قصص إثارة وغموض

تحقيقات المفتش عمر قضية (القضية الأخيرة)

دلوقتي أنا ماسك قلمي، وقلبي حزين، وأنا بكتب الكلمات الأخيرة عن المهارات الفريدة اللي إتميز بيها صديقي المفتش عمر، وكنت بدأت أكتب مغامرات صديقي من أول قضية الخيوط المتشابكة لغاية ما وصلت لقضية أوراق الإتفاقية، ولولا صديقي كانت حصلت أزمة دولية كبيرة… دلوقتي حكلكم من الأول عن اللي حصل بين البروفيسور عبد العزيز، وصديقي المفتش عمر.

بعد جوازي أخدت عيادتي الخاصة، وبدأت أنشغل بيها، وإتغيرت علاقتي بصديقي المفتش… على الرغم إن هو كان من فترة للتانية بيطلب مساعدتي لما بيحتاج… بس في الفترة الأخيرة الموضوع قل جداً لدرجة إن أنا ملقيتش في مذكراتي من سنة 1890 الا تلات قضايا بس… سنة 1991 في أواخر الشتاء قرأت في الجرايد إن حكومة أجنبية إستدعت صديقي عشان يساعدها في قضية مهمة جداً، وفي يوم 24 أبريل إتفاجئت لما شفت صديقي عمر بيدخل عيادتي، وكان وشه باهت، ورفيع أكتر من المعتاد.

 رد عمر على تفكيري كالعادة، وقال: أنا شغال بشكل مكثف في الفترة الأخيرة… هل عندك مشكلة إن أنا أقفل الشباك؟

 قلت: إنت في حاجة خايف منها؟!

 عمر: أيوه أنا إتصبت… هبقى شخص أحمق لو معترفتش بده… فعلاً في خطر حواليا… ممكن عود كبريت لو سمحت؟

 ولع عمر سيجارة، وفضل يدخنها.

 عمر: أنا أسف إن أنا جيت في الوقت المتأخر ده، وكمان أرجوك إنك تسمحلي إني أخرج من البيت من الباب اللي ورا.

 قلت: بس إيه معنى كل ده؟

 مد عمر إيده، وشفت إن في جرح، وإيده بتنزف… من غير ولا كلمة جبت شنطة الإسعافات الأولية، ونضفت الجرح، وعقمته، ولفيته بشاش… كان جوايا خوف، وقلق علي صديقي… وكنت أول مرة أشوفة بالحالة دي.

 عمر: هل ممكن إنك تسافر معايا لأسبوع؟

 سألت: لفين؟

 عمر: لأي مكان متفرقش.

 كان الموضوع غريب بالنسبة ليا… مش من طبيعة عمر إن هو يطلب إنه يسافر من غير هدف محدد، كمان وشه الباهت بيبين قد إيه هو متوتر… قرأ عمر السؤال في عينيا فشبك إيده في بعض، وسند كوعه على رجليه، وبدأ يشرح.

 عمر: إنت ما سمعتش قبل كده عن بروفيسور عبد العزيز ؟

 قلت: لاء أبدا.

 عمر: بروفيسور عبد العزيز  بيسيطر على المدينة، ورغم كده محدش سمع عنه قبل كده، وهو يعتبر على راس قايمة المجرمين… لو قدرت إني أقبض على الشخص ده هتأكد إن مهنتي ليها فايدة، ويمكن أفكر وقتها إني أعيش حياة هادية… عمري ما هشعر بالراحة طول ما الشخص ده حر في شوارع المدينة.

 قلت: هو عمل إيه؟

 عمر: هو شخص متميز في الجزء المهني فهو من أسرة كويسة، وتربى تربية كويسة، عنده مهارات رياضية… قدر في سن صغير إنه يتعين رئيس قسم الرياضيات في جامعة من الجامعات… كان ليه مستقبل رائع بس كان جواه ميول إجرامية… كمان مهارته العقلية المميزة نمت الإجرام جواه… ظهر حواليه كلام كتير في الجامعة، وده خلاه يقدم إستقالته، وبعد كده إشتغل في الجيش ده اللي أغلب الناس تعرفه عنه بس دلوقتي هحكيلك إلا أنا إكتشفته عنه.

 انت عارف يا أحمد إن محدش يعرف تاريخ الجريمة في المدينة زي ما أنا أعرفها… حسيت من فترة إن في قوة شريرة بتسيطر على المدينة في الفترة الأخيرة بجرايم مختلفة سرقة، وجرايم إنتهاء حياة، وتزوير… بقالي فترة طويلة بحاول إني أكتشف الأمر لغاية ما وصلت كل إثباتاتي للبروفيسور عبد العزيز .

 الشخص ده يا عزيزي أحمد ممكن أسميه العقل المدبر لنص الجرايم الغير معروفة في المدينة… كمان عنده مهارات عقلية كبيرة، وهو فيلسوف، ومفكر… تحت إيده ألاف من المخلصين ليه… هو ما بيعملش حاجة بنفسه، وهو بيخطط، ويرتب، وهما ينفذوا.

 لغاية دلوقتي مش قادر أوصل لإثبات، أو دليل يوقفه قصاد المحكمة… بعد تلات شهور يا صديقي من البحث إكتشفت إن الشخص ده قدراته العقلية أكبر مني، ورغم كرهي للجريمة إلا إني معجب بقدراته.

قدرت في النهاية إني أجهز خطة عشان أوقعه خلال تلات أيام… يعني يوم الإتنين الصبح هتكون خطتي جاهزة، وهيكون بروفيسور عبد العزيز ، وأكبر القيادات في قبضة الشرطة، وقتها هتحصل أكبر محكمة في القرن 19، وهيظهر تفسير لغز 40 قضية.

 النهاردة الصبح أنا عملت آخر تلات خطوات في خطتي، ومفيش قدامي غير تلات أيام، وكل حاجة هتنتهي… النهاردة، وأنا قاعد في أوضتي برتب الأمور في دماغي فوجئت إن الباب إتفتح، ودخل بروفيسور عبد العزيز نفسه.

 إنت عارف يا أحمد إن أعصابي قوية بس أعترف إني إتفاجئت لما شفت الشخص اللي كنت لسه بفكر فيه قدامي… كان شكله مألوف… كان شخص طويل، ورفيع جداً…عينيه عميقة فضل يبصلي بتركيز شديد.

 اللحظة دي بدأت أحس بالخطر اللي الشخص ده بيسببه ليا… بسرعة كبيرة خرجت المسدس بتاعي، وحطيت عليه قماشة، وحطيته في جيبي.

عبد العزيز: واضح إنك متعرفنيش.

قلت بهدوء: بالعكس أنا عارفك كويس جداً إتفضل أقعد… أقدر أخصصلك خمس دقايق لو كان في حاجة مهمة عايز تقولها.

عبد العزيز: كل حاجة محتاج إني أقولها عدت على دماغك.

قلت: وغالباً كل ردودي عدت على دماغك برضو.

عبد العزيز: إنت وقفت في طريقي يوم أربعة يناير، ويوم 23 من نفس الشهر… وضايقتني في شهر فبراير، وأزعجتني في شهر مارس، ووقفت خططي… دلوقتي إحنا في بداية شهر أبريل، وأعتقد إن أنا في وضع قربت أخسر فيه حريتي، والموضوع معادش مستحمل.

قلت: هل عندك إقتراحات؟

عبد العزيز: أبعد عن طريقي يا سيادة المفتش عمر، وصدقني ده أحسنلك.

قلت: مش قبل مقبض عليك.

عبد العزيز: أنا متأكد إن شخص ذكي زيك شايف إن الحل الوحيد في القضية إنك تنسحب منها.

قلت: الخطورة ده شيء أساسي في شغلي.

عبد العزيز: الأمر مش بس خطورة إنما تدمير… إنت مش واقف قصاد شخص عادي، إنت واقف قصاد مؤسسة كبيرة، وقوية مقدرتش برغم ذكائك إنك تأسس حاجة زيها.

قمت، وقفت، وقلت: أنا خايف إن يكون الكلام الرائع اللي ما بيني، وما بينك نساني إن ورايا شيء مهم.

وقف عبد العزيز، وبصلي، وحرك راسه، وقال: براحتك أنا عملت اللي عليا… لو كنت شخص عبقري كفاية عشان تدمرني فكن متأكد إني مش هتأخر ثانية عشان أتعامل معاك بنفس الطريقة.

قلت: إنت مدحتني بشكل كبير خليني أنا كمان أمدحك بإني أقولك لو كنت متأكد ان هو ده اللي هيحصل فأنا هوافق بمعاملتك دي لو هخلص الناس من شرك.

كانت يا أحمد هي دي المقابلة اللي ما بيني، وما بين بروفيسور عبد العزيز ، وكان ليها تأثير عليا… طبعاً هتقولي وليه ما بلغتش الشرطة؟ وردي عليك إن أنا متأكد إن رجالته نفسها هي اللي هتقضي عليه كل إثباتاتي بتدل على ده.

سألت عمر: هل إعتدى عليك؟

عمر: صديقي العزيز أحمد… عبد العزيز شخص ذكي، وحذر… أنا كنت خرجت النهاردة الضهر عشان أخلص بعض الشغل… في الوقت اللي أنا كنت معدي فيه من الطريق عدت عربية بطريقة جنونية، وبصعوبة قدرت أنقذ نفسي… مشيت، وفي الوقت اللي كنت ماشي فيه في الشارع، وقعت عليا طوبة كبيرة من سطح مبنى إتكسرت عند رجلي… وفي الوقت اللي كنت في طريقي ليك هاجمني شخص ماسك مطوه طبعاً دافعت عن نفسي، وضربته، وإستدعيت الشرطة.

عشان كده يا صديقي ما تستغربش إني قفلت الشبابيك أول ما دخلت لهنا، وكمان عشان طلبت منك إني أخرج من الباب اللي ورا علي الجنينة.

 طول عمري، وأنا معجب بصفة الشجاعة عند صديقي عمر بس النهاردة الوضع مختلف مع مجموعة الأحداث الصعبة اللي حصلتله النهاردة.

قلت: ليه متقعدش عندي النهاردة؟

عمر: لأ يا صديقي الموضوع هيكون فيه خطورة عليك… أنا حطيت خطة بالفعل كل اللي محتاجه إني أبعد عن الأنظار كام يوم لغاية ما الشرطة تتصرف… عشان كده أتمنى إنك تيجي معايا، ونسافر.

قلت بإبتسامة: هكون مبسوط إني أروح معاك.

عمر: يناسبك بكرة الصبح؟

قلت: تمام مفيش أي مشكلة.

عمر: في حاجات لازم أقولهلك، ولازم تلتزم بيها، وتنفذها بالضبط… أسمعني كويس… الأول لازم تبعت كل الشنط اللي إنت هتحتاجها مع شخص بتثق فيه للمحطة النهاردة بالليل… وبكرة الصبح تركب عربية، وتروح ناحية العبارة، وتكتب للسواق العنوان في ورقة.

أطلب من السواق ميرميش الورقة في الشارع… جهز فلوسك، وأول ما تقف العربية، إتحرك عند العبارة، وأول ما تركب العبارة، وتوصل للناحية التانية هتكون الساعة 8:45 هتلاقي هناك عربية مستنياك عند الطريق، وهتلاقي السواق لابس جاكيت أسود فيه حزام أحمر… أركب العربية دي اللي هتوصلك للمحطة، وإركب القطر السريع.

سألت: هنتقابل فين؟

عمر: في المحطة في عربية الدرجة الأولى… تاني عربية من قدام أنا هكون حاجزها.

حاولت بكل الطرق إن أخلي عمر يبات عندي الليلة بس هو رفض، وقال إن الأمر هيكون في مشكلة كبيرة، وإنه لازم يمشي.

عملت اللي عمر قالي عليه بالظبط، وكل حاجة كانت كويسة، بعت شنطتي للمحطة… مكانش فيه  صعوبة في أي حاجة قالها عمر… حاجة واحدة هي المشكلة إن عمر مكانش موجود، وكان باقي سبع دقايق، والقطر يتحرك دورت عليه في كل حته، ولما رجعت فوجئت إن عامل القطر خلى واحد من المسافرين يركب معايا في نفس العربية… حاولت إني أشرحله إن صديقي موجود بس من غير فايدة… كنت بدأت أقلق عليه، وإنه ممكن تكون حصلتله مشكلة إمبارح…إتقفلت الأبواب.

فجأة سمعت صوت من ورايا بيقول: كده يا أحمد تعدي من غير ما تسلم عليا؟

لفيت، ولقيت الشخص اللي كان قاعد معايا في العربية الراجل العجوز هو صديقي المفتش عمر.

قلت بفزع: إنت خوفتني.

عمر بصوت واطي: لازم أخد بالي أكيد هما بيراقبوني، وأهو عبد العزيز  نفسه.

نفس اللحظة اللي كان بيتكلم فيها عمر كان القطر بيتحرك… بصيت لورا، وشفت شخص طويل، واقف في وسط الناس بيحرك إيده بقوة، وبيطلب منهم إنهم يوقفوا القطر… بس كان الأمر إنتهى، وكانت سرعة القطر بتزيد… ثواني، وكنا سيبنا المحطة.

عمر: قرأت الجرايد النهاردة؟

قلت: لاء.

عمر: يعني معرفتش ايه اللي حصل في شارع بغداد؟

قلت بدهشة: شارع بغداد؟!

عمر: ولعوا النار في الأوضة بتاعتنا إمبارح، وللأسف كان في خساير.

قلت برعب: يا الله… عمر! الأمر مرعب.

عمر: أكيد هما ما اكتشفوش إني فلت منهم بعد ما الشرطة مسكت الشخص اللي إعتدى عليا إمبارح… والا كانوا عرفوا منه إن أنا ما رجعتش لأوضتي، وواضح إن هما بيرقبوك إنت كمان لدرجة إن بروفيسور عبد العزيز  نفسه جه للمحطة فاضل إن إحنا نجهز خطة عشان نتخلص منه.

قلت: القطر إتحرك بالفعل، وده قطر سريع، وهنوصل بسرعة للسفينة يعني مفيش خطر.

عمر: واضح يا أحمد إنك مفهمتش اللي أنا حكيتهولك إمبارح… الشخص ده عبقري، وداهية.

قلت: تفتكر هيعمل إيه؟

عمر: اللي كنت هعمله أنا.

قلت: وإيه اللي كنت هتعمله؟

عمر: هيستخدم عميل خاص.

قلت: بس خلاص الموضوع خلص.

عمر: للأسف لاء يا صديقي… القطر ده لسه هيقف في محطة تانية، ودايماً السفينة بتتأخر ساعة إلا ربع… فأكيد هيلحقونا.

قلت: كإننا إحنا المجرمين يا عمر… ليه ما تبلغش عنه أول ما يوصل؟

عمر: لإن ده هيضيع شغل تلات شهور… إحنا مش عايزين السمك الصغير إحنا عايزين القرش الكبير، وهنمسكه يوم الإتنين الصبح… الوقت مهم يا أحمد.

قلت: طيب، وهتعمل إيه؟

عمر: هننزل المحطة اللي جاية.

سألت: وبعدين؟ 

عمر: هنمشي من طريق الريف عشان نوصل لمدينة ن. ف، وتاني هيعمل بروفيسور عبد العزيز  نفس اللي أنا كنت هعمله… هيروح، وهيستنانا في مخزن اللي فيه الشنط بتاعتنا مدة يومين في الوقت ده هنكمل إحنا رحلتنا.

“أعترف إن موضوع إني أفقد شنطي شيء مش كويس بس ده مش هيمنعني إني أكمل السفر… فكرة إن أنا أستخبى من شخص مجرم مكنتش عجباني… بس أكيد عمر عارف أكتر مني، وعشان كده كملنا بنفس الطريق اللي قاله عمر، وفضلنا مستنيين ساعة عشان يتحرك القطر لمدينة ن. ف”.

شدني عمر من كومي، وهو بيشاور: شايف… القطر هناك أهو.

بالفعل شفت من بعيد في إتجاة الغابة دخان، ودقايق، وكان القطر موجود على رصيف المحطة.

عمر: شفت يا صديقي حتى ذكاء عبد العزيز ليه حدود… لو كان أخد باله من اللي هنعمله كانت هتبقى الضربة القاضية.

إتحركنا، وقعدنا يومين في ب. ر، وتالت يوم إتحركنا لمدينة تانية، ويوم الإتنين الصبح كان عمر بعت تلغراف للشرطة في المدينة، ولقينا الجواب مستنينا في الفندق بالليل… فتح عمر الرسالة، وقال، وهو متضايق: كان لازم أعرف.

قلت: بروفيسور عبد العزيز ؟!

عمر: قبضوا على كل أفراد عصابته إلا هو أظن يا صديقي إن الموضوع بقى شخصي… الموضوع في إيديهم دلوقتي… وأنا شايف إنه من الأفضل إنك ترجع للمدينة يا أحمد.

قلت: ليه؟!

عمر: أنا بقيت خطر عليك… أعتقد أنه هيكرس قوته كلها عشان ينتقم مني… هو قال كل حاجة في المقابلة اللي قابلهاني، وأعتقد إنه كان يقصد كل كلمة قالها… أرجوك يا أحمد أرجع للعيادة بتاعتك.

قعدنا تقريباً نص ساعة في أوضة السفرة في الفندق بنتكلم في الموضوع، وبعد كده رجعنا كملنا رحلتنا في نفس الليلة… كانت الرحلة رائعة مليانة بالمساحات الخضرا الجميلة، وقمم الجبال البيضا… بس عفريت بروفيسور عبد العزيز  مغبش عن صديقي عمر ولا لحظة.

ورغم كده ما حسيتش إن صديقي فقد الأمل بالعكس كان نشيط، ومتحمس أكتر من أي وقت عدى… كان دايماً بيتكلم إنه لو ينجح إنه يخلص المجتمع من شر بروفيسور عبد العزيز .

عمر: مش هكون ببالغ يا صديقي لو قلت إن شغلي كله ما ضاعش… أنا بعشق المدينة، وبعشق هواها… ومن بين كل القضايا اللي أنا مسكتها أنا عمري ما إستخدمت قوتي في طريق الشر…. هتنتهي مذكراتك يا أحمد لما أنجح في القبض، أو إني أقضي على أخطر مجرم في العالم.

وصلنا يوم 3 مايو لبلد صغيرة… كان صاحب الفندق شخص لطيف، وذكي نصحنا إن إحنا نخرج يوم أربعة مايو الضهر ناحية التلال، ونقضي الليلة هناك… بس مقدرناش نعمل كده من غير ما نغير طريقنا عشان نشوف الشلالات، ومنظرها البديع.

كان المنظر رائع، ومخيف… والشلالات اللي مليها التلج الدايب، وبيصب بشكل عميق، ورزاز المية اللي شبه الدخان… كان الجسر مكسور من النص، وآخره قاع عميق ، لازم تقف على الجسر علشان تشوف الصورة بشكل كامل، وأي شخص بعدها لازم يرجع من نفس الطريق.

الوقت اللي كنا راجعين فيه شفنا ولد صغير بيجري ناحيتنا، ومعاه رسالة عليها ختم الفندق اللي كنا فيه، وكانت الرسالة مبعوته ليا…واضح إن بعد ما مشينا جت ست عجوزة، وكانت حالتها الصحية متدهورة جداً، وطلبوا مني إني أرجع لإنها حصلها نزيف مفاجئ، وإنها مش هتستحمل مدة طويلة.

مكانش ينفع إني أرفض، وفي نفس الوقت مكنتش عايز أسيب صديقي عمر لوحده… قرر عمر إنه هيفضل موجود، وإنه هيطلع التلة، ويقابلني عند الكوخ هناك بالليل.

شفت عمر، وأنا ماشي ساند على الصخرة، وفاتح دراعه، وبيبص لمنظر الشلال الجميل، وكانت دي آخر مرة أشوف صديقي المفتش عمر.

رجعت للفندق بعد ساعة تقريباً، وكان مدير الفندق واقف عند الباب… سألته، وأنا باخد نفسي بصعوبة: إيه أخبار الست العجوز هل حالتها إتدهورت؟

بصلي المدير بإستغراب، وحسيت وقتها إن قلبي وقف عن النبض… خرجت الرسالة، وقلت بإنفعال: إنت مكتبتش الرسالة دي مفيش ست عجوزة مريضة هنا؟

مدير الفندق: لاء مفيش حاجة من دي… بس إزاي الرسالة عليها ختم الفندق… أكيد الشخص الطويل اللي جه سأل عنكم هو اللي كتبها هو قال…

ما استنيتش إنه يكمل جملته جريت بسرعة لنفس الطريق اللي لسه راجع منه بس بدل ما أوصل في ساعة، وصلت لنفس المكان اللي سبت فيه عمر بعد ساعتين، وده لإن الصعود أصعب كتير من النزول… بس للأسف ملقيتش أي أثر لصديقي عمر… فضلت أنادي بصوت عالي، ومكانش فيه أي رد.

لقيت العصاية اللي كان ماسكها عمر مرمية على الأرض كمان دورت على الولد الصغير ملقيتوش… واضح إنه شغال مع عبد العزيز … وأكيد هو مشي، وساب رئيسه، وصديقي لوحدهم… بس إيه اللي حصل بعد كده؟ مين يقدر يقولي إيه اللي حصل بعد كده؟

وقفت دقيقة، أو دقيقتين بحاول أخد نفسي، وأمتلك أعصابي، وبدأت أفكر بطريقة عمر، واطبقها… بصيت على الأرض، ولقيت إن في خطين  لآثار أقدام شخصين، وهي بتتحرك لقدام بدون رجوع ناحية نهاية الجسر… صرخت بصوت عالي بس للأسف بدون فايدة.

في أول الجسر لقيت علبة السجاير الخاصة بعمر، وكان جواها ورقة مطبقة فتحتها، ولقيت فيها سطور.

 كان مكتوب فيها: صديقي العزيز.. أكتبلك الكلمات دي بإذن من بروفيسور عبد العزيز  اللي مستنيني دلوقتي علشان نتكلم في القضية الأخيرة اللي ما بينا… كان لسه بيكلمني عن الطريقة اللي فلت منها من الشرطة، وإزاي عرف تحركاتنا، وده اللي أكده إعتقادي عن مهاراته العقلية.

أنا سعيد إني هخلص المجتمع من الشر رغم إن التمن هيكون مؤلم لأصدقائي، وخاصة إنت يا صديقي العزيز…شرحتلك قبل كده إني وصلت لمرحلة حساسة مفيش أي حل أفضل من كده.

للأسف يا صديقي أنا كنت عارف إن الرسالة كانت خدعة، وخليتك تمشي لإني كنت خايف عليك، وكنت متأكد ان هو ده اللي هيحصل.

بلغ المفتش شريف إن الأوراق اللي هيحتاجها عشان يتهم العصابة موجودة في درج مكتبي في ملف أزرق مكتوب عليه عبد العزيز ، وأنا نقلت كل ممتلكاتي قبل ما أسافر باسم أخويا محمد بلغوه تحياتي، وبلغ سلامي لزوجتك… مع خالص الإحترام يا صديقي العزيز… توقيع المفتش عمر.

مكانش فيه أي فايدة من محاولة العثور على الجسمين… ففي المكان ده إنتهت حياة أخطر مجرم على وجه الأرض، وإنتهت حياه أعظم راجل حقق العدالة… أما بالنسبة لأعضاء العصابة تم إدانتهم قصاد المحكمة، وكل الناس إتكلمت على الأدلة اللي قدمها عمر، وفي المحكمة متذكرش معلومات كثير عن رئيس العصابة بروفيسور عبد العزيز … أنا بكتب الكلام دلوقتي عشان أخلد ذكرى أفضل راجل عرفته في حياتي.

                                     لتكملة القصة اضغط الزر بالاسفل



هل كان المحتوى مفيداً؟

نعم
لا
شكرا لك

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى