قصص رومانسية

رواية صغيرتي (الجزء الحادي عشر)

“آديكي أهو واقفة قدامي تاني دلوقتي.. وممكن العكاز يتزحلق مني، وأقع، وأتصاب، وأدخل المستشفى.. هتقولي عن الموقف ده برضه إنه كان مجرد حادثة عفوية؟”

لما قلت لرضوى كده، خافت، وبعدت عن طريقي فورا، وأنا إديتها ضهري، ومشيت بعيد عن وشها…

سمعتها بتقول من ورايا: “لكن إحنا لازم نحط حد لكل ده يا رهف.. الحال مستحيل يستمر بالشكل ده أكتر من كده”

مبصتش عليها، وهي كملت: “الأحسن إن إحنا نتناقش سوا في الموضوع، ونحاول نحله بيننا، وبين بعض أحسن ما نضغط على ليث أكتر ما هو مضغوط”

وقفت.. إسم ليث لفت نظري.. بس برضه فضلت مدياها ضهري…

هي كملت كلامها: “ليث مش هيقدر يتحمل وجودنا إحنا الإتنين مع بعض.. والموضوع مش مستاهل كل المجهود ده عشان يتفهم.. المكان مش هيشيلنا إحنا الإتنين يا رهف.. ولازم واحدة مننا تنسحب بإرادتها”

إستغربت جدا من كلامها ده، وبقيت مجبورة إني ألف، وأبص عليها وأنا في قمة الذهول…

بصتلي، وسكتت شوية، وبعدين كملت: “أيوة يا رهف.. لازم واحدة فينا تنسحب من حياة ليث.. وتسيبه يعيش في هدوء، وسلام مع التانية”

عيني بحلقت على الآخر، وبقيت بتنفس بسرعة من الصدمة اللي أنا فيها…

رضوى مشيت ناحيتي لغاية ما بقت قدامي بالظبط وهي بتبصلي بنظرات حادة جدا…

قالت: “واحدة فينا لازم تضحي عشان راحة ليث، وسعادته يا رهف”

أنا لسة متسمرة في مكاني زي ما أنا.. ومش مصدقة الكلام اللي أنا بسمعه…

نبرة صوت رضوى اتغير، وبقى حزين، والدموع ابتدت تلمع في عينيها، وكملت: “رهف.. إنتي فاهمة كلامي؟ فاهمة أنا أقصد إيه؟”

هزيت راسي بلأ.. أنا رافضة إني أفهم، ورافضة إني أسمع، ورافضة إني أصدق..!

أنا مكنتش عايزة أسمع حاجة تاني، لكن رضوى قالت: “لأ إنتي فاهمة كويس اللي أنا أقصده.. إمبارح ليث منامش خالص.. فضلت أراقب فيه قبل ما أنام، ولقيته عمال يحوم في المزرعة وهو متشتت، ومتضايق، وشايل الهم.. ولما صحيت على صلاة الفجر لاقيته على نفس الحالة زي ما هو.. بقاله فترة كبيرة مش عارف ينام، ولا يرتاح يا رهف.. وضعي أنا، وإنتي مخليه دايما محتار، ودماغه متشتتة، ودايق المر بسببنا.. وأنا عايزة أعمل نهاية للوضع ده.. إنتي فاهمة؟”

كلام رضوى كان بيدخل جوا ودني جامد، وكنت متفاجئة جدا وأنا بسمع منها الكلام ده، ولأول مرة…

قالت: “أنا متأكدة إن ليث يهمك وضعه زي ما يهمني بالظبط.. مش كده ولا إيه؟”

مردتش عليها، وهي كررت سؤالها: “مش كده يا رهف؟؟”

قلت أخيرا: “أيوة طبعا.. أكيد”

رضوى قالت بنبرة حزينة جدا: “لازم واحدة فينا تضحي عشان راحته.. هو إنسان يستحق التضحية، وعمل عشاننا حاجات كتيرة أوي”

بصيتلها بعمق، وبجدية، وباهتمام محصلش قبل كده.. كان أول مرة أبص لرضوى بالطريقة دي، وأول مرة أبقى مهتمة بكلامها بالشكل ده…

حسيت بدمعة كبيرة بتتجمع في عيني، وبتنزل على خدودي…

كلامي خرج من بقي بخوف، وقلق: “إنتي.. تقصديني أنا يعني؟؟”

رضوى متكلمتش، وأنا حركت راسي، وقلت: “لأ.. مستحيل”

لقيتها بتقول: ” صدقيني يا رهف.. إحنا وصلنا لمرحلة تخلينا مينفعش نكمل إحنا التلاتة مع بعض.. أبدا.. أبدا يا رهف”

فضلت أعيط وأنا بتكلم، وبقول: “لكن.. لكن هو الواصي عليا.. وهو المسؤول عني”

قالت: “وكمان هو جوزي يا رهف”

جملتها وجعتني، ونغزت في قلبي، فقلت: “إنتي بتلعبي بيا، وبمشاعري، وأنا مش عايزة أسمع منك حاجة أكتر من كده”

رضوى قالت: “دي الحقيقة يا رهف، وإنتي اللي مش راضية تشوفيها، ولا تصدقيها.. بس إنتي كده بتخدعي نفسك.. بصي على حالة ليث عاملة إزاي.. هو كده عاجبك يعني؟؟ يرضيكي اللي هو فيه ده؟؟ يرضيكي إنه يبقى متشتت، وعايش العيشة المرة دي؟؟”

افتكرت شكل ليث وهو واقف معايا ليلة الحفلة بتاعة خروجي من المستشفى…

افتكرته وهو بيتخانق معايا، وبيقلي إنه تعب من تقلبات مزاجي، وكان عايزني أسيبه يرتاح شوية…

حسيت وقتها بسكينة حادة بتقطع في قلبي…

وطيت راسي للأرض، ودموعي نزلت على العشب…

آه يا ليث.. يعني أنت دايق المر بسببي أنا؟؟

بقيت أنا سبب عدم راحتك، وتشتتك، وقلة مزاجك؟؟

وجودي معاك بقى غلط كبير، ولازم يتصلح؟؟

لكن.. طب وأنا أعمل إيه؟؟

أنا مش هقدر أعيش من غيرك…

أنت الهوا اللي أنا بتنفسه، ولو اتقطعت عني، فأنا هموت فورا…

“رهف”

الشقرا ندهت عليا، فبصيت عليها، ومعرفتش أشوفها من كتر الدموع اللي في عيني…

“رهف.. إحنا لازم نتكلم في الموضوع سوا.. مينفعش نستمر في الدوامة اللي هتقضي علينا، وعلى ليث أول واحد.. لو إحنا يهمنا أمره فعلا.. فإحنا لازم نتصرف بحب، وتضحية.. مش بأنانية.. لازم واحدة فينا تخلي الساحة للتانية”

عصرت عيني عشان أعرف أشوفها، وقلت: “وليه الواحدة دي متبقاش إنتي؟”

رضوى اتنهدت، وبعدين قالت: “أنا عن نفسي مستعدة إني أعمل أي حاجة عشان خاطر ليث.. أنا بحبه جدا، ومستعدة إني أضحي بمشاعري عشان راحته.. صدقيني أنا ممكن أعمل كده فعلا.. لكن…”

قلت: “لكن إيه؟؟”

رضوى بصت على الشجر اللي حواليها، وبعدين رفعت عنيها للسما، وبعد كده بصتلي، وقالتلي: “ليث.. متعلق بشغله جدا.. هو كان حلم حياته إنه يبقى رجل أعمال كبير، ويبقى مدير لشركة أو لمصنع.. زي ما كان باباه الله يرحمه..

إنتي عارفة إن ليث خارج من السجن، ومش معاه شهادة غير الثانوية.. يعني مفيش حد هيخليه يشتغل عنده.. ده عرف يشتغل عندنا فلاح بسيط بالعافية، وبمقابل الأكل، والنوم بس…

ليث تعب أوي، وعاش فترة صعبة جدا السنة اللي فاتت يا رهف.. تقريبا إنتوا محستوش بالفترة دي، زي ما أنا حسيت بيها…

أنا، وأكيد إنتي كمان، مش عايزينه يرجع تاني للحياة البائسة دي، وأكيد برضه مش عايزينه يتمرمط، ولا يعيش عيشة مش كويسة.. صح ولا إيه؟”

هزيت راسي، وقلت: “كفاية”

لفيت عشان أهرب من وش رضوى، ومن كلامها…

لكن هي كملت بصوت عالي: “لو كنتي بتحبي ليث فعلا، فابعدي عنه.. متخليهوش يرجع للبؤس تاني يا رهف”

كملت مشي، وفضلت أمد على قد ما أقدر، وهي لسة بتقول: “فكري في الموضوع كويس يا رهف.. عشان خاطر ليث”

كفاية.. كفاية.. كفاية…

كنت ماشية وأنا بحرك راسي عشان أحاول أنطر كل الكلام اللي دخل جواها…

لما وصلت لأوضتي، جريت بسرعة ناحية سريري.. لكن للأسف اتكعبلت، ووقعت على الأرض قبل ما أوصله…

رميت راسي على الأرض وأنا عمالة أقول بقهرة: “لأ.. لأ.. لأ”

حاولت أشيل كلامها من راسي بأي شكل، لكن للأسف معرفتش…

الكلام كان زي السم اللي بيسري في عروقي، وبيشل تفكيري، وحركتي تماما…

……………………..

أنا مكنتش نشيط خالص اليوم ده.. صحيت بعد الضهر، وكنت نايم كام ساعة مقطعين، ومن غير أي استقرار…

قلت أتطمن على الناس اللي في البيت، خرجت، ولقيت عم إياس في الساحة اللي قدام البيت.. كان قاعد بينضف الصناديق الخشب اللي بيجمع فيها الفاكهة، والخضار…

الراجل ده مش بيعرف يبطل شغل.. وبالرغم من إننا وظفنا عمال في المزرعة عشان يشتغلوا بالنهار، لكن هو برضه مش عارف يريح نفسه، وعلى طول إيده في الشغل…

قعدت اتكلمت معاه شوية، وبعدين بدأت أنضف معاه الصناديق، وارصهم فوق بعض.. عشان أحاول أفك عضلاتي شوية…

أول ما خلصنا الشغل، لقيت عم إياس بيقلي: “بص يا إبني.. أنا عايز أتكلم معاك شوية بخصوصك أنت، ورضوى”

عرفت من نظراته ليا إن هو عرف المشاكل اللي حاصلة مؤخرا…

أنا فضلت ساكت خالص عشان أسمع هو عايز يقول إيه..؟

قال: “أنا عايز أعرف منك بالظبط إيه هي حكاية علي رائف؟”

اتضايقت جدا.. الموضوع وصل كمان لعم إياس.. موقفي بقى محرج جدا…

إلهي تولع فيك نار جهنم يا علي.. قتلتك من تسع سنين، ومش عارف أخلص منك، ومن سيرتك لغاية دلوقتي؟!

رديت عليه: “هي رضوى اللي قالتلك؟”

قال: “هما الإتنين عمرهم ما خبوا عني حاجة يا ليث”

كان باين شوية قلق على ملامح الراجل العجوز…

يا ترى أنت قلقان من إيه يا عمي؟؟

خلاص.. ثقتك فيا اتهزت؟؟

أنا مش هقدر أتحمل إني أخسر ثقة أول إنسان احترمني، ووثق فيا، وفتحلي باب بيته لما كانت كل الأبواب مقفلة في وشي بعد ما خرجت من السجن…

قلت وأنا بحاول أدافع عن نفسي: “بص يا عمي.. أنا عايزك تصدقني بالله عليك.. أنا مكنتش متعمد أبدا إني أخبي عليكوا حقيقة قتل ابن أخ فهيم الله يرحمه”

عم إياس كان مركز معايا جدا، وكان باين الإهتمام الشديد على وشه…

أنا كملت: “حتى فهيم مكنش يعرف الحقيقة دي.. هو كان صديق، وأب ليا في السجن، وأنا كنت بحبه جدا.. ومجيئي هنا للمزرعة، ووقفتي معاكوا كانت بسبب وفائي ليه، ولوصيته، مش أكتر من كده.. أنا بس مكنتش لاقي مناسبة عشان أعرفكوا حاجة زي كده، ومكنتش عارف إن الموضوع هيتعقد، وهيوصل للدرجة دي أبدا”

عم إياس بان عليه إنه بدأ يفهمني، ويصدقني.. طبعا دي حاجة ريحتني جدا…

قال: “ماشي يا إبني.. أنا هصدق إنك ملقتش مناسبة إنك تقول الكلام ده قبل كده، لكن دلوقتي الموضوع اتفتح.. فأنت لازم تعذرنا على فضولنا إننا نعرف سبب قتلك ليه.. أو على الأقل سبب رفضك إنك تتكلم، وتقول الحقيقة؟”

بصيت لعم إياس بنظرة رجاء…

بالله عليك إعفيني من حاجة زي كده…

أنا مش هقدر أفتح بقي…

لكن نظراته ليا كانت كلها إصرار…

وديت وشي الناحية التانية، وقلت: “مش هقدر أتكلم”

عم إياس رفع إيده، وحطها على كتفي، وقال: “ليث.. بصلي”

رجعت أبصله بالعافية، وفضلنا مبحلقين لبعض شوية…

بعد كده عم إياس بعد إيده عني، وقال: “ماشي.. زي ما تحب”

وبعدين مشي بعيد عني…

ندهت عليه: “يا عمي…”

لما بص عليا، قلت: “أرجوك.. متاخدش مني موقف بسبب الموضوع ده.. غصب عني والله”

عم إياس ابتسم، وقال: “متشغلش بالك يا إبني.. مفيش حاجة”

جملته طمنتني، وقلت: “السبب كان صعب جدا، وقهري، وصعب أي حد يتحمله”

قال: “أيوة أنا فهمت.. أنت مستحيل إنك تقتل شخص لسبب أقل من كده”

اتنهدت بارتياح، وقلت: “آه.. أخيرا.. شكرا يا عمي.. أنت متعرفش أنت ريحتني إزاي”

عم إياس ابتسم، وقال: “المهم إننا نريح البنت اللي عمالة تتفرج عليك من ورا الشباك”

ساعتها بصيت ناحية البيت، ولقيت رضوى واقفة ورا الشباك، وبتبص عليا…

روحت أنا، وعم إياس عشان نصلي في المسجد، ولما رجعنا لقينا الأكل بتاعنا محطوط في أوضة الأنتريه، والستات أكلهم في المطبخ كالعادة…

بصيت على المطبخ وأنا معدي، وزي ما كنت متوقع مشوفتش رهف…

سألت الخالة فيردا عنها، وعرفتني إنها ندهتلها عشان تاكل، لكن هي اعتذرت…

كنت عايز أروح أبص على الصغيرة بنفسي.. أنا مكنتش شوفتها من إمبارح…

طبعا أنا عارف كويس إنها مش عايزة تقعد، ولا تاكل هنا في المزرعة…

خبطت على باب أوضتها، وهي سمحتلي بالدخول…

سألتها عن صحتها، وطمنتني إنها كويسة…

لكن أنا ليث.. عارف كويس صغيرتي بتكون كويسة فعلا ولا لأ…

من منظرها فهمت إن هي مش كويسة خالص…

“مالك يا رهف؟”

سألتها بقلق، وهي ردت: “مفيش حاجة”

قلت بشك: “إنتي متأكدة؟”

ردت: “آه طبعا”

بصيت لعنيها وأنا مش مصدق، وقلت: “متخبيش حاجه عني يا رهف”

ملحقتش أخلص الجملة، ولقيت عينيها نزلت سيول من الدموع…

رهف مسحت دموعها بسرعة، ومثلت إنها متماسكة، وقالت: “أنا كويسة”

قلت: “أومال إيه الدموع دي؟”

قالت: “مفيش حاجة.. أنا بس خالتو وحشتني”

إنتي مش هتعرفي تخدعيني يا رهف.. إنتي في حاجة كبيرة مضايقاكي، وعايزة تخبيها عني…

قربت منها، وقلت: “إنتي عارفة إني هوديكي ليها النهاردة.. ليه بقى الدموع دي؟”

رهف غيرت تعبيرات وشها، واتظاهرت بالسعادة، وقالت بمرح: “هنروح إمتى بقى؟”

رديت عليها عشان أجاريها: “هنمشي على الساعة خمسة بإذن الله”

فقالت: “بإذن الله”

وبعدين بعدت عينيها عني عشان مفهمش حاجة منهم…

مكنتش عايز أضغط عليها، فقلت: “ماشي.. أنا هقول للخالة فيردا تجيبلك الأكل بتاعك هنا”

جيت أمشي، ولقيتها بتقول: “لأ شكرا.. أنا مش عايزة حاجة.. مش حاسة إن أنا جعانة دلوقتي”

قلت: “إنتي كلتي حاجة الصبح؟”

مردتش عليا، فقلت وأنا متضايق: “يعني إنتي مكلتيش أي حاجة يا رهف من ساعة ما خرجنا من البيت إمبارح؟”

قالت: “لأ كلت”

“كلتي إيه يا رهف؟”

“عنقود عنب”

قلت: “اللي كلتيه وأنا معاكي إمبارح بالليل؟ هو ده بس يا رهف؟ إنتي مينفعش تستهيني بحاجة زي كده.. إنتي تعبانة، وبتاخدي علاج، ولازم تهتمي بصحتك.. ولا إنتي عايزة تتعبي تاني من قلة الأكل كمان؟ جسمك الرفيع ده مش هيتحمل الجوع يا رهف”

قالت باعتراض: “أنا قلتلك إني مش جعانة، ومش عايزة حاجة.. بعد إذنك يا ليث.. أنا مبقتش طفلة”

لا والله!

إنتي شايفة إن إنتي مش طفلة فعلا؟؟

ولا إنتي فاكرة إن التسع سنين اللي اتضافوا على عمرك من ساعة ما سيبتك خلوكي بقيتي واحدة كبيرة؟!

لأ يا رهف هانم.. إنتي هتفضلي طفلتي اللي أنا لازم أهتم بيها مهما كبرت، ومهما طال بيها العمر…

مكنتش عايز ساعتها أضغط عليها، لإني كنت شايف إنها متضايقة، ومش متحملة أي حاجة…

قلت: “طيب.. بس إنتي لازم تاكلي حاجة قبل ما نمشي يا رهف.. اتفقنا؟”

ردت بزهق: “حاضر”

وطيت صوتي، وخليته حنين جدا، وقلت: “لو كان في أي حاجة حصلت، وضايقتك.. متتردديش إنك تعرفيني”

رهف بصت عليا كتير، وبعدين قالت: “أكيد طبعا”

كلامها ده طلع بصوت حزين جدا زود خوفي، وقلقي عليها أكتر…

استأذنتها عشان أمشي، ولما بقيت عند الباب، سمعتها بتقول: “ليث.. سامحني”

تفتكروا قلبي حصله إيه من كلامها ده؟؟

إيه اللي جرالك بس يا رهف؟؟

صحيح أنا متعود على تقلبات مزاجها، وانفعالاتها الغير مبررة.. بس ده عشان هي بتفرح، وبتحزن، وبترضى بسرعة، ومفيش حد بيكون متوقع حالتها بعد دقيقة هتكون عاملة إزاي..؟

لكن الحالة اللي هي فيها دي دلوقتي.. بتعرفني إن في أزمة كبيرة جاية علينا…

لطفك يا رب…

 

طول الساعات اللي فاتت كنت قاعدة بفكر في الكلام اللي الشقرا قالتهولي، وقلبي كان بيتعصر من الوجع…

أكيد هي معاها حق في اللي هي قالته…

من ساعة ما أنا بقيت في حياة ليث، ومن ساعة ما هو اتولى مسؤوليتي، ورعايتي وهو مضغوط جدا، وبيعاني، وكمان بسبب الخلافات المستمرة اللي بيني، وبين الشقرا…

طول الوقت كنت بفكر بأنانية، ومش بفكر فيه هو خالص، وفي اللي بيضايقه، وبيضغط عليه…

خليته يغير ظروف حياته كلها عشان تناسبني أنا، وحملته كتير أوي فوق طاقته…

دلوقتي أنا حاسة بالذنب، ومكسوفة من نفسي جدا…

آه يا ليث عمري…

ممكن تسامحني..؟

فكرت في إن أنا لازم أختفي خالص من حياته، وأعفيه من مسؤوليته تجاهي عشان يرتاح، وحياته تستقر…

لكن أول ما الفكرة دي اتولدت في راسي، قلبي دفنها وهي حية فورا، وولع فيها…

أنا أبعد عن ليث؟!

مستحيل.. مستحيل…

هو الروح اللي بتحركني، والأرض اللي بتشيلني، والدنيا اللي بتحتويني…

بحبه، ونفسي أبقى إسم منقوش على حيطة بيعدي من جنبها كل يوم، وبيسند عليها…

بحبه أكتر من إني أقدر أستغنى عنه أو حتى أتخيل إني أعيش من غيره…

الساعة خمسة لقيت ليث جاي عشان ياخد شنطة السفر بتاعتي…

كان ماشي، وأنا ماشية ورا ضله الطويل.. كان عندي رغبة مجنونة في إني أترمي عليه…

وصلنا العربية، وليث حط الشنطة فيها…

أنا فتحت الباب اللي ورا عشان أقعد، وأديله العكاز عشان يحطه مع الشنطة…

ليث راح وفتح الباب اللي جنب كرسي السواق، وقال: “إركبي هنا يا رهف”

بصيت عليه وأنا مستغربة.. أنا واخدة إني أركب ورا، والمكان ده بقى من نصيب الشقرا المتطفلة…

ليث قال: “المكان هنا أوسع، وأريح ليكي، ولرجلك”

العربية دي اللي آسر إداها هدية لليث من كام شهر، وخبطنا بيها في عمود النور.. في اليوم اللي كان مليان مطرة…

العربية دي أصغر من عربية ليث اللي بيستخدمها في المدينة الساحلية…

سمعت كلامه، وقعدت قدام، وإديتله العكاز بتاعي، وهو حطه على الكنبة اللي ورا…

وبعدين جه، وقعد على الكرسي بتاعه، وحط إيده في جيبه، وطلع التليفون، وحطه على المسند…

فضل يفتش في جيبه التاني، وبعدين بص عليا، وقال: “استنيني يا رهف.. أنا نسيت حاجة.. هرجعلك حالا”

نزل من العربية، وراح ناحية البيت…

…………………..

افتكرت إن أنا مخدتش المحفظة معايا.. أنا كنت سايبها على الترابيزة اللي في أوضتي من إمبارح…

كنت حاطط جواها فلوس عشان أديها لرهف تصرف منها وهي في بيت خالتها…

سيبت رهف في العربية، وروحت البيت عشان أجيبها…

وأنا في الأوضة، لقيت رضوى جت…

هي كانت بتتجنبني تماما من ساعة ما وصلنا المزرعة…

كانت آخر مرة اتكلمنا فيها شوية قليلين هي ليلة حفلة العشا بتاعة رهف…

رضوى مسابتليش فرصة إني أتكلم معاها تاني بعد الليلة دي.. وأنا كمان مرضتش أضغط عليها…

كنت عايز ناخد هدنة يومين أو تلات أيام عشان نهدي أعصابنا في المزرعة، وبعدين نرجع نحل مشاكلنا من أول وجديد…

أول ما شوفتها وقفت مكاني، ومتكلمتش…

“إنتوا هتمشوا دلوقتي؟”

سألتني، وأنا جاوبت: “آه”

بان عليها التوتر، وبعدين قالت: “أنت هتطول هناك؟”

رديت: “هفضل هناك شوية، وبعدين هروح لأخويا”

سألت: “طب وهترجع إمتى؟”

جاوبت: “بكرا بالليل إن شاء الله.. عايز أقضي شوية وقت مع أخويا.. إحنا متقابلناش بقالنا فترة طويلة”

التوتر اللي على وشها زاد، فسألتها: “هو في حاجة ولا إيه؟”

رضوى مشيت ناحيتي لغاية ما بقت قدامي بالظبط، وقالت: “ليث.. أنا.. أنا…”

كانت مترددة، ومكلمتش كلامها..!

“في إيه؟”

اتشجعت شوية، وقالت: “أنا.. أظن يعني إنك مستحيل تقتل شخص غير لسبب قوي جدا”

وبعدين سكتت…

كلامها خلاني إستغرب في الأول.. أنا متوقعتش إن كلامنا يبدأ بالموضوع ده بالذات في وسط كل المواضيع المتعلقة اللي بيننا…

لكن الواضح إن ده أكتر حاجة شاغلة بالها…

كملت كلامها: “خالو قالي إن بابا الله يرحمه كان بيقول عن علي إنه شخص سئ، ومش كويس، وإن عمي رائف الله يرحمه معرفش يربيه.. وإن بابا كان مستعر من إبن أخوه”

ربطت لساني عشان مشتمش شتايم أكتر من كده.. سئ بس؟!

إنتي متعرفيش مين هو ابن عمك اللي إنتي هتموتي عشان تعرفي سبب قتلي ليه.. كإنه ضحية…

كملت كلامها: “تمام يا ليث.. أنا مش هسألك عن السبب تاني.. ممكن تخبي اللي أنت عايز تخبيه براحتك في موضوع علي.. لكن لازم نتناقش مع بعض في موضوع رهف”

سيرة رهف وترتني، وسألت: “رهف؟”

رضوى أكدت: “أيوة رهف.. بس دلوقتي مش هينفع.. الوقت مش مناسب”

جملتها قلقتني في وقت أنا كنت قلقان فيه جدا، ومش ناقص.. خصوصا بسبب حالة رهف الغريبة النهاردة.. وحسيت إنهم ممكن يكونوا إتخانقوا من أول وجديد…

رجعت أسأل: “مالها رهف؟”

رضوى بصتلي بنظرة قوية جدا، وقالت: “كلامنا في الموضوع ده هيطول، وأنت المفروض تمشي دلوقتي.. مش هينفع.. خليها في وقت تاني”

بصيت على الساعة اللي في إيدي، وقلت باستسلام: “ماشي.. نتكلم بكرا لما أرجع إن شاء الله”

كان بيدور في راسي ساعتها إني لازم أقلل فترة الهدنة طالما رضوى هي اللي بدأت، وفتحت الموضوع…

رضوى فضلت تحرك راسها باعتراض، وبعدين سمعتها بتقول: “بعد إذنك.. خليك مع أخوك كام يوم”

اتفاجئت بطلبها اللي طلع عكس تفكيري خالص..!

لما شافت تعابير الإندهاش على وشي قالت عشان تبرر: “أنا مش عايزة نتقابل لفترة.. متفهمنيش غلط.. إحنا لازم نبعد، ونهدي أعصابنا عشان نفكر بهدوء”

كلامها جرحني، لكن أنا بينتلها إني مش متأثر خالص، وقلت: “تمام.. أنا فهمت”

إفتكرت ساعتها إني كنت واعد عم إياس إني آخده، ونروح نشتري شوية حاجات للمزرعة…

“طيب أنا هروح أعتذر لخالك، وهاخد معايا شوية حاجات تاني من هنا عشان تكفيني الفترة دي”

روحت أدور عليه، ولقيته في المطبخ مع الست فيردا.. كان واقف بيساعدها في تنضيف السمك…

عرفته إن أنا هقضي كام يوم مع أخويا، وإعتذرتله عن المشوار اللي كنت واعده بيه، وبعدين ودعته هو، والخالة وأنا وشي مبتسم…

روحت بعد كده لأوضتي تاني، وحطيت في الشنطة شوية حاجات تلزمني الكام يوم دول، وفي الوقت ده سمعت صوت رضوى بتناديني: “ليث”

لفيت، وبصيت عليها، ولقيت وشها غرقان في الحزن، وشوفت دمعة هربانة من عنيها…

سألت بقلق: “مالك دلوقتي؟”

جوابها كان إنها جت ناحيتي، ودفنت راسها جوا حضني، ولفت دراعاتها حواليا جامد…

……………………

ليث اتأخر!

هو قال إنه نسي حاجة، وهيرجع بسرعة.. وسابني قاعدة في العربية اللي مشغلش الماتور بتاعها، ولا التكيف.. أنا حرانة جدا دلوقتي…

حسيت إني هتخنق.. فتحت باب العربية عشان أحاول أتنفس شوية هوا…

بعد شوية قلقت على ليث جدا.. يا ترى هو إيه اللي أخره عليا أوي كده؟!

خرجت من العربية، وخرجت العكاز بتاعي منها، وروحت عشان أشوفه، وأتطمن عليه…

روحت على طول ناحية أوضته، ولما وصلت لقيت الباب مفتوح…

بصيت بصة جوا الأوضة من غير ما أقرب، ولقيت حبيب قلبي ليث واقف، وحاضن أكتر بنت بكرهها في حياتي…

الصورة عمت عيني، وخدرت صوابعي، وفككت باقي الأربطة اللي في جسمي…

انسحبت، وفضلت أجر في رجلي جر، لغاية ما وصلت عند باب البيت وأنا مش شايفة، ولا واعية لأي حاجة حواليا…

حسيت بالسواد بيلون كل حاجة قدامي، وبمفاصلي وهي بتسيب، وأعصابي وهي قايدة نار…

مسكت الباب عشان أتسند عليه، لكن هو مرجحني معاه أكتر…

حتى العكاز بتاعي خانني، وسابني أقع، وأترمي في الأرض…

ممكن الحجارة رأفت بحالي.. أنا محستش بأي وجع…

أو ممكن الصدمة اللي أنا خدتها، خدرت كل الأعصاب الحسية اللي جوايا، ومبقتش حاسة بأي حاجة.. نهائي…

كام ثانية، ولقيت الراجل الطويل بيطل من ورا الباب…

الراجل العملاق اللي أنا بعشقه…

اللي أنا برغم السواد اللي في عيني.. قدرت أشوفه…

اللي أنا مجرد ما شوفته.. قلبي بدأ يدق تاني، ويبعت الدم لعروقي، وأعصابي من أول وجديد…

كان بيتكلم.. لكن أنا مكنتش سامعاه…

شوفته وهو بيقعد على العتبة اللي جنبي، وبيمد إيده لعكازي، وبيقربه ليا…

هو الراجل ده بيقول إيه؟؟

بيطلب مني إيه؟؟

هو عايزني أقف؟؟

هو مش شايف مفاصلي وهي متفككة؟؟

مش شايف عضلاتي وهي مشلولة؟؟

أنت مش شايف كل ده يا ليث؟؟

مش شايف كل ده؟؟

سندت راسي على الحيطه، وغمضت عيني، واتمنيت إني مفتحهاش تاني أبدا…

………………..

“رهف.. في إيه اللي حصلك؟”

قلت كده، ومديت إيدي بسرعة لوش رهف، وخبطت عليه بالراحة.. هي كانت عينيها مغمضة، وكإنها هتفقد الوعي.. أنا بقيت خبرة في الحاجات دي معاها…

رهف فتحت عينيها، وبصت عليا، فقلت بفزع: “إنتي كويسة؟”

رهف فضلت تبص حواليها، وكإنها بتفوق من غيبوبة…

كان باين على وشها الضياع، والتوهان…

بعد كده بصت عليا، وكإنها مش عارفة أنا مين..!

وبعدين حطت إيدها على راسها.. غالبا كانت بتحاول تسترجع الذاكرة…

أخيرا قالت: “أنا اتكعبلت في العتبة”

قلت وأنا ملهوف: “سلامتك.. حصلك حاجة؟ إتعورتي؟”

حركت راسها بالنفي…

مديت إيدي عشان أساعدها تقوم تقف، وقلت: “يلا قومي طيب عشان نركب العربية”

بس رهف مقامتش، وسندت راسها على كتفها، وقالت: “إستنى شوية”

كان باين عليها التعب الشديد، فقلت: “رهف.. إنتي باين عليكي إنك تعبانة جدا.. قوليلي الحقيقة.. إنتي كويسة؟ حاسة إنك دايخة؟”

رهف هزت راسها بلأ، لكن أنا برضه متطمنتش…

قلت: “لأ.. مش باين عليكي خالص إنك كويسة.. أنا متأكد يا رهف إنك مسمعتيش كلامي، ومكلتيش أي حاجة من إمبارح.. مش كده؟؟”

مردتش عليا، فقلت بعصبية، وقلق: “إنتي هتبطلي العند اللي إنتي فيه ده إمتى يعني؟ إنتي لازم تكرري اللي حصلك قبل كده، وتخلي دمي ينشف من خوفي عليكي؟ جسمك أضعف بكتير من إنه يتحمل العند بتاعك.. كفاية بقى كده، وإرأفي بنفسك، وبيا عشان خاطري”

مخدتش بالي من الطريقة القاسية اللي كنت بتكلم بيها، غير لما شوفت وش رهف مكشر…

قلت بصوت حنين: “بصي يا رهف.. إحنا مينفعش نمشي وإنتي في الحالة دي خالص”

في اللحظة دي رهف نطقت، وقالت: “لأ.. عشان خاطري يلا نمشي.. أنا بقيت كويسة”

قلت: “لأ إنتي مش كويسة.. الموضوع واضح جدا على فكرة”

قالت بإصرار: “أنا كويسة.. صدقني.. إتكعبلت في العتبة دي بس.. خلينا بس نمشي من هنا، وأنا هبقى كويسة”

وبعدين مسكت العكاز، وقامت وقفت عشان تثبتلي إنها بقت كويسة فعلا.. بس أنا عارف إنها مش كويسة خالص…

دي بتتحرك بالعافية، ووشها مطفي، ولونه أصفر زي الليمونة…

قلت: “خلينا ندخل جوا بس عشان تاكلي كويس، وتنامي شوية، وترتاحي عشان نقدر نمشي”

رهف قالت باستماتة: “لأ يا ليث.. عشان خاطري خلينا نمشي دلوقتي”

مرضتش أنفذلها كلامها، وفضلت مصر على موقفي.. وهي مصرة على العند بتاعها…

“إحنا مش هنتحرك خطوة واحدة وإنتي بالمنظر ده.. هنعمل إيه بقى لو جرالك حاجة على الطريق؟ واضح من منظرك إنك تعبانة جدا.. هتدخلي البيت، وتاكلي كويس، وإلا أنا هأجل الموضوع لبكرا”

مسكت إيدها بالراحة، وحاولت إجرها بالراحة ناحية البيت، لكن هي سحبت إيدها مني بعصبية، وقالت: “قلتلك إني مش عايزة حاجة من المكان ده.. أنت مش فاهم؟”

في اللحظة دي فهمت موقفها، وقلت: “طيب.. يبقى كده إحنا لازم نعدي على مطعم الأول قبل ما نطلع على الطريق”

رهف ملقتش حل قدامها غير إنها تسمع كلامي أخيرا…

دخلتها العربية ببطء وحذر.. خليتها تقعد على الكرسي اللي جنبي عشان تبقى تحت عيني طول الوقت…

بعد كده اتوكلنا على الله، ومشينا…

عديت على مطعم، واشتريتلها وجبة كبيرة، وأجبرتها إنها تاكلها كلها…

أنا عارف إني كنت صارم معاها شوية، بس أنا متأكد إن جسمها الضعيف مش هيقدر يتحمل الجوع أكتر من كده…

بعد التجربة الأخيرة معاها، وفقدانها الوعي بسبب قلة الأكل، فأنا مينفعش أتهاون معها في الموضوع ده أبدا…

طول الطريق.. رهف كانت ساكتة خالص…

أنا مش مرتاح أبدا لحالتها دي النهادة، وهي كمان مش راضية تعرفني أي حاجة.. الله أعلم هي بتفكر في إيه دلوقتي..؟

أما أنا، فكنت خايف كمان بسبب رد فعل بيت خالتها لما يشوفوا رهف، واللي حصلها…

طبعا كل خوفي ده كان في محله…

أم صبري.. أول ما شافت رهف الصغيرة وهي داخلة عليها بالعكاز، لقيتها لطمت على وشها، وصرخت: “يا لهوي يا بنتي”

جت جري على رهف وهي عمالة تولول، وخدت رهف في حضنها، وبدأت تندب…

رهف كمان بدأت تعيط جامد في حضن خالتها، وده اللي زود الموضوع دراما، وإثارة أكتر…

كنت عايز أتكلم.. أو أسلم.. أو أوضح الموضوع، فقلت: “خالتي…”

ملحقتش أكمل كلامي، ولقيت أم صبري رفعت عينيها ليا، وبصتلي بصة مريبة، وعينيها كانت بتطق شرار…

لقيتها بتصرخ في وشي: “أنت عملت إيه في البت يا متوحش؟ الله لا يبارك فيك، ولا في اللحظة اللي سيبت فيها بنتي معاك يا مجرم”

ذهلت، وصعقت، وشعر راسي وقف من كلامها المجنون…

حاولت أنطق بأي كلمة، لكن هي مدتنيش فرصة، وكانت عمالة تدعي عليا: “الله لا يبارك فيك.. الله لا يوفقك.. ربنا يكسر قلبك زي ما كسرت قلبي على بنت أختي”

صرخت: “رهف”

أنا بستنجد بيكي.. قولي أي حاجة!

خالتك فاكرة إن أنا اللي كسرت عضمك.. قولي حاجة يا رهف.. وضحيلهم الموضوع…

لكن رهف مفتحتش بقها.. حتى هي مبصتش عليا…

بصيت حواليا، ولقيت عيون العيلة كلها بتبص عليا بغيظ كبير…

إيه ده؟ هو في إيه؟

إنتوا كلكوا فاكرين إن أنا اللي كسرت عضمها فعلا؟؟

إنتوا مستوعبين اللي إنتوا بتفكروا فيه ده؟؟

فجأة سمعت صوت صبري بيقول بنبرة حادة: “أنت عملت فيها إيه؟”

أم صبري ردت بانفعال: “أنت مش شايف؟ كسر عضمها.. الهي ربنا يكسر عضمه، ويفتفته مية حتة”

في اللحظة دي أبو صبري اتدخل، وقال: “إستني بس يا أم صبري.. خلينا نفهم اللي حصل.. الله يهديكي”

وبعدين بصلي، وقالي: “تعالى ندخل جوا، ونتكلم بالراحة”

نتكلم عن إيه؟؟

هي الناس دي فاكرين فعلا إني ممكن أأذي شعرة منها؟؟

فضلت واقف زي ما أنا مذهول من موقف أم صبري، ودعاها عليا من غير ما تفهم الموضوع، ومن موقف رهف اللي ساكتة خالص، ومش بتعلق، وكإنها بتشجع كلام خالتها ليا…

بصيت على رهف وأنا حاسس بالخذلان…

إزاي يا رهف تسيبيهم يظنوا فيا الظن ده من غير ما تقولي أي حاجة، ولا تنكري إتهاماتهم ليا؟؟

إزاي أهون عليكي وأنا واقف بتهاجم منهم بالشكل ده؟؟

رهف مشيت بالعكاز وهي أم صبري ساندها من غير ما تبص عليا بصة واحدة…

أبو صبري قال: “اتفضلوا كلكوا”

فضلت واقف متسمر في مكاني، وكلام أم صبري عمال يدور في دماغي، وقرب يجنني…

أبو صبري بصلي، وقال: “اتفضل يا ليث”

مشينا كلنا ناحية مدخل البيت، وصوت الندب بتاع أم صبري كان سابقنا…

لما وصلنا عند باب البيت قلت وأنا قاصد أوجه الكلام لأم صبري: “خدوا بالكوا.. هي مش هتعرف تطلع على السلالم لوحدها”

مشيت لقدام، ومديت إيدي عشان أساعد رهف، لكن أم صبري منعتني، وقالت: “سيب البنت ليا أنا.. أنا هعرف أتصرف.. ملكش دعوة لو سمحت”

بعدت عنها وأنا بشر عرق من كتر الكسفة اللي أنا اتكسفتها…

جت بنت خالة رهف الكبيرة، هي، ومامتها ساعدوا رهف عشان تطلع…

أبو صبري خدني لأوضة الضيوف، واستقبلني كويس جدا…

أما بقى صبري، فكنت حاسس بالنار وهي خارجة من عينه اللي بتراقبني…

شرحت ليهم كل اللي حصل، وفهمتهم إن الموضوع مجرد حادثة مش مقصودة…

الكلام ده مهداش صبري، ولقيته بيقول: “طب أنت ليه معرفتناش اللي حصل ده من الأول؟؟ إلا بقى لو كان في حاجة عايز تخبيها علينا”

أبو صبري سكت إبنه، وهزقه على طريقة كلامه معايا…

قلت: “هخبي إيه يعني؟”

رد وهو بيقوم يقف: “أنا هروح أعرف من رهف”

بعد كده خرج من الأوضة…

…………………………

الإنهيار اللي أنا كنت فيه لما شوفت خالتي، مكنش بسبب وجع إيدي أو رجلي.. ده كان بسبب الصورة البشعة اللي لسة لازقة في عيني للخطاب الجمال وهما حاضنين بعض…

مقابلتي لخالتي، وعيلتها مقدرتش إنها تمسح المشهد ده من عيني…

شرحت لخالتي، ولنهال تفاصيل الحادثة، وعرفتهم إن ليث ملهوش أي علاقة بيها، وإن السبب في كل اللي حصل ده هي الشقرا المتطفلة…

مكنتش شايفة غيره صورتها قدام عيني، وكنت عايزة  أحرقها بأي شكل…

خالتي كانت قاعدة بتلوم نفسها إنها سابتني أروح مع ليث للمدينة الساحلية، وبعدت عن عينيها…

بعد ما أهلي استوعبوا الموضوع، ومشاعر الغضب بتاعتهم هديت شوية، صبري جه، وبدأت أحكيلهم كلهم عن الجامعة بتاعتي، وعن الإحداث اللي حصلت معايا في البيت الكبير…

عرفتهم إزاي ليث كان بياخد باله مني، وبيراعيني بأحسن شكل، وبيعاملني بلطف، وحنية…

كمان عرفتهم إزاي هو فضل ملازمني طول فترة قعادي في المستشفى، ومفارقنيش غير وقت النوم…

فضلت أحكي على كل الحاجات الحلوة اللي ليث قدمهالي، لدرجة إني حسيت إني مفتقداها من دلوقتي.. حتى قبل ما يسيبني، ويمشي..!

كلامي عن ليث معجبش صبري اللي قال بانفعال: “إنتي طيبة يا رهف.. عشان كده شايفة واحد متوحش زي ده إنه طيب”

أنا كمان انفعلت، وقلت: “أنت بتقول ليه عليه متوحش يا صبري؟”

قال: “هو إنتي نسيتي هو هاجمني إزاي المرة اللي فاتت؟ وإزاي ضرب أخوه بكل قسوة قدام عيني يوم ما كنا في شقته يا رهف؟ ونسيتي إزاي جرك من إيدك، وخدك عشان تسافري معاه؟ ده بني آدم متوحش، وهمجي زي كل المجرمين القت..”

“أسكت.. إوعى تقول عليه كده.. أنت فاهم؟ إزاي تتجرأ أصلا إنك تتكلم بالطريقة دي عليه؟ أنا مقبلش عليه كده”

قاطعته، وقلتله الكلام ده وأنا متعصبة جدا…

كلامي ضايقه، وخلاه يقوم، ويخرج من الأوضة اللي كنا قاعدين فيها…

فضلنا ساكتين شوية، وبعدين نهال قالت: “متقسيش عليه كده يا رهف.. هو خايف عليكي، ومتضايق عشانك”

وسام كملت: “وبيحبك أوي كمان”

بصيت بسرعة على وسام، ولقيتها بتبتسم ابتسامة غبية جدا كعادتها المستفزة…

أنا اتجاهلت جملتها خالص، وكمان خالتي، ونهال…

خالتي قالت بعد كده: “عموما بقى يا رهف.. آديكي رجعتيلي يا بنتي، ومش هخليكي تبعدي عني تاني”

بصيت على خالتي، ولقيت نظراتها ليا مليانة إصرار، وكملت: “لغاية كده، وكفاية أوي.. إحنا لازم نحل الموضوع ده النهاردة قبل بكرا”

شوفتها بتظبط حجابها، ورايحة ناحية الباب…

أنا قلقت، وسألتها: “إنتي رايحة فين يا خالتو؟”

قالت بنبرة حازمة: “رايحة أتكلم مع ابن عمك”

خرجت فورا، وأنا معرفتش أوقفها، ووسام خرجت وراها…

بصيت على نهال بتوتر، وقلق، وقلت: “تفتكري هتعمل إيه؟؟”

نهال ردت: “مش عارفة.. تقريبا رايحة تتخانق مع ابن عمك”

قلت بخنقة: “هو ليه كلكوا متحاملين على ليث بالمنظر ده؟ قلتلكوا إن هو ملهوش أي ذنب في حاجة”

نهال قالت: “إنتي بتدافعي عنه عشان إنتي بتحبيه يا رهف.. لكن هو حقيقته إنه شخص متسلط، ومتكبر، ومش كويس.. إحنا كلنا هنا مش بنرتاحله خالص”

قلت بعصبية: “إنتوا كلكوا أصلا متعرفوش أي حاجة.. بتقولوا أحكام ظالمة على شخص معيشتوش معاه.. بالله عليكي يا نهال روحي ورا خالتو عشان توقفيها، وخليها تيجي هنا بسرعة”

نهال متحركتش من مكانها، فقلت: “يلا قومي.. أنا لازم أعرف الأول هي بتخطط لإيه؟”

نهال اتحركت ببطء، ورجعت بعد دقيقتين…

سألتها: “ها لحقتيها؟”

ردت عليا: “آه.. هي دلوقتي في أوضة الضيوف”

“يا لهوي.. طب إنتي ليه مندهتيش عليها.. هي أكيد دلوقتي بتتخانق مع ليث”

نهال بصتلي باستنكار، وقالت: “متخافيش أوي كده على مشاعر ابن عمك.. هو مش موجود أصلا”

قلت باستغراب: “مش موجود؟”

قالت: “آه.. مش من بدري.. تقريبا خلص قهوته، واتكل على الله فورا”

……………………….

شربت القهوة، ونزلت في معدتي زي السم الهاري، بسبب نظرات اللي حواليا ليا…

صحيح أبو صبري اعتذر عن الكلام اللي مراته وجهته ليا، لكن ده مخففش حاجة من حدة الموقف…

أنا عمري ما وقفت قدام حد وهو بيدعي عليا كده في وشي…

أكتر حاجة حسستني بالخيبة، وكسرة النفس.. هو موقف رهف البارد…

أنا فعلا كنت متوقع إن قرايبها يتعصبوا عليا، ويتضايقوا مني، لكن مش بالشكل ده…

ربنا يسامحهم…

وصلت لشقة أخويا آسر أخيرا…

أنا متصلتش بيه قبل ما آجي.. كنت عايز أعملهاله مفاجئة…

رنيت الجرس، وغطيت العين السحرية بإيدي عشان ميشوفنيش…

فضلت أخبط تاني، وتالت، وملقتش حد بيرد عليا..!

بس أنا شوفت عربيته واقفة في الجراج قبل ما أطلع.. يعني أكيد هو دلوقتي في البيت…

أخيرا سمعت حد بيقول بصوت واطي: “مين على الباب؟”

رجعت أخبط تاتي عشان أعرف أميز الصوت اللي أنا سمعته، ولقيته بيقول: “مين بيخبط؟”

أيوة.. هو ده صوت أخويا…

قلت: “حد عايز يحضنك دلوقتي حالا.. افتح الباب”

تقريبا أخويا معرفش صوتي.. لقيته بيفتح الباب بالراحة، وبيطلع راسه من ورا الباب عشان يشوفني…

بان على وشه الدهشة، لكن دهشتي أنا كانت أكبر…

“ليث!”

قال وهو مستغرب جدا…

قلت: “أيوة.. بشحمه، ولحمه”

آسر فتح الباب، وفضل مبحلق فيا كام ثانية…

قلت: “هو أنا شكلي عفريت ولا إيه؟”

في اللحظة دي آسر فتح الباب، ومد دراعاته ليا، وجه عشان يحضني…

“أنا بس مش مصدق عيني.. فاجأتني يا راجل”

ابتسمت، وقلت: “ده أنا اللي مش عارفك يا أخي”

قلت كده وأنا بشاور على عينه اليمين، وكملت: “العلامة اختفت خالص.. شكلك بقى وسيم جدا”

آسر ضحك وهو بيمسك دراعي، وبيشدني لجوا…

ظروفنا المادية زمان مكانتش تسمح إن آسر يعمل عملية تجميل كبيرة، لكن هو دلوقتي عالج عينه، وأي حد يشوفه مستحيل يفرق بين عنيه الإتينين…

الحمد لله…

جوا الشقة لقيت ضيوف موجودين عند أخويا…

آسر عرفنا على بعض، وقعدنا نتكلم شوية، وبعد شوية صغيرين قاموا مشيوا…

قلت: “يا رب تكون الزيارة بتاعتي مجتش في وقت مش مناسب”

آسر قال: “أنت بتقول إيه يا حبيبي؟ لأ طبعا.. أنت تيجي في أي وقت على راسي.. دول أصحابي في الشغل، وإحنا بنشوف بعض كل يوم.. عادي يعني.. ميهمكش”

ابتسمت، فآسر قال: “لكن أنت فاجأتني! إيه سر الزيارة الغريبة دي؟”

قلت بهزار: “عينك اليمين وحشتني، فجيت عشان أشوفها”

آسر قال: “بجد يا ليث.. ليه معرفتنيش عشان آجي أستقبلك في المطار؟”

رديت: “كنت عايز أقتحم شقتك”

فضلت أضحك، وبعدين كملت: “الحقيقة إن إحنا كنا جايين المزرعة، وقلت آجي أزورك”

آسر ابتسم ابتسامة خفيفة، وسأل: “طب.. ورهف.. فين؟”

قلت: “سيبتها في بيت خالتها”

بان عليه شوية تردد، وبعدين قال: “طب ليه مجبتهاش معاك؟ إحنا مشوفناش بعض كلنا من شهور طويلة”

آه يا آسر!

إوعى تقول إنها وحشتك..!

أنا أكتر شخص غلط إنك تبين قدامه لهفتك عليها بالمنظر ده…

تقريبا آسر حس بدماغي اللي سرحت في كلامه، فقال عشان يغير الموضوع: “الدنيا عاملة معاكوا إيه في المدينة الساحلية؟ ونسايبك إيه أخبارهم؟”

رديت: “الحمد لله.. كلهم بيسلموا عليك”

“الله يسلمهم.. طب وقرايب رهف عاملين إيه؟”

قلت: “أنا لسة جاي من عندهم.. كلهم كويسين الحمد لله”

قال: “أنا مكلمتهمش بقالي فترة طويلة.. صبري عامل إيه؟ دخل المهعد اللي هو كان عايزه؟”

رديت: “مش عارف والله.. أنا مقعدتش كتير عندهم، ومعرفتش آخر أخبارهم”

سكت شوية، وبعدين كملت: “أنا وصلت رهف، ومشيت على طول”

رجع تاني التوتر يبان على وش أخويا، وسأل: “طب وهي عاملة إيه؟ إتأقلمت على العيشة مع خطيبتك، ولا لسة؟”

استغربت السؤال جدا!!

أنت إيه اللي يخليك تسأل عليها هي، وخطيبتي؟؟

أنت عارف حاجة عن مشاكلهم سوا؟؟

قلت: “مع خطيبتي؟؟”

آسر رفع حواجبه، وكتافه، وقال: “آه يعني.. أنا أقصد.. إن هي مكانتش منسجمة معاها أوي قبل كده.. يا رب تكون علاقتهم إتحسنت دلوقتي”

لا والله!

أنت بقى عارف كل ده؟!

أكيد رهف كانت بتحكيلك عن كل الأخبار!!

قلت عشان أتأكد: “هي رهف بتتصل بيك؟؟”

آسر وشه اتخطف، وقال بسرعة: “لأ لأ هي مش بتكلمني.. أنا متكلمتش معاها من ساعة ما كنتوا هنا عندي في الشقة”

الموضوع ده كان من شهور طويلة.. لما تعبت، وكنت راقد على السرير هنا في بيت أخويا…

لكن أنا مكنتش أعرف إن رهف ساعتها حكتله عن مشاكلها مع رضوى…

أنا ساعتها أصلا مكنتش مهتم بالتوتر اللي حاصل بينهم ده…

قلت: “طيب.. يعني أنت شكلك عارف كويس إن العلاقة بينهم مش كويسة”

الإهتمام ظهر على وش أخويا، وأنا كملت: “لسة زي ما هي لغاية دلوقتي”

أخويا سأل بقلق: “أومال هما كانوا بيتعاملوا إزاي مع بعض هناك؟”

قلت: “بيتعاملوا مع بعض بكره متبادل.. خصوصا في الفترة الأخيرة.. ودلوقتي بقى هما مقاطعين بعض خالص”

آسر قال: “أنا كنت متوقع حاجة زي كده”

احترت، وقلت: “نعم؟؟”

آسر ارتبك، وبعدين قال عشان يوضح: “أقصد يعني.. إن رهف مش بتتأقلم مع حد غريب بسهولة.. صعب جدا إنهم يكونوا أصحاب”

معلقتش، فآسر كمل كلامه: “هي بتختار الناس القريبين منها بحذر شديد، ومش بتتعامل مع حد خارج إطار سنها، واهتماماتها”

آسر!

يعني أنت عايز تقلي إنك عارف رهف، وفاهمها أكتر مني؟

أيوة أكيد أنت تعرفها فعلا أحسن مني.. بسبب السنين الطويلة اللي بعدت عنها فيها…

هي في السنين دي كبرت، وشخصيتها اتطورت قدام عينك، وبقيت أنت أقرب الناس ليها…

لكن أنا لغاية دلوقتي مش عارف أوصل معاها لدرجة القرب اللي أنت وصلتها بكتب كتابك عليها…

فضلت باصص لأخويا، وشايف في عينه مرارة الدنيا بحالها…

هو بيتكلم معايا عن البنت اللي كانت مخطوباله لفترة أكتر من أربع سنين، واللي كانت خلاص قربت تبقى مراته بشكل رسمي…

زعلت عشانه، واتوجعت على وجعه…

بس يا آسر.. هو أنت يعني ملقتش في الدنيا واحدة غير حبيبتي، وصغيرتي أنا عشان تعلق قلبك بيها؟؟

رهف من ساعة ما جت بيتنا من أكتر من خمستاشر سنة وهي بقت ليا أنا…

قلت: “هي هتفضل في بيت خالتها كذا يوم.. تقدر تروح تزورهم، وتتطمن عليهم زي ما تحب”

آسر استغرب، وقال: “كذا يوم؟؟ طب والجامعة؟ هي واخدة أجازة يعني؟”

سكت شوية، وبعدين قلت: “أيوة.. هي في أجازة مرضية طويلة.. إيدها، ورجلها مكسورين، ومش بتعرف تتحرك”

……………………

عدى يوم وأنا قاعدة بهدوء، واسترخاء في بيت خالتي…

كل العيلة ريحوني، وعملولي كل حاجة أنا بتمناها، واهتموا بيا بأحسن شكل…

بس برضه كل ده مخلنيش أبطل تفكير في ليث.. خصوصا إن هو مفكرش يتصل، ويسأل عليا لغاية دلوقتي…

نهال قاعدة بتراقبني وأنا ماسكة الموبايل، ومترددة أكلمه ولا لأ؟

“إنتي مش عارفة تستخدمي التليفون، وتتصلي بإيدك الشمال.. طب خليني أنا أساعدك”

نهال قالت الكلام ده بخبث.. هي عارفة كويس إيه اللي بيدور في دماغي…

قلت باستسلام: “الغريب إنه مودعنيش قبل ما يمشي، ومتصلش بيا ولا مرة عشان يتطمن عليا.. وإحنا في البيت كان بييجي، وبيتطمن عليا ألف مرة في اليوم، ودلوقتي نسيني؟ لا في سلام، ولا كلام، ولا خبر عنه.. أنا حتى مش عارفة إذا كان راح لآسر، ولا رجع للشقرا؟”

افتكرت صورة الشقرا، وكلامها الأخير معايا.. وشي اتقفل، وبعدت التليفون عن إيدي…

نهال لاحظت الحركة الأخيرة بتاعتي، وقالت: “كويس.. متتصليش بيه، واختبري مدى قدرتك على تحمل بعده عنك”

قلت: “مش قادرة اتحمل.. أنا مش متخيلة حياتي من غيره.. أنا هموت لو بعد عني”

نهال رفعت حواجبها، فقلت: “لو اتخلى عني فأنا هموت فورا.. صدقيني يا نهال.. أنا مش هقدر أستغنى عنه يوم واحد، ولا حتى ساعة.. والمتطفلة الرخمة الحرامية بتطلب مني إني أبعد عنه، وأخرج من حياته.. عايزة تستحوذ عليه لوحدها.. فاكرة نفسها أقرب ليه، وليها حق فيه أكتر مني”

نهال بصت عليا، وقالت: “هي معاها حق يا رهف”

اتوترت جدا، وكنت هصرخ من كتر النرفزة…

حتى إنتي يا نهال بتقولي كده..؟

قلت بعصبية: “لأ..”

نهال ردت عليا بقسوة: “يا رهف.. هو إنتي ليه مش راضية تفوقي من أحلامك الوهمية دي؟ إيه الفايدة من إنك تحبي راجل متجوز؟ كده إنتي بتظلمي نفسك، وبتهدري مشاعرك في مكان غلط”

“يا رهف.. هو إنتي ليه مش راضية تفوقي من أحلامك الوهمية دي؟ إيه الفايدة من إنك تحبي راجل متجوز؟ كده إنتي بتظلمي نفسك، وبتهدري مشاعرك في مكان غلط”

نهال حست إنها قسيت عليا بالكلام ده، فجت جنبي، ومسكت إيدي الشمال، وقالت عشان تواسيني: “أنا قلقانة عليكي.. بحاول أفكر بالعقل شوية بس.. عدت فترة طويلة أوي يا رهف وإنتي عايشة في أحلام مستحيلة.. إنتي كده بتعذبي نفسك.. بصي إنتي وصلتي لإيه؟”

كانت بتشاور على العكاز بتاعي…

وبعدين كملت: “جه وقت إنك تفوقي بقى يا رهف.. سيبي الراجل، ومراته يكملوا مشوارهم، وحياتهم في سلام.. وإنتي بقى بصي لنفسك شوية.. وحاولي تشوفي الشخص اللي مستني منك إشارة صغيرة عشان يغرقك بحبه، وحنانه عليكي.. أنا متأكدة إن دي أكتر حاجة انتى محتاجاها”

بصينا لبعض أنا، ونهال فترة طويلة…

كنت حاسة إن الدنيا كلها بتتخلى عني، وبتقف في صف رضوى…

تليفوني رن فجأة، فسحبت إيدي من إيدها بسرعة، ومسكت التليفون، ورديت فورا.. حتى قبل ما أبص على إسم اللي إتصل…

سمعت نهال بتقول: “إنتي حالتك دي ميؤوس منها يا رهف”

مهتمتش بكلامها، ورديت على التليفون بلهفة: “ألو”

كنت متوقعة إني هسمع صوت ليث.. لكن للأسف ده كان صوت آسر..!

سألني عن أحوالي، وعن إصابتي، وإتمنالي الشفا العاجل، واتكلمنا شوية، وفهمت من كلامه إن ليث هيقعد عنده كام يوم…

وبعدين قال فجأة: “هو أنا ينفع آجي أزوركوا النهاردة؟”

اتحرجت منه، ووشي إحمر، ورديت عليه بالعافية: “ماشي يا آسر.. تعالى طبعا.. أهلا وسهلا.. أنا هقول لخالتي إنك جاي”

بعد ما خلصنا المكالمة، بصيت لنهال، ولقيتها بتبصلي بخبث…

قلت: “ده مش ليث.. ده طلع آسر”

رفعت عينها للسقف…

قلت: “كمان عايز ييجي يزورنا النهاردة”

نزلت عنيها، وبصتلي بخبث تاني، وقالت: “تقصدي جاي يزورك إنتي”

اتنهدت، وقلت وهو بريق الأمل بيلمع جوا عيني: “وأكيد طبعا ليث هييجي معاه.. أنا هطلب بقى من خالتي إنها تعتذرله عن اللي هي عملته معاه”

بعد شوية قعدت مع خالتي، ووعدتني إنها هتتكلم مع ليث بهدوء، وهتعتذرله عن الكلام اللي قالتهوله إمبارح…

لما الليل ليل.. والساعة بقت تمانية ونص.. جرس الباب رن…

استنيت لغاية ما لقيت صبري جاي بيقول: “ابن عمك عايز يسلم عليكي”

قلت وأنا شوقي باين على وشي: “هو ليث جه؟”

صبري بص على نهال اللي قاعدة جنبي، وبعدين بص عليا، وقال: “أنا مقصدش ال…”

خد باله من كلامه، ومكملش الجملة، وبعدين قال: “أقصد إن آسر هو اللي عايزك”

قلت بخيبة أمل كبيرة: “هو جه لوحده؟”

رد: “آه.. وأبويا، وأمي قاعدين معاه دلوقتي.. تعالي عشان تسلمي عليه”

قمت، وروحت مع صبري لأوضة الضيوف.. في المكان اللي آسر كان قاعد فيه مع خالتي، وجوزها…

أول ما شافني قام اتنطر، واتخض من منظري، ومن العكاز اللي أنا ماشية بيه، وكان باين عليه الحزن عليا…

أما أنا بقى فاندهشت بسبب التغيير اللي في منظر عينيه…

“إزيك يا آسر.. عامل إيه؟”

سلمت عليه، وهو كان باين على وشه القلق الشديد، وقال: “إزيك يا رهف؟ إنتي عاملة إيه؟ ألف سلامة عليكي”

قلت: “الحمد لله.. الله يسلمك.. أنا اتحسنت كتير.. اتفضل اقعد”

قعدنا نتكلم كلنا حوالي ساعة، وبعدين آسر استأذن، وقام عشان يمشي…

قبل ما يمشي إداني ظرف، وقالي: “ده من ليث”

سألني لو كنت محتاجة حاجة، وبعدين ودعني، وقالي إن إحنا هنبقى على تليفون…

أما الظرف فكان فيه فلوس زي ما اتوقعت…

……………………

دي الفلوس اللي كانت في المحفظة بتاعتي، ونسيت أديها لرهف…

مكنتش عايز أروح هناك تاني دلوقتي، فخليت أخويا يروح بنفسه، ويديها الفلوس، وفضلت أنا قاعد لوحدي في الشقة…

أنا كمان مكنتش عايز أتصل بيها، ولا أتصل برضوى.. حسيت إني محتاج إبقى بعيد عنهم هما الإتنين شوية…

كملت تظبيط الحاجات التقيلة اللي كنت جايبها معايا، ولما فتحت الدولاب بتاع أخويا، اتفاجئت بشوية فساتين متعلقة على الشماعة…

اندهشت، واحترت جدا، وكان عندي فضول أبص على باقى الدولاب، وأشوف الأدراج كمان…

مش هتصدقوا إني لاقيت خاتم الخطوبة بتاع آسر محطوط في درج من الأدراج مع شوية علب هدايا، ومجوهرات…

كان في درج من الأدراج مقفول، والله أعلم أخويا كان مخبي إيه فيه..؟

مسكت الخاتم، وفضلت أتفرج عليه وأنا سرحان، وحاسس بقلق شديد على آسر…

فكرت كمان في اللي هيحصله لما أنا أتجوز رهف…

دي نفس المشاعر اللي أنا حسيت بيها لما اكتشفت إنهم مرتبطين ببعض.. تجربة قاسية جدا، ومكنتش عايز أخويا الوحيد يجربها…

في اليوم ده اتضاف هم جديد اسمه آسر لقايمة همومي التقيلة…

مكنتش عارف يومها إن الهم ده هو اللي هيحتل المركز الأول في القايمة، بسبب اللي هيحصل منه في أقرب وقت…

……………………

عدا عليا كام يوم وأنا قاعدة في بيت خالتي، وبفكر في الكلام اللي الشقرا قالتهولي…

حالتي النفسية مكانتش كويسة خالص، والكل لاحظ حاجة زي كده…

“مالك يا رهف؟ إيه اللي شاغل بالك للدرجة دي؟ إحنا كلنا قلقانين عليكي”

ده كان سؤال خالتي اللي كانت ملاحظة السرحان اللي أنا فيه…

رديت: “مفيش حاجة يا خالتو”

قالت وهي مش مصدقة: “مفيش حاجة إزاي يعني؟”

قلت: “أنا قلقانة على.. قلقانة عشان الجامعة، والأيام اللي أنا غيبتها عنها”

مكنتش عارفة كلامي كان مقنع ولا لأ.. بس هو مأقنعش نهال اللي قاعدة معانا طبعا…

خالتي قالت: “يادي الجامعة.. سيبك منها يا رهف.. إنسيها بقى”

بحلقت باستغراب في خالتي، فقالت: “إنتي مش محتاجالها، وهي ملهاش أي لازمة أصلا”

قلت باندهاش: “خالتو.. إنتي إزاي بتقولي كده؟”

قالت: “لولا إن إنتي لحيتي عليا، أنا مكنتش هوافق إنك تسافري مع ابن عمك للمدينة الساحلية عشان تدرسي أصلا.. سيبك من موضوع الجامعة ده.. أو ادخلي معهد زي صبري”

قلت: “طب وأنا إيه اللي يخيليني أعمل كده؟ أنا مبسوطة بالدراسة بتاعتي، وبحبها، وناجحة فيها جدا الحمد لله”

سكت شوية، وبعدين كملت: “وكمان ليث دفع مصاريف الكلية بتاعة السنة دي كلها.. المبلغ ده كبير جدا، وأنا مش عايزة أضيعه على الفاضى”

قالت: “طب وهتعملي إيه في السنين الجاية؟”

قلت: “هو هيدفعها برضه”

قالت باعتراض: “طب وهو ليه يكلف نفسه جامد أوي كده؟ الجامعات الخاصة دي غالية جدا”

قلت: “لكن ليث غني جدا، ومش هيفرق معاه حاجة زي دي.. مصاريف الدراسة مش هتيجي حاجة قصاد المبالغ اللي بتدخله”

خالتي قالت: “إحنا مش عايزين نكلف الراجل، ونغرمه أكتر من كده”

قلت وأنا مستغربة: “إنتي تقصدي إيه؟ ده الواصي عليا على فكرة، وهو اللي متكفل بكل حاجة تخصني”

خالتي قالت: “أيوة.. هو ده بقى مربط الفرس”

مفهمتش اللي هي تقصده، وقلت: “عموما إحنا هنفضل مستنيينه عشان نشوف هنعمل إيه”

أول ما خالتي مشيت، سألت نهال بسرعة: “هي خالتو كانت بتقول إيه؟ تقصد إيه بكلامها ده؟”

نهال ردت: “المرة دي ماما حازمة جدا في موضوع إنك تقعدي معانا هنا على طول يا رهف”

قلت باندهاش: “إيه؟ طب والجامعة؟؟ وليث؟؟”

قالت: “ده وقت إنك تخلصي من الإتنين مع بعض”

في اليوم ده مقدرتش أتحمل خالص، واتصلت بليث أخيرا…

كإني كنت بكلمه لأول مرة في حياتي.. مش عارفة أنا ارتبكت ليه، ونبضات قلبي بقت سريعة جدا..؟

أول ما سمعت صوته.. دوبت، وسيحت زي ما الشمعة بتسيح بالظبط…

“عامل إيه؟؟ ومش بتتصل بيا ليه؟؟”

اتجرأت، وسألته السؤال ده.. مهو مكلمنيش من ساعة ما جابني هنا.. كإني هم، وهو ما صدق يخلص منه..!

ليث قال: “مكنتش عايز أزعجك، وأنا متأكد إن قرايبك واخدين بالهم منك كويس”

حتى لو.. هو مش أنت بابا بالوصاية؟

يعني المفروض تسأل، وتتطمن عليا…

قلت: “طب وهتيجي إمتى؟”

قال: “هو في حاجة حصلت؟؟”

قلت بسرعة: “لأ لأ متقلقش.. مفيش حاجة.. أنا كنت عايزة أعرف بس إحنا هنرجع إمتى؟”

مردش عليا بسرعة.. استنى شوية، وبعدين قال: “لسة معانا شوية وقت.. معاد المتابعة بتاعتك في المستشفى لسة مجاش”

قلت: “خالتو عايزة تتكلم معاك”

قال: “ماشي”

قلت: “لأ أنا مقصدش على التليفون.. هي عايزاك تيجي، وتتعشى معانا في البيت”

قال: “مش مشكلة.. ممكن كمان يومين كده.. أنا دلوقتي في الطريق رايح على المزرعة”

اتفاجئت، وجملته دي خذلتني جدا…

يعني رايح المزرعة، ومفكرتش حتى تعدي عليا في طريقك؟؟

قلت: “لا والله.. طيب ماشي.. مش هشغلك بقى أكتر من كده وأنت سايق.. توصل بالسلامة”

……………………..

كنت مستني إشارة من رضوى عشان أرجع المزرعة، ونحل الخلافات اللي حاصلة بيننا…

الكام يوم اللي قضيتهم مع أخويا كانوا كفاية إني أهدي أعصابي المشدودة…

الفكرة بتاعتك يا رضوى إننا نبعد عن بعض شوية كانت كويسة جدا.. أنا بعترف بحاجة زي كده…

هي كلمتني إمبارح، وقالتلي إنها عايزة تشوفني، وتتكلم معايا…

من ساعة ما ارتبطت أنا، ورضوى مبعدناش عن بعض فترة طويلة.. غير الشهر اللي أبويا، وأمي ماتوا فيه، وأنا قضيته بعيد عنها، وكنت قاعد مع رهف، وآسر، وليلى…

أما رهف.. فهي من ساعة ما بقت تحت وصايتي وهي مبعدتش عن عيني كام يوم على بعض، والمكالمة بتاعتها قادت نار الشوق جوا قلبي…

صوتها خلاني عايز أشوفها، وأتطمن على وضعها، وصحتها.. لولا إني بعدت جدا عن بيت خالتها، كان زمان قلبي موديني ليها في نفس اللحظة اللي كلمتني فيها…

وصلت المزرعة، ورضوى استقبلتني استقبال بارد جدا.. عكس الطريقة اللي ودعتني بيها خالص…

اختارنا إننا نقعد في الأوضة اللي برا البيت عشان نعرف نتكلم براحتنا…

رضوى كان باين عليها الهدوء، والتماسك.. عكس وضعها في الفترة الأخيرة…

مطولتش معايا في بداية الكلام، ودخلت في الموضوع على طول، وقالت: “زي ما قلنا قبل كده يا ليث.. إحنا محتاجين نحط حد لعلاقتنا إحنا التلاتة”

تقصد أنا، وهي، ورهف…

قلت: “طب تمام.. إنتي لاقيتي حل مناسب؟”

بان على وشها الجد، وخدت نفس عميق، وقالت: “أيوة لاقيته.. وهو في إيدك أنت يا ليث”

حسيت بالحيرة، والفضول، ومكنتش فاهم اللي هي تقصده، وسألتها: “في إيدي أنا؟؟ إيه هو؟؟”

قالت: “أنت لازم تكون مستعد ليه”

احترت زيادة، وقلت: “أيوة طبعا.. إحنا فعلا لازم نلاقي طريقة تقلل المشاكل في الفترة الجاية، وطول العمر كمان.. لو كان الحل في إيدي، فأنا أكيد مش هتردد إني أعمله.. لكن هو إيه الحل اللي انتي تقصديه؟؟”

رضوى سكتت شوية.. كإنها بتحاول تجمع الكلام اللي هتقوله دلوقتي.. اللي من قوته هيوقع سقف الأوضة على دماغنا…

“ليث.. أنت لازم تختار هتعيش مع مين؟ أنا ولا رهف؟”

السقف وقع فعلا على دماغي اللي متدشدشة من كتر الصدمات…

اتسمرت في مكاني، وبقيت مذهول من اللي أنا سمعته.. كنت بحاول أترجم الكلام الغريب اللي طلع من بق رضوى دلوقتي…

متكلمتش.. أنا مبقاش عندي راس يفكر في أي كلام ممكن يتقال…

بعد الصمت الرهيب اللي أنا كنت فيه، رضوى قالت: “ليث.. صدقني.. الحياة في وجودنا إحنا التلاتة مع بعض مستحيلة.. أنا فكرت كويس جدا طول الأيام اللي فاتت.. وملقتش أي مخرج لمشاكلنا غير ده.. إحنا مش هنفضل واقفين على فتحة البركان أنا، ورهف طول الوقت.. أنا، وهي مش هينفع نتجمع تاني تحت سقف بيت واحد يا ليث.. من عاشر المستحيلات”

سقف إيه اللي إنتي بتقولي عليه؟؟

هو إنتي سيبتي أي سقف فوقينا؟؟

السقف كله وقع فوق راسي يا رضوى؟؟

إنتي مش شايفاه؟؟

رضوى كانت متوترة، وسكتت شوية، وبعدين قالت: “ده الواقع.. أنا، وبنت عمك مستحيل نعيش في سلام، وهدء.. مفيش واحدة فينا بتطيق التانية.. يا إما تعيش معايا أو تعيش معاها.. اللي أنت تختاره أنا موافقة عليه”

صرخت: “رضوى.. إنتي اتجننتي؟؟”

قالت بانفعال: “هو ده عين العقل.. أنا هتجنن فهلا لو فضلت مع بنت عمك في بيت واحد”

انفعلت، وأعصابي فارت، ووقفت، وفضلت أضرب كف على كف بعصبية شديدة…

رضوى وقفت هي كمان، وقالت: “لو سمحت حاول تحافظ على هدوئك عشان نعرف نكمل كلامنا”

قلت بعصيية: “أحافظ على هدوئي؟ إنتي إزاي عايزاني أبقى هادي بعد الكلام اللي إنتي قلتيه ده؟ أنا متخيلتش أبدا إنك تكوني بتكرهي رهف للدرجة دي”

قالت بانفعال: “أنا مقلتش إن أنا بكرهها على فكرة”

قاطعتها، وقلت: “أومال إيه معنى الموقف اللي إنتي واخداه ده؟”

ردت: “ده حل يا ليث.. مش موقف.. واحدة فينا إحنا الإتنين اللي هترجع، وهتعيش معاك.. والتانية لازم تفضل هنا.. ده عشان راحتنا كلنا”

قلت بغضب: “راحة مين بالظبط؟ إنتي عايزاني أتخلى عن مسؤوليتي ناحية بنت عمي، وأكون مرتاح؟”

قالت: “أنا مقلتلكش إتخلى عنها”

قلت بعصبية: “أومال معناها إيه إنك عايزاني أسيبها هنا؟”

قالت: “أنا برضه مقلتش إنك تسيبها هي هنا.. أنا سيبتلك حرية الإختيار.. يا إما أنا.. يا إما هي”

قلت: “إنتي بتقولي إيه يا رضوى بالله عليكي؟”

بصت في عيني بصات مليانة معاني…

سألتها: “إنتي تقصدي إني أرجع معاها هي، وأسيبك إنتي هنا”

رضوى رفعت راسها بشموخ، وقالت: “ده لو أنت اختارتها هي”

اندهشت، وقلت: “لأ إنتي أكيد في حاجة حصلت في عقلك يا رضوى”

معلقتش، فأنا كملت: “إلا لو إنتي تقصدي نفضل كده لفترة معينة لغاية ما الدنيا تهدى”

قالت بكل ثقة: “لأ.. أنا أقصد طول العمر”

صعقت، وسألت وأنا مش مصدق: “طب وإنتي؟”

قالت وهي بتفتح في العياط: “أنا مش هكون معاك طالما رهف لسة تحت وصايتك”

ذهلت، ومبقتش عارف أرد أقول إيه..؟

رفعت إيدي، ومسكت كتفها بالراحة، وبصيت لعنيها، وقلت: “إنتي متأكدة من اللي إنتي بتقوليه ده يا رضوى؟”

ردت وهي الدموع بتنزل من بين رموشها: “أيوة أنا متأكدة، وقاصدة كل كلمة بقولها يا ليث.. أنا مش هكمل معاك طول ما بنت عمك تحت وصايتك.. لو عايزنا نكمل حياتنا مع بعض.. إتنازل عن الوصاية بتعاتها، وابعدها عننا خالص”

وديت وشي النايحة التانية.. كنت عايز أهرب من اللي هي بتقوله…

بصيتلها تاني، وضغطت على دراعها، وقلت: “لأ.. إنتي أكيد مش قصدك اللي إنتي بتقوليه ده يا رضوى.. أنا أكيد بحلم دلوقتي”

“لأ.. إنتي أكيد مش قصدك اللي إنتي بتقوليه ده يا رضوى.. أنا أكيد بحلم دلوقتي”

رضوى عصرت عينيها الإتنين، والدموع نزلت بغزارة منهم…

فضلت أهز فيها، وأقولها: “إتكلمي يا رضوى.. إنتي أكيد بتخرفي مش كده؟”

رضوى رمت راسها على صدري فجأة، وقالت وهي بتعيط: “أنا مش متحملة اللي بيحصل ده يا ليث.. إرحمني.. قلبي مش هيقدر يتحمل إني أعيش مع واحدة أنا متأكدة إنك بتحبها.. إيه الخطة اللي أنت حاطتها ليك أنت، وهي؟؟ أنت إزاي قاسي عليا كده؟؟”

رضوى انهارت، وفضلت تعيط بطريقة حرقت قلبي…

مترحكتش من مكاني، واستنيت لغاية ما فضت كل دموعها في هدومي، وخلصت كل مخزون العياط اللي عندها…

بعد كده بعدت راسها عن صدري، وبصت عليا، وقالتلي: “ها.. قررت إيه؟؟”

سألتني وهي عنيها متشعلقة في عيني…

مردتش عليها، فقالت: “ليث.. أنا ولا هي؟”

جزيت على سناني من كتر التوتر، وبعدين قلت: “أنا هعتبر نفسي مسمعتش أي حاجة النهاردة”

قالت بخنقة: “ليث.. متهربش من سؤالي”

رديت بنبرة حادة: “مهو ده مش سؤال طبيعي يا رضوى.. ده جنان.. واضح إن إنتي ملحقتيش تهدي أعصابك كويس الفترة اللي فاتت دي.. أنا هسيبك ترتاحي، وتراجعي حساباتك العبيطة دي من أول وجديد”

بعد كده سيبتها، وخرجت من الأوضة…

شوفت عم إياس، والخالة فيردا بيشتغلوا في الأرض مع العمال…

قلت للخالة: “خالتي.. هاتي اللي في إيدك ده لو سمحتي”

كنت بشاور على الفاس اللي هي بتحرث بيه الأرض…

قالت بابتسامة جميلة: “أنا بستمتع باللي أنا بعمله ده يا إبني.. وبعدين ده تمرين كويس جدا لعضلة القلب”

قلت: “بالعكس.. ده حاجة متعبة جدا لمرضى القلب.. أرجوكي كفاية”

قربت منها، وخدت منها الفاس، وطلبت منها تروح ترتاح شوية…

أشعة الشمس كانت قوية جدا في اليوم ده…

شمرت دراعاتي، ومسكت الفاس، وفضلت أضرب في الأرض بكل قوتي…

كل ما كنت بفتكر كلام رضوى، كنت بضرب في الأرض بقوة أكبر…

كإن الأرض هي اللي مسؤولة عن كل اللي بيحصل فيا.. كإن بيني، وبينها تار كبير…

فضلت أشتغل بهمة مش مناسبة أبدا للحالة النفسية اللي أنا كنت فيها…

عدت الساعات، وقرص الشمس اختفى من السما، وخبى معاه كل الأحداث اللي هتحصل مع شروقه تاني يوم…

تعبت جدا، وجسمي وجعني من كتر الشغل…

سيبت الفاس اللي كان في إيدي، واترميت على الرملة عشان أسترخى، وآخد نفسي…

اتنفست بعمق، وكنت سرحان، وباصص للسما اللي اتلونت بلون الحداد الكئيب…

دماغي سرحت، وافتكرت أيام السجن، ونومة الزنزانة، وافتكرت الحشرات اللي كانت بتمشي على جسمي.. حتى ريحة دخان السجاير شميتها جوا مناخيري…

مش عارف ليه الذكريات دي رجعتلي تاني في الوقت ده..؟

نفضت نفسي، وقمت بسرعة من مكاني، ودخلت البيت…

حاولت بقدر الإمكان إني أبعد عن أي مكان رضوى فيه، وكنت بتجنب حتى إني أبصلها لو لقيتها قدامي…

اللي أنا قدرت أعمله ساعتها، إن أنا أجلت النقاش في الموضوع ده لإشعار آخر…

………………………….

طرت من الفرحة لما ليث قالي إنه جاي يزورنا الليلة دي…

أنا مشوفتهوش بقالي أسبوع.. من ساعة ما جيت هنا عند خالتي.. حاسة إن هو واحشني جدا…

حسيت بالحسرة عشان مقدرتش أقوم أجهز الأكل مع خالتي، وبناتها…

قلت لنهال: “هو بيحب عصير البرتقال الفريش.. بالله عليكي إعملي كتير”

نهال فتحت درج التلاجة اللي مليان برتقال، وقالت: “إيه رأيك أعمل كل ده؟”

وسام انفجرت من الضحك، وخالتي زعقتلها…

أنا بصيت لنهال بنظرة مليانة عصبية، فهي ابتسمت، وقالت: “أوامر يا ستي.. عايزة حاجة تاني نعملها لأستاذ ليث؟”

أنا كنت معرفة خالتي الأكل اللي هو بيحبه، وطلبت منها تعمل منه كميات كبيرة…

خالتي قالت: “طب وآسر.. متأكدة يا بنتي إنه مش هييجي؟”

قلت: “أيوة.. لما سألت ليث قالي إن آسر مش جاي معاه.. لكن برضه إعملي حسابه.. يمكن يغير رايه، وييجي”

وسام قالت: “آسر شكل وشه بقى حلو أوي، ووسيم.. إنتي هتتجوزيه تاني يا رهف، ولا هتعملي إيه؟”

المرة دي خالتي ضربت وسام على كتفها جامد، وطردتها برا المطبخ…

البت دي مستفزة جدا، وأفكارها غبية زيها بالظبط…

سكتنا شوية بعد الموقف ده، ونهال حاولت تكسر الصمت، وقالت: “طب وخطيبته، ومامتها.. متأكدة إن هما مش هييجوا معاه؟”

هي كانت عارفة الإجابة كويس، لكن أنا سايرتها، ورديت عليها بخنقة: “مفيش حد هيجي غير ليث”

قالت: “طب إهدي بس.. هو أنا قلت إيه غلط؟”

يااه.. دي متعرفش هي قالت إيه غلط!!

شكل نهال رجعت طفلة تاني، ومحتاجة تتشد من ودانها عشان تعرف غلطها!!

خرجت من المطبخ عشان أروح أوضتي، ولقيت وسام مستنياني…

قالت: “هو إنتي زعلانة مني؟”

قلت: “آه”

قالت: “ليه  بس؟”

قلت: “عشان إنتي قلتي إن آسر بقى وسيم، وسألتيني لو كنت هتجوزه تاني”

قالت: “أيوة أنا قلت كده.. إيه الغلط في اللي أنا قلته؟ هو بقى وسيم فعلا”

قلت: “أيوة أنا عارفة.. لكن مينفعش إنك تسأليني إن كنت هتجوزه ولا لأ.. أولا عشان إنتي لسة صغيرة، ومينفعش تقولي الكلام ده.. ثانيا عشان أنا، وآسر انفصلنا عن بعض، ومش هنتجوز تاني أبدا”

بصيت في عينيها عشان أحاول أعرف هي فهمتني ولا لأ.. لكن الواضح إن هي مفهمتش أي حاجة..!

قالت: “يبقى كده إنتي هتتجوزي صبري؟”

يا رب إلهمني الصبر!!

رديت: “لأ برضه”

قالت: “أومال هتتجوزي مين؟”

قلت وأنا مكشرة عشان أبينلها إني زهقت من كلامها: “مش عارفة يا وسام.. لكن أنا مش عايزاكي تكرري الكلام في الموضوع ده تاني.. إنتي فاهمة؟”

لفيت عشان أبعد عنها، فسمعتها وهي بتقول: “أنا عارفة إنتي هتتجوزي مين”

لفيت، ولقيت وسام بتبتسم بمكر…

قلت عشان أجاريها: “تفتكري بقى أنا هتجوز مين فعلا؟”

قالت: “هتتجوزي ابن عمك الضخم.. أنا سمعتك بتقولي كده لنهال أختي”

………………………..

بعد العشا قعدت مع أبو صبري، والخالة أم صبري، وصبري، ورهف عشان نتكلم سوا…

كلامنا في الأول كان عادي، ومن غير هدف.. طبعا باستثناء الإعتذار بتاع أم صبري اللي زاح حمل كبير عن صدري…

لكن أنا ملحقتش أتهنى كتير بزوحان الهم ده..!

رهف الصغيرة كانت ساكتة، وعمالة تبص عليا كل شوية…

لكن.. هو في حاجة غريبة في شكلي؟؟

أم صبري سألت: “أنت هتقعد هنا قد إيه؟”

رديت: “أسبوع بالكتير.. في شغل كتير واقف على حضوري”

قالت: “طب ورهف؟”

بصيت على الصغيرة بسرعة، ونظراتنا اتشابكت مع بعض، وبعدين رجعت لأم صبري تاني، وقلت: “هتيجي معايا طبعا”

هو في شك في حاجة زي كده؟!

أم صبري قالت: “هي مش واخدة أجازة مرضية كذا أسبوع.. يعني مفيش جامعة ولا دراسة.. وبالتالي مفيش داعي لسفرها معاك”

رجعت بصيت لرهف، وكنت متوقع إن دي فكرتها، وبعدين قلت: “أيوة بس هي لازم تبقى قريبة من المستشفى عشان تكمل علاجها.. هي عندها معاد مع الدكتور الأسبوع اللي جاي.. وكمان هي ممكن تذاكر في البيت، وصحابها ييجوا يزورونا في وقت الأجازة”

مش كلامي صح برضه ولا إيه؟؟

أم صبري بان على صوتها الجد، وقالت: “في الحقيقة يا ليث.. باختصار، ومن غير أي مقدمات.. أنا عايزة بنت أختي تبقى تحت عيني من هنا ورايح”

اندهشت، وقلت: “إنتي تقصدي إيه؟؟”

ردت: “أقصد إني عايزاها تبقى هنا في بيتي، وتحت رعايتي، وبين عيالي.. وهو ده أكتر مكان مناسب ليها أصلا”

فضلت أدور بعيني في الأوضة، وبصيت على رهف عشان أحاول أستشف منها الموقف بتاعها.. لكن مفهمتش أي حاجة من تعبيراتها…

قلت: “هو إحنا يا خالتي مش خلصنا كلام في الموضوع ده، وشبعنا منه؟ رهف هتفضل تحت وصايتي، ودي حاجة مفروغ منها، وغير قابلة للنقاش نهائي”

صبري اتدخل، وقال: “ده اللي أنت عايز تفرضه علينا”

مهتمتش بكلامه، وركزت مع الخالة اللي قالت: “إحنا مخلصناش كلامنا في الموضوع.. أنت اللي كنت مصر على موقفك آخر مرة، واستغليت شغف البنت للدراسة، وسحبتها عندك”

إستغليتها؟؟

لما أفكر في مستقبل رهف، وأخططله كويس، إنتوا تسموا ده إستغلال؟؟

صبري قال: “هم بيرمموا مبنى الجامعة اللي هنا، ورهف تقدر ترجع جامعتها تاني من السنة الجاية إن شاء الله”

قلت: “وهي إيه اللي يخليها تعمل حاجة زي كده؟ الجامعة بتاعتها اللي في الجنوب أحسن بكتير، وهي قطعت شوط كبير، ونجحت جدا.. يبقى تفكر ليه إنها تغير جامعتها أصلا؟”

أم صبري قالت: “عشان تبقى جنبي هنا.. طالما حجتك الدراسة، فإحنا أهو عندنا الحل”

كلامها استفزني، وقلت: “مش موضوع الجامعة بس.. رهف تحت وصايتي أنا، وأنا عايز آخدها معايا”

أم صبري قالت بصوت حاد: “المرة دي رهف رجعتلنا متجبسة.. المرة الجاية هترجعهلنا عاملة إزاي؟”

أبو صبري اتدخل عشان يخفف حدة الموقف، وقال: “إحنا عارفين يا إبني إنك بتاخد بالك منها كويس.. لكن هنعمل إيه؟ ده قلب الأم.. أنت مش متخيل خالتها كان بالها مشغول عليها قد إيه؟”

صبري قال: “كلنا كنا قلقانين، ومشغولين عليها وهي بعيدة عننا بالشكل ده.. أنت لازم تقدر مشاعرنا”

شكلك إتجننت يا صبري.. مشاعر إيه دي اللي أنت عايزني أقدرها؟؟

لازم تبطل رغي بقى بدل ما أنا اللي أتجنن عليك…

قلت باعتراض، وبإصرار على موقفي: “الموضوع خلصان، وإحنا مش قاعدين دلوقتي عشان نتناقش فيه أصلا.. لو سمحتوا كفاية كده.. مفيش داعي إننا نضيع وقت في حاجة مفروغ منها، ومنتهية”

صبري قال: “أنت بني آدم متسلط جدا”

الكل سكت من الصدمة، وأنا بصيتله باستغراب…

كنت فاكر إنها زلة لسان، وهيعتذر عليها، لكن ده كمان رجع كمل كلامه: “إحنا أقرب لرهف منك، وأحق برعايتها”

أبو صبري بص لصبري بنظرة غضب شديدة، والتاني سكت شوية، وبعدين بص لرهف، وقال: “إنتي إيه رأيك يا رهف؟ مش إنتي هتحبي أكتر إنك تقعدي هنا مع أمي؟”

كلنا بصينا على رهف اللي وطت راسها في الأرض، ومتكلمتش خالص.. كإنها موافقة على الموضوع فعلا..!

في إيه يا رهف؟؟

مالك؟؟

إنتي عايزة تحرجيني أكتر من كده مع قرايبك؟؟

مش إحنا المفروض مخلصين كلام أنا، وإنتي في الموضوع ده؟؟

غيرتي رأيك دلوقتي يعني؟؟

قلتلها وأنا حاسس بالخذلان من موقفها: “إيه يا رهف؟ إتكلمي؟”

بصت عليا، وجاوبت بتوتر: “اللي تشوفه أنت.. يا ليث”

كلهم بصولي مرة واحدة بنظرات حادة جدا…

يا نهار أبيض!

إوعوا تكونوا فاكرين كمان إن أنا بجبرها على حاجة؟!

قلتلها: “هو مش إنتي عايزة تكملي دراستك في جامعتك يا رهف؟”

قالت: “أيوة”

قلبي إتطمن من ردها، لكن أم صبري قالت وهي معترضة: “لأ.. إنتي هتفضلي معايا.. أنا عايزة أرعاكي بنفسي من هنا ورايح.. قلبي مش هيتطمن أبدا لو سافرتي تاني”

لقيت صبري فجأة بيقلي: “طب أنت ليه متتنازلش عن الوصاية بتاعتها؟”

بصيتله وأنا مندهش، وبعدين زغرتله بعيني، وقلت: “أتنازل عنها لمين مثلا؟ ليك أنت يعني؟!”

صبري اتضايق من تريقتي على كلامه، ورد عليا بانفعال: “أنت عارف كويس إن انا لسة مكلمتش السن القانوني، ومينفعش أبقى واصي على حد.. أنا قصدي على أبويا اللي هو يكون إبن عم مامتها، وأمي اللي تبقى أخت مامتها.. إحنا أقرب ليها منك”

لغاية كده بقى ومقدرتش أمسك نفسي.. راسي كانت بتتصبب عرقا، وجسمي كله قايد نار، وأعصابي فايرة على الآخر…

بصيت لرهف، وتقريبا نظراتي كانت قوية لدرجة إن جسمها اتنفض، ورجعت ورا…

قلت عشان أنهي الحوار: “إنتوا ممكن تتناقشوا في موضوع الوصاية ده بعد موتي.. لكن طالما أنا حي على وش الدنيا، فبنت عمي هتفضل تحت وصايتي أنا طول العمر”

وقفت، وبعدين كملت كلامي: “أنا لازم امشي دلوقتي.. شكرا على حسن ضيافتكم”

بصيت على رهف، وقلت: “رهف.. ممكن تيجي معايا للبوابة؟”

مشينا جنب بعض لغاية ما بقينا قريبين من بوابة البيت…

في اللحظة دي سمحت للساني إنه ينطق: “رهف”

صوت خطوات العكاز وقف، فبصيت على رهف، ولقيتها واقفة، وبصالي كويس.. كإنها مستنية حاجة مهمة…

قلت: “هي الفكرة دي كانت فكرتك إنتي؟”

رهف ردت بسرعة: “لأ والله.. دي فكرة خالتي.. هي اللي عايزاني أفضل قاعدة هنا معاها.. على الأقل لغاية ما أخف”

قلت: “طب وفكرة الوصاية؟”

ردت: “متشغلش بالك.. هو صبري كده بيحب يتكلم بسخافة شوية”

كنت باصص عليها، وشاكك في كلامها.. هي على طول كانت بتطلب مني إني أوديها بيت خالتها عشان تعيش معاهم.. كنت خايف جدا تكون هي ورا كل ده…

لما شافت الشك اللي في عيني، قالت: “ليث.. صدقني والله دي مش فكرتي خالص”

قلت: “اسمعي يا رهف.. لازم تفهمي قرايبك إن موضوع الوصاية ده أمر مفروغ منه.. ومش هقبل منهم إنهم يفتحوه قدامي مرة تانية أبدا.. لازم تقوليلهم يبطلوا المحاولات الفاشلة بتاعتهم دي.. وإلا أنا مش هجيبك تزوريهم هنا تاني”

التوتر بان على وش رهف، فقلت: “أنا قاصد كل كلمة قلتها يا رهف”

وبعدين لفيت عشان أكمل طريقي للبوابة…

بعد كام ثانية، لقيت رهف جت ورايا، وسمعتها بتندهلي، وبتقول: “ليث.. متزعلش”

بصيت عليها، فلقيت عينيها متشعلقين فيا…

كررت كلامها: “أرجوك.. متزعلش منهم.. عشان خاطري”

سكتت شوية، وبعدين كملت: “وأنا بعتذرلك عن كل كلمة إتقالتلك النهاردة، ودايقتك.. سامحهم بالله عليك”

حسيت إني مرتاح لما لقيت رهف بتقدرني، وبتهتم بمشاعري، وعايزة تطيب خاطري بعد الكلام اللي أنا سمعته من أهلها…

قلت: “أنا المرة دي هبلع كل الكلام اللي أنا سمعته.. لكن إنتي لازم تفهميهم إن الموضوع ده لو اتكرر تاني، فأنا هاخد موقف يزعلهم كلهم”

رهف هزت راسها بالإيجاب، وبصت في الأرض…

قلت: “عايزة مني أي حاجة قبل ما أمشي؟”

شوفت وش رهف وهو بيبتسم، وعلامات القلق مرسومة عليه، وقالت: “لأ شكرا.. خلي بالك من نفسك”

أخلي بالي من نفسي؟!

دي أول مرة تقلي كده، وبالطريقة دي..!

كانت علامات القلق، والإهتمام طافحة على وشها…

حسيت إن في زغزعة غريبة ماشية في جسمي.. مش متناسبة أبدا مع النرفزة اللي أنا فيها..!

ابتسمت في وشها، ومشيت وأنا مرتاح راحة غريبة جدا…

إزاي يا رهف بتقدري تحوليني كده بابتسامة، أو بكلمة بسيطة منك؟!

بعد ما سيبت رهف، ومشيت، روحت على شقة آسر اللي كان مديني مفتاح احتياطي لشقته بطلب مني، عشان أعرف أدخل، وأخرج براحتي في أي وقت.. خصوصا عشان هو كان بيقضي وقت طويل في الشغل…

دخلت الشقة، وروحت ناحية أوضة النوم…

هناك لقيت أخويا قاعد على السرير، وماسك في إيده علبة، ووشه كان مكشر، وباين عليه إنه سرحان.. ده حتى مخدش باله إني جيت…

“آسر”

أول ما ندهت عليه ارتبك، وقفل العلبة اللي كانت في إيده، وقام وقف وهو بيقول: “ليث.. أنت جيت؟ أهلا بيك”

راح بعد كده ناحية الدولاب، وحط العلبة في درج من الأدراج، وقفله بالمفتاح.. ده نفس الدرج اللي أنا لقيته مقفول قبل كده…

قال: “أنا مخدتش بالي إنك جيت”

بصيت على وشه كويس، ولقيت آثار الدموع وهي بالة رموشه…

حسيت إن قلبي إتقبض، وسألت: “هو في حاجة ولا إيه؟”

آسر اتظاهر بالعفوية، وابتسم، وقال: “لا لا مفيش حاجة.. متقلقش”

بس أنا فضلت باصص عليه، فقال: “أنا بس افتكرت أبونا، وأمنا”

كان باين الحزن الشديد على وشه…

أنا مصدقتش أوي اللي هو بيقوله، لكن مرضتش أحرجه، وقلت: “الله يرحمهم”

اتصرفت بعد كده بشكل طبيعي، رغم القلق اللي بيعصر في معدتي…

مش عارف إيه الحاجة اللي آسر مخبيها في الدرج، وخايف إني أشوفها..؟

بس أنا حاسس أو شبه متأكد إن دي حاجة ليها علاقة برهف…

بقى عندي فضول كبير جدا، وانتهزت الفرصة بعد الموقف ده بشوية وروحت تاني للدرج لما كان آسر في الحمام…

آسر نسي المفتاح في الدرج بعد ما قفله، وأنا فتحته، ومسكت العلبة الكبيرة اللي كانت واخدة حيز كبير جوا الدرج…

حطيت العلبة على السرير، وجيت أفتحها، لكن ضميري اتغلب على الفضول اللي جوايا في آخر لحظة…

رجعت العلبة فورا مكانها، وقفلت الدرج زي ما كان بالظبط…

في اللحظة دي شكرت نفسي على الأمانة اللي عندي، وعلى ضميري اللي أنا محافظ عليه، ونمت الليلة دي وأنا راضي جدا عن نفسي…

لكن بعد كده ندمت ندم شديد عشان مكتشفتش السر اللي أخويا كان مخبيه عليا، برغم إنه كان بين إيدي…

…………………….

إمبارح ليث قالي على معاد السفر بتاعنا اللي هو النهاردة بالليل، واتصل بيا من ساعة عشان يتأكد إني مستعدة…

عرفني إنه رايح على المزرعة، وهيجيلي على العصر…

وأنا قاعدة بلم حاجتي في الشنطة مع بنات خالتي، لقيت التليفون بتاعي بيرن…

نهال بصت عليا بمكر، وقالت: “أكيد الواصي الضخم هو اللي بيرن”

وسام ضحكت كالعادة بصوت عالي…

تليفوني كان محطوط على التسريحة جنب المراية، وأنا كنت قاعدة على السرير…

قلت لنهال: “هاتي التليفون لو سمحتي”

وسام جريت، وجابت التليفون من على التسريحة، وجت ناحيتي…

نهال قالتلها: “كنتي خليتيها تروح تجيبه بنفسها”

وسام غيرت خط سيرها، وراحت ناحية التسريحة تاني…

قلت بخنقة: “مش وقته بقى يا جماعة الهبل ده.. هاتي التليفون يا وسام فورا”

نهال قالت وهي بتضحك بخبث: “روحي خديه بنفسك”

قلت: “إنتوا بتلعبوا بيا إنتوا الإتنين.. ماشي”

حدفت عليهم الهدوم اللي كنت ماسكاها في إيدي، وخدت العكاز بتاعي، ووقفت…

في اللحظة دي نهال جابت التليفون، وحدفتهولي على السرير، وخرجت هي، وأختها وهما بيضحكوا…

مديت إيدي بسرعة، وخدت التليفون…

لقيت الرقم اللي ظهر على شاشة التليفون كان رقم تليفون المزرعة…

“ألو”

“ألو.. عاملة إيه يا رهف؟”

إنتوا عارفين مين اللي اتصل؟؟

دي الشقرا!!

إنتي عايزة مني إيه؟؟

وإزاي تتجرأي إنك تتصلي بيا، وكإننا أصحاب؟؟

قلت بطريقة جافة: “نعم.. عايزة إيه؟”

قالت: “أنا كنت خايفة مترديش على إتصالي”

قلت: “أنا افتكرته ليث.. لكن هو في إيه؟”

قالت: “هو لسة موصلش.. هو عرفك إنه حجز التذاكر، ومعاد السفر هيكون بالليل؟”

قلت: “آه.. هو قالي”

الشقرا سكتت شوية، وبعدين قالت: “رهف.. هو إنتي فكرتي في الموضوع اللي كلمتك فيه؟”

تقصد الكلام اللي زي السم اللي قالتهولي قبل ما أمشي من المزرعة.. بقالي كام يوم بحاول أتخطاه ومش عارفة…

رديت: “لأ.. أنا مش عايزة أفكر فيه أصلا”

قالت: “ليه؟”

قلت بنرفزة: “عشان مش عاجبني، ولو سمحتي متفتحيش الموضوع تاني”

قالت: “لازم أفتحه يا رهف، ولازم نديله اهتمام كبير كمان.. ده مش مجرد موضوع عادي.. ده فيه مستقبلنا، ومصيرنا إحنا التلاتة”

قلت وأنا متغاظة من كلامها: “ملكيش دعوة بمصيري، ومستقبلي بعد إذنك”

قالت: “طب ومستقبل ليث، وحياته؟ هتعملي فيها إيه؟ ومصير المشاكل، والدوامة اللي إحنا مش عارفين نخرج منها؟ مفكرتيش في كل ده كمان؟”

قلت بانفعال: “ليث مش هيتخلى عني تحت أي ظروف.. ده في مقام بابا.. أنا مش هبعد عنه، ولو عايزة إنتي إبعدي عنه، وريحينا”

الشقرا سكتت شوية، وبعدين قالت: “يعني هو ده قرارك؟”

قلت بتحدي: “أيوة.. هو ده قراري”

قالت وهي باين الحزن في نبرة صوتها: “أنا متوقعتش إنك تكوني أنانية للدرجة دي”

كملت كلامها بنبرة شديدة: “لكن ليث هييجي دلوقتي، وهعرفه الكلام اللي دار بيني، وبينك، وهقله على قرارك.. وهحطه قدام الأمر الواقع عشان يختار هو هياخد معاه مين في السفر”

سكتت شوية، وكملت: “وهياخد معاه مين لباقي العمر”

بعد كده قفلت السماعة فورا…

فضلت متسمرة في مكاني شوية، وبعدين دوخت، واترميت على السرير…

مسكت التليفون عشان أتصل بليث، لكن صوابعي مقدرتش تدوس على الزراير…

غمضت عيني عشان أهدى، وفضلت أتنفس جامد…

“رهف”

سمعت صوت بينادي عليا، بصيت ناحية الباب، وركزت شوية عشان أقدر أميز ، ولقيتها نهال…

“مالك؟”

قربت مني، وسألتني لما شافت الوضع اللي أنا فيه…

قعدت جنبي على السرير، وحضنتني وهي بتقول: “إيه اللي جرالك يا رهف؟؟ البني آدم المغرور ده قالك إيه؟”

هزيت راسي وأنا في حضنها، وعمالة أشهق، وأقول: “مش هو يا نهال.. ده هي.. هي”

سألتني بتوتر: “وهي عايزة منك إيه؟”

إنهرت من العياط، وقلت: “عايزة تبعدني عن ليث.. عايزة تحرمني منه.. عايزة تاخده مني يا نهال”

بعدت راسي عن حضنها، وقلت وأنا منهارة: “أنا هموت لو اتخلى عني.. أنا مش هقدر أعيش من غيره.. ده ليث عمري أنا.. هو ليا أنا.. ليا أنا وبس”

………………………..

كنت قايل لآسر عن موضوع سفري للمدينة الساحلية مع رهف، وكنت بلح عليه عشان ييجي معانا، ورجعت عرضت عليه فكرة الشغل معايا في مصنع رضوى…

آسر كان رافض الفكرة قبل كده، لكن دلوقتي وافق الحمد لله، وطلب مهلة كام يوم عشان يرتب حاله…

اتفقت معاه إنه يخلص كل حاجة عنده، ويستعد للسفر بعد كام يوم…

وضع آسر، والوحدة اللي هو فيها، وعيشته بعيد عني.. كل ده مكانش مريحني من الأول.. لكن الظروف في الأول مكانتش تسمح إننا نعيش سوا، وآدي أخيرا الفرصة جت…

ودعته، وروحت المزرعة عشان أسلم على رضوى، وعيلتها قبل ما أسافر…

طبعا المشكلة الكبيرة بتاعتي مع رضوى كانت مستنياني في المزرعة…

كنت قاعد أنا، وهي بين الشجر، بعيد عن عين أي حد عشان نتكلم في الحاجات المجنونة اللي قالتهالي من كام يوم…

كنت فاكر إنه موقف عابر، وهيروح لحاله.. لكن أنا لقيتها لسة على نفس موقفها، لأ وكمان مصرة أكتر من الأول…

رضوى كانت على غير عادتها متوترة، ومتعصبة جدا…

“إسمع بقى يا ليث.. أنا مش عايزة نضيع، وقت، ومجهود في الموضوع ده أكتر من كده.. أنت اللي في إيدك دلوقتي تاخد القرار، وتحسم الموضوع بشكل نهائي.. يا إما تاخدني أنا معاك للأبد، أو تاخدها هي معاك للأبد”

قلت بانفعال: “الهبل اللي إنتي عمالة بتقوليه ده أنا مش هعتبره جد أبدا.. أنا شايف إن أنا آخدها هي وأسافر بيها لغاية ما موجة الجنان اللي لحست عقلك دي تروح لحالها.. بعد كده بقى نبقى نتناقش في الموضوع ده بشوية عقل”

رضوى قالت بصوت عالي: “ليث.. متتهربش من الموضوع باللي أنت بتقوله ده.. أنا مش مجنونة، وبكلمك بجد.. يا إما أنا.. يا إما هي.. ومفيش أي خيار تالت بينهم”

الإصرار كان طالع زي النار من عينيها، والنار دي محرقتش عيني بس.. دي حرقت معدتي اللي لسة مهديتش من اللي فيها…

اتنفست نفس عميق عشان أحاول أطفي النار اللي جوايا، وبعدين لفيت، ومشيت كام خطوة بعيد عنها…

“ليث.. أنت رايح فين؟”

مردتش عليها، وخطيت خطوة تانية، فلقيتها بتقول: “يعني أفهم من كده إن أنت قررت تختارها هي؟”

وقفت لحظة، ومردتش عليها، وبعدين مشيت خطوتين تاني…

سمعتها بتقول: “لو قررت إنك تروحلها إوعى تفكر ترجعلي هنا مرة تانية”

هنا بقى لفيت، وبصيتلها وأنا مذهول، وقلت بخنقة: “إنتي تقصدي إيه يا رضوى؟ حلي عن دماغي الساعة دي بالله عليكي.. أنا مش ناقص، وقربت أنفجر.. إنتي تقصدي إيه بالجنان اللي إنتي بتقوليه ده؟”

رضوى بحلقت فيا شوية، وبعدين قالت: “ننفصل”

حسيت إن راسي اترجت من أثر الصدمة، وعيني بحلقت فيها، وبقي إتفتح على آخره…

صعقت.. ذهلت.. اتسمرت في مكاني.. مبقتش مصدق وداني!!

قلت بارتباك وأنا مش مستوعب اللي أنا سمعته: “إنتي.. بتقولي.. إيه؟”

رضوى ردت بثقة: “ننفصل يا ليث”

برودها زود ذهولي أكتر وأكتر…

فضلت مبحلق فيها لوقت طويل، وبعدين قلت: “إزاي تتجرأي إنك تقولي حاجة زي كده يا رضوى؟؟ إنتي أكيد إتجنتي!! إيه اللي أنا بسمعه ده؟؟ إزاي لسانك طاوعك إنك تقوليها؟؟ بتقولي ننفصل؟؟”

رضوى سكتت، فأنا مشيت لغاية ما بقيت قدامها، وقلت: “ننفصل يا رضوى؟؟ إنتي قلتي كده فعلا؟؟”

رضوى قالت بصوت مبحوح، وداخل على عياط: “أيوة.. إحنا مش هنقدر نعيش أنا، وأنت، وبنت عمك مع بعض.. أنا خيرتك، وأنت اللي اخترت إنك تتخلى عني عشانها”

مديت إيدي، ومسكت دراعها، وهزيتها جامد، وصرخت: “أنا يا رضوى؟؟ إنتي اللي قررتي كل حاجة بجنانك.. إنتي اللي رافضة ترجعي معايا.. إنتي عارفة ظروفي عاملة إزاي الفترة دي، وبدل ما تخففي عني، بلاقيكي بتزوديني هموم فوق همومي يا رضوى.. إنتي عايزاني أسيب رهف في بيت خالتها للأبد؟؟ ده من عاشر المستحيلات.. أنا مستحيل أتخلى عن مسؤوليتي ناحية بنت عمي تحت أي ظرف من الظروف”

رضوى قالت بنرفزة: “خلاص يبقى اتخلى عني أنا، واحتفظ بقى ببنت عمك الغالية الدلوعة.. مهي هي حبيبة القلب اللي مش بتتكسف تشيل صورتها تحت مخدتك”

لغاية هنا بقى وصبري نفذ…

رفعت إيدي، وكنت هضرب رضوى بالقلم لكن منعت نفسي في آخر لحظة، وإيدي فضلت متشعلقة في الهوا…

رضوى كانت مبحلقة فيا بذهول شديد، ووشها بقى لونه أصفر من الخضة…

رجعت إيدي، وبصيت حوالينا، ولقيت الشجرة اللي إحنا واقفين جنبها بتتفرج علينا بسلام…

رفعت إيدي تاني، وضربت غصن من أغصانها وكسرته، ووقعته على الأرض…

بعدت بسرعة عن رضوى عشان شيطاني ميخلينيش أفكر تاني إني أضربها…

روحت أدور على عم إياس، لقيته قاعد مع الخالة فيردا بيتكلموا…

لما شافوني رحبوا بيا، وقالولي أقعد معاهم…

لكن طبعا هما شافوا النار اللي كانت طالعة من عيني، والعرق اللي نازل من راسي…

عم إياس قام وقف، وقال بقلق: “إيه اللي حصل يا إبني؟؟”

قلت بغضب: “عمي.. أنا عايز أتكلم معاك شوية”

صوتي كان قوي لدرجة إن الخالة فيردا خافت، وحطت إيدها على صدرها…

عم إياس قال: “إهدى يا إبني.. كل حاجة هتتحل”

قلت بانفعال: “أيوة.. أنت لازم تتدخل، وتعمل أي حاجة تعقل بيها بنت أختك المجنونة دي”

الخالة فيردا قامت وقفت هي كمان، وقالت: “في إيه اللي حاصل يا إبني؟؟”

عم إياس قال: “أقعد يا إبني الله يهديك.. شكلك متوتر.. أقعد، وحاول تهدى عشان نتكلم”

بعد كده بص على الخالة، وقالها: “هاتي شوية مياه لليث عشان يهدى يا أم رضوى الله يكرمك”

الخالة راحت عشان تجيب المياه، وعم إياس حط إيده على دراعي، وطبطب عليا عشان يحاول يهديني…

لكن أنا طبعا مهدتش خالص، وقلت بصوت عالي: “يا عمي رضوى اتجننت على الآخر.. دي بتهدنني يا إما أسيب بنت عمي في بيت خالتها للأبد.. يا إما…”

مقدرتش أكمل الجملة، وعم إياس سأل: “يا إما إيه؟”

قلت بانفعال: “يا إما نسيب بعض”

عم إياس ذهل، وبصلي وهو متفاجئ جدا من اللي أنا بقوله….

“أنت لازم تتكلم معاها، وتعقلها.. هي اتجننت على الآخر من ساعة ما عرفت إن أنا قتلت ابن عمها ده.. ودلوقتي عايزاني اتخلى عن مسؤوليتي ناحية بنت عمي اليتيمة اللي هي أمانة في رقبتي لغاية يوم الدين، ولو منفذتش  اللي هي عايزاه مش هتكمل معايا”

عم إياس فضل باصصلي باندهاش، ومش قادر ينطق بولا كلمة…

“هي بتتعامل مع موضوعي معاها أو مع رهف كإنه لعبة ممكن تتغير في أي وقت زي ما هي عايزة.. فهمها يا عمي إن هي ماينفعش تحطني بين خيارين صعبين للدرجة دي.. ومينفعش تستهون بجوازنا بالشكل ده.. وكمان لازم تعرفها إن أنا مش مستهتر عشان أرمي وصاية بنت عمي على حد غيري، ولا إني أنفصل عن مراتي عشان هي، وبنت عمي مش طايقين يعيشوا مع بعض”

بعد كده لفيت عشان أمشي من غير ما أدي لعمي أي فرصة إنه يستوعب اللي حصل…

………………………

أنا لسة واقفة عند الشجرة زي ما أنا، وببص على الغصن بتاعها اللي ليث كسره، ورماه على الأرض…

كمت غرقانة في الدموع، ومكنتش عارفة أعمل إيه أو أفكر إزاي..؟

آدي ليث سابني، وسافر وهو متضايق مني، وموضوعي معاه فضل متعلق زي ما هو…

حسيت بحركة حواليا فبصيت على المكان اللي ليث مي منه، وكنت متأملة جدا إنه يكون رجع…

لقيت أمي، وخالي جايين ناحيتي، ووشهم مرسوم عليه قلق شديد…

أمي كانت ماسكة كوباية مياه في إيديها، وكانت عمالة تتدلدق بسبب التوتر اللي كان عند أمي…

قبل ما توصل عندي لقيتها بتعلي صوتها، وبتقلي: “رضوى.. إيه اللي حصل مع ليث؟؟ في إيه بينك، وبينه؟”

بصيت على أمي، وخالي وأنا عيني مليانة دموع، وقلت: “أنا.. طلبت منه.. إننا نسيب بعض”

بعد كده فتحت في العياط، ولفيت وشي للشجرة اللي ليث ضربها…

مكنتش سامعة حاجة غير صوت عياطي لغاية ما سمعت صوت خالي بيقول: “فيردا.. إمسكي نفسك”

لفيت، وبصيت على ماما لقيتها وقعت كوباية المياه من إيديها، وبتضغط على صدرها جامد، ومش عارفة تتنفس، وبعدين فضلت تتطوح، ووقعت على الأرض….

لتكملة القصة اضغط الزر بالاسفل



هل كان المحتوى مفيداً؟

نعم
لا
شكرا لك

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى