مؤتمر شرم الشيخ.. منصة السلام التي تعيد للعرب صوتهم الموحد
مدينة السلام تحتضن الحوار من جديد
في أجواء سياسية مشحونة بالأحداث والتحديات الإقليمية، عادت مدينة شرم الشيخ لتتصدر المشهد العربي والعالمي من جديد، بعدما احتضنت مؤتمرًا دوليًا حمل رسائل سلام وتعاون بين الشعوب. لم يكن المؤتمر مجرد لقاء دبلوماسي عابر، بل حدثًا سياسيًا بارزًا جمع قادة الدول وممثلي المنظمات الإقليمية والدولية، بهدف وضع خريطة طريق جديدة نحو الاستقرار والتنمية في الشرق الأوسط.
رسالة مصر إلى العالم
ألقى الرئيس عبد الفتاح السيسي كلمة شاملة أكّد فيها أن مصر كانت وستظل بيت العرب الكبير، وأن دورها هو الحفاظ على السلام لا فرضه بالقوة. دعا الرئيس المجتمع الدولي إلى توحيد الجهود من أجل إنهاء النزاعات بالحوار، مؤكدًا أن الأمن لا يتحقق إلا بالعدالة، وأن التنمية هي الطريق الحقيقي لضمان استقرار الشعوب.
كما شدّد على أن مصر ترفض كل أشكال التمييز والعنف، وتدعم كل مبادرة هدفها حماية المدنيين وحق الإنسان في الحياة الكريمة. وجاءت كلمته متوازنة، عكست الموقف المصري التاريخي القائم على الوسطية والواقعية، بعيدًا عن المزايدات أو الانحيازات السياسية.
المشاركون في المؤتمر
شارك في المؤتمر عدد كبير من القادة العرب، إلى جانب ممثلين عن الاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة والاتحاد الإفريقي. كما حضرت وفود من الولايات المتحدة، الصين، وروسيا، ما جعل القمة واحدة من أكثر اللقاءات تمثيلًا على الساحة الدولية هذا العام.
وشهدت الجلسات كلمات متتابعة من قادة الدول المشاركة، أكّدوا خلالها دعمهم للموقف المصري، وحرصهم على إيجاد حل سياسي شامل للأزمات العربية، وعلى رأسها القضية الفلسطينية والأوضاع في السودان واليمن وسوريا.
محاور النقاش في مؤتمر شرم الشيخ
جاءت جلسات المؤتمر متنوّعة ومركّزة، حيث تناولت قضايا الأمن الإقليمي، المساعدات الإنسانية، والتعاون الاقتصادي بين الدول العربية. وشملت أبرز المحاور:
- المحور السياسي: مناقشة الحلول السلمية للنزاعات الداخلية في المنطقة، وتفعيل العمل العربي المشترك.
- المحور الإنساني: التركيز على حماية المدنيين وإيصال المساعدات العاجلة إلى المناطق المنكوبة.
- المحور الاقتصادي: بحث فرص الاستثمار والتكامل الإقليمي في مجالات الطاقة والبنية التحتية والتكنولوجيا.
- المحور البيئي: تعزيز التعاون في مجالات المناخ، والمياه، والتنمية المستدامة، خصوصًا في ظل التغيرات المناخية الحادة التي تشهدها المنطقة.
إشادة عربية ودولية بالدور المصري
توالت الإشادات العربية والدولية بالدور الذي لعبته مصر في تنظيم المؤتمر وفي قدرتها على جمع الأطراف المتنازعة إلى طاولة واحدة. فقد أكدت الوفود أن القاهرة ما زالت تمثل نقطة التوازن في العالم العربي، وصوت العقل الذي يسعى إلى بناء الجسور لا الجدران.
وقد وصف الأمين العام للجامعة العربية مصر بأنها “الشقيقة الكبرى التي تحمل هموم الأمة العربية وتترجمها إلى مبادرات واقعية”، بينما قال مسؤول أوروبي إن شرم الشيخ أصبحت مرادفًا للدبلوماسية الهادئة والفاعلة في الشرق الأوسط.
بيان ختامي يعيد الأمل
اختُتم المؤتمر بإصدار بيان ختامي جاء بلغة توافقية أكّدت على عدة مبادئ أساسية، منها:
- الالتزام بوقف إطلاق النار في مناطق النزاع العربي.
- تسهيل مرور المساعدات الإنسانية دون قيود.
- إطلاق حوار عربي – عربي دائم لتسوية الخلافات السياسية.
- تعزيز دور المرأة والشباب في عمليات السلام والتنمية.
- إنشاء صندوق عربي لإعادة الإعمار بتمويل مشترك من الدول المشاركة.
ردود الفعل في الشارع العربي
لاقى المؤتمر صدى واسعًا في الشارع العربي، حيث اعتبره كثيرون خطوة جديدة نحو استعادة الثقة في العمل العربي المشترك. وعلى مواقع التواصل الاجتماعي، عبّر الآلاف من المستخدمين عن فخرهم بدور مصر في لمّ الشمل العربي من جديد، مؤكدين أن المؤتمر أعاد للأمة العربية صوتها الموحد في مواجهة التحديات.
وفي الوقت ذاته، دعا البعض إلى متابعة تنفيذ التوصيات بجدية، حتى لا تتحول القمم إلى بيانات فقط. وقد اتفقت أغلب التحليلات الصحفية على أن النجاح الحقيقي لمؤتمر شرم الشيخ لن يُقاس بعدد الكلمات، بل بمدى تطبيق ما جاء فيه على أرض الواقع.
التحديات التي تواجه تنفيذ مخرجات المؤتمر
رغم الزخم الإيجابي الذي شهده المؤتمر، إلا أن الطريق أمام تنفيذ التوصيات لا يخلو من الصعوبات. فهناك قضايا خلافية بين بعض الدول، وضغوط خارجية قد تعيق الخطوات العملية.
كما أن الأوضاع الأمنية في بعض المناطق العربية تتطلب تنسيقًا مستمرًا لضمان الالتزام بالاتفاقات، مع ضرورة إشراك الأمم المتحدة والمنظمات الإقليمية في آليات المراقبة والدعم الفني.
شرم الشيخ.. مدينة السلام والرمز المستمر
لطالما كانت شرم الشيخ عنوانًا للسلام منذ استضافتها أولى القمم العربية بعد حرب أكتوبر المجيدة، وها هي اليوم تعود لتؤكد مكانتها كمقر للقرارات الكبرى. المدينة التي احتضنت قمم المناخ والقمم الاقتصادية والأمنية، تُثبت من جديد أن مصر ليست فقط بلد التاريخ، بل أيضًا بلد المستقبل.
التحليل السياسي: دلالات المؤتمر وأبعاده الإقليمية
يؤكد الخبراء السياسيون أن مؤتمر شرم الشيخ لم يكن حدثًا دبلوماسيًا اعتياديًا، بل خطوة استراتيجية مدروسة من الدولة المصرية لإعادة ترتيب المشهد العربي من منظور شامل. فقد جاءت القمة في وقت تمر فيه المنطقة بتقاطعات حادة بين القوى الإقليمية والدولية، وهو ما جعل من القاهرة مركزًا لإعادة التوازن، ومحورًا يربط الشرق بالغرب.
ويشير المحللون إلى أن الرسالة الأهم للمؤتمر هي أن مصر استعادت زمام المبادرة في القضايا العربية، بعدما ظلت لسنوات تلعب دور الوسيط بين الأطراف المتنازعة. غير أن ما يميّز هذه النسخة من مؤتمر شرم الشيخ هو أنها لم تكتفِ بالوساطة، بل قدّمت رؤية متكاملة لإدارة الأزمات من جذورها عبر التنمية والتكامل الاقتصادي، وليس الحلول المؤقتة.
الدور المصري في تثبيت الاستقرار الإقليمي
من خلال استضافتها المتكررة للمؤتمرات الدولية، تؤكد مصر أنها لا تسعى فقط إلى استعراض دبلوماسي، بل إلى ممارسة فعلية لمفهوم “السلام الإيجابي”، أي السلام القائم على التنمية والشراكة وليس على غياب الحرب فقط.
وفي هذا السياق، شددت القيادة المصرية خلال المؤتمر على أهمية دعم الدول العربية التي تمر بأزمات اقتصادية أو نزاعات داخلية، من خلال برامج تنموية تعيد بناء البنية التحتية وتخلق فرص عمل، وتمنع الانزلاق نحو التطرف أو الفوضى.
كما ناقشت الجلسات الجانبية للمؤتمر فكرة إنشاء “منصة تمويل عربي مشترك” لتمويل المشروعات التنموية الصغيرة والمتوسطة في الدول المتضررة من الصراعات، وهو اقتراح لاقى ترحيبًا واسعًا من المشاركين.
مصر والدبلوماسية متعددة المسارات
اعتمدت القاهرة خلال المؤتمر نهجًا جديدًا يُعرف بـ “الدبلوماسية متعددة المسارات”، حيث جمعت بين المسار السياسي الرسمي ومسار الحوار الشعبي والثقافي والإعلامي.
فقد أُقيمت على هامش المؤتمر ندوات ثقافية ولقاءات شبابية بمشاركة طلاب جامعات مصرية وأجنبية، جرى خلالها الحديث عن دور الأجيال الجديدة في نشر ثقافة السلام.
هذا المزج بين السياسي والمجتمعي منح القمة بعدًا إنسانيًا غير مسبوق، وأعاد تعريف مفهوم الدبلوماسية الجماهيرية، التي تضع المواطن في قلب الحدث لا على الهامش.
الاقتصاد والسلام: وجهان لعملة واحدة
من بين الرسائل البارزة في مؤتمر شرم الشيخ كانت الدعوة إلى ربط السلام بالتنمية. فقد شدّد الخبراء الاقتصاديون المشاركون على أن إنهاء الحروب لا يكفي لتحقيق الاستقرار، ما لم يتبعه بناء اقتصادي قوي يضمن للمواطن حياة كريمة.
وفي هذا الإطار، طرحت مصر مبادرة “السلام من أجل التنمية”، التي تهدف إلى تشجيع الاستثمار في المناطق الحدودية والمناطق التي شهدت نزاعات، بما يسهم في خلق فرص عمل ويعزز الانتماء الوطني.
وقد ناقشت الجلسات الاقتصادية سبل تشجيع الاستثمارات العربية المشتركة، وإقامة مناطق تجارة حرة بين الدول المشاركة، مع تقديم تسهيلات جمركية وتشريعية تعزز التكامل بين الأسواق.
وأكدت مصر استعدادها لتقديم خبراتها في مجالات البنية التحتية والطاقة النظيفة والنقل الذكي، وهي مجالات أصبحت ركيزة أساسية في الاقتصاد الحديث.
مشاركة المرأة والشباب في صياغة المستقبل
من النقاط اللافتة في المؤتمر، تخصيص جلسات خاصة بمشاركة المرأة والشباب في عملية صنع القرار، حيث أكدت مصر أن السلام الحقيقي لا يمكن أن يتحقق دون تمكين هذه الفئات التي تمثل غالبية المجتمعات العربية.
وقد تحدثت ممثلات عن منظمات نسائية عربية ودولية حول أهمية إشراك المرأة في عمليات التفاوض وإعادة الإعمار، فيما عرض شباب من دول مختلفة تجارب ناجحة في العمل التطوعي والسلام المجتمعي.
هذا التوجه يعكس رؤية مصر المستقبلية التي ترى أن التنمية والعدالة الاجتماعية لا تنفصلان عن مفهوم الأمن القومي.
الإعلام ودوره في نشر ثقافة السلام
واكب المؤتمر حضور إعلامي ضخم، حيث نقلت شبكات عربية ودولية فعاليات القمة لحظة بلحظة. وقد أُقيمت جلسة خاصة عن دور الإعلام في مكافحة خطاب الكراهية والتضليل، شارك فيها إعلاميون بارزون من مصر والعالم العربي.
وأكد المتحدثون أن الإعلام لا يجب أن يكون وسيلة تأجيج أو استقطاب، بل أداة لبناء الوعي وتبسيط الحقائق للجمهور، مشيرين إلى ضرورة تطوير منصات رقمية مخصصة لنشر ثقافة السلام بلغات متعددة.
الأثر الدولي لمؤتمر شرم الشيخ
لم يقتصر تأثير القمة على العالم العربي فحسب، بل امتد إلى الساحة الدولية، حيث أشادت الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي بدور مصر في “تهدئة العواصف السياسية” بالمنطقة.
كما عبّرت الصين عن استعدادها لتعزيز الشراكة مع الدول العربية عبر “مبادرة الحزام والطريق” بما ينسجم مع مخرجات مؤتمر شرم الشيخ، في حين أشارت روسيا إلى أن المؤتمر يعكس عودة الدبلوماسية العربية بقوة إلى الواجهة.
وقد علّقت بعض الصحف الأجنبية بأن مصر تمارس “دبلوماسية ذكية”، تجمع بين الواقعية والتوازن، وتعرف كيف توظف موقعها الجغرافي وتاريخها السياسي لتكون منصة للحوار لا ساحة للصراع.
شرم الشيخ بين الماضي والحاضر
تاريخيًا، اكتسبت مدينة شرم الشيخ رمزية خاصة بوصفها مدينة السلام. فقد استضافت منذ تسعينيات القرن الماضي عشرات المؤتمرات الدولية التي أرست مفاهيم الحوار والتعاون، منها قمم المناخ، والاجتماعات العربية المصيرية، والقمم الإفريقية الأوروبية.
واليوم، يتواصل هذا الإرث عبر مؤتمر 2025 الذي جاء ليؤكد أن مصر لا تزال مركز الثقل السياسي في الشرق الأوسط، وقادرة على الجمع بين الخصوم حول مائدة واحدة.
ويشير المؤرخون إلى أن شرم الشيخ أصبحت نموذجًا للدبلوماسية الحضارية التي تجمع بين الطبيعة والإنسان والسياسة في لوحة واحدة تعكس صورة مصر الحديثة.
التوصيات النهائية للمؤتمر
في ختام المؤتمر، خرجت التوصيات النهائية بعد ثلاثة أيام من النقاشات المكثفة، وجاء أبرزها:
- تأسيس مركز إقليمي في القاهرة لمتابعة مبادرات السلام والتنمية المستدامة.
- إطلاق منصة رقمية عربية لتبادل المعلومات والخبرات حول الوساطة وحل النزاعات.
- تنظيم مؤتمر سنوي دائم في شرم الشيخ لمراجعة التقدم المحرز في تنفيذ الاتفاقات.
- إنشاء آلية دائمة للتنسيق بين وزارات الخارجية العربية لضمان التواصل المستمر.
- دعوة المجتمع الدولي إلى زيادة دعم اللاجئين والنازحين في الدول العربية.
أهمية المؤتمر لمستقبل العلاقات العربية – العربية
من أبرز ما أسفر عنه مؤتمر شرم الشيخ هو تعزيز الثقة بين الدول العربية، وإعادة الروح إلى الجامعة العربية كمؤسسة مركزية. فقد تم الاتفاق على عقد لقاءات دورية على مستوى القادة والوزراء لتفعيل المتابعة.
كما أبدت بعض الدول استعدادها لفتح قنوات اتصال جديدة بعد سنوات من الانقطاع، في إشارة إلى أن المناخ السياسي بدأ يتجه نحو الانفراج.
خاتمة: مصر تجمع ولا تفرّق
مؤتمر شرم الشيخ لم يكن مجرد حدث سياسي، بل مناسبة لتجديد الثقة في قدرة العالم العربي على تجاوز الأزمات بالوحدة لا بالانقسام.
وقد أكد البيان الختامي أن مصر ستواصل العمل بصبر وثبات للحفاظ على السلام الإقليمي، وستبقى منصة الحوار التي يثق بها الجميع.
من هنا، يمكن القول إن القمة لم تنتهِ فعليًا بانتهاء جلساتها، بل بدأت مسيرة جديدة نحو تحقيق السلام العربي والدولي، على أرض مدينة السلام.






