الذهب يتجاوز 4000 دولار للأونصة لأول مرة فى التاريخ

في حدث اقتصادي غير مسبوق، تجاوزت أسعار الذهب حاجز 4000 دولار للأونصة للمرة الأولى في التاريخ، لتسجل مستويات قياسية تعكس حجم التوترات الجيوسياسية والتقلبات الاقتصادية العالمية. ووفقًا لبيانات وكالة رويترز، ارتفع الذهب في المعاملات الفورية بنسبة 0.3% ليُسجّل 3997.09 دولارًا للأونصة بحلول الساعة 02:02 بتوقيت غرينتش، بعد أن لامس أعلى مستوى له على الإطلاق عند 4000.96 دولار. كما صعدت العقود الأميركية الآجلة للذهب تسليم ديسمبر بنسبة 0.4% لتبلغ 4020 دولارًا للأونصة، ما يعكس حالة الإقبال القوي من المستثمرين الباحثين عن ملاذ آمن وسط التوترات الاقتصادية. هذا الارتفاع القياسي يُعتبر تتويجًا لاتجاه تصاعدي مستمر منذ بداية العام، ارتفعت خلاله الأسعار بأكثر من 52% نتيجة ارتفاع الطلب العالمي وضعف الثقة في العملات الورقية.
عوامل اقتصادية تدفع الذهب إلى الارتفاع التاريخي
يرجع المحللون هذا الارتفاع القياسي إلى عدة عوامل مترابطة، في مقدمتها استمرار السياسات النقدية المتشددة من البنوك المركزية العالمية، والضبابية التي تسيطر على الأسواق المالية نتيجة تباطؤ النمو الاقتصادي في الولايات المتحدة وأوروبا. كما ساهمت التوترات الجيوسياسية في الشرق الأوسط وآسيا في زيادة الإقبال على الذهب كملاذ آمن ضد المخاطر. ويشير الخبراء إلى أن المستثمرين باتوا يبتعدون تدريجيًا عن الأصول عالية المخاطر كالأسهم والعملات المشفرة، ويتجهون إلى الذهب باعتباره أصلًا ذا قيمة ثابتة ومستقرة على المدى الطويل. وتؤكد بيانات صناديق الاستثمار العالمية أن حجم المشتريات من الذهب سجل أعلى مستوياته منذ عام 2011، وهو ما يعزز الطلب ويضغط على العرض، مسببًا هذه القفزة التاريخية.
الذهب يستعيد مكانته كأداة للتحوط ضد التضخم
يُعتبر الذهب منذ القدم ملاذًا آمنًا للتحوط من التضخم، ومع استمرار ارتفاع الأسعار العالمية وضعف العملات الرئيسية، بات الذهب مرة أخرى الخيار الأمثل للمستثمرين والمؤسسات المالية. فمنذ بداية عام 2025، ارتفع المعدن الأصفر بنسبة تجاوزت 52%، مقارنة بزيادة بلغت نحو 27% خلال عام 2024، ما يشير إلى تسارع وتيرة الطلب العالمي عليه. ويقول المحللون إن الذهب أصبح بمثابة “عملة عالمية غير رسمية”، يحتفظ بقيمته حتى في ظل الانخفاضات الحادة في الدولار واليورو. كما أن البنوك المركزية واصلت شراء الذهب لتعزيز احتياطياتها بدلاً من الاعتماد على العملات الأجنبية المتقلبة، وهو ما عزز من الاتجاه الصعودي للسوق.
العقود الآجلة تسجل مكاسب تاريخية جديدة
في سوق العقود الآجلة، سجلت عقود الذهب الأميركية تسليم ديسمبر مكاسب جديدة بلغت 0.4% لتصل إلى 4020 دولارًا للأونصة، وهو رقم غير مسبوق في تاريخ تعاملات بورصة نيويورك للمعادن. وتعكس هذه الزيادة توقعات المستثمرين بأن الأسعار مرشحة لمزيد من الصعود خلال الربع الأخير من العام الجاري، في ظل استمرار ارتفاع الطلب العالمي وتراجع العوائد الحقيقية للسندات الأميركية. وأشار متعاملون إلى أن الأسواق بدأت تتسع فجوة بين أسعار الذهب الفورية والعقود المستقبلية، وهو ما يدل على ثقة المستثمرين في استمرار الاتجاه الصاعد. ويُتوقع أن تكون هذه الارتفاعات مقدمة لمرحلة جديدة من الازدهار في سوق المعادن النفيسة، التي قد تمتد حتى منتصف عام 2026 إذا استمرت العوامل الحالية على حالها.
ضعف الدولار أحد أبرز المحركات
من بين العوامل الرئيسية وراء تجاوز الذهب حاجز 4000 دولار، يأتي تراجع الدولار الأميركي الذي فقد أكثر من 8% من قيمته منذ بداية العام أمام سلة من العملات الرئيسية. فكلما تراجع الدولار، ارتفعت أسعار الذهب نتيجة زيادة الإقبال على المعدن كبديل آمن. ويعزو المحللون هذا الانخفاض إلى تباطؤ الاقتصاد الأميركي وتزايد الديون السيادية وتراجع ثقة المستثمرين في قدرة الاحتياطي الفيدرالي على كبح التضخم. ومع تزايد التوقعات بتخفيض أسعار الفائدة في الأشهر المقبلة، يبدو أن الدولار سيواصل التراجع، ما يفتح المجال أمام الذهب لمواصلة صعوده وربما تجاوز مستويات أعلى من 4100 دولار في المدى القريب.
البنوك المركزية تواصل شراء الذهب لتأمين احتياطاتها
أظهرت بيانات حديثة أن البنوك المركزية حول العالم زادت من وتيرة شراء الذهب خلال الربع الثالث من عام 2025، في محاولة لتقليل اعتمادها على العملات الأجنبية المتقلبة وتعزيز استقرار احتياطياتها. فقد سجلت الصين وتركيا والهند وروسيا أعلى معدلات شراء منذ سنوات، مما دعم الأسعار في الأسواق العالمية. ويُشير محللون إلى أن هذا التوجه يعكس التحول العالمي نحو “تسليع الاحتياطيات”، حيث يُستخدم الذهب كوسيلة لحماية الأصول الوطنية من التذبذبات في أسعار الصرف. كما أن بعض الدول النامية بدأت في إعادة النظر في سياساتها النقدية التقليدية، مع اتجاه متزايد لتخزين الذهب كأداة استراتيجية طويلة الأمد في مواجهة الأزمات الاقتصادية العالمية.
موجة الطلب الاستثماري تعزز المكاسب
شهدت صناديق الاستثمار المتداولة في الذهب تدفقات قياسية خلال الأسابيع الماضية، حيث ضخ المستثمرون مليارات الدولارات في هذه الصناديق، مما أدى إلى زيادة الضغط على العرض العالمي. ويُشير الخبراء إلى أن المؤسسات الاستثمارية الكبرى، مثل صناديق التقاعد وشركات إدارة الأصول، أصبحت تعتمد على الذهب كعنصر أساسي في محافظها الاستثمارية لحماية رؤوس الأموال من التضخم وعدم اليقين المالي. كما أن ازدياد الاهتمام من قبل المستثمرين الأفراد أسهم في رفع الطلب الكلي، خاصة في الأسواق الآسيوية والعربية التي شهدت ارتفاعًا ملحوظًا في شراء السبائك والجنيهات الذهبية. هذه العوامل مجتمعة دفعت السوق إلى حالة من النشاط الاستثنائي غير المسبوق في تاريخه الحديث.
التحليل الفني يشير إلى استمرار الاتجاه الصاعد
من الناحية الفنية، تُظهر الرسوم البيانية للذهب تكوين نموذج صعودي قوي يؤكد استمرارية الاتجاه الإيجابي. ويقول محللو الأسواق إن اختراق مستوى 4000 دولار للأونصة يمثل نقطة تحول كبرى، إذ فتح المجال لمزيد من المكاسب التي قد تصل إلى 4200 دولار خلال الأسابيع القادمة إذا لم يحدث تصحيح سعري حاد. وتُظهر مؤشرات الزخم وحركة المتوسطات المتحركة إشارات إيجابية واضحة تدعم استمرار الصعود، بينما يبقى مستوى 3900 دولار منطقة دعم رئيسية. ومع استمرار التدفقات الاستثمارية وغياب مؤشرات التراجع الاقتصادي العالمي، من المرجح أن يحتفظ الذهب بزخمه خلال الربع الأخير من العام.
تأثير الارتفاع على الأسواق العالمية
أحدث ارتفاع الذهب المفاجئ ارتباكًا في الأسواق المالية العالمية، حيث لجأ المستثمرون إلى إعادة هيكلة محافظهم لتجنب الخسائر الناتجة عن تقلبات الأسهم والسندات. ففي الوقت الذي تراجعت فيه مؤشرات الأسهم الأميركية والأوروبية بنسبة 2% خلال الأسبوع الجاري، حقق الذهب مكاسب مضاعفة جذبت الأنظار العالمية. كما ارتفعت أسعار الفضة والبلاتين تبعًا له، ما أدى إلى انتعاش عام في قطاع المعادن الثمينة. ومن المتوقع أن تواصل أسواق السلع جذب الاستثمارات في ظل هذه الأوضاع، خاصة أن الذهب أصبح يُعامل الآن كأصل رئيسي وليس مجرد أداة تحوط. ويرى بعض الاقتصاديين أن هذا التحول قد يغيّر موازين النظام المالي العالمي خلال السنوات القادمة.
خاتمة: الذهب يعيد صياغة خريطة الاقتصاد العالمي
إن تجاوز الذهب حاجز 4000 دولار للأونصة لا يمثل مجرد رقم قياسي، بل يعكس تحولات اقتصادية كبرى تُعيد تشكيل النظام المالي العالمي. فالعالم اليوم يشهد مرحلة انتقالية تتراجع فيها الثقة بالعملات الورقية وتتعاظم فيها أهمية الأصول الملموسة. ويؤكد الخبراء أن استمرار هذا الاتجاه سيؤدي إلى تعزيز مكانة الذهب كمرجع رئيسي للقيمة العالمية، وربما كبديل استراتيجي للنظام النقدي القائم. ومع تصاعد التوترات الجيوسياسية وتباطؤ الاقتصاد العالمي، يبدو أن الذهب قد دخل مرحلة جديدة من الهيمنة، يجمع فيها بين الاستقرار والربحية، ليؤكد مجددًا أنه “الملاذ الآمن الأبدي” الذي لا يتأثر بتقلبات الزمان والأسواق.






