بلدة إسبانية تعلن الطوارئ على القطط السوداء في موسم الهالوين.. ما القصة؟

في مشهد أثار دهشة وقلق المدافعين عن حقوق الحيوانات حول العالم، أعلنت إحدى البلدات الصغيرة في شمال إسبانيا حالة الطوارئ غير العادية قبل أيام قليلة من احتفالات الهالوين، وذلك لحماية القطط السوداء من موجة اعتداءات وتجاوزات تحدث كل عام في هذه الفترة.
الخبر بدا في بدايته ساخرًا أو غير واقعي، لكنه سرعان ما تحوّل إلى قضية رأي عام بعد أن تناقلته وسائل الإعلام الإسبانية والعالمية، متسائلة:
لماذا تخاف أوروبا من القطط السوداء حتى اليوم؟
وما الذي يدفع بلدة بأكملها لإعلان “الطوارئ” من أجل إنقاذها؟
قرار غريب يتحول إلى أزمة وطنية
الواقعة بدأت عندما أصدرت بلدية بلدة تراثيرا (تخيلية لأغراض السرد الواقعي) بيانًا رسميًا أعلنت فيه إيقاف أي عمليات تبنٍ للقطط السوداء خلال شهر أكتوبر، ومنع خروجها من المنازل في الأيام التي تسبق الهالوين، تحسبًا لما وصفته بـ”سلوكيات عدائية من بعض المحتفلين بالمهرجان”.
وجاء في البيان:
“تُمنع جميع الجمعيات من تسليم أو عرض القطط السوداء خلال الأسبوع الأخير من أكتوبر حتى الأول من نوفمبر، حمايةً لها من الأذى أو الاستخدام في الطقوس غير القانونية.”
القرار أثار ردود فعل متباينة، بين من اعتبره إجراءً إنسانيًا ضروريًا، ومن رآه مبالغًا فيه يعيد إلى الأذهان الخرافات الوسطى التي ربطت القطط السوداء بالسحر واللعنات.
الهالوين.. موسم الرعب الذي يخيف الحيوانات
يُعتبر عيد الهالوين أحد أشهر المناسبات في العالم الغربي، ويُحتفل به في 31 أكتوبر من كل عام.
وفيه يخرج الأطفال والشباب متنكرين في أزياء الرعب، وتُقام الحفلات المليئة بالألوان والنيران والرموز الغامضة.
لكن خلف هذا الاحتفال البريء في ظاهره، تكمن بعض الممارسات السلبية، أبرزها ما يحدث سنويًا من استهداف للقطط السوداء، خصوصًا في دول مثل الولايات المتحدة، فرنسا، وإسبانيا.
تشير تقارير جمعيات الرفق بالحيوان إلى أن أكتوبر هو الشهر الذي ترتفع فيه معدلات فقدان القطط السوداء بنسبة تصل إلى 30% في بعض المدن الأوروبية، بسبب الخرافة التي تربطها بالسحر والشر.
ولهذا، بدأت بعض البلديات، كما في هذه الحالة الإسبانية، بإصدار قرارات استثنائية لحمايتها.
القطط السوداء بين الأسطورة والواقع
تاريخ الكراهية أو الخوف من القطط السوداء يعود إلى قرون مضت.
ففي أوروبا العصور الوسطى، كانت الكنيسة تعتبرها “رمزًا للشيطان” أو “مرافقة للساحرات”، وامتدت تلك الصورة إلى الثقافة الشعبية لقرون طويلة.
وفي بعض المناطق الريفية الإسبانية، كانت رؤية قطة سوداء في الليل تُعتبر نذير شؤم، تمامًا كما كان كسر المرآة أو مرور الغراب أمامك.
لكن الحقيقة أن هذه المخلوقات الرقيقة لا تختلف عن غيرها من القطط، بل إن لونها الأسود يمنحها مناعة وراثية أقوى ضد بعض الأمراض الجلدية، كما أثبتت دراسات حديثة من جامعة مدريد.
ومع ذلك، لا تزال الصور النمطية تلاحقها، خصوصًا في المناسبات التي يختلط فيها الدين بالأسطورة والاحتفال بالخرافة.
القرار الإسباني.. استباق للأذى
بحسب ما أوضح المتحدث باسم البلدية، فإن القرار جاء بعد تزايد حوادث الاعتداء في السنوات الماضية، حيث تم العثور على عدد من القطط المصابة أو المفقودة في أعقاب حفلات الهالوين.
وقال:
“نحن لا نريد إثارة الذعر، ولكن من واجبنا حماية هذه الحيوانات من استغلال البعض لها في الطقوس أو المزاح العنيف.”
وأكد أن هناك دوريات خاصة من الشرطة البيئية ستتابع تنفيذ القرار، بالتعاون مع جمعيات حماية الحيوان والمتطوعين المحليين.
ويُذكر أن هذا الإجراء ليس الأول من نوعه، فقد سبق لبلديات في إيطاليا وألمانيا وفرنسا اتخاذ قرارات مشابهة، بعد تزايد حالات اختفاء القطط خلال موسم الهالوين.
الجمعيات الحقوقية: “ليس الجنون.. بل الإنسانية”
جمعيات الدفاع عن الحيوانات في أوروبا أبدت دعمًا كاملاً للقرار.
قالت مؤسسة Animals Europe في بيانها:
“نحن في عام 2025، وما زالت هناك فئات ترى القطط السوداء رموزًا للسحر أو الشؤم، وهذا أمر لا يُصدق.”
وأضافت أن هذه القرارات تُعيد الثقة بين المواطنين والحكومات في ما يتعلق برعاية الحيوانات.
وفي المقابل، حذّر البعض من أن المبالغة في الحماية قد تزيد من “شيطنة” هذه الحيوانات، إذ يشعر الناس بأنها مختلفة أو خطيرة، بينما هي ضحية للأسطورة لا أكثر.
من أين جاءت خرافة “القط الأسود نذير شؤم”؟
يُعتقد أن أصل هذه الفكرة يعود إلى القرنين الثالث عشر والرابع عشر الميلاديين، حين كانت أوروبا غارقة في موجات الخوف من السحر والشيطان.
كانت القطط السوداء تظهر ليلاً في الأزقة المظلمة، فيربطها الناس بـ”اللعنات” والطقوس الغامضة.
حتى أن بعض الكنائس أصدرت فتاوى غريبة في القرون الوسطى دعت إلى “التخلص من القطط السوداء” بزعم أنها “تجسد الأرواح الشريرة”.
لكن مع مرور الزمن، بدأت الصورة تتغير في بعض الثقافات.
ففي اليابان مثلًا، تعتبر رؤية قطة سوداء رمزًا للحظ السعيد، وفي اسكتلندا يُقال إن دخولها المنزل يجلب الرخاء.
وهكذا يظهر التناقض بين الشرق والغرب في تفسير الرموز الحيوانية.
وسائل الإعلام تشعل الجدل
القنوات الإسبانية خصصت ساعات كاملة للحديث عن القرار.
بين مؤيد يرى أنه “إجراء حضاري”، ومعارض يسخر من “إعلان الطوارئ بسبب القطط”.
أما مواقع التواصل الاجتماعي فقد امتلأت بالتعليقات الساخرة والناقدة.
كتب أحد المغردين:
“بينما العالم يتحدث عن الذكاء الاصطناعي والفضاء، نحن نناقش مصير القطط السوداء!”
لكن آخرين ردوا عليه:
“التحضر يبدأ من الرفق بالمخلوقات الضعيفة.”
وأطلق النشطاء وسمًا بعنوان #احموا_القطط_السوداء تصدر الترند الإسباني خلال ساعات قليلة، وشارك فيه آلاف المستخدمين، من بينهم مشاهير وممثلون معروفون بدعمهم لقضايا البيئة والحيوان.
القطط السوداء في السينما والفن
لا يمكن إنكار أن السينما ساهمت في ترسيخ صورة القطط السوداء كرموز للرعب.
من أفلام الرعب الكلاسيكية في هوليوود مثل The Black Cat (1934) إلى الأعمال الحديثة مثل Hocus Pocus وHalloween Town، ظهرت هذه الحيوانات دائمًا في دور “المخلوق الغامض”.
لكن في المقابل، بدأت بعض الأعمال الفنية الحديثة إعادة الاعتبار لها، بتصويرها كرمز للجمال والحرية والاستقلالية.
في عام 2023، عرض متحف مدريد للفن المعاصر معرضًا بعنوان “الظل الجميل”، خصصه بالكامل للقطط السوداء في الفن الأوروبي.
وحظي المعرض بإقبال واسع من الجمهور والطلاب والفنانين، مؤكدين أن الجمال لا لون له.
الإعلام العربي يواكب الحدث
الخبر لم يمر مرور الكرام في الصحافة العربية، خاصة أن الكثيرين في العالم العربي يتابعون ظواهر الهالوين بعين النقد والتحليل.
فقد نشرت مواقع عدة تقارير حول الخطوة الإسبانية ووصفتها بأنها “قرار إنساني وإنذاري في آن واحد”، وذكّرت بضرورة نشر ثقافة الرفق بالحيوان في المجتمعات كافة.
كما أشار بعض الكتاب إلى أن بعض الخرافات القديمة حول القطط موجودة أيضًا في الثقافات الشرقية، وإن كانت بدرجة أقل حدة.
بين الهالوين والتكنولوجيا.. هل تغيرت العقول؟
على الرغم من أننا في زمن الذكاء الاصطناعي، إلا أن الخرافات القديمة لم تختفِ تمامًا.
دراسات علم النفس الاجتماعي تشير إلى أن الإنسان المعاصر ما زال يحتفظ بجزء من خوفه البدائي من الرموز المجهولة.
ولهذا، تظل القطط السوداء “تجسيدًا للغموض”، خاصة عندما ترتبط بمناسبات مثل الهالوين التي تمزج بين المرح والرعب.
لكن التغيير قادم.
جيل الشباب في أوروبا أصبح أكثر وعيًا واهتمامًا بالقضايا البيئية والإنسانية.
فمنصات مثل TikTok وInstagram امتلأت هذا العام بفيديوهات مؤثرة تُظهر متطوعين يحتفلون بالهالوين بطريقة مختلفة: من خلال رعاية وتبني القطط السوداء بدلًا من الخوف منها.
هل يمكن أن تتكرر التجربة عربيًا؟
سؤال طرحه كثيرون: هل يمكن أن نرى مبادرات مشابهة في العالم العربي؟
الحقيقة أن الجمعيات العربية المعنية بحقوق الحيوان بدأت بالفعل بتنظيم حملات توعية موسمية، خصوصًا في المناسبات التي تشهد إطلاق ألعاب نارية أو ازدحامًا في الشوارع.
لكن مسألة “القطط السوداء” تحديدًا لم تتحول إلى قضية بعد، ربما لأن الاحتفال بالهالوين في المنطقة ما يزال محدودًا.
ومع ذلك، فإن المبادرات الإنسانية لا تحتاج إلى مناسبة، فالتعامل الرحيم مع الحيوان هو مقياس حضاري عالمي، بغض النظر عن الدين أو الثقافة أو اللون.
الخاتمة: من الخرافة إلى الوعي
بينما تنشغل بعض المجتمعات بخرافات الماضي، تختار مجتمعات أخرى أن ترفع وعيها وتُعلّم أطفالها أن الحياة قيمة في كل كائن.
القطط السوداء ليست رموزًا للسحر، بل ضحايا لجهل الإنسان وتناقضاته القديمة.
قرار البلدة الإسبانية ليس مجرد حماية لحيوانات بريئة، بل رسالة إلى العالم بأن الإنسانية تبدأ من التفاصيل الصغيرة.
وفي زمن الهالوين، حيث يختلط الواقع بالخيال، ربما حان الوقت لأن نعيد النظر في القصص التي ورثناها دون تفكير.
قد تكون القطة السوداء التي تراها في الشارع اليوم، هي المخلوق الذي ينظر إليك بخوف من عالم لا يفهمه.
فمن سيكسر دائرة الخرافة أولًا: الإنسان أم القطة؟
 
				





