اخبار

أعلنت وزارة التربية والتعليم المصرية عن تنفيذ خطة عاجلة وشاملة لمواجهة ضعف مهارات القراءة والكتابة

في تحرك وصفه المراقبون بأنه «الأوسع منذ عقد»، أعلنت وزارة التربية والتعليم المصرية عن تنفيذ خطة عاجلة وشاملة لمواجهة ضعف مهارات القراءة والكتابة لدى طلاب المدارس في المراحل الابتدائية والإعدادية.
جاء هذا القرار بعد تقارير ميدانية ودراسات تربوية حديثة كشفت عن تراجع مقلق في قدرة بعض التلاميذ على القراءة السليمة والكتابة الصحيحة، وهو ما دفع الوزارة إلى إطلاق برنامج وطني ضخم تحت شعار «القراءة أساس المستقبل».
وتسعى الوزارة من خلال هذا التحرك إلى إعادة بناء الأساس اللغوي للمتعلمين، ورفع مستوى الكفاءة القرائية والكتابية بما يواكب أهداف الجمهورية الجديدة ومبادئ تطوير التعليم.

الخلفية وأسباب التحرك العاجل

جاء قرار الوزارة بعد نتائج اختبارات تشخيصية أجرتها الإدارات التعليمية في عدد من المحافظات، أظهرت أن نسبة ملحوظة من الطلاب في الصفوف الأولى لا يتمكنون من قراءة نص بسيط أو كتابة جمل صحيحة نحويًا وإملائيًا.
وأوضحت تلك الدراسات أن أحد الأسباب الرئيسية هو ضعف التركيز على المهارات اللغوية في السنوات الأولى من التعليم، مع الاعتماد المفرط على المناهج النظرية والامتحانات دون تعزيز الممارسة اليومية للقراءة والكتابة.
كما لعبت الظروف الاجتماعية والاقتصادية، وانقطاع الدراسة لفترات زمنية خلال جائحة كورونا، دورًا في زيادة الفجوة التعليمية بين الطلاب.
الوزارة وصفت الوضع بأنه «جرس إنذار»، مؤكدة أن مواجهة هذا الخلل تحتاج إلى خطة تتجاوز مجرد تغيير المناهج إلى إعادة هيكلة شاملة لطرق التدريس والتقييم.

خطة الوزارة الشاملة لإعادة بناء مهارات اللغة

أعلنت وزارة التعليم عن إطلاق برنامج وطني متعدد المحاور يشمل تحسين المناهج، تدريب المعلمين، وتوفير أدوات تقييم حديثة.
ويهدف البرنامج إلى رفع مستوى كل طالب في مهارات القراءة والفهم والاستيعاب والتعبير الكتابي، مع التركيز على السنوات الثلاث الأولى من المرحلة الابتدائية باعتبارها القاعدة التي تُبنى عليها بقية مراحل التعليم.
ويشمل البرنامج أيضًا تخصيص حصص أسبوعية للقراءة الحرة، وإنشاء نوادٍ للقراءة في المدارس، وتكليف فرق متابعة من الإدارات التعليمية لقياس التقدم الفعلي.

أولًا: تطوير المناهج والأنشطة اللغوية

كشفت الوزارة أن المناهج الدراسية ستخضع لمراجعة دقيقة من قبل خبراء اللغة العربية والتربية والتعليم، بحيث تُبنى الدروس على مهارات الفهم والتحليل وليس الحفظ والتلقين.
كما سيتم إدخال وحدات جديدة في المناهج تحت عنوان «رحلة مع الحروف» و«اقرأ لتتعلم» لتشجيع الطلاب على التفاعل مع النصوص القصصية، وربط اللغة بالحياة اليومية.
وستتضمن الخطة أيضًا إدخال كتب قراءة إضافية موازية للمقررات الأساسية، تحتوي على قصص قصيرة وحوارات مبسطة ومفردات متدرجة الصعوبة.

ثانيًا: تدريب المعلمين ورفع كفاءتهم

تعتبر الوزارة أن المعلم هو محور النجاح في أي إصلاح تعليمي. لذا بدأت الإدارة المركزية للتدريب بتنفيذ ورش عمل مكثفة لتأهيل معلمي اللغة العربية في جميع المحافظات.
ويركز التدريب على أساليب جديدة لتعليم القراءة والكتابة عبر الأنشطة، والدمج بين التكنولوجيا والتفاعل المباشر.
كما تم إطلاق مبادرة بعنوان «المعلم القارئ» لتشجيع المعلمين أنفسهم على القراءة المنتظمة وتبادل الكتب، ليصبحوا قدوة حية للطلاب.

ثالثًا: إنشاء نوادٍ للقراءة في المدارس

ضمن الخطة، ستُخصص في كل مدرسة قاعة أو مكتبة صغيرة مجهزة بكتب وقصص متنوعة، لتكون مركزًا لأنشطة القراءة اليومية.
وسيُمنح الطلاب بطاقات متابعة لتسجيل عدد الكتب التي قرأوها، مع تنظيم مسابقات بين الفصول والمدارس لاختيار «القارئ الصغير».
كما ستتم دعوة أولياء الأمور للمشاركة عبر مبادرة «ساعة قراءة في المنزل»، لتشجيع الأطفال على القراءة بصوت عالٍ أمام أسرهم.

رابعًا: أدوات تقييم حديثة ومستمرة

أوضحت وزارة التعليم أن النظام القديم في تقييم اللغة كان يعتمد على امتحانات تحريرية قصيرة لا تعكس مستوى الطالب الحقيقي.
أما الآن فسيُستخدم نظام تقييم مستمر يعتمد على الملاحظة الصفية، وتسجيل تطور الطالب شهريًا في مهارات القراءة والنطق والإملاء.
كما سيتم إدخال اختبارات رقمية بسيطة عبر أجهزة التابلت في المدارس الحكومية، بحيث تُظهر للمعلم مستوى كل طالب في لحظة.

تحرك إدارات التعليم والمدارس

أصدرت الوزارة تعليمات عاجلة للإدارات التعليمية بضرورة تنفيذ الخطة فورًا، وتخصيص لجان متابعة ميدانية لزيارة المدارس أسبوعيًا، والتأكد من تطبيق الأنشطة القرائية.
كما تم توجيه المديريات بضرورة رفع تقارير شهرية إلى ديوان عام الوزارة حول نسب التحسن في مهارات الطلاب، مع رصد أي عقبات تواجه التنفيذ.
وشددت الوزارة على أن المدارس الخاصة والدولية مشمولة كذلك في الخطة، وأن الهدف هو رفع مستوى كل طالب في مصر بغض النظر عن نوع مدرسته أو خلفيته الاجتماعية.

تعاون مع الجامعات والمراكز البحثية

ضمن التحرك، فتحت وزارة التعليم قنوات تعاون مع كليات التربية واللغة العربية في الجامعات المصرية، لتقديم الدعم العلمي في تصميم المناهج وتقييم الأداء.
كما تم التنسيق مع المركز القومي للبحوث التربوية لإجراء دراسات دورية حول تطور مهارات القراءة والكتابة لدى التلاميذ، وربط النتائج بمؤشرات جودة التعليم.

أسباب تراجع مهارات القراءة والكتابة

بحسب تقارير لجان المتابعة، فإن تراجع مهارات الطلاب في القراءة والكتابة يعود إلى عدة عوامل:

  • ضعف الاهتمام بالقراءة اليومية في المناهج الدراسية.
  • قلة المكتبات المدرسية المجهزة أو غياب الأنشطة الجاذبة للطلاب.
  • اعتماد بعض المعلمين على أسلوب التلقين بدلاً من التفاعل والمناقشة.
  • ضعف مشاركة الأسرة في متابعة القراءة المنزلية.
  • تأثير التكنولوجيا والهواتف الذكية التي قللت من عادة القراءة الورقية.

وأضاف التقرير أن معالجة هذه الأسباب تتطلب تضافر الجهود بين الأسرة والمدرسة والمجتمع.

التكنولوجيا شريك في الحل لا في المشكلة

في خطوة غير مسبوقة، قررت وزارة التعليم استثمار التكنولوجيا الرقمية لتحفيز القراءة لا لتقليلها.
فقد تم تصميم تطبيق إلكتروني جديد باسم «اقرأ معي» يمكن للطلاب من خلاله الاستماع إلى القصص بالعربية الفصحى، وتسجيل صوتهم أثناء القراءة لمقارنة النطق الصحيح.
كما يمكن للمعلمين إرسال أنشطة رقمية أسبوعية للطلاب، تحتوي على نصوص مصورة وتمارين تفاعلية تُصحح تلقائيًا.
بهذه الخطوة تسعى الوزارة لتحويل الأجهزة اللوحية والهواتف من أدوات لهو إلى أدوات تعليم حقيقية.

التحول نحو «المدرسة القارئة»

ضمن الاستراتيجية، وضعت الوزارة رؤية لتتحول المدارس تدريجيًا إلى بيئة محفزة للقراءة.
فقد تقرر أن يُخصص يوم كامل في كل شهر تحت عنوان «يوم القراءة الوطني»، تتوقف فيه الحصص النظرية ويُكرّس اليوم لأنشطة القراءة، المسرح المدرسي، والعروض الأدبية.
كما سيتم استضافة كتّاب وشعراء مصريين لإلقاء محاضرات تحفيزية داخل المدارس.

دور الأسرة والمجتمع في دعم الخطة

أكدت الوزارة أن نجاح البرنامج يعتمد على الشراكة مع أولياء الأمور.
فقد تم إرسال كتيبات إرشادية إلى الأسر توضح كيفية مساعدة الأطفال على القراءة، وأهمية تخصيص وقت يومي للقراءة المنزلية.
كما تشجع الوزارة الجمعيات الأهلية ومؤسسات المجتمع المدني على تنظيم مبادرات لتوزيع كتب مجانية للأطفال في المناطق الريفية والفقيرة.
وتسعى كذلك لإحياء عادة القراءة الجماعية في البيوت والمكتبات العامة.

الاهتمام بالطلاب ذوي الاحتياجات الخاصة

تضمنت الخطة مسارًا خاصًا للطلاب من ذوي الاحتياجات التعليمية الخاصة، إذ تم إعداد مناهج قراءة مبسطة مطبوعة بطريقة برايل للمكفوفين، وبرامج صوتية لضعاف السمع.
كما أُنشئت فصول صغيرة للتدريب الفردي داخل المدارس الدامجة، لتقديم دعم مكثف لهؤلاء الطلاب كي لا يُحرموا من مهارات اللغة الأساسية.

التنسيق مع الإعلام لنشر الوعي

أعلنت الوزارة أنها بدأت حملة إعلامية واسعة للتوعية بأهمية القراءة والكتابة، من خلال القنوات التلفزيونية والإذاعية وصفحات التواصل الاجتماعي.
وقد تم إنتاج مقاطع قصيرة تُظهر أطفالًا يروون تجاربهم مع القراءة، لتشجيع غيرهم على المشاركة.
كما يجري التعاون مع الصحف والمواقع الإلكترونية لتخصيص مساحات أسبوعية لعرض قصص نجاح لطلاب تحسنت مهاراتهم.

المتابعة والتقييم المستمر

وضعت الوزارة نظام متابعة دقيقًا يقيس نتائج الخطة على مراحل.
ففي كل فصل دراسي، ستُجرى اختبارات قياسية على عينة من المدارس لقياس التحسن في مهارات القراءة والكتابة، على أن تُنشر النتائج بشفافية.
وسيتم مكافأة المدارس والمعلمين الذين يحققون أعلى معدلات تقدم، لتحفيز المنافسة الإيجابية بين المحافظات.

نماذج نجاح مبكرة

رغم أن الخطة لا تزال في مراحلها الأولى، إلا أن بعض المحافظات بدأت تُسجل نتائج إيجابية.
ففي محافظة المنيا، أظهرت التقارير أن 62٪ من طلاب الصف الثالث أصبحوا قادرين على قراءة فقرة كاملة بعد شهر من تطبيق البرنامج التجريبي.
وفي دمياط، تم تنفيذ مبادرة «اقرأ في الفسحة» حيث يخصص الطلاب عشر دقائق من الاستراحة لقراءة قصة قصيرة يوميًا.
هذه النماذج تؤكد أن الجهود المركزة تؤتي ثمارها بسرعة عندما تتكامل بين الإدارة والمعلم والأسرة.

دور المعلم كموجه وقارئ

تؤكد الوزارة أن المعلم هو قلب العملية التعليمية. لذلك، تعمل على إعادة تعريف دوره من «ملقن» إلى «موجه وميسر للتعلم».
وسيُطلب من المعلمين تخصيص وقت في كل حصة للقراءة بصوت مرتفع أمام الطلاب، وتشجيعهم على مناقشة النصوص وتلخيصها.
كما سيتم ربط تقييم المعلم بدرجة التحسن الفعلي في أداء طلابه القرائي والكتابي.

ربط القراءة بباقي المواد الدراسية

واحدة من النقاط الجوهرية في الخطة هي ربط القراءة بكل المواد وليس فقط مادة اللغة العربية.
ففي مادة العلوم، سيُطلب من الطلاب قراءة مقالات مبسطة عن الظواهر العلمية.
وفي مادة التاريخ، سيقرؤون نصوصًا قصيرة عن الأحداث الهامة، أما في الرياضيات فستُكتب المسائل في سياقات قصصية لتحسين الفهم القرائي.
هذا التكامل بين المواد يسهم في ترسيخ اللغة في كل مواقف التعلم.

التعاون الدولي وتبادل الخبرات

تسعى وزارة التعليم لعقد شراكات مع منظمات دولية مهتمة بتطوير القراءة مثل «اليونسكو» و«يونيسف» للاستفادة من التجارب العالمية.
وقد بدأت بالفعل وفود من الوزارة في زيارة بعض الدول التي طبقت برامج ناجحة لمحو الأمية المبكرة، مثل فنلندا وكوريا الجنوبية، للاستفادة من خبراتها في تدريب المعلمين وتصميم المناهج التفاعلية.

القراءة بوصفها قضية أمن قومي

تؤمن الوزارة بأن التعليم ليس رفاهية، وأن ضعف مهارات القراءة والكتابة يشكل خطرًا على التنمية الوطنية.
فالطلاب الذين لا يملكون مهارة القراءة لن يتمكنوا من الاندماج في سوق العمل الحديث القائم على المعرفة، ولن يستطيعوا الاستفادة من التطور التكنولوجي.
ومن هنا جاءت رؤية القيادة السياسية لاعتبار إصلاح التعليم – وخاصة مهارات اللغة – ركيزة من ركائز الأمن القومي المصري.

خطة زمنية للتنفيذ

تم تقسيم البرنامج إلى ثلاث مراحل زمنية:

  • المرحلة الأولى (2025–2026): تشمل الصفوف الأولى الابتدائية، وتهدف إلى القضاء على الأمية القرائية في هذه الفئة.
  • المرحلة الثانية (2026–2027): تمتد إلى المرحلة الإعدادية، مع إدخال أنشطة لغوية متقدمة.
  • المرحلة الثالثة (2027–2028): تشمل تدريب معلمي الثانوي وربط القراءة بالبحوث والمشروعات.

وسيتم في نهاية كل عام دراسي تقييم نتائج كل مرحلة لتعديل المسار إذا لزم الأمر.

تحديات متوقعة وحلول مطروحة

من أبرز التحديات التي تواجه الخطة:

  • نقص الكوادر المؤهلة لتعليم القراءة المبكرة.
  • قلة الموارد في بعض المدارس الريفية.
  • تفاوت مستويات الطلاب داخل الفصل الواحد.

وللتغلب على هذه العقبات، قررت الوزارة تعيين دفعات جديدة من معلمي اللغة العربية، وتزويد المدارس بالمكتبات الرقمية، إلى جانب تخصيص حصص دعم فردية للطلاب الضعفاء.

آفاق مستقبلية

تهدف الوزارة إلى أن تصبح مصر بحلول عام 2030 خالية من الأمية الوظيفية بين طلابها، وأن يمتلك كل طفل في سن العاشرة القدرة على القراءة بطلاقة وفهم النصوص واستنتاج الأفكار.
كما تخطط لإنشاء «المركز الوطني لمهارات القراءة والكتابة» ليكون المرجع الرئيسي في تطوير المناهج ومتابعة نتائج الأداء على مستوى الجمهورية.

خاتمة

إن تحرك وزارة التربية والتعليم العاجل ليس مجرد استجابة لأزمة مؤقتة، بل هو بداية مرحلة جديدة من الوعي بأهمية اللغة كأداة للحياة والتقدم.
فالقراءة ليست مجرد مهارة أكاديمية، بل هي مفتاح التفكير والنقد والإبداع.
ومع تنفيذ هذه الخطة الوطنية، يأمل الخبراء أن يستعيد الطالب المصري مكانته بين أقرانه في العالم العربي، وأن تعود المدرسة المصرية مصنعًا حقيقيًا للمعرفة والإبداع.
إن ما يجري اليوم هو خطوة حقيقية في طريق بناء جيل قادر على القراءة… وقادر على صناعة المستقبل.



هل كان المحتوى مفيداً؟

نعم
لا
شكرا لك

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى