الصحة والجمال

هل يضر التدخين النساء أكثر من الرجال؟.. دراسات تجيب

يُعد التدخين واحدًا من أخطر العادات التي تهدد صحة الإنسان في العالم، لكن الدراسات الحديثة تشير إلى أن أضراره على النساء قد تكون أشد وأكثر تعقيدًا من تأثيره على الرجال. ففي الوقت الذي يتحدث فيه الأطباء منذ عقود عن مخاطر التدخين العامة، تظهر الآن أدلة علمية تؤكد أن الجهاز الحيوي للمرأة أكثر حساسية لتأثيرات المواد الكيميائية الموجودة في السجائر، ما يجعل التدخين خطرًا مضاعفًا عليهن مقارنة بالرجال.

الفروق البيولوجية بين الجنسين وتأثيرها على التدخين

يقول الباحثون إن الفروق البيولوجية بين جسم الرجل والمرأة تلعب دورًا كبيرًا في تحديد مدى تأثير التدخين. فالجسم الأنثوي يحتوي على نسبة دهون أعلى ومعدل أيض أقل من الرجل، ما يعني أن السموم الناتجة عن احتراق التبغ تبقى لفترة أطول في أنسجة الجسم الأنثوي. هذا بدوره يؤدي إلى تراكم المواد السامة في الدم والرئتين والكبد لفترات ممتدة.

وتشير دراسات صادرة عن منظمة الصحة العالمية إلى أن النساء المدخنات أكثر عرضة للإصابة بأمراض القلب بنسبة 25% أكثر من الرجال المدخنين. كما أن خطر الإصابة بسرطان الرئة يظهر لديهن في سن أبكر، حتى في حالة تدخين كميات أقل من السجائر يوميًا.

تأثير التدخين على الهرمونات الأنثوية

يُؤثر التدخين على نظام الهرمونات في جسم المرأة بطريقة معقدة. فنيكوتين السجائر يعيق إنتاج هرمون الإستروجين المسؤول عن تنظيم الدورة الشهرية وصحة العظام والجلد. وعندما ينخفض مستوى هذا الهرمون، تبدأ سلسلة من الأعراض تظهر مثل اضطرابات الدورة الشهرية، هشاشة العظام المبكرة، وتقدم علامات الشيخوخة.

كما أكدت دراسة من جامعة «أوسلو» النرويجية أن التدخين يزيد احتمالية انقطاع الطمث المبكر لدى النساء المدخنات بمعدل ثلاث سنوات مقارنة بغير المدخنات، وهو ما يعني أنهن يفقدن الحماية الهرمونية الطبيعية في سن أصغر، مما يعرضهن لخطر أكبر للإصابة بأمراض القلب والسكتة الدماغية.

سرطان الرئة وأمراض القلب.. خطر مضاعف على النساء

تُظهر الأبحاث الحديثة أن النساء أكثر عرضة لتأثير المواد المسرطنة الموجودة في دخان السجائر. فرغم أن نسب التدخين بين النساء عادة أقل من الرجال، إلا أن خطر الإصابة بسرطان الرئة بينهن أعلى بنسبة تصل إلى 20% في بعض الدراسات. ويعود السبب إلى أن أجسام النساء تتعامل بشكل مختلف مع المواد الكيميائية مثل البنزوبيرين والنيتروزامين، وهي مركبات تؤدي إلى تلف الحمض النووي.

أما بالنسبة لأمراض القلب، فإن النساء اللواتي يدخن نصف علبة سجائر يوميًا معرضات لخطر تصلب الشرايين بمقدار يساوي أو يفوق الرجال الذين يدخنون علبة كاملة. ويعود هذا إلى التأثير المزدوج للتدخين مع الهرمونات الأنثوية، ما يسرّع من تدهور الأوعية الدموية.

التدخين والحمل.. خطر على الأم والجنين

يُعد التدخين أثناء الحمل من أكثر السلوكيات خطورة على الإطلاق، إذ تشير منظمة الصحة العالمية إلى أن النساء المدخنات خلال الحمل أكثر عرضة للإجهاض بنسبة 30% مقارنة بغير المدخنات. كما يزيد التدخين من خطر ولادة طفل منخفض الوزن أو مصاب بتشوهات خلقية، نتيجة نقص الأكسجين الواصل للجنين.

وتشير دراسات أجرتها جامعة «هارفارد» إلى أن النيكوتين يؤثر مباشرة على المشيمة ويقلل من تدفق الدم، ما يسبب نقصًا في العناصر الغذائية المهمة للجنين، ويؤثر على نمو دماغه وقدراته الإدراكية بعد الولادة.

النساء أكثر تأثرًا بالتدخين السلبي

حتى النساء غير المدخنات قد يعانين من أضرار جسيمة نتيجة التعرض للتدخين السلبي، خاصة في المنازل أو أماكن العمل المغلقة. إذ أظهرت دراسة في المجلة البريطانية للطب أن النساء اللواتي يتعرضن لدخان السجائر بشكل متكرر تزداد احتمالية إصابتهن بأمراض القلب بنسبة 27%، وبسرطان الرئة بنسبة 20% مقارنة بمن يعشن في بيئة خالية من التدخين.

ويرجع ذلك إلى أن الرئتين لدى النساء أصغر حجمًا من الرجال، مما يجعل تأثير الدخان أكثر تركيزًا، إلى جانب أن جهاز المناعة الأنثوي أكثر حساسية تجاه المواد الكيميائية في الدخان.

الجانب النفسي والعصبي لتأثير التدخين

النيكوتين لا يسبب فقط الإدمان الجسدي، بل يرتبط أيضًا ارتباطًا وثيقًا بالعوامل النفسية والعاطفية. وتشير دراسات إلى أن النساء أكثر عرضة لتأثيرات التدخين النفسية بسبب اختلاف طريقة استجابة الدماغ للمكافأة الكيميائية التي يمنحها النيكوتين. فبينما يرتبط التدخين لدى الرجال غالبًا بالعادة أو الضغوط الاجتماعية، فإن النساء قد يربطنه بالتخفيف من التوتر أو تحسين المزاج، مما يصعّب عملية الإقلاع.

وأشارت دراسة من جامعة «ستانفورد» إلى أن النساء يحتجن إلى دعم نفسي مضاعف عند محاولة التوقف عن التدخين، لأن انسحاب النيكوتين لديهن يسبب تقلبات مزاجية حادة واضطرابات في النوم أكثر من الرجال.

أمراض النساء المرتبطة بالتدخين

لا يقتصر ضرر التدخين على الرئة والقلب فقط، بل يمتد إلى أجهزة أخرى في الجسم الأنثوي. فقد ثبت أن التدخين يزيد من خطر الإصابة بسرطان عنق الرحم بنسبة 60%، كما يؤثر على خصوبة المرأة من خلال تقليل جودة البويضات وزيادة احتمالية فشل عمليات التلقيح الصناعي.

وفي دراسات نُشرت في المجلة الأوروبية لأمراض النساء، تبين أن النساء المدخنات أكثر عرضة للإصابة بالتهابات مزمنة في الجهاز التناسلي، وأن التدخين يؤثر على توازن البكتيريا النافعة في المهبل مما يسبب مشاكل صحية طويلة الأمد.

المرأة والتسويق الخفي للتدخين

رغم التحذيرات الصحية، تستهدف شركات التبغ النساء بشكل متزايد عبر حملات تسويقية ذكية تربط التدخين بالحرية أو الأناقة أو النحافة. وتستخدم الإعلانات ألوانًا وتصاميم جذابة موجهة خصيصًا للجمهور النسائي، خاصة في البلدان النامية. هذا الأسلوب التسويقي أدى إلى ارتفاع معدلات التدخين بين الشابات في العديد من الدول.

وتحذر منظمة الصحة العالمية من أن هذه الحملات تعتمد على رسائل خادعة تتجاهل الحقائق الطبية، وتخفي أن التدخين لا يقلل الوزن بشكل صحي، بل يسبب اضطرابات في الشهية وارتفاع ضغط الدم، ويزيد احتمالية الإصابة بالاكتئاب.

محاولات الإقلاع والتحديات الخاصة بالنساء

توضح دراسات متعددة أن النساء يواجهن صعوبة أكبر في الإقلاع عن التدخين مقارنة بالرجال، لأسباب بيولوجية ونفسية. فالمستويات الهرمونية المتغيرة أثناء الدورة الشهرية تؤثر على قدرة المرأة على مقاومة النيكوتين، كما أن العوامل العاطفية مثل القلق أو الحزن قد تجعلها أكثر عرضة للانتكاس.

ولذلك، توصي المؤسسات الطبية بأن تكون برامج الإقلاع عن التدخين مخصصة للنساء، وتشمل دعمًا نفسيًا، ومتابعة هرمونية، وخططًا غذائية لتجنب زيادة الوزن بعد التوقف.

تأثير التدخين على المظهر الخارجي

لا تقتصر أضرار التدخين على الداخل فحسب، بل تظهر أيضًا على المظهر الخارجي. فالتدخين يسرع عملية الشيخوخة ويؤدي إلى ظهور التجاعيد المبكرة والبقع الداكنة في الجلد بسبب ضعف الدورة الدموية. كما يؤثر على صحة الشعر والأظافر، إذ يقلل من تدفق الأكسجين إلى فروة الرأس ويجعل الشعر باهتًا ومتقصفًا.

وفي هذا السياق، أكدت الجمعية الأمريكية للأمراض الجلدية أن النساء المدخنات يظهرن علامات تقدم في السن أسرع بخمس سنوات من غير المدخنات، حتى في حال كان تدخينهن محدودًا.

الأرقام تتحدث

تشير الإحصائيات إلى أن نحو 250 مليون امرأة حول العالم يدخنّ بانتظام، وأن التدخين يتسبب في وفاة أكثر من 2.5 مليون امرأة سنويًا. وفي الشرق الأوسط، تتزايد النسب بين الفتيات في سن المراهقة، ما يشكل تحديًا صحيًا واجتماعيًا كبيرًا في السنوات القادمة.

وفي مصر، أظهرت بيانات وزارة الصحة أن نسبة النساء المدخنات ارتفعت بنسبة 12% خلال السنوات الخمس الأخيرة، رغم الحملات التوعوية المكثفة، وهو ما يفرض ضرورة مضاعفة الجهود لتصحيح المفاهيم الخاطئة حول التدخين.

نصائح الخبراء

يؤكد الأطباء أن الإقلاع عن التدخين مهما كان متأخرًا يظل أفضل من الاستمرار فيه. وينصح الخبراء النساء بالاستعانة ببرامج الدعم النفسي، وتبني أنشطة بديلة مثل الرياضة أو التأمل، لتخفيف الرغبة في التدخين. كما يجب تجنب العوامل المحفزة كالتواجد في أماكن يُسمح فيها بالتدخين أو صحبة أشخاص مدخنين.

وتشدد منظمة الصحة العالمية على أن الحكومات يجب أن تفرض قيودًا أشد على تسويق السجائر الموجهة للنساء، وأن تزيد من أسعار منتجات التبغ كوسيلة ردع فعالة، إلى جانب نشر الوعي حول الأضرار الصحية والتجميلية التي تلحق بالمرأة جراء التدخين.

الخلاصة

خلاصة الدراسات تؤكد أن التدخين يضر النساء أكثر من الرجال، سواء من الناحية البيولوجية أو النفسية أو الاجتماعية. فالمرأة ليست فقط أكثر تأثرًا بمواد التبغ السامة، بل تواجه أيضًا صعوبات أكبر في التخلص من الإدمان. لذا، فإن مكافحة التدخين بين النساء يجب أن تكون أولوية في السياسات الصحية، مع التركيز على التوعية المبكرة والمساندة النفسية المستمرة.

ويبقى السؤال الأهم: هل يمكن أن تتحرر المرأة من أسر النيكوتين؟ الجواب يبدأ بخطوة صغيرة واحدة — قرار الإقلاع. فكل يوم دون سيجارة هو استعادة لحياة أكثر صحة وجمالًا وقوة.



هل كان المحتوى مفيداً؟

نعم
لا
شكرا لك

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى