سعر الذهب اليوم الاثنين 10 نوفمبر 2025.. ارتفاع عالمي وسط توقعات بخفض الفائدة الأمريكية وتأثيرات اقتصادية واسعة

شهدت أسعار الذهب العالمية اليوم الاثنين 10 نوفمبر 2025 ارتفاعًا جديدًا مدعومًا بتزايد التوقعات حول قيام مجلس الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي بخفض أسعار الفائدة مجددًا في اجتماعه المقرر في ديسمبر المقبل، إلى جانب بيانات اقتصادية أمريكية ضعيفة أثارت مخاوف بشأن تباطؤ النمو العالمي. هذا الارتفاع في المعدن الأصفر يأتي ليؤكد استمرار الذهب كملاذ آمن للمستثمرين في أوقات التقلبات الاقتصادية والاضطرابات المالية.
وبحلول الساعة 01:15 بتوقيت جرينتش، صعد الذهب في المعاملات الفورية بنسبة 0.7% ليصل إلى 4027.88 دولارًا للأوقية (الأونصة)، فيما ارتفعت العقود الآجلة للذهب تسليم ديسمبر بنسبة مماثلة لتسجل 4036.60 دولارًا للأوقية، بحسب البيانات الصادرة صباح اليوم.
أسباب ارتفاع الذهب اليوم
يعود الارتفاع الحالي في أسعار الذهب إلى مجموعة من العوامل الاقتصادية والمالية التي تزامنت خلال الأسبوع الماضي، على رأسها تراجع بيانات التوظيف الأمريكية التي أظهرت فقدان الاقتصاد الأمريكي لعدد من الوظائف في أكتوبر، خصوصًا في قطاعات الحكومة وتجارة التجزئة. هذا التراجع أثار القلق من تباطؤ اقتصادي محتمل في الولايات المتحدة، ما عزز التوقعات بأن البنك المركزي الأمريكي قد يلجأ لخفض الفائدة من جديد لدعم النمو.
كما ساهمت البيانات السلبية لمعنويات المستهلكين الأمريكيين في دعم الطلب على الذهب، إذ أظهر استطلاع نُشر يوم الجمعة أن ثقة المستهلكين تراجعت إلى أدنى مستوى لها منذ نحو ثلاث سنوات ونصف العام، في ظل المخاوف المتزايدة من تداعيات أطول فترة إغلاق حكومي في تاريخ الولايات المتحدة والتي امتدت لأكثر من 40 يومًا.
ويُعرف الذهب بأنه أصل استثماري لا يدرّ عائدًا، لكنه يستفيد عادة من بيئة أسعار الفائدة المنخفضة، حيث تقل تكلفة الفرصة البديلة للاحتفاظ به مقارنة بالأصول الأخرى مثل السندات أو الودائع البنكية. ولذلك فإن أي تلميحات أو توقعات بخفض الفائدة عادة ما تدفع المستثمرين إلى زيادة مشترياتهم من الذهب، باعتباره أداة للتحوط ضد التضخم وعدم اليقين الاقتصادي.
توقعات بخفض الفائدة في ديسمبر
بحسب أداة “فيدواتش” التابعة لمجموعة “CME”، يتوقع 67% من المشاركين في الأسواق المالية أن يقوم مجلس الاحتياطي الفيدرالي بخفض أسعار الفائدة بمقدار ربع نقطة مئوية خلال اجتماعه في ديسمبر المقبل. ويستند هذا الاحتمال إلى تباطؤ مؤشرات النشاط الصناعي وضعف بيانات الإنفاق الاستهلاكي، وهي عوامل عادة ما تدفع البنك المركزي إلى تيسير السياسة النقدية لتجنب الركود.
وفي حال تحقق هذا السيناريو، فمن المرجح أن يواصل الذهب صعوده خلال الأسابيع المقبلة، إذ يرى المحللون أن بيئة الفائدة المنخفضة ستفتح المجال أمام موجة جديدة من الاستثمارات في الأصول الآمنة، وعلى رأسها المعدن النفيس.
الذهب والاقتصاد الأمريكي
تأتي هذه التحركات في وقت حساس بالنسبة للاقتصاد الأمريكي، الذي بدأ يظهر علامات واضحة على التباطؤ بعد فترة طويلة من التوسع المستمر. فبينما كان الاقتصاد قادرًا على الصمود أمام رفع الفائدة المتتالي في 2023 و2024، فإن أثر هذه السياسة بدأ يظهر بوضوح في قطاعات حيوية مثل التوظيف والإسكان والتجزئة.
وبحسب محللين اقتصاديين، فإن اعتماد الشركات الأمريكية المتزايد على تقنيات الذكاء الاصطناعي لتقليل النفقات أدى إلى زيادة في معدلات تسريح العمالة، مما زاد الضغط على معدلات البطالة ودفع المستهلكين إلى تقليص الإنفاق. هذه التطورات جعلت المستثمرين أكثر حذرًا، ما دفعهم نحو الذهب كملاذ آمن ومستقر.
رد فعل الأسواق العالمية
شهدت الأسواق المالية في آسيا وأوروبا مع بداية الأسبوع تعاملات متباينة. ففي حين سجلت الأسهم اليابانية والصينية انخفاضات طفيفة بسبب مخاوف تباطؤ الطلب العالمي، ارتفعت أسعار السندات الحكومية، وهو ما يعكس انتقال رؤوس الأموال إلى الأصول الدفاعية. أما في أسواق السلع، فقد ارتفعت أسعار الذهب والفضة والبلاتين والبلاديوم جميعها معًا، مما يعكس حالة من التحول العام نحو الأمان المالي.
كما أن عودة النقاش داخل مجلس الشيوخ الأمريكي حول إعادة فتح الحكومة الفيدرالية بعد إغلاق دام أكثر من 40 يومًا، أضاف بعض الطمأنينة للأسواق، لكنه لم يكن كافيًا لكبح الطلب المتزايد على الذهب الذي يُنظر إليه كضمان ضد عدم اليقين السياسي والاقتصادي.
المعادن النفيسة الأخرى تشارك في الصعود
لم يكن الذهب وحده هو المستفيد من حالة القلق الاقتصادي، إذ ارتفعت أسعار المعادن النفيسة الأخرى أيضًا. فقد صعدت الفضة في المعاملات الفورية بنسبة 1.1% لتسجل 48.84 دولارًا للأوقية، كما ارتفع البلاتين بنسبة 1.2% ليصل إلى 1563.25 دولارًا للأوقية، وارتفع البلاديوم بنسبة مماثلة إلى 1396.75 دولارًا للأوقية. ويعكس هذا الاتجاه العام إقبال المستثمرين على المعادن الثمينة ككل باعتبارها أداة تحوط جماعية ضد التقلبات في أسواق الأسهم والعملات.
تحليل اقتصادي شامل
يشير الخبراء إلى أن الذهب يمر الآن بمرحلة من الزخم الإيجابي المستمر منذ بداية الربع الرابع من عام 2025، مدعومًا بعوامل عديدة أبرزها التوترات الجيوسياسية، وتراجع الدولار الأمريكي، وتغير سياسات البنوك المركزية. فخلال الأسابيع الماضية، أظهرت البيانات أن البنوك المركزية في العديد من الدول — خاصة في آسيا والشرق الأوسط — واصلت تعزيز احتياطياتها من الذهب، في خطوة تهدف إلى تنويع الأصول وتقليل الاعتماد على الدولار الأمريكي.
كما ساهم تزايد الطلب من المستثمرين الأفراد وصناديق الاستثمار المتداولة (ETFs) في دعم الأسعار، حيث تسعى هذه الجهات إلى الاستفادة من الاتجاه الصعودي للمعدن النفيس. وبحسب تقارير مالية، فقد ارتفعت حيازات صناديق الذهب العالمية بنحو 5% منذ بداية نوفمبر وحده، وهي إشارة قوية على ثقة الأسواق في استمرار ارتفاع الأسعار.
العوامل الجيوسياسية وتأثيرها
لا يمكن تجاهل الدور الذي تلعبه الأوضاع الجيوسياسية في دعم أسعار الذهب. فمع استمرار الصراعات في بعض مناطق الشرق الأوسط، وتصاعد التوتر التجاري بين الولايات المتحدة والصين، وتزايد المخاوف من ركود اقتصادي عالمي، بات المستثمرون أكثر ميلًا إلى الأصول الآمنة. الذهب في هذه الحالة يُمثل الملاذ التقليدي الذي لا يفقد قيمته بمرور الوقت.
كذلك فإن التوترات في سوق الطاقة وارتفاع أسعار النفط العالمية ساهمت في زيادة الإقبال على الذهب كأداة تحوط ضد التضخم، خصوصًا مع تراجع الدولار عالميًا أمام سلة العملات الرئيسية.
ماذا تعني هذه التطورات للمستهلكين؟
بالنسبة للمستهلكين، فإن ارتفاع أسعار الذهب عالميًا سينعكس تدريجيًا على السوق المحلية في مصر وغيرها من الدول. ومن المتوقع أن يشهد سعر الذهب عيار 21 – الأكثر تداولًا – ارتفاعًا طفيفًا في الأيام المقبلة، خاصة إذا استمر الاتجاه الصعودي في الأسواق العالمية.
ويشير تجار الذهب المحليون إلى أن الطلب المحلي لا يزال مستقرًا رغم ارتفاع الأسعار، إذ يعتبر كثير من المصريين الذهب وسيلة ادخار طويلة الأجل آمنة في ظل التقلبات الاقتصادية. كما أن موسم الأعراس الذي يمتد حتى نهاية العام عادة ما يشهد زيادة في المبيعات، مما يدعم استقرار السوق المحلية.
التوقعات المستقبلية
يتوقع محللون أن يتجه الذهب نحو مستويات أعلى في حال استمرار ضعف الدولار وتراجع بيانات النمو في الولايات المتحدة. ويرى بعضهم أن المعدن الأصفر قد يختبر مستوى 4100 دولار للأوقية قبل نهاية العام، إذا تأكدت نية الفيدرالي خفض الفائدة فعلًا في ديسمبر.
في المقابل، يرى آخرون أن احتمالية حدوث تصحيح سعري تبقى واردة، خصوصًا إذا أظهرت البيانات الاقتصادية المقبلة تحسنًا غير متوقع أو قرر الفيدرالي تأجيل الخفض إلى العام المقبل. لكن الاتجاه العام لا يزال يميل إلى الصعود في المدى المتوسط.
انعكاسات على الاقتصاد المصري
بالنسبة لمصر، فإن ارتفاع أسعار الذهب العالمية له تأثير مزدوج. فمن ناحية، يزيد من قيمة احتياطات الذهب لدى البنك المركزي، مما يعزز المركز المالي للدولة. ومن ناحية أخرى، يؤدي إلى ارتفاع أسعار المشغولات الذهبية محليًا، ما يرفع تكلفة الزواج أو الاستثمار الفردي في الذهب.
غير أن العديد من الخبراء يرون أن هذا الارتفاع يُعد فرصة جيدة للمستثمرين المحليين الذين يمتلكون احتياطيات ذهبية، إذ يمكنهم الاستفادة من الأسعار المرتفعة لتسييل جزء من مدخراتهم أو إعادة استثمارها في توقيت مناسب.
رؤية الخبراء
يقول الخبير الاقتصادي د. أحمد علي إن الارتفاع الحالي في أسعار الذهب يعكس حالة من القلق العالمي أكثر من كونه مجرد تحرك فني في السوق. ويضيف أن قرارات الفيدرالي الأمريكي المقبلة ستحدد الاتجاه النهائي للذهب خلال الربع الأول من 2026. فإما أن نشهد قفزة جديدة نحو 4200 دولار، أو تصحيحًا محدودًا نحو 3950 دولارًا.
أما المحلل المالي مايكل ريتشارد، فيشير إلى أن الذهب سيظل هو “الملاذ الآمن رقم واحد” طالما بقيت التوترات الاقتصادية والجيوسياسية دون حل. ويؤكد أن المستثمرين الكبار يتعاملون مع الذهب ليس فقط كأصل مادي، بل كرمز للاستقرار في عالم يتغير بسرعة.
الخاتمة
في المجمل، يمكن القول إن أسعار الذهب اليوم تعكس مزيجًا من العوامل الاقتصادية المعقدة التي تتراوح بين سياسات البنوك المركزية والبيانات الضعيفة للأسواق الأمريكية، مرورًا بالتوترات السياسية العالمية، وصولًا إلى المخاوف من تباطؤ النمو الاقتصادي.
ومع استمرار هذه العوامل مجتمعة، يبدو أن المعدن الأصفر سيبقى على رأس قائمة الأصول المفضلة للمستثمرين في الفترة المقبلة. فكل المؤشرات تدل على أننا في مرحلة انتقالية من تشديد السياسات النقدية إلى التيسير المالي، وهي البيئة التي يزدهر فيها الذهب عادة.
وبينما يراقب المستثمرون حول العالم تطورات قرارات الفيدرالي المقبلة، يظل السؤال الأهم: هل سيواصل الذهب صعوده إلى مستويات قياسية جديدة، أم سيكتفي بالاستقرار عند حاجز 4000 دولار للأوقية؟ الإجابة ستتضح خلال الأسابيع المقبلة، لكن المؤكد أن الذهب أثبت مرة أخرى أنه ملك الملاذات الآمنة بلا منازع.





