
شهدت الأبحاث الأثرية مؤخرًا تطورًا ثوريًا بفضل استخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي، حيث استطاعت فرق بحثية متعددة التخصصات توظيف هذه التقنيات لرسم خرائط دقيقة لخزانات مائية ضخمة تعود إلى العصر الأنجكوراني في كمبوديا. هذه الخزانات، التي كانت بمثابة شرايين الحياة في واحدة من أعظم الحضارات في جنوب شرق آسيا، لم تكن مرئية بالعين المجردة لعقود.
باستخدام خوارزميات تعلم الآلة وتحليل الصور الملتقطة من الأقمار الصناعية والطائرات المزوّدة بأنظمة LiDAR، تمكن العلماء من فك رموز التضاريس المغمورة تحت الغابات الكثيفة. كشفت البيانات المُحللة عن شبكة مائية مذهلة كانت تُستخدم لري الأراضي وتخزين المياه وتنظيم الفيضانات، ما يعكس عبقرية التخطيط الحضري في حضارة الأنجكور.
يساعد الذكاء الاصطناعي في تبسيط وتحليل كميات ضخمة من البيانات الطبوغرافية المعقدة التي كان من المستحيل على الإنسان وحده تحليلها في هذا الإطار الزمني القصير. ويعد هذا الكشف جزءًا من إعادة كتابة تاريخ الأنجكور من منظور هندسي وبنيوي متقدم، يتجاوز السرديات التقليدية التي ركزت فقط على المعابد والقصور.
-
يعني إيه الزوائد المطاطية اللي في الكاوتش؟2025-09-29
-
وصفات طبيعية للتخلص من حب الشباب بسهولة2025-03-31
لم تقتصر وظيفة هذه الخزانات على الاحتياجات الزراعية، بل كانت أيضًا جزءًا من منظومة دينية وروحية عميقة، إذ ربطت بين المياه والقداسة والطهارة. تحليل الأنماط الهندسية لتصميم هذه الخزانات قد يكشف عن دلالات رمزية ما تزال في طور الاستكشاف.
الذكاء الاصطناعي يفتح أبواب الماضي: كشف أسرار خزانات الأنجكور الضائعة
تمكّن الذكاء الاصطناعي من تحديد أماكن لم تكن واردة في الخرائط الأثرية القديمة، مما يدفع الباحثين اليوم إلى إعادة النظر في حدود المدن القديمة مثل أنكور وات وأنكور طوم، ويُعيد رسم حدود الإمبراطورية من جديد على أسس أكثر دقة.
لا يقتصر هذا الاكتشاف على إعادة كتابة التاريخ فقط، بل يمتد إلى التأثير على الأجيال القادمة من علماء الآثار. فبفضل الذكاء الاصطناعي، بات بالإمكان تدريب خوارزميات أخرى على مناطق أثرية مشابهة في الهند، لاوس، أو حتى مصر القديمة.
ساهمت هذه التقنية أيضًا في تقليل أثر التنقيب التقليدي، والذي كان يتطلب تدخلًا ميدانيًا قد يضر بالمواقع التاريخية. الذكاء الاصطناعي يقدم بديلًا آمنًا وغير جائر للبيئة الأثرية، ما يعزز من الحفاظ على التراث.
أظهرت الدراسة أيضًا أن هذه الخزانات كانت مترابطة عبر قنوات وطرق مائية تشبه في بنيتها أنظمة الصرف الصحي الحديثة. هذه الشبكة المعقدة تكشف أن حضارة الأنجكور كانت أكثر تقدمًا من المتوقع في مجال البنية التحتية.
من خلال تحليل البيانات المناخية القديمة، تبين أن الخزانات لعبت دورًا محوريًا في مقاومة فترات الجفاف التي ضربت المنطقة، ما ساعد الحضارة على الصمود لقرون. اليوم، يمكن استخدام هذه البيانات لمواجهة تحديات المناخ في آسيا.
يُعد هذا المشروع نموذجًا لكيفية توظيف الذكاء الاصطناعي في علم الآثار بشكل يفتح آفاقًا جديدة، لا تقتصر فقط على الاكتشافات، بل تمتد إلى طرق التفكير في الحضارات القديمة من منظور تكاملي بين التكنولوجيا والإنسان.
الذكاء الاصطناعي يُعيد تشكيل تاريخ كمبوديا المائي
كشف مشروع حديث في قلب كمبوديا القديمة كيف أن الذكاء الاصطناعي بات أداة لا تقدر بثمن في كشف ملامح البنية التحتية لحضارة الأنجكور، التي اعتمدت على نظام مائي متطور لدعم أكثر من مليون نسمة.
بفضل التعاون بين علماء الآثار وعلماء البيانات، تم إنشاء نماذج رقمية ثلاثية الأبعاد تُظهر تفاصيل الخزانات بدقة مذهلة، بداية من القنوات الرئيسية حتى صهاريج التخزين الصغيرة، وهو أمر كان مستحيلًا دون مساعدة الذكاء الاصطناعي.
استخدم الفريق تقنيات التصنيف الآلي للبيانات وتحليل الأنماط لتحديد أماكن الخزانات المختفية تحت طبقات سميكة من الغابات والتربة، ما ساعدهم على تجاوز القيود التقليدية في أعمال الحفر والتنقيب.
تمكّن الباحثون من التعرف على أنماط التوزيع المكاني للخزانات، ما أدى إلى فرضيات جديدة حول تنظيم المدينة القديمة، خاصة أن هذه الخزانات لم تكن موزعة بشكل عشوائي بل وفق مخطط هندسي دقيق يخدم مختلف الطبقات الاجتماعية.
تشير النتائج إلى أن إدارة المياه كانت جزءًا لا يتجزأ من سلطة الدولة، وأن القادة الأنجكور كان لديهم نظام مركزي لإدارة الموارد، ما يؤكد قوة الدولة التنظيمية في ذاك الزمن.
الخوارزميات المستعملة في هذا المشروع اعتمدت على الذكاء الاصطناعي التوقعي، أي أنها لم تكتفِ بتحليل ما هو موجود فقط، بل توقعت بناءً على المعطيات أماكن محتملة لخزانات لم تُكتشف بعد.
تعزز هذه الدراسات فهمنا للعلاقة بين البيئية والحضارة، وتوضح كيف أن إدارة ناجحة للمياه كانت عاملاً محوريًا في ازدهار الأنجكور، وربما لاحقًا في انهيارها أيضًا.
أشارت بيانات النمذجة إلى أن بعض الخزانات تعرضت لفيضانات عارمة، ربما نتيجة تغيرات مناخية، وأن الذكاء الاصطناعي يمكن أن يساعدنا اليوم في توقّع مثل هذه الكوارث في مناطق مماثلة.
البيانات المستخرجة يمكن دمجها مع تقنيات الواقع المعزز لتقديم تجربة تفاعلية للزوار والباحثين، حيث يمكن للمرء “الوقوف” افتراضيًا فوق الخزانات ومعرفة تاريخها ووظيفتها.
ما تم اكتشافه حتى الآن لا يمثل سوى بداية، فالمشروع مستمر، والتقنيات تتطور بسرعة، ما يجعل من الممكن أن تشهد السنوات القادمة ثورة حقيقية في طريقة قراءتنا لحضارات الشرق القديم.





