تحريات لكشف ملابسات العثور على تمساح صغير فى حدائق الأهرام بالجيزة

الواقعة تثير الذعر بين الأهالي.. والأجهزة الأمنية تبدأ التحقيق الفوري
شهدت منطقة حدائق الأهرام بمحافظة الجيزة واقعة غريبة أثارت دهشة الأهالي واهتمام الرأي العام، بعد العثور على تمساح صغير يتجول داخل إحدى الحدائق الفرعية بالمنطقة صباح اليوم الجمعة. وعلى الفور انتقلت الأجهزة الأمنية والجهات البيئية المختصة إلى موقع البلاغ، لبدء التحريات اللازمة لكشف ملابسات الحادث وتحديد مصدر الحيوان وكيفية وصوله إلى المنطقة السكنية.
وأكدت التحريات الأولية أن التمساح الذي تم العثور عليه لا يتجاوز طوله نصف متر تقريبًا، وهو ما يشير إلى أنه لا يزال في مرحلة عمرية صغيرة، إلا أن وجوده في منطقة مأهولة بالسكان أثار مخاوف الأهالي من احتمالية وجود تماسيح أخرى أو أن يكون الحيوان هرب من أحد المنازل أو المزارع الخاصة.
بلاغ عاجل من أحد السكان
بدأت الواقعة حين تلقى قسم شرطة الأهرام بلاغًا من أحد سكان المنطقة يفيد برؤية كائن غريب أشبه بالتمساح يتحرك بجوار سور أحد العقارات القريبة من البوابة الرابعة لحدائق الأهرام. وأوضح المبلّغ في أقواله أنه فوجئ أثناء خروجه صباحًا بسماع أصوات غريبة من داخل الحديقة، وبفحص المكان وجد الحيوان يتحرك ببطء بين الأشجار، فالتقط له صورة وأبلغ الشرطة على الفور.
انتقلت قوة من المباحث بقيادة المقدم أحمد فؤاد رئيس مباحث قسم الأهرام، برفقة فريق من شرطة البيئة والمسطحات المائية، وتم فرض طوق أمني حول المكان لمنع اقتراب المواطنين لحين التعامل مع الموقف بطريقة آمنة.
كما جرى إخطار الإدارة العامة لحماية الحياة البرية التابعة لوزارة البيئة، التي أرسلت فريقًا من المختصين لاصطياد الحيوان ونقله إلى مكان آمن لفحصه وتحديد نوعه وحالته الصحية.
ضبط التمساح ونقله إلى حديقة الحيوان
بعد جهود استمرت نحو ساعة، تمكن فريق المسطحات المائية من السيطرة على التمساح الصغير باستخدام شبكة مخصصة للحيوانات الزاحفة دون إلحاق أي أذى به، وسط حضور عدد من سكان المنطقة الذين تابعوا الواقعة في دهشة وقلق.
وتم نقل التمساح داخل صندوق خشبي محكم الإغلاق إلى حديقة الحيوان بالجيزة، حيث تم تسليمه إلى إدارة الزواحف لفحصه طبياً ومعرفة مصدره. وأكدت مصادر بحديقة الحيوان أن الحيوان في حالة مستقرة وأنه من فصيلة التمساح النيلي المنتشر في بيئة نهر النيل ومسطحاته المائية.
وأشار المصدر إلى أن عمر التمساح يُقدّر بنحو عام واحد فقط، وأنه لا يمثل خطرًا كبيرًا في الوقت الحالي، لكنه قد يشكل تهديدًا في حال وجوده بحرية داخل المناطق السكنية.
تحقيقات موسعة لمعرفة مصدر التمساح
بدأت الأجهزة الأمنية في مديرية أمن الجيزة تحقيقات موسعة لمعرفة مصدر التمساح وكيفية وصوله إلى منطقة حدائق الأهرام، خصوصًا وأن المنطقة لا تحتوي على بحيرات أو مصادر مياه طبيعية يمكن أن يعيش فيها مثل هذا النوع من الزواحف.
وتجري حاليًا مراجعة كاميرات المراقبة المنتشرة في محيط المكان الذي عُثر فيه على التمساح، إلى جانب الاستماع لأقوال عدد من السكان وأفراد الأمن بالمنطقة، لمعرفة ما إذا كان أحد الأشخاص يحتفظ بحيوانات غريبة أو زواحف في منزله بشكل غير قانوني.
كما وجهت النيابة بسرعة إجراء التحريات حول احتمالية وجود مزرعة خاصة أو منزل يربي صاحبه الحيوانات الغريبة، خاصة أن هذه الظاهرة بدأت تنتشر مؤخرًا بين بعض هواة تربية الزواحف لأغراض تجارية أو استعراضية.
البيئة: التحقيق جارٍ.. والتمساح لا يشكل خطرًا
من جانبها، أصدرت وزارة البيئة بيانًا رسميًا أكدت فيه أن التمساح الذي تم ضبطه لا يمثل خطرًا على المواطنين، وأنه تم نقله بالفعل إلى حديقة الحيوان لإجراء الفحوصات اللازمة، مشيرة إلى أن التحقيقات مستمرة لمعرفة مصدره.
وأضاف البيان أن الوزارة تتعامل بجدية مع أي بلاغ يتعلق بالحياة البرية أو الحيوانات الغريبة، وأن فرق الرصد البيئي في حالة تأهب دائم لمواجهة مثل هذه الحالات النادرة.
وأكدت الوزارة أن التمساح النيلي يُعد من الحيوانات المحمية قانونًا بموجب اتفاقية سايتس الدولية التي تحظر الاتجار في الحيوانات المهددة بالانقراض أو اقتنائها دون تصريح رسمي.
شهادة الأهالي: «كنا فاكرينه لعبة»
روى عدد من سكان المنطقة تفاصيل لحظات الرعب التي عاشوها عقب مشاهدة التمساح. وقال أحدهم: «كنا نظن أنه مجرد لعبة بلاستيكية، لكن عندما تحرك أدركنا أنه حقيقي، فابتعد الجميع عنه بسرعة وأبلغنا الشرطة».
وقالت سيدة تقيم بالقرب من موقع الحادث: «شاهدت رجال الشرطة وهم يحيطون بالمكان، ولم نصدق في البداية أن هناك تمساحًا فعلاً، لكن بعد دقائق رأيناهم يخرجون الحيوان من الحديقة داخل صندوق، وكانت لحظة غريبة جدًا».
وأكد عدد من الأهالي أنهم لم يلاحظوا أي حوادث مماثلة من قبل، وأن هذه الواقعة الأولى من نوعها في المنطقة، مطالبين بزيادة حملات التفتيش على المنازل والمزارع المحيطة للتأكد من عدم وجود حيوانات أخرى.
ظاهرة تربية الحيوانات الغريبة.. خطر متنامٍ
يرى خبراء البيئة أن واقعة العثور على التمساح الصغير في منطقة سكنية تعيد تسليط الضوء على ظاهرة اقتناء الحيوانات البرية والزواحف في المنازل، والتي بدأت تنتشر بين بعض فئات المجتمع بدافع التباهي أو حب التميز.
وقال الدكتور محمد العوضي أستاذ الحياة البرية بجامعة القاهرة، إن تربية الحيوانات المفترسة أو الزواحف في المنازل تمثل خطرًا حقيقيًا، سواء على أصحابها أو على البيئة المحيطة، مشيرًا إلى أن القانون المصري يُجرّم هذا الفعل ما لم يتم الحصول على تصريح رسمي من وزارة البيئة.
وأوضح أن التماسيح، حتى وإن كانت صغيرة، تُعد كائنات مفترسة بطبيعتها، وقد تتسبب في إصابات خطيرة إذا لم يتم التعامل معها بشكل علمي. كما أشار إلى أن بيع الزواحف في الأسواق غير المرخصة يُعد مخالفة جسيمة للقوانين المحلية والدولية.
حديقة الحيوان تبدأ الفحص العلمي
في المقابل، بدأ فريق متخصص من قسم الزواحف بحديقة الحيوان بالجيزة فحص التمساح المضبوط لتحديد نوعه الدقيق وحالته الصحية. وأوضح الدكتور محمد رجائي رئيس الإدارة المركزية لحدائق الحيوان أن الحيوان يتمتع بصحة جيدة وأنه من النوع النيلي المحلي وليس مستوردًا.
وأضاف رجائي أن إدارة الحديقة تحتفظ بالتمساح داخل حوض مائي مخصص تحت الملاحظة، تمهيدًا لدمجه لاحقًا مع مجموعة التماسيح الأخرى في الحديقة بعد التأكد من خلوه من أي أمراض معدية.
كما أشار إلى أن الفريق البيطري سيجري فحصًا دقيقًا لبيانات الحمض النووي للتمساح لتتبع مصدره الجغرافي، مؤكدًا أن التعاون بين وزارة البيئة ووزارة الزراعة يسير بشكل منسق لمعالجة مثل هذه الحالات.
القانون يجرم اقتناء الحيوانات البرية
بحسب القانون المصري رقم 4 لسنة 1994 بشأن حماية البيئة، يُحظر اقتناء أو الاتجار في الحيوانات البرية أو الزواحف دون تصريح رسمي، ويعاقب المخالفون بالسجن والغرامة التي قد تصل إلى 500 ألف جنيه، مع مصادرة الحيوان.
وأوضح المستشار البيئي إيهاب حلمي أن القانون لا يميز بين الحيوان الكبير أو الصغير، فمجرد الاحتفاظ بتمساح في المنزل دون إذن رسمي يُعد جريمة بيئية. وأضاف أن النيابة العامة قد توجه تهمًا تتعلق بالإهمال أو تعريض حياة المواطنين للخطر في حال ثبوت مسؤولية أحد السكان عن ترك الحيوان.
وأشار إلى أن مثل هذه الوقائع تؤكد ضرورة تشديد الرقابة على محال بيع الحيوانات والزواحف، التي تعمل دون تراخيص وتبيع كائنات خطرة للأطفال أو للهواة.
التمساح النيلي.. رمز مصري قديم
التمساح النيلي من أقدم الكائنات التي عاشت في الأراضي المصرية منذ آلاف السنين، وكان المصريون القدماء يقدسونه ويعتبرونه رمزًا للقوة والخصوبة، حيث أطلقوا عليه اسم الإله «سوبك» وكان له معابد في الفيوم وكوم أمبو.
ويعيش التمساح عادة في البيئات المائية الدافئة مثل نهر النيل وجنوب مصر والسودان، ويتغذى على الأسماك والكائنات الصغيرة. وقد انخفضت أعداده خلال العقود الأخيرة بسبب الصيد الجائر وبناء السد العالي، ما جعله من الأنواع المحمية دوليًا.
ويبلغ طول التمساح البالغ ما بين 3 و5 أمتار، ويمكنه العيش لأكثر من 70 عامًا. أما التمساح الذي تم ضبطه في حدائق الأهرام فهو في مرحلة عمرية مبكرة ولا يتجاوز وزنه 3 كيلوجرامات.
الأمن يكثف التحريات حول صاحب الحيوان
كشفت مصادر أمنية أن التحريات الأولية تشير إلى أن التمساح ربما كان محتفظًا به داخل أحد المنازل القريبة كهواية، قبل أن يهرب إلى الشارع بسبب ترك باب الحديقة مفتوحًا أو تسربه من حوض مياه.
وتجري حاليًا عمليات تفتيش دقيقة على عدد من المنازل بالمنطقة بمشاركة شرطة البيئة، في محاولة للتوصل إلى مالك الحيوان، خاصة بعد ورود معلومات تفيد بأن أحد الشباب كان يعرض صورًا لتمساح صغير على مواقع التواصل الاجتماعي منذ أسابيع.
وقالت المصادر إن الأجهزة الأمنية ستتعامل بحزم مع الواقعة، وإنه في حال ثبوت اقتناء الحيوان بطريقة غير مشروعة، ستُتخذ الإجراءات القانونية ضد المتورطين.
مخاوف بيئية وتحذيرات مستقبلية
أعادت هذه الواقعة المخاوف بشأن انتشار تربية الحيوانات المفترسة والزواحف في المناطق السكنية، حيث حذّر خبراء البيئة من خطورة استمرار هذه الظاهرة، التي قد تؤدي إلى حوادث مأساوية في حال هروب أي من تلك الكائنات.
وأكد الدكتور حسن فوزي أستاذ البيئة بجامعة حلوان أن التمساح النيلي، رغم صغر حجمه، قادر على إحداث إصابات بالغة إذا شعر بالخطر، مشيرًا إلى أن وجوده في بيئة غير مناسبة قد يؤدي إلى اضطرابه السلوكي وزيادة عدوانيته.
وطالب بضرورة إطلاق حملات توعية للمواطنين حول مخاطر تربية الحيوانات غير الأليفة في المنازل، وتشديد الرقابة على محلات بيع الكائنات الغريبة المنتشرة في بعض الأسواق.
ردود فعل مواقع التواصل الاجتماعي
أشعلت صور التمساح الصغير التي تم تداولها على مواقع التواصل الاجتماعي موجة واسعة من التعليقات الساخرة والمندهشة، حيث كتب أحد المستخدمين: «كل يوم مفاجأة جديدة في الجيزة.. تمساح في الحديقة النهاردة!»، بينما علق آخر: «هو التمساح طلع من النيل ولا جاي زيارة للأهرامات؟».
لكن بعض المستخدمين أعربوا عن قلقهم من تكرار مثل هذه الحوادث، مؤكدين أن الأمر يحتاج إلى ضبط قانوني ورقابة صارمة حتى لا تتكرر مثل هذه الوقائع التي تهدد سلامة المواطنين.
كما أطلقت صفحات محلية دعوات للتعاون مع الجهات المعنية والإبلاغ عن أي حالات مشابهة، في خطوة تهدف إلى نشر الوعي البيئي والمشاركة المجتمعية في حماية الحياة البرية.
خاتمة: واقعة غريبة ورسالة تحذير
تظل واقعة العثور على تمساح صغير في حدائق الأهرام حدثًا استثنائيًا يكشف عن ضرورة اليقظة والتعاون بين الأجهزة الأمنية والمواطنين للحفاظ على سلامة المجتمع. فهي ليست مجرد حادثة عابرة، بل إنذار بيئي يؤكد أهمية تطبيق القوانين بصرامة ضد من يقتني الحيوانات المفترسة خارج الأطر القانونية.
وفي الوقت نفسه، تبرز هذه الواقعة قدرة الأجهزة المصرية على التعامل السريع والمسؤول مع المواقف الطارئة، إذ تم احتواء الحدث دون إصابات أو خسائر. ومع استمرار التحريات، تبقى الأسئلة مفتوحة حول مصدر التمساح وكيف وصل إلى قلب الجيزة، في انتظار نتائج التحقيقات التي قد تكشف تفاصيل أكثر غرابة مما يبدو في الظاهر.
الجيزة تنام مطمئنة الليلة، لكن الحادثة تذكر الجميع بأن البيئة لا تعبث بها القوانين — فكل كائن، مهما صغر حجمه، له مكانه الطبيعي، وأي إخلال بذلك قد يحمل عواقب غير متوقعة.