قصص إثارة وغموض

تحقيقات المفتش عمر قضية (لغز مدينة أبيس)

بلغتنا صاحبة البيت، وقالت: مدام غدير طالبة تقابل حضرتك…

دايماً بيجي إستشارات لصديقي عمر، وأغلب الناس ما بنبقاش مستنيين حضورهم… بس الست اللي كانت واقفة مرتبكة قدام الباب، وهي بتحرك صوابعها بعصبية على رقبتها كانت على ما أظن أكتر شخص بعيد إنه يجي يستشير عمر…

كانت ست شكلها عادي جداً… رفيعة… وشها باهت… عندها 50 سنة… لابسة جاكيت مزركش، وجيبه، ولابسه سلسلة دهب في رقبتها، وفوق دماغها طاقية مش مناسبة بشكل غريب… لو كنت ماشي في الأرياف لقابلت كل يوم 100 ست زي مدام غدير.

إتحرك عمر خطوة، ورحب بيها، وقال: أهلا يا مدام… أرجوكي إتفضلي إقعدي… ده صديقي دكتور أحمد.

كان واضح إن مدام غدير محرجة جداً قعدت، وسألت بتردد: هو حضرتك أستاذ عمر… المفتش؟

عمر بإبتسامة لطيفة: أيوه أنا في خدمتك.

فضلت الضيفة ساكتة كإن لسانها مربوط، وبعد كده إتنهدت، وكانت بتحرك صوابعها بعصبية، وكان وشها أحمر.

عمر: هل في حاجة أقدر أساعدك بيها يا مدام؟

الضيفة: تمام… أظن…. أصل…. مش عارفة…

عمر: إتفضلي إحكي أرجوكي.

بدأت الضيفة تتمالك نفسها، وقالت: الموضوع زي ما هحكيلك يا أستاذ عمر… أنا مش عايز يكون في أي إتصال بالشرطة… عمري ما كنت هروح للشرطة… أنا قلقانة جداً من حاجة معينة، ورغم كده أنا مش عارفة إذا كان ينفع…

سكتت الضيفة فجأة، وقال عمر: بالنسبالي أنا متحري خاص، وماليش علاقة بالشرطة…

إبتسمت الضيفة إبتسامة لطيفة، وقالت: هو ده اللي أنا عايزاة… مش عايزة فضايح… مش عايزة حاجة توصل للجرايد… لو وصلهم الخبر هيكتبوه بطريقة سيئة جداً لدرجة إن عيلتي مش هتعرف ترفع راسها أبدا… كمان أنا مش متاكدة… الموضوع كله مجرد فكرة في دماغي، ومش قادرة أخرجها من راسي.

سكتت الضيفة ثواني عشان تاخد نفسها، وبعد كده قالت: يمكن أكون غلطانة، وظلمت أدهم كل الوقت اللي فات… فكرة فظيعة لأي زوجة… بس إحنا بنقرأ، وبنسمع إن الحاجات دي بتحصل بالفعل الأيام دي.

عمر: لو سمحت… إنتي بتتكلمي عن جوزك؟

الضيفة: أيوه.

عمر: إنتي عندك شك إنه…. إيه؟

الضيفة: مش قادرة حتى إني أقولها يا أستاذ عمر… بس إنت أكيد قرأت إن الأمور دي بتحصل في الأشخاص المسكينة اللي مبتبقاش شكه في حاجة.

“كنت خلاص بدأت أفقد الأمل إنها تدخل في الموضوع على طول… أما عمر فكان صبور جداً”

قال عمر بلطف: لو سمحت يا مدام إتكلمي من غير خوف… فكري في الفرحة اللي هتكوني فيها، لو قدرنا نثبت إن شكك مش صحيح.

الضيفة: فعلاً أظن إن أي حاجة هتكون أحسن من حالة الشك اللي أنا فيها… يا أستاذ عمر أنا خايفة جداً… أنا خايفة إني… بتسمم.

عمر: وإيه اللي خلاكي تظني ده؟

“إتعدلت الضيفة، وبدأت تتكلم من غير إنفعال… أظن إن الأفضل إنها كانت تحكي مع الدكتور بتاعها”.

حكت الضيفة لعمر، وقالت: اللي خلاني أشك الألم، والتعب الشديد اللي بيحصلي بعد الأكل. 

قال عمر: تعب، وألم بعد الأكل…؟! هل في دكتور بيهتم بيكي ؟

الضيفة: بيقول إن فيه إلتهاب في المعدة شديد يا أستاذ عمر… بس أنا شايفاه محتار… على طول بيغيرلي الدوا، ومفيش دوا أبدا نفع معايا.

عمر: هل إتكلمتي عن شكك معاه؟

الضيفة: لأ أبدا يا أستاذ عمر… ممكن للموضوع إنه يتنشر، ويطلع في الآخر مجرد إلتهاب معدة فعلاً… الحاجة الغريبة اللي اخدت بالي منها إن كل ما أدهم يسافر في نهاية الأسبوع برجع كويسة من جديد …حتى فريدة اخدت بالها… هي قريبة جوزي يا أستاذ عمر… كمان الإزازة السايلة من مبيد الأعشاب الضارة… الجنايني بيقول ما استخدمهاش، ورغم كده نصها فاضي.

حرك عمر راسه بهدوء كإنه بيشجعها إنها تكمل، وقال: خلينا نتكلم دلوقتي بشكل عملي يا مدام… لو سمحت إنتي ساكنة فين إنتي، وجوزك؟ 

الضيفة: في منطقة أبيس، وهي بلد صغيرة قريبة من محافظة الإسكندرية.

عمر: هل عايشين هناك من زمان؟

الضيفة: من 14 سنة تقريباً.

عمر: إنتي، وجوزك بس اللي في البيت؟ هل في أطفال؟

الضيفة: لأ.

عمر: بس فيه البنت فريدة اللي قلتي عليها؟

الضيفة: أيوه فريدة تبقى بنت أخت أدهم جوزي… وهي عايشة معانا من تمن سنين فاتت… لحد من أسبوع فات.

عمر: اه… وإيه اللي حصل من أسبوع فات؟

الضيفة: مكانتش الأمور ماشية كويس من فترة، ومش عارفة إيه اللي حصل لفريدة بقت سيئة، وأسلوبها وحش، ومزاجها متقلب، وفي يوم غضبت جداً، وخرجت من البيت، وأجرت شقة لوحدها، وما شفتهاش من ساعتها… أظن إن الأفضل إني أسيبها لغاية ما تعقل… هو ده اللي قالهولي أستاذ ربيع.

عمر: ومين أستاذ ربيع؟

الضيفة بإحراج: اه… ده مجرد صديق شاب لطيف، وكويس.

عمر: هل في حاجة ما بينه، وما بين قريبة جوزك؟

الضيفة بتأكيد شديد: لأ مفيش حاجة أبدا.

غير عمر الكلام، وقال: إنتي، وجوزك عايشين(على ما أعتقد) في ظروف مستريحة مادياً؟

الضيفة: أيوه إحنا حالتنا المادية كويسة جداً.

عمر: والفلوس دي هل هي فلوسك، ولا فلوس جوزك؟

الضيفة: الفلوس كلها لأدهم أنا ما معيش فلوس خاصة بيا.

عمر: إسمحيلي حضرتك لازم نكون عمليين… لازم يكون في دافع… جوزك مش هيسممك علشان بس بيقضي وقته… هل إنتي شايفة إن في سبب يخليه يبعدك عن طريقه؟

إنفجرت الضيفة بغضب، وقالت: بسبب البنت السيئة اللي شغالة عنده… أنا جوزي دكتور أسنان يا أستاذ عمر، وزي ما هو ما بيقول لازم تكون السكرتيرة عنده شكلها كويس، ولبسها كويس عشان تضبطله المواعيد، وتحجز الكشوفات، وأنا سمعت إن في علاقة لطيفة ما بينهم… بس هو بيحلفلي إن الأمور عادية.

عمر: مين اللي إشترى إزازة المبيد للأعشاب الضارة؟

الضيفة: جوزي إشتراها من سنة تقريباً.

عمر: وقريبة جوزك هل عندها فلوس خاصة بيها؟

الضيفة: بيجيلها تقريباً 50 جنية في السنة، وهتكون حاجة كويسة ليها إنها ترجع، وتضبط بيت خالها لو سبتة أنا.

عمر: هل فكرتي تسيبي البيت؟

الضيفة: لأ أنا مش ناوية إني أسيبه يمشي هو الأمور بطريقته، ولمصلحته… الستات ما بقتش جواري تدوسها الرجالة بالجزم زي قبل كده يا أستاذ عمر.

عمر: أنا بهنيكي على شجاعتك يا مدام… لازم دلوقتي نركز علي خطوتنا الجاية… إنتي هترجعي النهاردة لقرية أبيس؟

الضيفة: أيوه أنا جيت في رحلة قصيرة رايح جاي… القطر إتحرك النهاردة الساعة 6:00، وهيرجع الساعة 5:00 بعد العصر.

عمر: تمام… أنا مفيش حاجة مهمة تحت إيدي دلوقتي، وأقدر إني أخصص وقتي للقضية بتاعتك… هكون موجود بكره في أبيس… هل تقدري تقولي إن دكتور أحمد قريبك من بعيد… إبن عم أبويك مثلاً؟ وأنا صديق ليه…

في الوقت ده ما تاكليش أي حاجة إلا اللي بتحضريه بنفسك بس، أو إتحضر تحت عينك…. هل في هناك خدامة تقدري تثقي فيها؟

الضيفة: أيوه في بنت كويسة جداً أنا بثق فيها إسمها ياسمين.

عمر: تمام نتقابل بكرة إن شاء الله… أتمنى إنك تكوني شجاعة، وواثقة من نفسك.

مشيت مدام غدير، ورجع عمر للكرسي بتاعه، وغرق في تفكيره… لحظات، ورجع عمر كلمني، وقال: إيه رأيك في القضية دي يا أحمد؟

قلت: أظن إن في حاجة وحشة بتحصل.

عمر: أيوه لو كانت اللي بتشك فيه الست صح… بس هل هو صح فعلاً؟ يا ويل كل راجل يشتري إزازة مبيد الأيام دي… أما لو كانت الزوجة عندها فعلاً إلتهاب حاد في المعدة، وعندها هواجس فالفاس هتقع في الراس.

سألت: هل بتظن إن ده كل حاجة في القضية؟

عمر: مش عارف يا أحمد… بس القضية مثيرة، وغريبة… هي أكيد ما فيهاش تفاصيل كويسة… لو كنت فاهم اللي أنا أقصده… عندنا هنا نظرية الهواجس بس على حسب ما أعتقد مدام غدير مش من النوع ده… قولي يا أحمد إيه هي المشاعر اللي في قلب مدام غدير لجوزها؟

قلت: حب مع خوف.

عمر: وبرغم من كده الست تتهم أي حد في الدنيا إلا جوزها فهي دايماً معاه على الكويس، والوحش.

قلت: الست التانية هي اللي معقدة الأمور.

عمر: أيوه ممكن الحب ينقلب لكره بسبب الغيرة… بس الكره يخليها تروح للشرطة مش تيجيلي أنا… لو بتكرهه كانت هتفضحه…. لأ لأ خلينا نفكر شوية… هي ليه جاتلي؟ عشان تثبت إن شكها غلط، ولا عشان تثبت إنه صح؟ اه عندنا هنا حاجة لسه مش مفهومة فيه حلقة ضايعة…

هل كانت مدام غدير ممثلة كويسة؟ لأ كانت صادقة، وعلى طبيعتها… أقدر إني أقسم إنها كانت صادقة… وعشان كده القضية كانت مهمة بالنسبالي… أرجوك يا أحمد بص علي مواعيد القطر.

كان أفضل قطر الساعة 1:50، وبيوصل لقرية أبيس الساعة 7:00… كانت الرحلة كويسة، وأول ما وصل القطر للمحطة الصغيرة اخدنا الشنط بتاعتنا لفندق صغير هناك، وأكلنا أكل خفيف، وبعد كده إتحركت أنا، وعمر علشان نروح لبيت قريبتي المزيفة (زي ما قال عليها عمر).

كان بيت مدام غدير بعيد عن الشارع الرئيسي، وقدامه جنينة قديمة، ومع الهوا الجميل شميت ريحة الزهور… كان مستحيل إني أصدق إن في المكان الجميل ده فيه عنف.

خبط عمر على الباب، ورن الجرس بعد شوية فتحت الباب خدامة شكل هدومها مش مضبوط… شعرها منكوش… عينيها حمرا… وكان جسمها بيتنفض.

قال عمر: لو سمحت ممكن نقابل مدام غدير…. هل نقدر إننا ندخل؟

قالت الخدامة بإنفعال: إنتوا ما سمعتوش عن اللي حصل؟… المدام إنتهت حياتها… إنتهت حياتها من نص ساعة تقريباً.

عمر بذهول: ماتت إزاي؟!

الخدامة: قليل أوي اللي هيقدر يقولكم.

إلتفتت الخدامة يمين، وشمال، وقالت: لو مكانش الواجب إن لازم حد يقعد في البيت مع المدام فكنت جمعت حاجتي، ومشيت النهاردة… بس أنا مش هسيبها ميتة من غير ما حد يحرسها.

أنا مقدرش أقول حاجة، ومش هقول حاجة… بس الناس كلها تعرف… كل الناس في البلد تعرف… لو ما كتبش أستاذ ربيع للشرطة فشخص تاني هيكتب… الدكتور يقول اللي هو عايزه… أنا شفت البيه بعيني بينزل إزازة المبيد من الرف النهاردة بالليل… أنا شفته إتخض لما شافني براقبه… كان طبق الشوربة بتاع المدام موجود على الترابيزة جاهز هناك…. أنا مش هحط لقمة واحدة في بقي، وأنا في البيت ده… حتى لو كنت هموت.

عمر: بيعيش فين الدكتور الخاص بالمدام؟

الخدامة: دكتور آدم بيعيش هناك عند شارع أحمد زكي… البيت التاني عند الزاوية.

لف عمر، ومشي بعيد… كان وشه باهت قلت بصوت واطي، وأنا ماشي وراه: بالنسبة لبنت مش عايزة تقول أي حاجة… فهي قالت حاجات كتير جداً.

ضرب عمر إيده بإنفعال في بعض، وقال: غبي… غبي.. أنا كنت غبي يا أحمد… كنت مغرور لدرجة إني ضيعت حياتها… جت، وطلبت مني المساعدة… مكنتش متخيل إن حاجة هتحصلها بالسرعة دي… ربنا يسامحني… مكنتش مصدق إن في حاجة هتحصل…. أهو بيت الدكتور خلينا نشوف هيقولنا إيه.

كان دكتور آدم هو دكتور قرية أبيس… إستقبلنا بشكل لطيف، وأول ما قلنا سبب الزيارة إتحول وشه للون الأحمر، وقال: كلام سخيف… كل كلمة فيه مش صح… أنا كنت الدكتور اللي بشرف على حالتها… الموضوع كله كان إلتهاب في المعدة… مجرد إلتهاب… القرية هنا بتحب الشائعات… بتتجمع الستات العجوزة، ويخترعوا كلام… يشوفوا إزازة مبيد على الرف على طول يتخيلوا بسرعة قصة تسمم… أنا عارف أدهم عمره ما يسمم حد… ليه يسمم مراته؟ قولي إنت ليه يسممها؟

قال عمر: يمكن في حاجة إنت ما تعرفهاش يا دكتور.

حكي عمر بشكل مختصر عن زيارة مدام غدير لينا إمبارح الصبح، وكان الدكتور مندهش جداً لدرجة إن عينه كانت هتخرج من مكانها… قال بإنفعال: يا الله… الست إتجننت… ليه متكلمتش معايا؟… كان لازم تتكلم معايا أنا!

عمر: علشان تضحك على شكها، وخوفها؟

دكتور: لأ أبدا أنا كنت هستقبل كلامها بعقل متفتح.

 بصله عمر، وإبتسم… كان الدكتور واضح عليه القلق، والإرتباك… رغم إن غروره منعه إنه يعترف بده.

أول ما خرجنا من البيت إبتسم عمر، وقال: دكتور عنيد…هو قال إلتهاب معدة يبقى لازم يكون إلتهاب معدة… وبرغم من كده هو قلقان.

قلت: هنعمل إيه بعد كده؟

عمر: هنرجع للفندق… فيه ليلة صعبة هتعدي على البيت اللي هناك ده يا صديقي… أمر صعب جداً.

 قلت: طب وبكرة؟

عمر: مفيش فايدة… مفيش حاجة نعملها… لازم نرجع للمدينة، ونشوف التطورات اللي هتحصل.

قلت، وأنا مستغرب من كلام عمر: ولو إفترضنا إن مفيش تطورات حصلت؟

عمر: لأ… هيحصل أوعدك بده… يقدر الدكتور العجوز إنه يقول اللي هو عايزه بس مش هيقدر يوقف الكلام، والألسنة… والألسنة دي كلامها هيكون بهدف… أنا بأكدلك ده.

                                                 لتكملة القصة اضغط الزر بالاسفل



هل كان المحتوى مفيداً؟

نعم
لا
شكرا لك

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى