
في السنوات الأخيرة، تداولت وسائل الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي صورًا ومقاطع فيديو لما أطلق عليه البعض “الكعبة الإندونيسية”، وهي مبنى مكعب الشكل يشبه الكعبة المشرفة في مكة المكرمة. هذا الأمر أثار موجة من الجدل، ما بين من رأى أنها محاولة لتقليد رمز ديني عظيم، وبين من اعتبرها مجرّد مجسم تعليمي أو معماري. في هذا المقال، نتناول أبعاد هذه الظاهرة من مختلف الزوايا لفهم حقيقتها وتأثيرها، شاهد الفيديو بالأسفل.
تاريخ ظهور “كعبة” إندونيسيا
بدأ ظهور هذا المبنى المكعب الشكل في إندونيسيا منذ أكثر من عقد من الزمن، ويعود أساسه إلى مراكز تعليمية أو مساجد محلية كانت تهدف إلى تعليم الأطفال مناسك الحج بطريقة عملية. وقد انتشرت هذه المباني في بعض المناطق الريفية، حيث لا يتمكن السكان من زيارة الحرم المكي، وبالتالي يُستخدم هذا المجسم للتدريب على الطواف والسعي والوقوف بعرفة كجزء من الدروس التفاعلية الدينية.
ردود فعل الشارع الإندونيسي
انقسم الشارع الإندونيسي بين مؤيد ومعارض لهذه المنشآت. فبينما يرى البعض أنها مفيدة لغرس المفاهيم الدينية في نفوس الناشئة، يعتبرها آخرون تعديًا على قدسية الكعبة الأصلية. كما عبّر بعض رجال الدين عن قلقهم من إمكانية إساءة فهم الرمزية الدينية من قبل العامة أو استخدامها في غير أغراضها التعليمية.
رأي العلماء والدعاة
اختلفت آراء العلماء حول ما يُسمى بـ”كعبة إندونيسيا”. فهناك من يرى أن إنشاء مجسمات تشبه الكعبة لأغراض تعليمية لا يُعد مخالفة شرعية، شرط أن لا تُتخذ مكانًا للعبادة. بينما حذّر آخرون من أن يتحول الأمر إلى بدعة أو تشويش على العامة، خاصة إذا نُسبت لهذه المجسمات طقوس روحية خاصة.
هل هي كعبة بديلة؟
من أهم الأسئلة التي طُرحت هي: هل يحاول القائمون على هذه المجسمات تقديم كعبة بديلة؟ الجواب في الغالب لا. فالغرض منها غالبًا تعليمي أو تدريبي. ومع ذلك، فإن التغطية الإعلامية المثيرة واستخدام مصطلحات مثل “كعبة جديدة” ساهمت في تضخيم المسألة وربما تشويه الهدف الحقيقي منها.
كيف ينظر المسلمون حول العالم إلى هذه الظاهرة؟
المجتمع الإسلامي العالمي ينظر بحذر إلى أي استخدام لمجسمات مشابهة للكعبة، خاصة في ظل حرمة المساس بقدسية الحرم المكي. ومع تداول الصور خارج السياق، تصاعدت الاتهامات والشائعات التي جعلت كثيرًا من المسلمين يستنكرون وجود “كعبة ثانية”، رغم أن الواقع لا يشير إلى ذلك.
استخدام المجسمات في التعليم الديني
لطالما استخدمت المجسمات والنماذج التعليمية في المدارس والمؤسسات الدينية لتبسيط المفاهيم الدينية والشرعية، ومنها مجسمات الكعبة. لكنها في إندونيسيا أخذت طابعًا معماريًا مميزًا، حيث بُنيت بحجم كبير وقد شُيّدت بشكل دائم وليس مؤقت، ما أثار التساؤلات حول مدى شرعية واستمرارية هذا النهج.
الجدل على مواقع التواصل الاجتماعي
أشعلت الصور المنتشرة على وسائل التواصل الاجتماعي نقاشًا حادًا بين النشطاء، وبدأت تتردد عبارات مثل “الكعبة الثانية” و”بديل مكة”، رغم أن أصحاب المشروع لم يعلنوا أبدًا نيتهم في تقديم بديل. هذا الجدل أظهر كيف يمكن للمعلومات المقتطعة والمضللة أن تخلق تصورات خاطئة ومبالغ فيها.
العلاقة بين الفن المعماري والدين
في إندونيسيا، حيث يلتقي الفن بالدين في كثير من جوانب الحياة، ليس غريبًا أن نجد مبانٍ تحمل رمزية دينية واضحة. ومع ذلك، فإن تقليد الكعبة بهذا الشكل يطرح سؤالاً مهمًا: متى يتحول الفن إلى تجاوز؟ وما الحدود بين التعبير الديني المشروع والتعدي على المقدسات؟
دور الحكومة الإندونيسية
لم تصدر الحكومة الإندونيسية موقفًا رسميًا واضحًا من هذه الظاهرة، لكنها سمحت بوجود هذه المنشآت ضمن المؤسسات الدينية والتعليمية. ويبدو أن السلطات تراقب الوضع دون تدخل مباشر، خاصة طالما لم تُسجل أي تجاوزات دينية واضحة أو دعوات لعبادة في غير القبلة.
الفرق بين الكعبة الأصلية والمجسمات
من المهم التفرقة بين الكعبة الأصلية التي لها قدسيتها، وبين المجسمات التي تُستخدم للتدريب والتعليم. فالكعبة المشرفة هي بيت الله الحرام الذي أمر الله ببنائه، وله أحكام خاصة في الشريعة الإسلامية، أما المجسمات فهي وسيلة بيد الإنسان، لا تحمل نفس القدسية ولا تؤدي نفس الوظيفة.
استخدام الكعبة المجسمة في تعليم الأطفال
في العديد من المدارس الإندونيسية، يتم استخدام مجسمات الكعبة لتعليم الأطفال مناسك الحج منذ سن مبكرة. يُعلَّم الأطفال كيفية الإحرام، الطواف، السعي، ورمي الجمرات باستخدام هذه النماذج، ما يُساعدهم على تصور التجربة بطريقة واقعية ويساعد في ترسيخ المفاهيم.
الإعلام وتأجيج التصورات الخاطئة
الإعلام له دور كبير في تضخيم أو تهدئة الجدل حول أي موضوع. وفي حالة “كعبة إندونيسيا”، ساهمت بعض العناوين المثيرة في تعقيد المشهد. كلمات مثل “الكعبة البديلة” أو “مكة جديدة” لعبت دورًا في نشر الفوضى الفكرية بدلاً من التوضيح والشرح المتزن.
هل الأمر مجرد اجتهاد محلي؟
قد يكون ما حدث في إندونيسيا مجرّد اجتهاد محلي في سبيل تسهيل التعليم الديني، دون قصد الإساءة أو تقليد الكعبة المشرفة. وفي ظل التنوع الثقافي والديني في البلاد، قد نجد ممارسات مشابهة في أماكن أخرى بأشكال مختلفة لكنها تنبع من نفس الهدف التعليمي.
موقف الأزهر والمؤسسات الإسلامية الكبرى
لم تُصدر مؤسسات دينية كبرى مثل الأزهر أو رابطة العالم الإسلامي بيانات رسمية بهذا الخصوص، لكن هناك فتاوى سابقة تؤكد جواز استخدام مجسمات الكعبة في التعليم بشرط عدم تعظيمها أو تحويلها لمكان عبادة. وهذا يدعم الفهم بأن المسألة تتعلق بالنية والاستخدام، وليس بالشكل فقط.
كيف تؤثر هذه المجسمات على العقيدة؟
يخشى بعض العلماء من أن يؤدي تعميم هذه المجسمات إلى اختلاط الأمور على العامة، واعتقادهم أن بإمكانهم أداء بعض المناسك خارج الحرم المكي. وهذا قد يُضعف المفهوم العقائدي المرتبط بمكانة مكة والكعبة، خاصة لدى غير المتعلمين أو من يعيشون في مناطق نائية.
مقارنة مع دول إسلامية أخرى
في بعض الدول الإسلامية الأخرى، كتركيا ومصر والمغرب، تُستخدم نماذج صغيرة للكعبة في المدارس أو خلال موسم الحج لتعليم الطلاب. لكن الفرق أن هذه النماذج غالبًا ما تكون مؤقتة، وتُزال بعد الاستخدام، ولا تُبنى بحجم كبير أو في أماكن عامة.
لماذا اندونيسيا تحديدًا؟
إندونيسيا، باعتبارها أكبر دولة ذات غالبية مسلمة في العالم، تضم ملايين الحجاج والمعتمرين سنويًا. لهذا السبب، تسعى مؤسساتها الدينية لتأهيل الناس بشكل جيد. وقد يكون هذا هو الدافع الأساسي وراء بناء هذه المجسمات – وسيلة تعليمية بحتة، لا أكثر.
لمشاهدة الفيديو اضغط الزر بالاسفل