تحقيقات المفتش عمر قضية (مدام وردة)

لما بقعد لوحدي، وأفتكر إن صديقي المفتش عمر فضل شغال طول 23 سنة، وكنت معاه في 17 سنة منها بساعده، وبكتب الملاحظات… وإني معايا كمية كبيرة جداً من المعلومات اللي تحت إيدي… عمر مكانت المشكلة في إني ألاقي اللي أكتبه المشكلة دايماً في إني أختار… قدامي هنا صف طويل من الكتب على الرفوف… كمان شنط حفظ الأوراق اللي مليانة بالمجلدات، وهي كنز من المعلومات الممتازة… مش بس لكل شخص بيحب علم الجريمة لأ كمان للأشخاص اللي بتدرس فضايح الطبقات الاجتماعية العليا اللي ليها علاقة بأصحاب المناصب الحكومية في العصور القديمة…
بخصوص الأشخاص الأخيرة أقدر أقول إن أصحاب الرسايل اللي مليانة بالتوسل، والرجاء بعدم مس شرف، وكرامة العيلة، وسمعتها معندهمش حاجة يخافوا منها، وده لإن الشرف المهني، والحكمة، والعبقرية اللي بتميز صديقي بيتحكموا في إن تفضل الأمور دي سر، ونفس الأمر بيتحكم فيا في إختيار القضايا اللي أكتبها في المذكرات.
عمرنا ما استغلينا أي أسرار بس للأسف في الفترة الأخيرة كان في أشخاص كتير بتحاول إنها تاخد المستندات عشان تتلفها خوفاً من فضح السر… الشخص اللي قام بالإنتهاكات معروف ولو حصل، وإتكرر فأنا معايا إذن من صديقي عمر إني أحكي القصة كاملة اللي ليها علاقة بالسياسي المعروف، وهعرض قصته على الملأ… في شخص واحد هيفهم معنى كلامي.
مش منطقي إن الواحد يظن بإن كل قضية من القضايا كان متاح لعمر إنه يظهر فيها قدراته المذهلة من الذكاء، وقوة الملاحظة اللي دايماً كنت ببينها في مذكراتي… في بعض الأوقات كان بيبذل مجهود كبير عشان يوصل للنتيجة، وفي أوقات تانية كانت بتظهر النتيجة قدامه بكل سهولة.
بس أغلب مقاسي الناس موجودة في القضايا اللي فرصها أقل… القصة اللي حابب أحكيها من نوع القضايا دي… وأنا غيرت في إسمها، وفي المكان، وأنا بحكيها بس غير كده فالأحداث حقيقية زي ما كتبتها.
في يوم من الأيام في آخر سنة 1896 وصلتني رسالة مستعجلة من عمر يطلب مني أروحله بسرعة… لما وصلت عنده شفته قاعد في أوضته الكئيبة المليانة بالدخان، وعلى الكرسي اللي قدامه ست في عمر متوسط، وكانت صاحبة فندق، وكان جسمها مليان.
قال عمر، وهو بيشاورلي بإيده: دي مدام ميرفت من مدينة س.ب… مدام ميرفت معندهاش مشكلة يا أحمد إني أدخن لو كنت حابب إنت كمان تمارس العادة السيئة دي.
مدام ميرفت عندها قصة مثيرة تحكيهلنا، ويمكن يكون لقصتها تطورات تحب إنك تتابعها بنفسك.
الضيفة: في حاجة أقدر أعملها؟
عمر: لازم تعرفي يا مدام ميرفت إن لو رحت لمدام وردة فأنا لازم يكون في شاهد معايا… لازم توضحلها النقطة دي قبل ما نوصل.
الضيفة: ربنا يباركلك يا أستاذ عمر هي متشوقة جداً إنها تشوفك حتى لو جبت كتيبة بحالها وراك.
عمر: هنيجي بعد الظهر… بس عشان نتأكد إننا فهمنا تفاصيل القضية بشكل صحيح قبل ما نبدأ تحققنا لو تكرمتي وذكرتيها فده هيساعدني، ويساعد دكتور أحمد على فهم الموقف.
إنتي بتقولي إن مدام وردة مقيمة عندك في الفندق من سبع سنين، وإنتي عمرك ما شفتي وشها غير مرة واحدة.
مدام ميرفت: ويا ريتني ما شفته يا أستاذ عمر.
عمر: أظن إنه كان مشوه بشكل صعب جداً.
مدام ميرفت: أيوة يا أستاذ عمر يمكن يكون صعب إنك تسمية وش ست… بس أنا هقولك هو شكله إيه…
كان شافها بياع اللبن مرة، وهي بتبص من الشباك اللي فوق لدرجة إنه وقع منه اللبن، وإدلق في الأرض في كل حتة عند البوابة… هو ده شكل وشها يا أستاذ عمر، ولما أنا شفتها كانت في الوقت ده مش واخده بالها، وأول ما انتبهت غطت وشها.
بعد كده قالت: دلوقتي يا مدام ميرفت إنت عرفتي أخيراً ليه أنا مش بشيل الإيشارة من على وشي أبدا.
عمر: تعرفي أي حاجة عن ماضيها؟
مدام ميرفت: لأ أبدا يا أستاذ عمر.
عمر: هل قدمت بطاقتها الشخصية كإثبات لما جت؟
مدام ميرفت: لأ يا أستاذ عمر هي دفعت الفلوس، ودفعت فلوس كتير أوي… أول دفعة كانت تلات شهور مقدم من غير أي مناقشة… عمر ما كانت ست فقيرة زي هترفض فرصة زي كده في الأيام اللي إحنا فيها دي.
عمر: هل بينت أي سبب إنها إختارت تسكن في الفندق بتاعك؟
مدام ميرفت: الفندق بتاعي بعيد عن الطريق الرئيسي بمسافة متوسطة، وعشان كده هو بعيد عن الدوشة، وأفضل مكان للخصوصية اللي مش موجودة في أغلب الفنادق التانية، وكمان أنا ما بوافقش على أي شخص يسكن في الفندق بتاعي غير الأشخاص المناسبة… كمان معنديش عيلة، وأظن إنها جربت فنادق تانية، ولقت إن الفندق بتاعي مناسب ليها أكتر… اللي كانت عايزاة هي الخصوصية، وعشان كده هي دفعت المبلغ اللي دفعته.
عمر: بتقولي إنها مبينتش وشها طول مدة الفترة اللي كانت موجودة فيها عندك غير المرة الوحيدة اللي كانت من غير قصد…. طيب… القصة دي عجيبة، وغريبة جداً…. يمكن من أعجب القصص اللي سمعتها… وأنا مش مستغرب إنك عايزاني أحقق فيها.
مدام ميرفت: أنا مش عايزة حاجة يا أستاذ عمر… أنا كويسة مدام باخد فلوس الإيجار بتاعتي… صعب جداً إن واحد يلاقي شخص هادئ، وما بيعملش مشاكل زي مدام وردة.
عمر: أمال إيه اللي خلاكي تيجي، وتطلبي مساعدتي؟
مدام ميرفت: صحتها يا أستاذ عمر… صحتها عماله تدهور… في حاجة مخيفة في عقلها على طول بتصرخ وبتقول: جريمة….إنهاء حياة… وسمعتها مرة بتصرخ: إنت متوحش يا حيوان يا شرس… صرخت بالكلام ده في يوم بالليل لدرجة إن جسمي إتنفض من الخوف، ولما رحتلها تاني يوم الصبح قلتلها: مدام وردة لو في حاجة مضايقاكي فالشرطة موجودة لازم تطلبي المساعدة.
ردت عليا مدام وردة: أرجوكي بالله عليكي بلاش الشرطة… مفيش حد يقدر يغير اللي حصل… بس بالرغم من كده ضميري هيستريح لو حد عرف الحقيقة قبل ما أموت.
رديت عليها، وقلتلها: طيب لو مكنتيش عايزة تحكي للشرطة إحنا عندنا هنا محقق مشهور… المحقق اللي قرأت عنه أنا، وإنتي… أنا اسفة جداً يا أستاذ عمر مكنتش فاكرة إسمك وقتها…
المهم إنها إتحمست للفكرة، وقالت: أيوه هو ده الشخص المناسب إزاي ما فكرتش في الموضوع ده قبل كده… لو سمحت أطلبي منه إنه يجي هنا يا مدام ميرفت، ولو رفض إنه يجي قوليله إني مرات ربيع صاحب عرض الوحوش المفترسة… قوليله كده كمان قوليله الإسم ده: جبل شيشة… أنا كتبته كده جبل شيشة… قوليله، وهو هيجي هنا لو كان هو ده الشخص اللي أنا بفكر فيه.
قال عمر: أيوه أنا هروح، ودي حاجة كويسة يا مدام ميرفت… لو سمحت أنا هتكلم مع صديقي الدكتور أحمد شوية، ويمكن الكلام يطول بينا لغاية وقت الغدا… أظن إننا هنيجي للفندق عندك على الساعة 3:00 تقريباً.
أول ما خرجت الضيفة مدام ميرفت من الأوضة إتحرك عمر بسرعة، وبحماسة شديدة، ورمى نفسه على الكتب، والمذكرات الموجودة في ركن الأوضة، وفضل يقلب في الصفحات كام دقيقة.
بعد كده إتنهد كإنه لقى الحاجة اللي بيدور عنها…كان متحمس جداً لدرجة إنه ما قامش من مكانه، وفضل قاعد على الأرض مربع رجله، وكانت الكتب حواليه في كل مكان، وكان في كتاب مفتوح فوق رجله.
قال عمر: إهتميت بموضوع القضية دي جداً يا أحمد لما حصلت، وأدي ملاحظاتي على هامش الصفحة بتثبت ده…
الحقيقة يا أحمد أنا مكنتش قادر أفهمها بس كنت متأكد إن الشرطي المسؤول عن التحقيق كان غلطان… إنت مش فاكر حادثة جبل شيشة؟
قلت: لأ أبدا يا عمر مش فاكر.
عمر: بس إنت كنت موجود معايا… أظن وقتها إن كان إنطباعي عن القضية سطحي، وده لإن مكانش عندي معلومات كفاية أشكل بيها رأيي… كمان مفيش طرف في القضية طلب مساعدتي يمكن تحب إنك تقرأ الورق ده مش كده؟
قلت: هل تقدر تبلغني بالتفاصيل الأساسية؟
عمر: تمام ده شيء بسيط جداً يمكن تفتكرها، وأنا بتكلم… كان ربيع إسم معروف جداً، كان بينافس أشهر عروض السيرك، وعروض الوحوش… كمان من أكبر المنتجين المسرحيين، وللأسف في وقت إستهتار أدمن الشرب، وبدأ هو، وعروضه تنهار لغاية ما حصلت المشكلة الكبيرة… كانت الفرقة بتاعته بتقدم عرض في محافظة قنا في قرية صغيرة إسمها جبل شيشة لما حصلت المصيبة… كانوا بيتحركوا بالعربيات للمدينة، وده لإنهم كانوا هيقدموا العرض هناك، ولما جه الليل خيموا في المكان ده… كان مكان صغير.
كانت من ضمن عروضهم أسد شكله جميل من أفريقيا
… كانوا مسمينه ملك الوحوش، وكان ربيع، ومراته بيقدموا العرض من جوه القفص… دي صورة للعرض بتاعهم.
هيظهرلك في الصورة قد إيه ربيع شخص شكله بشع أما مراته فكانت جميلة جداً… لما حصلت التحقيقات كان في شاهد قال إن ظهر على الأسد علامات خطورة بس للأسف الثقة الزيادة، والغرور خليتهم ما يهتموش، ولا يحترموا المعلومة دي.
كان ربيع، ومراته متعودين إنهم يأكلوا الأسد بالليل أحياناً واحد منهم، وأحياناً هما الإتنين، ومكانش في أي حد تاني مسموحله إنه يقوم بالمهمة دي غيرهم… هما أفتكروا إن طول ما هما بيقدموا الأكل للأسد فهو هيتعود عليهم، وعمره ما هيهاجمهم أبدا….
في الليلة دي قبل سبع سنين راحوا هما الإتنين عشان يقدموا الأكل للأسد، وبعديها حصلت الحادثة الفظيعة بس لغاية دلوقتي محدش يعرف تفاصيلها أبدا…
صحيت الناس قرب نص الليل على صوت الأسد، وصرخات الزوجة جري الكل، ومدربين الحيوانات من الخيام بتاعتهم، وخدوا الكشافات، وظهر المنظر المرعب.
كان ربيع مرمي على الأرض، وفي جرح كبير في راسه من ورا آثار مخالب عميقة، وكان جسمه بعيد ب 10 خطوات عن القفص اللي كان مفتوح، وقريب من باب القفص كانت مرات ربيع نايمة على ضهرها، والوحش فوقيها بيزمجر، وكان شوه وشها بشكل بشع لدرجة إن محدش كان بيظن إنها هتقدر تعيش.
في الوقت ده أول ما وصل مدربين الحيوانات بعدوا الأسد بعصاية كبيرة، ورجع الأسد للقفص بتاعه، وحبسوه فيه.
أما إزاي القفص إتفتح، والحيوان خرج فده كان لغز…
في ناس بتقول إن ربيع، ومراته كانت نيتهم إنهم يدخلوا القفص بس الأسد هجم عليهم أول ما فتحوا الباب…. مكانش في حاجة في كلام الشهود مثيرة بإستثناء الكلام اللي صرخت بيه الزوجة لما شالوها كانت بتصرخ، وبتقول: جبان… جبان… كمان هي مقدرتش إنها تقدم شهادتها في التحقيق إلا بعد ست شهور، ومشي التحقيق زي ما هو متوقع إنهم قالوا إن القضية قضاء وقدر.
قلت: وإيه وجهة النظر البديلة اللي نقدر نتخيلها؟
عمر: من حقك إنك تقول كده… في نقطة، أو نقطتين كانت مثيرة للشك للمحقق إبراهيم من شرطة قنا هو محقق شاب، وذكي… وهي دي كانت أول معرفتي بيه، وجه زرني هنا، وكان بيتكلم عن الموضوع.
قلت: هو ده الشخص الرفيع اللي شعره أصفر؟
عمر: بالضبط كنت متأكد إنك هتفتكر بسرعة.
قلت: وإيه هو اللي كان قلقه؟
عمر: بصراحة مكانش هو لوحده اللي قلقان أنا كمان كنت قلقان… إن الواحد يكون صورة كاملة عن القضية كان أصعب حاجة…
بص للموضوع من وجهة نظر الأسد .. حد أطلق سراحه هيعمل إيه؟ هو نط ست قفزات لقدام، وده خلاه قدام ربيع… لف ربيع عشان يهرب، ومن هنا جت آثار المخالب على راسه، وهاجمه الأسد ورماه على الأرض، وبدل ما يهرب، ويجري رجع للست اللي كانت قريبة من القفص، ووقعها على الأرض وشوه وشها، ومن ناحية تانية يبان إن صرختها معناها إن زوجها إتخلى عنها… كان إيه اللي يقدر يعمله المسكين عشان يساعدها هل في حاجة صعبة في ده؟
قلت: لأ تمام.
عمر: كمان في حاجة تانية إفتكرتها دلوقتي، وأنا بتكلم عن الموضوع… في دليل إن كان في شخص بيصرخ بفزع في نفس الوقت اللي كان الأسد بيزأر، والزوجة بتصرخ.
قلت: أكيد الشخص ده هو ربيع.
عمر: طيب… لو كانت دماغه إتهشمت فأكيد مش هتقدر إنك تسمع صوته تاني… بس في إتنين شهود على الأقل بيقولوا إنهم سمعوا صريخ راجل، وست.
قلت: أظن يا عمر إن الناس كلها كانت بتصرخ في الوقت ده، أما بالنسبة للنقطة التانية فأظن إني أقدر أقدم تفسير ليها..
عمر: يسعدني إني أفكر معاك يا صديقي.
قلت: هما الإتنين كانوا مع بعض على بعد 10 خطوات من القفص لما الأسد إتحرر… لف ربيع، وهاجمه الأسد بس الست فكرت إنها تدخل القفص، وتقفل الباب عليها، وده لإنه هيكون المكان الوحيد الأمن.
جريت الست ناحية القفص بس أول ما وصلتله جري وراها الأسد، ونط عليها، ووقعها على الأرض، وأظن إنها كانت غضبانة لإن جوزها هو اللي أثار غضب الوحش لما لف عشان يهرب لإنهم لو كانوا هما الإتنين هاجموه كان ممكن يخاف.
عمر: برافو يا أحمد… بس في حاجة واحدة غلط في تفسيرك الجميل ده.
قلت: وإيه هو الغلط يا عمر؟
عمر: لو هما الإتنين كانوا بعاد عن القفص تقريباً ب 10 خطوات… إزاي قدر الأسد إنه يخرج من القفص؟
قلت: ممكن يكون ليهم عدو هو اللي فتح القفص للأسد؟
عمر: بس ليه يهجم عليهم بالقسوة دي، وهو متعود عليهم؟ كانوا بيأكلوه، وبيعملوا معاه العروض جوه القفص.
قلت: ممكن برضو يكون نفس العدو هو اللي عمل حاجة عشان يغضب الأسد.
سكت عمر لحظات، وغرق في تفكير عميق، وبعد كده قال: تمام يا أحمد في حاجات بتأيد وجهة نظرك… كان لربيع أعداء كتير… كمان قالي المحقق إبراهيم إنه كان بيبقى سيء جداً لما بيسكر… كان بيشتم، وبيهين أي حد يقف قدامه…
أظن يا أحمد إن الصرخات اللي إتكلمت عنها ضيفتنا هي ذكريات عن ليلة الحادثة…. أظن إن تخميناتنا هتكون غير مفيدة طول ما إحنا معندناش كل تفاصيل الحدث….
في كيكة، وإزازة عصير على الترابيزة يا أحمد خلينا نجدد نشاطنا قبل ما نروحلهم.
لتكملة القصة اضغط الزر بالاسفل






