ميتا تترجم مقاطع الريلز على فيسبوك وانستجرام بلغات مختلفة
ثورة جديدة في تواصل العالم الرقمي

خطوة جديدة من ميتا لتعزيز التواصل بين المستخدمين حول العالم
في خطوة وُصفت بأنها من أبرز تطورات الذكاء الاصطناعي في مجال التواصل الاجتماعي، أعلنت شركة ميتا (Meta) المالكة لمنصتي فيسبوك وإنستجرام عن إطلاق ميزة جديدة تتيح ترجمة مقاطع الريلز (Reels) إلى لغات متعددة بشكل فوري، باستخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي المتقدمة في التعرف على الصوت والنص والترجمة التلقائية.
وتسعى الشركة من خلال هذه الخطوة إلى كسر الحواجز اللغوية بين مستخدميها البالغ عددهم أكثر من ثلاثة مليارات شخص حول العالم، بما يتيح للمستخدمين مشاهدة المحتوى بلغتهم الأصلية دون الحاجة إلى ترجمة يدوية أو تطبيقات خارجية، وهو ما يمثل نقلة نوعية في عالم المحتوى الرقمي القصير.
تفاصيل الميزة الجديدة: ترجمة شاملة للنصوص والصوت والترجمات الفورية
أوضحت شركة ميتا أن الميزة الجديدة تشمل ترجمة شاملة لمقاطع الريلز من حيث النصوص المكتوبة في الفيديو (Captions) وكذلك ترجمة الصوت نفسه عن طريق تقنيات تحويل الكلام إلى نص وترجمته تلقائيًا، ثم عرضه على الشاشة على شكل ترجمة فورية تتزامن مع الكلام الأصلي.
وستدعم الخاصية الجديدة أكثر من 70 لغة في المرحلة الأولى من الإطلاق، من بينها العربية، الإنجليزية، الإسبانية، الفرنسية، الهندية، الكورية، واليابانية، مع خطط مستقبلية لتوسيع عدد اللغات إلى أكثر من 150 خلال العام المقبل.
كما أوضحت الشركة أن الميزة لن تقتصر على الريلز فقط، بل سيتم تعميمها لاحقًا على المقاطع الطويلة وقصص (Stories) الفيديو المنشورة عبر المنصتين.
كيف تعمل تقنية الترجمة الجديدة في الريلز؟
تعتمد الميزة الجديدة على منظومة ذكاء اصطناعي مطورة داخل مختبرات Meta AI Research، تستخدم مزيجًا من تقنيات التعرف التلقائي على الصوت (ASR) والترجمة الآلية العصبية (NMT) وتحويل النص إلى صوت (TTS).
وعند تشغيل مقطع الريلز، يقوم النظام بتحليل الصوت في الوقت الفعلي، وتحويله إلى نص، ثم ترجمته إلى اللغة التي يحددها المستخدم من إعداداته، ويعرضها على الشاشة مع الاحتفاظ بالصوت الأصلي. كما يمكن للمستخدم تفعيل خيار “الاستماع بالصوت المترجم” في بعض المقاطع، حيث يتم استبدال الصوت الأصلي بترجمة صوتية ناطقة بلغته المفضلة.
وتقول ميتا إن تقنيتها الجديدة تعتمد على قاعدة بيانات ضخمة من التسجيلات متعددة اللغات التي تم تدريب أنظمة الذكاء الاصطناعي عليها على مدار السنوات الماضية، ما يجعل الترجمات أكثر دقة وواقعية مقارنة بالأساليب التقليدية.
الذكاء الاصطناعي يقود تجربة المستخدم الجديدة
تأتي هذه الخطوة ضمن استراتيجية ميتا لتوسيع استخدام الذكاء الاصطناعي في منتجاتها المختلفة. فقد أطلقت الشركة مؤخرًا نموذجها اللغوي Llama 3 الذي أصبح جزءًا أساسيًا من أنظمة فيسبوك وإنستجرام وواتساب، ويُستخدم الآن في تحليل المحتوى وترجمته وتخصيص تجربة المستخدم.
وأكدت الشركة أن الميزة الجديدة تعتمد على نسخة مخصصة من هذا النموذج مزودة بخوارزميات تعلم عميق لمعالجة اللهجات والنطق المختلف في اللغات المتعددة، مما يجعل الترجمة أكثر طبيعية وأقرب إلى اللغة البشرية اليومية.
وتعليقًا على الإطلاق، قالت نيكولا ميندوسا، نائبة رئيس قسم المنتجات في ميتا: “هدفنا هو أن يتمكن أي شخص في أي مكان من فهم المحتوى الذي يراه، بغض النظر عن اللغة أو الخلفية الثقافية، هذه الميزة تجعل العالم أكثر تقاربًا مما كان عليه في أي وقت مضى.”
فوائد الترجمة الفورية لصنّاع المحتوى
تُعد هذه الميزة إنجازًا كبيرًا لصناع المحتوى على المنصتين، إذ ستتيح لهم الوصول إلى جمهور أوسع حول العالم دون الحاجة إلى إنتاج نسخ متعددة بلغات مختلفة. فالمحتوى العربي مثلًا يمكن الآن أن يصل إلى متابعين في أمريكا الجنوبية أو شرق آسيا بسهولة، والعكس صحيح.
كما ستساعد الخاصية في زيادة معدلات المشاهدة والتفاعل على المقاطع، لأن المستخدمين لن يضطروا إلى تخطي الفيديوهات التي لا يفهمون لغتها. وتوقعت الشركة أن تؤدي الميزة إلى زيادة التفاعل العالمي على الريلز بنسبة تصل إلى 30% خلال الأشهر الثلاثة الأولى من الإطلاق.
من ناحية أخرى، ستمكن الميزة صناع المحتوى من تعزيز فرصهم التجارية، إذ سيمكنهم الوصول إلى علامات تجارية دولية وجماهير جديدة كانت حاجز اللغة يمنعها من متابعة أعمالهم.
ردود الأفعال الأولى من المستخدمين
لاقى الإعلان عن الميزة الجديدة ترحيبًا واسعًا بين المستخدمين، خاصة في الدول التي تتنوع فيها اللغات والثقافات مثل الهند والبرازيل ومصر. وقد امتلأت صفحات الدعم الفني لمنصات ميتا بتعليقات إيجابية من المستخدمين الذين أعربوا عن سعادتهم بإمكانية فهم محتوى كان سابقًا حكرًا على لغات معينة.
وقال أحد صناع المحتوى المصريين في تعليق على حسابه على فيسبوك: «الميزة الجديدة غيرت قواعد اللعبة، الآن يمكنني الوصول إلى جمهور يتحدث الإسبانية دون أن أعرف كلمة واحدة منهم».
كما عبرت مؤسسات تعليمية وثقافية عن اهتمامها باستخدام الريلز المترجمة في نشر المعرفة والعلوم بين فئات أوسع من الجمهور العالمي.
تحديات التقنية الجديدة
رغم الترحيب الكبير، فإن ميزة الترجمة الجديدة تواجه تحديات تقنية ولغوية عديدة. فالفروق الدقيقة بين اللهجات والمصطلحات العامية قد تؤدي أحيانًا إلى ترجمات غير دقيقة أو مضحكة. كما أن سرعة الكلام في بعض المقاطع تجعل عملية المزامنة بين الصوت والترجمة صعبة في بعض الأحيان.
وأشارت الشركة إلى أنها ما تزال في مرحلة تحسين مستمرة للميزة، حيث ستعتمد على تعليقات المستخدمين وتقارير الأخطاء لتحسين الأداء. كما ستستخدم تقنيات التعلم المستمر لتحديث الترجمات مع الوقت بناءً على الاستخدام الفعلي.
الخصوصية وحماية البيانات
أحد الأسئلة التي أثيرت مع إطلاق الميزة يتعلق بكيفية تعامل ميتا مع بيانات الصوت والفيديو التي يتم تحليلها. وردت الشركة بتوضيح أنها تستخدم أنظمة تشفير متقدمة لضمان عدم تخزين أو مشاركة البيانات الصوتية التي تمر عبر أنظمة الترجمة. وأكدت أن جميع العمليات تتم محليًا على خوادم الشركة، وأن البيانات لا تُستخدم إلا لتحسين جودة الخدمة.
كما أكدت أن المستخدمين سيظلون قادرين على إيقاف ميزة الترجمة في إعداداتهم الشخصية إذا رغبوا في ذلك، أو اختيار اللغات التي يرغبون في عرض الترجمة بها فقط، مما يمنحهم مرونة كاملة في التحكم بخصوصيتهم وتجربتهم.
تأثير الميزة على التفاعل والثقافة الرقمية
من المتوقع أن تُحدث الميزة الجديدة تأثيرًا عميقًا في طبيعة التواصل الرقمي عبر المنصتين. فحتى الآن، كانت اللغة أحد أهم الحواجز التي تفصل المجتمعات الرقمية عن بعضها. لكن مع الترجمة الفورية، سيتحول الإنترنت إلى مساحة أكثر شمولًا، حيث يمكن لأي مستخدم من أي بلد أن يفهم ويتفاعل مع محتوى من ثقافة أخرى بسهولة.
وقد يشجع ذلك أيضًا على تبادل ثقافي واسع، إذ ستُتاح الفرصة للمستخدمين لاكتشاف موسيقى، أزياء، تقاليد، ونكات من ثقافات لم يكونوا يعرفونها من قبل. وهو ما يعزز مفهوم “العالم المفتوح” الذي تتبناه ميتا في رؤيتها لمستقبل التواصل الاجتماعي.
منافسة شرسة مع تيك توك ويوتيوب
تأتي هذه الخطوة في إطار المنافسة القوية بين ميتا ومنصات الفيديو القصير الأخرى مثل تيك توك (TikTok) ويوتيوب شورتس (YouTube Shorts). فبينما كانت تيك توك تتفوق من حيث الشعبية بين الفئات العمرية الشابة، تسعى ميتا إلى استعادة الصدارة من خلال تقديم تجربة أكثر تكاملًا وعالمية بفضل دعم الذكاء الاصطناعي والترجمة المتقدمة.
ويرى محللون أن ميتا تراهن على الريلز كجزء أساسي من استراتيجيتها المستقبلية لتعزيز التفاعل، مشيرين إلى أن تقديم ترجمة متعددة اللغات يمنحها ميزة تنافسية مهمة، خصوصًا في الأسواق الناشئة التي تتنوع فيها اللغات مثل أفريقيا وجنوب شرق آسيا.
انعكاسات اقتصادية على سوق المحتوى الرقمي
سيكون للميزة الجديدة تأثير اقتصادي مباشر على صناعة المحتوى الرقمي، إذ ستفتح الباب أمام صناع المحتوى المحليين للوصول إلى الإعلانات والأسواق الدولية بسهولة أكبر. فالمحتوى الذي كان يقتصر على نطاق لغوي محدد، يمكن الآن أن يُستثمر عالميًا دون الحاجة إلى ترجمة احترافية مكلفة.
كما يتوقع أن يؤدي هذا التوسع إلى زيادة عائدات الإعلانات على فيسبوك وإنستجرام بنسبة تتراوح بين 10% إلى 15% خلال العام الأول من التطبيق، وفقًا لتقديرات شركات تحليل السوق، إذ سيسمح للمعلنين باستهداف جماهير متعددة اللغات بنفس الحملة الإعلانية.
مستقبل الريلز بعد الترجمة: من الترفيه إلى التعليم
قد تتجاوز فوائد الميزة الجديدة الجانب الترفيهي لتشمل مجالات التعليم والتدريب. فالمعلمون والمدربون سيستفيدون من القدرة على تقديم محتوى تعليمي بلغة واحدة ليُفهم في عشرات اللغات الأخرى. ويمكن أن تكون هذه الميزة ثورة في التعلم الرقمي والتعليم عن بُعد، حيث تتيح مشاركة المعرفة عبر الثقافات دون حواجز لغوية.
كما يتوقع خبراء التقنية أن تتحول الريلز المترجمة إلى وسيلة رئيسية للترويج للسياحة والثقافة واللغة في البلدان النامية، إذ يمكن أن تصل مقاطع بسيطة إلى ملايين المستخدمين حول العالم.
خطط ميتا المستقبلية
أكدت ميتا أن إطلاق ميزة ترجمة الريلز هو مجرد بداية لسلسلة من التطورات التي ستعتمد على الذكاء الاصطناعي خلال العام القادم. وتشمل هذه الخطط تطوير نظام جديد لتوليد الترجمات الصوتية باللهجات المحلية، مثل اللهجة المصرية والخليجية والمكسيكية، لتكون أقرب إلى الجمهور المستهدف.
كما تعمل الشركة على دمج ميزة “الترجمة التفاعلية” التي ستتيح للمستخدمين تعديل الترجمة يدويًا أثناء المشاهدة إذا اكتشفوا خطأ، مما سيجعل النظام يتعلم تلقائيًا لتحسين دقته في المستقبل.
خاتمة: ميتا تربط العالم بلغة واحدة مفهومة للجميع
بهذه الخطوة الجريئة، تثبت ميتا مجددًا أنها تسير بخطى ثابتة نحو تحقيق رؤيتها لعالم رقمي بلا حواجز لغوية. فميزة ترجمة الريلز على فيسبوك وإنستجرام ليست مجرد أداة تقنية، بل هي جسر حضاري وثقافي يربط بين الشعوب والثقافات المختلفة.
ومع اتساع رقعة المستخدمين الذين يستفيدون من هذه الميزة، يتوقع الخبراء أن نشهد تحولًا جذريًا في طريقة تفاعل الناس مع المحتوى عبر الإنترنت، حيث تصبح اللغة عامل توحيد لا تفرقة. وهكذا، تواصل ميتا سعيها لتحقيق شعارها الجديد: “اجعل العالم أقرب وأكثر فهمًا.”