أرض الذكاء (الجزء الثالث)

لقد قررت في المرة الثانية التي دخلت فيها إلى الذكاء أني لن أخرج منها مرة ثانية وسأدفن هنا.
خالد فضل يقرأ شوية سطور لحد ما وصل لسطر بيقول: لما دخلت سرداب فوريك لأول مرة، والسرداب بدأ ينهار عليا مرة واحدة، جريت بسرعة وأنا خايف من الانهيار ده، لحسن أي صخرة تنزل فوق دماغي.
فضلت ماشي في الطريق ده وكأن السرداب بيوديني لمكان المفروض إني أروحه، كأنه بيوجهني.
خالد لما قرأ الكلمات دي تخيل نفسه ساعة لما السرداب بدأ ينهار عليه، وجري بسرعة ناحية الضوء إللي كان بالنسباله ضوء الأمل.
خالد كمل القراءة: وأنا بجري إفتكرت إن الطريق إللي السرداب بيبعدني عنه هو طريق العودة للوطن.
كنت أظن أن السرداب الذي إنهار هو طريق العودة الوحيد.
خالد في اللحظة دي ابتسم وحس إن خلاص في أمل إنه يرجع، وقال وهو بيغني: في طريق للرجوع، في طريق للرجوع.
خالد كمل قراءة وخلاص كان وصل للصفحة الأخيرة، وكان مكتوب فيها: لو جه حد مدينة الذكاء من بعدي وما كانش قرأ كتابي، هيفتكر إنه لازم يخرج من الذكاء علشان يرجع مصر مرة ثانية.
بس للأسف هو ده الغباء بعينه، لأن ما ينفعش أي حد عاقل بعد ما يجي الأرض دي يفكر يمشي منها، ويبقى عايز يوصل لسرداب فوريك مرة ثانية.
لكن من أراد أن يخرج منها لابد أن يدخل الذكاء، ويكون كالشمس، وينحت في الصخر، فيجد باب السرداب الآخر أمام الرأس مباشرة.
الصفحة خلصت، وخالد جه يقلب بس إكتشف إن الكتاب خلاص خلص ودي كانت آخر صفحة فيه، وآخر كلمات موجودة في الكتاب.
خالد رجع يقرأ آخر صفحة تاني لأنه ما فهمش منها أي حاجة: من يريد أن يصل إلى سرداب فوريك، لابد أن يدخل الذكاء، ويكون كالشمس، وينحت في الصخر.
حينها سأجد باب السرداب أمام الرأس مباشرة.
خالد وهو متعجب من الكلمات الغريبة دي: شمس إيه؟!
ورأس إيه؟!
ويعني إيه ينحت في الصخر؟!
ورأس إيه إللي هلاقيها قدامي؟!
خالد فضل يقلب في الكتاب ويسأل نفسه، ويسأل الكتاب، إيه علاقة الشمس، والرأس بخروجي من هنا؟!
خالد قام من مكانه وهو متعصب وفضل ماشي لحد ما شاف منطقة فيها ناس كتير بيشربوا خمر وبيرقصوا.
وفجأة صاح فيهم كلهم بصوت عالي بعد ما رفع الكتاب: حد يفهمني يعني إيه أنحت في الصخر أمام الرأس؟!
حد فاهم الجملة دي؟!
واحد من إللي كانوا بيرقصوا: هل أنت مجنون؟!
خالد ما اهتمش وفضل يسأل غيره، بس برده ما كانش في حد بيجاوبه، وكان عمال يسأل كل شخص بيقابله عن اللغز ده، بس ما كانش فيه أي إجابة من أي حد.
لحد ما قعد على ترابيزة من الترابيزات إللي كانت موجودة في الخمارة، وبدأ يقرأ السطور دي مرة ثانية، ويكررها بصوت عالي، بس برده ما فهمش منها أي حاجة.
لحد ما لقى جنبه كاس من الخمر، فشرب من الكاس ده من غير ما يدرك إنه خمر.
خالد فضل يشرب من الكاس وبعد كده سابه، ورجع يقرأ تاني آخر سطور موجودة في الكتاب.
وفضل يقرأ ويفكر في حل اللغز، بس برده ما وصلش لأي إجابة.
وكان كل ما الكاس اللي قدامه يخلص، نادل الخمارة كان بيجيب له كاس غيره، وفضل على هذا الحال لحد ما ظهر عليه آثار الخمر وبقى سكران.
خالد مسك الكتاب وهو عمال يتمرجح، وبعد كده وقف فوق الترابيزة اللي كان قاعد عليها، ومسك كاس الخمر ورفعه بإيده اليمين، ومسك الكتاب بإيده الشمال، وضحك بصوت عالي وقال بسخرية لكل اللي كانوا موجودين في الخمارة: منذ دخولي لهذه المدينة اللعينة وأنا أحلم بالعثور على هذا الكتاب، وظللت أبحث لفترة طويلة في كل شبر في هذه المدينة الغبية.
خالد وهو بيتكلم فضل يشرب من الخمر، وبعد كده تابع وقال: حينما وجدت هذا الكتاب وعلمت أن صاحبه هو أخي، إستمريت في العمل ليلاً ونهاراً، حتى إني أحياناً كنت أنام بدون ما أضع لقمة في فمي، وكل هذا من أجل أن أحصل على هذا الكتاب اللعين.
بعد كده سكت وضحك بقهقهة، والناس بدأت تتريق عليه، وبعد كده كمل وقال: ها أنا حصلت على هذا الكتاب اليوم، وقد إشتريته مقابل 500 وحدة من الذكاء.
كل إللي في المطعم بصوا لخالد باندهاش وكأنهم مش مصدقينه.
خالد، وهو بيضحك ووشه بدأ يحمر بسبب الخمر: لا تندهشوا من هذا السعر الكبير.
وصدقوني لو طلب مني أخي مبلغاً أكبر لدفعت.
وبعد كده شرب خمره تاني وكمل وقال بتلعثم: لقد علمت الآن لماذا لم يستطع أبي الخروج من هذه المدينة، رغم أن هذا الكتاب كان معه.
واحد من السكرانين إللي كانوا في المطعم سأله: لماذا لم يستطع أبوك الخروج أيها المجنون؟
خالد بضحكة وهو بيشاور عليه: واو، يبدو أن القصة أعجبتك أيها السمين… لا تقلق سأخبرك بها.
أظن أن صاحب هذا الكتاب اللعين كان يخاف من أن يصل أحدكم إلى سرداب فوريك.
لا أعلم لماذا يخاف أن يصل أهل الذكاء إلى مصر.
أنا أظن أنه أمر جيد، على الأقل ستجعلون أهل مصر يعملون مثلكم ويعتمدون على أنفسهم.
وبعد كده ضحك بصوت عالي، وقال: لقد وضع هذا الأحمق لغزاً في آخر الكتاب.
وبعد كده قعد على الكرسي بتاع الترابيزة، وحط راسه بين إيديه، وبعد كده رفع رأسه مرة تانية، وضحك بألم: أظن إن صاحب هذا الكتاب كان يعلم جيداً إنكم إذا عثرتم على كتابه لن تفهموا منه شيئاً لأنكم تخافون تستعملوا ذكاءكم لكي لا تُهدِروه، وقد عرف أيضاً إنكم لن تستطيعوا أو تفكروا حتى في حل اللغز.
خالد بعد كده صوته هدى، وقال: يبدو إنه كُتب عليَّ العيش هنا، والموت هنا أيضاً مثل أبي.
يبدو أنني في النهاية أصبحت واحداً منكم أيها الأغبياء.
خالد بعد كده قام على الكرسي ووقف على الترابيزة مرة تانية، وقال بصوت عالي: هيا أخبروني، مَن منكم يريد أن يشتري مني هذا الكتاب بـ10 وحدات؟!
خالد فضل على الحالة دي يخرف بسبب وجع الصدمة إللي جتله بسبب اللغز.
فضل يصيح بصوت عالي ويسأل الناس هل في حد هياخد الكتاب بـ10 وحدات، بس ما كانش في أي حد بيجاوبه.
خالد بنبرة حزينة: ألا تشعرون أنه يستحق الـ10 وحدات؟ صدقوني، أنتم لا تعلمون قيمته.
إنه كتاب ثمين جداً.
حسناً، مَن منكم سيشتريه بـ5 وحدات فقط؟
ها؟ العرض الأخير؟
لكن محدش جاوبه، وساعتها حس بانعدام الشغف، ونزل من فوق الترابيزة، ومشى برا الخمارة.
وأثناء ما كان ماشي، الناس كلها كانت بتتريق عليه، وفتيات الليل كانوا عمالين يتحرشوا بيه، وخالد كان ماشي بيتمرجح بسبب تأثير الخمر، وما كانش دريان بأي حاجة حواليه.
فضل ماشي لحد ما وصل للمكان إللي الحصان بتاعه واقف فيه، وأول ما وصل جنب الحصان وقع على الأرض فاقد للوعي، وكأنه لقى السرير إللي بيدوَّر عليه من زمان.
تاني يوم الصبح…
خالد كان نايم على الرصيف في جنب من جوانب الشارع جنب حصانه.
وفجأة لقى برميل مياه نازل على دماغه.
خالد قام من النوم مفزوع، وأول ما صحي لقى البنت إللي وصلته لبيت هلال قبل كده (فتاة الليل).
خالد بص على البنت وهو متعصب، ولقى في إيديها جردل مياه فاضي.
البنت ضحكت، وقالت: يبدو أنك لست الوحيد الذي يسكب الماء على السكرانين.
خالد قام بسرعة من مكانه وبص على هدومه، ولقاها كلها مبلولة، بس أول ما قام حس بدوخة فظيعة. وبعد كده بص على البنت وهو متعصب، فخافت منه، ورجعت، وقالت: عليك العودة من حيث جئت، لن تستفيد شيئاً بالبقاء في هذا المكان.
إذا بقيت هنا أكثر، فستفسد دون إرادتك.
خالد ما ردش عليها، وبص على حصانه، وبعد كده مسك السرج، وركب، وبدأ يتحرك.
البنت بصراخ بعد ما خالد مشي: لم أكن أريد أن أراك في هذه الحالة، كنت أعتبرك قدوة، كنت أظن أنك أقوى من ذلك.
خالد في اللحظة دي حس بكُره لنفسه عمره ما حس بيه قبل كده.
وقف الحصان ولف للبنت تاني، وبص لها بحزن وأسف وقال: سامحيني، وبعد كده لف تاني وأمر حصانه إنه ينطلق.
الحصان فعلاً مشي وبدأ يجري في شوارع المنطقة الشمالية لحد ما وصل إلى أطراف المنطقة، وبدأ طريقه ناحية المنطقة الشرقية.
الحصان كان بيجري ناحية المنطقة الشرقية، وخالد كان هاين عليه يرمي نفسه من فوق الحصان لأنه كان ندمان على اللي عمله في الخمارة، وما كانش مصدق إنه سَكِر، ولا كان مصدق إنه شرب الخمر لأول مرة في حياته.
خالد ما كانش فاكر إن هو اتكلم مع السكارى في إيه، بس كل إللي كان فاكره إنه ندمان على إللي عمله.
كان مصدوم جداً من إللي شافه في الكتاب، وزعل جداً على كمية الوحدات إللي دفعها مقابل حاجة هو مش لاقيلها حل، ومش هتفيده.
فضل باصص في السماء، ويدعي ربنا، ويستغفره من الذنب الكبير إللي عمله، وتعاهد مع نفسه إنه مش هيعمل كده تاني.
وبعد كده رجع تاني يفكر في اللغز إللي موجود في آخر صفحة في الكتاب، وما كانش عارف إللي كتب الكلمات دي يقصد بيها إيه.
إزاي يبقى زي الشمس؟!
إزاي ينحت في الصخر؟!
وأنهي رأس إللى الكاتب كان بيتكلم عنها؟!
فضل خالد على الحال ده لحد ما وصل لأطراف المنطقة الشرقية مع حلول الليل.
أول ما دخل المنطقة الشرقية إتجه ناحية شاطئ البحيرة على طول. أول ما وصل كان حاسس بتعب شديد، ورأسه كانت وجعاه، فما استكترش على نفسه إنه ينام لحد ثاني يوم الصبح علشان يعرف يستريح كويس.
في صباح اليوم التالي…
صحى خالد من النوم، وبمجرد ما فتح عينه سمع صوت جاي عليه. لما بص، لقى أسيل وهي بتجري بلهفة عليه.
أسيل بلهفة: هل إشتريت الكتاب؟
خالد إبتسم إبتسامة مليانة حزن، وما ردش عليها… بعدها بص على البحيرة، وقام من على الأرض، ومشى شوية خطوات لحد ما وصل لأطراف مياه البحيرة، ورمى نفسه في الميه كأنه فاقد للشغف.
أسيل إستغربت من رد فعل خالد، ووقفت جنبه في البحيرة بس ما نزلتش الميه.
أسيل: خالد، هل استهلكت الكثير من مخزونك؟ هل دفعت أكثر من ثمن الكتاب؟
أرى أن شحوبك ازداد اليوم، ويبدو مميزاً جداً.
أظن أنك أنفقت الكثير من ثروتك.
خالد كان نايم على ظهر المياه لما سمع كلام أسيل، قام وقف وبصلها، وقال ببرود: أيوه، دفعت 100 وحدة زيادة لهلال.
في اللحظة دي حد صرخ، وقال بصوت عالي: 100 وحدة زائدة؟!!
أسيل وخالد بصوا على يامن، وبعد كده خالد قال: أيوه، هلال طلب مني 100 وحدة زيادة، وهددني إني لو ما دفعتهمش هيقطع الكتاب.
خالد خرج بره الميه، وجسمه كله كان مبلول، وكان لابس كالعادة البنطلون، والجزء إللي فوق كان عريان. أول ما خرج لبس القميص بتاعه وسأل يامن: ليه ما رحتش الشغل؟
يامن بضحكة: أتتنى أخبار أنك جئت بالأمس في الليل.
جئت الآن لكي آخذ الحصان وأعيده إلى صاحبه، وأيضاً أتيت لكي أرى أغلى كتاب في الذكاء .
أظن بعدها أني قد أذهب إلى العمل… أو ربما لا فهذه اللحظة لا يمكن لعاقل أن يضيعها.
هيا أين هذا الكتاب الثمين؟
خالد سكت شوية وكان باين عليه الحزن.
أسيل سألته: لماذا تبدو حزيناً هكذا؟!
خالد ما ردش عليه، واتجه ناحية الشجرة إللي جنبها أغراضه، وطلع الكتاب، وبصله بقرف.
بعدها رماه ليامن، وقال بسخرية: هو ده أغلى كتاب… متع عينيك براحتك.
يامن مسك الكتاب، وهو فرحان وفضل يتأمل فيه كأنه مسك كنز.
خالد بحزن: كنت فاكر إني أول ما ألاقي الكتاب ده هقدر أخرج من هنا بعد ما يتفتح الباب في يوم الذكاء. بس أظن إن الذكاء فيها لعنة، وأي حد بيخشها بيبقى صعب يخرج منها.
أسيل: ألم يذكر الكتاب شيئاً عن سرداب فوريك؟!
خالد: الكتاب اتكلم عن سرداب فوريك، وعن فوريك نفسه، واتكلم عن مصر.
والغريب بقى إن الكتاب بيقول إن ممكن أخرج من هنا قبل يوم الذكاء، ومش لازم أستنى لحد اليوم ده علشان أعرف أخرج. وكمان كان لازم أدخل الذكاء علشان ألاقي السرداب وأعرف أرجع لعالمي.
وبعد كده خد نفس عميق، وقال: بس كاتب الكتاب ساب لغز في آخر صفحة.
إللي يحل اللغز ده هو اللي هيعرف مكان السرداب بتاع الخروج.
أسيل باستغراب: لغز؟
خالد بص ليامن، وطلب منه إنه يقرأ آخر سطور موجودة في الكتاب.
يامن بدأ يقرأ: من يأتي إلى تلك الأرض، ويريد أن يعود إلى دياره، وأن يصل إلى سرداب فوريك مجدداً، يجب عليه أن يدخل الذكاء، ويكون كالشمس، وينحت في الصخر… حينها سيجد السرداب مرة ثانية.
لابد أن يدخل الذكاء، ويكون كالشمس، وينحت في الصخر… فيجد باب السرداب الآخر أمام الرأس مباشرة.
يامن سكت وكأنه ما فهمش أي حاجة من إللي مكتوب، وأسيل هي كمان ما فهمتش حاجة.
خالد: أول مرة أحس بضعف… يمكن عشان كنت فاكر إن الكتاب ده هو إللي هيخرجني من المدينة دي بكل سهولة.
كنت فاكر إن أول ما أقرأه هخرج على طول.
بس مش عارف إيه إللي حصللي.
حسيت إن بعد ما لقيت الأمل، راح فجأة من إيدي.
كأنه حلم وإتبخر… وللأسف، شربت خمرة.
أسيل بصدمة: هل شربت الخمر؟!
خالد بأسف: أيوه… وندمان على فعلي ده، بس أظن رد فعلي كان بسبب اللغز إللي ما عرفتش أحله.
أسيل: أو من الممكن أن يكون بسبب شيء آخر، مثل فقدانك لذكائك، أو فقدانك لوحدات كثيرة من الذكاء في فترة قصيرة.
عليك أن تضع في حسبانك أن مخزونك زاد بعد ادخارك لثمن الكتاب، وأنت أنفقت كل هذا المخزون مرة واحدة: غير إنك أخذت 200 وحدة زائدة، وأيضاً ثمن استئجار الحصان.
صدقني، لو كان أحد آخر لفعل أكثر مما فعلت، وسيتصرف بغرابة.
أي شخص آخر كان سيتجرد من شخصيته الحقيقية، وحينها لن يلومه أي أحد.
إن هذا التصرف كان خارج عن سيطرتك يا خالد.
لقد أصبحت مثلنا.
خالد ما كانش قادر يرد بسبب إنه كان حزين جدًا.
يامن: الا يوجد حل لهذا اللغز فى الكتاب؟
خالد: لأ، ما أظنش، عشان أنا قريت الكتاب وكان أغلبه بيتكلم عن أهل الذكاء، وطريقة عيشهم، ولما وصلت لآخر الكتاب لقيت اللغز موجود فيه، بس ما كانش في أي حاجة تانية.
أظن إن اللغز ده حله سهل جدًا، بس محتاج مننا شوية تفكير.
يامن أول ما سمع الجملة دي ظهر على وشه ملامح الخوف والدهشة، وقال: نفكر؟!!
وبعد كده لف وشه وكأنه بيحاول يتهرب من خالد.
خالد في اللحظة دي ظهر على وشه ملامح الغضب، والعصبية، وصرخ في يامن، وقال: عشان كده صاحب الكتاب كان عامل لغز، عشان عارف إن أمثالكم في الذكاء ما بيحبوش يفكروا وبيخافوا على ذكائهم، بس لازم إنتوا إللي تساعدوني علشان أعرف أخرج من هنا.
وبعد كده بص لأسيل وقال بتوسل: أسيل، أرجوكي، لازم تساعديني، إنتِ غنية ومعاكي وحدات كتير من الذكاء، يعني أذكى مني أنا كمان بمراحل.
لازم تفكري علشان تساعديني.
أسيل سكتت وما ردتش على خالد، وعينيها كانت في الأرض.
خالد بص ليامن، وقال: إنتَ أكتر واحد فينا هنا عارف الذكاء، وعارف مناطقها… حاول تساعدني أرجوك.
يامن برضه ما ردش على خالد وكان باصص في الناحية التانية.
خالد بصراخ بعد ما لاحظ إن الاتنين بيعرضوا عنه: عارف إنكم خايفين على ثروتكم، لإنكم لو فكرتوا، ذكائكم هيقل، بس صدقوني، لو حليتوا اللغز ده هتحسوا بفخر كبير جدًا، وهتكتشفوا أعظم إكتشاف إكتشفتوه في حياتكم.
خالد ما لقاش رد من أسيل ولا يامن، وساعتها حسّ بفقدان أمل كبير وراح قعد على الشاطئ وفضل يتفرج على البحيرة.
يامن: حسنًا يا خالد سأفكر، ولكن سأخذ الحصان أولًا وأعيده إلى صاحبه.
وبعد كده بص لخالد، وقال: عليك أن تذهب إلى العمل معي اليوم.
خالد بصراخ: مش هروح حتة.
أسيل قربت من خالد وقعدت جنبه، وقالت بحنية: كنت أظن أنك أقوى من ذلك.
ليس عليك أن تيأس يا خالد، أنت قوي، وستجد حل لهذا اللغز.
خالد بسخرية: للأسف اللغز ده محتاج واحد ذكي مش واحد قوي.
عشان كده صاحب الكتاب عمل لغز، عشان عارف إن كل أهل الذكاء أقوياء وليسوا أذكياء.
اللغز محتاج حد يفكر يا أسيل، وأنا لازم أفكر.
وبعد كده بص على يامن إللي خلاص كان قرب يبعد عنهم بالحصان وقال بصوت عالي: يامن! ما تمشيش.
خليك معايا النهارده وما تروحش الشغل.
يامن إستغرب جدًا من كلام خالد وما كانش عارف يرد عليه يقول إيه.
خالد: ما تروحش الشغل النهارده وأنا هديلك أجرك إللي كنت هتاخده في الشغل، بس أرجوك فكر معايا.
وبعد كده بص لأسيل، وقال بتوسل: أسيل، إنتِ هتدوري على حل معايا للغز ده؟
أسيل بابتسامة بعد ما طبطبت على كتف خالد: حسنًا، أنا موافقة.
يامن وأسيل قعدوا جنب خالد في حلقة، وخالد قام من مكانه وبدأ يمشي حواليهم وهو بيتكلم.
خالد وهو باصص على البحيرة: أنا الفترة إللي فاتت خسرت من مخزون ذكائي حوالي الخمس، بس ده مش هيعطلني إني أفكر في حل اللغز ده، لإن لسه عندي مخزون كبير من الذكاء.
وبعد كده فتح الكتاب بإيده وقال: اللغز بيقول: يكون كالشمس، وينحت في الصخر، وسيرى الباب أمام الرأس.
يكون كالشمس، وينحت في الصخر، وسيرى الباب أمام الرأس.
وبعد كده بص ليامن وسأله: هو في تماثيل في الذكاء؟
يامن: لماذا تسأل؟!
خالد: ممكن يكون صاحب الكتاب يقصد رأس تمثال مثلًا.
يامن بعد ما سكت شوية: لا أظن ذلك.
أسيل: لا توجد في الذكاء تماثيل إلا بعض التماثيل التي ينحتها بعض أهالي الذكاء.
ويقومون بنحتها في يوم الذكاء ويوزعونها على الفقراء لكي يضعوها أمامهم في لعبة الذكاء، وبعد إنتهاء اللعبة يتم تحطيم هذه التماثيل جميعًا لأنها تعتبر نذير شؤم بالنسبة للفقير.
خالد فضل يلف حوالين نفسه ويتساءل: يعني ما فيش تماثيل.
طب إزاي هنحت في الصخر يا أسيل؟
أسيل: إنك تفعل ذلك بالفعل.
يامن بضحكة ساخرة: وأنا أيضًا أفعل ذلك… هل هذا يعني أنني سأذهب مع خالد إلى بلدة؟
خالد بص ليامن بنظرة مرعبه كأنه بيقول له اسكت بدل ما أجي أضربك، وفعلاً يامن سكت.
خالد لأسيل: عندك حق فعلاً أنا بكسر الصخور بس ما فيش هنا رؤوس في المنطقة دي.
أسيل ما ردتش، وما كانتش لاقية حل للكلام إللي خالد بيقوله.
ويامن هو كمان ما كانش لاقي رد مناسب.
خالد: طب إزاي أكون زي الشمس؟!! يقصد إيه بكلامه ده؟
يامن بضحكة: إنك تشبه الشمس بالفعل يا صديقي. فأنت مضيء مثلها، وغضبك مثل حرارتها الشديدة.
خالد بغضب: يا ريتني والله كنت سبتك تروح الشغل بدل ما إنت عامل زي العيال التافهة، ووجودك زي عدمه.
يا ريت تسكت يا يامن علشان أنا خلقي ضيق وفيا إللي مكفيني.
يامن سكت، ورجع بظهره للخلف، ونام على الزرع، وساب خالد هو وأسيل يفكروا في حل اللغز.
خالد كان عمال يتكلم مع نفسه، وأسيل متابعاه وهي ساكتة، وكانت بتتمنى إن خالد يلاقي حل علشان هي عايزة تساعده بأي طريقة.
خالد بعد ما بص لأسيل بترجي: ممكن تساعديني؟
أسيل بابتسامة: بالطبع سأساعدك… أنا أفكر الآن… دعنا نعيد الحسابات.
لقد قلنا إنه لا توجد أي رؤوس في هذه المنطقة، وأنت تقوم بتكسير الصخور بالفعل.
أنا أشعر أنك لم تقرأ الكتاب جيدًا، بالتأكيد هناك ما فاتك.
خالد: لا، أنا متأكد إني قرأته كله.
الوقت عدى وخالد عمال يلف حوالين نفسه، وكلهم بيفكروا بكل مجهودهم.
الشمس غابت، وأسيل ويامن وخالد كانوا لسه قاعدين عمالين يفكروا، بس يامن تعب من التفكير وكان نايم على ظهره، وعمال يتفرج على النجوم.
خالد: معلش يا جماعة تعبتكم معايا… تقدروا تروحوا إنتوا دلوقتي.
يامن بعد ما قام من مكانه: سامحني يا صديقي، لقد كنت أريد مساعدتك، ولكني لست ذكيًا مثل صديقي إياد.
حينما كنت صغيرًا، كانت أمي دائمًا تقول لي إن إياد صديقي أذكى مني بكثير.
ولكن أين نجد إياد الآن؟ فهو للأسف يقطع الصخور في المنطقة الغربية ولن نستطيع أن نطلب منه المساعدة.
في اللحظة دي خالد سكت، وبعد كده عينيه بدأت تلمع بالفرحة، واتحرك ناحية أسيل ويامن، وحط شوية حطب فوق الحطب اللي يامن كان مولعه قبل كده، والنار بدأت تشتعل.
خالد وهو بيبص على النار بفرحة: أنا لما نزلت سرداب فوريك كان في طريقين، أنا اخترت واحد منهم، والسرداب بدأ يبعدني عن الطريق الثاني، وأظن الطريق الثاني ده هو المخرج.
خالد بعد كده قعد على الأرض أمام يامن وأسيل، والاثنين كانوا بيترقبوا كلامه.
خالد مسك قطعة خشب صغيرة، وبدأ يرسم بيها على الرمل خط طويل وقال: لو كان الخط ده هو الطريق الرئيسي للسرداب.
وبعد كده رسم خط تاني بيتفرع من الخط الأول، ووجه الخط ده يتجه ناحية يامن وأسيل.
وهو بيرسم الخط: ولو اعتبرنا الطريق التاني ده هو الطريق إللي بيوصل للصحراء الموجودة خارج الذكاء.
وبعد كده رسم خط متفرع من الخط الرئيسي بس كان معاكس للخط الفرعي إللي رسمه قبل كده، وكمل، وقال: الطريق ده السرداب أجبرني إني أبعد عنه، وأظن ده هو طريق المخرج إللي صاحب الكتاب قال عليه.
خالد قام وقف، ورجع خطوتين للخلف، وابتسم: أنا اتأكدت دلوقتي إن فعلًا الذكاء سحبت من ذكائي كتير جدًا.
إزاي ما فكرتش في الموضوع ده قبل كده؟! إزاي ما جاش في بالي الحل ده؟!
وبعد كده شاور على أسيل ويامن وأمرهم إنهم يبصوا على الفرع إللي رسمه ناحيتهم، وقال: أنا متأكد إن الطريق ده هو اللي بيوصل لشرق الذكاء.
وبعد كده شاور على الخط الفرعي المعاكس ليهم، وقال بابتسامة هادئة، وكأنه لقى الحل: والطريق المعاكس ليكم ده هو الطريق لغرب الذكاء.
وبعد كده ابتسم بفرحة وقال: المنطقة الغربية هي المنطقة الوحيدة إللي ما زرتهاش في الذكاء.
وبعد كده بص على السماء وخد نفس عميق، وبعد كده قال لأسيل ويامن: صاحب الكتاب ما قصدش بالشمس إني أنا اللي مضيء.
هو قصد بالكلمة دي حركة الشمس من الشرق للغرب.
خالد فضل يتنطط زي العيل الصغير، ويقول: ده الموضوع طلع أسهل بكتير مما كنت أنا متخيل، الواحد لو كان شغل دماغه بس كان زماني حليت اللغز من أول ما أخدت الكتاب.
أسيل ويامن فرحوا جدًا علشان خالد لقى اللغز، وأسيل بصت لخالد بابتسامة وقالت: حسنًا لقد حللنا اللغز، ولكن يبقى الرأس.
خالد بابتسامة ثقة: هلاقيها إن شاء الله.
يامن: وما الذي يؤكد لك أن المخرج موجود في المنطقة الغربية؟
خالد: مش متأكد بنسبة 100%، بس ما عنديش وقت إني أقعد أفكر هل استنتاجي صح ولا غلط.
لازم أجازف يا يامن علشان أوصل للي أنا عايزه. لو خفت من المخاطرة هفضل قاعد هنا طول العمر زي أبويا بالظبط.
أنا هروح المنطقة دي، وأنا إن شاء الله متأكد إني هلاقي الرأس إللي بدور عليها هناك.
باقي جزء بسيط من اللغز لسه ما حليناهوش، وأظن اللغز ده أسهل من الباقي.
أسيل بضحكة: أظن إن الذكاء في بلادكم يختلف عن ذكائنا.
خالد باستغراب: إزاي؟
أسيل بابتسامة: لو فقد أحد من أهل الذكاء خمس ذكائه لما استطاع أن ينطق مرة أخرى.
خالد بابتسامة: أتمنى بس إن ظني يكون في محله، وصاحب الكتاب خلي اللغز سهل علشان إللي يقرأه يعرف يحله.
يامن بضحكة بعد ما مسك السرج بتاع الحصان: حسنًا أيها الذكي، عليك الآن أن تذهب إلى المنطقة الغربية، ولكن أيضًا عليك أن تعلم أن هذه المنطقة أبعد بكثير من المنطقة الشمالية.
إذا عليك أن تستأجر حصانًا أقوى من هذا الحصان، وهذا سيكلفك مبلغًا أكبر من الوحدات.
أسيل وهي بتحاول تطمّن خالد: ليس عليه أن يستأجر حصانًا بعد الآن.
يامن باستغراب: لماذا؟
أسيل: لقد استأجر حصانًا لأني لم أكن أذهب إلى المنطقة الشمالية.
لكني أذهب إلى المنطقة الغربية، وعليه أن ينتظر بضعة أيام قليلة لكي يذهب معي إلى هناك.
وبعد كده بصت لخالد بابتسامة لطيفة، وقالت: هل ستنتظرني قليلًا يا خالد وتذهب معي؟
خالد بفرحة: أكيد طبعًا هستنى يا أحلى واحدة في الذكاء.
أسيل بابتسامة: إذا عليك أن تعمل أيها القوي، لأنك قد استهلكت كثيرًا من مخزونك.
عليك أن تعيد حتى ولو جزءًا قليلًا من ثروتك.
وبعد كده بصت ليامن وقالت: يامن، ألا تريد مساعدة صديقك هناك؟
خالد بص لها باستغراب وما ردش عليها، وأسيل كملت كلامها وقالت: لا تقلق، فأنا أريد مساعدًا آخر.
لكني لن أعطيك أكثر من أربع وحدات في اليوم، ولكي أكون صادقة سأعطيك ملبسًا جديدًا مقابل مجيئك معنا.
ما رأيك؟
يامن سكت شوية، وبعد كده ضحك وقال: هل سأصير مساعدًا لطبيبة؟! حسنًا، لم لا؟!
أسيل ابتسمت، وبعد كده بصت لخالد وقالت: سأقوم بالمغادرة الآن، وسأعود بعد ستة أيام، وأنتظركما هنا لكي نذهب معًا إلى المنطقة الغربية.
وبعد كده بصت ليامن وقالت: ملابسك الجديدة ستأتي إليك قبل يوم من ذهابنا.
خالد ضحك، وبص ليامن بعد ما أسيل مشيت: هتبقى مساعد الدكتورة يا أهطل.
يامن بضحكة: من الممكن أنها تريد مني أن أقود عربتها.
يامن بعد ما خلص كلام مع خالد، مسك السرج بتاع الحصان وتجهّز علشان يمشي.
يامن بعد ما بص لخالد: سوف أذهب الآن، علي أن أذهب إلى المطعم لكي آكل لأني لم أضع شيئًا في فمي منذ الصباح.
هل تريد أن تأتي معي؟
خالد بعد ما سند ظهره على الشجرة وبص على البحيرة: لا، أنا مش جعان.
كده كده محتاج أوفّر وحدات ذكائي علشان أعرف أفكر كويس في اللغز إللي لسه ما حليتهوش.
يامن بابتسامة: حسنًا يا صديقي، أراك في الغد.
حينما أصل إلى العمل سأخبر العمال أني قمت بإمساك أغلى كتاب في الذكاء.
يامن مشي، وخالد فضل قاعد لوحده تحت الشجرة قدام البحيرة.
عدت الأيام ورا بعضيها، وخالد كان شغال مع يامن في المحجر، وكل يوم بعد ما بيخلص شغل يفضل يقرأ في الكتاب علشان يلاقي حل للغز، وكان بيحاول يقارن بين اللي كتبه في الورق بتاعه عن أهل الذكاء، واللي صاحب الكتاب كتبه.
خالد كان بيسأل كل شخص راح المنطقة الغربية قبل كده، لعله يستفيد منه بأي حاجة أو يعرف حاجة عن الرأس التي يقصدها صاحب الكتاب.
خالد كان عارف كويس إن ذهابه للمنطقة الغربية فيه مجازفة كبيرة، وممكن أصلًا ما يكونش هو ده مقصد صاحب الكتاب، بس قال إنه لازم يجازف، وما كانش قدامه حل تاني، وده هو أنسب حل ليه.
لحد ما جه اليوم السادس، وأسيل كانت مستنياه في العربية بتاعتها عند البحيرة، ولاحظ إن يامن جاي عليهم من بعيد، وهو لابس الطقم الجديد.
الطقم كان عبارة عن جلباب أزرق قصير ومزخرف، وتحتيه بنطلون فضفاض.
يامن كان ماشي بالزي بتاعه الجديد، وهو عمال يتباهى ويبص كل شوية على أكمامه كأنه عيل صغير لبس لبس العيد.
خالد بضحكة أول ما شافه: يا أخي والله النظافة حلوة.
يامن بتعالي: أترى أيها الفقير كم أبدو وسيمًا بهذا الزي الجديد؟
خالد بضحكة: طبعًا يا باشا، ده إنت هدومك أنضف من هدومي بكتير.
يامن بسخرية: عليك أن تعلم أني أعمل بمقابل، أما أنت فتعمل مقابل ذهابك إلى المناطق التي تريدها.
هذا يعني أننا لسنا متشابهين أيها الفقير.
خالد ويامن كانوا عمالين يهزروا لحد ما أسيل دخلت عليهم بالعربية.
يامن أول ما شاف السائق بتاع العربية: يبدو أنني كنت مخطئًا، ولن أعمل كسائق.
يبدو أنني سأعمل مساعدًا لطبيبة، حقًا أنا لا أصدق ذلك.
خالد كان عمال يضحك على يامن، وأسيل خرجت من العربية وندهت عليهم وهي مبتسمة: هيا، كفاكم مزاحًا.
خالد هز رأسه بالموافقة وراح ناحية الشجرة، وطلع الأغراض بتاعته، وكانت عبارة عن لفافة قماش فيها الأوراق بتاعته، والكتاب، وكان فيه شوية كسرات خبز قديمة خالد كان شايلها لوقت عوزة.
خالد ويامن ركبوا العربية، وأسيل أمرت السائق إنه يتحرك نحو المنطقة الغربية.
خالد كان عمال يضحك على يامن، وأسِيل خرجت من العربية وندهت عليهم وهي مبتسمة: هيا كفاكم مزاحاً.
خالد هز رأسه بالموافقة، وراح ناحية الشجرة، وطلع الأغراض بتاعته، وكانت عبارة عن لَفافة قماش فيها الأوراق بتاعته، والكتاب، وكان في شوية كسرات خبز قديمة خالد كان شايلها لوقت عوزه.
خالد ويامن ركبوا العربية، وأسِيل أمرت السائق إنه يتحرك نحو المنطقة الغربية.
العربية اتحركت، وأسِيل ويامن، وخالد متشوقين جداً للي هيحصل في المنطقة الغربية.
أسِيل وهي قاعدة إستغربت من طلب يامن إللي كان عايز يبص من الشباك علشان ينده على أصحابه إللي معاه في العمل عشان يوريهم الزى الجديد بتاعه.
خالد كان قاعد ساكت وعمال يفكر في اللغز، وأسِيل سألته: هل وجدت حلاً للغز؟
خالد بابتسامة: لا للأسف ما اكتشفتش أي حاجة جديدة، بس أنا حاطط أملِي كله إن المخرج يكون هناك، وإن شاء الله لما نوصل هنلاقي حل.
أسِيل بابتسامة: أرى أنك تريد أن تغادر الذكاء بسرعة، وأظن أنك إذا رأيت المخرج فلن تنتظر أن يأتي يوم الذكاء حتى.
أخبرني ماذا ذكر هذا الكتاب عن تاريخ الذكاء؟
خالد بابتسامة: ما أظنش أن صاحب الكتاب عارف سر الذكاء هو كمان، وأظن برضه إن مفيش حد يعرف سر الأرض دي، بس هو اتكلم عن طريقة كلامكم باللغة العربية.
أسِيل: كيف هذا؟!
خالد بعد ما قلب صفحات الكتاب بسرعة، وشاور على صفحة فيه: الكتاب بيقول إن في ناس من بلدي جم هنا من قرون كتير، وهما إللي علموا أهل الذكاء اللغة العربية بتاعتنا.
يامن بضحكة بعد ما قاطعهم: بهذا فإننا ندين لكم بالكثير أيها المصريون.
خالد بابتسامة: الكاتب برضه بيقول إن أهل بلدي أغلبهم سكنوا في المنطقة الشمالية.
يامن بضحكة بعد ما تراجع عن كلامه: طالما أنهم يسكنون في المنطقة الشمالية فـ أنا لا أدين لكم بشيء.
أسِيل: هل ذكر الكتاب موقع الذكاء بالنسبة لأرضك؟
خالد: لا ما اتكلمش عن حاجة من الحاجات دي.
بس إللي أعرفه أنا وصاحب الكتاب إن الطريق بين بلدي وبلدكم هو سرداب فوريك.
وبعد كده قلب شوية صفحات من الكتاب، وقال: حتى صاحب الكتاب ما لقاش تفسير لوجودكم، ولا لقى تفسير لوجود السحرة الموجودين خارج أسوار الذكاء، وما كانش عندي تفسير للأراضي، والآبار، والسماء، والشمس الموجودين في هذا العالم.
ظن الكاتب أن الذكاء يمكن أن تكون أرض أخرى في عالم موازٍ ولا يوجد أحد يعلم مكانها.
كل إللي نعرفه إن أرض الذكاء موجودة في نهاية سرداب فوريك.
أظن إنها هتفضل سر ما حدش هيعرفه أبداً.
التلاتة كانو في الطريق عمالين يتكلموا عن الكتاب، ويقرأوه، وكان بيظهر الاندهاش على ملامح أسِيل ويامن لما خالد بيكلمهم عن سرداب فوريك، وعن الإبداع الهندسي إللي موجود فيه، وكمان اندهشوا لما عرفوا إنه بيبقى مضيء لما القمر بيكون بدر.
وكمان اتعجبوا من كيفية تهوية السرداب، وكانهم مش مصدقين اللي بيسمعوه، بس خالد قالهم إنه شايف كل الكلام ده بعينه.
الوقت عدّى والتلاتة كانوا عمالين يتكلموا في نفس الموضوع، وبرضه إتكلموا شوية عن هلال الجشع إللي قبل ياخد 100 وحدة إضافية من أخوه بالغصب.
ويامن ساعتها أقسم إنه لو كان مكان خالد كان زمانه قتل هلال وخد منه الكتاب بالإكراه.
وضحكوا لما عرفوا حكاية خالد لما سكر في الخمارة، وكان بيقول كلام مش فاكره، وضحكوا لما عرفوا إن الناس كانت عمالة تتريق عليه.
بعد كده بدأوا يغيروا كلامهم وتكلموا عن المنطقة إللي رايحينها.
خالد بعد ما بص ليامن: إنت قلتلي قبل كده إن المنطقة دي فيها سوق كبير بيتباع فيه جميع المنتجات إللي بتتعمل في الذكاء سواء كانت زراعية، أو صناعية.
يامن: أجل هناك الكثير من الأشخاص يقصدون هذه المنطقة رغم أنها أبعد منطقة في الذكاء.
أسِيل: أجل هي بعيدة عن منطقة باب الذكاء ولكنها أقرب منطقة إلى الحاكم.
وبعد كده شاورت من النافذة وقالت: بالمناسبة إننا نمر على منطقة الحاكم الآن.
خالد بص من الشباك وانبهر بقصور المنطقة الوسطى المميزة إللي تخص منطقة الحاكم.
وبعد كده بص على الطريق إللي كانوا ماشيين فيه، واعجب جداً بطريقة بناء الطريق لأنه كان ممهد بأفضل الطرق.
يامن: نحن نقترب أيضاً من المنطقة الجنوبية، وهذه المنطقة تخص الزراعة ويأتي إليها أغلب أهالي الذكاء لأن الأسعار فيها أرخص بكثير من المناطق الأخرى.
أسِيل: وهذه المنطقة أيضاً تعد المسكن الأكبر للتجار في الذكاء، وهم يعيشون في هذه المنطقة رغم أنها يصعب العيش فيها.
المنطقة الغربية أصبحت تنافس منطقتنا الخاصة في صناعة الطوب منذ الآونة الأخيرة.
وهذا لأنهم استغلوا مساحتها، وطبيعتها الصخرية لصناعة الطوب مثلنا، وأصبح هناك عمال أقوياء كثيرين ومن ضمنهم صديقي إياد.
خالد سكت، وبعد كده ضحك بسخرية: الدنيا دي عجيبة وبتحب تلففني حوالين نفسي.
الأول كان كل هدفي أن ألاقى الكتاب دلوقتي بدور على رأس ما أعرفش شكلها عامل إزاي.
وبعد كده رجع بظهره، وتنهد بصوت عالي وقال: ده المصيبة بقى لو رحت هناك و لقيت الرأس دي، وبعد كده ألاقي لغز تاني لازم أحله.
أسِيل بابتسامة: لا تيأس يا خالد حتى وإن وجدت لغز آخر فإنا واثقة أنك ستقوم بحله لأنك قوي، وذكي، تختلف عن غيرك.
عليك أن لا تنسى أنك من وجدت الكتاب، وأنت من وجدت حل اللغز، وفي النهاية أنت ستخرج من هنا بنفسك.
لقد قمت بكل هذا يا خالد دون مساعدة أي أحد، وهذا يدل على قوتك، وعزيمتك.
خالد حس بفرحه كبيره من كلام أسِيل، وحس بتحفيز كبير، وفضل باصص لأسِيل وهو مبتسم طوال الطريق.
الشمس غربت، والظلام حل، والسماء أغلقت جميع أنوارها، ويامن رجع بظهره علشان يسند دماغه لأن النعاس غلبه، وغمض عينه.
أما بالنسبة لأسِيل فا عينيها ما شافتش النوم وظلت طول الليل بصّة على السما لحد ما صرخت بصوت عالي وقالت: خالد! خالد!
خالد قام من النوم مفزوع وقال: إيه؟ إيه؟؟!
أسِيل وهي بتشاور على السماء: هاهو أسيل.
خالد بص على السماء ولاحظ إن فعلاً نجم أسِيل موجود فيها، وبعد كده إبتسم، وبص على أسِيل وقال: تعرفي إني بتفائل بالنجم ده جداً زي ما بتفائل بالضبط بوشك القمر ده.
أسِيل إبتسمت بخل، وحست بكثفه وخجل كالعاده، ورجعت تبص على النجم مرة تانية، وهي مبسوطة.
خالد فضل باصص على أسِيل، وهي مركزة مع النجم، وكان بيفرح جدا لما بيشوف إبتسامتها، وبعد كده يضحك لما يبص على يامن فيلاقيه إتزحلق من على المقعد، وراسه داخلة في صدره ومش قادر يتحرك من كتر التعب.
وبعد كده بص على الشباك فلقى دخان، وفى نار متولعه بعيدة، وعرف ساعتها إنهم قربوا من المنطقة الغربية.
العربية وصلت لأطراف المنطقة الغربية، وأول ما وصلوا خالد صحى يامن على طول، ولما يامن صحي من النوم ولقى نفسه متزحلق بسبب تعبه إبتسم هو كمان، وقام بسرعة وعدل نفسه.
أسِيل وهي بتضحك: كفاكم نوماً، هيا لنذهب.
خالد: هنروح فين؟
أسِيل: هناك مكان مخصص هنا لطبيبة الحاكم، ولمساعديها.
يامن وهو فرحان: جيد، لقد خفت أن أنام على الرصيف مثل صديقنا.
خالد وهو بيخبطه على كتفه: ما بقاش غيرك إنت إللي تتريق عليا؟!
أسِيل: كفاكم مزاحاً… علينا أن ننام لكي نستيقظ مبكراً لأن لدينا عمل حافل، وسأحتاج إلى مساعدتكما حتى الظهيرة، وبعد ذلك يمكنكم الذهاب والبحث عن السرداب.
بعد وقت قصير العربية وقفت قدام واحد من البيوت الموجودة في المنطقة الغربية، أسِيل، وخالد، ويامن نزلوا وخالد كان شايل في إيده كل الشنط اللي تخص أسِيل، وتخصه.
وأول ما نزلوا في واحد كان في استقبالهم.
ثاني يوم الصبح خالد قام من النوم بسرعة، وصحى يامن وراحوا لأسِيل، واتجهوا هما الثلاثة للعمل، وكان معاهم الراجل إللي استقبلهم أول ما وصلوا.
أسِيل بدأت تروح للمرضى وتفحصهم، وإللي كان بيحتاج أدوية كانت أسِيل بتديهاله، ولو في شخص محتاج يلف ضماضه حوالين جرح كانت أسِيل بتسيب خالد يقوم بالمهمة دي.
ويامن ما كانش بيعمل أي حاجة غير إنه بيشيل الشنط، وبيتباهى بهدومه الجديدة، وكل ما بنت حلوة تعدي من قدامه يسيب الشنط إللي ماسكها، وبعد كده ينفض من على هدومه الغبار علشان يلفت نظرها.
بس كالعادة ما كانش فيه ولا واحدة بتعبره، ولما البنت تعدي يرجع تاني يمسك الشنط.
خالد كان بيفطس من الضحك لما يشوف يامن بيعمل الحاجات دي على عكس أسِيل إللي كانت متعصبة جداً، بس لما كانت بتشوف خالد بيضحك بتضحك هي كمان غصب عنها وده بسبب حبها لخالد.
خالد،ويامن وأسِيل فضلوا يتمشوا في شوارع المنطقة الغربية، وخالد كان عمال يبص على بيوت المنطقة دي إللي كان ظاهر عليها الثراء.
بس ما كانتش بنفس جمال قصور منطقة الحاكم، بس البيوت دي كانت غنية لأنها مسكن لتجار الذكاء، وأغلب البيوت دي تتميز بالإبداع العمراني، ومكونة من طابقين.
الوقت عدى، والشمس قربت تغرب وساعتها أسِيل طلبت من يامن، وخالد إنهم يمشوا علشان هي تروح تداوي جراح السيدات، وقالت لهم إنهم يقدروا يمشوا يدوروا على هدفهم.
خالد، ويامن مشيوا، ويامن اتخلص من الطقم الجديد بتاعه ولبس الطقم القديم إللي كان جايبه معاه، ومشي مع خالد في شوارع المنطقة الغربية.
خالد ويامن بدأوا يدوروا على أي حاجة شبه الرأس اللي بيدوروا عليه، واللي ما يعرفوش شكلها أصلاً عامل إزاي.
لحد ما وصلوا لميدان واسع وفيه كتير من أهل الذكاء.
يامن قال لخالد إن دي هي أسواق المنطقة الغربية الكبيرة.
خالد ويامن بدأوا يتمشوا في أنحاء السوق، وخالد لاحظ إن فيه بياعين فاكهة، وشاف فاكهة من جميع الأشكال والألوان، وخضار من جميع الأشكال والألوان، وكان في محاصيل زراعية شافها قبل كده، ومحاصيل أول مرة يشوفها.
وكان في النحية الثانية موجود بياعين ملابس، وكان في قمصان وبناطيل بألوان وأشكال مختلفة.
والبياعين كانوا عمالين ينادوا بأسعار الوحدات، وكانت الزحمة كبيرة جداً والصخب يعم المكان.
خالد ويامن كانوا بيتحركوا بصعوبة وسط الزحام ده، وخالد بدأ يعلي صوته علشان يامن يسمعه وقال: هي الناس هنا مش خايفة على ثروتها ولا إيه؟! أنا شايف كل واحد بيشتري كميات كبيرة.
يامن وهو بيعلي صوته هو كمان علشان خالد يسمعه: ألم أخبرك من قبل؟ هذا المكان الأشياء فيه أرخص بكثير من المناطق الأخرى، وأغلب التجار يأتون إلى هنا لكي يشتروا بأسعار رخيصة ثم يذهبون إلى مناطق الأثرياء، ويبيعونها بسعر غالي، ويحققون من خلال ذلك ثروة كبيرة.
وأيضاً هناك سلعة زراعية، يقومون بشرائها ويعرفون جيداً كيف يربحون من خلالها.
خالد ويامن كملوا بحثهم عن الرأس، بس الزحام كان مصعب عليهم الموضوع، وكانوا بيسألوا كل شخص يقابلهم عن رأس تمثال، أو رأس مشهورة.
بس للأسف ما كانش في حد بيجاوبهم بالإيجاب وكله أنكر إن فيه تمثال في المنطقة دي.
فضلوا على هذا الحال لحد ما حسوا بالتعب، وقعدوا على رصيف في جانب الشارع.
يامن بعد ما قعد وشرب من الميه اللي كان جايبها معاه: لا تقلق يا صديقي، أنا واثق إننا سنجد ما تبحث عنه، فحدثي لا يخطئ أبداً.
خالد بسخرية بعد ما سحب قارورة المياه من إيديه: أبوس إيدك اسكت، إنت بالذات مش عايزك تتفائل بحاجه.
يامن: صدقني سن…
يامن ما كملش الجملة لأنه بص على شخص ماشي في الشارع وكان ظاهر عليه ملامح الصدمة، والانبهار.
يامن بعد ما نده على الشخص إللي بيمشي في السوق بصوت عالي: إيااااااااد.
يامن جرى على إياد صاحبه، وحضنوا حضن قوي، وسلم عليه بلهفة، وبعد كده فضل يتكلم معاه شوية، وخدوه علشان يسلموا على خالد.
يامن أول ما وقف إياد قدام خالد: هل تتذكر خالد إنه الشاب الغريب الذي قابلناه يوم الذكاء؟
إياد بابتسامة: أجل تذكرت إنه الغريب عن الذكاء.
هل أصبحتما صديقين؟
يامن بضحكة: أجل.
إياد بتساؤل: إذن وما الذي جاء بكم إلى هنا؟ هل تريدان شراء شيء لكي تتاجروا فيه؟
وبعد كده بص ليامن بعتاب وقال: ولماذا لم تخبرني يا صديقي بأنك ستأتي؟ أكره مفاجآتك.
يامن بضحكة: سامحني يا صديقي.
أخبرني؟ هل هذه المنطقة صخرية؟
إياد: أجل، هذه أكثر منطقة وعرة في الذكاء.
إن الأرض هنا في غاية الصلابة، وأيضاً لا تصلح للزراعة.
خالد: أخبرني يا إياد؟ هل يوجد في هذه المنطقة أي تماثيل؟
إياد بعد تفكير: لا أظن ذلك لأني أعيش في هذه المنطقة منذ زمن، وأنا أتذكر إني ما شفتش تمثال، أو رأس.
أظن إنكما أخطأتما في وجهتكما.
خالد بعد سكوت وتوتر: بس الكتاب بيقول إن لازم أكون زي الشمس، وأنحت في الصخر، وأظن أقرب تفسير للغز ده هي المنطقة الغربية.
يامن بعد ما بص لإياد بترجي: هيا يا صديقي إنت ذكي ويمكنك مساعدتنا، حاول إنك تفكر في حل لهذا اللغز.
أنا عايز اساعد خالد لأنه صديقي، وأريده أن يعثر على هذا الرأس لكي يعود إلى بلده.
يامن بابتسامة بعد ما شرب من الميه إللي جابها: صدقني يا خالد أنا أريد مساعدتك، ولكني لا أعرف عما تتحدث، فانا لا أفهم شيئاً من حديثك عن الكتاب، ولا أظن أن كلامك لديه معنى سوى كلمة النحت في الصخر.
وأظن فعلاً إن هذا حل اللغز لأن هذه المنطقة الصخرية شهيرة بالنحت، وهناك بعض الأقوال بأن هذه الطبيعة الصخرية هي التي ساعدت في بناء سور الذكاء.
خالد، ويامن، وإياد ما كانوا لسه كملوا كلامهم لحد ما اتفاجئوا بأسيل جاية تجري عليهم، وهي بتلهث من كتر التعب، وحاطّة إيديها على صدرها.
أسيل وقفت قدام خالد وهي عمالة تنهج، وبدأت تلتقط أنفاسها، والعرق كان نازل من على وشها.
أسيل وهي بتنهج: لقد وجدت الرأس الذي تبحث عنه.
في اللحظة دي قلب خالد إنتفض، وتسارعت ضربات قلبه، وما كانش مصدق، ودانه، ويامن نفس الكلام.
خالد بلهفة: إنت متأكده من إللي إنتِ بتقوليه؟!
أسيل: أجل.
خالد: طب فين؟
أسيل وهي بتنهج: لقد وجدت الرأس الذي تبحث عنه.
في اللحظة دي، قلب خالد إنتفض، وتسارعت ضرباته، وما كانش مصدق ودانه، وإياد ويامن نفس الكلام.
خالد بلهفة: إنتِ متأكدة من اللي إنتِ بتقوليه؟!
أسيل: أجل.
خالد: طب فين؟
أسيل مسكت خالد من إيده، وبصتله بنظرة ثقة، وقالت: تعال معي.
أسيل خدت خالد وجريت بسرعة، وهي ماسكة إيده، وإياد ويامن كانوا بيجروا وراهم، وكل شوية كانوا بيصطدموا بعدد كبير من الناس، وكل ما حد يشتمهم كان إياد ويامن بيبصوا له بابتسامة غيظ، ويكملوا جري.
أسيل كانت عمالة تجري، وخالد كان عمال يسألها عن مكان الرأس، لكن أسيل ما بتردش عليه وبتفضل مبتسمة طول ما هي بتجري، وكانت ماسكة في إيد خالد بقوة ومش بينفصلوا عن بعض نهائي، وإياد ويامن كانوا بيجروا بسرعة وراهم، وعمالين يزقوا الناس بإيديهم علشان ما يفقدوش أثر خالد وأسيل.
لحد ما خرجوا من السوق ودخلوا شارع الزحام فيه أقل شوية.
وصلوا لنهاية الشارع، وأسيل كانت بتقودهم، وكانت ماسكة في إيد خالد بدون ما تنطق ولا حرف، وخالد كان عمال يجري وراها وهو مش عارف هي مودياهم على فين، بس ضربات قلبه كانت عمالة تتسارع، وحاسس باقتراب الأمل.
فضلوا على الحال ده لحد ما وصلوا لأطراف المنطقة الغربية، وما كانش هناك غير بيوت قليلة، أغلب البيوت دي ما كانتش بفخامة البيوت إللي موجودة في باقي المنطقة الغربية.
الشارع إللي خالد وأصدقائه كانوا موجودين فيه كان موجود في الشارع ده سور الذكاء، وكان إرتفاعه يصل لحوالي خمس طوابق.
أسيل وقفت، وكانت بتاخد نفسها من كتر التعب، وبعد كده شاورت بإيديها وهي باين عليها التعب، وقالت: انظروا هناك.
خالد بص على المكان إللي أسيل شاورت عليه، وإياد ويامن بصوا هما كمان، وفضلوا يدوروا على رأس موجودة بس ما شافوش أي حاجة.
خالد باستغراب: فين دي يا بنتي؟!
أسيل بابتسامة وهي بتنهج: ليس الأمر كما توقعنا، فهي ليست رأس تمثال، بل هي رأس مختلفة تماماً.
خالد إندهش من كلام أسيل وبص مرة تانية على المكان إللي أسيل شاورت عليه، بس برضه ما فهمش قصدها.
أسيل: أنظر إلى سور الذكاء يا خالد.
الثلاثة بصوا على سور الذكاء إللي كان بعيد عنهم بحوالي 80 متر.
لحد ما سألها خالد وهو فرحان: إنتِ قصدك على إللي أنا بفكر فيه؟!!
أسيل إبتسمت وهزت راسها بالموافقة، وبعد كده كملت كلامها، وقالت: انظروا إلى تصميم سور الذكاء، وتأملوا مساره الهندسي الخلاب، وبعد كده كملت كلامها وهو خالد بيبص على السور وبيتأمله: لم أستطع النوم بالأمس بسبب أن تفكيري كان منشغل بالكتاب، وظللت أقرأ الكتاب عدة مرات لكي أحاول أن أفهم اللغز وأقوم بحله، واستخدمت الكثير من ذكائي، ولكني لم أستطع حله.
وشاء القدر أن أقوم بمساعدة امرأة عجوز بعد ذهابكم للبحث عن الرأس، وبعد أن قمت بمدواة جراحها، أخبرتني أن هذه المنطقة الصخرية هي التي تحكمت في بناء السور، وذلك هو كلام أجدادها.
وفي هذه اللحظة بدأت أفكر في حل اللغز مرة أخرى.
إياد بعد ما قطعها، وبص لخالد: أجل، لقد كنت سأخبرك بأن المنطقة الغربية مبنية على شكل مثلث، وهذا المثلث يحيط به سور الذكاء.
لكن الطبيبة قاطعتنا ولم أستطع أن أخبرك بذلك.
أسيل: أجل هذا صحيح، لأن هذه الأرض الوحيدة الموجودة في الذكاء سورها مبني على هيئة مثلث.
وبعد كده شاورة على زاوية وقالت: هذه الزاوية بين ضلعي السور.
إننا نراها من الداخل كأنها زاوية، لكن لو نظرت إليها من خارج السور ستجد أنها رأس مثلث.
يامن في اللحظة دي صرخ، وكلهم اتجهوا ناحيته، ولأول ما شافوه لقوه بيشاور على صورة غريبة موجودة على السور.
يامن وهو بيشاور على حائط السور: انظروا إلى هذه الرسمة الغريبة الملحوظة على الجدار في هذه الزاوية.
يبدو أنها رسمة لشخص ما، ولكني لا أعرفه لأنني لم أره من قبل.
خالد بلهفة بعد ما تذكر كل حاجة: آه، الرسمة دي أنا شفتها قبل كده في السرداب من جوه لما جيت الذكاء أول مرة، وأول ما جيت أصور الصورة دي حصل زلزال في السرداب، وما قدرتش أتأملها ولا أصورها.
يامن بفرحة: إذاً هذا يثبت كلام الطبيبة أسيل، هذه هي الرأس التي نبحث عنها.
خالد قلبه دق بسرعة، وما كانش مصدق نفسه كان حلمه بيتحقق.
خالد بصوت هادي: أيوه، أظن أن أسيل فعلاً عندها حق.
وجود الرسمة دي هنا بيدل إن صاحب الكتاب هو اللي رسمها، وأكيد صاحب الكتاب كان عارف إن ما حدش هيفهم الرسمة دي غير شخص عدى من السرداب قبل كده.
شخص ضحى بكل حاجة عنده علشان يوصل لحل اللغز اللي هو كان سايبه.
بس الصراحة ما جاش في بالي خالص إن الرأس اللي صاحب الكتاب كان بيتكلم عنها هي رأس سور الذكاء اللي معمول على هيئة مثلث.
خالد بص على أسيل بحب وقال: شكراً جداً يا أسيل على مساعدتك، شكراً إنك ضحيتِ بذكائك علشان تساعديني، وصدقيني لولا مساعدتك ما كانش زماني وصلت لحل اللغز ده.
أسيل بابتسامة لطيفة: كفاك عبثاً، هذا واجبي.
وبعد كده بصّت لخالد باستغراب، وقالت: مالي لا أراك سعيداً رغم أننا حللنا اللغز، وأيضاً وجدنا الرأس التي تبحث عنها.
خالد سكت شوية وبعد كده بصّ لها بأسف وقال: اللغز بيقول إن السرداب هيبقى موجود أمام الرأس مباشرة، وبعد كده شاور على السور وقال: والرأس موجودة خارج السور، وده معناه إن الباب موجود خارج أسوار الذكاء.
في اللحظة دي، كلهم سكتوا وما كانواش لاقيين رد لأنهم ما فكروش في الموضوع ده قبل كده، وفرحتهم زالت تماماً.
إياد: علينا أن نذهب الآن لأن حراس الذكاء يمنعون أي شخص من الاقتراب من هذا السور، وهم يمرون بين الحين والآخر لكي يحرسوه.
الأربعة بعدوا عن سور الذكاء، ووقفوا مرة تانية قدام السور بس على بعد 80 متر.
يامن: إذاً لماذا قال صاحب الكتاب إنه من يريد أن يخرج من الذكاء عليه أن يمر بالذكاء أولاً؟!
أسيل: لقد قمت بقراءة الكتاب بالأمس، وذكر صاحب الكتاب أن سور الذكاء لم يكتمل بناؤه منذ حوالي قرن.
وبعد كده شاورت على جزء معين من السور، وقالت: أظن أن هذا آخر جزء تم بناؤه في السور، كما أخبرتني العجوز من قبل إنه أخذ وقتاً طويلاً لبنائه.
وبعد كده بصّت لخالد، وقالت: أظن أن صاحب الكتاب خرج من الذكاء قبل أن يكتمل بناء السور، وأظن إنه لما عاد مرة تانية إلى هنا لم يرد الخروج بسبب حبه لالذكاء كما كتب في الكتاب.
أو من الممكن إنه لم يخرج بسبب اكتمال بناء السور.
في الحقيقة لا أعلم ما الذي كان يفكر فيه صاحب الكتاب، ولكني أظن إنه ترك تلك الرسمة دليلاً على وجود الرأس، وعلى وجود مخرج من الذكاء.
خالد وهو ظاهر عليه اليأس: الكلام ده معناه إنني لازم أستنى لحد يوم زيكو لا علشان أقدر أخرج من هنا وألاقي باب السرداب.
إياد بضحكة سخريّة: هذا مستحيل.
إياد بعد ما خوفه اتحول لتوتر: ليه بتقول كده؟!
إياد: إن الأرض في مدينة الذكاء ممهّدة بسبب عمل أهلها لقرون طويلة لتمهيدها.
ولكن خارج هذه الأسوار تختلف الطبيعة عن هنا تماماً، وذلك بسبب إنه لا توجد أي بلد بجانب الذكاء لأن الذكاء موجودة في غرب العالم ولا يوجد في شمالها أو جنوبها أي بلد أخرى.
البلاد موجودة فقط خارج هذه الأسوار في الشرق.
وبسبب ذلك، لا يوجد أي طريق ممهّد في الخارج، يوجد فقط الطبيعة المختلطة بين الجبال العالية، والكثبان الرملية، والرمال المتحركة، وبسبب كل هذه المخاطر، لا يمكن لأحد أن يفكر حتى في الذي تفكر فيه.
وبعد كده قعد على الأرض في مكانه، وقال: وبسبب هذه الطبيعة، تتميز الذكاء بقوتها لأنه لا يوجد أي دولة تستطيع أن تهاجم الذكاء من أي ناحية من نواحيها غير الناحية الشرقية، وهذه الناحية يحميها سور الذكاء الكبير القوي.
وبعد كده سكت شوية وبص لخالد بأسف وقال: إن وجود الرأس خارج هذه الأسوار لا يدل إلا على شيء واحد، وهو أنه قد حكم عليك بالبقاء هنا باقي حياتك.
خالد في اللحظة دي ظهر على وشه ملامح الغضب، والخوف، والتوتر.
وبعد كده بص لأسيل بحزن وقال: مش قلتلك إنّي لما ألاقي الرأس إللي بدور عليها هيطلعلي مشكلة تانية لازم أحلها؟
أنا عارف من الأول إن الدائرة إللي أنا بلف فيها دي مش هتخلص.
خالد قعد على الأرض وحط رأسه بين إيديه، وقعد يخبط عليها وقال: لازم ألاقي حل، لازم.
يامن هو كمان فضل يخبط على دماغه، ويقول: الباب أمام الرأس، الباب أمام الرأس.
وأسيل فضلت تلف حواليهم وتقول: هيا يا أسيل، أنتِ أذكى أذكياء الذكاء، عليكِ أن تجدي حلاً لهذا اللغز البسيط.
أما بالنسبة لإياد، ففضل يبص على جميع أركان السور، ويلف بعينيه هنا وهناك.
خالد قام مرة واحدة من مكانه، شاور على السور وقال: أنا مش هفضل قاعد في البلد دي وأنا عارف إن طريق عودتي ليها هو الباب اللي ورا السور ده.
وبعد كده أبص لهم بتحدي وقال: مش الكتاب بيقول ينحت في الصخر؟ وده معناه حاجة واحدة بس.
أسيل باستغراب: وما هي؟
خالد: أنا لازم أدور في السور نفسه علشان أعرف أخرج من هنا.
يامن وإياد ضحكوا بصوت عالي، وخالد استغرب من طريقة سخريتهم.
إياد بيضحك بسخرية: حقاً تريد أن تخرج من الذكاء من خلال السور نفسه؟!
خالد بهدوء: آه، وإيه المشكلة في كده؟!
إياد: عليك أن تنسى هذا الحل يا صديقي، فإن فكرت فيه مرة تانية، فأظن أنك لن تعيش حتى يوم الذكاء.
خالد: وإيه المشكلة في كده برضه مش فاهم؟!
إياد وهو بيشاور على جنود ماسكين في إيديهم دروع، وسيوف: هؤلاء هم جنود الذكاء، وهم يحمون السور، ولا يسمحون لأحد بالاقتراب منه، ومهمتهم الوحيدة هي حماية السور.
هنا في الذكاء، يمكنك فعل الأشياء الشنيعة مثل القتل لكي تعيش، والسرقة لكي تأكل.
يمكنك فعل الكثير من الأشياء السيئة إلا شيء واحد إذا فعلته ستقتل.
خالد بخوف: وإيه هو؟
إياد: خدش سور الذكاء.
وبعد كده كمل كلامه، وقال: ربما استطاع صديقك أن ينحت هذه الرسمة على الصورة، ومن المحتمل أيضاً أن يكون قد قُتل على يد حراس الذكاء بسبب هذا الفعل.
أسيل وهي حاطة إيديها على كتف خالد: سور الذكاء هو أهم رمز بالنسبة لأهلها.
حتى إن استطعت أن تفلت من الحراس وتستطيع أن تكسر هذا السور، فصدقني لن تستطيع أن تهرب من أيادي أهل هذه المنطقة، لأن هذا السور بالنسبة لهم هو مصدر أمنهم، ويؤمنون أيضاً أن هذا السور هو قوة الذكاء، ولا يسمح لك بأن تقترب منه أبداً.
لأن تحطيمك لهذا السور هو تدمير لقوتهم.
خالد بصراخ: يعني أعمل إيه يعني؟! ما هو ما فيش أي حل تاني.
يا ترى إنتوا كمان بقى هتمنعوني إني أكسر السور؟!
أسيل بابتسامة: أنا لن أقوم بمنعك أبداً يا خالد.
يامن أيضاً: وأنا أيضاً لن أمنعك يا صديقي.
ولكن عليك أن تعلم أن هؤلاء الحراس مهمتهم الوحيدة هي حماية السور، وصدقني لن تستطيع حتى أن ترشيهم، فهذا الأمر مستحيل.
خالد بتحدي بعد ما بص لأسيل: إنتِ هتقعدي هنا قد إيه؟
أسيل: أنا لدي الكثير من العمل، وسأبقى هنا لفترة، ولا أعلم متى سأعود إلى المنطقة الشرقية.
خالد: أنا بالنسبة لي مش هارجع للمنطقة الشرقية تاني، أنا هفضل هنا لحد ما أخرج من الذكاء.
وبعد كده بص ليامن، ويامن إبتسم وقال: وأنا أيضاً أستطيع أن أجد عملاً لي في هذه المنطقة، ويكفيني أن أبقى معك يا صديقي.
أسيل بفرحة: حسناً، علينا الآن أن نعود للسكن بسرعة قبل أن يشعر هؤلاء الحراس بالريبة من وجودنا، وهناك يمكننا أن نخطط بتأنٍ بعد أن نتناول الطعام.
خالد: بالضبط كده يا دكتور.
خالد، ويامن، وأسيل رجعوا للمسكن بتاعهم، وإياد كان معاه، وكلوا الأكل إللي المساعد بتاع أسيل عمله، ولما خلصوا قعدوا مع بعض علشان يشوفوا حل للمشكلة دي.
خالد بيأس: دلوقتي بقى عندي مشكلة كبيرة أوي، أنا لقيت خلاص المخرج من الذكاء بس المشكلة الأكبر إني مش عارف أوصله.
يعني بقى مستحيل عليا أني أوصل للباب من خارج أسوار الذكاء، وكمان مستحيل أني أوصل له من داخل أسوارها.
أسيل وهي بتحاول تطمّنه: لا تقلق يا خالد، أنا واثقة أنك ستجد الحل لأنك تعبت كثيراً ولن يضيع تعبك هباءً.
يامن: أجل يا صديقي، أنا واثق إنك ستعثر على حل لهذا الأمر، لقد قطعت شوطاً كبيراً.
يامن بص لإياد، وقال: هيا يا صديقي، لقد كنت تجد الحلول منذ الصغر، فكر معنا في هذا اللغز.
خالد وهو باصص لإياد: فكر معانا كده يا إياد، وأي وحدات ذكاء هتستهلكها أنا هرجعها لك.
إياد بابتسامة: صدقني يا صديقي، أنا أفكر بدون أن تطلب مني، ولن أتركك تفكر وحدك.
الأربع شباب قعدوا علشان يفكروا في حل للمشكلة اللي هم فيها، وأسيل عمالة تبص لخالد وخايفة تقول له إنها مش لاقية حل علشان اليأس ما يزدادش في قلبه.
ويامن كالعاده مش عارف يوصل لأي حل وعمال يضرب دماغه وخلاص وبيقول: فكري أيتها الغبية.
إياد قام فجأة من مكانه وقال: عليّ أن أترككم الآن.
خالد باستغراب: رايح فين؟
إياد: لقد اقتربت الشمس من المغيب، ساترككم الآن وأعود إليكم في الغد.
وبعد كده بص لخالد، وقال: أتمنى أن تجد ما تبحث عنه يا صديقي.
إياد مشى، وخالد ويامن وأسيل فضلوا يفكروا في حل للغز، والوقت عدّى بسرعة، وخالد كان عمال يفتش في الكتاب علشان يلاقي أي حاجة توصلهم للباب، بس بعد كل المحاولات دي ما لاقاش أي حاجة تفيده.
السماء بقت مظلمة، والمنطقة الغربية كلها ولعت النيران علشان تضيء المنطقة.
خالد لأسيل: قومي إنتِ يا أسيل، نامي دلوقتي، وبكرة هنبقى نشوف حل للموضوع ده.
وأنت كمان يا يامن قوم نام علشان مش عايزين نجهد نفسنا على الفاضي.
هنستريح كلنا دلوقتي وبعد كده نكمل تفكير بكرة.
خالد: ناموا دلوقتي ونكمل بكرة.
أسيل: هل ستنام أنت أيضًا؟
خالد: لا، مش هنام، هفضل أفكر في حل للغز ده، ومش هعرف أغمض عيني، وراسي عمالة تفكر في المخرج.
أسيل بابتسامة: حسنًا، وأنا أيضًا لن أنام وسأفكر معك.
خالد: أسيل، معلش، أنا مش عايز أتعبك معايا أكتر من كده.
أنا عارف إنك عايزة تساعديني ومقدر ده جدًا والله، بس خليكي فاكرة إن إنتِ وراكي شغل بكرة ولازم تروحي للناس إللي محتاجين مساعدتك.
لازم تفضلي طبيبة الذكاء الأولى.
أسيل ابتسمت، وخلاص كانت هتخش غرفتها، بس كلهم اتفاجئوا بإياد لما فتح الباب، وبصلهم بنظرة غريبة.
يامن: ماذا، هل وجدت الحل؟!
إياد راح قعد على الترابيزة وطلب منهم إنهم يقعدوا معاه.
إياد بعد ما تنهد: حينما خرجت من هنا، عدت إلى المنطقة التي كنا فيها بجانب السور، وهناك أدركت أن هناك ثلاثة حلول لخروج خالد من الذكاء.
الكل في لهفة: وما هي؟
إياد بعد ما بص لخالد: الحل الأول هو أنك تخرج من الذكاء في يوم الذكاء، وتحاول أن تشق طريقك إلى الباب من الخارج، وهذا شيء مستحيل.
والحل الثاني أن تبقى في الذكاء طوال حياتك وتموت هنا.
يامن بعصبية: هل تسخر منا يا رجل؟! أجئت لتخبرنا بأشياء نحن نعرفها أصلًا؟!
إياد وهو بيهدي يامن: استمع إلى الحل الثالث.
إياد قرب من خالد وهمس في ودنه وقال: يمكنك أن تخرج من الذكاء في أقرب وقت، ولكن عليك أن تفقد مقدارًا كبيرًا من ذكائك.
خالد: تقصد إيه؟!
يامن بابتسامة: تعالوا معي وسأشرح لكم كل شيء.
الأربع شباب خرجوا من دار الضيافة واتجهوا للمكان إللي كانوا فيه من ساعات قليلة، عند سور الذكاء إللي كان مضيء بسبب النيران إللي أهل المنطقة الغربية أشعلوها، وخلت شكل السور جميل جدًا بسبب إنعكاسات الأضواء.
يامن بعد ما بص لإياد: أخبرنا، كيف سيخرج خالد من هنا؟
إياد شاور على بيت مكون من طابقين بعيد عن المنطقة إللي هما كانوا فيها، بس كان قريب من أسوار الذكاء، وما كانش في بينه وبين سور الذكاء غير حوالي 100 متر.
وبعد كده شاور على الجنود الموجودين بجانب سور الذكاء، وطلب منهم إنهم يبصوا على الجنود.
أسيل: أنا لا أفهم شيئًا.
يامن: وأنا أيضًا.
خالد ما كانش فاهم حاجة من إللي إياد بيقولها.
إياد: حينما تركتكم عدت إلى هنا ووقفت بنفس الطريقة التي نحن واقفون بها الآن، ولم يشغل تفكيري سوى أن يخرج خالد من الذكاء من خلال سردابه، وحينما كنت أقف هنا أصابني العطش، فذهبت إلى هذا البيت، وبعد كده شاور على البيت إللي شاور عليه قبل كده.
ذهبت إلى هذا البيت كي أشتري منه بعض الماء، وهناك فوجئت بأن ذلك البيت لا يسكن فيه أصحابه، ويعيش هناك الآن الخادم فقط.
أما أصحاب البيت فهم من التجار الذين يبيعون بضائعهم إلى المناطق الأخرى غير الذكاء، وخرجوا يوم الذكاء السابق، ولن يعودوا إلى هنا إلا بعد فتح باب الذكاء.
خالد باستغراب: وإحنا مالنا بالكلام ده كله؟!
إياد: لا تستعجل على الإجابة.
أنا أعمل هنا منذ مدة كبيرة جدًا، وأعلم جيدًا خفايا هذه المنطقة وأراضيها المخفية.
سأخبركم سرًا لا يعلمه إلا من يعملون بالصخور في المنطقة الغربية.
إن تكسير الصخور هنا أسهل بكثير من تكسيرها في المنطقة الشرقية.
الجزء الصعب فقط هو الطبقة الخارجية، أما بعد ذلك فيكون تكسيرها أمرًا سهلًا جدًا بسبب مناخ هذه المنطقة.
خالد بعد ما عينيه لمعت: يعني إنت تقصد بكلامك ده…؟!
إياد بعد ما قاطعه: أجل يا صديقي، هذا البيت هو أقرب مكان لرأس ضلعي مثلث الذكاء، وبالتأكيد ستكون هذه المنطقة أضعف نقاط الجزء العميق من هذا السور.
وإن كان الحراس سيمنعونك من الاقتراب منه، فأنا أعرف أشخاصًا أقوياء يستطيعون بناء نفق من تحت هذا البيت إلى أسفل السور.
حينها يمكنك أن تخرج من هذه المنطقة دون أن يشعر الحراس بشيء، وأيضًا لن يشعر أهل المنطقة بشيء.
وبعد كده ضحك بصوت عالي وقال: أنا أعلم أن هذه خيانة لالذكاء، ولكن صديقك هو صديقي أيضًا، ولا أستطيع أن أرفض له طلب.
أسيل بصراخ: هذا هو الجنون بعينه.
يامن: أجل يا صديقي، أنت مجنون.
إياد بعد ما رفع كتفه: وهل لديكم حل آخر؟!
وبعد كده بص خالد وحط إيده على كتفه، وقال: هذه الفرصة لن تأتي إليك مرة ثانية، أصحاب البيت سيعودون في يوم الذكاء، وإن عادوا لن تستطيع أن تخرج من هنا أبدًا.
ولأني أريد مساعدتك حقًا تكلمت مع الخادم، واستدرجته وأخبرني أنه يمكن أن يعطي البيت لأي شخص يعطيه 200 وحدة.
وهذا العرض ساري حتى يوم الذكاء فقط.
خالد بجدية: طب وبالنسبة للي هيحفروا النفق؟
إياد: أعرف ثلاثة أشخاص من الحفارين الماهرين.
لقد قابلتهم من قبل، وأعلم أنهم بارعون جدًا في عملهم. هذا الأمر يحتاج إلى براعة كبيرة، وقد يستغرق حفر هذا السرداب 20 يومًا.
خالد باستغراب: ليه 20 يوم؟! المسافة صغيرة أصلاً.
إياد: سيستغرقون 20 يومًا لأنهم سيعملون بالنهار فقط، وهذا من أجل أن يتماشى صوت الحفر مع صوت الناس والسوق في النهار.
لكن عليك ألا تنسى أهم شيء، وهو أنهم سيأخذون أجرًا إضافيًا مقابل سكوتهم.
خالد: يعني هياخدوا قد إيه مثلًا؟
إياد: حوالي 300 وحدة.
خالد: خلاص، أنا ممكن أحفر معاهم وبكده أكون وفرت أجر عامل، وممكن يامن يحفر معانا هو كمان.
إياد بسخرية: لقد أخبرتك من قبل أنهم مجموعة من المحترفين، وهذا الأمر يتطلب البراعة، وأنا متأكد أنك تفتقدها.
وأظن أنهم لن يريدوا أن تساعدهم لكي لا تنقص من أجرهم شيء.
سيأخذون الـ 300 وحدة سواء ساعدتهم أم لا.
أسيل بغضب: هل جننت يا خالد؟ يقول لك 200 وحدة للبيت، و300 وحدة للعمال، ستفقد 500 وحدة آخرين من ذكائك.
خالد بص لها بحزن، بس ما ردش عليها، وإياد قال: صدقيني، أيتها الطبيبة، لم أجد غير هذا الحل.
وبعد كده بص ليامن وقال: أخبروا صديقكم أنه عليه أن يعوض وحدات الذكاء التي استهلكتها في التفكير في مشكلتي.
خالد بابتسامة: ماشي يا إياد، هديك إللي إنت عايزه، وبعد كده بص لأسيل وقال: أسيل، ممكن تقوليلي أنا معايا كام وحدة ذكاء دلوقتي؟
أسيل سكتت شويه، وبعد كده بصت لخالد بتأمل، وقربت منه وحطت إيديها على راسه، وغمضت عينيها، وبعد كده شالت إيديها من على راسه وقالت: لقد أصبح مخزونك الآن لا يتعدى 650 وحدة، ومن الممكن أن يكون 600 فقط لأنك فكرت كثيرًا.
خالد: طب مرات الحاكم باقي عليها قد إيه علشان تولد؟
أسيل: أظن أنها ستضع مولودها بعد شهرين و20 يومًا، ويمكن أن يكون أكثر أو أقل بأيام قليلة.
خالد بعد ما بص على إياد: إنت قلتلي النفق ده هيتحفر في 20 يوم صح؟
إياد بابتسامة: أجل يا صديقي، وإن شئت أن تبدأ من الغد سأحضر العمال في الحال.
خالد فضل يفكر شوية في جواب مناسب، بس فجأة بص لكل اللي حواليه وقال: ممكن تسيبوني لوحدي شوية يا جماعة؟
أسيل بابتسامة: أنا أريد البقاء معك يا خالد.
خالد بعد ما حط إيده على خدها برفق: معلش يا أسيل، لازم تسيبيني دلوقتي علشان محتاج أخد قراري لوحدي.
خدي يامن وروحوا على السكن، وأنا هقرر، وهاجي وراكم.
وبعد كده بص لإياد، وشكره على تفكيره في وجود حل.
أسيل مشيت هي ويامن وإياد، وأثناء مشيها، كانت عمالة تبص على خالد، وندمانة على إنها سابته لوحده، وفضلت على الحال ده لحد ما بعدت عنه تمامًا واختفى من قدامها.
بينما خالد راح قعد على صخرة كبيرة وبص على السور بتأمل وقال في نفسه: ما أنا عندي حل من الاثنين، يا أفضل قاعد في البلد دي، وأرضى بنصيبي، يا إما أعافر وأحاول أوصل للسرداب وأرجع بلدي.
وبعد كده تراجع في كلامه، وقال: طب ممكن يطلع السرداب ده مجرد سراب أصلاً، وحاجة مش موجودة، ممكن بعد ما أبذل مجهود تاني ألاقي لغز تاني مش لاقي حله.
ممكن بعد ما أعدي السور ده ملاقيش أي حاجة مفيدة.
طب إيه؟ ما هو مفيش أي حل تاني، ما قداميش أي إختيارات، ما بقاش عندي غير المجازفة.
وبعد كده ضحك بصوت عالي وقال: إيه هرجع بلدي وأنا معيش غير 100 وحدة ذكاء بس؟!
ولا أفضل هنا بقيت حياتي وأتقبل الواقع.
أنا لو وافقت على كلام إياد يبقى كده أنا لازم أعيش كل لحظة، وأحس بيها قبل ما أفقد ذكائي.
خالد رجع بجسمه لورا وسند ظهره على صخرة، وفضل يفتكر ذكرياته مع جده لما كان بيلاعبه وهو صغير ويقوله إنه طفل ذكي جدًا.
وافتكر لما كبر واتعلم وراح بالشهادة لجده، وقاله إنه ما لقاش شغل بالشهادة، وجده ساعتها قاله إن ذكائه خسارة في البلد دي.
خالد لنفسه بصوت مسموع: طب ما أنا أرجع بلدي على الأقل الذكي فيها زي الغبي كده هعيش، وكده هعيش.
خالد فضل يفتكر لحظاته السعيدة في مصر، وحس باشتياق شديد لجده.
خالد بص للسور بحقد، وقال: إنت الحاجز الوحيد إللي بيمنعني عن كل الناس إللي بحبها، إنت الحاجز إللي مانعني عن بلدي.
وبعد كده بص للبيت إللي قريب من السور، وبيعيش فيه الخادم: وإنت الحل الوحيد إللي هيوصلني بكل حبايبي، وأهلي.
خالد فضل يبص للسور وللبيت ويفرك في شعره، ويقول: ده أصعب قرار هاخده في حياتي، يا ترى هتقرر إيه يا خالد؟
خالد فضل على الحال ده لحد ما عقله قرب يقف من كتر التفكير، والشمس بدأت تشرق والليل قرب ينتهي.
خالد قام من مكانه واتجه للسكن إللي يامن بينام فيه هو وأسيل، ودخل جوه، وأول ما دخل أوضة يامن وطى جنب ودنه، وهمس: يامن، إصحى.
يامن مصحيش، فخالد إضطر يديله نكزة في صدره.
يامن صحي وكان لسه هيتكلم، بس خالد شاور له بصباعه علشان يسكت.
خالد بصوت واطي: أسيل نايمة في الأوضة إللي جنبنا مش عايزها تصحى.
دي لو كانت نامت أصلاً.
يامن قام، وعدل نفسه، وبدأ يفتح عينه بصعوبة.
خالد بنفس الصوت المنخفض: عايز أتكلم معاك في موضوع.
يامن: حسنًا، أنا أسمعك.
خالد: أنا خلاص قررت.
يامن بصله واستني يكمل كلامه، وخالد فعلاً كمل، وقال: أنا شايف إن إياد عنده حق فعلاً ولازم أخرج من الذكاء من خلال النفق، لأن حتى لو فكرت في الموضوع أكتر من كده هلاقي الحل ده برده.
يامن بتعجب: وماذا ستفعل في ذكائك؟
خالد: أنا فكرت كتير في الموضوع.
إياد كان قايلنا إن حفر النفق هيستغرق 20 يوم، وقال إن الخادم هيسيب لنا البيت لحد ما أصحاب البيت يرجعوا في يوم الذكاء.
يامن: بالتأكيد سيعودون.
حينما يقترب يوم الذكاء، يتجهز تجار الذكاء في الخارج لكي يعودوا، وبمجرد أن يفتح باب الذكاء، يدخلون إليها.
خالد: أيوه علشان كده قررت إني مش همشي من الذكاء غير في يوم الذكاء، واتبقى على الميعاد ده شهرين و 20 يوم.
أنا عارف إن النفق هيتحفر في خلال 20 يوم بس، بس أنا كده كده مش مستعجل إني أمشي، عندي فرصة إن أقعد لحد يوم الذكاء.
يعني أنا كده بقيلي حوالي 80 يوم، أقدر أجمع فيهم حوالي 480 وحدة، وده لأني هشتغل في اليوم بست وحدات بس.
ولو حسبناهم على الوحدات إللي معايا هيبقى الإجمالي 600 وحدة، وبكده ما أكونش اختلفت كتير عن الأول، والوحدات إللي هتبقى معايا دي هحتاجها في إسترداد.
يامن بابتسامة: إنه قرار مصيري بالنسبة لك يا صديقي، وأنا أحترم قرارك جدًا.
أظن أنك شخص ذكي حقًا يا خالد، وصدقني لقد سررت بمعرفتك حقًا، وأنا سعيد لأنك ستظل معانا لمدة شهرين آخرين.
بصراحة، لقد خفت أن تذهب بعد 20 يوم لأنني كنت سأفتقدك كثيرًا.
خالد بابتسامة: ما تخافش، الـ 80 يوم دول ممكن أصلاً ما يبقوش حقيقيين، لأن مرات الحاكم ممكن تولد بنت، وساعتها المدة إللي هقعدها هتطول، وهخرج في يوم الذكاء الأساسي.
يامن بفرحة: أصبحت الآن أتمنى أن تضع زوجة الحاكم أنثى.
يامن ضحك، وبعد كده الابتسامة زالت من على وشه وقال: بصراحة كنت عايز أكلمك بعيد عن أسيل علشان ما أشغلهاش بيا، لأن هي طبيبة الذكاء الأولى، والكل محتاجها.
وأنا من النهاردة هبقى من أغبياء الذكاء، وخايف قراراتي تأثر على إللي حواليا.
خالد حط إيده على كتف يامن، وبصله بتوسل، وقال: يامن، أرجوك عايزك الفترة إللي جاية تخلي بالك منها.
أنا من النهاردة هبقى تحت رعايتك، وإنت إللي هتاخد كل قراراتي.
يامن بدهشة: أنا؟!
خالد: أيوه، إنت.
وصدقني، أي قرار هتقوله لي من هنا ورايح أنا هتنفذه علشان خايف القرارات إللي أخدها تبقى غبية.
أكيد إنت الفترة إللي جاية هتبقى أذكى مني، فعشان كده لازم تخلي بالك مني.
يامن فضل يفرك في شعره ويقول: هذه مسؤولية كبيرة.
خالد: إنت بس كل إللي عليك تعمله إني تخليني أشتغل لحد ما أرجع الذكاء اللي فقدته، وصدقني المعروف ده لو عملته معايا عمري ما هنساه طول العمر.
وبعد كده قرب من يامن، وهمس بصوت واطي: في حاجة تانية عايز أقولها لك.
يامن باستغراب: أخبرني.
خالد بهمس: بصراحة كده أنا بحب أسيل، وخايف أكون غبي وتكرهني، علشان كده عايزك تقولي على الحاجات إللي هعملها علشان تفضل تحبني.
يامن بابتسامة: أرى أيضًا أنها تحبك، وتفكر فيك طوال الوقت.
خالد بابتسامة: أنا عارف علشان كده فكرت أخدها معايا لبلدي.
بس بصراحة عايز أعترف لها بالموضوع ده بعد ما أتأكد إن الباب بتاع السرداب موجود ورا السور، علشان كده هسيبك إنت تقولي أعمل إيه في الوقت ده علشان أنا هبقى غبي.
يامن: أتمنى لكم حياة سعيدة يا صديقي.
خالد: تسلم يا يامن، إنت فعلاً أحسن، وأجدع واحد قابلته في الذكاء.
وبعد كده قام من مكانه ومد إيده: يلا بقى نروح لإياد علشان نعرفه بموافقتنا، وأهم حاجة الكلام إللي قلتهولك يبقى سر بيني وبينك، وما تعرفش أسيل أي حاجة.
يامن بابتسامة بعد ما قام من على السرير: إتفقنا يا صديقي.