قصص درامية

الوطن ليس هنا

أبويا كان بيقولي الحياه زي أوتار العود فاكرنها حلوه مع النغمة الحزينة أكتر من النغمه الفرحانه. 

لكن الله يرحمه كان بينسى على طول إن أنا أصلا ما بعرفش أعزف ولا بعرف ألعب عود.

الحياة طريق واحد لقينا نفسنا ماشيين عليه بيجبرنا على إشارة المرور إمتى نمشي، وإمتى نقف إمتى نحود يمين وإمتى نحود شمال الطريق مالوش دعوه إحنا عايزين إيه إللي بيخالف قانون الطريق يا إما بيروح لطرق تانيه صغيره، و بايظه، ومش عارف هو رايح فين ولا أخرها إيه يا إما بيحصله حادثة. 

المشكلة إن ما حدش علمنا قانون الدنيا ولا حد إدانا رخصه السواقه! 

كلنا في الدنيا دي، والوطن ده بالتحديد بنروح مكان ما نحب من غير ما نعرف إن في أغلب الأوقات بنروح أماكن إحنا مش عايزين نروحها ماشيين بدافع الأمل. 

محمود درويش قبل ما يموت قال وهو بيحتضر: 

” سأصير يوما ما أريد”

محمود درويش إتجنن في الليله إللي كتب فيها القصيده الغبيه بتاعه “ساصير يوماً ما أريد “هو كان فاكر إيه إنه هيبقى إيه في وطن مش بيعترف بالشعر، والشعراء، ولا الروايات! إيه إللي كان هيحصل في وطن بيتاجروا فيه بجسم  الستات تجاره كسبانه أكتر من الكتب، والكلمات؟

هل هو كان عارف إن هينتهي بيه المطاف، وهو في أمريكا مرمي في مصحة هل هو كان عارف إنه هيموت، وعظمه هيتدفن في أرض ف.ط بس مرفوع علم إسرائيل؟

هل هو كان عارف إن إللي هينور قبره في أول يوم هينام فيه هما محبين كتبه، وقرائه وإن تاني يوم، وكل الأيام إللي بعدها صواريخ إس*رائ*يل، وطياراتها هي إللي هتنور؟

درويش مات وسابنا، وهو لسه ما كملش القصيدة الأخيره فهل هو فعلاً صار ما يريد؟

خبراء الإحصائيات هيعرفوا إمتى دروس الإحتمالات في الدنيا؟

ما هي دي برضو إمكانيه بين إحتمالين، يا إما نكون إللي إحنا عايزينه يا إما ما نكونش. 

يا إما نحقق طموحاتنا وأهدافنا في الدنيا يا نعيش زي إللي بيضحكوا على نفسهم بتحقيقها.

أنا دلوقتي هوريك الحاجات، والحقايق إللي إنت مش قادر تشوفها وهنبدأ بالحب، عامل زي العفريت بيجي من غير ما حد يعمله حساب، والواحد ما بيبقاش عارف النظام اليومي هيكون في إيه، ولا حتى هيلبس إيه لكن الحب بيفرض نفسه علينا بالعافيه، وبالغصب وسط الأحلام، والحقايق، والأهداف.

كلنا بنبقى فاكرين إنها بتبقى زي الريح كده عابره مبتأثرش فينا وبنعديها لكن غلطانين كلنا غلطانين، لحد النهارده أنا وقعت ف حياتي مرتين مرة عشان الجاذبيه ومره لما هي إبتسمتلي، وبصتلي بعينيها الجميله.

كنت قاعد الصبح على قهوه ستارفيل إللي بقعد عليها كل يوم من ساعة ما قعدت في المدينة دي قبل ست سنين. 

مافيش حاجه إتغيرت من ساعتها لحد دلوقتي غير إن الفوضى، والدمار بقى في كل حته في العرب العرب ما بيفشلوش أبداً إن هم يفشلوا في كل حاجه حتى الثوره إللي إفتكروا إنها هتبدأ بإن هما يحتلوا الشوارع، والميادين وهتخلص الثوره إن هما يشيلوا الرئيس، و يعزلوه عشان يلاقوا نفسهم بوظوا بس النظام وعملوا فوضى على الفاضي.

عشت في الدنيا 35 سنه من الحرمان، والألم، والمأساة سنين طويله، وأنا بعمل ثورات بدخل السجن في الإعتقالات، وبتعذب، وبحارب عشان قضايا ملهاش وجود غير في الماضي، والذكريات، وعشان أحلام إختفت في الوطن العربي.

الوطن بقى عامل زي الكائن إللي عايش فينا بدل ما إحنا عايشين فيه علاقتنا مع الوطن بقت غريبه، ومش مفهومه كلها بتتلخص في حته ورقه تثبت إن إحنا تبع الوطن ده، والوطن ميعرفناش إلا على الورق!

لما تتولد يعملولك شهاده ميلاد، ولما تكبر شويه تبقى مراهق كده وعندك 16 سنه يعملولك بطاقه فيها رقمك الوطني، ولما تبقى عايز تمشي برا الوطن برا حدودها مش بيأذنلك إلا لما يبقى معاك ورقة جواز سفر، ولما بتموت مش بيخلوك تدفن في الوطن ده، ولا في أرض الوطن إلا بورقه شهادة وفاة. 

إيه الوطن ده إللي ما يعرفش أهله إلا بدوسيه مليان أوراق! طب هو الرئيس، وإللي بيحكم البلد عنده بطاقة وطنية؟

هل هو كمان عنده رقم قومي بيتكتب على الكمبيوتر في الداخليه؟

وليه لما يموت الرئيس ما بيدوروش عن شهادة الوفاة بتاعته بالعكس بنعيش في حزن وألم على وفاته؟

مش المفروض الوطن يزعل برضو على الفرد العادي هو الوطن كمان عنده عنصريه، وعنده طبقيه ورأس مالية للحزن، والوفاة هو الفرد العادي مش وطني؟!

مش قادر أستوعب أي الوطن ده إللي ما يزعلش لوفاتي.

قاعد على القهوه عيني ما شافتش النوم عماله تتأمل الوضع الحالي، والناس وهي رايحه تقضي مصالحها الصبح، والكل عمال يجري إللي عارف هو رايح فين، وإللي مش عارف. 

لمحت ليلى جايه عليا ماكنتش شربت شفطه واحدة من فنجان القهوه إللي جابهولي حسن إللي شغال في القهوة، وهي كانت واقفه قدامي عماله تبصلي بعينيها النعسانه إللي لونها عسلي وحاطه فيها كحل ورموشها التقيله، وشعرها الناعم إللي لونه إسود زي الليل، وهي بتميل وبتبوسني من خدي بتصبح عليا بشفايفها إللي لونهم زي العنب، وريحتها الفواحه الحلوه إللي بتصحى جوايا كل حاجة إلا الأمل إللي مستنيه من الجرايد إللي بقرأها كل يوم الصبح، ومستني أخبار حلوه لكن هما مبيزهقوش، ولا بيملو من نشر التفاهات.

ليلى: عامل أي النهارده يا صالح؟

صالح: زي كل يوم يا ليلي.

ليلى: إنت زعلان كده ليه جالك حلم وحش إمبارح وإنت نايم؟

صالح: إنتِ فاكره إننا ممكن نحلم ف الوطن ده ؟

ليلى: أيوا بس لو كانت كوابيس عشان هي إللي فضلالنا.

بيقاطعنا حسن القهوجي، وهو بيسأل ليلي يجيبلها الفطار بتاع كل يوم؟

وبترد عليه ليلي بإحترام، وبتقوله يجيبه.

عدي دقيقتين بس كانت ليلى بتدور علي حاجه ضايعه ف شنطتها، وكان حسن جاب قهوه إيطاليه، وتوست عليه جبنه بيضا، وعصير برتقال.

وبستغرب دايما إزاي بتقدر تاكل كل ده علي الصبح، وأنا مش قادر حتى أشرب فنجان قهوة واحد.

بصيت في الساعه إللي في إيدي كانت 7:45 زعقت، وقولت: 

وحيد إتأخر. 

ليلى ردت عليا، وهي راسها جوه شنطتها الجلد:

إللي بيتجوزوا بيحبوا يفطروا في البيت يا صالح خلينا نسيبه في حاله مش كل يوم نقابله الصبح هو ما بقاش عازب زينا ده متجوز.

صالح: لحد إمتى هتفضلي مش متجوزه يا ليلى؟

رفعت راسها، وقعدت تبصلي بتأمل، وبعدين إبتسمت، وقالت بكل أنوثه، ودلع وهي بتحرك شفايفها: 

طول ما إنت مش متجوز لازم أطمن عليك الأول مش عايزه أسيبك لوحدك تاكلك الوحدة، والعزوبيه. 

ضحكت على كلام ليلى، وأنا مش عارف هي بتتكلم بجد، ولا بتهزر. 

وحيد: مين ده إللي الوحده تاكله؟

إتخضينا عشان إحنا ما شفناش وحيد وهو جاي، وبيتكلم وهو على وشه الأبيض إبتسامه بشوشه طفوليه بريئه، رديت عليه وأنا بتريق، وبحذره في نفس الوقت:

مدير المجلة إللي هيطردك عشان مقالاتك إللي تقرف كلها عن الستات التافهة، وهيطردني معاك عشان أنا صاحبك. 

قومت من على القهوه، وأنا ماسك أيد وحيد عشان لازم نمشي إتأخرنا عن الشغل. 

صالح: يلا يا وحيد لسه قدامنا يوم طويل أوي.

وحيد: بس أنا لسه ما فطرتش يا صالح.

بصيت ناحيه ليلى، وقولت بتريقه:

المتجوزين ما بيحبوش يفطروا في البيت يا حبيبتي. 

كلنا ضحكنا، ومشينا أنا، ووحيد وإحنا سامعين صوت ليلى ورانا بتقول: 

ما تتاخروش على الغدا.

أنا عرفت ليلى تاني يوم ليا في الكليه، وأنا طالب كنت يومها واقف ببص في ورق مطبوع معايا وكنت قاعد على ترابيزه واقفه ورايا ليلى كانت بتبصلي بإهتمام أوي حسيت إنها عايزه تكلمني بأي طريقه، وأنا كمان كنت ببصلها بتفحص بعد ما شوفت جمالها طبعاً.

بعد ما خلصت بص في الأوراق إللي معايا، وخلاص ناوي أمشي سمعتها وهي بتقولي:

تقدر تاخد إللي إنت عايزه لو مش معاك فلوس المهم إن إنت تقرأ. 

إتفاجئت من جرائتها، وشجاعتها وقولتلها:

شكراً بس أنا ما لقيتش كتاب على الترابيزة بتاعتكم أنا ما قرأتهوش. 

ليلى بثقه: مش حقيقي إنت بس متكبر أنا متأكده مليون في الميه إن إنت ما قرأتش أي واحد من الكتب دي. 

صالح: وإنتِ جايبه منين الثقه دي؟

ليلى: عشان إنت طالب جديد في الجامعه، وأكيد أول مره تشوف الكتب دي. 

إتفاجئت لتاني مره إنها قدرت تعرف إن أنا طالب جديد إزاي عرفت تهيألي إنها تعرف كل طلاب الجامعه نفر نفر.

صالح: أنا أسف لو أنا بوظتلك إستنتاجاتك بس الكتب إللي إنتِ قرأتيها في الجامعه، وعرفتي عنها أنا كنت بقرأ عنها في الثانوي. 

بصتلي بتفحص، ولفت حوالين الترابيزه وقفت قدامي، ومدت إيديها عشان تسلم عليا وقالت: 

أنا ليلى ..ليلى جمال في سنه تانيه إعلام وصحافه. 

ما ضيعتش الفرصه في إني أتعرف عليها أنا أصلا ما كنتش واعي كنت تحت تأثير جمالها، ولحد دلوقتي.

وليلى بقت أعز صحابي، ومعايا من ست سنين مرينا فيها بحاجات كتير إتشاركنا مع بعض الطموحات، والأحزان، والثورات. 

ليلى دايما كانت بتجذبني بطيبتها، وحنيتها، ودلعها، وأنوثتها وجمالها الطبيعي، وما بتحطش مكياج كتير تبوظ وشها ما بتصبغش شعرها كل شويه، ولا بتحط عدسات في عينيها وجمالها طبيعي جداً مش زي باقي البنات إللي بتجري ورا الموضه، والمكياج، والمنتجات، هي بسيطه، وبسطتها جذابه. 

لما دخلنا أنا، ووحيد الجريده مكان شغلنا سمعنا آلات الفاكس، وتليفونات بترن وزعيق زمايلنا. 

وحيد سابني ودخل المطبخ بتاع الجريده عشان يعمله فنجان قهوة.

وأنا رايح مكتبي بعدي على قسم التحرير، وجذبني كلام زميلتي مريم إللي كانت بتتكلم وسط ضحك زميلتها عن إبن أختها الصغير، إللي مسك بنت من البنات الصغيرة في الشارع، وقعد يزعق، ويعيط في وش أبوه، وأمه وهو بيقول عايز أتجوز دي عايز أتجوز دي. 

في الحقيقه مقدرتش أمنع نفسي من إني ما أبتسمش بس في نفس الوقت قعدت أسأل نفسي ليه نستنى لحد لما نكبر عشان نتجوز ما ينفعش نتجوز وإحنا صغيرين هل الجواز بيحتاج نضج، والنضج ما بيجيش غير لما بنكبر في السن بالطريقة دي يبقى الموت هو أنضج مرحلة في الدنيا عشان ده بيكون أخر حاجه إحنا بنبقى عملناها.

دخلت مكتبي، وأنا لسه بفكر في الولد إللي كان بيصرخ في أبوه، وأمه في الشارع، وإفتكرت معاه أيام المدرسه لما كنت صغير في سنين عمري الأولى إفتكرت الديسك الخشب، والسبورة السودا، والطباشير إللي في كل مكان، والتراب وبعدين إفتكرت وقت الطابور إللي كنت بكرهه، وإحنا واقفين الصبح بإنتظام، وبنحي العالم، قد إي كنت بكره تحيه العلم.

ما كنتش مستوعب إزاي طفل عمال يعيد، ويزيد في كلمات هو مش فاهمها أنا فاكر كنت وقتها بقعد أسأل صحابي معنى الكلام ده إيه بلاقيهم هما كمان مش فاهمين حاجه، وسألت المدرس مره رد عليا وقالي “دي كلمات الوطن” وسابني أغرق في تخيلاتي الطفوليه البريئه الساذجه. 

كلمات الوطن هو الوطن عنده بق بيتكلم منه؟!

 ولا الوطن هو الكلمات دي؟ وإيه علاقه الكلمات دي بالعلم الأحمر إللي كنا بنرفعه كل يوم الصبح؟، والسؤال الكبير إللي كان شاغل تفكيري مين إللي بينزل العلم بالليل عشان نرفعه إحنا الصبح. 

أفكار كتير، وكلها بريئة لحد ما رن تليفون المكتب مسكت السماعه، ورديت سمعت صوت المدير:

المدير: صباح الخير يا صالح. 

صالح: صباح الخير يا فندم. 

المدير: بعد إذنك يا طارق هما قالولي إن في قسم التغطيه الصحفيه يونس ما جاش، ومش هيجي النهارده، والمشكله إن هو كان لازم يغطي مظاهرة الفبراريين النهارده ممكن إنت تروح مكانه أنا ما أقدرش أثق في حد غيرك. 

صالح: حاضر يا فندم إللي حضرتك عايزه هيحصل. 

المدير: شكراً يا صالح خد معاك فتحي المصور.

حسيت إني إتعكننت ومزاجي تعكر عشان بوظلي خطه النهارده كل إللي رسمته إتغير، والمصيبه إني أغطي عمل في المدينة أنا صحفي بكتب مقالات سياسية مش صحفي ميداني بجري على حوارات وأغطي أحداث بشوفها قدام عيني، وأصلا يعني إيه أحداث مظاهرات. 

شلت السماعه بسرعه وكأني بنقذ نفسي إن أنا أستسلم للكسل، وإتصلت بفتحي المصور عشان يسبقني في العربية.

لما خلصت المكالمه دخل عليا، وحيد المكتب بتاعي وهو شايل فنجان القهوه السخن. 

شديت منه فنجان القهوه من غير ما استأذنه، ومشيت من المكتب، وأنا بقوله:

أنا محتاج الفنجان ده أكتر منك بكتير. 

وحيد: رايح فين يا عم؟

رديت عليه وأنا مكمل مشي، وخارج من باب الجريده: 

تخيل بقيت صحفي تغطيه هغطي مظاهره. 

وحيد: مبروك الترقيه يا عم.

رحت وكانت المظاهره في أولها وفي مجموعات كبيرة من الشباب بتيجي من كل حته عشان تتلم على المجموعه الكبيره وشايلين أعلام، ولافتات مكتوب عليها شعارات إعتراضية:

“الشعب يريد إسقاط الفساد”.

قعدت أفكر مع نفسي ليه غيروا كلمه إسقاط النظام بإسقاط الفساد هما في خطأ إملائي، ولا هما مقتنعين إنه فساد مش نظام ولا ده جبن منهم، وقله شجاعه ما أعرفش!

رجاله الداخليه بدأوا يقوموا بدورهم ويحاوطوا على المكان إللي فيه الثوره من كل الشوارع بينزلوا من العربيات الكبيره إللي ما بيغيروش ألوانها أبدا من سنوات كتير، وإللي بيكون لونها زي لون رصاصهم، وهدومهم،  وقلوبهم.

طلعت سيجاره، وبدأت شغلي بالسيجاره بصيت على فتحي لقيته هو كمان بيشرب سيجاره تمام يبقى إتفقنا على بدايه واحدة. 

صالح: فتحي إنت عارف شغلك هتعمله إزاي خذ صور كتير من كل الزوايا لكل المتظاهرين، وأنا هعمل جوله كده صغيره عشان أعرف أحدد مين المشاركين في المظاهرة نتقابل أنا، وإنت هنا في نفس المكان بعد ساعة. 

ما تكلمش فتحي ورد عليا بهز الدماغ. 

خدت جولتي، وفي كل حته وركن من المظاهره كان بيجي قدامي شعارات عن الديمقراطيه كل دول سألتهم عن طلباتهم إللي بيقوموا بالمظاهرة عشانها أدوني حكم، ومواعظ، وفلسفه ديمقراطيه. 

إمتى كل دول يعرفوا إن الإنسان مش مؤمن بحاجه إسمها ديمقراطيه هما مش شايفين إن العالم إتقسم لمجموعات استبدادية الدول بتحكم من غير منطق كل المجموعات دي، والناس دي مالهاش لازمه بالنسبه ليهم. 

الدوله إللي بتقعد تقول للعالم إنها من زمان هي عندها ديمقراطيه، وإحترام الناس هي أول دوله بتمارس الديكتاتوريه في مجلس الأمن، وهي هي برضو الدوله إللي بتقوم بالحروب على العالم، وهي برضو الدوله إللي عملت الأسلحه النوويه عشان تدمر البشريه.

إحنا ما بنؤمنش بالديمقراطية أصلا عشان نطالب بيها أو نفتخر بنفسنا، وإحنا بندافع عنها من ساعة ما ربنا خلقنا، واتولدنا تعلمنا إن الأب هو إللي بيحكم، وليه حريه التصرف في الأسرة مفيش كلمه فوق كلمته.

وفي المدرسه بيكون المدرس هو صاحب السلطة ومفيش كلمه فوق كلمته في القسم بتاعه.

أما في المسجد الإمام هو صاحب السلطة، وبيفتي باللي هو عايزه ومفيش حد من حقه إنه يناظره أو يجادله أو يتناقش معاه.

وفي الشغل مدير الشركة هو الآمِر الناهي، وفي الشارع الرئيس إللي بيحكمنا بالضرايب، والقوانين، واللائحات.

على الرغم من كل الإعتراضات دي إللي إحنا وارثينها من وإحنا صغيرين، أنا مش عارف إزاي إحنا بنؤمن بالديمقراطية أو بنمارسها.

وأنا ماشي من مكان المظاهرة مع فتحي، وقعت عيني على راجل عنده ٦٠ سنة شايل صورة كبيرة كانت عبارة عن واحد من موظفين الدولة، وهو منحني بظهره جدًا وراكع عشان يبوس إيد حاكم البلد أو الرئيس.

في الوقت ده إفتكرت راجل من المسلمين في مكة كان بيعافر عشان يبوس إيد الخليفة عمر بن الخطاب عشان فرحان إنه ساعده في موضوع التجارة بتاعته سيدنا عمر زعقله وقال:

“ويحك ما صنعت! إنها لمنقصة لك ومعظمة لي، وإني لست سوى واحد من المسلمين” رضي الله عنه.

كل إللي اخترعوا التكنولوجيا، والتليفونات، والساعات، والتلفزيون، والواتساب، والموتوسيكلات، والطيارات كان غرضهم إنهم يكلكعوا حياة الإنسان أكتر.

ليلى إتصلت بيا على تليفوني عشان تغرقني شتايم عشان خاطر مجيتش في ميعاد الغداء.

طول الست سنين إللي عرفتهم فيها عمري ما غبت، ولا اتأخرت عن ميعاد الغداء إلا كام مرة بس عشان في الحالات الطارئة، الكام مرة القليلين دول كانت ليلى بتغضب، وتزعل وييجيلها إكتئاب.

في مرة من المرات إللي ما روحتش فيها ميعاد الغداء، ليلى قالتلي والدموع مغرقة وشها:

“أنا يا صالح عندي عسر هضم للدنيا دي، وإنت دوايا الوحيد”

الساعة كانت داخلة على ستة، أكلت وجبة سريعة مع فتحي، كان شكله متضايق على عكس المعتاد، ما كانش بيتكلم ولا كلمة قولت أسيبه براحته وما أضغطش عليه وأقعد أسأله كتير مالك، وأضايقه.

قررت أسيبه شوية لوحده ورحت قعدت على قهوة بتبص على مدرسة ثانوي صناعي، ما إهتمتش القهوة إسمها إيه، وقعدت أفكر، وأسرح.

الناس إللي في القهوة إللي كان بيقرأ جورنال، وإللي كان بيتكلم مع التاني، وأنا قعدت على ترابيزة ورجعت بظهري على الكرسي ورحت قولت أغمض عيني من كتر التعب، والإرهاق، لمحت الأهوجي جاي عليا طلبت منه قهوة.

وأنا قاعد في بالي أخلص روايتي إللي مش راضية تخلص ومش عارف أقفلها إزاي، وخدت وقت كده وأنا بفكر في الكلمات، هكتبها بأسلوب عامل إزاي؟

ومع آخر شفطة في فنجان القهوة، عيني وقعت على مجموعة من الطلبة خارجين من المدرسة إللي قدام القهوة، وأنا وقعت على بنت كانت في وسطهم، شعرها كان أصفر وطويل، وملامحها هادية، وجميلة مريحة للعين. 

كانت بتبتسم بطفولية، إللي ربنا أبدع في خلقها.

سرحت، وأنا بتأمل وشها وحركاتها، وكل حاجة جوايا كانت عاملة دوشة سكتت، وركزت معاها ومع جمالها. 

كل حاجة حسيت إنها إتغيرت حواليّا، لون السما بقى صافي، والقهوة ما بقتش لونها إسود، وأنا جسمي ما بقاش مرهق، وبعدين شوفتها وهي بتسلم على إصحابها عشان تمشي، وراحت ركبت عربية سوداء أخر موديل.

أنا كنت متضايق جدًا، مش عايزها تمشي، ورافض فكرة إني مش هشوفها تاني، بس أنا مش شجاع كفاية عشان أروح أتكلم معاها. 

العربية مشيت، وسابت عندي خيبة أمل كبيرة.

وبعد ما مشيت، كل حاجة رجعت زي الأول، السما لونها بقى غامق عشان في غروب، والقهوة بقت سودة وطعمها كان مر أكتر مما هي طعمها مر، قررت إني أقوم أمشي من القهوة دي.

وقعدت أتمشى من شارع لشارع، ومن حارة لحارة، وأنا عمال أستنشق دخان العربيات، يمكن أشم دخان العربية إللي هي ركبتها، وبعدين قولت في نفسي: هو أنا عبيط؟ ماشي في الشوارع عمال أشم دخان العربيات عشان أوصل لبنت أنا ما أعرفهاش!؟

مشيت، وأنا تايه في عيون البنت وجمالها، لحد ما لقيت نفسي وصلت البيت إللي أنا عايش فيه. 

ما أعرفش إزاي رجلي خدتني لحد البيت، ما حسيتش بالوقت رميت جسمي على السرير من غير ما أغير هدومي، وزي ما أنا كده، ما شغلتش لمبة في الأوضة، مسكت التليفون وفتحت أغنية لفيروز عشان أكسر صمت البيت.

قعدت أردّد كلمات الأغنية وأنا متمزّج من صوت فيروز، إفتكرت آخر قصة حب ليا، القصة إللي نهايتها كانت مؤلمة جدًا، آخر بنت سكت لساني بعدها لمدة ١٠ سنين على إني أقول لحد بحبك.

كان إسمها أمال، البنت إللي شوفتها بالصدفة في معرض فني، في الأول ضحكت عليا، وقالتلي إنها فرنسية من أصل لبناني، وعجبني إنها بتتكلم باللغة العربية الفصحى على الرغم من إنها بتتكلم مكسر في العادي.

من أول ما شوفتها حبيتها، وقعدنا نحب بعض ثلاث سنين بحالها، وفي الآخر إكتشفت إنها خبت عليا إنها أصلها إس*رائ*يلي، ودينها اليهودية. 

وإتصدمت صدمة عمري، صدمة ما قدرتش أشيلها على صدري، صدمة فكرتني بكل الإنهزامات، والحروب العربية.

أنا إللي عشت طول عمري بحارب في الأمة العربية، والوطن العربي إن الص*هيون عدونا الأول، والأخير.

ألاقي نفسي شريك حياتي واحدة إس*رائي*لية بتشاركني في الحب، والسرير، والحياة!

بعدت عن أمال، وقتلت الحب، وقدمته للوطنية، ومبادئي كعربي، في الوقت إللي هي كانت مستعدة تقتل وطنيتها الإس*رائي*لية عشاني وعشان خاطر الحب، بس الحب ما كسبش في الآخر.

بعدها بسنين، كل ما أمال تيجي تزور فيها وطني تطلب إنها تشوفني.

آخر مرة شوفتها فيها كان من سنة ونص في قهوة إيطاليا إللي قدام محطة القطر، كنت قاعد، وإحساسي بأني منتظر بنت عدوي كان إحساس ماليّني من جوه، وحنيني ليها وشوقي كانت كلها مشاعر متناقضة.

أمال: وحشتني عيونك السود يا صالح.

قالت كده وهي بتحضني بكل حب ورقة، ولطف.

صالح: أهلاً يا أمال، إنتِ كمان وحشتيني.

قعدنا على ترابيزة واحدة بنتكلم مع بعض بكل حب وإشتياق، في الوقت إللي كان فيه أهلي وأهلها قاعدين بيتكلموا مع بعض بلغة الرصاص، والمسدسات، والصواريخ.

زي كل مرة، قعدتنا بتبوظ لما بنيجي نتكلم عن أهلنا، وأمال قالت بكل عصبية:

وأنا ذنبي إيه يا صالح لو كنت بحبك وأنا إس*رائ*يلية؟ هو إحنا بإيدينا ننقي إللي إحنا عايزين نحبه قبل ما نحبه؟ هو أنا لازم أسأل على جنسية الراجل إللي أحبه أو دينه قبل ما أحبه؟ أنا مش فاهماكم، إنتوا يا عرب بجد بتقتلوا الحب بكل برود عشان خاطر السياسة، والعروبة، والمبادئ القومية وكإن الحب أخر إهتماماتكم!

صالح: إللي بيجمعنا يا أمال أقل بكتير من إللي بيفرقنا، أنا وإنتِ مليانين إختلافات، إختلافات في التاريخ، إختلافات في الجنسية، إختلافات في المبادئ، كل حاجة إحنا مولودين بيها ما تسمحلناش حتى بشوية الوقت إللي بنقعدهم مع بعض في تاريخ أهلنا.

أهلي وأهلك بينهم مجازر وإحتلالات ما أقدرش إني أحبك ونمارس الحب، وأهلك بيمارسوا علينا انهاء الحياة، شوية الأحضان، والوقت إللي بنحب بعض فيه ما نقدرش نسكت بأصوات الصواريخ، والطيارات، والموت، ما أقدرش إني أتبسط معاكي، وأهلك بيتبسطوا بقتل أطفال شعبي.

أمال: يبقى المشكلة عندك إنت يا صالح، ومش عندي أنا عن نفسي عندي إستعداد إني أولّع في علم وطني قدامك، وإني أنكر إني يهودية بس عشانك، عشان خاطر الحب.

لكن إنت، إنت تقدر تقدمّني لأهلك إني مراتك إللي هتتجوزها؟ هتقدر تخلف مني عيال؟ هل هتنسى يوم إن عيالك عندهم في عرقهم دم من دم عدوك؟

صالح: لا، مش هقدر.

زعقت أمال وقالت بكل عصبية، وحسرة وهي بتولّع آخر سيجارة في علبتها:

أنا بكره خريطة الأوطان إللي بعدتنا عن بعض، أنا بكره السياسة، وبكره الحروب، والجنسيات وأي حاجة بتقتل الحب، حتى لو كانت المبادئ بكرهها.

عيش مبسوط، عيش مبسوط يا عربي، وإنت شايل علم النصر عشان إنت حكمت على واحدة من عيال الصه*يون بالموت في حبك، وقتلتها، وسجنتها بيك.

في آخر القعدة، إديت لأمال رواية بتتكلم عن وجع العرب في فلس*طين، يمكن تدركي ليه الحب ما كسبش وجعي في حكايتنا.

قولتلها وأنا بمد إيدي بالكتاب ليها:

دي رواية “رجال في الشمس”، رواية الكاتب إللي أهلك ما إستحملوش كلماته فقتلوه، رواية شعب أهلك شردوهم عشان يبنوا ليهم وطن مش حقيقي.

ولّعت سجارتي، وكملت كلامي وأنا بقول:

أول ما عرفت جنسيتك وهويتك الحقيقية، أول حاجة فكرت أعملها إني أدور على معنى إسمك، أنا دلوقتي بديكي فرصة إنك تعرفي إسمي معناه إيه بالرواية دي، معلش، أنا إسمي عكس إسمك، بيحتاج رواية كاملة من وجع العرب عشان تعرفي معناه إيه.

تاني يوم.

صحيت الصبح على ضوء الشمس إللي وقع عليا بعد يوم ما أعرفش بدأ إزاي وخلص إزاي، روحت الحمام عشان أستحمى بميه سخنة تفوّقني من النعس، لكن أول ما الميه نزلت على جسمي إفتكرت شكل البنت إللي شوفتها إمبارح تاني، وإفتكرت إبتسامتها تاني وعينيها تاني.

حاولت أفوق نفسي، وأفكر في حاجات تانية زي هعمل إيه النهارده، وهعمل إيه في الشغل عشان ما أشغلش نفسي بالتفكير فيها.

لكن برضه فشلت في إني أطلعها من دماغي.

نشّفت جسمي بسرعة ولبست بدلة سوداء، حطيت محفظتي في جيبي ومشيت من الشقة بسرعة، روحت القهوة، في القهوة كان وحيد، وليلى مستنيني وبيسألوا أنا ليه إتأخرت عشان هم مش متعودين مني على كده.

ما إهتمتش ليهم وطلبت قهوة، وغرقت في التفكير، والسرحان في البنت بتاعة إمبارح.

إنما بقى وحيد كان مشغول وهو بيقرأ الجورنال، لكن ليلى كانت عمالة تتأمل في وشي وهي بتبصلي بخبث.

قعدت تبصلي بعينيها كأنها بتدور على حاجة ضيعتها في عيني، بعدين طلعت الفنجان عشان تشرب منه شوية قهوة، ورجعت تبصلي تاني كأنها مش وراها غيري النهارده، قعدت أبص على وحيد إللي قاعد جنبي عشان أهرب من عينيها، فلقيته مشغول أوي بالجورنال الجديد.

سألته إيه المهم قوي في الجورنال النهارده مخليك مهتم بيه كده؟

ده إنت حتى مش مهتم تشرب القهوة ونسيت إن أنا، وليلى قاعدين جنبك!

ما ردش عليا، سبته وجيت ألف وشي لقيت ليلى برضه بصالي تاني، وعيني جات في عينيها، رحت مزعق وقولت: في إيه يا ليلى؟

ليلى إبتسمت بمكر، وخبث وقالت: إنت فيك حاجة غريبة النهارده، عينك مختلفة مش زي إمبارح.

رديت عليها، وأنا بتريق لكن برضو متضايق، وخايف إنها تكشفني:

على فكرة معاكي حق، أنا عيني مختلفة، عيني ما بتشوفش النوم من كتر ما إنتِ بترني عليا بمكالماتك إللي عاملالي دوشة في التليفون ليل، ونهار.

ليلى: صالح، إنت بتحب.

صالح: ب إيه…!!

ليلى: زي ما سمعت، إنت بتحب.

إترعبت من ليلى إن هي بقت قادرة تعرف كل كبيرة، وصغيرة في حياتي بمجرد ما تبص في عيني بس، أقولها إيه دلوقتي؟ أكدب عليها؟ بس ليلى عارفاني كويس وحافظاني، حافظه كل حاجة فيا، هي أكيد هتعرف لو أنا كدبت.

أعمل إيه دلوقتي؟ أقولها إني بحب بنت تانية غيرها، وأجرحها وهي مليالي الأرض ورد.

صالح: عرفتي إزاي؟

ليلى: عرفت زي كل مرة عرفت فيها قبل كده، إنت يا عسل لما بتقع في الحب جسمك بيوجعك، وعينك بتفضحك وبيبان عليك الحب، هي مين بقى؟

صالح: ما أعرفهاش، كل إللي أنا أعرفه إني شوفتها مرة واحدة بس.

ليلى: حب من النظرة الأولى، أممم.

وحيد: إنتو بتتكلموا في إيه؟ أنا فاتني حاجة؟

الكلام ده قاله وحيد بعد ما خلص قراءة الجورنال، ما حدش رد عليه، لكن ليلى غمزتلي كأنها بتقولي بعينيها: هنتكلم في الموضوع ده بعدين، لكن أنا متحمس إني أقول ليلى إللي حصل.

كأني محتاج أتكلم معاها، وأشاركها الموضوع، والحاجات إللي في قلبي والحاجات إللي بتدور في عقلي.

مسكت إيد ليلى، وشدتها وخرجنا بره القهوة عشان أعرف أتكلم معاها وقلت:

نتقابل في الجريدة يا وحيد.

وحيد: والله عيب عليكم تسيبوني كده، طب ماشي إقعدوا إتكلموا عن قصة الحب دي وأنا هقفل ودني.

سمعت ليلى وهي بتبرطم، وبتقول على وحيد غبي.

قعدت نص ساعة وإحنا ماشيين، أحكي حكايتي مع البنت أم شعر أصفر لليلى، بحكيلها، وكانت ليلى كالعادة بتسمعني بإهتمام، بتسمعني بقلبها قبل ودانها.

كانت بين فترة وفترة بتبصلي بعينيها وهي مليانة دموع.

النظرات دي كانت بتخليني أحس بالذنب، والوجع وأنا عارف إن أنا بكسر قلب ليلى بكلامي عن حب واحدة تانية غيرها.

ليلى: إنت لازم تروح تتكلم معاها.

صالح: بس أنا مش متأكد يا ليلى لو كنت بحبها فعلاً ولا لأ، يمكن أكون معجب بس بشكلها الحلو.

ليلى: لا، إنت بتحبها.

إستغربت جداً من ثقة ليلى في مشاعري، وأنا صاحب المشاعر دي وما قدرتش أتأكد منها.

صالح: طب هنفترض إن أنا فعلاً بحبها، أنا ما أعرفهاش، أتكلم معاها وأنا ما أعرفش عنها حاجة؟

ليلى جاوبتني بسرعة كأنها كانت متوقعة إني أسألها سؤال زي ده.

ليلى: بس إنت عارف هي بتدرس فين، وده كفاية إنك تشوفها مرة كمان، روح كل يوم المدرسة لحد ما تشوفها، وقولها كل حاجة إنت حاسس بيها بكل شجاعة، هي بنت وهتحس بمشاعرك زي ما أنا حسيت بيها.

صالح: ما أعتقدش إن في حد زيك يا ليلى.

مجرد ما كلامي وصل لودن ليلى، بطلت تمشي، وطلّعت توكة من الشنطة عشان تربط شعرها لورا، وكانت بتبص في عيني بطريقة غريبه، ما كنتش عارف ليلى بتفكر في إيه وقتها، بس قالت وهي بتقطع تفكيري:

أُحضني… أُحضني قبل ما أمشي، حاسة إني محتاجة لحضنك.

صالح: وأنا كمان يا ليلى، بس إحنا في الشارع، والناس…

ما كنتش كملت كلامي إلا ولقيت ليلى في حضني، حسيت بمشاعر ليلى إللي فاضت، كانت دافية وطيبة، وحنينة زي ما أنا بحبها، وزي ما حضنتني من غير مقدمات، سابتني من غير مقدمات، قالت وهي بتبعد عني:

أشوفك بكره، مش هقدر أتغدى معاكوا النهارده، ما تنساش البنت أم شعر أصفر… روحلها.

مشيت ليلى، وأنا واقف متسمر في مكاني، عمال أبصلها لحد ما غابت عن عيني، ليه حضنتني؟ وليه مش هتيجي على الغداء النهارده؟ سابتني، وأنا دماغي مليانة أسئلة، وجت في دماغي أغنية وسط البلد:

عانقيني عانقيني ثم إيه

ثم أبقى ثم تبقي

ثم حلوة عينيك ليه

ثم قلبك ليه ما ردش

ثم أنا أصبح محدش

ثم أسهر ثم فتش

ثم أعمى يعمل إيه…

أنا، ولِيلى كنا قاعدين على السرير وأنا كنت بشرب سجاير وكان الدخان بيطلع في السقف ويختفي، حسيت نفسي في المشهد ده إفتكرت أحلامنا إللي بنحلمها من وإحنا صغيرين بتكبر معانا لحد ما تختفي، ومش بيبقى قدامنا حاجة غير إننا ندعي باللطف في القضاء، والقدر، فكرت في كلام كاتب كان بيقول: “الحياة وجع إجباري كلنا بنعيشه”

ليلى فجأة بعد ما كانت نايمة جنبي قامت بسرعة كأنها إفتكرت ميعاد كانت ناسية.

ليلى: صالح، أنا تأخرت لازم أمشي.

صالح: إتأخرتي عن إيه؟

ليلى: عندي عشاء عمل مع الكاتب إللي قلتلك عليه، أخيراً جالي فرصة إني أشوفه وأعمل معاه لقاء صحفي عشان خاطر زارنا هنا في البلد.

الغيرة إتحركت جوايا زي أي راجل شرقي مش عايز حبيبته تسيبه عشان تروح تقابل راجل تاني حتى لو كانت العلاقة بينهم سطحية وعلاقة شغل، سألتها تاني بطريقة صارمة وحادة.

صالح: والعشاء العمل ده هيكون فين بقى إن شاء الله؟

واتكيت على كلمة عشاء العمل كأني بلمّحلها إني عارف هي رايحة فين وإن ده ميعاد غرامي مش ميعاد شغل، وجاء في دماغي سيناريو إنها هتقضي معاه ليلة، وحسيت بالغيرة من ناحيتها لأن ليلى دي بتاعتي، ودايماً كانت وفيّة ليا رغم إني متقلب المزاج، لكن هي كانت بتستحملني.

ليلى لفت تبصلي، وعلى وشها ابتسامة، وفي عيونها فرحة بغيرتي الرجولية إللي هي مش متعودة عليها.

ليلى: هقابله في مطعم الفندق إللي هو نزل فيه، فندق الديوان، هو إنت قريت روايته؟

رديت بسرعة وأنا الكلمات بتعمل مسابقة في بوئي عشان تخرج.

صالح: أنا مبحبش القراءة، ولا الكتابة اليومين دول، وبضطر غصب عني أكتب المقالات السياسية التافهة إللي أنا ما بحبهاش عشان بس أحافظ على شغلي.

قالت وهي بتسرح شعرها الأسود سواد الفحم.

ليلى: يعني إنت مش ناوي تخلص الرواية إللي إنت عملتها؟

صالح: مش عارف والله يا ليلى، مش عايز أدخل نادي الكتاب، والروائيين إللي بيبيعوا رواياتهم إللي مش حقيقية كلها كلام فارغ قصاد الفلوس، بيكتبوا لهم عشان يشتروا الشهرة، والفلوس، وعشان الناس تشاور عليهم وتتهافت عليهم عشان توقيعاتهم، بترعبني فكرة إني أبيع رواياتي وكلامي في المكاتب بسعر معين وما يقدرش أي حد يشتريها إلا لو كان معاه السعر ده، تعرفي إن الروائيين زيهم زي فتيات الليل؟!

ليلى: فتيات الليل؟ إزاي؟

صالح: فتاة الليل بيبيعوا جسمهم عشان يمتعوا الرجالة قصاد فلوس معينة، والفلوس دي بتتغير على حسب جمال الست وطريقتها في الإغراء.

الروائيون كده برضو، بيوروالنا كلماتهم ونتمتع بأفكارهم الوهمية مقابل الفلوس، الفرق بين الروائيين، وفتيات الليل إحنا بندفع للروائيين قبل ما نشتري كتبهم، أما فتيات الليل بندفعلهم فلوس بعد ما ناخد إللي إحنا عايزينه.

ليلى قعدت تضحك بصوت عالي لدرجة إن في لعاب  وقع على المراية إللي قاعدة قدامها بقالها كتير، أنا مش فاهم ليه البنات بتحب المراية؟

قومت من على السرير، روحت حضنت ليلى عشان آخد منها شوية حنيه ودفا ما بشبعش منهم وما أعرفش ليه.

ليلى بدلتني الحضن، وقالت:

إكتبلي أنا يا صالح لو إنت مش عايز تنشر كلماتك عشان الناس ما تقراش، إكتبلي أنا.

صالح: أنا ما بكتبش لحد يا ليلى، كلماتي دي حتة مني، ما حدش بيفهمها غيري، عشان كده أنا ما بكتبش إلا لنفسي.

الكتابة دي بتفضح الواحد، بتفضح إللي بيجري في عقله عن طريق الكلمات، ممكن حد يقرأها بإعجاب، وممكن حد يقرأها بإستهزاء، وفي الآخر الكاتب بس إللي هيفهم معناها.

ليه نكتب بقى؟ ما أقدرش إن أنا أكتب كلمات حقيقية مليانة بالحياة يا ليلى، وأنا بموت من الوجع، ما أقدرش أكون كاتب في الوطن ده.

أنا، وإنتِ يا حبيبتي مالناش عنوان، مش هنقدر بالكتابة نبني بيت يخبينا في الليل.

ليلى: الكلام إللي إنت بتقوله ده مش حقيقي، فكر في كلامك تاني، ما تتسرعش.

ما اهتمتش بالكلام إللي قالته في الآخر، بس كنت مبسوط وأنا شامم ريحتها الأنثوية الجميلة.

ليلى: هو إنت هتشارك في الندوة بتاعة بكرة في الدار البيضاء إللي هتتكلم عن القومية العربية؟

صالح: يمكن، متضايق قوي إن القوميين العرب ما إتحدوش لحد دلوقتي، وفي نفس الوقت مش عايز أفتح الدفاتر القديمة يا ليلى، لكن زمايلي هم إللي أصروا عليا إن أنا أحضر.

ليلى: وإيه الدفاتر القديمة إللي إنت عايش فيها يا سيدي؟

صالح: دفاتر الحب.

ليلى: آه صح، عملت إيه مع حبيبتك أم شعر أصفر؟

إتفاجئت من سؤال ليلى، كأنها ضربت قلبي بالألم، بس أنا عملت نفسي مش مهتم لسؤالها وقولت:

إنتِ إتأخرتي يا ليلى عن عشاء العمل، أنا هروح أستحمى، إقفلي الباب وراكي بعد إذنك.

فتحت باب الأوضة رايح الحمام، لقيت الهوا الساقع في وشي وأنا جسمي سخن، وعرقان، واللي جه في بالي وقتها إن كده هيجيلي برد، لكن جه في بالي برضو إن ليلى هتوحشني، أنا ما بقدرش إنها تكون بعيدة عني حتى لو كام ساعة.

رميت الأفكار دي كلها من دماغي وأنا بفكر في البنت أم شعر أصفر إللي نطت في دماغي تاني، وأنا بغني كلمات عبد الحليم حافظ.

في مكان الحزب إللي اشتركت فيه، بعد ما خلصنا الندوة إللي أنا بختمها بكلمة كلها مجاملة ومش حقيقية، أنا مش طايقها ولا طايق الجو إللي كاتم على نفسي ده، واللي بيبقى بعد كل لقاء ثقافي، إللي بيكون فيه مجموعة في كل حتة وبيكون في النص شخص معروف عامل نفسه بطل، بيتكلموا عن كلام فارغ.

عملت نفسي مشغول بترتيب الورق اللي في إيدي عشان ما حدش ييجي يخليني أنضم للمجموعات إللي كلها أطفال دي، في نفس الوقت شوفت أستاذي القديم أحمد، وهو مسحول في المجموعات من دي.

وقفت قدامي بنت عندها 20 سنة تقريباً بكل شجاعة، مش مهتمة إني مشغول في الورق اللي في إيدي، هي حاطة مكياج خفيف، بس إللي عجبني فيها ضوافرها الجميلة حاطة فيها مناكير أسود.

البنت: بعد إذنك يا أستاذ صالح، كنت عايزة أعرف منك أكتر عن إزاي الفكر القومي العربي بيتقابل مع الفكر الشيوعي بالتدريج؟

كنت مشغول في الورق اللي برتبه، وعيني شوية على ضوافرها وشوية على محفظتي، وسؤالها كان غريب بالنسبالي، واللي جه في دماغي وقتها: إزاي بنت صغيرة تسيب الدنيا كلها إللي مليانة حاجات مغرية، وتسيب أصحابها والحفلات، والسهر زي ما كل البنات بتعمل، وتبقى مشغولة بالفكر الشيوعي، والفكر القومي العربي، وعالم السياسة من أساسه؟

رفعت راسي بسرعة، وأنا عامل نفسي مستعجل، لقيت قدامي مجموعة صغيرة إتجمعت حواليا حوالين البنت إللي كانت قدامي، إللي ملامحها متلهفة إنها تسمع جوابي. حسيت إني لازم أقول حاجة.

صالح: إسمك إيه يا آنسة؟

البنت: علياء.

صالح: إنتِ شيوعية يا علياء؟

علياء ردت بسرعة وبصوت كله فخر:

لا، أنا قومية عربية ناصرية.

صالح: أولاً يا آنسة علياء، القومية العربية دي فكر سياسي وفلسفي أصيل، كل همه الأساسي الوحدة الوطنية العربية، فما يصحش إنك تجزئي قوميتك العربية لناصرية أو بعثية، لو بصينا للموضوع هنلاقي إن ما فيش إختلاف بين القوميين العرب إلا في حاجات بسيطة، وأنا كوطني عربي بفتخر بالبعث زي ما بفتخر بالناصرية، لسه برضو عايزاني أرد على سؤالك؟

ردت عليا بإبتسامة جميلة، وهي ملهوفة: يا ريت إذا سمحت.

بدأت أشرح لها إللي هي عايزاه، لكن بان على وشها إنها مش مقتنعة، بدأت أحكيلها أكتر، وأحاول أقنعها، لكن الواقفين بدأوا يكتروا حواليا، والمجموعة بتكبر وبيسمحوا لنفسهم إنهم يتدخلوا في الحديث، كل واحد يقول رأيه الشخصي، واللي يعلق على كلامي، والأصوات بقت عالية.

 فتحت محفظتي عشان أجيب علبة السجائر البيضاء بتاعتي، ووقعت عيني على ضوافر علياء السوداء بفعل المناكير، إستأذنت إن أنا همشي من المجموعة بحجة إني عايز أدخن.

وأول ما وصلت باب الحزب، ولعت سيجارتي وبدأت أجري عشان أهرب من المكان ده إللي بيخنقني بالذكريات، والماضي، فجأة حسيت بإيد بتشدني جامد عشان توقفني.

المجهول: لسه بتهرب من الدوشة زي عادتك أيام الجامعة؟

صالح: أستاذ أحمد، لا العفو! إزاي؟ ما أقدرش إني أهرب من أستاذي.

أستاذ أحمد: بقى كده؟ طب أنا عايزك تعزمني على قهوة عشان تلميذي وحشني.

صالح: أكيد طبعاً، يا نهار أبيض، ده شرف ليا.

أستاذ أحمد: وديني بقى القهوة القديمة في الأمم المتحدة.

حركت راسي دليل على الموافقة، والسعادة باينة في وشي لدرجة إني حسيت إنها هتنط. عشان خاطر أستاذي أحمد ساب كل معارفه، وأصحابه ومهتم بيا أنا.

قعدنا طول الطريق نفتكر الذكريات إللي فاتت، أيام ما كنت طالب في الجامعة، وكان أستاذ أحمد لسه متعيّن جديد دكتور في الجامعة.

أستاذ أحمد بعد ما طلب قهوة من القهوجي، وشرب منها شوية قال:

إنت اتغيرت كتير أوي يا صالح، من جوه ومن بره.

رديت عليه بطريقة مؤدبة، لكن ورا كلامي فضول عشان يرد عليا.

صالح: من بره؟

أستاذ أحمد: من بره، مستغرب جداً من الشعر الأبيض الكتير إللي بقى في راسك، وعلامات الشيخوخة المبكرة إللي على وشك يا صالح، ده أنا عندي ٥٠ سنة وشكلي أصغر منك.

سكت شوية مستني إن أنا أرد على كلامه، لكن السكوت طول عشان يكمل كلامه.

أستاذ أحمد: أما بقى من جوه، فالشباب، والحياة ماتت جواك، زمان أيام الجامعة كنت أول ما تدخل بتملى الجامعة بصوتك، وخطاباتك، ومناظرتك القوية الشرسة، في محاولة منك إنك تغير العالم للأحسن.

بص دلوقتي لنفسك، إنت حتى مش قادر تتكلم، ولا تعبر عن رأيك اللي إنت عايز تعبر عنه، وبدأت تهرب من الكلام بالصمت، والله ما بقتش عارف ده هروب منك، ولا انسحاب ولا إيه يا صالح، هو الزمن أدب صوتك ومنع لسانك إنه ينطق الحروف، ولا شمعتك اتطفت وبقت مظلمة من جواك؟

صالح: ما فيش داعي لكلامك ده يا أستاذ أحمد، أنا ما تغيرتش في أي حاجة، بس كلنا بيعدي علينا فترة إدراك وعي بنكتشف فيها إن في فرق كبير أوي بين العالم إللي رسمناه وحلمنا بيه، وبين العالم الحقيقي، والواقعية الحكاية وما فيها يا أستاذ أحمد، إني استنزفت كل أدواري في الجامعة وفي الحزب ده، وكل زمايلي القدام بعدوا عني، وما تبقاليش غير ليلى دلوقتي، فاكرها؟

أستاذ أحمد: أيوه، البنت إللي شبهك في كل حاجة.

صالح: أيوه هي فعلاً نسخة مني، هو ده كل الموضوع يا أستاذي، صحيح أنا عايش حياة مملة، ما فيهاش أحلام وردية ولا فيها أمل كبير، ولكن على الأقل حياة واقعية وطبيعية.

أستاذ أحمد: إنت فاكر إن أنا مصدق اللي إنت بتقوله؟ أنا عارفك كويس، وعارف سبب إنك مش طايق الدنيا، وعذرك على فكرة، بس اسمعني كويس يا صالح، كلنا حاربنا عشان الوطن وضحينا بكل حاجة عشانه، دخلنا الإعتقال وإتشردنا وعشنا سنين طويلة مفلسين، لكن غلط إننا نستنى من الوطن ده إنه يكافئنا، ويدينا جوائز على إللي عملناه، ولا حتى ينصفنا.

الوطن ده ما بيكرمش إلا إللي بيسرقه، وبيحوله لبقره حلوب عايز ياخد منها اللبن، وخلاص من غير ما يأكلها، فما تستناش من الوطن حاجة، عيش بأحلامك كلها مش بالبواقي منها، محمود درويش كان بيقول دايماً:

“قف على ناصية الحلم وقاتل” قاتل يا صالح، ما تفقدش الأمل، ما تهربش، خليك إنت الوطن.

“قف على ناصية الحلم وقاتل”

قررت أعمل بنصيحة أستاذ أحمد وليلى، وهقاتل عشان الأمل في قصة الحب إللي أنا عملتها في دماغي يوم ما شفت البنت أم شعر أصفر، كانت الساعة تقريباً ٦:٠٠ بالليل، وكنت واقف قدام باب المدرسة الصناعية، والطلبة خارجة.

كنت واقف متحمس، وجوايا شجاعة كبيرة إني أمسك إيد البنت أم شعر أصفر، وأحكيلها عن مشاعر الحب إللي جوايا ليها، إستنيت كتير بس هي ما بانتش، كنت بدور في وشوش كل البنات إللي بتيجي قدامي على وش البنت أم شعر أصفر، وكل ما أبص على وش واحدة ما بتطلعش هي.

فجأة، وأنا برفع راسي شوفت شعر أصفر متنعكش وسط مجموعة كبيرة من الطلبة، ولاد وبنات بيهزروا، ويضحكوا بصوت عالي.

كان وشها بيقرب مني، وملامحها بتظهر قدامي مع كل خطوة بتخطوها ناحيتي، قلبي كان بيدق بسرعة، ودقاته بتزيد كل ما بتقرب أكتر.

وفجأة الشجاعة إللي كانت جوايا إختفت، وكل الأفكار والكلام إللي رتبته طار، كنت واقف جبان قدام الحب بعد ما إفتكرت إن عندي الشجاعة لكل حاجة.

عدت من جنبي من غير ما أتحرك سنتي، كنت متخدر بجمالها، وملامحها البريئة الطفولية، وإبتسامتها إللي خلت عندي أمل في الدنيا، بس الأمل كان بيروح من خيبتي، وجبني قدامها، عدت من جنبي قتلتني بريحتها الجذابة.

سمعت واحدة من البنات باين عليها صاحبتها بتجري عليها عشان تقولها حاجة، وبتنادي وبتقول: زهرة… زهرة.

بقى هي إسمها زهرة، وإزاي ما يكونش إسمها زهرة، وهي شبه الوردة الصفراء إللي إتزرعت في جنينتي اليابسة.

زهرة هي إللي لازم تزهر كل أيامي، ومعاها يكون للوطن ألف معنى، وما يبقاليش وجود إلا لما أقولها إني بحبها.

مشيت وأنا مليان خيبة، ورحت للقهوة إللي قدام المدرسة شايل جبني، وضعفي قدام الحب، بس كفاية إني عرفت إن إسمها زهرة، وده اداني أمل جديد وبقى عندي حماس إني أعرف أكتر عنها.

جاتلي فكرة إني أكتبلها رسالة وأرجع أديهالها، عشان مش هقدر أتنازل عنها بسهولة دي.

قعدت أشغل نفسي عشان ما أفكرش في غيبتي بالبنات إللي بتعدي قدامي، وقعدت أتأمل في جمالهم، وخلقتهم العظيمة، إزاي ربنا خلقهم بالجمال ده.

في ظهر اليوم التاني، رحت وقفت قدام المدرسة، وأنا شايف مجموعات كتير من الطلبة خارجة، قلبي ما إستناش كتير عشان تظهرله الزهرة، وهي لابسة فستان أزرق فاتح كأنها خارجة من حفلة مش من المدرسة، كان شكل شعرها الأصفر المفرود على ضهرها، وفيه موجة زي مية الدهب المغرية، وجمال شعرها بيزيد مع الهوا اللي بيطيره، وقلبي بيطير معاه.

حسيت إني ما أقدرش أكون جملة أقولها لزهرة في أول مرة أتكلم معاها، ولحد دلوقتي مش عارف أتكلم معاها إزاي، إزاي هقدر أقول لها إني بحبها؟

سألت نفسي تاني هو أنا بحبها بجد؟ إزاي أحب بنت أنا ما أعرفهاش، ولا اتكلمت معاها ولا مرة؟ وإفتكرت مقولة بتقول إن في حب حتى من قبل النظرة الأولى، مين إللي بيتريق عليا دلوقتي؟ زهرة ولا ليلى، ولا أستاذ أحمد، ولا المقولة، ولا الوطن؟

الوطن إللي باع حبي بالقسط، الوطن إللي بيبقى عزول بينك وبين أحلامك.

قتلت الخوف إللي جوايا، ورميت السيجارة إللي ما بتخلصش، وجريت ناحية زهرة، صحابها خدوا بالهم، حتى هي كمان خدت بالها إن أنا رايح ناحيتها، وما قدرتش أحدد بالضبط لون عينيها إيه؟ أخضر ولا أزرق ولا رمادي؟ كانت زي ألوان قوس قزح، عينيها عاملة زي الرصاص دخل في قلبي، وقعت زي الجثة.

أهو أنا دلوقتي واقف قدام زهرة، عيني في عينها، بنتكلم بلغة العيون، واقف قدامها ساكت، عمال أتأمل في ملامحها، والكلام مش راضي يطلع من بوقي.

زهرة بتوتر: في إيه؟ بتبصلي كده ليه؟

ما استوعبتش إللي زهرة قالته وقتها، كنت مش مركز غير في شفايفها، إللي لونهم وردي، بس سمعت صوتها لتاني مرة وهي بتقول بالفرنسية:

On se connait monsieur?

إحنا نعرف بعض يا سيدي؟

حسيت إن شكلي بقى وحش قدامها وقولت:

إسمي صالح ابن خليل، ومن زمان وأنا مستني اللحظة دي، أو بالأصح خلينا نقول كل العشاق بيستنوا اللحظة دي إللي بيبدأوا فيها بقصة حب بتنتهي بفراق، إلا إللي بتبقى عايشة على أمل كبير وعلى الأمل الكبير ده، أنا واقف قدامك دلوقتي يا زهرة.

لما شوفتك أول مرة على القهوة إللي قدام مدرستك، رجلي بقت تمشي لوحدها وراكي، بتدور عليكي وقت طويل بين المدرسة دي وهناك، مكان ما العربية السوداء إللي هناك دي مستنياكي، صورتك على طول في بالي، مرة تضحكي لصحابك، ومرة تشيلي شعرك من على وشك الجميل، سرقت النوم من عيني يا زهرة، لأيام كتير واحتلتي على قلبي، وسرقتيه.

زهرة إبتسمت إبتسامة جميلة، وسمعت صوت صحابها وعمالين يضحكوا بصوت عالي ويغمزوا لها، على الرغم من إن ابتسامتها بتشجعني إن أنا أكمل كلام، إلا إني كنت مرتبك ومتوتر، وكنت عايز أخلص النقاش ده عشان أرتاح، ومع ذلك كملت كلام وقولت:

كنت خايف ما أعرفش أشرحلك إللي جوايا وإللي بيدور في دماغي وإحساسي من ناحيتك، عشان كده جبتلك معايا الرسالة دي إللي كتبتهالك عشان تتكلم بدل مني، أنا آسف لو أزعجتك، مع السلامة.

ما استنتش ولا كلمة من زهرة، إللي فضلت واقفة مكانها ما اتحركتش ولا سنتي، لفيت وشي ومشيت من مكان ما جيت، ومشيت وأنا بسأل نفسي يا ترى زهرة هتوافق وتديني دافع، وأمل للحياة ولا لأ؟

الليلة دي كانت مليانة غيوم ومطر وشتاء، عملت شاي سخن وقعدت في البلكونة وقعدت أفكر في طريقة أكتب بيها البحث الصحفي الجديد بتاعي، كنت متحمس إن أنا أكتبه أوي، وبدأت التفكير ما لقيتش طريقة أبدأ بيها، عصرت دماغي بدور على كلمات أكتبها على الورق إللي قدامي، كأني بجري ورا أفكار عشان أصدادها، ولما بقفش فكرة بمسك فيها بإيدي وأسناني عشان ما تهربش مني.

فجأة رن تليفوني، وكان رقم غريب، رديت وقلت: ألو.

المجهول: أديني إتصلت بيك.

ناديت عليها بلهفة، وإشتياق.

صالح: زهرة؟!

زهرة: كويس إنك عرفت صوتي، كنت خايفة تكون مستني بنت تانية كتبتلها نفس كلمات الشعر واديتهالها، وعلى فكرة، رسالتك جميلة أوي.

صالح: ومن غيرك كنت بكتبله طول الشهور إللي فاتت؟

زهرة: يعني على كده أعتبر نفسي محظوظة؟

صالح: لا، إعتبري نفسك حرامية، سرقت قلبي وسجنتني في حبها ومش راضية تطلعني.

زهرة: ما اكدبش عليك، إنت كمان احتليت تفكيري، بقالي ثلاث أيام مترددة أكلمك ولا لأ.

صالح: طب كويس، التردد ده هو بداية الحب.

زهرة: تفتكر؟

صالح: أيوه، أنا كمان كنت متردد قبل ما أكلمك، بس أديني أهو عديت من المرحلة الأولى في الحب.

قطعت كلامي وقالتلي بسرعة: صالح، معلش هكلمك بالليل، بينادوا عليا في البيت.

صالح: ماشي.

زهرة: مبسوطة إني سمعت صوتك يا راجل.

صالح: وأنا كمان مستنيكي.

بعد ما خلصت المكالمة، حسيت بكمية أحاسيس مختلفة، كنت طاير من الفرحة إني سمعت صوت زهرة، بس في نفس الوقت محتار: إيه إللي خلاها تقفل معايا فجأة؟ وقعدت أفكر، يا ترى هي عايزة تعلّقني بيها عن طريق التليفون بس؟

ما رضيتش أضغط على نفسي إني أطرد زهرة من تفكيري، بس مسكت القلم والورق وبدأت أكتب، وكانت زهرة هي دافع ليا إني أكتب التقرير الصحفي.

إستنيتها كتير قوي وأنا متشوق ومتلهف إني أسمع صوتها، وزهقت من الإنتظار، وبعد نص الليل، جالي تليفون.

زهرة: أنا مين؟

صالح: إنتِ مش محتاجة تسألي أسئلة زي كده، ربنا خلق حبك جوايا حتى من قبل ما أكلمك.

زهرة: في الحقيقة، أنا ما بفهمش كلامك في الحب، لأنه كلام كبير وصعب، بس بيعجبني. قولي، إشمعنى اخترتني أنا؟

صالح: ليه إخترتك إنتِ؟

زهرة: أيوه، ليه إخترتني أنا عشان تشاركني الحب؟

صالح: في الحب محدش بيختار، الإختيار ده حاجة ديمقراطية، لكن الحب سلطان وديكتاتوري، ما بيعترفش بالديمقراطية.

زهرة: مش فاهمة يعني إيه؟

صالح: يعني أنا ما اخترتكش، وما ليش على قلبي حكم، زي ما محمود درويش قال:

“الحب مثل الموت وعد لا يُرد ولا يزول”

زهرة: بتحب الشاعر ده؟

صالح: كبرت على كلامه، وشاركته في حزنه وانهزامه في الحب وفي الوطن، قوليلي، هشوفك إمتى؟

زهرة: إنت عايز إمتى؟

صالح: دلوقتي.

زهرة: إيه السرعة دي؟

صالح: إحنا ما بنمشيش بالراحة في الحب، يا نقع فيه يا نجريله.

زهرة: أو نهرب منه.

صالح: عايزة تهربي من الحب في بداية الحب؟ ده إنتِ قلبك قاسي أوي.

زهرة: شوفت؟ إنت متسرع جداً.

صالح: ليه؟

زهرة: عشان قولت في بداية الحب، هو إحنا فعلاً في بداية الحب؟

صالح: إنتِ رأيك إيه؟

زهرة: ما نقدرش نتكلم عن بداية الحب، كل إللي بينا لحد دلوقتي مقابلة سريعة، ورسالة وشوية كلام في التليفون.

صالح: أيوه، ده بداية الحب من منظوري.

زهرة: ماشي، خلينا نتفق الأول إن إنت بداية الحب، لكن هنحتاج إن إحنا يكون في بيننا ثقة، هنحتاج نتقابل مرة واثنين وثلاثة وعشرة عشان نشوف الحب ده حقيقي، ولا هيموت من أوله.

صالح: مفيش حب بيموت من أوله.

زهرة: غلطان، صاحبك محمود درويش بنفسه قال في قصيدة له: “أنا لا أريد من الحب سوى أيامه الأولى”

صالح: يعني طلعتي بتقري لمحمود درويش؟

زهرة: بصراحة أنا قرأتله عشان إتأثرت بكلامك عنه في الرسالة، أنا بميل أكتر للكتابات الفرنسية، ما بحبش الكتابات العربية.

صالح: أنا قومي عربي، ما أعرفش هتميلي ليا ولا لأ.

زهرة: ما تخافش من حاجة، أنا بميل ليك، وإلا ما كنتش وافقت إني أشوفك أو أتكلم معاك، أنا برضو حاسة بالحب معاك.

صالح: بجد؟

زهرة: أيوه بجد، هسيبك دلوقتي، عندي واجب للمدرسة.

صالح: هسألك تاني، هشوفك إمتى؟

زهرة: إيه رأيك نتقابل بكرة الساعة 6:00 بالليل، أكون خلصت كل دروسي؟

صالح: فين؟

زهرة: عايزة أستغل الفرصة وألف على شوية محلات معاك، نتقابل في ذهب مول، إيه رأيك؟

صالح: المهم إننا نتقابل.

زهرة: هنتقابل، أوعدك، هسيبك دلوقتي لمحمود درويش يعوضك عن صوتي.

صالح: ما فيش حاجة تعوضني عن صوتك، تصبحي على خير.

زهرة: وإنت من أهل الخير.

خلصت المكالمة وأنا مبتسم وقلبي فرحان، ومليان بالحيوية والأمل، ومتلهف لبكرة عشان هشوفها.

ثاني يوم بالليل، زهرة جاتلي بشعرها الأصفر وملامحها إللي الواحد يسكر من كتر جمالها، كل حاجة كانت في عينيها بتقولي: بص لي، والروج الأحمر إللي على شفايفها مغري.

فجأة بقيت محتار، مش عارف أسلم عليها إزاي، مدّيت إيدي عشان أسلم عليها، هي مدت وشها وباستني في خدي.

كأنها قاصدة تموتني في حبها وتحبسني في غرامها، وكان الحضن كأني أول مرة أعرف يعني إيه حضن.

قعدنا نشرب قهوة وأنا بجمع الكلام إللي كتبته إمبارح عشان أسمعه لزهرة، بس مفيش فايدة، مفيش كلام راضي يتجمع، وكان فنجان القهوة إللي شربته معاها أحلى فنجان قهوة شربته في حياتي، لدرجة إني نسيت أحط معلقة السكر إللي بحطها على طول، وبقيت قاعد زي السكران في جمالها، بس هي فوقتني وقالت:

إحنا لازم ما نستعجلش وندي بعض فرصة نثق في بعض أكتر.

حسستني إن الحب ده عامل زي عقد العمل، في شراكة بين اثنين، ولازم يكون في بنود وعقود وإتفاقات، وأنا مش بوافق على غيابها ولا قسوتها معايا، وكمان بتقرر قرارات تقتل الحب وتحبسه جوايا.

طلبت مني إن أنا أخدها ونروح المول عشان نلف على المحلات، وهي ماسكة في إيدي زي طفل خايفة عليه من الطريق والعربيات، عجبني الموضوع وأنا ماسك إيدها الرقيقة وحاسس بالأمان.

بقينا نتقابل بعد كده على طول، كل يوم كنت بقابل زهرة يا إما قدام المدرسة يا إما قدام بيتها، وأنا عمال أسأل نفسي: لحد إمتى هي هتكون وفية ليا؟ والحب، طول حياتي ما لقيتش حد وافي ليا أكتر من سجايري الوحيدة إللي أنا متأكد إنها مش هتسيبني وتمشي لصوابع ثانية، ولا لشفايف تانية تشربها غيري.

قعدت شهور، وما فيش حاجة تفرح الواحد غير زهرة، عاملة زي العفريتة، كبرت جوايا، وحبها بيكبر جوايا، ما بيعديش يوم واحد من الشهور دول من غير ما نتقابل أو نتكلم، كنا زي الحبيبين ما بنسيبش بعض إلا لما بنقابل بعض.

ما بنمشيش مع بعض إلا وهي ماسكة في ذراعي، زي الحمامة، مشينا هنا مع بعض في كل الشوارع ورقصنا على أغاني في الملاهي، كانت أيامي معاها جميلة، قلبي كان محتاج حب زهرة أوي.

بس ما فيش حاجة حلوة بتيجي كاملة، دايماً بيبقى ناقصها حاجة، زي قصص الحب، الشهور إللي فاتت.

اتخانقنا أنا وزهرة كتير وتعاتبنا، ومن خلال العتاب ده اكتشفت إن شخصية زهرة مختلفة عن شخصيتي تماماً، هي مادية، بتحب الحياة والدوشة والانبساط والسهرات، بتحب الحياة السهلة إللي ما فيهاش مشاكل، عشان كده هي ما بتحبش الأدب والشعر والسياسة، ولا بتعترف بقضايا الوطن ولا بالشهداء، هي مش مهتمة أصلاً لقضايا الانتماء والجنسية، زهرة مش مهتمة بمأساتي وأحلامي الضايعة، ولا مهتمة بالفلسفة بتاعتي في الدنيا، بتقولي على طول: خليك متوسط في كل حاجة.

هي فعلاً ماشية بمقولة خير الأمور الوسط، حتى في الحب، هي ما بترميش نفسها في التهلكه.

 زهرة: كنت فاكرة إني هلاقي شقتك متبهدلة ومش مترتبة.

صالح: الله يسامحك يا ستي.

زهرة: واحد متهور زيك وغريب، لازم يكون شقته مليانة فوضى ومش مترتبة.

صالح: يمكن عشان أنا عايش في فوضى كبيرة جوايا، وإللي جوايا محبوس مش عاوز يطلع.

زهرة حضنتني وهي بتقول: طب أنا عايشة جوه الفوضى دي ولا براها؟

صالح: إنتِ سبب كل الفوضى إللي أنا فيها دي يا حبيبتي.

زهرة: أنا بعشقك.

كنت طاير من السعادة لما قالتلي كده، يمكن عشان أول مرة أسمع الكلمة دي منها بكل صدق، وحاسسها في عيونها.

زهرة: بيتك مريح، بيخليني عايزة أرسم، هفكر إني أجي أعيش معاك شوية، ويمكن أروح أجيب شنطي وأجي.

صالح: أهلاً بيكِ إنتِ وشنطك في قلبي قبل بيتي.

ثاني يوم وأنا راجع من الجريدة بالليل، وأنا بفتح باب شقتي، سمعت أغاني جاية من جوه. قلبي دق بسرعة بعد ما اتأكدت إن زهرة موجودة هنا مستنياني.

دخلت وقفلت الباب، ورحت لأوضتي بعد ما لمحتها في الصالة، حطيت محفظتي على المكتب، وقلعت الجاكيت وعلّقته، لقيت هدوم زهرة مرمية على الأرض، علّقتها مع الجاكيت بتاعي، وأنا بسأل نفسي، عمالة تكلمني عن النظافة والفوضى وهي معندهاش نظام.

هي لسه لحد دلوقتي ما تعرفش إني جيت البيت بسبب صوت الموسيقى العالي، ومندمجة أوي مع الرسم، روحت الصالة من غير ما أعمل أي صوت، وحطيت كتفي على الباب وأنا مبسوط وأنا شايفها بترسم بكل هدوء.

كانت لابسة بلوزة بيضاء، عرفت إنها بيضاء بس من الزراير بتاعتها من كتر ما هي متوسخة بألوان الرسم والتلوين.

خدت بالي النهارده إنها رافعة شعرها لفوق ومسرّحة لأول مرة، وخمنت إنها عملت كده عشان شعرها ما يجيش على عينيها ويضايقها وهي مندمجة في الرسم.

وأنا قاعد سرحان في جمالها، إفتكرت شكلها أول مرة شوفتها فيها.

حست بوجودي ولفت فجأة وهي مبتسمة وقالت: بتبص عليّ ولا على لوحتي؟

صالح: أنا مبهور بيكم أنتم الاتنين.

قامت من على الكرسي، وطّت صوت الأغاني وجايّة ناحيتي زي الحمامة إللي ريحة تسلم على صاحبها من كتر ما هو وحشها، بَسِتني في خدي وقالتلي: استنى أغير البلوزة الأول عشان أنا عايزة أحضنك، وحشتني.

صالح: عايز أتوسخ بألوانك، احضنيني، إنتِ كمان وحشتيني.

حضنتها جامد لدرجة إني حسيت إن عظمي وعضمها بقى حاجة واحدة، وحسيت ساعتها بالدّفا والأمان، عمرى ما حسيته قبل كده، ما فيش أجمل من إنك ترجع من الشغل، تفتح باب شقتك، تلاقي الحمامة الجميلة، تديك دافع للحياة زي زهرة.

زهرة: أكيد جاي من الشغل جعان، أنا عملتلك حتة أكلة عمرك ما كلتها في حياتك قبل كده.

صالح: أنا مش مصدق نفسي، إنتِ طباخة هايلة!

زهرة: إيه إللي مخليك متأكد كده، هو إنت لسه دوقت أكلي؟

صالح: إزاي واحدة غنية زيك، دلوعه، عايشة في طبقة مرتاحة، عندها خدامين بتعرف تطبخ؟ ده أنا أعتقد إنك دخلتي مطبخكم تلات أربع مرات في حياتك، مش أكتر.

زهرة: إبتدينا بقى محاضرات عن الفكر الطبقي.

سابتني مع لوحاتها الجميلة زيها، ودخلت المطبخ ورجعت بسرعة وهي شايلة القهوة وشوية من الكيكة إللي أنا إتعودت أشتريها من المحل إللي في السوق جنبنا.

صالح: شوفتي، فكري الطبقي كان معاه حق، جايبالي فنجان قهوة، مش وصفة طبخ!

زهرة وهي مكسوفة وحاطة وشها في الأرض:

أنا آسفة يا صالح، إنت عارف إن عمري ما دخلت مطبخ قبل كده.

بعدين إتغيرت ملامحها بسرعة للفرحة، وضحكتها بقت مالية وشها وهي بتقول:

بس أوعدك إني أعوّضك عن الطبخ ده، إني أجيبلك شوية عيال، وتكون أسعد وأحن أب في الدنيا، أوعدك.

إنفجرت من الضحك من كلامها والهزار إللي بتعمله مرة واحدة من ولا حاجة وتخيّلت زهرة وهي أم شايلة بيبي في حضنها.

صالح: إنتِ هنا من إمتى؟

زهرة: من الصبح، من الساعة 10:00 بالظبط، نزلت أنا وبابا وصلته للمطار عشان رايح رحلة شغل في إيطاليا، حسيت بالزهق والوحدة من غيابه فجيت هنا عشان تُونسني ريحتك لحد ما إنت تيجي.

صالح: يعني أنا بالنسبة لك بديل عشان أبوكِ مش موجود.

زهرة: لازم تبقى فخور إن إنت تاني راجل في حياتي.

صالح: وليه ما أكونش الأول؟

زهرة: عشان الراجل الأول في حياة كل بنت هو أبوها.

صالح: إيه رأيك إن أنا مش موافق على الكلام ده؟ مش موافق إن أنا أكون الراجل الثاني، وأنا راجل نرجسي وبحب نفسي وما أقبلش أقل من المرتبة الأولى.

زهرة: ليه دايمًا عايز تحط نفسك في أماكن مش بتاعتك، بتاعة ناس تانيين؟

صالح: يمكن عشان أنا عندي أزمة في الثقة.

زهرة: أزمة ثقة في نفسك؟

صالح: ثقة في الناس.

زهرة: مش فاهمة برضه، وضّحلي كلامك.

صالح: أنا إنسان مبالغ في كل حاجة، أنا حبيتك فده معناه إن أنا بحبك، بعشق، بحبك بجنون وبكل عنف، بتكوني كل حاجة في حياتي؛ الشمس والقمر والنجوم والعالم والكوكب، ما بشوفش حد غيرك، وبتبقي الأولى بالنسبة لي في أي مكان، وأتمنى إن أنا أكون مالك قلبك الوحيد.

سكتت زهرة ومش عارف سكوتها ده بتدور على كلام ترد عليا بيه ولا ما لقيتش كلام ترد عليا أصلًا، لكن مرة واحدة جت وحضنتني زي الطفل الضايع إللي بيدور على أمه، وأنا إستقبلت الحضن ده وبادلته وأنا مبسوط وأنا شامم ريحتها الأنثوية.

كنت واقف ببص على المدينة بتاعتي من شباك الصالة الفاضي إللي ما فيهوش ولا قطعة أثاث، منظر المدينة بالليل بيكون منظر جميل يلفت الأنظار، من وأنا صغير وأنا ما بخافش من الليل، بالعكس كنت بحس فيه بهدوء غريب وببقى مطمّن أكتر بالليل.

سمعت حد بيمشي بسرعة ناحية الباب بتاعي وبيخبط بقوة، سكت وأنا محتار مين ممكن يجيلي الساعة دي، وإفتكرت رجال الشرطة إللي كانوا بيجوا ياخدونا بعد ما يموتونا من الضرب بسبب أو من غير سبب، بعد ما إستعدت كل ذكرياتي المؤلمة وجه في دماغي كل أسامي الناس إللي ممكن تيجيلي، قلت بصوت عالي: مين؟ مين إللي على الباب؟

وارتحت بعد ما سمعت صوت طفل مش غريب عليا وهو بيقول: أنا مروان ابن الجيران، افتح الباب.

جريت ناحية الباب عشان أفتح، كان عندي فضول أعرف مروان عايز مني إيه، بس في صوت جوايا بيقولي ده مش مروان، ده الشرطة بتضحك عليك عشان تفتح الباب، بس ما إهتمتش للصوت إللي جوايا وفتحت الباب.

الطفل وهو متوتر وبينهج من السلم وعينه مليانة دموع قال: أبويا تعبان جدًا وأمي بتطلب منك إن إنت تساعدنا إن إحنا نشيله من المستشفى، وما فيش حد معانا في البيت يساعدنا، أرجوك أنقذ أبويا.

أنا عارف الطفل ده، شفته كم مرة بالصدفة وأنا طالع من العمارة أو نازل منها، ساكن في الدور إللي تحتينا، ما قعدتش أفكر كتير، جريت على الدولاب، غيرت هدومي، وأخذته من إيده ونزلنا.

كان سايب باب شقتهم مفتوح، وأول ما دخلنا لقينا ست بتزعق بخوف على جوزها: أستاذ صالح، الحقني! جوزي أغمى عليه وأنا ما بعرفش أسوق العربية عشان أوديه المستشفى، عشان كده طلبت المساعدة منك.

صالح: ماشي ماشي، هو فين؟

راحت ناحية أوضة معينة وأنا ماشي وراها وفي دماغي بقول يا ترى الست دي عرفت اسمي منين؟ أنا ما بكلمش أي حد من العمارة!

دخلت الأوضة، شفت راجل مرمي على السرير بعشوائية كإنه وقع فجأة، مسكت إيده إللي كانت باردة زي الثلج، حطيتها على كتفي وحاولت إني أسنده.

لفيت عشان أقول للست وأفكرها برخصة السواقة ومفاتيح العربية، لقيتها ما نسيتش، والخوف إللي كان جواها قلّ كتير لما أنا جيت لدرجة إنها قفلت أنوار الشقة وقفلت الباب، الست طلبت من ابنها إنه يقعد جنبي في العربية، وهي قاعده ورا مع جوزها وهي بتمسحله عرقه بكل لطف.

الست: دي عربية بنزين، دوس جامد، ما تهتمش.

كنت متوتر شوية لأني بقالي كتير قوي ما ركبتش عربية وسوقتها بنفسي، مسكت المقبض اليدوي وبدأت أتحرك، وكنت متحمس وفرحان إن أنا ما نسيتش دروس السواقة إللي كنت باخدها، بس الحماس راح لما إفتكرت إن الست عارفة إسمي. آه، من الستات فعلًا بيهددوا الأمن القومي.

قد إيه بكره المستشفيات وريحتها، بيصعب عليا الدكاترة والممرضين، مش قادر أستوعب إزاي قادرين إنهم يعيشوا مع الوجع والدم من غير ما يأثر على نفسيتهم، كنت بقول على طول إنهم مخلوقين من طينة غير طينتنا، طينة غريبة.

وقعدت أفتكر كل إللي أعرفهم من الدكاترة والممرضين، في الوقت ده خرجت جارتي من عند جوزها، وكان على وشها ملامح الراحة، ورجعت لبشرتها لونها الطبيعي، مش اللون الأصفر من كتر الخضة والخوف.

الجارة: أستاذ صالح، أنا آسفة لو أزعجتك وتعبتك معانا.

صالح: لا تعب ولا حاجة، تعبك راحة، ده واجب الجارة على الجار، هو عامل إيه دلوقتي؟ هو في إيه أصلًا؟

الجارة: الله يهديه، جوزي نسي ياخد حقنة الإنسولين امبارح، والنهارده جاتله نوبة عشان السكر ارتفع في الدم فخلّاه يغمى عليه، الحمد لله إنها جت على قد كده.

صالح: الحمد لله على كل حال، مرضى السكر بيحتاجوا متابعة ومراقبة على طول، لو هو مش بيهتم لحالته وبيهمل إنه ياخد الدواء بتاعه، الأحسن إن إنتِ تتابعي معاه وتركزي معاه أكتر يا مدام.

الجارة: اسمي رضوى.

كانت بتبصلي بإبتسامة لطيفة وأنا كنت متوتر، وما كنتش عارف أقول إيه وقتها، فكرت إني أقولها اتشرفت بمعرفتك، بس الظروف إللي جمعتنا ما تسمحش إن أنا أقول الجملة دي.

رضوى: الدكتور إدانا إذن بالخروج، وإدى لعمر، جوزي، مسكن هيخليه ما يصحاش إلا بكره، وكمان مروان لازم يروح المدرسة بكره الصبح، وإنت كمان يا أستاذ صالح شكلك تعبان.

صالح: لا لا، مش تعبان ولا حاجة، لو هنقعد هنا عشان تحاليل أو إجراءات فما فيش مشكلة.

رضوى: لا، هو هيقعد في العناية النهارده، وإحنا هنروح، والدكتور لو كتبله على خروج بكره هاجي آخده.

راحت جارتي رضوى ناحية إبنها إللي كان نايم على الكرسي إللي قدامنا، حسّست على شعره وشالته، والطّرحة إللي كانت مغطيه نص شعرها وقعت، وبان شعرها الأسود، كان شكله حلو رغم إنه مش متسرح، وعجبني المنظر العام إللي قدامي، بس هي بصتلي وهزت راسها بمعنى إن يلا عشان نمشي.

مشيت جارتي قدامي وأنا ماشي وراها رايحين العربية، وأنا عمال أفكر في أمي، وحشتني جدًا، هي عاملة إيه دلوقتي يا ترى؟ وحشني حضن أمي إللي كان بياخدني وأنا صغير وبيحتويني، كنت دايمًا بنام في كل مكان في الشقة، وأمي كانت بتيجي تشيلني توديني لسريري، أول ما روحت كلمتها واطمنت عليها واطمنت على نفسي بدعواتها ليا.

أنا وزهرة بقينا بنتخانق كتير، وكل واحد ليه وجهة نظر مختلفة، كل واحد دماغه عكس التاني، وكل مرة بحاول أنقذ قصة الحب بتاعتنا بكل ما أوتيت من قوة، مش قادر أتخيل إن علاقتي مع زهرة تنتهي، دي آخر قصة حب كان عندي أمل فيها، مستني إني أبني بيت أحلامي معاها.

النهارده عزمت زهرة على عشا في مطعم سيرڤي على أمل إن علاقتنا تتحسن، والحب يرجع زي ما كان، زهرة جت متأخر، وكان كلامنا قليل، بنتكلم في مواضيع بسيطة، كان كلامنا ما فيهوش رومانسية، حتى هي كمان ما بقتش تهتم بالأغاني الرومانسية إللي كانت بتحب تسمعها في المطاعم.

أنا وزهرة كنا بعاد عن بعض، زهرة ما استنتش كتير عشان تنهي مقابلتنا بكل برود وقالت: صالح، أنا لازم أمشي.

صالح: تمشي ليه؟

زهرة: منير زميلي في المدرسة النهارده عيد ميلاده، وعازمنا، ولازم إني أحضر.

صالح: بس أنا عزمتك النهارده على العشا، وكنت عايز أرقص معاكي على أغاني وائل جسار إللي إنت بتحبيها في المطعم ده.

زهرة: أنا آسفة يا صالح، تتعوض مرة تانية.

صالح: وليه ما تعوضيهاش لصاحبك ده مرة تانية، وتخليكي معايا دلوقتي؟ هنرقص سوا، أنا وحشني الرقص معاكي.

زهرة: آسفة يا صالح، صحابي مستنيني.

ومشيت زهرة بعد ما بستني من خدي بوسة باردة مالهاش طعم، وراحت عشان تطفي الشمع مع زميلها بعد ما طفت الشمعة إللي في قلبي وكسرت الأمل في إني أرقص معاها النهارده.

مسكت التليفون وكتبت رقم حافظه من ورا قلبي من أيام الجامعة، وهو رقم ليلى، ليلى البنت الوحيدة إللي ما بتغيرش رقمها كل شوية زي باقي البنات.

ليلى: ألو.

صالح: إنتِ لسه صاحية؟

ليلى: لسه، الساعة 10:00 بالليل، أنا وإنت بنبقى صاحيين بالليل وما بنامش فيه يا حبيبي، إنت فين؟ أنا سامعة صوت دوشة حواليك وصوت أغاني.

صالح: أنا في مطعم سير ڤي.

ليلى ما سألتنيش لو أنا كنت لوحدي أو معايا حد، هي دايمًا ما بتهتمش بالحاجات التافهة إللي البنات بتهتم بيها عشان تحاول تزنقني وتحرجني.

ليلى: حاسة إنك زعلان، مالك؟

صالح: حزني بيوصلك حتى من التليفون يا ليلى؟

ليلى: أنا إللي بعرف مالك من صوتك من غير ما تقول.

صالح: بتعملي إيه دلوقتي؟

ليلى: بقرأ رواية جديدة ومستنية أبويا عشان نتعشى مع بعض.

صالح: إيه رأيك تيجي تتعشي معايا في المطعم؟

ليلى: أفهم من كده إنك بتعزمني على العشا؟

صالح: لا، أنا بعزمك على الرقص، صوت وائل جسار في المطعم ده مخليني عايز أرقص.

ليلى: لو كنت بتعزمني على العشا بس يمكن كنت أرفض، لكن بما إنك عزمتني على الرقص معاك فما أقدرش إني أرفض.

صالح: بمعنى؟

ليلى: نص ساعة وأكون عندك.

صالح: ماشي مستنيكي.

نص ساعة بالظبط ويمكن أقل كام دقيقة، كانت ليلى واقفة قدامي، وشكلها الجميل، كانت لابسة فستان أحمر بيثيرني.

جت ليلى عشان تحضني وتسلم عليا، وما تعرفش إن فستانها الأحمر سلم عليا قبلها، دي بنت خبيثة بتجيبني من ثغراتي.

صالح: إيه، هتفضلي واقفة؟ اقعدي.

ليلى: أنا جيت عشان أرقص معاك، يلا قوم.

شدتني من إيدي وودتني المكان إللي بنرقص منه، وبدأت ترقص قدامي زي الفراشة الحمراء على كلمات وائل جسار.

تقرب مني خطوة وتبعد عني خطوة، حركات متعلمة بعناية بتجذبني ليها ريحتها وأنوثتها وحركاتها وحنّيتها ولطفها، أنا حافظ كل حاجة فيها، ومهما حاولت المقاومة في الآخر بستسلم.

ليلى قالت وهي نفسها إتقطع من كتر الرقص:

كنت محتاجة إن أنا أرقص معاك، من غيرك قلبي ما بيسمعش صوت الأغاني، عشان كده هتلاقيني أكتر واحدة برقص معاك بصدق وبذمة.

خلصت كلامها وهي بتغمزلي في عينيها، يا ترى ليلى عرفت إني كنت مع زهرة هنا قبل ما هي ما تيجي؟ يا ترى هي عرفت إن زهرة رفضت ترقص معايا، عشان كده قررت تديني درس في الوفاء؟

وفاء ليلى بيخليها ما تقدرش إنها تسيبني لوحدي النهارده، عشان الحزن ما ياكلنيش، ما أعرفش إزاي بتحس بالحاجات إللي بتخليني حزين من غير ما أقولها أو هي تسأل عليها.

وصلتني هي وفستانها الأحمر لحد شقتي.

ليلى: بتبص على إيه؟

صالح: على الطيور، أنا بحسد الطيور المهاجرة يا ليلى، بحسد إنها قادرة تطير كل المسافات الطويلة دي من غير ما تخاف على ذكرياتها إللي عاشتها في وطنها إللي كانت فيه.

بتفتح جناحها وتطير من غير ما تهتم لأي حاجة، بحب إنها ما عندهاش وطن معين وعشة معينة لازم تقعد فيها، ليه يا ليلى الطيور المهاجرة ما بتقعدش في مكان واحد؟

ليلى ما ردتش عليا، كانت بتبصلي بعينيها المليانة دموع.

صالح: مالك؟

ليلى: لسه برضه في دماغك فكرة الهجرة، دايمًا عايز تمشي وتسيب كل حاجة يا صالح؟

صالح: مش قادر يا ليلى، مش قادر أقعد في الوطن، ومش قادر أصدق إن في استقرار هنا، أنا عملت إيه في حياتي يا ليلى؟ إي الإنجازات إللي عملتها؟ ولا حاجة، كل أحلامي طارت في الهوا.

عشان كده يا ليلى أنا ما عنديش وطن، فاهمة؟ ما عنديش وطن.

ليلى: ما لناش ذنب يا صالح إن إحنا بنحلم، ذنبنا إن إحنا عايشين في وطن مش بيعترف بالأحلام.

ليلى قامت وقفت جنبي على الشباك، قعدت تبص على الناس إللي ماشية في الشارع والعربيات، بعدين بصتلي وقالت:

هون على نفسك يا صالح، زي ما أنا بعمل عشان نقدر نكمل حياتنا.

صالح: أنا ندمان إني قريت للقارئ ده أيام الثانوية، القارئ ده إسمه محمد إبراهيم، بوظلي معادلتي في الحياة وغير نظرتي ليها، خلاني أصدق إني أقدر أغير العالم، وإني أقدر أعمل ثورة ضد الظلم، عشت مع الكاتب ده أحلام ملهاش حدود، بس أنا خسرت يا ليلى، كنت غلطان.

ليلى: مش لوحدك يا صالح، كلنا غلطانين، كلنا بنينا وطن جميل من أيام الجامعة، ناسيين إن في وطن ظالم وقاسي مستنينا برة الجامعة، الوطن ده ليه أحلام تانية مش على مقاسنا.

حسيت إن ليلى بتطلع الكلام بمرارة من قلبها، خلتني أتكسف من نفسي إني قعدت أصب عليها من الحزن إللي جوايا عشان أغرقها بيه، كنا قاعدين في صمت تام، ما فيش أي صوت غير الولاعه إللي بنحرق بيها صدرنا.

كل إللي كان شاغل بالي في الدنيا دي موضوع خلفة الأطفال، إزاي الراجل والست يقرروا يخلفوا؟ إزاي يخلفوا طفل في عالم مش مستقر، عالم ما بيقدمش حياة كريمة للإنسان؟

إحنا بنخلف الأطفال مع إننا عارفين إن الدنيا دي مليانة أوجاع وحزن يكفي كل الناس، وبنسميهم الأسماء إللي إحنا عايزين نسميها لهم من غير ما ناخد رأيهم، بندخلهم المدارس إللي على مزاجنا، بنعلمهم اللغة والدين والتاريخ إللي إحنا عايزين نعلمه لهم، بنفرض عليهم الوطن ده وقوانينه وأعياده، بنجبرهم على كل حاجة. فكرت وقتها إن الخلفة أكبر حاجة مؤذية بيعملها البشر وهم مبسوطين وفرحانين بيها.

لتكملة القصة اضغط الزر بالاسفل



هل كان المحتوى مفيداً؟

نعم
لا
شكرا لك

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى