادرات التكافل الاجتماعي من مجرد مساعدات إلى منظومة متكاملة لبناء القدرات البشرية.
بهذا الشكل، يصبح «تكافل وكرامة» ليس فقط دعماً نقدياً، بل مشروعاً وطنياً شاملاً لإعادة تأهيل المجتمع وتمكين الفئات الأكثر هشاشة.

التكامل بين برامج الدعم والإصلاح الاقتصادي

لا يمكن النظر إلى زيادة مخصصات «تكافل وكرامة» بمعزل عن سياسات الإصلاح الاقتصادي التي تتبناها الدولة المصرية.
فالبرنامج يمثل الوجه الاجتماعي لهذه الإصلاحات، إذ يهدف إلى حماية الفئات الضعيفة من آثار تقلبات الأسعار وخطط ترشيد الدعم التقليدي.
وبالتالي فإن تحقيق التوازن بين ضبط الإنفاق العام وحماية المواطن البسيط يعدّ ركيزة أساسية لنجاح منظومة الإصلاح.

منذ بدء برنامج الإصلاح الاقتصادي في عام 2016، وضعت الحكومة قاعدة ذهبية تقول: «أي خطوة إصلاحية يجب أن يصاحبها حماية اجتماعية عادلة».
ولذلك نجد أن الدولة توسع في برامج مثل «تكافل وكرامة» و«حياة كريمة» و«مبادرة سكن كريم»،
بهدف توجيه عائدات الإصلاح نحو الطبقات الأقل دخلاً وتحسين مستوى المعيشة في القرى والمناطق النائية.

ومع الزيادة الجديدة في مخصصات البرنامج إلى 54 مليار جنيه، تُثبت الدولة التزامها الواضح بتحقيق هذا التوازن،
إذ تمثل هذه الزيادة ضمانةً لاستمرار الاستقرار الاجتماعي،
وتأكيداً على أن الإصلاح الاقتصادي لا يعني التضييق على محدودي الدخل،
بل هو وسيلة لتحقيق تنمية أكثر شمولاً وعدالة.
إن الجمع بين التنمية الاقتصادية والعدالة الاجتماعية هو الطريق الوحيد نحو بناء مجتمع متماسك ومستدام.

خاتمة

قرار رفع مخصصات برنامج «تكافل وكرامة» إلى 54 مليار جنيه وبنسبة زيادة تصل إلى 22.7 % ليس مجرد أرقام في الميزانية، بل يعكس تحوّلًا مهمًا في استراتيجية الدولة نحو الحماية الاجتماعية الشاملة والتمكين الاقتصادي.
النجاح الحقيقي لن يُقاس بالميزانية فقط، بل بمدى تحسّن حياة المستفيدين، وانخفاض الفقر، وانخراطهم في النمو الاقتصادي.
وعليه، فإن ما تبقّى من عمل هو رفع جودة التنفيذ، وضمان الاستدامة، وربط الدعم بفرص حقيقية للتنمية.



هل كان المحتوى مفيداً؟

نعم
لا
شكرا لك

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى