أستاذ طب نفسى: المراهنات الإلكترونية إدمان يعادل الهيروين والكوكايين

كيف تحولت المراهنات الإلكترونية إلى كارثة نفسية صامتة؟
خلال السنوات الأخيرة، أصبحت المراهنات الإلكترونية واحدة من أخطر الظواهر السلوكية التى تغزو المجتمعات العربية والعالمية، ليس فقط بسبب انتشارها السريع عبر تطبيقات الهواتف الذكية ومنصات الألعاب ومواقع الإنترنت، بل لأنها أصبحت تعمل بمنطق “الإدمان الكيميائى” رغم أنها لا تعتمد على أى مادة مخدرة تُحقن أو تُستنشق.
هذا ما أكده عدد من أساتذة الطب النفسى، وعلى رأسهم الخبراء الذين شددوا على أن إدمان المراهنات الإلكترونية بات يعادل — فى خطورته وتأثيره — إدمان الهيروين والكوكايين، من حيث التأثير على مراكز المتعة فى المخ، وعلى السلوك، وعلى القدرة على التحكم والاندفاع.
كيف تبدأ الرحلة؟.. خطوات صغيرة تتحول إلى إدمان حقيقي
فى الغالب، لا يدخل الشخص عالم المراهنات الإلكترونية بهدف الإدمان، بل يبدأ الأمر كتجربة بسيطة: “رهان صغير”، “لعبة مجانية”، “مكافأة ترحيبية”، أو “تحدٍ مع الأصدقاء”.
لكن هنا تكمن المشكلة. يقوم العقل البشرى بتسجيل الشعور بالمتعة السريعة الناتجة عن الربح أو احتمالية الربح، فيبدأ المخ بإفراز كميات هائلة من مادة الدوبامين، وهو نفس الهرمون الذى يفرزه المخ عند تعاطي المخدرات القوية.
ومع تكرار التجربة، يطلب المخ “جرعة أعلى” من الإثارة، فيزداد الرهان، وتصبح الحاجة للمراهنة شبه قهرية، وتتبدل الأولويات، ويتحوّل الأمر إلى سلوك قهري لا يمكن السيطرة عليه دون تدخل نفسي متخصص.
آراء أستاذ الطب النفسي: المراهنات الإلكترونية = الهيروين والكوكايين
أوضح أحد أبرز أساتذة الطب النفسى أن الدراسات الحديثة تؤكد أن مراكز المتعة فى المخ تستقبل المراهنة الإلكترونية كأنها “نشاط كيميائي مخدر”.
فعلى الرغم من أن المراهن لا يدخل مادة إلى جسده، إلا أن الجهاز العصبى يتفاعل معها بطريقة مشابهة تمامًا لمدمنى الهيروين والكوكايين.
لماذا هذا التشابه المرعب؟
- لأن المراهنات تخلق اندفاعًا شديدًا فى إفراز الدوبامين.
- لأن العقل يبدأ فى ربط “النقر على زر” بمتعة هائلة غير طبيعية.
- لأن الخسارة تدفع المراهن للرغبة فى “التعويض”، وهو ما يشبه أعراض انسحاب المخدر.
- لأن المنصات مصممة علميًا لإبقاء اللاعب “مدمنًا” لأطول فترة ممكنة.
- لأن الإدمان السلوكى فى هذه الحالة يفقد الشخص السيطرة على وقته وماله وسلوكه.
وأشار الأستاذ إلى أن المراهنات الإلكترونية تعتبر أخطر من المخدرات الشائعة لأنها تسهل الوصول إليها دون قيود، ولا تحتاج لأموال كبيرة فى البداية، وتُمارس فى الخفاء داخل المنزل بعيدًا عن أعين الأسرة والمجتمع.
كيف تتلاعب منصات المراهنات بعقل المستخدم؟
من أخطر ما يقال عن عالم المراهنات الإلكترونية أنه مبنى بالكامل على دراسة علم الأعصاب النفسى — أى فهم كيف يعمل المخ البشرى — ثم استخدام هذه المعرفة لصناعة بيئة “إدمانية” مغلقة لا يستطيع اللاعب الخروج منها بسهولة.
1- المكافآت الوهمية
تظهر المنصة أول مرة بمكافأة: رصيد مجانى، عروض ترحيبية، أو هدايا افتراضية. هذا يحفّز المخ ويخلق شعورًا بالانتصار حتى قبل الخسارة الحقيقية.
2- الانتصارات الصغيرة المتكررة
حتى عندما تخسر، تمنحك المنصة “انتصارات صغيرة” — مثل الفوز فى جولة قليلة — لإقناعك بأنك “على وشك الفوز الكبير”.
وهذه استراتيجية علمية تشبه ما يحدث فى ألعاب القمار التقليدية.
3- الإيحاء بأن الخسارة قابلة للتعويض
تُظهر رسائل مستمرة مثل:
“جرب مرة أخرى”،
“أنت قريب من الفوز”،
“ضاعف رهانك وستعوض خسارتك”.
وهذه الرسائل ترفع مستوى الدوبامين وتجبر المدمن على الاستمرار.
4- التصميم البصرى والصوتى المبرمج للإدمان
الألوان — الأصوات — الشخصيات الكرتونية — المؤثرات البصرية…
كلها ليست عشوائية، بل صُممت لتحفّز النشاط العصبى بنفس الطريقة التى تعمل بها المخدرات الإلكترونية.
الأعراض التى تؤكد أنك أو أحد أفراد أسرتك وقع فى الإدمان
كشف أستاذ الطب النفسى عن مجموعة من العلامات السلوكية والنفسية التى يجب الانتباه لها بشدة لأنها مؤشر قوى على الدخول فى منطقة الخطر:
- الانشغال المستمر بالمراهنة والتفكير فيها طوال الوقت.
- الرغبة فى زيادة المبالغ دون قدرة على التوقف.
- إخفاء الأمر عن الأسرة أو الشريك.
- وجود ديون مفاجئة أو اختفاء أموال من المنزل.
- اضطراب النوم والأرق بسبب التفكير المستمر.
- التوتر والانفعال العصبى عند التوقف عن اللعب.
- الشعور الدائم بإمكانية “تعويض الخسارة”.
- تدهور العلاقات الاجتماعية والمهنية.
تأثيرات إدمان المراهنات النفسية والجسدية
قد يظن البعض أن الإدمان السلوكى أقل خطورة من الإدمان الكيميائى، لكن الحقيقة التى أكدها الخبراء هى عكس ذلك تمامًا.
فالمراهنات الإلكترونية لا تدمر الجيب فقط، بل تدمر المخ، والنشاط اليومى، والصحة النفسية.
1- الاكتئاب الحاد
عندما يخسر اللاعب أموالًا حقيقية، ويبدأ الشعور بالذنب، يدخل فى دوامة من الاكتئاب قد تصل إلى التفكير فى الانتحار.
2- القلق واضطرابات النوم
الإفراط فى الدوبامين يعطل مراكز الاستقرار النفسى ويجعل الشخص فى حالة قلق دائم، خوف من الخسارة، ورغبة فى “الجولة القادمة”.
3- الاضطرابات الجسدية
يشكو المدمنون من صداع مستمر، آلام عضلية، اضطرابات هضمية، تسارع فى ضربات القلب، وهى أعراض مشابهة لأعراض الانسحاب من المواد المخدرة.
4- فقدان القدرة على اتخاذ القرار
يصاب اللاعب بما يعرف علميًا بـ *الشلل التنفيذى* حيث يفقد القدرة على التحكم فى قراراته المالية وحتى الشخصية.
كيف يعالج الأطباء هذا النوع من الإدمان؟
يؤكد أساتذة الطب النفسى أن العلاج يبدأ بالاعتراف بالمشكلة، ثم التوجه لطبيب متخصص لأن هذا النوع من الإدمان يتطلب برامج علاج شبيهة بعلاج إدمان المخدرات.
أهم طرق العلاج:
- العلاج المعرفى السلوكى لإعادة بناء أفكار الشخص عن الفوز والخسارة.
- جلسات تنظيم الدوبامين وتعليم المخ التوقف عن طلب التحفيز المستمر.
- العلاج الدوائى لتثبيت هرمونات القلق والاندفاع.
- برامج الدعم الجماعى لمشاركة التجربة مع الآخرين.
- توعية الأسرة لأن المدمن لا يستطيع التعافى دون دعم حقيقى.
كيف تحمى نفسك وأسرتك من هذا الخطر الخفى؟
لن يكون المنع الكامل هو الحل دائمًا، خاصة فى عصر التكنولوجيا. لكن الوقاية تبدأ بـ:
- تثقيف الأبناء عن خطورة الإدمان السلوكى.
- مراقبة تطبيقات الهواتف بشكل غير مباشـــر.
- وضع حدود مالية واضحة للإنفاق عبر الإنترنت.
- التحدث مع المراهقين حول الخسائر الحقيقية وراء “اللعبة”.
- تقليل وقت التعرض للمحتوى المحفز على القمار.
الخلاصة: الخطر لا يأتى من المخدر فقط.. بل من الشاشة أيضًا
مشكلة المراهنات الإلكترونية أنها تُمارس فى الخفاء، وأنها تنمو بسرعة، وأنها تستغل ذكاء المستخدم وليس ضعفه فقط. لذلك يؤكد أستاذ الطب النفسى أن التعامل معها يجب أن يكون بنفس جدية التعامل مع الهيروين والكوكايين، لأنها فى النهاية إدمان — بكل ما تحمله الكلمة من معنى.
والرسالة الأهم:
إذا لاحظت على نفسك أو على أحد أحبائك أى علامة من علامات الإدمان، لا تتردد فى طلب المساعدة، فالتعافى ممكن، والوقاية أسهل بكثير من العلاج.






