قصص رومانسية

رواية صغيرتي (الجزء السادس)

بصيت في وش رضوى لأول مرة من ساعة ما سيبتها إمبارح…

قلتلها بارتباك: “إنتي حاسة إنك بردانة؟”

رضوى ابتسمت، وبصت للأرض، وقالت: “شوية”

“إيه رأيك… نرجع؟”

رفعت عينها ليا، وقالت: “لأ”

أنا هربت بعيني للشجر، والسما وأنا عمال أكح، وأمسح رقبتي بإيدي… كنت حاسس بالحر جدا…

حقيقي أنا معرفش أقول إيه، ولا أتصرف إزاي؟

حتى مكنتش عارف أفكر…

إسمعوا بقى اللى أنا قلته: “الأغصان دي محتاجة تترتب، وتتظبط!”

كنت بشاور على الشجرة اللى أنا باصص عليها…

“آه”

“أنا هظبطها بكرا، وهخليها زى الفل”

“آه”

أنا لسة مبحلق في الشجرة… كإني بدور على حاجة جوا الورق بتاعها…

هو الراجل اللى لسة كاتب كتابه من شوية على واحدة، المفروض إنه يتصرف إزاي؟؟

أنا فعلا معرفش… دى التجربة الأولى ليا…

لكن أكيد مش هيبقى بيتفرج على أغصان الشجر، وورقها كمان!!

“ليث”

رضوى نادتني، وحسيت إن جسمي كله قشعر…

بصيتلها بحرج شديد، ونقط العرق عمالة تنزل من راسي…

“نعم؟”

قالت بكسوف: “إنت مبسوط بارتباطنا؟؟”

نبض قلبي بقى سريع جدا، واتوترت، وحسيت إن الكلام كله هرب مني…

لكن أخيرا قلت: “آه… وأتمنى إنك إنتي كمان تكوني مبسوطة”

ابتسمت وهي ساكتة، وبتهز راسها بالإيجاب، وبتبص على الأرض…

وبعدين قالت وهى بتلعب في صوابعها بتوتر: “أنا معجبة بيك”

أنا وقفت تماما عن أى حركة أو كلام… زى العربية اللي خلص بنزينها بالظبط…

ساكت، وواقف في مكاني وهو الشجر بيتحرك، والأوراق بترقص عليه…

دلوقتي رضوى رفعت عينها ليا عشان تشوف رد فعلي…

اتسحب الكلام ده من بين شفايفي: “معجبة بيا… أنا؟؟”

رضوى ضحكت ضحكة هادية، وقالت: “أيوة إنت”

قلت وأنا متلخبط: “لكن أنا… أنا شخص بسيط، وعادي… يعني أقصد إني كمان مش كويس… أنا خريج سجون، و…”

لساني وقف، وحسيت إن الكلام اللي جوايا خلص لغاية هنا…

رضوى قالت: “أنا عارفة… ومش فارق معايا حاجة”

بصينا لبعض دلوقتي بنظرات عميقة، ومريحة… إديتني طاقة، وفكت عقدة لساني…

قلت: “رضوى… إنتي معندكيش فضول تعرفي أنا دخلت السجن ليه؟”

رضوى هزت راسها وهى معترضة…

لكن أنا قلت: “لأ، لازم تعرفي”

وبعدين قلت: “أنا دخلت السجن عشان قتلت حيوان”

“إيه؟؟”

قلت وأنا تعبيرات وشي متغيرة من الكسوف، والتوتر للجد، والغضب: “أيوة حيوان… حيوان بشري ملهوش علاقة بالبنيآدمين… كان لازم يموت”

…………..

كنت لسة نايمة على سريري، ودموعي عمالة تنزل بحسرة، وألم…

عمالة أقلب في دماغي شريط الذكريات، وعدت ساعات طويلة وأنا على نفس الحالة…

كل ما كانت ليلى أو آسر بيدخلوا، كنت بقول: “سيبوني لوحدي… سيبوني لوحدي”

الصعقة اللى نزلت على دماغي مكنتش هينة…

برجع بالذاكرة بتاعتي لورا… ذكريات مشوشة، ومش واضحة… مش قادرة أفك لغزها أو أكشف غموضها، وأفهم أسرارها…

ملامحها مبهمة… وصورتها مش باينالي زي ما المفروض تبان… فبشيلها من دماغي بسرعة، وبجبر عقلي إنه يفكر في حاجات تانية…

بكرا بليل هتسافر ليلى مع عريسها لبعيد، وهفضل أنا، وآسر لوحدنا في الشقة… وهو فيه مليون شحنة غضب بتجري ما بينا…

الفكرة بتموت في راسي تحت رجلين أفكار تانية أقوى منها…

كل ده في وش الذكريات التعيسة اللي عيشتها من تسع سنين…

بتخيل نفسي وأنا في العربية، وعمالة أصرخ… أصرخ جامد… وأنادي، واستنجد، وأستغيث بأي حد… ومفيش حد…

مفيش حاجة فاكراها غير أقلام كتيرة باخدها على وشي، وإيد بتتمد ناحية بقي عشان تكتمه، وتمنعه من الصريخ، والإستغاثة… وإيد تانية بتربط إيدي، ورجلي بحزام المدرسة بتاعي، وبعدين ترميني عند الدواسة اللى تحت الكرسي…

صوتي اتنبح من كتر الصريخ… كنت وحيدة جدا… مفيش حد من أهلي حواليا… ولا أي حد من الناس… على طريق سريع مخيف، ومرعب… بعيد عن أقل معاني للأمان، والسلام…

سمعته بيقول: “ليث هيجيلك دلوقتي… إخرسي”

بحاول أفك نفسي من الحزا… بحاول أضرب، وأرفس، وأعض… لكن كل حاجة عملتها كانت من غير أي فايدة… أنا كنت أقل، وأضعف بكتير من إني أقدر على الوحش الحيوان ده…

لما ليث ظهر أخيرا… فتحلي الباب…

نطيت من العربية، وجريت بسرعة ناحية ليث… اتعلقت في رقبته، وكنت عايزة أحمي نفسي جوا صدره… كنت عايزاه يبعدني بسرعة عن المكان ده… لمكان مفيهوش إيد تإذيني، ولا حتى نظرات من حد غريب…

ليث…

آه يا ليث…

ليث…

فضلت أعيط بكل قوتي، وطاقتي اللى باقية جوا جسمي التعبان، والمخضوض…

ليلى سمعتني، وجتلي الأوضة وهي قلقانة…

قربت مني وهي شايفاني منهارة تماما، كنت بعيط دم بدل الدموع…

“رهف… بالله عليكي كفاية… هتفضلي كده لغاية إمتى؟؟ ليه مش راضية تنامي لغاية دلوقتي؟؟ إحنا بقينا في نص الليل”

“إنتوا ليه مقولتوليش الحقيقة؟ ليه كدبتوا عليا؟ رجعولي ليث… أنا عايزة ليث… عايزة ليث”

ليلى مسكت وشي وهى محتارة، وقالت: “رهف… إيه اللى حصلك؟ إنتي رجعتي سخنتي تاني؟”

قلت وأنا بصالها بعمق، وتوهان في نفس الوقت، وكنت حاسة إني ضايعة، وبتخبط: “مكنتش أعرف إنه مات… أنا شوفته بيقع على الأرض بس… مكنتش فاهمة اللي حصل… لكن ليث ضربه بسببي أنا… أنا”

انهرت من كتر العياط على صدرها…

ليلى كانت بتحاول تبعدني عنها عشان تعرف تبص في وشي، وتفهم إيه اللي حصل؟

لكن أنا كنت عمالة أدفن راسي جوا صدرها بالعافية…

“رهف… إنتي بتقولي إيه؟”

صارحتها: “مكنتش فاهمة كده… مكنتش واعية لأي حاجة… مش فاكرة بالظبط هو عمل فيا إيه؟ لكن أنا فاكرة إنه ضربني كتير… كتير جدا، وربطني بالحزام”

“إنتي بتقولي إيه يا رهف؟  بالله عليكي وضحي كلامك”

رفعت راسي عن صدرها أخيرا، وبصيتلها، وانفجرت…

“علي… الحيوان… الحقير… الجبان… الواطي… القذر… خطفني، وحبسني جوا العربية، وليث جه عشان ينقذني، وخبطه في دماغه بالطوبة… فهمتي دلوقتي؟؟ فهمتي؟ فهمتي؟؟”

مزودتش على الكلام ده حرف واحد… لكن فضلت أعيط، وانهرت تماما… وليلى اللي قاعدة جنبي إنهارت هي كمان…

لما طلبت مني أحكيلها اللي حصل بالظبط، قلت: “أنا مش عايزة أفتكر حاجة… مش عايزة أفتكر… ليث… أنا عايزة ليث… عايزة أرجع لليث”

………….

دلوقتي، وفي الصباح الجميل ده… وتحت أشعة الشمس اللي طالعة للدنيا جديد… حاسس إني شخص تاني… راجل اتولد من جديد…

بداية من اليوم ده… دخلت دنيا تانية… وعالم مختلف… وودعت العالم القديم بتاعي للأبد…

أنا النهاردة… ليث… الفلاح البسيط اللى بيشتغل مع خطيبته، وعيلتها في مزرعة صغيرة… في مدينة بعيدة عن مدينته الحقيقية، وبعيد عن أهله، وأصله…

الحياة اللي فاتت خلاص خلصت… لا رهف، ولا حب، ولا جنون… لا وجع، ولا عذاب، ولا معاناة… ولا حرب…

الليلة دى رهف هتدخل دنيا المتجوزين، وهتبقى زوجة لأخويا رسمي، وهقطع آخر خيط أمل لسعادتها، وهناها في اليوم ده…

أجبرت الذكريات الحزينة إنها تمشي من راسي…

أنا مش عايز دمعة واحدة تاني تنزل من عيني على اللى فات…

خليني أعيش حياتي الجديدة زى ما ربنا قدرهالي…

رضوى خارجة من البيت، وجاية عليا، وشايلة صينية عليها أكل…

كنت واقف قدام البيت بتنفس بعمق، وبشم ريحة الورد الجميلة اللي مالية الدنيا…

المكان ده يستحق إن الإنسان يضحي بأي حاجة فى حياته عشان ييجي، ويعيش فيه…

“ليث… صباح الخير”

بتبتسملي، وخدودها بتورد من الكسوف… فبتبقى زي لوحة طبيعية جميلة من صنع الله…

ما شاء الله…

عمال أدقق في جمالها… وأكتشف إنها آية من الجمال… جمال مكنتش ملاحظه قبل كده… ومكنتش ممكن أديله أي إهتمام…

متلونة زي الورد… وخصل شعرها الدهبي بترقص مع تيارات الهوا… بتلمع زي أشعة الشمس الساطعة…

سبحانه الخالق المبدع…

هو فعلا الجميلة دي هي مراتي المستقبلية؟

جاية ناحيتي، وبتقول: “عملت فطار خاص بينا لوحدنا”

ابتسمت، وقلت: “شكرا… تسلم إيدك”

وبعدين قعدنا على المفرش المفروش على الأرض… واستمتعنا بأكل الفطار اللذيذ… خطيبتي دي شاطرة جدا في الطبخ…

آدي ميزة تانية بتخليني أحس بالإنتعاش، غير إن قلبها طيب زي أمها، وخالها…

عمال أكرر جوا نفسي: الحمد لله…

القدر لعب لعبته الدرامية معايا…

لما اترميت في السجن من تسع سنين او أكتر… إتعرفت على راجل عظيم، وبقيت في النهاية جوز بنته!!

المفروض إن الواحد يشكر ربنا على كل حاجة، وميتضايقش أبدا من أي حاجة تحصل معاه…

هو مبيبقاش عارف إيه الحكمة من الحاجات اللي بيفرضها عليه قدره؟

سبحانه… ليه حكمة في كل شىء… اللهم لك الحمد

أكتر حاجة شدتني في الموضوع… هي إنها اعترفتلي إمبارح بإعجابها بيا…

برغم كل عيوبي، ومساوئي… وبرغم جهلها بحاجات كتير عن الماضي، والأصل بتاعي…

لكن هي قالت ببساطة: “أنا معجبة بيك!”

أنا متأكد إن الجملة دي ليها تأثيرها الخاص في قلب أي راجل…

خصوصا في قلب راجل أول مرة يسمعها في حياته من واحدة…

إتكلمت أنا، وهي عن حاجات، ومواضيع كتيرة… ولقيت قعدتها حلوة، وعشرية، ومتكلمة، وأسلوبها مميز، وتفكيرها راقي…

اكتشفت كمان إنها بعد ما خلصت دراستها في الثانوية العامة، دخلت معهد خاص قريب من هنا…

قلت: “أنا كان حلمي إني أدخل الجامعة”

” في مجال إيه؟”

“إدارة وإقتصاد… كان نفسي أشتغل في إدارة الأعمال… كنت متخيل نفسي رجل أعمال كبير، وليه شأنه”

ضحكت وأنا بسخر من نفسي…

قالت: “وأنت اتخليت عن الحلم ده؟؟”

قلت بحزن: “لأ، ده هو اللي اتخلى عني”

رضوى ابتسمت، وقالت: “يبقى إجري وراه، واثبتله إنك قدها”

“إزاي؟”

قالت: “ليه متدخلش معهد خاص لإدارة الأعمال؟ عارف… جوز الست اللي كانت قاعدة معانا إمبارح يبقى مدير معهد خاص جنبنا هنا، وممكن ماما توصيها تلكم جوزها، ويسهلنا الدنيا”

حسيت إنها فكرة وهمية… من الخيال…

لكن رضوى اتكلمت بجد أكتر، وخلتنى أبص للفكرة بعين الإعتبار، وآخدها على محمل الجد، وأكبرها في دماغي…

…………

ليلى جتلي وأنا لسة نايمة على سريري، وقالت: “آسر جاب الفطار… مش هتيجي تاكلى معانا؟”

مردتش عليها، وهي خرجت من الأوضة…

بعد شوية، الباب خبط، وآسر هو اللي دخل المرة دى، وقفل الباب من بعده…

جه ناحيتي لغاية ما بقى جنبي بالظبط…

قال بصوت حنين، وكان هيعيط: “رهف… إنتي هتفضلي محبوسة في الأوضة بالمنظر ده؟؟”

مردتش عليه…

آسر قعد على السرير، ومد إيده ناحية راسي، وبدأ يحسس على شعري بالراحة…

“رهف… بالله عليكى”

لكن أما مرضتش أبصله، ولا أتفاعل معاه…

لف وشي بإيده، وأجبرني إني أبصله…

نظراتنا لبعض كانت عميقة جدا، وكلها معاني…

“رهف… أنا بتعذب وأنا شايفك بالحالة دي… بالله عليكي… كفاية”

برده مردتش عليه…

قال: “إنتي بتحبيه للدرجة دي؟”

لما سمعت الجملة دي مقدرتش أمسك نفسي، وبدأت أعيط…

آسر فضل يمسح الدموع اللي نازلة من عيني بكل عطف، وحنان، وقال: “أنا مرضالكيش الحزن… ومقدرش أكون أنا السبب في تعاسة أحب شخص لقلبي”

بصيتله دلوقتي باهتمام شوية…

هو كمل كلامه: “رهف… أنا… هتصل بيه دلوقتي، وهطلب منه ييجي… عشان ياخدك معاه”

صعقت، وفتحت عيني لأقصى درجة، ومكنتش مصدقة اللي وداني لسة سامعاه دلوقتي…!

قال: “متقلقيش… أنا مش هجبرك على الجواز مني خالص… وأول ما بابا، وماما يرجعوا هسيبك نهائي”

شهقت، ونطقت: “آسر!!”

آسر ابتسم ابتسامة مكسورة، وحزينة، وبعدين قرب راسي من شفايفه، وباسني بوسة دافية، وطويلة جدا…

بعد كده قال: “هتصل بيه دلوقتي حالا… يلا… ليلى مستنياكي على السفرة… تعالي عشان تاكلي أى حاجة”

بعد كده قام، ومشي من الأوضة….

…………..

ملحقتش أخلص الفطار اللذيذ بتاعي، ولقيت الست فيردا بتنادي عليا…

“ليث يا إبني… فيه تليفون عشانك”

بصينا أنا، ورضوى على بعض بسرعة، وقمت وأنا متوتر، وقلقان…

قلت: “مين؟؟”

قالت: “أخوك”

قلقي زاد أكتر…

جريت على التليفون، ومسكت السماعة، ورديت بقلق: “أيوة؟ أنا ليث”

“إزيك يا ليث؟ عامل إيه؟”

“أنا بخير الحمد لله”

سكت شوية… كنت خايف أسمع حاجة وحشة، لإني كنت لسة مكلمه إمبارح بس…

“إيه الموضوع يا آسر؟؟”

“متقلقش، أنا بس متصل عشان أأكد عليك تيجي الليلة دي”

فكرت مع نفسي شوية…

هو مين قال إني عايز أجي؟؟

مش ناقص غير إني أشوف اليوم اللى بتتزف فيه إنت، ورهف حبيبتي الغالية… عشيقة قلبي الصغيرة… لأخويا… وأنا واقف بتفرج، ومش قادر أعمل حاجة…

“أنا آسف… مش هقدر آجي”

“ليه؟”

“عندي حاجات تانية مهمة جدا، ومينفعش تتأجل… وكمان أنا تعبان، ومش قادر أسافر النهاردة”

“طب وليلى؟ مش عايز تشوفها قبل ما تمشي؟”

ملقتش رد مناسب عشا أقوله، وسكت شوية…

وبعدين قلت: “هي أصلا مش هتبقى متشرفة بوجودي جنبها”

“طب هي هتكلمك بنفسها”

وبعدين إدى التليفون لليلى، وسمعت صوتها وهي بتسلم عليا، وبتسأل عن أحوالي، وبعدين بتقول: “تعالى يا ليث… لازم تحضر الفرح بتاعي”

“أنا آسف… مش عايز أحرجك قدام جوزك، وأهله… عشان إنتي أخت واحد مجرم، وخريج سجون”

في اللحظة دي ليلى ابتدت تعيط وهي بتقول: “عشان خاطري يا ليث سامحني”

مردتش… فقالت: “أنا هكون أتعس عروسة فى الدنيا لو مجتش عشاني”

“لأ، هتكوني أسعد من غيري”

رجعت تعيط تاني، وقالت: “طيب حتى مش عشاني… عشان رهف”

حسيت فجأة إني عايز أرجع… أنا أروح عشان فرح حبيبتي، وأخويا؟؟

أنا لو جيت مش هيكون فيه مفر من إني ارتكب جناية تاني…

قلت بعصبية: “مش هاجي”

“ولا حتى عشانها؟؟”

“ولا عشان أي حد”

“لكن هي عايزاك تيجي يا ليث… عشان خاطري”

“كفاية يا ليلى”

“ليث… رهف تعبانة”

في اللحظة دي قلبي فضل ينبض بعنف، ومعدتي اتقلبت، وعضلاتي اتشدت، ونفسي خرج بقوة، وقلت: “فيها إيه رهف؟”

لكن ليلى مجاوبتش… دي كمان فضلت تعيط!

تقريبا آسر دلوقتي خد منها السماعة…

كنت بقول: “قليلى يا ليلى؟ مالها رهف؟ عرفينى؟ اتكلمي”

سمعت صوت آسر بيقول: “متقلقش عليها… هي بس متوترة شوية”

قلت بصوت عالي: “آسر… قول الحقيقة… رهف مالها؟”

“متخافش من حاجة يا ليث”

“إياكوا يكون حد فيكوا أذاها أو جرحها بأي حاجة، أو أجبرها إنها تعمل حاجة مش عايزاها؟”

“لأ، أخوك مش واطي عشان يجبر واحدة إنها تتجوزه بالعافية وهي مش عايزاه”

كإن فيه كتلة تلج كبيرة وقعت فوق راسي… خلتني مش حاسس بإيدي، ورجلي، وعيني كمان…

“لأ، أخوك مش واطي عشان يجبر واحدة إنها تتجوزه بالعافية وهي مش عايزاه”

لما سمعت الكلام ده من آسر، حسيت إني أغم عليا… كإني فقدت الوعي، والإدراك لأي حاجة حواليا…

كإني بعوم في فراغ واسع، ومليان وهم، وخيالات…

أنا فعلا قربت أرجع كل حاجة كلتها في الفطار من معدتي… ومن بقي…

الحاجة اللي خرجت من بقي ساعتها كان صوت مبحوح، وواطي، وضعيف جدا وأنا بسأل: “إنتوا… مش هتتجوزوا الليلة دي؟؟”

آسر مجاوبنيش بسرعة، وبعدين قال: “لأ… إلا لو العروسة رجعت غيرت رأيها قبل الليل ما ييجي”

بعد ما قفلت المكالمة وقعت على كرسي قريب، وغمضت عيني…

كنت عايز بس آخد نفسي… صدري كان بيتحرك بسرعة زي ما قلبي بيضخ الدم في جسمي بالظبط…

رهف مش هتتجوز الليلة دى…

رهف لسة حرة لغاية دلوقتي…

رهف لسة بين إيدي لغاية دلوقتي…

حسيت بحاجة بتلمس إيدي دلوقتي…

فتحت عيني وأنا لساني كان هيصرخ، ويقول: رهف

لقيت عيني وقعت على أروى… واقفة قدامي بالظبط، ولامسة إيدي، وبتقول وهى مبتسمة، وقلقانة في نفس الوقت: “مالك يا ليث؟”

كنت عايز أضحك!!

أيوة أنا عايز أضحك دلوقتي بسبب سخرية الحياة، والقدر مني!!

أنا فعلا ابتديت أضحك دلوقتي…

رضوى كمان ضحكت على ضحكي… وهى متعرفش حاجة عن اللي حاصلة فيا…

قالت: “إيه اللي بيضحكك يا ليث؟؟ ضحكني معاك”

بصيتلها، وشوفت اللي أنا مكنش نفسي أشوفه…

قلت: “ليلى أختي هتتجوز النهاردة”

ابتسمت جامد، وفرحت جدا، وقالت: “بجد؟ فين؟ مبروك!”

هزيت راسي وأنا بضحك على نفسي، وبقول: “هيعملوا حفلة صغيرة جدا… في الشقة اللي هما عايشين فيها… وهي عايزاني أكون موجود معاها، وواقف جنبها في يوم زي ده”

………….

قاعدة بعد الدقايق وأنا مستنية ليث يوصل…

برغم إنهم كانوا كام يوم اللي بعدت فيهم عنه من آخر مرة شوفته… لكن أنا حساهم عدوا عليا شهور مش أيام…

لأ، دول كانوا سنين… أيوة زي السنين اللي أنا عيشتهم وأنا محرومة من شوفته، وفاكرة إنه سافر عشان يدرس برا… وهو كان….

كل ما كانت بتيجي الفكرة دي في راسي كنت بطردها فورا…

كنت بجبر نفسي إني أفرح، وأنسى كل حاجة… هو هييجي النهاردة… في أي لحظة ممكن يكون هنا…

آسر اتجنب إنه يتكلم معايا من ساعة الصبح…

هو بس مهتم التجهيزات بتاعة الحفلة الصغيرة اللي هنعملها الليلة دي…

هو، وليلى عملوا سفرة جميلة في الصالة عشان الرجالة، وواحدة تانية في أوضة الضيوف عشان الستات…

حاولت أساعدهم شوية، لكن أنا كنت تعبانة جدا من أثر الصدمة اللي أنا اتصدمتها مؤخرا…

قوتي البدنية مساعدتنيش إني أعمل معاهم حاجة غير إني أراقبهم من بعيد…

بعد ما خلصت صلاة العشا، ليلى جت عشان تتكلم معايا لآخر مرة قبل ما نفترق…

من أول الليلة دى مش هيكون عندي أخت عشان أتخانق معاها…

مين هيعلق على شكلي كل ما ألبس حاجة جديدة؟

مين هيهزقني كل ما أغلط؟

مين اللي هيغير مني، وهغير منه؟

مين هيعلمني حاجات أنا معرفهاش، وهيفتح عيني على الدنيا؟

ليلى كانت بالنسبالي الباب اللي بشوف منه الحياة…

أنا معرفتش أي حاجة في الدنيا إلا من خلالها هي…

برغم إن الفرق بيننا هو سنتين ونص بس، لكن أنا بحس نفسي صغيرة أوي قدامها…

بحسها أختي الكبيرة، ومعلمتي الغالية…

عشان كده، أول ما دخلت الأوضة عليا وأنا لسة لابسة إسدال الصلاة، وقالت: “خلاص… أخيرا هخلص منك!”

فضلنا نضحك، ونعيط في نفس الوقت… نعيط جامد جدا…

ده خلى آسر يقف عند باب الأوضة وهو محتار، ومستغرب…!

“هتسيبيني لمين يا ليلى؟ هبقى وحيدة، ومعزولة عن العالم من بعدك”

“هنيالك يا ستي… هتستفردي ببابا، وهتهتمي بيه لوحدك! إنتي زي القطة يا رهف… مهما كبرتي هتفضلي محتاجة إنك تتدلعي… ربنا يكون في عون الراجل اللي هتتجوزيه”

دلوقتي بقى الراجل اللي أنا هتجوزه مجهول… الحمد لله… بطلت تقلي على آسر، واقتنعت أخيرا إنه مبقاش ليا…

بصيت على آسر، ولقيت وشه غرقان في الحزن، والكآبة، وكرهت نفسي…

كرهت القدر، والظروف اللي وصلتنا للحالة دي…

رجعت بصيت على ليلى… بصة استغاثة، واستنجاد… كنت عايزة حد ينقذني من كل ده…

لقيت على وشها ابتسامة خفيفة، وسمعتها بتهمس في ودني: “عموما… هو بيحب يدلعك جدا”

ابتسمت، واخدتها في حضني جامد وأنا حاسة إنها أول مرة في حياتها تفهمني كده…!

يا إلهي!!

هي إزاي اتغيرت بالشكل ده في ليلة واحدة؟؟

معنى كده إنها راضية عني، وعن إنفصالي عن آسر، وارتباطي بليث؟؟

خلاص بقت مدركة إن أنا بحب ليث، وليث بس؟؟

ليث عمري…

آه… قد إيه أنا نفسي أشوفك!!

إرجع بسرعة… إظهر فورا… أنا هموت من كتر الشوق، والحرمان…

قمت بعد كده، ولبست فستان جابهولي آسر هدية عشان الحفلة، وحطيت شوية إكسسوارات برده كان جايبهالي آسر، ولبست جزمة كعبها عالي… كالعادة طبعا… وبصراحة… آسر برده اللي كان جايبهالي…

لكن أنا محطتش أي ميك أب على وشي خالص…

أنا عايزة أقابل ليث عمري وش لوش كده…

بانت عليا السعادة، وفضلت أحوم حواليهم زي الفراشة…

لما الضيوف جت، إستقبلتهم كويس جدا، ووديت الستات لأوضة الضيوف…

كانت أم نور، وأخواته البنات، وكانوا في قمة الشياكة، والجمال…

لابسين هدوم أنيقة، ومجوهرات تحفة…

وشهم كمان كان متلون بالمكياج بشكل إحترافي جدا!!

حسيت بشوية كسوف، وغيرة عشان أنا من غير أي ألوان…

بس برغم كده كنت جميلة…

ملكوش دعوة بالموضوع ده!!

العروسة جت بعد كده، وكانت جميلة جدا، وزي الملاك…

فضلنا ناخد صور كتيرة للذكرى…

برده هظهر فيها جميلة رغم أي حاجة!!

الوقت عدى…

كل ساعة كانت بتروح، كان بيروح جوايا أمل وصول ليث…

هو ليه مجاش لغاية دلوقتي؟؟

هو فعلا هييجي ولا هو…

مرضتش أتشائم…

روحت المطبخ عشان أجيب شوية عصاير، ولقيت آسر هناك، وكان شايل الأطباق الفاضية…

قلت: “هو ليث لسة مجاش؟؟”

اتظاهر بالابتسامة، ورد عليا: “لأ لسة”

قلت: “هو أنت واثق إنه هييجي؟ هو قال يعني إنه جاي فعلا؟؟”

“هو قال إنه عنده شوية إرتباطات، وشغل تاني… لكن هيحاول إنه ييجي”

بصيت على الساعة المتعلقة على حيطة المطبخ بحزن…

آسر قال: “لسة الوقت بدري… متقلقيش”

وبعدين مشي من المطبخ…

…………..

أفتكر إن أنا من حقي إني آخد شوية مساحة من السطور عشان أوصفلكوا مشاعري المجروحة…

لو كان فيه راجل واحد تعيس فى الدنيا دي… فهو أنا…

هكون عامل إزاي وأنا شايف قدامي خطيبتي، وحبيبتي بتعد الدقايق بلهفة عشان مستنية ليث… حبيب قلبها الغالي…

حسيت إني بقيت مجنون على الآخر، لما إعترفتلي بلسانها إنها بتحبه هو، وإن هو السبب فى قرار الإنفصال عني… بعد خطوبة استمرت أربع سنين أو أكتر…

أربع سنين شوق، ولهفة… وحب، وغرام… وأنا مستني الليلة اللى هجتمع فيها أنا، وهي…

مستني إننا نكون عرسان في عش الزوجية بعد طول الإنتظار…

وبعدين ليث ييجي، وفي خلال كام شهر أو ممكن كام يوم… يسرق قلبها مني!!

رهف عمرها ما قالتلي قبل كده: (أنا بحبك)

لكن برده عمرها ما قالتلي: (أنا مش بحبك)

الأمور بيننا كانت ماشية زي الفل، وعلى أكمل وجه…

لغاية ما ليث بنفسه قالى في يوم إن هي مش عايزة تتجوزني، وعايزة تأجل الجواز لأجل غير مسمى…

الحاجة الوحيدة اللى أنا مش عارفها لغاية دلوقتي، هي إن ليث عارف إنها بتحبه، ولا لأ؟؟

طب يا ترى هو كمان بيبادلها نفس الشعور، ولا لأ؟؟

أنا عارف إن هو بيحبها، وبيهتم بيها زى أخته، أو بنت عمه…

لكن كحبيبة، وزوجة… دي الحاجة اللي أنا معرفهاش، ومش هتحمل صدمة معرفتها، لو كان بيحبها بنفس الطريقة اللي أنا بحبها بيها…

أنا فاكر في اليوم اللي اتعرض عليها فيه ارتباطنا من سنين، قالت: (خلينا نستنى ليث الأول!!)

عشا هو كان المفروض إنه ما يرجعش قبل عشر سنين على الأقل من الوقت ده… كتبنا كتابنا بموافقة كل الناس اللي حوالينا…

وأنا باصص عليها دلوقتي وهي واقفة، وبتراقب الساعة… حاسس إن شرايين قلبي بتتقطع واحد ورا التاني، وكمان نواة قلبي نفسه كانت بتتفلق، والدم بيتبعتر، وبيملى الكون كله…

ليه عملتي فيا كده يا رهف؟؟

لو كنتي مش عارفة… فأنا بحبك حب مفيش راجل في الدنيا هيحبك زيه، ولا ممكن يكون جواه حب زي اللي جوايا ليكي…

حب بيخليني أدوس على مشاعري، وأحرق أحاسيسي غصب عني، وأموت قلبي بأيدي…

عشان أخليكي تعيشي الحياة اللي إنتي نفسك فيها مع الشخص اللي إنتي اختارتيه…

ويا ريته كان أنا…

أنا لو اكتشفت إن ليث مش فارق معاه مشاعرك… فأنا مش هقف ساكت، وأسيبك وإنتي بتنطوري مشاعر أنا الأولى بيها من أي راجل على وجه الأرض…

أنا هاخدك معايا… وهحاوطك بكل الحب اللي ربنا زرعه في قلوب الناس… وأوديكي للسحاب… ولو عايزة… هتحول لليث… أو لأي راجل تاني إنتي عايزة تحطي مشاعرك في قلبه… بس… إقبلي بيا…

مشيت من المطبخ بسرعة عشان مخليش رهف تشوف الدمعة اللي بتنور جوا عيني…

أيوة أنا هبكي عشان إنتي تضحكي…

هحزن عشان إنتي تفرحي…

هتكسر عشان إنتي تتقوي…

هموت عشان إنتي تعيشي…

يا حبيبة قلبي اللي معرفش حبيبة قبلك ولا بعدك ولا زيك…

هيموت القلب وهتفضلي إنتي الحبيبة الأولى، والأخيرة…

لما ليث وصل كانت الساعة إتناشر ألا ربع…

يعني قبل ربع ساعة من ولادة يوم جديد… من غير رهف…

جرس الباب رن، وروحت ناحيته، وسألت: “مين؟”

فجاوب: “أنا ليث”

جمدت مشاعري تحت كتلة كبيرة من التلج سماكتها متقلش عن سماكة التلج اللي بيغطي المحيط الجنوبي، وفتحت الباب…

الكتلة دي ساحت حاجة في حاجة… لأ، هي وقعت كلها مرة واحدة لما عيني جت على الشخصين اللي واقفين ورا الباب…

ليث، والبنت الشقرا…

بصعوبة جدا على ما رديت السلام، وخليتهم يدخلوا…

ليث كان شايف الذهول اللي باين على وشي من غير ما أحاول إني أدرايه خالص!!

قال وهو بيشاور على البنت اللي واقفة جنبه، وبتبتسم بهدوء: “رضوى فهيم… أنت عارفها”

قلت: “أأأ… أيوة”

قال: “خطيبتي”

من القطب الجنوبي لخط الإستواء مباشرة…

أنا متخيل إنكوا هتعرفوا تفهموا الموقف من غير ما تحتاجوا أي وصف!!

“خ… خطيبتك؟!”

“أيوة ارتبطنا إمبارح”

بصيت للبنت وأنا مش مصدق، وعايزها تأكدلي الكلام…

ابتسمت، وبصت لليث…

ليث قال: “إنت مش هتبارك ولا إيه؟”

“ط.. ط.. طبعا هبارك… لكن أنا بس… إتفاجأت… على العموم ألف مبروك ليكوا… إتفضلوا”

وديتهم الأول لأوضة الضيوف اللي قاعدين فيها الستات…

خبطت على الباب وأنا بنادي على أختي ليلى…

فتحت الباب فتحة بسيطة، وخرجت منها، وأول ما قفلت الباب وراها، وبصتلنا، خدت بالها من ليث…

“ليث!”

وشها نور، وبقت مبسوطة جدا…

وبعدين فتحت دراعاتها، وحضنت رقبته حضن كبير جدا…

“أيوة كده… كنت عارفة إنك هتيجي، ومش هتخذلني… أنت مخذلتنيش في يوم خطوبتي… أنا مبسوطة أوي”

ليث قال: “مبروك يا حبيبتي… ربنا يتمملك على خير، ويباركلك في جوازك”

بعد كده، رفعت راسها عشان تبصله، وبعدين دفنت راسها في صدره وهى بتقول: “سامحني… أنا مكنتش أعرف… سامحني يا أخويا يا حبيبي… أنا فخورة بيك… وأتباهى قدام الدنيا بحالها بإن أنا عندي أخ زيك… سامحني”

ليث طبطب على ضهر ليلى بحنية وهي الدهشة، والحيرة باينين على وشه…

قال وهو بيواسيها: “ميهمكيش يا حبيبتي… حصل خير… متعيطيش عشان متبوظيش شكلك، والمغرور يغير رأيه فيكي”

ليلى رفعت راسها وانفجرت ضحك، ونغزته بكوعها وهي بتقول: “برده متغيرتش… أنا هخلى نور يضربك قبل ما نمشي”

أنا قلت: “لأ حاسبي… لتمشي مع جوزك وهو بعاهة مستديمة”

فضلنا نضحك جامد إحنا التلاتة…

ليث بص وراه على خطيبته الجديدة، واللى كانت واقفة بعيد عننا بكام خطوة…

قال: “قربي يا رضوى”

البنت قربت وهى بتبص ناحية العروسة، وبتسلم عليها، وبتباركلها: “مبروك يا ليلى! قد إيه إنتي جميلة النهاردة!”

ليلى بحلقت في البنت شوية، وبعدين قالت لليث: “أنت جبت العيلة بتاعة المزرعة؟”

قال: “لأ رضوى بس”

ليلى استغربت، وهو وضحلها: “خطيبتي”

بان على وشها الدهشة، تقريبا أكتر مني، وقالت باستغراب شديد: “خطيبتك؟!”

ليث قال: “أيوة… كتبنا كتابنا إمبارح… باركيلنا”

ليلى بان عليها الإرتباك، واحتارت جدا، وفضلت ساكتة شوية… لغاية ما نطقت أخيرا: “إنتوا… فاجأتوني جدا… عموما مبروك”

كان باين للكل، أو ليا أنا أكتر، إنها متضايقة من المفاجأة جدا…

قلت: “خلي الآنسة تتفضل تدخل”

ليلى بصت على رضوى، وقالت: “اتفضلي”

وبعدين فتحت الباب عشان تخليها تدخل، وقالتلى: “رهف في أوضتها… راحت عشان تغير الفيلم بتاع الكاميرا”

كان باين عليها إنها قلقانة على رهف…

ليث قال: “طب كويس… ينفع أشوفها؟”

بصيت أنا، وليلى لبعض، وبعدين قالت: “تمام، أنا هدخل عشان أعرف رضوى عليهم جوا”

دخلت الأوضة، وسابتني لوحدي في الورطة دي…

ليث بصلي، وقال: “أنا عايز أسلم عليها… لو ينفع”

أنا اللي شاهد عليها وهي قاعدة مستنياه بقالها ساعات طويلة، وعارف إنها هتطير من الفرح أول ما تشوفه… حسيت إني عاجز، ومش في إيدي حاجه أعملها…

قلت باستسلام: “تعالى، إتفضل”

وديت بنفسي حبيب خطيبتي لغاية عندها فى الأوضة عشان تقابله…

خبطت على الباب، وقلت: “رهف… ليث معايا”

كنت عايز ألفت نظرها إنه معايا عشان تعمل حسابها، وتلبس حجابها…

لكن أنا ملحقتش أكمل الجملة، ولقيت الباب اتفتح بسرعة، وظهرت من وراه رهف زي ما هي على حالتها، وندهت بقوة: “ليث”

أي راجل في الدنيا جواه زرة حب لخطيبته، أو حتى شوية شعور بالغيرة، والنخوة… كان زمانه رفع إيده، وضرب الإتنين اللي واقفنين قدامه بالأقلام… خصوصا في المشهد الحميم ده…

لكن… أنا آسر… العاشق اللي اتسلبت منه حبيبته… اللي مغطي مشاعره بكتلة تلج كبيرة… وقفت مكاني من غير ما أتحرك، ومن غير ما أعمل أي رد فعل…!

كنت واقف براقب خطيبتي، وحبيبتي وهي مرمية على صدر أخويا، ولافة دراعاتها حوالين رقبته… وبتنادي بانفعال، ولهفة: “ليث… أنت ليه مقلتليش… ليه… ليه؟؟”

حتى لو كنت بتظاهر بالجمود، والبرود… لكن جوايا كان قايد نار…

لو كنت بتظاهر إني بس عايز أسلم وخلاص… فالحقيقة اللي جوايا إن أنا متلهف جدا إني أشوف صغيرتي، وحبيبتي، وأحس بوجودها وهي قريبة مني…

كنت ماشي خطوة خطوة… مع كل خطوة كنت بفقد جزء من قوتي، وطاقتي…

لكن قلبي كانت دقاه زايدة، ومش قادر يسيطر عليها… كل دقة في قلبي كانت بتطلع بشكل عشوائي، وتجري وراها الدقة التانية…

لما الباب اتفتح… كان خلاص آخر عصب جوايا إتحرق من كتر التوتر… لدرجة إني مبقتش حاسس بأي حاجة…

أي حاجة…

موعتش لنفسي غير وفيه رصاصة سخنة مولعة ضربت صدري، وكسرت ضلوعي، ودخلت جوا قلبي… 

لأ هي مدخلتش بس… هي عششت جواه…

رهف مكنتش واقفة قدامي… كانت قاعدة جوا قلبي، ومربعة على عرش الحكم… وبتتحكم فى دقاته إنها تزيد ولا تنقص… وبتمشي أحاسيسه، ومشاعره زي ما هي عايزة…

عشان أنا كنت مذهول، وفاقد السيطرة على نفسي تماما… ففضلت واقف متحركتش… من غير أي رد فعل…

صدري كان زي البحر… صغيرتي نطت جواه، وعامت جواه بطوله، وعرضه…

خرجت منه وهي مبلولة بالدموع، وبصالي، وبتقول بصوت كله وجع: “أنت ليه مقولتليش؟ ليه يا ليث؟؟ ليه خبيت عليا كل السنين دي؟؟”

في حاجة دلوقتي بدأت تتحرك جوا دماغي المقفولة، وفتحت باب الوعي، والإدراك للي بيدور حواليا…

بدأت أنتبه للي صغيرتي بتقولهولي…

بدأت أحس بضوافرها المغروسة في كتفي زي المسامير…

بدأت كمان أشوف حبات اللولي اللي بتلمع وهي نازلة من عينيها… أغلى حاجة في دنيتي…

رفعت إيدي لوشها بشكل لا إرادي، ومسحت السيول اللي بتنور على وشها…

“متعيطيش يا صغيرتي عشان خاطري”

أنا ممكن أتحمل إي حاجة في الدنيا دي، إلا إني أشوف دموع غاليتي بتتبعتر على الفاضي بالمنظر ده…

أنا حاسس بحرارة شديدة، ومش عارف مصدرها الحقيقي فين…؟

يا ترى هى من جوايا؟ ولا من حضن صغيرتي؟ ولا الشرار اللي طالع من عيون أخويا اللي باصصلنا بغضب؟؟

رهف زاحت إيدي بعيد عنها، وبعدت عني خطوة لورا…

ودي حاجة عملت توتر في المسافة اللي كانت بيننا…

زي التوتر اللي بيحصل لما بتبعد قطعة حديد عن المغناطيس اللي كانت لازقة فيه!

قالت: “أنا لسة عارفة الموضوع ده النهاردة بس… أنت ليه مقولتليش إنك… إنك كنت في السجن؟؟ ليه سايبني طول الفترة دي وأنا مش فاهمة أي حاجة؟؟”

حتى لو كانت مشاعري متخدرة بسبب قرب رهف ليا، فهي صحيت كلها مرة واحدة، وهاجت…

بقيت حاسس بكل حاجة… حتى بحرارة البراكين اللي في الصين!!

فضلت أبص لرهف، ولآسر، وبعدين لرهف، وبعدين لآسر تاني… ولما عيني وقفت عليه شفت قنبلة مولعة، وقربت تنفجر…

يا لطيف يا رب!!

نطقت أخيرا: “هو إنت اللي قلتلها؟”

آسر مجاوبش بولا كلمة…

وطى راسه، واتنهد جامد، وطلع نفس كتير من بقه… حسيت بسخونته وأنا واقف مكاني…

رجعت بعيني لرهف، وهي سألتني تاني: “ليه مقولتليش؟؟”

أقلك؟ أقلك إيه يا رهف؟؟ إنتي مشوفتيش الطريقة اللي ليلى عاملتني بيها هي، وكل الناس اللي حواليا؟؟

عايزاني أشوفك إنتي بصالي كده إنتي كمان؟؟

لأ يا رهف… لأ عشان خاطري…

قلت من غير حول مني ولا قوة: “هو ده اللي حصل بقى… لكن… ممكن ده ميغيرش أي حاجة؟؟”

إستنيت إجابتها وأنا قلقان…

قالت: “لأ، ده هيغير كل حاجة”

إستغربت جدا من الإجابة دي اللي حيرتني بوضوحها، وغموضها في نفس الوقت…

قالت: “ليث… ليث أنا”

مكملتش جملتها… لقينا ليلى جاية دلوقتي ناحية أوضة رهف، وباين على وشها علامات القلق…

دارت بعينيها علينا إحنا التلاتة، وبعدين وقفت عنيها عند آسر…

حسيت إن فيه حاجة بتحصل في السر، وأنا معرفهاش…

سألت: “إيه الموضوع؟؟”

مفيش حد فيهم رضي يرد عليا، ولا ينطق بكلمة…

بعد شوية لقيت ليلى بتنطق أخيرا، وبتودي سياق الكلام لحتة تانية خالص: “رهف! الكاميرا! هننده على نور دلوقتي عشان نتصور”

وبعدين بصت على آسر: “إحنا بقينا نص الليل… يلا روح ناديه”

تقريبا الترتيبات بتاعتهم كانت ماشية بطريقة معينة!

هي إن العريس يدخل لأوضة عروسته، ويتصور معاها، ومع أهلها، وأهله كمان صور جماعية قبل ما يمشوا…

آسر نطق أخيرا: “هناديه… يلا روحي قوليلهم”

رهف إتحركت دلوقتي من قدامي، وراحت ناحية الترابيزة، وخدت الكاميرا، وراحت ناحية ليلى، وإديتهالها…

ليلى قالت: “إديها لآسر دلوقتي”

رهف بصت لآسر، وإديتهاله…

آسر بص على رهف نظرة كلها معاني خلتها توطي راسها في الأرض…

آسر خد الكاميرا منها، وقال: “هناخد معاه كام صورة، وبعدين نرجعهالكوا”

قال كده، ومشي ناحية الصالة…

أنا اتحركت عشان أروح وراه… لكن لقيت نفسي وقفت… وبصيت لرهف…

قلت: “رجلك عاملة إيه دلوقتي؟؟”

رهف اللي كانت لسة موطية راسها، رفعتها أخيرا، وقالت: “الجرح خف الحمد لله”

قلت: “طب الحمد لله”

وبعدين إديتها ضهري، وروحت للمكان اللي راحه أخويا…

……………

كنت مجنونة، لكن مقدرتش أتمالك نفسي وأنا شايفة ليث واقف قدامي… بطوله، وعرضه، وشحمه، ولحمه، وإيده، ورجله، ومناخيره المعكوفة كمان!!

كإن عدى عليا سنين من آخر مرة شوفته وهو ماشي من الشقة هنا ونفسه مكسورة…

جريت عليه بجنان… وأي جنان!!

فضلت أراقبه وهو ماشي… لغاية ما إختفى عن عيني، وفضلت أنا باصة في المكان اللي كانوا واقفين فيه أكتافه العريضة، وكإني لسة شايفاهم قدامي لغاية دلوقتي…!

“رهف!”

ليلى نادتني، وحررت عيني من الوضع ده أخيرا، وبصيتلها، وشوفتها وهي بصالي وعينيها مليانة علامات غريبة!!

أنا بقى ابتسمت جامد جدا… عيني اتروت بشوفتها لوش ليث عمري…

عشان هو هنا… عشان هو هنا بس، فده أكتر سبب في الحياة ممكن يخليني أبتسم…

مش عارفة ليه كانت نظرات ليلى غريبة؟!

كانت مليانة بالقلق، والحزن…

قلت: “مالك؟؟”

قالت: “ولا حاجة… مفيش حاجة”

“طيب، أنا هغسل وشي، وأجيلكوا”

جريت للحمام زي الحمامة…

بعد كده روحت على أوضة الأنتريه وأنا ظابطة حجابي…

أنا هقف أتفرج على العرسان وهما بيتصورا…

كانت (لما) أخت نور هي اللي بتصورهم…

كلهم كانوا قاعدين في أماكنهم زي ما سيبتهم بالظبط من شوية…

كلهم بصولي أول ما دخلت، وأنا إبتسمتلهم…

فجأة عيني لمحت وش غريب قاعد في مكان مش مكانه!!

وش رضوى الجميلة!!

اندهشت، وبان عليا الاستغراب…

رضوى وقفت وهي مبتسمة، وبتقول: “ازيك يا رهف؟ عاملة إيه؟ وإزاي صحتك؟”

“رضوى!”

“مفاجأة مش كده؟؟”

قربت منها، وسلمت عليها بأيدي وأنا مستغربة جدا…

فضلت أبص على وشوش الناس اللي حواليا عشان أدور على وش أم رضوى، أو حتى وش العجوز!!

قلت: “أهلا بيكي! إنتي جيتي لوحدك؟”

ابتسمت، وقالت: “لأ، جيت مع ليث”

مع مين؟؟ مع ليث؟؟ تقصد إيه البت دى؟؟

“مع ليث؟؟”

ابتسامتها وسعت أوي، ووشها إحمر، وعينيها لمعت، ونورت زيادة، وبصت ناحية ليلى، وقالت: “هي ليلى مقالتلكيش؟؟”

بصيت ناحية ليلى وأنا مستغربة، وقلقانة جدا، ونظراتي ليها كانت كلها أسئلة…

ليلى كمان بصتلي بنفس القلق، وقالت: “هي… هي، وليث…”

مكملتش كلامها…!

بصيت على رضوى، فسمعتها وهي بتقول باقي جملة ليلى اللي اتقطعت…

الجملة اللي خلصت عليا، وودتني للجحيم فورا…

“ارتبطنا إمبارح”

نعم؟؟ إيه؟؟

أنا مبقتش بسمع كويس من كتر اللي أنا سمعته في الفترة الأخيرة!!

بتقول إيه البت دي، حد يعرفني؟؟

“إيه؟؟”

شوفتها وهي بتبتسم، وبتقول: “مفاجأة! مش كده؟؟”

بصيت لليلى عشان تلحقني…

ليلى إنقذيني من اللي بتقوله البت دي…

هي بتقول إيه؟ لغتها غريبة وأنا مش فاهمة!!

شكلها غريب، ووجودها في المكان ده برده غريب!!

ليلى بصتلي بحزن… لأ… بشفقة… وبعدين بصت للأرض…

مش حقيقي!!

مش ممكن!!

مستحيل!!

لأ مش هصدق!!

“إنتي… وليث… إ… إيه؟؟ ارتبطتوا؟؟”

“أيوة… إمبارح… وجيت معاه عشان أبارك للعرسان على جوازهم”

خطوة لورا… وبعدين خطوة تاني… الباب بيقرب مني… وبعدين بيتفتح…

لقيت نفسي بخرج منه، وببعد شوية…

حسيت وقتها إن الحيطان بترقص، والسقف بيقع، والأرض بتقرب مني… والدنيا بتضلم… بتضلم… بتضلم… وكل حاجة بتختفي…

“آسر… تعالى بسرعة”

حد بينادي جنبي… والصوت عمال يلف جوا راسي…

أيادي أشخاص كتيرة ماسكاني…

دراعات ناس شايلاني، وبتحطني فوق حاجة مريحة، وواسعة…

كفوف بتضرب وشي… أصوات عمالة تناديني… صويت… دموع… لأ دي مش دموع… دي نقط مياه بتترش على وشي…!

بفتح عيني، وبشوف الصورة مش واضحة…

كل حاجة حواليا عمالة ترقص، وداخله جوا بعضها…

الوشوش، الأيادي، السقف، الحيطان… كلهم داخلين في بعض…

غمضت عيني جامد، ورفعت إيدي، وحطيتها فوق عنيا… مش متحملة النور اللي داخل جوا جفني…

حاسة إني دايخة… هرجع… إبعدوا… إبعدوا…

…………….

لما رهف رجعت لوعيها، وفاقت، كان ده بعد كام دقيقة من وصولنا للطرقة اللي كانت واقعة، ومرمية فيها على الأرض…

كنا سمعنا صوت حاجة خبطت في الأرض أو الحيطان، وبعدين سمعنا صوت ليلى بتنادي: “آسر… تعالى بسرعة”

نطينا أنا، وآسر وجرينا بسرعة لغاية هناك…

ليلى كانت رافعة راس رهف على رجلها، وبتخبط على وشها عشان تفوقها، ورهف كان مغم عليها…

أنا جريت عليها، وشيلتها من على الأرض، وحطيتها على سريرها، وكنا عمالين كلنا نقول: “رهف… فوقي”

صرخت: “إيه اللي حصلها؟”

ليلى جريت بسرعة على الحمام، ورجعت بمدنيل مبلول، وعصرته على وش رهف اللي كانت عمالة تفتح عينيها، وتقفلها كذا مرة…

رهف فاقت، واستعادت وعيها، وفضلت تبص على كل اللي حواليها، وعينيها تدور على واحد ورا التاني…

آسر قال: “سلامتك يا حبيبتي… إنتي اتوجعتي؟؟ حاسة بحاجة؟؟”

ليلى قالت: “إنتي كويسة يا رهف؟؟”

أنا قلت: “إيه اللي حصلك يا صغيريتي؟؟”

رهف بصت عليا بنظرة غريبة، وبعدين قامت قعدت، وقالت: “أنا هرجع”

بعد ما هديت من الترجيع، حطت راسها على صدر آسر، وحضنته بدراعها، وفضلت تعيط…

آسر فضل يمسح على شعرها المتغطي بالحجاب، ويقول بصوت هادي: “كفاية يا حبيبتي… إهدي عشان خاطري… فداكي كل حاجة”

قلت: “صغيرتي؟؟”

رهف دفنت وشها زيادة في صدر آسر، وبلت القميص بتاعه بدموعها…

“صغيرتي؟؟”

سيبوني لوحدي… سيبوني لوحدي”

فتحت بعد كده في عياط كبير…

مكنتش قادر أتحرك… أو بالمعنى الأصح مكنتش عايز أتحرك…

لغاية ما ليلى قالتلي: “يلا نخرج يا ليث”

قلت وأنا قلقان: “هو إيه اللي حصل يا ليلى؟”

قالت: “أنا قلتلك… هى تعبانة… دي تالت مرة يغم عليها فيها من إمبارح”

الكلام ده صعقني…

قلت لرهف: “رهف… إنتي كويسة؟”

مبصتش عليا… دي كمان غاصت براسها أكتر، وأكتر في صدر آسر، وقالت: “سيبوني لوحدي… سيبوني لوحدي”

ليلى مدت إيديها، ومسكتني، وحاولت تشدني معاها عشان نخرج برا…

خرجنا، وقفلنا الباب ورانا…

حاولت أتكلم معاها، لكن هي مسابتليش فرصة، وقالت: “أنا هرجع عشان أطمن الضيوف… ليث… ناديلي على نور”

وبعدين مشيت…

فضلت واقف على باب أوضة رهف، ومش قادرح أتحرك من مكاني خطوة واحدة…

إيه اللي حصل لصغيرتي؟؟

ليه ماسكة في آسر بالشكل ده؟؟

هي صحتها في خطر؟؟

هى رجعت في قرار انفصالها عنه؟؟

إيه اللي بيحصل حواليا؟؟

كام ثانية، ولقيت ليلى جاية تاني…

“ليث… أنت لسة واقف مكانك متحركتش… يلا روح نادي عليه”

“حاضر”

رجعت للصالة اللي قاعدين فيها الرجالة، ولقيتهم هما كمان محتارين، وبيسألوا عن اللي حصل…

طمنتهم، وخدت العريس، وروحت بيه لأوضة الستات…

مامته، وأخواته خدوا صور تذكارية معاه هو، وعروسته…

رضوى كمان كانت جوا…

رجعت لباقي الضيوف وأنا بالي مشغول… يا دوب قادر ابتسم إبتسامة مفتعلة جدا في وش أي حد بيبص عليا…

بعد كده نور جه، وقال: “إحنا هنروح على الفندق دلوقتي”

كان المفروض زفة العريس تروح لفندق من الفنادق الفخمة، ويقضوا ليلتهم هناك قبل ما يسافروا بكرا مع باقي العيلة، ويروحوا لبلد جنبنا باللعربية، وبعدين ياخدوا طيارة لبلد بعيد…

كان المفروض إن آسر هو اللي يسوق العربية اللي هتزف ليلى، وعريسها…

روحت لأوضة رهف، وخبطت على الباب…

“آسر… العرسان عايزين يمشوا دلوقتي”

الباب اتفتح، وآسر خرج، وباصصلي بصة مريية…

قلت: “رهف عاملة إيه؟؟”

رد بطريقة ناشفة: “أحسن شوية”

كنت عايز أدخل عشان أتطمن عليها، لكن آسر كان واقف، وسادد الباب عشان مدخلش، وأنا اتحرجت إني أستأذنه عشان أدخل…

قلت: “هم عايزين يمشوا دلوقتي”

آسر بصلي وهو محتار، وبعدين قال: “تقدر توصلهم أنت؟؟”

“أنا؟؟”

“أيوة أنت يا ليث… رهف مش هتقدر تيجي معانا، وأنا لازم أفضل جنبها”

اتفزعت، وقلت: “هى حالتها وحشة خالص كده؟؟”

“لأ، بس هي مش هتيجي معانا، فبالتالي أنا لازم أقعد معاها”

“بس أنا مش عارف الطريق”

“خلي حد من أخواته يركب معاكوا، ويعرفك الطريق”

محستش إنها فكرة كويسة، وقلت وأنا معترض: “روح أنت يا آسر، وأنا هفضل هنا مع رهف، ورضوى”

ليلى جت دلوقتي، وسألت على رهف، وبعدين دخلتلها الأوضة…

……………

“أنا حزينة جدا”

ده كان جوابي على سؤال ليلى لما جتلي، وبتسأل على حالتي…

ليلى قعدت جنبي على السرير، وفضلت تواسيني…

لكن مفيش حاجة هينفع تواسيني بعد الصاعقة اللي نزلت على دماغي…

“بالله عليكي يا رهف… كفاية يا حبيبتي… مش هتودعيني؟؟ أنا ماشية، وهسيبك على طول!”

جملتها نزلت عليا، وقطمت ضهري…

“لأ، لأ ماتمشيش، وتسيبيني… أنا هبقى وحيدة… أنا عايزة ماما… عايزة ماما”

فضلت أعيط، وأشهق جامد…

“كفاية يا رهف… هتخليني أعيط وأنا عروسة في ليلة فرحي التعيسة”

خدت بالي بسرعة، أنا إزاي سمحت لنفسي إني أكون سبب في تعاسة أختي في أهم ليلة في حياتها؟؟

مش كفاية إنها اتحرمت من الفرح الكبير اللي كانت بتحضرله بقالها شهور طويلة؟؟

كمان خسرت كل هدومها، وجهازها، ومجوهراتها الغالية!

حتى فستان فرحها اتحرق، وبقى تحت أنقاض بيتنا المتدمر!!

طردت الدموع اللي نازلة على وشي، وابتسمت في وشها ابتسامة مفتعلة ملهاش علاقة بالحقيقة اللي جوايا…

قلت: “حبيبتي… هتوحشيني أوي… ألف مبروك يا ليلى يا أختي”

حضنا بعض كتير… حضن الفراق…

بعد أكتر من خمستاشر سنة لازقين في بعض ليل نهار… تلاتين يوم في الشهر…

بنفترق دلوقتي بالمنظر ده، وبنبوس بعض، وبنحضن بعض وإحنا غارقانين في دموعنا…

آسر جه ناحيتنا، وقال: “يلا يا ليلى عشان نمشي”

آسر جه عشان ياخد ليلى، ويروح يوصلها للفندق هي، وعريسها…

سلمت عليها، وبوستها للمرة الأخيرة، وبعدين جه دور آسر، بعد كده دور الراجل الضخم اللي كان واقف برا قدام الباب بالظبط…

مقدرتش أبص عليه بصة واحدة حتى…

مكنتش عايزة أرجع أنهار من أول وجديد…

اتفردت على سريري، وسحبت الغطا لغاية ما دفنت وشي تحت منه…

سمعت آسر بيقول: “أنا هاخدهم الفندق، وهرجع بسرعة… ليث، وخطيبته هيفضلوا معاكي.. حاولي ترتاحي”

الجملة دي مهزتش فيا ولا شعرة، أنا غمضت عيني وأنا بقول: “أنا هنام”

حسيت بالكل بيسيبوا الأوضة، وبيخرجوا، وبيقفلوا الباب وراهم…

وبعدين إختفت الأصوات بتاعة كل الناس اللي كانت موجودة في الشقة…

كلهم مشيوا، ومفضلش في الشقة غيري أنا، وليث، والأجنبية المتطفلة…

دخلت في نوم عميق شبه الغيبوبة…

لكن أنا في لحظة حسيت إن في حد دخل أوضتي، وبيقرب مني، وحسيت بإيد بتمسك اللحاف، وبتظبطه فوق جسمي…

وبعدين بتمسح على راسي من فوق حجابي اللى مقلعتهوش….

في الوقت ده اتوهمت إن أنا سامعة حد بيهمس في ودني: “أحلام جميلة يا حبيبتي”

بعد كده بعد عني، وسمعت صوت الباب بيتقفل…

فتحت عيني دلوقتي لقيت الأوضة غرقانة في الهدوء، والضلمة…

هو ده كان وهم؟؟

كان تهيؤات؟؟

كان حلم؟؟

مش متأكدة!!

لو كان حقيقي فأنا هبقى متأكدة إن الشخص ده كان آسر…

………………

أنا نمت في أوضتي اللي كنت بنام فيها قبل كده، وخليت رضوى تنام في أوضة العروسة الليلة دى…

كنت قلقان جدا على صغيرتي، ومنمتش زي ما المفروض أنام…

كنا مقررين أنا، ورضوى إننا نقعد يومين قبل ما نسافر، ونرجع المزرعة تاني…

اليومين دول كانوا أسوء أيام في حياتي!!

رهف كانت تعبانة جدا، ولازقة في سريرها طول الوقت، وآسر كان بيمنعني إني أدخل أوضتها أغلب المرات…

في الكام مرة اللي سمحلي فيهم إني أدخل أشوفها، كنت بشوف رهف وهي وشها مصفر، وملامحها مطفية، ومكتئبة جدا…

على طول كانت بترفض إنها تتكلم معايا، وبتطلب مني إني أخرج، وأسيبها لوحدها…

اتخنقت جدا من الحالة اللي رهف فيها، وسألت آسر: “إيه اللي حصلها؟ في حاجة حصلت، وإنتوا مخبيينها عليا؟؟ هي ليه كئيبة كده؟؟ في حد أذاها أو عملها حاجة؟؟”

آسر قال: “هي زعلانة عشان ليلى مشيت، إنت عارف إنها كانت لازقة فيها زي ضلها، وهي مش مصدقة إنها خلاص إتجوزت، وبعدت عنها”

“بس أكيد مش للدرجة دي يعني.. أنا حاسس إن فيه سر في الموضوع”

أخويا بصلي بنظرة مريبة، وقال: “سر إيه؟؟”

قلت: “يا ريتني أعرف…”

في اليومين دول كنت باكل أنا، ورضوى في المطعم برا البيت…

في آخر مرة لما رجعنا من المطعم، لقينا آسر، ورهف قاعدين على السفرة بيتعشوا…

فرحت جدا، دي إشارة كويسة بإن صغيرتي بتتحسن الحمد لله…

قلت: “صغيرتي.. حمد الله على سلامتك.. حاسة إنك أحسن دلوقتي؟؟”

رهف بصتلي وهي مكشرة، وبصت على رضوى، وبعدين وقفت، ومشيت من الأوضة عشان تروح لأوضتها…

آسر وقف دلوقتي، وبصلى بعصبية: “كده كويس يعني؟ أنا ما صدقت إني أقنعتها، وإنها رضيت تاكل لقمة”

قلت وأنا متضايق: “لأ، الحالة دي ميتسكتش عليها أكتر من كده، أنا لازم آخدها للدكتور”

مشيت بسرعة وكنت رايح على أوضتها…

أخويا جه ورايا جري، ومسك كتفي من ورا، وقال: “إيه يا عم.. إستنى.. رايح على فين أنت؟؟”

بصيتله، وقلت: “أنا هاخد البنت للمستشفى عشان أعرف مالها”

رد بغيظ: “أنت فاكر نفسك مين؟ أنت مش شايفني واقف قدامك أهو؟؟ دي خطيبتك اللي واقفة قدامك، مش دي”

قلت وأنا بجز على سناني من العصبية: “هي تبقى بنت عمي قبل ما تكون خطيبتك.. ولو كنت نسيت فأحب أفكرك إنها هتنفصل عنك.. ويا ريت تعرف يا غبي إن أمورها كلها تخصني، وإن أنا اللي مسئول عنها، وعن كل حاجة تخصها، زي بابا بالظبط”

قربت على الباب، ومديت إيدي عشان أفتحه.. لكن آسر إتجنن، ومسك إيدي، ونطرها جامد بعيد عن الباب …

رجعت تاني أمسك الباب وأنا متعصب، لقيته بيصرخ، وبيقول: “إبعد عن هنا”

كان بيصرخ وهو ماسك دراعي جامد، وبيحاول يسحبني…

زقيته بعيد عني لغاية ما إترزع في الحيطة…

بعد كده رجعلي جري، وإداني بالبونية جامد في بطني…

الحرب قامت بيننا، وولعت، ودخلنا في دوامة جنونية من الضرب بالرجل، والأقلام، وكل أنواع العنف…

المعركة دي جت في وقت مش بتاعها خالص…

رضوى واقفة، وباصة علينا بذهول…!

باب رهف اتفتح، ووقفت وهي مفزوعة، وبتبص علينا بتوتر…

“آسر.. ليث.. كفاية”

لكن محدش فينا وقف…

في الخناقة اللي فاتت آسر كان مستسلم للضرب بتاعي…

لكن دلوقتي أنا شايفه شادد حيله عليا، وبيضربني بغيظ، وكره…

كإن جواه تار، وعايز ياخده مني…

عدى شوية وقت من الخناقة وأنا كنت ماسك دراع أخويا، ولاويه ورا ضهره…

رهف جت تجري عليا وهي بتصرخ: “سيب خطيبي يا متوحش”

شوفت إيديها بتتمد ناحية دراعي، عشان تحاول تخلص آسر مني…

مسكت دراعي وشدتني جامد، فسيبت أخويا من إيدي، وبصيت عليها…

صرخت في وشي: “وحش.. قاتل.. مجرم.. أنا بكرهك.. بكرهك.. بكرهك”

رفعت إيديها الإتنين ناحية صدري، وفضلت تضرب عليه ضرب كتير جدا وهي بتصرخ…

أنا كنت واقف زي الجبل مبتحركش.. كنت بشوف.. وبسمع.. وبحس.. وبتوجع.. وبتحرق.. وبتهز.. وبموت…

…………….

بعد كمية الضربات القوية اللي اديتها في صدر ليث بانفعال، وعصبية، وغضب، وغيظ، وقهر.. حسيت بوجع في إيدي…

هو ده اللي خلاني أوقف الضرب بتاعي…

رفعت راسي ليه، ولقيته بيبص عليا وتعبيراته واقفة!!

متهزش من الضرب بتاعي، ولا حتى إتوجع!!

أنت اتخلقت من أنهي نوع من الحجارة؟؟

صدرك إتصنع من أنهي نوع من المعادن؟؟

أنت مش حاسس بإيدي خالص؟؟

عيني كانت مليانة دموع، وكلام بيحرق.. إتمنيت لو يمسحهم بإيده.. إتمنيت لو يشدني لصدره…

اتمنيت لو أصحى من النوم، وألاقي رضوى مجرد حلم.. وخيال.. ملهوش وجود.. يااه.. أمنيات كتيرة، ومستحيل تتحقق…

ليث كان بيبصلي بعمق…

نظراته كانت بتدل على الحزن، والإستسلام.. هو مرضيش يقاومني..ولا يوقفني.. ولا يبعدني عنه…

سابني أضربه براحتي، وأفش الغل اللي أنا فيه كله من ساعة ما عرفت إن هو إتجوز.. ومرضيش حتى يفتح بقه…

بعدت عنه، وبصيت على آسر، وبعدين على رضوى، وبعدين على ليث تاني، وبعد كده جريت على أوضتي، ودخلت، ورزعت الباب جامد…

مسمحتش لآسر إنه يدخل لما خبط عليا بعد شوية صغيرين، وفضلت أعيط ساعات طويلة…

تاني يوم، لما خرجت من أوضتي عشان أروح المطبخ.. لمحت أوضة ليلى سابقا، والمتطفلة حاليا وهي بابها مفتوح!

قربت من الأوضة بالراحة، وبصيت كويس جدا جواها، ولقيتها فاضية، ومفيهاش أي حد…

جريت بسرعة على أوضة ليث.. ولقيتها هي كمان مفتوحة، ومفيهاش أي حاجة بتدل إن ليث ممشيش…

جريت ناحية الصالة.. لقيت آسر قاعد هناك وهو سرحان…

أول ما شافني ابتسم، ووقف، وصبح عليا…

قلت بسرعة: “هو ليث فين؟؟”

آسر بص عليا بألم، وقال: “مشي”

صعقت، وقلت: “مشي؟؟ إمتى؟؟”

قال: “من شوية صغيرين”

مستحيل! لأ.. مش ممكن ده يحصل تاني…

صرخت: “أنت ليه سيبته يمشي، وممشكتش فيه؟؟”

آسر بصلي وهو محتار…

أنا رجعت أصرخ: “بقولك سيبته يمشي ليه؟؟”

آسر قال وهو متضايق: “إنتي كنتي متوقعة مني يعني إني أربطه في رجل الكرسي عشان ميمشيش؟ هو خد خطيبته، وحاجتهم، واتكلوا على الله من غير سلام، ولا كلام”

صرخت: “أنت كان لازم تمنعه.. أجري إلحقه.. خليه يرجع.. رجعهولي حالا”

آسر قال بعصبية: “متجننيش يا رهف.. إنتي عايزة منه إيه؟ خلاص إتجوز هو، ورضوى، والموضوع خلص”

صرخت جامد: “لأ”

“رهف!”

“أنا مش مصدقة.. انتوا بتكدبوا.. كلكوا بتكدبوا.. ليث مرتبطش بحد.. ليث مدخلش السجن.. ليث مقتلش حد.. ليث مش هيتخلى عني.. ليث مش هيبعد عني.. رجعهولى دلوقتي.. رجعهولى.. رجعهولى”

انهرت من كتر العياط، والحسرة على ليث عمري…

فضلت أيام كتيرة على الحال ده.. التعب، والمرض شدوا عليا جدا…

حالتي النفسية اتدهورت على الآخر، وحالة آسر كمان اتغيرت، وبقى عصبي جدا، وبقينا بنتخانق كل يوم، والوضع بيننا مبقاش يتطاق…

اللي خلى الموضوع يسوء أكتر، إننا كنا كل ما نتصل بالتليفون على بابا، وماما نلاقيه مقفول…

لما اتصلنا بالفندق اللي هم كانوا فيه، بلغونا إنهم سابوا الفندق، ومشيوا…

أخبارهم إتقطعت كذا يوم، والخناق بيني، وبين آسر زاد، واتوترنا جامد، واتخلطت المشاكل مع الخناقات مع الخوف مع القلق، كلهم مع بعض، واتحولت حياتي أنا، وآسر لجحيم…

الجحيم بدأ يكبر، ويتضاعف يوم بعد يوم.. لغاية ما حل علينا الطوفان المدمر، وجت الصاعقة الكبرى…

……………

دخلت معهد إداري موجود في حتة قريبة من المزرعة، وبتوفيق من ربنا أولا، وبعدين عم إياس، والست فيردا، بقيت طالب رسمي في المعهد…

الحياة بقت مختلفة جدا بالنسبالي، وكل حاجة بقت ماشية زي الفل… أخيرا بقيت بستسمتع بشوية راحة، واسترخاء…

خطيبتي كانت إنسانة رائعة جدا.. في أخلاقها، وطيبتها، ومشاعرها، وجمال شكلها، وكل حاجة.. نعمة من ربنا…

حاولت بقدر الإمكان إني أديلها مشاعري.. وأحط فيها كل الحب، والحنان اللي جوايا.. لكن رهف مسمحتليش بكده أبدا…

هي كانت محتلة قلبي من أول الوريد لغاية الشريان…

بعدها عني، وصحتها اللي في النازل زودوا قلقي، ولهفتي عليها، وتعلقي بيها أكتر، وأكتر…

كل ما إيدي كانت بتروح ناحية التليفون، وأطلب رقم شقة آسر.. بفتكر كلامها القاسي، والمميت ليا في آخر مرة شوفتها فيها.. فبسيب السماعة تاني، وببعد…

متصلتش ولا مرة عشان أسأل على أي حد من عيلتي، وأقنعت نفسي إني خلاص مبقتش منتمي ليهم.. وإن عيلتي الحقيقية هى عيلة فهيم الله يرحمه…

عشان كده، لما جتني مكالمة من آسر بعد كام يوم حاولت إني مردش…

لكن رضوى لحت عليا إني أرد، وقالت: “أنا لو كان عندي أخ أو أخت كنت هعمل أي حاجة في الدنيا عشانهم مهما إتخانقنا، وكلنا بعض.. حتى لو قتلوني… دول إخواتك يا ليث”

خدت منها السماعة وأنا حاسس بالخجل من اللي أنا كنت بعمله…

قربت السماعة من ودني، وبقي، وقلت: “أيوة يا آسر؟؟”

“عامل إيه؟؟”

“بخير…”

في صمت حل على المكالمة، واستمر كام ثانية…

قلت: “هو في حاجة؟؟”

أنا مش متوقع يعني إنه متصل عشان يسأل عني بس.. خصوصا بعد خناقتنا الأخيرة…

آسر قال: “أنت لازم تيجي هنا يا ليث”

اتفاجأت من كلامه، قلت وأنا متوتر، وقلقان: “خير؟؟ في حاجة حصلت ولا إيه؟؟”

“آه، وأنت لازم تيجي هنا”

قلبي وقع في الأرض من القلق، قلت وأنا بحرك شفايفي بالعافية: “رهف كويسة؟؟ حصلها حاجة؟؟”

آسر سكت، وده اللي خلاني كنت خلاص هموت في الوقت ده…

قلت: “رهف فيها إيه؟ قلي؟”

قال: “رهف لسة على حالها زي ما هي، أنا عايزك تيجي فورا”

خدت نفسي اللي كان اتقطع من الخوف، وقلت: “ليه يآسر؟؟ إيه اللي حصل؟؟”

“مش هعرف أقلك على التليفون.. تعالى في أسرع وقت يا ليث.. الموضوع مهم جدا”

مقدرتش بعد المكالمة دي أستنى ثانية واحدة…

اتحركت بعصبية، وجنون، وروحت على طول عشان أدور على تاكسي…

أنا معنديش عربية زي ما إنتوا عارفين…

رضوى كانت عايزة تيجي معايا، لكن أنا رفضت، وفي خلال أقل من ساعة كنت على الطريق لشقة آسر…

قلبي كان مقبوض جدا.. أكيد في حاجة وحشة حصلت مع صغيرتي.. ولو كان ده حصل فعلا.. أنا عمري ما هسامح نفسي إني سيبتها، وبعدت عنها وهي تعبانة كده…

الطريق مخدش مني وقت طويل.. ولما وصلت أخيرا للشقة.. فضلت أخبط على الباب كتير لغاية ما أخويا جه، وفتح أخيرا…

من أول ما بصيت في وشه عرفت إن الموضوع أخطر من اللي أنا كنت متوقعه…

عينيه كانت حمرة، وجفونه وارمة، ووشه حزين جدا، ومسود…

قبل أي كلام بيني، وبينه.. قلت وأنا مفزوع: “رهف فين؟؟”

جريت جوا الشقة وأنا بنادي: “رهف… رهف”

لما وصلت لأوضتها خبطت على الباب جامد وأنا بنادي بفزع: “رهف… إنتي هنا؟؟”

الباب اتفتح، ورهف ظهرت، وأول ما عيني وقعت عليها كنت خلاص قربت أقع من طولي…

“رهف!”

“ليث…”

“إنتي كويسة يا صغيرتي؟؟ إنتي بخير؟؟”

رهف انفجرت في العياط جامد…

بصيت ورايا، ولقيت آسر واقف ورا ضهري، وبيعيط…

قلت: “إيه اللي حصل؟؟”

رهف زودت عياطها جامد…

قلت بانفعال: “قولولي إيه اللي حصل؟؟”

بصيت على آسر، وكنت مستنيه يتكلم أو يقول أي حاجة…

آسر حرك شفايفه، ونطق أخيرا: “بابا، وماما إتضرب عليهم نار على الحدود”

صعقت، وشهقت، وصرخت: “إيه؟؟”

آسر وطى راسه لتحت، وأنا قلت بسرعة: “آسر؟؟”

مرفعش عينه، ومرضيش يبصلي في الأول.. لكن لما رفعهم كانوا غرقانين في الدموع، وقال أخيرا: “قتلوهم!”

عدى شهر كامل وأنا قاعد مع أخويا، ورهف في الشقة دي.. بنعوم في بحر الدموع، والحزن…

محدش فينا قادر حتى إنه يقوم من على الكرسي اللي هو قاعد عليه…

أسوء لحظات، كانت اللحظات اللي بشوف فيها رهف وهي بتصوت، وتلطم، وتصرخ وهي بتقول: “أنا ليه اتكتب عليا إني أتيتم مرتين؟؟ مين اللي باقيلي بعدكوا؟؟ أنا عايزة أروحلهم…

ماما.. بابا.. أنا رهف.. دلوعتكم الصغيرة.. إزاي تعملوا فيا كده؟؟ إزاي تسيبوني يتيمة تاني؟؟ وأنا في أمس الحاجة ليكوا…

يا ريتني مت، وخلصت من حياتي من وأنا صغيرة.. يا ريتني إتحرقت مع البيت، ومعشتش عشان أشوف اليوم ده…

آه يا قلبي.. آه يا ماما.. آه يا بابا.. آه يا حبايبي.. هعيش إزاي من غيركوا؟؟”

كانت عمالة تدور في الشقة، وتنادي، وتصرخ زي المجنونة، وتدب راسها في أي حاجة بتشوفها قدامها…

أنا كنت ماشي وراها، وبحاول أواسيها، وأهديها.. وأنا كنت أكتر حد محتاج للمواساة…

أنا بعد ما اتحرمت منهم تمن سنين.. تمن سنسن كان ممكن أعيشهم معاهم، وتحت حبهم، ورعايتهم.. هم اللي مهما كبرت هفضل محتاج ليهم.. أتحرم منهم بالمنظر ده؟

لما بفتكر يوم وداعهم.. آه يا أمي.. آه يا أبي.. لو كنت عارف إنه ده آخر لقاء بيننا ما كنتش خليتكوا تخرجوا…

كنت قاعد بفتكر وصايا أمي ليا: (خد بالك من إخواتك لغاية ما نرجع)…

أمي.. أديني خدت بالي منهم، وراعيتهم، وحميت أرواحهم.. حتى لوقصرت شوية.. بس فين رجوعك؟؟

لو كنت عارف إن دي آخر مرة هشوفكوا فيها، مكنتش فارقتكوا لحظة واحدة، حتى لو هموت معاكوا.. لكن ما موتش من غيركوا…

لكن ده قضاء ربنا، وقدره.. الحمد لله…

عدى علينا شهر كامل، وحالتنا النفسية لسة متحسنتش بشكل ملموس…

هو الجرح ده عمره هيتداوى!!

كانوا قاعدين في باص مع مجموعة من الحجاج، وكانوا راجعين على البلد…

كل الناس اللي في الباص كانوا يإسوا، وصبرهم نفد، وكانوا عايزين يرجعوا لعائلاتهم، وياخدوهم، ويسافروا برا البلد…

لكن المجازفة دي نهت حياتهم كلهم…

إحنا اللى كنا غارقانين في بحر الحزن، والمآسي.. اللي اتشردنا، واتفرقنا، وحالنا اتدهور، وقلوبنا اتغيرت.. وكنا مستنيين رجوعهم لينا لعل ربنا يصلحلنا الحال…

يجيلنا خبر قتلهم المفزع بشكل مفاجئ، ويقتل آخر أمل كان جوانا، ويهد قوتنا بالمنظر ده!!

الحكومة اتصلت بآسر أخويا، وبلغته بالخبر المميت ده، عشان يروح يستلم أجسامهم من المستشفى اللي اتنقل ليها كل جثث الناس اللي كانوا راكبين جوا الباص.. اللي اتقتلوا كلهم من غير رحمة…

كنت عايز أروح.. عشان أبص بصة عليهم.. بصة وداع.. عشان أبوس أي حاجة فيهم.. أيديهم.. رجليهم..راسهم.. هدومهم أي حاجة منهم أو تخصهم…

لكن أنا مقدرتش أعمل كده عشان أنا فضلت غصب عني مع رهف في المستشفى.. وأنا متوقع إني ممكن أفقدها هي كمان في أي لحظة…

كانت أبشع أيام حياتي…

رهف كانت نايمة معظم الوقت، وكانت كل ما بتفوق بتسألني: “بابا فين؟؟ ماما فين؟؟ هو أنا لسة عايشة؟؟ أنا هموت إمتي؟؟”

مش لاقي حاجة أواسيها بيها غير شلالات الدموع اللي بتنزل من عيني، والآه اللي بتخرج من صدرى، والنار اللي بتحرق في جسمي، وبتخليني رماد من غير روح…

لما أخويا رجع كنت ببص لعيونه كويس.. ببحلق فيهم بجنان.. يمكن صورة أبويا، وأمي إتطبعت عليهم.. يمكن أشوف طيف اللي شافوه…

فضلت أحضنه، وأشمه، وأبوسه.. هو كان معاهم دلوقتي.. ممكن يكون في حاجة من ريحتهم اتعلقت فيه.. أي حاجة.. أي حاجة….

لما سألني على رهف جاوبته وأنا بعيط: “هتموت! أنا شايف رهف وهي بتموت بين إيدي، ومش عارف أعملها حاجة.. أعمل إيه؟؟ يا ريتني مت قبل ما أعيش اللي أنا عايشه ده”

لما آسر اتكلم معاها سألته بلهفة شديدة: “هما فين؟؟ جم معاك؟؟ هم راحوا البيت؟؟ وديني ليهم.. أنا عايزاهم يشوفوا فرحي.. أنا مش زى ليلى”

مين اللي جم يا رهف؟؟ فرح إيه اللي بتتكلمي فيه؟؟

كل حاجة خلصت؟؟

راحوا الحبايب اللي كانوا بيدلعوكي، وبيهتموا بكل واحد فينا، وراحوا في رعاية الذي لا يحمد على مكروه قضى به سواه…

اللهم لك الحمد على كل حال…

اللهم لا اعتراض على قضائك…

إنا لله وإنا إليه راجعون…

النهاردة قررت أخيرا إني لازم أرجع المزرعة.. أنا لازم أروح أباشر الشغل، والدراسة في المعهد اللي أنا دخلته، ولازم أرجع لأهلي بعد اللي حصل…

خلاص ده واجب عليا، وإلزام لازم أقوم بيه، وطريق لازم أمشيه من غير رجوع…

هو مين اللي عايز يفضل في جحيم الذكريات؟؟

آسر جابلي عربية هدية من كام يوم.. جت إنقاذ ليا في أكتر وقت أنا محتاجها فيه…

شكرته كتير أوي، وأفتكر إن هو ابتسم ابتسامة خفيفة، وقال: “ليه كل الشكر ده؟! هي مجرد عربية من غير رورح ولا مشاعر”

استغربت من رده عليا، لكن هو غير الكلام بسرعة…

زرت المزرعة مرتين بس من ساعة ما جيت هنا.. كان وجودي جنب رهف هو أول اهتماماتي، وأهمهم…

لكن أحوال العيلة هناك كانت مستقرة الحمد لله…

واقف بجمع حاجتي في شنطة حاطتها على السرير.. باب الأوضة مفتوح.. واقف عنده آسر أخويا، وبيبص عليا، وبيتكلم…

“أنت فعلا هتمشي يا ليث؟؟”

لفيتله، وقلت: “زي ما أنت شايف”

كنت بشاور على الشنطة، وكملت كلامي: “لازم أرجع لشغلي، ودراستي”

لسة واقف زي ما هو عند الباب، وبيبصلي…

وبعدين بيمشي خطوتين جوا الأوضة، وبيقول بصوت واطي: “أنا كمان هرجع شغلي.. أجازتي الممدودة خلصت”

بصيتله وأنا فاهم هو يقصد إيه؟

هو ده أصلا أكتر حاجة شاغلة بالي…

لكن أنا قلت: “آه، وبعدين؟؟”

قال: “رهف…”

أيوة.. إحنا بقالنا فترة كبيرة واقفين عند نفس النقطة.. رهف…

قال: “مينفعش نسيبها لوحدها.. خدها معاك”

اتفاجأت جدا بالطلب ده.. ده كان آخر حاجة أتوقع إن أخويا يطلبها مني!!

أنا اللي كنت هقول الفكرة دي أصلا.. بس مكنتش عارف أقولها إزاي؟

كنت خايف الأمور تتعقد أكتر، وتحصل مشاكل، وهمومنا تزيد أكتر، وأكتر…

قلت: “معايا أنا؟؟”

“أيوة يا ليث.. أنت مقيم هناك.. وفيه هناك عيلة ممكن رهف تفضل معاهم، وياخدوا بالهم منها وأنت مش موجود، لكن هنا في الشقة…”

مكملش كلامه…

كان الموضوع ده هو شغلي الشاغل من ساعة ما قررت إني أرجع المزرعة.. لكن أنا مكنتش لاقي الدخلة اللي أفتح بيها الموضوع لآسر.. خطيب رهف…

قلت: “طب أنت كنت هتعمل إيه لو كنتوا إتجوزتوا؟؟”

قال: “كان ممكن ساعتها أسيبها في بيت بابا، وماما.. مش هينفع تعيش معايا هنا لوحدها”

كلامه وجع قلوبنا، وعصر مشاعرنا…

كمل كلامه: “لكن الحقيقة.. إن مفيش لينا أب، وأم.. ولا بيت”

“كفاية عشان خاطري…”

قلت كده عشان أحاول أبعد غيمة الحزن عننا.. أنا اكتفيت خلاص من كل الهم اللي إحنا فيه.. واكتفيت من الهم اللي أنا شايله من ساعة ما ارتكبت جريمتي لغاية دلوقتي…

بعدت أشباح الذكريات المميتة دي من راسي…

قلت: “تفتكر إن هي هتحب تعمل كده؟؟”

ابتسم ابتسامة مايلة للسخرية، وقال: “جرب تسألها بنفسك”

بعد كده بصلي بنظرة حادة، وخرج من الأوضة…

بعد ما خلصت تجميع حاجاتي، روحت على أوضة رهف…

طول الأيام اللي فاتت رهف مكانتش بتخرج منها.. حتى كانت بتاكل على السرير شوية أكل بسيط جدا يخليها تفضل عايشة…

حالتها كانت متدهورة على الآخر، وفضلت في المستشفى وقت طويل.. كنت بتناوب أنا، وآسر على راعايتها…

لكن هي اتحسنت الحمد لله في الفترة الأخيرة، وجبناها على البيت…

لو جرالها حاجة هي كمان أنا هموت ساعتها أكيد.. مفيهاش كلام.. قلبي مش هيقدر يتحمل مصيبة تانية.. وخصوصا لحبيبتي رهف.. ربنا يحفظها، ويحميها…

خبطت على الباب، وعرفتها إن أنا اللي على الباب.. كام ثانية وسمحتلي أدخل…

دخلت، ولقيتها قاعدة على السرير كالعادة.. لكن هي كانت بترسم حاجة في كراستها المرة دي…

قربت عشان أبص على اللي بترسمه.. كانت عبارة عن صورتين لأمي، وأبويا الله يرحمهم.. كانوا مرسومين بالقلم الرصاص، وملامحهم مش واضحة أوي….

“عاملة إيه يا صغيرتي؟؟”

مرفعتش عنيها عن الرسمة، وقالت: “زي ما أنا”

لازم تعرفوا إن الإجابة دي أكيد بتقتلني.. لو كنتوا متعرفوش…

قلت: “إنتي كويسة.. الحمد لله…”

قالت: “أيوة.. كويسة.. يتيمة مرتين.. وحيدة، ومن غير أهل.. معنديش حد يرعاني، ولا ياخد باله مني.. قاعدة عالة على ابن عمي”

كلامها ده قطعني، وقلت: “عالة على خطيبك؟”

قالت عشان تصححلي الكلام: “ابن عمي.. أنا مش هتجوزه.. لغاية ما ييجوا بابا، وماما، ويباركولنا جوازنا”

الدموع كانت بتسيل من عيني…

قربت منها أكتر، وقلت وأنا بحاول أواسيها: “حتى لو متجوزتيهوش.. هيفضل هو ابن عمك، ومسؤول عنك، وواجب عليه رعايتك، وحمايتك.. متجيبيش سيرة إنك عالة دي مرة تانية”

دلوقتي.. شخبطت على الرسمتين بالقلم كتير، وبعدين شالت الورقة من الكراسة خالص، وقطعتها…

أخيرا بصت عليا: “ليه ما وديتونيش لدار أيتام من وأنا صغيرة؟؟ طب ليه متودونيش دلوقتي؟؟”

“رهف.. بالله عليكي.. ليه بتقولي كده؟؟”

“أيوة.. ده المكان المناسب ليا.. آسر عايز يرجع الشغل وأنا معطلاه”

قلت وأنا موجوع عليها: “طب وأنا؟؟”

بصتلي بصة غريبة، وقالت: “وأنت هترجع لشغلك، وللبنت بتاعتك.. حتى ليلى اتجوزت، وسافرت مع جوزها برا البلد.. أنا مليش بيت، ولا أهل.. يا إما تودوني لبيت خالتي، يا إما تحطوني في دار أيتام”

اتغظت، وقلت بعصبية: “كفاية الهبل اللي انتي بتقوليه ده يا رهف بالله عليكي.. إنتي فاكرة إن أنا ممكن أتخلى عنك بالسهولة دي؟”

رهف بحلقتلي،  وبصتلي بنظرات شك، وعدم تأكد…

قلت: “مستحيل يا رهف.. إوعي تفتكري إني ممكن أتخلى عنك.. متفتكريش إن بابا لما مات إنتي مبقاش فيه حد مسؤول عنك.. إنتي من هنا، ورايح.. لأ.. من يوم وفاة بابا.. لأ.. من يوم وفاة بباكي، ومامتك الحقيقيين.. تحت مسؤوليتي، ورعايتي أنا”

لسة رهف بتبحلقلى باستغراب…

قلت: “ومن اللحظة دي، إعتبريني أمك، وأبوكي، وأخوكي، وابن عمك، وكل حاجة”

بان على وشها إنها صدقتني شوية.. كانت عايزة تتكلم، وبعدين رجعت عن الكلام…

أنا قلت عشان أأكد على كلامي: “أيوة يا صغيرتي.. لازم تبقي متأكدة مية في المية إنك هتبقي ملازماني زي عينيا دول.. ولازم أفقعهم عشان أسمحلك إنك تبعدي عني متر واحد”

رهف دلوقتي بصت على المسافة اللي بيني، وبينها.. كانوا كام خطوة معديين المتر، ورجعت تبص عليا تاني…!

بصيت أنا للي هي كانت باصة عليه، وقدمت خطوتين ناحيتها، وقلت: “كده بقى متر.. صح؟؟”

دلوقتي طلعت ضحكة مش متوقعة من بق رهف.. ضحكة صغيرة زى حجمها، وحجم حنجرتها، وقصيرة زي قصر المسافة اللي بيننا دلوقتي.. ومبهجة زي بهجة العيد…

مقدرتش أمنع نفسي من إني أبتسم…

هو في أجمل من ابتسامة أو ضحكة عفوية بتطلع بين الدموع، والهموم، وبتروي القلوب؟؟

لما شوفت منها إنها متجاوبة معايا فرحت جدا…

ضحكة رهف مش حاجة سهلة، ولا قليلة…

دي حاجة عجيبة حصلت في زمن المرض، والحزن…

قلت: “بما إن آسر هيرجع الشغل، وهيفضل برا البيت تمن ساعات أو أكتر.. وأنا لازم أرجع شغلي.. فأنا هاخدك معايا.. إيه رأيك؟؟ موافقة؟؟”

قالت: “طب وآسر؟ هيفضل لوحده؟؟”

“هنيجي كل أسبوع عشان نزوره، أو هو اللي هيجيلنا.. ممكن الظروف تتغير بعد كده، ونستقر كلنا مع بعض في مكان واحد.. تمام؟؟”

بصت على الأرض، وبعدين قالت: “تمام”

ارتحت جدا، وعضلاتي ارتخت، وقلبي هدي من التوتر بتاعه، وقلت: “طيب يلا بقى جمعي حاجتك، وكل اللي إنتي عايزة تاخديه.. هنمشي على العصر”

رهف وقفت على طول، وبدأت تجمع قصاقيص الورق اللي قطعتهم من شوية…

فضلت تبص عليهم، وسرحت…

قلت عشان أهزر معاها، وأفصلها عن الحزن: “إتطمني يا رهف.. إنتي هتشوفي أنا هبقى أم، وأب إزاي مع بعض.. هوريكي”

رهف ابتسمت، ورمت قصاقيص الورق في باسكت الزبالة…

………………

مكانش عندي حاجات كتير عشان آخدها.. عشان كده جهزت شنطة صغيرة جمعت حاجتي فيها، وحطيتها قريب من الباب…

ليث راح عند الحلاق، وأول ما هيرجع هنمشي على طول…

أنا مش هتكلم عن مصيبة موت أبويا، وأمي لإني مش عايزة دموعي، ودموعكم تنزل.. أنا اكتفيت.. شبعت لدرجة إني لو عيطت تاني دموعي مش هيبقى ليها أي معنى…

أنا اللي أصريت عليهم إنهم ييجوا بأي طريقة.. أنا كنت في حالة وحشة زي ما إنتوا عارفين.. وتقريبا ده اللي خلاهم ياخدوا الطريق البري اللي مليان مخاطر…

أنا دلوقتي بقيت بنت يتيمة مرتين.. من غير ولي، ولا أهل…

لكن عندي خطيب مش هتجوزه.. وإبن عم مش هيتجوزني.. لكن برده مش هيتخلى عني أبدا…

مش عارفة حياتي اللي أنا هعيشها بعد كده هتكون عاملة إزاي؟؟

لكن أنا مفيش في إيدي أى حاجة عشان أعملها…

لو اتكتب ليا إني أرجع المدينة الصناعية تاني.. أكيد ساعتها هستقر في بيت خالتي…

لغاية يومنا ده.. المدينة الصناعية محطوط حواليها حظر هي، وكل المدن اللي اتعرضت للقصف، أو لسة بتتعرضله من العدو الجبان…

أما المدينة دي، وزيها برده المدينة الزراعية، فهما بعاد خالص عن أي نوع من أنواع الحرب…

لبست عبايتي عشان أمشي، ولمحت آسر جاي ناحيتي…

وقفت أبص عليه، وهو بيبص عليا.. وكانت نظراتنا أبلغ من الكلام…

قال: “هتوحشيني”

قلت: “وأنت كمان هتوحشني.. هتيجي تزورنا كل أسبوع؟؟”

ابتسم ابتسامة وجع، وبعدين قال: “إنتي هتكوني مبسوطة، وكويسة وإنتي هناك؟”

مردتش عليه.. أنا معرفش إيه اللي مستنيني هناك لسة…؟

“أنا بتمنالك السعادة، والراحة يا رهف في أي مكان هتكوني فيه”

بصيتله بصة شكر، وامتنان…

مسك إيدي بحنان، وقال: “أنا هكون هنا.. أي وقت تحتاجيني فيه هتلاقيني دايما مستنيكي، ورهن إشارتك”

مقدرتش أعمل غير إني مسكت إيده بإيدي التانية، وقلت: “يا حبيبي…”

بعد كده حضنا بعض حضن طويل، وصامت…

بعد شوية ليث رجع…

ودعنا آسر، وركبنا العربية.. ليث قعد قدام وأنا وراه…

عشان ليث يعدي الوقت، ويقطع الملل، شغل الراديو…

فضلت أسمع كل حاجة، وأي حاجة بتتقال وأنا بتفرج على الطريق…

برغم الصمت اللي كان مصاحبنا.. لكن أنا حسيت إن هو بيكلمني….

بدأت أسمع صوته، وأحس بنفسه.. وبالحرارة اللي خارجة من جسمه الضخم…

لكن تقريبا كان بيتهيألي لإني بصيت، ولقيته مركز على الطريق.. لكن أنا كنت مركزة عليه هو أغلب الوقت…

دلوقتي، وبعد كل اللي إحنا مرينا بيه.. أنا بعترف إني لسة بحبه…

وصلنا نقطة تفتيش.. أول ما وقفنا عندها حسيت بالرعب…

بعد اللي عيشناه الفترة اللي فاتت بقيت بموت من الخوف من الحاجات اللي زي دي…

الشرطي طلب من ليث البطاقة، ورخصة السواقة…

وبعد كده سأله عني…

“بنت عمي”

“بطاقتها فين؟؟”

“هي مش معاها بطاقة.. هي لسة صغيرة”

“طب فين بطاقة باباها؟”

“باباها متوفي، وأبويا كان متكفل بيها، واتوفى هو كمان.. لكن هي متضافة لبطاقة أخويا.. خطيبها حاليا”

الشرطي قال وهو شاكك في كلامه: “ده حقيقي الكلام ده؟؟”

ليث قال: “أيوة طبعا”

الشرطي بص عليا أنا، وقال: “هو ده ابن عمك؟”

قلت بخوف، وأنا متلقلقة: “آه”

“هو خطيبك؟؟”

“لأ.. أخو خطيبي”

“طب فين خطيبك أو ولي أمرك؟؟”

“مجاش معانا.. لكن هو عارف بسفرنا”

“ده صحيح؟؟”

ليث قال بعصبية، وخنقة: “أومال إنت فاكر إني خاطفها مثلا.. بالله عليك يعني.. دي زي بنتي”

الشرطي بعد عن العربية، وسابنا نمشي…

أنا كنت عمالة أبص على ليث في المراية وأنا مستغربة جملته الأخيرة!!

بنته؟؟

بنته إزاي يعني؟؟

لتكملة القصة اضغط الزر بالاسفل



هل كان المحتوى مفيداً؟

نعم
لا
شكرا لك

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى