قصص رومانسية

رواية صغيرتي (الجزء الثاني)

برغم إن السرير اللى نيمنى عليه سامى كان ناعم، وواسع، ونظيف، وريحته جميلة، إلا إن أنا برده معرفتش أنام كويس الليلة دى…

هغمض عينى إزاى وأنا بالي مشغول بأهلي؟!

بعد صلاة الفجر، لما الشمس نورت الدنيا، كنت فى منتهى السعادة إنها رجعت تنور حياتى من جديد، وأول ما حسيت بنورها، فتحت الشباك فورا عشان تدخل تملى الأوضة، وتحاوطنى، وتعوضنى عن فراقها…

شفت أحلام وحشة جدا وأنا نايم…

سمعت صوت فهيم بينادينى: “قوم يا ليث… دورك جه”

العساكر كانوا واقفين على باب الزنزانة، وأنا مش راضى أقوم…

فضلت أهز راسي يمين، وشمال وأنا مخضوض، وفهيم عمال ينادينى…

فقت، وفتحت عينى عشان أبص على فهيم، وأشوف السقف المتشقق، والحشرات اللى ماشية عليه…

لكن أنا لما فتحت عيني شفت سقف جميل، ومتزين، مكنتش واخد عليه…

“ليث… أنا صحيتك؟ معلش!”

كان سامي صاحبى واقف جنبى…

قلت وأنا مش عارف إذا كنت صاحى، ولا نايم: “أنت فهيم؟ ولا سامى؟؟ هو أنا فى السجن؟! ولا إيه؟…”

سامى مسك إيدى بالراحة وقلى: “أنت هنا يا حبيبى، متخفش أنت عندى فى البيت”

خفت جدا ليكون حلم، وحطيت إيدى التانية على إيده، ومسكت فيها جامد عشان أتأكد إنى مش بحلم…

“سامى، هو أنا بجد هنا؟ أنا معاك يعنى؟ أنا مش بحلم صح؟! أنا فعلا خرجت من السجن؟ إوعى تكون بتضحك عليا!”

فى اللحظة دى عينى فتحت بابها للدموع المحبوسة فيها إنها تنزل، وتغرق الدنيا،

بعد كده أصريت إنى أروح لبيتى القديم، اللى كنت عايش فيه مع أهلى، برغم إنى عارف إنه فاضى…!

خدنى سامى وروحنا البيت، وكنت كل ما أقرب للبيت كل ما نبضات قلبى بتزيد جدا…

وصلت على باب البيت، وفضلت أرن الجرس، وأخبط على الباب ، وسامى بيراقبنى وهو حزين عليا بسبب اللى أنا بعمله…

للأسف محدش فتحلي الباب…

إفتكرت اللى كان بيحصل من سنين، لما كانت رهف، وليلى بيتخانقوا، ويتسابقوا عشان فتح باب البيت!

بصيت ورايا على سامى، ولقيته بيبصلى وعينه بتقلى: كفاية كده بقى يا ليث!

لكن أنا كنت مشتاق جدا إنى أدخل البيت…

بصيت حواليا عشان أتأكد إن مفيش حد، وقمت رايح عند السور عشان أطلع عليه…

“ليث… إنت بتعمل إيه يا مجنون؟”

“هدخل وأفتحلك الباب… إستنى”

سامى كان متفاجئ من اللي أنا بقوله، وبعمله!

فتحتله باب البيت، وكنا واقفين فى الجنينة…

“هتدخل إزاى بقى؟ أكيد باب الشقة، والشبابيك، وكل حاجة مقفولة”

سامى كان بيحاول يحبطني عشان أستسلم، وأمشي لكن أنا هعرف أتصرف…

قلت: “هتشوف”

جريت لنص الجنينة…

الجنينة بتاعة بيتنا مبقتش زى الأول خضرا، وجميلة زى زمان، لأ دى بقت صفرا، وناشفة، وغرقانة تراب، وزبالة… قلبى إتقبض لما شوفتها بالمنظر ده!

فضلت أبص يمين، وشمال، وسامى بيراقبنى وهو مستغرب اللى أنا بعمله!

عينى وقعت على عدة الشوي اللي كنا بنستخدمها زمان…

قد إيه كان وقت الشوي ده جميل؟ وكنا بنبقى مبسوطين!

خدت حاجة من عدة الشوى، وفضلت أحفر بيها فى الأرض…

“طب إيه بقى اللى أنت بتعمله ده بالله عليك! إنت مخبى كنز هنا يعنى؟”

وأول ما خلص سامى كلامه، كنت مخرج مفتاح الباب الداخلي للبيت!

فضلت أنا، وهو نبص لبعض، ونضحك…

“دماغ جبارة! زى ما كنت طول عمرك”

قعدنا نضحك على كلامه….

أنا كنت مخبى نسخة من المفاتيح فى المكان ده من سنين…

وأخيرا دخلت البيت…

أول ما دخلت، جسمى قشعر وأنا شايف الحاجة متكركبة، ومش محطوطة فى أماكنها…

فضلت ماشى فى البيت وأنا مخنوق من كمية الهدوء اللى حواليا!

فى العادة البيت ده كان على طول مليان صريخ وعياط وضحك الأطفال…!

طلعت الدور التانى اللى موجود فيه أوضتى، اللى موجودة فيها كل ذكرياتى…

بحاول أفتح باب الأوضة، لقيتها مقفولة!

“يادى القرف”

بعدها روحت فورا على الأوضة اللى جنبى، أوضة صغيرتى رهف…

غمضت عينى، ومديت إيدى، ومسكت الأوكرة عشان أفتح الباب، وللأسف لقيته هو كمان مقفول!!

فضلت أهز فى أوكرة الباب، وأخبط برجلى على الباب من كتر ما أنا متغاظ، ويائس…

جربت أفتح باقى الأوض كلها، لكن لقيتهم كلهم مقفولين…!

حسيت إن الدنيا كلها قافلة بيبانها فى وشى…

رجعت تانى لأوضة رهف، وركعت على الأرض، وعينى فتحت فى العياط…

“روحتوا فين، وسبتوني؟!”

غمضت عيني، واتخيلت…

إتخيلت الباب إتفتح، وأنا دخلت الأوضة….

على السرير ده كانت بتقعد رهف ماسكة دفاتر تلوينها، ومشغولة بيهم…

ولما كانت بتحس إنى دخلت أوضتها، كانت بتنط من على السرير، وتيجى ناحيتى، وتقول: “ليث… إنت جيت عشان تقعد معايا؟”

كنت باخدها فى حضنى، وأفضل ألف بيها، ونضحك سوا…

“إنتوا فين؟ إرجعوا عشان خاطرى… متسيبونيش لوحدى أكتر من كده”

كنت عمال أعيط وأنا محروق من جوايا عشان مش عارف ألاقيهم…

كنت بتخيلهم حواليا فى كل مكان، وكنت بسمع أصواتهم وهم بيتكلموا وبيضحكوا…

كلهم مشيوا… مشيوا وسابوا البيت فاضى، والبيبان مقفولة، وليث وحيد وتايه…

هم خلاص إستغنوا عنى؟

أنا بقيت فى نظرهم ماضى ولازم يتنسى؟

بقيت مجرم لازم يشيلوه من حساباتهم؟

إزاى مفكروش إنهم ييجوا يزورونى كل السنين دى؟

وكمان يمشوا…

خرجت الصورتين اللى أنا كنت شايلهم فى محفظتى من سنين، وقعدت أتأمل فى أهلى…

فضلت أصرخ وأنادي عليهم واحد واحد زى المجنون…

ماما…

بابا…

آسر…

ليلى…

رهف…

إنتوا فين؟

أنا رجعت…

ردو عليا عشان خاطرى…

سامي فضل واقف بعيد وبيراقبنى من غير ما يتكلم…

كنت لسة قاعد على باب أوضة رهف، بعيط، وبفتكر فى الذكريات اللى عمالة تعصر فى قلبى… وفجأة لمحت حاجة…!

الحاجة دى أنا مستحيل كنت أشوفها لو مكنتش راكع على الأرض بالشكل ده…!!

حاولت أمسح دموعي عشان أعرف أشوف كويس الحاجة اللى باين طرفها تحت عتبة باب أوضتى…

مديت صوابعى، وطلعتها…

كانت حتة ورقة صغيرة، ومتطبقة…

ولما فتحتها لقيت: “ليث، أنا روحت مع ماما، وبابا، وليلى، وآسر للمحافظة اللى فيها المنطقة الصناعية، لما ترجعلنا تعالى على هناك، هتلاقينى مستنياك زى ما إتفقنا… رهف”

لازم تعذروا سامى، لما لقانى فجأة بقوم من وسط الدموع عمال أضحك، وأتنطط…!

“ليث، إيه اللى حصلك؟”

بيقلى كده وأنا كنت قربت أطير من الفرحة…

“دى رهف، بتعرفنى إنهم إتنقلوا فى المنطقة الصناعية، متخيل!”

فضلت أحضن فى الورقة، والصور زى المجنون!

ضحك سامر، وقال: “مش قلتلك دماغ جبارة!”

وفضلنا نضحك تانى إحنا الإتنين.

بعد يومين، سامى جهز نفسه، وخدنا بعضنا ومشينا أنا، وهو على المحافظة اللى فيها المنطقة الصناعية…

تعبنا جدا وإحنا ماشيين فى الطريق، كانت الأرض مليانة تكسير، وشوارع كتير مقفولة، وإضطرينا إننا نمشى فى أماكن بعيدة عشان نعرف نوصل.

عدينا بصعوبة جدا من الشرطة اللى موجودة فى الشارع…

أنا كنت بخاف، وقلبى بيتنفض مجرد ما اشوف ظابط، حتى لو كان ظابط مرور…!

مش هطول كتير فى وصف الرحلة، هى مكنتش مهمة بالنسبالى، لإن كل اللى كان شاغل بالى ساعتها أهلي بس…

وأولهم… دلوعتي الصغيرة رهف…

رهف…

رهف…

أنا جايلك…

جايلك أخيرا…

وصلنا يومها بليل للمنطقة الصناعية، وكنا إتهلكنا من المشوار…

عشان كده سامى إقترح إننا نأجر شقة، عشان ننام فيها، ونصحى تانى يوم ندور على مهلنا وإحنا فايقين…

“إيه؟ بتقول إيه؟ لأ بالله عليك، أنا مش هقدر أستنى ساعة واحدة بعد كده”

سامى خد نفس عميق عشان يهدى، ويهدينى: “بص يا ليث، خلينا بس ننام دلوقتى، ونرتاح، وبكره إن شاء الله نروح البلدية بتاعة المنطقة، ونسألهم عن أهلك، هنروح لمين دلوقتى إحنا؟ نخبط على بيبان الناس وهم نايمين يعنى؟؟!”

“طيب، يلا ننام فعلا، وبكرا يحلها الرحمن”

سامى إتبسط عشان أنا وافقت على كلامه، وقالى: “يعنى إنت صبرت كل ده! أكيد هتقدر تصبر ليلة واحدة كمان!”

معدتش عليا فى حياتى ساعات أبطأ من الليلة دى أبدا…

منمتش الليلة دى ولا لحظة، وتعبت جدا، وجالى صداع شديد…

تانى يوم وقفنا عند بنزينة على الطريق، ونزل سامى عشان يجيبلنا أكل، وحاولت أقوم أروح معاه، لكن مقدرتش…

بعد ما رجع سامى، بصلى، ومد إيده اللى عليها الأكل ليا: “خد أكلك يا ليث”

هزيت راسي يمين، وشمال، مكنش ليا نفس للأكل، وأنا خلاص قريب جدا كده من أهلى…

رجعت ضهرى على الكرسي، وسندت راسي لورا، ودوست بإيدى على راسي، وكنت بحاول أطرد منها الصداع الشديد ده…

“أنت كويس؟”

سألنى سامى، ورديت عليه: “صداع شديد جدا!”

“خد كل أى لقمة، وإلا كده هتقع، ومش هتعرف تكمل”

رفضت آخد منه الأكل وقلت: “ينفع آخد شوية فلوس”

طلع سامى محفظته بسرعة، وإدهالى…

خدتها، وفتحت الباب، وجيت أنزل عشان أروح للسوبر ماركت، لكن لقيت إن رجلى مش شايلانى، ووقعت فجأة…

“ليث!”

جالى سامى بسرعة، ورفعنى على الكرسى، وسألنى: “أنت كويس؟”

رديت عليه وأنا مش قادر أتكلم: “الدنيا بتلف بيا”

مجرد ما قلتله كده، سامى خد علبة عصير، وفتحها، وقربها على بقى عشان أشرب: “إشرب شوية صغيرين بس عشان تفوق”

شربت شفطتين أو تلاتة، ومقدرتش أكمل، وسامى كان مصر إنى آكل شوية من الأكل، لكن أنا مكنتش قادر حتى أشم ريحته!

بعد شوية الصداع هدى، وإديت المحفظة لسامى…

“ممكن تجبلى علبة سجاير؟!”

الساعة كانت عدت إتناشر بليل، لما آخر شخص سألناه على بيت شكرى جلال، أو بيت أبو ليث، وشارورلنا على بيت صغير فى آخر الشارع…!

سامى سأل الراجل: “إنت متأكد من الكلام ده؟ شكرى جلال المعروف بأبو ليث، وجه مع عيلته من العاصمة لهنا”

“أيوة يا باشا هو، وجه مع عيلته هنا من سبع أو تمن سنين تقريبا”

مكنش قلبى بس هو اللى بيترعش، كانت إيدى، ورجلى، وشعرى، والكرسى اللى قاعد عليه، والعربية بحالها بتتهز بسببي”

سامى مشى بالعربية بالراحة لغاية قدام البيت…

” يلا يا ليث… إنزل”

فضلت قاعد مكانى، ومكنش باين إنى ممكن أتحرك أبدا…!

“ليث، هتنزل ولا إيه، ولا ناوى تستنى للصبح ممكن يكونوا الجماعة نايمين ولا حاجة”

قلت بسرعة: “لا لا أستنى إيه… أنا مستخيل أستنى دقيقة تانى”

وبرغم كده برده فضلت قاعد!!!

“مالك؟ أنت قلقان؟”

“إفرض طيب إن هنا مش بيت أهلى، ولا هى دى عيلتى، هندور تانى؟ أنا تعبان جدا”

“يا عم إن شاء الله هيبقوا هم، اتفائل خير، هنتأكد لو نزلت بس”

إزاى أنا هقدر أصمد وأبقى قوى وأنا خلاص قربت أشوف أهلى؟ اللى أنا هموت من كتر شوقى ليهم…

هو حقيقى يعنى هنا عايشين أمى، وأبويا، وأخويا، وأختى، وحبيبتى رهف؟!!

تلاقيهم نايمين دلوقتى!

أكيد هم هيتفاجئو أول ما يشوفونى…

قد إيه هم واحشنى جدا…!

خلاص فاضل كام ثانية، وأشوفكوا…

يا رب، أنا خلاص قربت أموت من الحماس والقلق…

خرجت الصورتين من جيبى، وفضلت أتأمل فى أفراد عيلتى، لغاية ما جت عينى على رهف وهى بتلون…

رهف…

يا صغيرتى الجميلة…

أنا خلاص جيت…

“طب كفاية بقى! سيبك من الصورة، وخليك فى الأصل”

سامى قالى كده وهو بيفتح الباب، وبينزل من العربية…

خبطنا على الباب كتير، لدرجة إنى خفت إن البيت يكون فاضى، ويكونوا مشيوا، وأملى يروح…

لكن الباب أخيرا اتفتح…

طلع منه شاب كبير، وجسمه طويل، ورفيع، وعلى وشه أثر حرق، وده اللى أكدلى إنه أخويا آسر…

“آسر… يا أخويا يا حبيبى”

مش هقدر أوصف حالتي ساعتها كانت عاملة إزاى؟

عياط، وآهات، وصريخ من كتر الفرحة، وأحضان مليانة دموع…

فضلوا يشدوا فيا من كل ناحية، ويحضنونى ويبوسونى ويعيطوا…

إختلط الضحك بالدموع، والفرحة بالصويت…!

مكنتش مصدق، هم دول أهلى بجد، ولا إتهيألى إنهم خرجولى من الصورة؟!

عدى وقت طويل بنفس الحالة، وأنا مش قادر أستوعب اللى أنا فيه…!

أمى مقدرتش تقف على رجلها من كتر الفرحة، ونزلت على الأرض، وكلنا نزلنا معاها، وخدت راسى ضمتها على صدرها، وفضلنا نعيط….

بابا كان قاعد جنبى، وعمال يكرر وهو بيعيط: “الحمدلله، والشكر لله، شوفت اليوم ده يا رب، اللهم لك الحمد”

ليلى كانت ماسكة دراعى، وآسر ماسك دراعى من الناحية التانية، ومفيش حد فينا قادر يتكلم…

مش قادر أوصف أكتر من كده…

الموقف كان حار جدا، والحمدلله إنى عرفت أفتكر جزء منه قبل ما يسيح!!

أمى سابت راسى شوية، وبصيت قدامى لقيت ليلى، فضلت أتأمل فيها، كبرت وبقت جميلة…

جيت أفتح بقى عشان أتكلم، لكن مقدرتش من كتر الدموع اللى نازلة من عينى جواه….

مش عارف أنا طلعت صوت إزاى، ومنين؟

لكن قلت بصوت شبه معدوم: “رهف؟”

قامت ليلى فورا، وجريت على عتبات السلم، وراحت عشان تنده رهف…

وقفت أستنى وأنا قلقان، وكله لسة عمال يحضن، ويبوس فيا…

كانت عينى على الحتة اللى مشيت منها ليلى، ولو مكنتش مربوط باللى حواليا، كنت مشيت وراها على طول..

لا…

ده أنا كنت سبقتها كمان….

دلوقتى رهف هتظهر!

هو الهواء اللى حواليا وقف ولا إيه؟

أنا مش عارف أتنفس! أنا بتخنق…!!

طب هى الشمس طلعت بليل؟ أنا بتحرق…!!

ممكن الأرض تحتيا تكون بتتهز؟ أنا بنهااار…!!

لو مكنوش ماسكنى كنت وقعت….

رهف هتيجى، وهشيلها فى حضنى، وهلف بيها زى ما كنت بعمل على طول…

يلا يا رهف… إظهرى… تعالى… إجرى…

فى الحتة اللى كنت باصص عليها بالظبط، ظهرت مخلوقة، جاية تجرى بسرعة، ووقفت عند أول عتبة للسلم…

كل حاجة كانت بتتحرك حواليا وقفت، أول ما رهف وقفت قدامى…

حتى قلبى اللى كان بيترعش وقف هو كمان…

عينى وقفت دموعها، وبطلت ترمش…

وثبتت قدام عينى البنت اللى واقفة على أول عتبة، وهى فاتحة بقها!

حد فيكو جرب قبل كده يوقف الفيديو اللى بيتفرج عليه فجأة؟! عند مشهد هو بيحبه!

الكون كله عندى وقف بالطريقة دى…

واقف بالظبط قدام المخلوقة اللى هى المفروض رهف، وهى مش رهف…

أنا كنت مستنى تظهرلى رهف… رهف اللى أنا سيبتها من تمن سنين… طفلة صغيرة بعشقها زى المجنون… بتجرى عليا وهى ملهوفة… وترفع إيديها ليا بدلع وتقولى: “ليث… شيلنى”

مكنتش شايف كويس، حسيت إن عينى مزغللة من الصدمة….

هى دى فعلا صغيرتى رهف….؟

مكنتش مصدق إن اللى واقفة قدامى دى رهف!

كنت عايز أخرج الصورة من جيبى، واسأل أهلى: هى دى صغيرتي رهف؟

لكن أنا فضلت واقف متصلب، ومتخشب زى ما أنا…

أول حاجة إتحركت فى السكون المحيط بيا، كان بق المخلوقة اللى واقفة على السلم، وبعدين حركت إيديها، وشاورت بصباعها عليا، وقالت وهى متلجلجة: “ل… ي…ث؟”

فجأة، ومن غير ما تسيبلى أى فرصة عشان أستعد، لقيتها جاية بتجرى، وبتطير عليا…

أنا سيبت إيدى من كل اللى حواليا، وفتحت دراعى تلقائى لرهف اللى نطت عليا، وحضنتنى….

“ليييث!”

دلوقتى أنا إتأكدت إنها رهف!!

ساعتها إقتنعت بفكرة دوران الأرض حوالين نفسها…

لإنى كنت واقف وهى رهف فى حضنى، والدنيا كلها بتدور حواليا بسرعة…

بسرعة أوى…

لغاية ما كنا خلاص هنقع، وجه بابا، وآسر عشان يسندونا، بس أنا رجلى مكنتش شايلانى…

لكن رهف…

صغيرتى اللى كبرت… كانت ماسكة فيا جامد، لدرجة إنى كنت حاسس إنها هتدخل جوايا…

هى فعلا دخلت…

كنت عايز اللحظة دى تستمر لتمن سنين تانيين بس…

عشان تعوضنى عن كل يوم، وكل لحظة عيشتها فى السجن وأنا بعيد عنها….

رجعت بيا الذاكرة قبل تمن سنين من دلوقتى…

لليوم الأسود اللى حصل فيه الحادثة…

للحظة اللى كانت رهف مرعوبة فيها، وحضنانى بقوة، وكانت هتدخل جوايا من الخوف، وعلى واقف بيضحك ضحكته الخبيثة، وبيحدفلى حزام رهف…

أول ما إفتكرت الكلام ده، لقيتنى بحضن رهف جامد جدا، كأنى عايز أحميها من مجرد ذكرى اليوم ده…

شديت إيدى، وفضلت أحضن فيها جامد جدا، ولو كان جسمى وعضلاتى زى زمان، كانت ضلوعها إتكسرت بين إيديا، من كتر حبى، وخوفى عليها…

لكن أنا للأسف حاس بضعف جامد جدا فى جسمى، وحاسس إنى ممكن أنهار فى أى لحظة…

بعدت راسها عن صدرى شوية عشان أشوفها، وأتأكد إنها رهف…

برغم إنها كبرت، لكن لسة وشها مدور، وملامحها الطفولية زى ماهى…

“رهف صغيرتى”!

أنا عشت، وشوفتك تانى…

نجيت عشان أرجع ليكى…

“آه”!

قلت الآه دى، ووقعت فى مكانى!

تقريبا أنا أغم عليا خمس دقايق، ولما فتحت عينى لقيهم كلهم حواليا، ودموعهم مغرقانى…

معنديش أغلى من دموع حبيبتى رهف، كانت دموعها نازلة زى السيول…

“أنا رجعت خلاص… مش هسمح لدموعك إنها تنزل تانى بعد النهاردة”

قلت لرهف كده، وبعدين بصيت عليهم، وقلتلهم: “أنا تعبان جدا ومحتاج أرتاح”

ساعتها لاحظت إن سامى مش موجود…

أنا مش فاكر إنى شوفته بعد ما رنينا الجرس، يا ترى رجع بالعربية؟ ولا إيه اللى حصل؟

قلت: “فين سامى؟”

رد عليا آسر: “مشى وقال هيجى تانى بكرا”

عشان أنا كنت تعبان جدا، نمت مجرد ما حطيت جسمى على سرير أخويا آسر، وهو نام جنبى على الأرض فى أوضته الليلة دى…

لما صحانى آسر لصلاة الفجر، مكنتش لسة شبعت من النوم، وكان جسمى واجعنى جدا، فمروحتش معاهم المسجد نصلى جماعة…

صليت لوحدى فى الأوضة…

لما خلصت صلاة، وهم لسة مرجعوش من المسجد، حسيت إنى عطشان جدا.

فخرجت من الأوضة عشان أدور على المطبخ…

البيت مكانش مساحته كبيرة أوى، كانت الأوض كلها قريبة من بعض…

وصلت المطبخ، ولقيت حد واقف قدام التلاجة، ومدينى ضهره، ولابس حجاب…

مكنش صعب بالنسبالى إنى أعرف إنها رهف، بسبب حجمها الصغير…

“رهف”!

رهف جسمها إتنطر، وبصتلى وهى مفزوعة، لأنها محستش بيا وأنا داخل المطبخ.

“رهف… أنا آسف… أنا خضيتك؟”

وطت راسها ناحية الأرض، وهزت راسها بلأ..!

“أنا عايز شوية مياه… ممكن!”

أول ما قلوتلها كده، جت على جنب فورا…

لما عديت من جنبها، رفعت راسها شوية صغيرين، وبصت عليا…

“كبرتى يا رهف!”

مردتش عليا خالص، ونزلت عنيها فى الأرض تانى…

“بس متغيرتيش كتير على فكرة”

رفعت راسها تانى، وسمحت لعنيها إنها تبصلى شوية، وبعدين نزلت راسها تانى….

قلت: “طب أنا إتغيرت كتير؟”

كانت مترددة وهى بتقول: “إنت غيرت مناخيرك؟”

إبتسمت وكنت قربت أضحك، وقلتلها: “لأ أنا مغيرتهاش… الزمن هو اللى غيرها، شكلها وحش أوى يعنى؟”

رهف ردت عليا من غير ما ترفع راسها: “بالعكس!”

بعدها جريت علطول، وخرجت من المطبخ…

لفيت فورا، وناديت عليها: “رهف، إستنى”

لكن هى إختفت بسرعة البرق!!

شربت مياه ساقعة متلجة، حسيت بيها بتروى بقى، وزورى، ومعدتى، وحتى كل خلايا جسمى…

رجعت للسرير، وغمضت عينى…

ده مش حلم… أنا خلاص رجعت لأهلى فعلا…

رجعت لرهف…

حتى لو كبرت، ومبقتش الدلوعة الصغيرة بتاعتى زى زمان، لكن هى هتفضل رهف اللى أنا بعشقها على أى حال…

واللى أنا مستعد أعمل عشانها أى حاجة فى الدنيا…

واللى أنا لسة مشتاق ليها أكتر من أى حد تانى…

واللى لازم أقربها منى أكتر من أى وقت فات…

لأنها…

حبيبتى الدلوعة الصغيرة…

أول حلم فى حياتى…

حبيبة طفولتى…

اللى أخيرا كبرت…

وأنا بصحى من النوم، وحاسس بطراوة المخدة اللى تحت دماغى، ونعومة ودفا البطانية اللى فوق جسمى، والنور داخل فى عينى…

فضلت عينى مغمضة شوية عشان أستمتع بجمال التفاصيل دى كلها…

حركت إيدى فوق المخدة الطرية، والبطانية الناعمة، وفضلت أحسس عليهم بسعادة كبيرة جدا…

ابتسمت ابتسامة رضا وشكر لله، إنه خلانى أرجع أعيش فى وسط أهلى تانى…

قد إيه النوم كان ممتع! وقد إيه كنت حاسس إنى كسلان! وجعان كمان!

آه… قد إيه الرجوع للعيلة ده جميل؟!

فتحت عينى ببطئ وأنا مبتسم، ووشى منور من كتر الراحة النفسية اللى أنا فيها…

فتحت عينى على إيه؟

على وش أمى…

كانت أمى قاعدة على كرسى جنب السرير، وبتراقبنى، وكانت الدموع محبوسة فى عينيها، وهو بقها بيضحك…

قلقت، والإبتسامة، والسعادة راحوا من وشى، وقمت قعدت بسرعة، وسألتها: “مالك يا أمى؟”

أمى طبطبت على صدرى عشان تهدينى: “متخافش يا ابنى، مفيش حاجة”

لكن أنا مصدقتش، ورجعت سألتها: “فى إيه؟ إيه اللى حصل؟”

أمى هزت راسها، ومسحت دموعها، وابتسمت أوى، وقالت: “مفيش حاجة يا حبيبى، كنت بروى عينى بشوفتك، وبعوض نفسى من حرمانى منك”

فضلت أعيط…

قمت من على السرير بسرعة، وقعدت قدامها، وبوست راسها، وحضنتها جامد جدا…

…..

طبعا مفيش حد قدر ينام فينا الليلة دى، غير ليث!

ليث نام فى أوضة آسر، لإن مكنش فى عندنا ولا سرير زيادة، ولا أوضة فاضية…

أنا مش قادرة أصدق إن ليث خلاص رجع…

أنا كنت صدقت إنه إختفى للأبد، ومش هيرجع تانى أبدا…

كنت فاكرة إنه حب العيشة فى بلاد برا، اللى موجود فيها الأمان، والسلام، ومكنش هيرجع تانى للحرب، والخراب، والدمار اللى إحنا فيه…

لكن هو رجع، وكان زى الحلم!

هو لسة طويل، وعريض زى ما هو، لكن شكله خاسس أوى…

وكمان مناخيره إتغيرت، وبقت جميلة أوى…

إمبارح معرفتش أمسك نفسى وأنا شايفاه واقف قدام عينى…

كل ما أفتكر اللى حصل إمبارح بتكسف جدا، وخدودى بتحمر من كتر الخجل…

“رهف، هتفضلى تقلبى فى البطاطس لغاية إمتى، خلاص كفاية، دى إتحرقت يا ماما”

كنت سرحانة، وخدت بالى من ليلى وهى بتتكلم، وواقفة بتراقبنى، وحاطة إيديها فى وسطها…

إبتسمت، وقلتلها: “خلاص أنا قربت أخلص أهو”

ليلى بصت على وشى شوية، وقالت: ” وشك إحمر من كتر الوقوف قدام الزيت، والنار، خلاص بقى شيليها، وخلصى”

أنا فعلا حاسة إن خدودى سخنة، لكن مش من حرارة النار، ولا الزيت…

خلصت تحمير البطاطس، ووزعتها فى الأطباق.

سفرتنا النهاردة كانت مليانة أصناف كتيرة جدا، وكلها من اللى ليث بيحبها…

ماما أصرت إننا نعملها كلها، وأجبرتنا إننا نعتكف فى المطبخ من الصبح بدرى…

كويس إن ده حصل، كده كده مفيش حد فينا كان هيجيله نوم بعد اللى حصل…

طبعا ماما موجودة دلوقتى فى أوضة آسر!

“ليلى”

كانت ليلى بتقطع الخضار عشان تعمل سلطة، وبصتلى وهى مش طايقة نفسها: “نعم؟”

“هو ليث كان بيحب عصير البرتقال ولا اللمون؟”

بصتلى بصة زهق، وقالت: “ياه يا رهف، قلتلك مش عارفة، إسألى أمى”

وقفت أفكر شوية، لقيت الفكرة عجبتنى، وروحت على طول لأوضة آسر!

وأنا فى الطريق للأوضة، شفت بابا…

“رايحة على فين؟”

وقفت وأنا بكلمه…

قلتله بصوت واطى: “عايزة أقول لماما حاجة”

إبتسم بابا، وقالى: “هى أكيد عند ليث”

قدمت خطوة كمان لأوضة آسر، لكن بابا نده عليا تانى!

لفيت وشى لقيته بيشاورلى، وبيرسملى دايرة حوالين وشه، وفهمت هو يقصد إيه؟

روحت على طول لأوضتى، ولفيت طرحة على وشى، ولبست لبس واسع، ومناسب، وبعدين روحت لأوضة آسر، وخبطت على الباب خبط خفيف…

سمعت صوت ماما بتقول: “إتفضل إدخل”

فتحت الباب بالراحة، وبصيت جوا الأوضة، وعينى جت على طول على عين ليث!

رجعت لورا فورا بضهرى، واتوترت!

وفضلت واقفة مكانى…

جت أمى فتحت الباب كويس عشان أعرف أدخل…

“رهف، تعالى، فى حاجة؟”

قلت وأنا متوترة، ومتلجلجة: “العصير… أقصد يعنى ليمون ولا برتقال؟”

طبعا ماما بصتلى وهى مستغربة: “نعم!”

كنت قادرة أشوف ليث وهو واقف عند الشباك اللى فى آخر الأوضة، لكن مقدرتش أميز هو باصص فين؟”

“أعمل عصير لمون، ولا عصير برتقال؟”

أمى ضحكت، وقالت: “اللى إنتى عايزاه إعمليه”

قلت: “هو بيحب إيه؟”

مقدرتش أنطق إسمه!

أمى بصت لليث، وأنا كمان بصيتله، وعنينا إتلاقت للحظات…

“ها يا ليث، عايز تشرب إيه النهاردة؟ لمون ولا برتقال؟ ولا الإتنين؟”

إبتسم ليث، ورد على ماما: “برتقال طبعا!”

بصتلى ماما وهى مبتسمة، وقالتلى: “هاا، كده في حاجة ناقصة؟”

“لأ، إحنا تقريبا كده خلصنا كل حاجة، فاضل العصير، والسلطة بس”

“كويس أوى، أنا جاية معاكى”

ماما باست راس ليث، وقلتله إنها هتيجى معايا تجهز الأكل، وخرجت، وقفلت الباب وراها…

روحنا المطبخ لقينا آسر هناك، وكان لسة راجع من برا، كان بيجيب شوية حاجات…

آسر سلم علينا، وبعدين سأل: “هو ليث صحى ولا لسة؟”

ماما قالت: “أيوة، هو صحى من شوية”

“طب حلو، أنا رايحله بقى”

مشى آسر بسرعة، وليلى رمت السكينة اللى فى إيديها، وقامت وراه، وقالت: “وأنا كمان… كملى إنتى السلطة بقى يا رهف”

فى خلال ثوانى لقيتهم إختفوا هم الإتنين!

طب وأنا؟؟

مهو أنا كمان نفسى أروحله…!

ماما بصتلى، وقالت: “أنا هكمل تقطيع الخضار، إعملى إنتى عصير البرتقال”

…..

من شوية وهى ماما قاعدة معايا، جت رهف ووقفت عند الباب شوية… وسألت أمى على العصير اللى أنا بحبه…

شكلها نسيت أنا بحب إيه؟

على طول كنت باخدها معايا، وأفسحها، وأجبلها الآيس كريم اللى هى بتحبه، وكانت بتشوفنى لما بجيب عصير البرتقال وأشربه، وكنت ساعات بجيبلها البطاطس المحمرة اللى هى بتحبها…

يا ترى هى لسة بتحبها؟

الباب خبط، ودخل آسر وليلى…

جم الإتنين يبوسونى، ويحضنونى من أول وجديد!

أخويا قالى: “أنا جبتلك شوية هدوم يا حبيبى، أكيد إنت محتاج تاخد دوش طويل”

ابتسمت وأنا مكسوف من شكلى، أنا عارف إن هدومى مش حلوة، ولا نضيفة، وشعرى طويل جدا، ودقنى شكلها وحش…

حتى الهدوم اللى جبهالى آسر مكنتش حلوة خالص!

قلتلهم: “هو أنا شكلى وحش أوى؟”

ردت ليلى وهى بتضحك: “لأ يا حبيبى، ده أنت فى قمة الوسامة، شبه أبطال السيما”

فضلنا نضحك إحنا التلاتة…

“بطل بس من غير عضلات، ده أنا حتى ما أنفعش فى دور مجرم”

ركزت للحظة فى الكلمة اللى خرجت من لسانى!

مجرم… أنا فعلا مجرم!

محدش خد باله من تعابير وشى اللى اتغيرت!

كملت ليلى كلامها: “أيوة طبعا بطل، مش كده يا آسر؟ ده مش رأيى لوحدى، رهف كمان بتقول عليك كده”

ركزت أوى فى اللى هى قالته، وبسطنى جدا….

هى رهف شايفانى بطل فعلا!

إنتوا عارفين الموضوع ده مهم عندى إزاى؟

كانت زمان بتعتبرنى حاجة كبيرة فى نظرها…

يا ترى هى دلوقتى بعد ما كبرت شايفانى إزاى؟

بعد كده، خدت شاور عميق، وطويل…

نضفت جسمى، ودماغى من كل حاجة بقيت جوايا من السجن…

حسيت بعدها إنى راجل محترم، وإنسان ربنا كرمه، وشخص يستحق التقدير…

لما جه آسر بعد ما خرجت من الحمام، فضل يصفر، وكان بيحيينى على التغيير اللى حصل فى شكلى…

“إيه الجمال، والحلاوة دى يا أخى، بطل سينما بجد، مش أى كلام يعنى!”

إبتسمت، وقلت: “لازم النهاردة تاخدنى للحلاق، عشان أقص شعرى الطويل ده”

قالى: “يا عم خليه كده حلو، مخليك جذاب”

فضلنا نضحك، وخرجنا من الأوضة، لقينا بابا،

وماما واقفين فى الطرقة…

ابتسموا لما شافونى، وبعدين رحت أنا، وبابا، وآسر للمسجد عشان نصلى الظهر جماعة…

أول ما رجعنا البيت، نطت فى مناخيرى روايح أكل فى قمة الجمال…

خدت نفس عميق، عشان أشم كويس ريحة الأكل…

أمى طلعت من المطبخ، وندهتلنا عشان نروح على السفرة…

واتفاجأت بكمية الأطباق اللى ملت السفرة من أولها لآخرها…

“إيه كل ده؟ ده كتير أوى!”

كنت باصص لماما وأنا مستغرب!

ابتسمت، وقالت: “إتفضل يا حبيبى، أقعد كل، بألف هنا، وشفا”

مش هخبى عليكو، أنا بطنى كانت هتصوصو من كتر الجوع!

معدتى وسعت لأقصى درجة، عشان تستعد لكمية الأكل اللى أنا هاكله…

ساعتها إفتكرت صاحبى سامى…

“سامى! لازم أتصل بسامى!”

روحت عند التليفون، واتصلت بيه فى الشقة اللى كنا فيها…

إعتذر سامى، وقال إنه مش هيقدر يجى دلوقتى، عشان ميسببش حرج، وهيعدى علينا بليل…

قعدت على كرسى من كراسى السفرة، وكنت قاعد على يمين أمى، وآسر قاعد على شمالها…

وأخيرا جم ليلى، ورهف… ليلى قعدت على يمين بابا، وفضل آخر كرسى فاضى هو اللى قدامى…

جت رهف، وقعدت على الكرسى الفاضى اللى قدامى.

إكتشفت بعد كده إنى كنت قاعد على الكرسى اللى هى متعودة تقعد عليه على طول!

كانت لابسة لبس واسع، وطويل…

مش هخبى عليكوا إنى كنت كل ما عينى تيجى فى عينيها، بحس بلسعة كهرباء فى جسمى كله!

دى صغيرتى رهف!

اللى أنا كنت متعود أشيلها، وأحطها على رجلى، وألعب فى شعرها…

حبيبتى الدلوعة اللى أنا اتحرمت من وشها تمن سنين!

إنتوا عارفين هى بالنسبالى إيه؟

أنا دلوقتى هموت وأخدها على رجلى، وأكلها البطاطس المحمرة اللى بتحبها بإيدى…

لكن هعمل كده إزاى؟ خلينى أفضل أراقبها من بعيد أحسن….

كنا قاعدين أنا، وأهلى بنتغدى مع بعض على السفرة، ورهف قاعدة قصادى…

كنت حاسس إن هى بتراقبنى!

مش هى بس… أنا كنت حاسس إن كلهم بيراقبونى.

برغم إنى كنت جعان جدا، لكن سيطرت على نفسى، وكلت زى ما هم بياكلو بالراحة!!

لكن قعدت آكل فترة أطول منهم، وكمية أكبر بكتير!

كل حاجة حاسس إن طعمها جميل جدا، حتى المياه…

مكنتش عارف للمياه طعم بقالى تمن سنيت…

هى المياه فعلا ليها طعم؟!

أنا حاسس إنى دخلت الجنة، بعد ما خرجت من الجحيم اللى أنا كنت فيه..

اللهم لك الحمد…

إتكلمت مع أهلى فى مواضيع كتيرة جدا، لكن السجن مش من ضمنهم…

أنا كنت معظم الوقت بسمع منهم، ومش قادر أتكلم، وعرفت عن اللى حصل فى البلد، والسياسة، والحرب، والدمار، وعن كل حاجة جديدة حصلت فى الدنيا وأنا فى السجن….

رهف كانت أقل واحدة بتتكلم، فين على ما تقول كلمة أو إتنين بالكتير!

أنا كان نفسى تتكلم، وأسمعها…

كان نفسى أعرف منها هى عملت إيه فى غيابى؟ وإيه اللى حصل معاها؟

كان نفسى أمسك إيديها…

أحسس على شعرها الناعم الجميل…

أخدها فى حضني….

زى ما كنت بعمل زمان، لإنها طفلتى الصغيرة، اللى أنا إشتقت ليها أكتر من أى حد تانى….

مش محتاج اوصف مشاعرى أكتر من كده، إنتوا عارفين…

هى دلوقتى قاعدة قدامى، وباينة إنها بنت كبيرة، وشابة لابسة حجاب على شعرها…

أنا حاسس إنى مش مسموحلى عينى تيجى عليها أكتر من كام ثانية بس…

إنتوا متخيلين أنا حاسس بإيه دلوقتى؟

قضيت فى السجن تمن سنين عذاب، إتغير فيهم حاجات كتير أوى فى الدنيا، وفيا أنا كمان…

لكن حبى للبنت دى متغيرش، وفضل زى ما هو…

بالعكس هو كمان زاد… زاد أوى!

أنا لو مرجعتش علاقتى الجميلة بيها زى زمان، إحتمال أتجنن!!

حاولت أكسر الجمود اللى حاصل بينى، وبينها، وأحاول محاولة يائسة إنى أرجع أى حاجة بيننا زى زمان…

“رهف… صغيرتى… وصلتى لإيه فى الدراسة بتاعتك؟”

ندهت عليها، وكلمتها فجأة، وإحنا كلنا قاعدين…

هى تقريبا مكنتش متوقعة إنى هكلمها!

رهف وشها إحمر جدا، ورفعت عنيها، وبصتلى وهى مكسوفة: “أنا خلصت الثانوية العامة، وهدخل الكلية السنة الجديدة إن شاء الله”

إبتسمت جدا، والفرحة بانت على وشى! صغيرتى رهف هتدخل الجامعة!

“حلو جدا، أنا مبسوط أوى إنك قلتيلى كده، ربنا يوفقك”

رهف إبتسمت بكسوف، وقالت: “طب وأنت، خلصت دراستك؟ ولا لسة فى تانى؟”

إتخشبت أول ما سمعت السؤال ده، وبصيت على ماما، وبابا، وآسر، وليلى وأنا محتار، ومش عارف أرد….

بابا قال وهو مرتبك: “لأ طبعا مفيش حاجة تانى، كفاية لغاية كده، إنتى فاكرة إننا هنسيبه يسافر، ويبعد عننا تانى، مستحيل”

بصيت على ماما، وآسر، وكانوا بيدارو عنيهم منى، ومش عارفين يبصولى…

رجعت أبص على ليلى، لقيتها مشغولة فى الأكل!

لما عينى جت على رهف تانى، لقيتها بصالى وبتبتسملى…

زعلت جدا من اللى أنا سمعته، واتفاجأت بيه…

كده مش باين إن رهف كانت عارفة إن أنا فى السجن…

هم عرفوها إن أنا سافرت عشان أدرس برا؟

طب هو مش أنا اللى طلبت منهم ده؟؟

هم لسة محافظين على السر؟ معقولة؟؟

أنا زعلان ليه دلوقتى لما عرفت حاجة زى كده؟؟

نفسى إتسدت، وإتضايقت جدا، ومقدرتش أكمل أكل…

لكن شربت كباية عصير البرتقال بتاعتى، عشان كنت عارف إن رهف هى اللى عاملاها…

بعد الغدا قمت مع أهلى عشان يفرجونى على بيتنا الصغير، لكن موضوع إن رهف مش عارفة إنى كنت فى السجن ده فضل مسيطر، ومعكنن عليا…

أول ما بقيت أنا، وبابا، وماما لوحدينا سألتهم فورا: “هى رهف متعرفش إنى كنت فى السجن كل السنين دى؟”

بابا كان متردد إنه يتكلم، وقالى: “حسينا إن ملهاش لازمة إنها تعرف حاجة زى كده، هى كانت صغيرة، ولما كبرت هى، وليلى مبقاش فى داعى نشيلهم هم اللى حاصل معاك، كفاية اللى كان حاصل فيا أنا، وأمك، وقررنا إننا نفضل مخبيين عليهم أحسن”

زعلت جدا من الكلام ده، أنا دلوقتى مبقتش عارف أعمل إيه مع ليلى، ورهف لما يعرفوا؟

الزعل كان باين على وشى…

لقيت بابا بيقلى: “إهدى يا حبيبى، ومتضايقش نفسك، ربنا هيحلها مع الوقت، متقلقش”

كان الموضوع ده حساس، ومهم جدا بالنسبالى..

بليل كنت قاعد بتفرج على التيفزيون مع بابا، وماما فى أوضة الأنتريه، وبعدين إفتكرت إنى عايز أكلم سامى، عشان أأكد عليه يجى…

مكنتش عايز أستخدم التليفون اللى محطوط فوق التليفزيون بالظبط…

خرجت من أوضة الأنتريه، وروحت على المطبخ، لإنه كان الأقرب ليا…

كان باب المطبخ مقفول، فخبطت الأول…

الباب اتفتح فتحة بسيطة، ولقيت ليلى…

“خير يا ليث، عايز حاجة؟”

“كنت عايز أستخدم التليفون!”

ليلى ضحكت وهى بتقلى : “إستخدم اللى فى أوضة الأنتريه، أو أوضة الضيوف”

إستغربت وسألتها: “ليه؟ هو تليفون المطبخ مش شغال؟”

ضحكت تانى وقالتلى: “لأ شغال، لكن رهف هنا!”

الموضوع جننى، ورجعت لورا وقفلت باب المطبخ، وأنا مقهور، وماسك الأوكرة جامد…

صغيرتى اللى كانت بتبقى جنبى فى أى حتة أكون فيها، دلوقتى بقيت ممنوع حتى إنى أدخل المكان اللى هى فيه!

الموضوع مينفعش يستمر كده، أنا قربت أتجنن!

لازم أتكلم مع بابا فى الموضوع ده، وأحله فى أقرب وقت…

لأ، أنا هحله دلوقتى…

لفيت عشان أروح أوضة الضيوف، لكن شوفت حاجة خلتنى وقفت متجمد!

لقيت باب المطبخ بيتحرك، واتفتح، وخرج منه آسر!!

خرج آسر وهو مبتسم، وقفل الباب وراه، وأنا فضلت مبحلق فيه…!

آسر بصلى، وإبتسم وهو بيقلى: “أوضة الضيوف من هنا”

أنا فضلت واقف متخشب، وأخيرا لسانى المربوط فك…!

“رهف… جوا فى المطبخ!”

“آه هى جوا، بس نسيت تجيب معاها الطرحة”

إتجننت، ومبقتش قادر أفهم حاجة، ولا أتخيل حاجة…

“لكن إنت… إزاى…؟”

بتكلم وأنا متفاجئ، ولقيت آسر فتح بقه، ورفع حواجبه، زى ما يكون لسة واصلاله معلومة غريبة، مكنش واخد باله منها قبل كده…

“آه… قصدك أنا؟… لأ مهو إحنا…”

ضحك ضحكة بسيطة قبل ما يكمل كلامه، وقال الحاجة اللى قضت على آخر أمل فى حياة ليث!

“إحنا مخطوبين”

……..

أنا النهاردة قضيت يومى كله فى المطبخ…

بعد ما خلصنا الغدا العظيم اللى كنا عاملينه عشان ليث، هنبدا نجهز العشا عشان ليث، وصاحبه اللى جاى يتعشى معانا…

حاسة إنى تعبانة جدا وعايزة أنام، لكن كل ما آجى أرتاح شوية، ألاقى ليلى فوق دماغى وتقلى: “يلا يا رهف، عايزين ننجز، الوقت مش هيسعفنا”

آسر كان بيساعدنا، لكن هو لسة خارج…

دلوقتى أقدر أتكلم عن ليث براحتى!

“قليلى بقى يا ليلى، هو إيه التخصص اللى ليث بيدرسه؟”

ليلى كانت مشغولة فى رص الفطير فى الصينية قبل ما تدخله الفرن…

“مش عارفة يا رهف، تقريبا إقتصاد وإدارة”

سكت شوية، وبعدين سألتها: “طب إحنا هنجهزله أنهى أوضة؟ أكيد أوضة الضيوف صح! مهو إحنا معندناش غيرها، البيت صغير أوى”

ردت عليا وقالتلى: “أيوة أكيد”

عدوا كام ثانية تانى، وسألتها: “إنتى مش شايفة إنه خاسس أوى، مكنش كده قبل ما يسافر”

قالت: “أيوة صح، أكيد مكنش بياكل كويس هناك”

قلت: “شفتى إزاى كل البطاطس المحمرة اللى أنا عملتها كلها، أكيد عجبته!”

بصتلى ليلى وقالتلى بتريقة: “لا والله ، طب مهو كل السلطة اللى أنا عملتها، والشوربة اللى ماما عملتها، والفراخ والخضار، والعصير، وكل حاجة، بالله عليكى إنتى فاكرة إن الطبق المحمر بتاعك ده هو اللى عجبه يعنى!”

قلتلها وأنا متضايقة: “أهو إنتى كده على طول، مش بيعجبك أى حاجة أنا بعملها!”

ليلى لفت وإديتنى ضهرها عشان تحط صينيه الفطير فى الفرن…

وأول ما خلصت سألتها فورا: “مش شايفة إنه بقى شبه بابا أوى؟ إنتى، وآسر شبه ماما”

قالت: “معرفش”

وبعدين لفتلى، وبصت عليا، وقالت: “وإنتى بقى شبه مين؟”

سكت شوية، وقلت: “مش عارفة، ممكن أكون شبه أمى الميتة!”

قالتلى: “لأ، إنتى شبه حد تانى”

سألتها وأنا مركزة: “مين؟”

إبتسمت، وقالت: “شبه البغبغان، عشان إنتى رغاية أوى”

رميتها بحتة جبنة من اللى فى إيدى، وجت على مناخيرها، وقعدت أضحك عليها…

لكن هى طبعا لازم تاخد بطارها!

جت عليا وهى عينيها مليانة شر، فسبت فورا العجين اللى كان فى إيدى، ومشيت بضهرى ناحية الباب، وكنت قربت أفتحه عشان أجرى…

“إستنى يا مجنونة، ليث برا”

بعدت إيدى بسرعة من على الأوكرة، وبصيتلها، وقلت: “أيوة صح!”

قالت: “أيوة يا بنتى، مش هو اللى كان لسة هنا، وبيخبط على الباب، خلينى أتأكد إنه مشى الأول”

جيت على جنب، واستنيتها تفتح الباب، لكن هى قربت عليا بسرعة، ولزقت كورة العجين فى وشى!”

حاولت أهرب منها، وجريت فتحت الباب، وشوفت ليث لحظة واحدة بس قبل ما أقفل فى وشه تانى…

حسيت إن أنا محرجة جدا، ومكسوفة من شكلى، وخايفة يكون شافنى بالمنظر ده!

أكيد شافنى وأنا كورة العجين لازقة فى وشى، يا لهوى على الموقف المحرج!!

شلت العجين، ورميته ناحية ليلى وأنا بقول: “إنتى ليه مقولتليش إن ليث ورا الباب؟”

ليلى رفعت حواجبها، وقالت: “قلتلك على فكرة”

“أنا كنت فاكراكى بتكدبى عليا عشان توقعينى فى الفخ، عاجبك يعنى لما يشوفنى بالمنظر ده؟”

ليلى ابتسمت، وقالت: “إنتى، وليث بقيتوا مشكلة دلوقتى، لازم متخرجيش من أوضتك خالص بعد النهاردة”

قلتلها: “طيب ماشى، شكرا، خلصى بقى إنتى الفطير والعجين، وأنا هروح أوضتى أنام”

فى نفس اللحظة آسر دخل، وقال: “خلاص هو راح لأوضة الضيوف، لو كنتى عايزة تخرجى”

بصيت لآسر وبعدها بصيت لليلى، وقلت بخبث: “أيوة أنا همشى”

جريت بسرعة على أوضتى، ولا كان هاممنى إن ليلى عمالة تنادى عليا…

بعد ما غسلت وشى فى الحمام المشترك بينى أنا، وليلى روحت على سريرى فورا، وفردت ضهرى عشان أرتاح…

قد إيه كنت تعبانة!

أنا منمتش من إمبارح كويس، وكمان إشتغلت كتير أوى فى المطبخ…

على فكرة أنا مش هوايتى أصلا الوقفة فى المطبخ، هوايتي الوحيدة هى الرسم، لكن أنا كنت بحب أساعد مش أكتر..

فضلت أتقلب على السرير يمين، وشمال، وأنا بفكر شكلى بقى عامل إزاى قدام ليث؟

مفيش بنت كبيرة محترمة، بتمشى وهى وشها عليه عجين!

إلا بقى لو كانت طريقة ماسك جديدة لترطيب البشرة!!

حسيت إن الدم كله طلع على وشى، أكيد وشى إحمر جدا دلوقتى، لما أقوم أشوفه…

روحت ناحية المراية، ولقيت وشى محمر بطريقة كبيرة، وجميلة جدا، موصلش للدرجة دى قبل كده!

حسيت إنى لو حطيت مع الحمار ده شوية ألوان تانية، هبقى لوحة فنية جميلة…

بصيت تحت، وفتحت درج التسريحة، عشان أطلع علبة الميك اب، لكن إيدى جت على جسم معدن ساقع!!

مسكته، وطلعته عشان أشوفه، لقيتها ساعة ليث…

نسيت على طول الفكرة الهبلة بتاعة حط الميك اب، وخدت الساعة وروحت على سريرى فورا…

نمت على السرير، وكانت الفكرة اللى شاغلة بالى، هى إنى هرجع إزاى الساعة دى لليث؟

أكيد هيتبسط أول ما يشوفها، ويعرف إني كنت محتفظة بيها كل المدة دى…

قمت بسرعة من على السرير، ولبست الهدوم، والطرحة، وخرجت من الأوضة…

خلونى أعرفكوا إنى قليل جدا لو فكرت مرتين فى أى حاجة أنا عايزة أعملها، مجرد ما بتيجى الفكرة فى بالى بنفذها على طول….

آسر كان قايلى إنه فى أوضة الضيوف، لكن أنا روحت الأول على أوضة آسر، وبعدين أوضة الأنتريه، وطبعا إتجنبت المطبخ قبل ما أروح أخيرا أوضة الضيوف وهى ساعة ليث فى إيدى…

لما وصلت على الباب، شفت ليث، وكان قاعد لوحده….

ليث كان قاعد على كرسى جنب الترابيزة اللى عليها التليفون بالظبط، وكان تانى ضهره وموطي راسه لتحت، وساندها بإيده، منظر يخلى أى حد يشوفه يعرف إنه حزين…

خبطت على الباب بالراحة، لكن هو مسمعنيش!

رجعت خبطت تانى بشكل أقوى جدا، لغاية ما رفع راسه بالراحة، وبصلى..

لما بصلى كان باين على وشه تعابير غريبة، ومخيفة!

كانت عينيه حمرا زى الدم، ومفتوحة جامد، ومبرقة، لدرجة إنى حسيت إنها هتخرج برا راسه!

شفت العرق وهو نازل من شعره، وبينقط على وشه…

ليث ساعتها بصلى جامد جدا، لدرجة إنى خفت، ورجعت خطوة لورا…

أول ما أنا عملت كده هو وقف مرة واحدة زى اللى قرصه تعبان!

أنا بلعت ريقى، وخدت نفس عميق وقلتله وأنا متلجلجة: “أنا كنت عايزة… أقصد إنى… معايا حاجة وعايزة أديهالك”

ليث فضل واقف باصصلى بحدة، تقريبا إتضايق عشان أنا جيت لوحدى…

كانت دماغى واقفة، ومش عارفة أفكر، لإنه كان جاى ناحيتى، وبيقربلى خطوة خطوة…

لقيت نفسى تلقائي بخبى الساعة بإيدى اليمين ورا ضهرى…

مفتكرش إن ليث شافها…

لكن أول ما جه قدامى بالظبط، مد إيده وخرج إيدى اللى فيها الساعة من ورا ضهرى…

قرب إيدى لعينه، وفضل يبص فيها كتير، وكان قرب يكسر إيدى من كتر ما هو دايس عليها!

لساني نطق بخوف وقلق: “أنا… كنت هرجعهالك”

فضل ليث ماسك إيدى جامد جدا، وباصص لعينى بشكل فظيع…

فى العيون الحمرة اللى قدامى، اللى بتطق شرار، شفت الدموع وهى بتتجمع جواها، وبعدين بتنزل على وشه المكشر، وبقه المقفول بغيظ!

تهت فى بحر العيون اللى أنا شايفاها، وغرقت فى أعماقها…

خدتنى لذكرى وحشة جدا، كنت بحاول كل السنين اللى فاتت إنى أشيلها من دماغى…

إفتكرت ليث وهو فوق الرملة، جنب العربية، وبيعيط جامد جدا…

كان مادد إيده، وبيقلى: تعالى يا رهف!

“ليث”

أول ما نطقت إسمه، لقيته غمض عينيه، وعض على شفايفه جامد، وداس على إيدى ووجعنى..

فتح عينه وبصلى جامد، وقام ماسك الساعة، ورماها على الحيطة، واتكسرت، وقالى بصوت عالى: “إمشى”

أنا جسمى إتنفض، وأعصابى سابت، ورجعت خطوة لورا، ولفيت وشى، وجريت فورا على الأوضة…

دخلت أوضتى، وقفلت الباب، واترميت على السرير…

كان قلبى بيدق بسرعة، وإيدى بتترعش، وحمرة جدا من ماسكة ليث ليها…

بعد ما هديت شوية روحت قدام المراية، واتخضيت من المنظر اللى أنا شوفته…

هو أنا مش كنت جميلة من شوية؟

أنا ليه بقيت مرعبة دلوقتى؟

أنا مش عارفة ليث عمل كده ليه؟

كل ده عشان شاف العجين ملخبط وشى زى الطفلة العبيطة!!

ولا عشان مكنتش لابسة طرحة؟

ولا إيه….؟؟

بعد ما ليث صرخ فى وشى، وقالى: إمشى

فضلت قاعدة فى أوضتى، ومخرجتش منها، وقعدت أفكر فى اللى هو عمله…

الساعة!

حتى الساعة اللى كنت محتفظة بيها طول السنين اللى فاتت، كسرها!

هو عمل كده ليه؟

حسيت بمياه نازلة على خدودى غصب عنى.

عيطت من الخضة، والخوف، والحيرة اللى أنا فيها بسبب ليث…

مش عارفة إحنا هنبص فى وش بعض تانى إزاى؟

ده مبقاش ليث اللى أنا عارفاه!

ليث عمره ما زعق فى وشى، وقالى: إمشى!

ليث على طول كان بينادينى، ويقولى: تعالى يا رهف يا حبيبتى!!

……..

لما زعقت لرهف، وجريت وهى خايفة منى…

مكنتش قادر أقف على رجلى، واترميت على أول كرسى، وسبت دموعى تنزل عشان أحاول أطفى بيها النار اللى جوايا…

مبقاش فى أى حاجة فارقة معايا، ولا تهمنى، ومبقتش شايف، ولا سامع حاجة حواليا…

مبقاش فى حاجة تستاهل إنى أعيش عشانها، بعد ما إتاخد منى أهم حاجة كنت عايش عشانها، وعلى أمل إنى أرجعلها…

رفعت عينى للسقف، وكنت بتمنى إن عينى تخترقه، وتوصل للسما…

يا رب…

أنا كان عندى أحلامى، وطموحاتى من وأنا صغير…

وتلات حاجات كانوا شاغلين بالى، وبفكر فيهم…

الحرب، وأديها قامت، واللى خفت منه حصل، ومبقاش ينفع أفكر فيها…

الدراسة، انتهى حلمى بيها، وضاعت، وقضيت سنينى الدراسية كلها فى السجن بدل الجامعة…

رهف…

رهف، أول، وآخر، وأهم حلم فى أحلامى كلها، وأهم حلم في حياتى…

رهف حبيبتى… دلوعتى اللى ربيتها وأنا طفل… وشوفتها وهى بتكبر قدام عينى يوم ورا التانى…

أزهقت روح على عشان أنتقملها…

قضيت أبشع أيام حياتى فى السجن عشانها…

كنت منفى، ومعزول عن كل الناس، والأهل، والدنيا، والصحاب… وحتى عن نور الشمس…

دقت المر، وسهرت الليالى وأنا بتأمل فى صورتها، وبحلم هرجعلها إمتى؟ حتى لو بعد سنين…

أرجع ألاقيها مخطوبة لواحد غيرى!

لأ ولمين كمان؟

لأخويا!!

يا رب…

إرحمنى… أنا مبقتش قادر أتحمل اللى بيحصلى ده!!

مبقاش عندى طاقة لأى حاجة تانى…

كنت بعيط وأنا قلبى بيولع، لغاية ماحسيت بحد بياخد راسى وبيحطها فى حضنه، الحضن اللى أنا كنت مفتقده جدا…

“إبنى حبيبى، مالك؟ بتعيط ليه يا روح قلبى؟”

بدأت أمى تعيط هى كمان، لما شافتنى بالمنظر ده!

حاولت إنى أبطل عياط، لكن مقدرتش…

الصدمة اللى أنا فيها مفيش قلب يقدر يستحملها!

رهف؟!

رهف صغيرتي، وحبيبتي أنا… بقت مرات أخويا!!

كنت حاسس إن الأرض بتتزلزل تحت رجلى، والكون بيتهد حواليا، وجسمى مطلع نار، كنت حاسسها هتبخر الدموع اللى نازلة من عينى…

مكنش عندى حتى القوة اللى تكفى إنى أرفع إيدى، وأحضن بيها أمى…

فضلت أعيط على صدرها زى طفل صغير، وضعيف، ومجروح… لا حول ليه ولا قوة!

بعد شوية وقت مش فاكر قد إيه؟ جه أبويا وشافنا على الحال ده أنا، وأمى!

“كفاية يا أم ليث، سيبى الواد ياخد نفسه، لسة مشبعتيش من كتر العياط؟”

أمى بعدت راسى عن صدرها، ومسكت وشى بإيديها، وفضلت تبصلى وهى بتنزل شلالات دموع…

قلت وأنا خلصان، وبصوت شبه معدوم: “أنا تعبان… تعبان أوى… أنا انتهيت… انتهيت”

بعد ما خلصنا فقرة العياط، أبويا، وأمى خدونى على أوضة آسر، وخلونى أنام على السرير وهم بيقولوا: “نام يا إبنى… إرتاح شوية، كفاية عليك كده”

خرجوا أبويا، وأمى من الأوضة، وأنا فضلت نايم على السرير، وعينى جت على التليفون…

قدرت أفتكر بالعافية رقم الشقة اللى كنت فيها أنا، وسامى، وإتصلت بيه، وقلتله: “إنت لازم تجيلى النهاردة… ضروورى”

بعد شوية لقيت آسر جاى، وبيقولى إن سامى وصل…

كان آسر باصصلى وهو مستغرب تعابير وشى إتغيرت كده إزاى؟

أنا كان وشى منور من ساعة ما جيت!

إيه اللى حصل عشان أقلب كده؟

روحت معاه للمكان اللى كانوا قاعدين فيه بابا، وسامى، وبيتكلموا سوا….

أكيد كلهم خدوا بالهم من السرحان اللى أنا كنت فيه، وإن أنا مش باكل أبدا زى ما كنت باكل فى الغدا…

“مالك يا ليث؟ مش بتاكل ليه؟ كل عشان ترجع وزنك اللى إنت نزلته ده!”

آسر بيكلمنى، وأنا رديت عليه بكل برود: “شبعت الحمد لله”

بعد ماكلنا روحنا أوضة الضيوف، وكانوا بابا، وآسر، وسامى فى قمة السعادة وهم بيتكلموا مع بعض، وعمالين يضحكوا…

أنا كنت سرحان، وتفكيرى واقف عند اللحظة اللى قالى فيها آسر: إحنا مخطوبين!

بعد ساعة إستأذن سامى عشان يقوم يمشى، وسلم على بابا، وآسر…

لما جه يسلم عليا قلتله: “أنا جاى معاك”

بابا، وآسر بصوا لبعض، وبعدين تنحوا فى وشى زى ما كان سامى عامل بالظبط!

قالوا فى بق واحد باستغراب شديد: “إيه؟”

أنا فضلت ماسك إيد سامى، وباصصلهم، وقلت: “أنا معنديش سرير هنا… ومش عايز أسيب صاحبى لوحده”

كان سامى هيريح يوم واحد تانى، وبعدين يسافر، ويرجع لأهله…

خرجت معاه من غير ما أسلم على حد غير بابا، وآسر!

ركبنا العربية، وفتحت الدرج اللى كنت شايل فيه علبة السجاير، وطلعت سيجارة، وبصيت لسامى واستأدنته إنى أشربها…

سامى مكنش بيدخن، هز راسه بالموافقة، وفتح الشباك، ودور العربية ومشى…

طول المشوار فضلت سرحان، وساكت، وسامى كان سايبنى، ومش راضى يتكلم، ولا يضغط عليا…

لما قربنا نوصل، عند آخر إشارة قبل البيت اللى فيه شقة سامى، وأنا غرقان فى التفكير، سامى سألنى: “إنت ابتديت تشرب سجاير إمتى؟”

إستنيت شوية على ما جاوبته، مش عشان أنا مسمعتهوش، ولا عشان مستوعبتش كلامه لأ، ده عشان أنا لسانى مكنش قادر ينطق…

“السجن بيعلم حاجات كتير، ودى حاجة منهم”

قلت كده، وأنا ببتسم إبتسامة بارده، وبسخر بيها من كلامى…

حسيت إن سامى شاف إبتسامتى دى برغم إنه كان مركز فى الطريق…

إفتكرت ساعتها الأيام دى…

إفتكرت زمايلى فى الزنزانة…

أنا ليه حاسس إنهم حواليا دلوقتى؟

كأنى شامم ريحة الزنزانة، واللى فيها…

تقريبا ريحة السجاير هى اللى فكرتنى بالأيام السودة دى…

هو أنا هقدر أنساها؟

هى ممكن تختفى من دماغى وأنا لسة كنت هناك من كام يوم بس؟!

يا ريت…

يا ريت كانو قتلونى معاك يا فهيم…

يا ريتنى مت أنا بدالك، وبدلنا أرواحنا…

يا ريتك خرجت إنت لأهلك، وبلدك، وحبايبك…

أنا مليش أهل… ولا بلد… ولا حبايب.

بصيت على الإشارة لقيتها بتنور لون أخضر وأنا بطفى السيجارة فى الطفاية…

وبعدين طلع سامى بالعربية…

أنوار كتيرة عمالة تيجى فى عينى، وتعوم فى الضلمة اللى حواليا…

أنوار العربيات اللى جاية علينا من الناحية التانية…

أنوار البيوت اللى معديين جنبها…

أنوار الشارع…

يفط المحلات المنورة…

أنوار… أنوار… أنوار

حاجة مزعجة جدا، أنا مبقتش عايز أشوف حاجة…

بتمنى إن شمس بكرا متطلعش…

بتمنى إن بكرا ميجيش…

بتمنى إن رهف مفتكرهاش…

كانت تانى مرة فى حياتى اللى اتمنيت فيها إن رهف متبقاش موجودة!!

لما دخلنا الشقة اللى فيها أوضة بسريرين، وصالة صغيرة، وزاوية مطبخ، وحمام…

جريت على الأوضة، ومن غير ما أفتح النور، طلعت فورا على السرير، عشان جسمى يرتاح من الصدمة اللى هو خدها…

كام ثانية، ولقيت سامى فتح النور…

“لأ… بالله عليك إطفيه”

قلت كده وأنا مغمض عينى، وحاطت إيدى فوقيها عشان أمنع عنها النور…

سامى قفل النور، وفضل واقف شوية، وبعدين قفل الباب، وحسيت بيه جاى ناحية السرير اللى جنبى…

الدنيا حوالية كانت ساكتة خالص، لكن جوايا خناقة كبيرة شغالة بين الأفكار كلها اللى فى دماغى…

“إيه اللى حصل؟”

سألنى سامى بصوت هادى خالص…

مجوبتهوش، وعدى كام دقيقة، وأنا إفتكرته خلاص عرف إن أنا نمت…

لكن برده رجع يقولى: “عرفنى فى إيه؟ إنت مش كويس”

بعد كده حسيته بيتحرك من على السرير اللى جنبى، وصوته بيقرب منى: “ليث!”

فتحت عينى لقيته واقف فوق راسى، وبيبص عليا.

الدنيا كلها كانت ضلمة، ماعدا نور بسيط بيتسحب برخامة، وداخل من تحت الباب…

تقريبا بصيص النور ده كان كفاية إنه يبين الدموع اللى نازلة من عينى، وبحاول أداريها!!

فى لحظة من لحظات الضعف الشديد، والإنهيار، مع لحظة رمى حزام رهف فى الهوا، ووقوعه على الرملة، لغاية اللحظة اللى مبقاش ينفع فيها الرجوع… والأمر انتهى.

قعدت، مش عشان أنا قادر أقعد، ولا عايز أقعد، لكن سيول الدموع اللى كانت نازلة من عينى، وغرقت مناخيرى، وبقى، ومبقتش قادر أتنفس…

خدت منديل من العلبة اللى جنبى على الكومودينو، ومسحت بيها الدموع اللى ملت عينى، وقلبى، ورميتها على آخر دراعى…

أخرجى برا بقى…

يا دموعى، يا أوجاعى…

يا أحزانى، يا ذكرياتى…

أخرجى برا يا حبى، يا نبض قلبى…

أخرجى يا بقية آمالى…

أخرجى يا روحى… يا كل حاجة جوايا فيها حياة…

أخرجى برا…

يا أسرار، وإعترافات عمرى ما كنت أتوقع إنى أخرجها فى يوم من الأيام لأى حد…

“فى حاجة حصلت بينك وبين أهلك؟”

سامى سألنى لإنه قلق جدا من منظرى…

“إمبارح كان… كان عندى أمل أخير للحياة، وضاع، وكل حاجة انتهت، أنا مبقتش قادر أرجعلهم، أنا همشى معاك يا سامى”

قلت كده فجأة ومن غير أى تفكير، لكن فتحت عينى، والفكرة كبرت فى دماغى، وبصيت لسامى وقلتله: “أنا راجع معاك للمدينة بتاعتنا”

طبعا سامى إتفاجئ، وبسبب الضلمة اللى احنا كنا فيها، معرفتش أشوف تعبير وشه كويس، ولقيته بيقلى: “إيه؟”

قلتله: “أيوة أنا همشى معاك، مبقاش ليا حاجة أفضل هنا عشانها”

سامى سكت، ومعلقش خالص فى الأول…!

بعد كده لقيته بيقلى: “للدرجة دى؟ اللى حصل كان وحش أوى كده؟”

كأن كلامه كان شرارة فجرت برميل البنزين…!

اتجننت، ونطيت وقفت من على السرير وأنا هايج، وبصرخ: “وحش بس؟ ده أوحش، وأبشع حاجة ممكن تحصل، دى خيانة… هم الإتنين خاينين… خاينين”

فضلت أمشى فى الأوضة وأنا متوتر، ومتعصب، وبدور على أى حاجة أفش فيها غلي، ملقتش غير الحيطة.

وهى الحيطة بتحس؟

أنا اللى اتوجعت من شدة الضربة اللى ضربتها فى الحيطة، ولفيت لسامى، وقلتله: “سرقوا رهف منى!”

سامى معملش رد فعل، فحسيت إنه موصلهوش كلامى ولا فهمه!

قلت: “أرجع بعد تمن سنين عذاب، ومرار، وذل، ومهانة عشتها فى السجن، بسبب قتلى للحقير اللى أذاها… تمن سنين جحيم، وشوق ليها، فقدت فيهم كل حاجة ماعدا أملى فى إنى أرجعلها… وأرجع ألاقيها…”

سكت… لإنى مقدرتش أنطق الكلمة اللى بعدها!

فضلت ألف حوالين نفسى، وخرجت الكلمة من بقى بوجع رهيب: “ألاقيها مخطوبة!”

سامى سمع كده، وقام وقف…

لكن أنا مكنتش لسة خلصت!

“لأ ومخطوبة لمين؟ لأخويا… أخويا”

كانت الدنيا سودة فى وشى، حتى لو كانت الأوضة منورة برده مكنتش هشوف حاجة من كتر السواد اللى في عينى…

عشان كده مكنتش قادر إنى أشوف رد فعله…

لكن كنت قادر إنى أشوفه واقف هناك…

قلت وأنا بموت، وعينى مليانة دموع، وقلبى هيقف من كتر الوجع: “لو كان حد تانى، كنت قتلته، كنت محيته من على وش الدنيا، لكن… لكن ده أخويا… أخويا يا سامى…

هو إزاى قدر، واتجرأ إنه يسرقها منى؟

إزاى عملوا فيا كده؟

هو ده اللى أنا أستاهله بعد كل اللى أنا عملته؟

يا ريتنى ما خرجت من السجن…

يا ريتنى مت هناك…

يا ريتنى أفقد الذاكرة وأنسى إن أنا عرفتها، ولا شوفتها فى يوم من الأيام….

الخاينة…

الخاينة”

خلصت، ونزلت على الأرض وأنا بعيط زى العيال الصغيرة.

“أنا كنت بأكلك بإيدى… إزاى تعملى فيا كده؟ ده أنا قتلته عشانك… يا خاينة… هو ده كان حلمك؟ دى كانت أمنيتك؟ غورى فى ستين داهية إنتى، وأحلامك”

حطيت إيدى فى جيبى، وطلعت الصورتين اللى لازمونى تمن سنين، وكانو معايا كل يوم، وكل ساعة، وكل ثانية…

خرجتهم، وخرجت معاهم الورقة الصغيرة اللى لقيتها تحت باب أوضتى…

مكنتش شايف أنا بخرج إيه؟

لكن إيدى حاسة أنهى واحدة فيهم صورة رهف…

قد إيه كنت بمسكها، وبحضنها لساعات طويلة!

دموعى نزلت عليهم وهم في إيدى، وغرقتهم…

“يا خاينة… غورى إنتى، وأحلامك”

من غير ما أفكر ولا لحظة… قطعت الورقة، وقطعت صورة رهف مية حتى…

رميتهم على آخر دراعى، وطاروا، وإتفرقوا زى ما إتفرقت أحلامى…

وانتهت آخر لحظات حبى…

واتبخرت آخر فضلات من ذكريات زمان…

ومبقاش فاضلى غير بقايا قلب متحطم…

…….

روحنا أنا، وليلى عشان نشيل الأطباق من على السفرة.

كان الضيف قاعد مع ليث، وآسر، وبابا فى أوضة الضيوف، وماما كانت بتعمل الشاى فى المطبخ.

آسر كان دايما بيقعد على شمال بابا، أكيد الضيف قعد على يمينه، وأكيد الكرسى اللى جنبه كان بتاع ليث.

“تفتكرى مين اللى كان قاعد هنا؟”

سألت ليلى وأنا عاملة نفسى عبيطة، ومش فاهمة.

“أنا إيش عرفنى، تصدقى… أنا مكنتش قاعدة معاهم! أقصد كنت قاعدة على الكرسى اللى قدامه بس مخدتش بالى!!”

ليلى بتكلمنى وهى بتتريق عليا…

“طب طالما إنتى كنتى قاعدة معاهم، إزاى متعرفيش مين اللى كان قاعد على الكرسى اللى قدامك؟”

ليلى سابت الحاجة اللى بتلمها من على السفرة، وبصتلى، وزعقت: “رهف!”

قلت بسرعة: “خلاص خلاص، مش هسأل أسئلة تانى”

“اللى كان قاعد هنا ما أكلش الأكل بتاعه، تقريبا الضيف معجبهوش أكلنا!”

كنت عمالة أستفزها عشان تقول أى حاجة تأكد بيها إستنتاجى بإن ليث هو اللى كان قاعد هنا….

قعدت على الكرسى ده، وخدت طبق من اللى قدامى، وفضلت آكل الأكل اللى فيه…

بصتلى ليلى باستغراب، وعصبية: “إنتى بتعملى إيه؟”

كلت اللى فى بقى بالراحة، وبعدين قلتلها: “الأكل اللى هنا طعمه جميل جدا، تفتكرى معجبهوش ليه؟”

طبعا كنت بستفزها، وعايزاها تقللى روحى على أوضتك عشان أهرب من غسيل كل الأطباق دى!

أنا كنت تعبت جدا…

قبل ما ليلى تصرخ فى وشى، لقيت ماما جاية بتساعدنا فى شيل الأطباق، وفى التنظيف، فقمت بسرعة أكمل شغل لإنى اتكسفت منها!

بعد ما خلصت حصة التنظيف دى، روحت لأوضتى فورا، وكنت قلقانة جدا على ملمس إيدى الناعم بعد كمية الصابون، والمنظفات دى…

حسست عليها لقيتها ناشفة، جريت على المرطبات وفضلت أدهن فيها، ودفنت جلدى تحت كذا طبقة من طبقات الكريم…

قلت بينى، وبين نفسى: “يا ربى، أنا منفعش للحاجات دى! أنا هبقى إزاى ست بيت؟ مش عايزة أفقد نضارتى، وجمالى”

بعد ما قعدت أفكر إزاى هبقى ست بيت وأنا بخاف على بشرتى كده؟

افتكرت موضوع جوازى أنا، وآسر اللى أنا على طول نسياه!

مش عارفة آسر إتكلم مع بابا، وماما فى موضوع الجواز ولا لأ، إحنا كلنا إتشغلنا بليث لما جه، ونسينا أى حاجة تانى…

روحت على سريري وأنا متوقعة إنى هنام بسرعة من كتر التعب، لكن الأفكار كلها لقيتها نطت فى راسى، وفضلت أفكر طول الليل…

لغاية اللحظة دى وأنا حاسة بحاجة بتحرقنى جوا عينى!

دى أكيد نظرة ليث المرعبة اللى موتتنى…

فضلت أتقلب على السرير زى السمكة اللى بتتقلب وهى بتتشوى…

كنت حاسة بسخونية شديدة فى جسمى، وعلى السرير…

بصيت حواليا عشان أتأكد إن مفيش دخان طالع منى…

يا ترى ليث بصلى البصة دى ليه؟

حسست على إيدى اليمين بإيدى الشمال، وحسيت إنها لسة حمرة ووجعانى…

ليث ده ده طويل أوى! لازم أرفع راسى كتير جدا عشان أوصل لعينه…

رفعت عينى للسقف، واتخيلته واقف قدامى، فوق راسى بالظبط، واتخيلت نفسى باصة فى عنيه…

غطيت وشى بالبطانية بسرعة، لغاية ما الأوكسجين خلص، وبعدتها عن وشى تانى…

شميت الهواء الساقع حواليا، اللى دخل جوايا سخن، وخرج على هيئة بخار سخن محروق!

رحعت أبص للسقف تانى، وأتخيل عيون ليث، ومناخيره المعكوفة الجميلة…

إتخيلته لابس نظارة آسر السودا وهو خارج…

دى هتبقى لايقة عليه أوى!

مش عارف عدى وقت قد إيه وأنا قاعدة بفكر فى الحاجات اللى فى راسى دى كلها!!

بصيت على ساعة الحيطة لقيتها عدت واحدة بليل!

مفيش حد فى عيلتنا واخد إنه يسهر للوقت ده، أكيد كله غرقان فى النوم دلوقتى، وأنا صاحية، ومشغولة بعيون ليث…

لما بصيت للساعة إفتكرت حاجة مهمة…

“الساعة!”

قمت بسرعة من على السرير، وجريت على أوضة الضيوف…

لقيت الباب مقفول، وقفت وأنا محتارة!

يا ترى فى حد جوا؟!

خصوصى من النوع اللى عينه بتبقى متعلقة على السقف!!

قربت ودنى من الباب عشان أسمع أى حاجة من أى حد جوا…

أكيد يعنى أنا ودنى مش قوية لدرجة إنى أسمع نفس بنى آدم بينى وبينه باب، وكام خطوة…

لكن أنا على الأقل قدرت أعرف إن التكيف مش شغال عشان مسمعتش صوته…

مسكت الأوكرة بتاعة الباب، ولقيتها مش ساقعة، وخدت ده دليل إن التكيف فعلا مش شغال، وإن كده يبقى مفيش حد جوا…

أنا عارفة…

أنا المفروض أكون أذكى من كده، لكن المرة دى هعتمد على غبائي!

فتحت الباب بالراحة، وساعتها اتأكدت فعلا إن محدش موجود فى الأوضة…

الحمدلله…

نورت اللمبة، وروحت للمكان اللى وقعت فيه الساعة بعد ما خبطت فى الحيطة، ورا كنبة الصالون الكبيرة…

كان فيه مسافة قد صباعين بتفصل الكنبة الكبيرة عن الحيطة، وهى المسافة دى اللى وقعت منها الساعة…

حاولت أبص من الفتحة الضيقة دى، لكن مشفتش أى حاجة!

صحيح أنا حجمى صغير، لكن إيدى أكيد أكبر من الفتحة الصغيرة دى، ومش هعرف أبدا أدخلها فيها وأجيب الساعة…

أوف! أعمل إيه دلوقتى؟!

شمرت دراعى، وحاولت أحرك الكنبة بكل ما أملك من قوة، لكن الكنبة الضخمة دى مرضيتش تتحرك معايا خطوة واحدة!!

“بالله عليكى يا ساعة، أخرجي من هنا”

يا ريتها كانت سمعانى، هم ليه مخترعوش ساعة بتمشى على رجليها لغاية دلوقتى؟!

حسيت إن عضلات جسمى كلها وجعتنى، واترميت على نفس الكنبة، ومحستش بنفسى…

يا الله…!!

هتضطر الساعة حبيبتى إنها تنام بعيد عنى الليلة دى، وهى مكسورة، ومجروحة، ومش لاقية حد يداويها…!

حضنت الشلتة بتاعة الكنبة، ورخيت جسمي، ومحستش بنفسى بعد كده.

ولا حسيت حتى بالحر، والسخونية اللى جوايا، وحواليا، وروحت فى النوم…

……..

مرتحتش ثانية واحدة بعد الخبر البشع اللى أنا سمعته…

ممدد على سريرى بقالى كذا ساعة، وبفكر فى النهاية المأساوية بتاعتى…

النهار طلع بقاله كتير، والأوضة اتملت نور، بقيت بكرهه جدا، وبكره الشمس اللى بتجبر عينى إنها تشوف النور…

قمت من على السرير وأنا حاسس بتكسير فى كل مفاصل جسمي…

أول ما قعدت عينى جت على الصورة اللى متقطعة مية حتى على الأرض..

جبتها، وجمعتها حتة حتة، وحطيتهم فوق بعض، وحضنتهم على صدرى…

حطيت قطع الصورة فى جيبى، وجيت أرمى الورقة المتقطعة بس مقدرتش…

إزاى هقدر أرمي حاجة منك؟

دى آخر حاجة وصلتنى منك، وآخر حاجة هتوصلنى طول عمرى!!

الوقت كان بدرى، خدت علبة السجاير بتاعتى، وخرجت من الشقة للشارع، وفضلت أتمشى…

مكنش فى غير كام عربية بتعدى كل شوية، وعمال النضافة اللى لابسين هدومهم الملونة، والمزعجة للعين…

مفيش حاجة شايفها قدامي تريح أعصابي، ولا تبسطني…

فضلت أشرب فى سيجارة ورا التانية، هى دى الحاجة الوحيدة اللى بتسعدنى… سعادة مزيفة…

مكنتش عارف أفكر من الدوشة اللى أنا حاسس بيها حواليا، وقررت إنى أرجع الشقة…

رجعت الشقة بعد ساعتين تقريبا، وكان سامى لسة خارج من الحمام، وواخد دوش، وريحة الشاور مالية الدنيا…

أول ما سامى شافنى صبح عليا، رديت عليه وأنا مكسوف من ريحتى الوحشة اللى كلها سجاير، مقارنة بريحة النظافة اللى خارجة منه…

“إنت نمت كويس؟ مش باين عليك النشاط!”

سامى قال كده وهو باصص على عينى اللى حواليها إسود، ووارمة، وحمرة…

مكنش ينفع أجاوب، كده كده الجواب باين من عنوانه!!!

سامى قال: “أنا جعان، عندكو فى البيت حاجة تتاكل، ولا أدور على مطعم؟”

كان بيهزر معايا، لكن أنا مكنتش حمل أى هزار خالص، ولا حالتى كانت تسمحلى إنى أفكر إنى أرد بذوق حتى…

قلتله: “يلا نسافر دلوقتى”

سامى اتسمر فى مكانه، وبصلى جامد، ومكنش مصدق فى الأول…

لكن تعابير وشى اللى بتعكس انى بتكلم جد هى اللى اقنعته إنى مش بقول أى كلام وخلاص…

قالى: “دلوقتى؟”

“آه، ليه مش دلوقتى؟ باين عليك إنك فى قمة نشاطك، ومفيش مانع من السفر دلوقتى”

سامى سكت شوية، وبعدين قالى: “طب وعيلتك، تفتكر إنهم… هيسيبوك تمشى”

ضحكت بسخرية، وقلتله: “أنا مبقاش ليا مكان بينهم، زى ما نسيونى التمن سنين اللى فاتت، وعاشوا من غيرى، ومتأثروش، يا ريت يعتبرونى ميت بقى من دلوقتى… لأ من إمبارح”

كنت محبط جدا، ومش شايف قدامى غير سواد فى سواد…

فضلت واقف على الباب مستنى سامى يخلص لم حاجته، ومحاولتش حتى إنى أعرض عليه المساعدة!

سامى كان باين عليه إنه معترض على اللى أنا بعمله، لكن مناقشنيش خالص فى الموضوع…

الوقت كان لسة الصبح بدرى، وركبنا العربية ومشينا…

قلت لسامى: “أنا هعدى أودعهم!”

أيوة هودعهم…

بعد كل اللى أنا عملته عشان أعرف أوصلهم، وأرجعلهم…

بعد كل السعادة اللى عشتها معاهم لغاية إمبارح بليل…

بعد كل الحرمان والضياع اللى أنا فيه…

هودعهم…

إزاى ممكن أعيش معاهم بعد ما هم لغوا وجودى؟!

الشارع مكنش فيه غير شوية عربيات بسيطة، وناس ماشية…

المشوار كان قصير، ولما وصلنا سامى ركن العربية، ونزلنا سوا…

أمى هى اللى استقبلتنا فى مدخل البيت…

أول ما دخلت جت وفضلت تحضن فيا، وتبوسنى ولا كإنها لسة شايفانى إمبارح!

قلتلها: “سامى معايا”

كان سامى واقف ورا الباب مستنى الإذن عشان يدخل…

“خليه يتفضل، خده للأوضة اللى قاعد فيها بباك، عشان أوضة الضيوف دلوقتى حر جدا”

راحت أمى على المطبخ، وأنا فتحت الباب لسامى عشان يدخل…

روحت أنا، وسامى على أوضة الأنتريه اللى كان بابا قاعد فيها، وبيقرأ فى الصحف.

زمان كنت أنا اللى على طول بقرأله الأخبار اللى فى الصحف!!

“صباح الخير يا بابا”

بابا قام استقبلنا، ورحب بينا جدا…

بابا، وسامى قعدوا، وأنا استأذنت، وروحت على المطبخ…

كانت أمى واقفة فى المطبخ قدام البوتجاز، وحاطة براد مياه كبير على النار عشان يغلى…

ابتسمت لما شافتنى، وقالت: “أنا معرفتش إنك مشيت إمبارح غير متأخر، خد آسر وروحوا هاتوا ليك أوضة نوم جديدة، أنا هجهزلك أوضة الضيوف، وهتبقى أوضتك”

طبعا أنا ساعتها سكت، ومقدرتش أقول اللى جوايا…

حاولت أغير الموضوع، وقلت: “إنتوا فطرتوا، ولا لسة؟”

“لا لسة، آسر والبنتين لسة نايمين… أنا هجهزلكو دلوقتى فطار جميل، خد الضيف لأوضة الضيوف، وإفتح التكيف، وأنا هجهز الأكل، وأقلك”

“حاضر يا أمى”

جيت أمشى من المطبخ راحت نادهة عليا، وقالتلى: “نفسك تاكل إيه؟ أجهزلك إيه على الفطار يا نور عينى؟”

أنا مكنتش بفكر فى الأكل، ولولا إنى عارف إن سامى مكلش، كنت ودعتكوا، ومشيت على طول…

قلت بلا مبالاة: “أى حاجة”

خرجت من المطبخ، وروحت على أوضة الضيوف عشان أشغل التكيف قبل ما أجيب سامى…

كان الباب مفتوح، دخلت على التكيف على طول، وشغلته…

جاى أخرج من الأوضة لقيت عينى وقعت على حاجة خلت قلبى ينزل يتدحرج على الأرض!!

تقريبا صوت التكيف هو اللى خلى الكائن الحى اللى قدامى ده يصحى، ويفتح عينه، ويفط يقف وهو خايف…

فضلت واقفة مكانها، وبصالى، وعمالة تبص يمين وشمال كإنها بتدور على حتة تهرب منها، وأنا واقف متسمر، ومش عارف أعمل إيه؟

فعلا مكنتش عارف أعمل إيه خالص؟؟

إيه اللى حصل بقى؟!

قامت ماسكة الشلتة المربعة اللى كانت على الكنبة وغطت بيها نفسها، وجريت فورا على الباب…

“رهف إستنى!”

وقفت وهى لسة مستخبية ورا الشلتة، وأنا لسة واقف متسمر مكانى، ومش عارف أعمل إيه؟!

أنا تقريبا شغلت التكيف على الوضع السخن، الجو حر… حر أوى، وأنا جسمى سخن، والعرق إبتدا ينقط من شعرى، وينزل على وشى!!

أكيد الموقف ده ميخليش البنى آدم يعرف يفكر!

لغاية ما إفتكرت إن سامى قاعد فى مكان يخليه يشوف اللى هيعدى من الطرقة اللى قدامه…

“آه… إستنى… أنا صاحبى هنا، ممكن يشوفك… هروح أقفل الباب، ثانية واحدة”

كانت واقفة قريبة من باب الأوضة اللى فيها سامى، وأول ما قلت كده رجعت ورا، ولزقت فى الحيطة…

خرجت أنا من أوضة الضيوف، وروحت على أوضة الأنتريه اللى فيها سامي، وقفلت الباب من غير ما أبص على سامى، اللى هو أكيد كان شايفنى…

رجعت بعد كده للبنت اللى كانت لازقة ضهرها فى الحيطة، ومستخبية ورا الشلتة، وقلت: “أنا آسف… مكنتش عارف… يعنى مكنتش أقصد”

مكنتش عارف أتكلم خالص، ومسحت العرق اللى على وشى، وقلت: “تقدرى تمشى”

إديتها ضهرى، وسمعت خطواتها وهى بتجرى…

طاقتى خلصت، وقعدت على الكنب  اللى كانت نايمة عليها رهف، ولقيت جسمى سخن أكتر، وأكتر….

كانت الكنبة دافية… لأ دى كانت سخنة جدا!

إيه اللى يخليكى تنامى فى المكان ده، ومن غير تكيف كمان؟؟

وبتستخبى ورا الشلتة كمان!

ده إنتى بت فظيعة!!

معرفش إزاى الإبتسامة اتسحبت ودخلت قلبى!!!

لا، دى مطلعتش ابتسامة، دى طلعت ضحكة كمان…

مكنش الوقت مناسب للضحك، وحالتى زى ما إنتوا عارفين بعيدة جدا عن السعادة…

لكن الموقف ده أجبر ضحكتى إنها تطلع…

لما كانت رهف صغيرة، كنت بحب أنيمها على سريرى، وأفضل أراقبها وهى نايمة، وألعب فى شعرها الناعم…

كانت بتحب تحضن أى حاجة وهى نايمة، دبدوب، أو بالونة، أو شلتة!

قد إيه كانت بريئة، وزى الملاك؟!!

مكنش وقت ضحكتى إنها تطلع فى وسط الأحزان اللى أنا فيها…

لإنها ملحقتش تكمل وراحت مع أول دمعة نزلت من عينى وأنا بتحسر على اللى راح منى…

……..

مكنتش حاسة إنى نمت فى المكان اللى أنا كنت فيه بليل، على الكنبة الكبيرة، والتقيلة دى…

لغاية ما صحيت فجأة ولقيت عين ليث بتبص عليا…

اتخضيت، وقمت، وبعدها اكتشفت إنى كنت هنا…

كان جسمى سخن جدا، وعرقانة.

فضلت أدور على أى حاجة حواليا أتدارى بيها، وملقتش غير الشلتة اللى كنت حضناها وأنا نايمة…

غطيت وشى بيها، وقمت بسرعة عشان أهرب…

مش مصدقة إنى وصلت أوضتى أخيرا…

يا رب… هو إيه اللى بيحصلى ده؟

أنا نمت إزاى بالشكل ده؟ وإزاى الحر ده ميصحنيش؟؟

يا ترى ليث كان بيعمل إيه هناك؟؟؟

كنت لسة حاضنة الشلتة، وواقفة ورا الباب، كنت بحاول آخد نفسى، وأستوعب اللى حصل…

أوضتى كانت ساقعة، لكن مش ده السبب اللى مخلى رجلى، وإيدى بيترعشوا…

أنا محرجة من ليث جدا!!

إمبارح يشوفنى بكورة عجين مغطية وشى، والنهاردة يشوفنى بالمنظر ده!!

هيفكر فيا إزاى دلوقتى؟!

على رأى ليلى… أنا مينفعش أخرج برا باب أوضتى خالص.

حاسة إن عينيه الإتنين بيراقبونى! حاسة إن هم معايا فى الأوضة دلوقتى!

بصيت على السقف زى الهبلة، فى المكان اللى أنا شفت عنيه مرسومين فيه إمبارح، وخدودى إحمرت

من الكسوف..

أنا ليه بحس بسخونية  كل ما عيونه تيجى فى بالى؟!

طب ليه قلبى بيدق بسرعة كده؟

بعد ما لميت الحاجات اللى اتبعترت جوايا، ومسكت أعصابى شوية، خدت دوش ساقع، ولبست هدومى، وطرحتى، وروحت على طول على المطبخ…

“صباح الخير يا ماما، إوعى تقوليلى إننا هنتغدى سمك النهاردة!”

ردت ماما، وقالتلي : “صباح النور، أيوة هنتغدى النهاردة سمك”

اتنهدت بصوت عالى، عشان أنا كنت متضايقة.

أنا مش من عشاق السمك خالص، وكمان مش عايزة حصة طبخ طويلة فى المطبخ النهاردة تانى…

“هى ليلى لسة مصحيتش؟”

ماما بتسألنى، ورديت عليها: “لأ لسة مصحيتش”

صوتى إتغير وسألت ماما: “ولا إحنا عندنا ضيوف النهاردة كمان؟”

“أيوة، عندنا سامى صاحب ليث، هنستضيفه عندنا، وهنكرمه لغاية ميسافر بكرا، ده هو اللى ساعد ليث إنه…”

إنه إيه؟!

ماما صوتها إترعش، وبطلت كلام فجأة…

“ساعده إنه يوصلنا، هو مكنش عارف إحنا فين؟!”

أنا كنت سايبة رسالة لليث، وقيلاله فيها على عنواننا الجديد…

يا ترى لقاها؟

أكيد لأ، كل البيبان بتاعة البيت كانت مقفولة، هيدخل إزاى؟

قد إيه أنا ملهوفة إنى أعرف تفاصيل عنه!

دراسته، شغله، كل حاجة….

صبيتلى كوباية شاى صغيرة، وروحت على ترابيزة جنب الحيطة، وقعدت عشان أشربها بهدوء…

وأنا رايحة أقعد على الترابيزة، لقيت ليث، وآسر داخلين علينا المطبخ…

أول ما شوفت ليث قدامى، اتوترت جدا، وإيدى اترعشت، ووقع شوية شاى من الكوباية على صوابعى…

صوابعى اتلسعت، وسبت الكوباية تقع، وتنزل على رجلى، وتتدلق على الأرض…

“آااه!”

صرخت من كتر الوجع…

يا ترى ليث هيهتم بيا، وهيفرق معاه اللى حصلى…!

لتكملة القصة اضغط الزر بالاسفل



هل كان المحتوى مفيداً؟

نعم
لا
شكرا لك

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى