تحقيقات المفتش عمر قضية (أصحاب الشعر الأحمر)

زرت صديقي المفتش عمر في يوم خريفي جميل السنة اللي فاتت، ولقيته مهتم بالكلام مع شخص جسمه مليان، كبير في السن، وشه أحمر، وكان شعره لونه أحمر فاقع متوهج.
كنت هعتذر وهمشي بس لقيت عمر شدني جوه الأوضة، وقفل الباب، وقال: جيت في وقت مناسب جداً يا صديقي.
قلت: كنت خايف إنك تبقى مش فاضي.
عمر: أنا فعلاً مش فاضي جداً.
قلت: خلاص هستناك في الأوضة الثانية.
عمر: لأ لأ ما فيش داعي لده.
وكلم عمر الراجل الغريب اللي شعره أحمر متوهج وقال: أستاذ وليد، أعرفك بصديقي وشريكي ودراعي اليمين في كثير من التحقيقات الموفقة، وأعتقد إنه هيكون مفيد جداً في التحقيق بتاعك.
قام الرجل المليان من على كرسي وإنحنى ترحباً بيه، وفي عينه نظرة تردد.
عمر وهو بيرجع بضهره للكرسي وبيحط إيده مضمومة تحت دقنه، كان دايماً بيعمل الحركة ديه لما يكون بيفكر ويستنتج: أقعد يا أحمد أنا عارف إن إنت بتبقى مبسوط لما بتعرف الأشياء الغريبة والغير طبيعية، وده ظهر في تسجيلك.. أو أقصد تزيين الكثير من تحقيقاتي.
قلت: تحقيقاتك هي اللي دايماً مثيرة للإهتمام يا صديقي عمر.
عمر: أستاذ وليد جه النهاردة يزورني وحكالي على قصة من أعجب القصص اللي سمعت ليها من فترة طويلة، وأكيد إنت سمعتني يا صديقي قبل كده بقول إن أعجب الحاجات والأشياء النادرة دايماً بيكون ليه علاقة بالجرايم الكبيرة.
الأوقات ممكن نشك في وجود جريمة حصلت بالفعل، أنا حتى الآن مش قادر أخذ قرار من اللي سمعته في القضية ديه، وهل هي فيها جريمة ولا لأ، بس الأكيد إن الأحداث اللي حصلت هي من أعجب الحاجات اللي هتسمعها.
بص عمر للضيف صاحب الشعر الأحمر وقال: أرجوك يا أستاذ وليد تحكي الحكاية مرة تانية، وأنا مش بطلب منك تعيدها بس عشان صديقي دكتور أحمد ما اسمعهاش من الأول، إلا إن الطبيعة العجيبة للحكاية بتخليني متشوق أعرف أدق التفصيلات اللي ممكن أسمعها منك، فأنا في أغلب الأوقات بلاقي حلول القضايا اللي شبه قضيتك لما بسمع تنبيهات بسيطة أثناء الأحداث، ولازم أعترف إن الأحداث اللي بتحكيها متفردة.
خد الضيف نفس عميق وخرجه بهدوء، وخرج جريدة مكرمشة ومبهدلة، وفضل يدور في الإعلانات الموجودة في الجريدة، وحاولت إن أنا أبص على الجريدة اللي كان حاططها على ركبته، حاولت أقلد صديقي عمر في فهم تفاصيل ما إتقالتش، بس ما قدرتش إني أحصل على معلومات كثيرة من فحصي للضيف.
أعتقد إن هو تاجر عادي، مليان ومتعالي وروتيني، لابس بنطلون واسع من قماش صوف، وقميص أسود وجاكيت واصل لغاية الركبة، والسيداري لونه غامق نازل من جيبه سلسله نحاس، لابس قبعة متهالكة، وكان جنبه على الكرسي جاكيت لونه بني باهت، ما فيش حاجة قدرت ألاحظها تكون مميزة في الشخص ده بخلاف لون شعره الناري المتوهج، وملامح وشه المنزعجة والمتضايقة.
قدر عمر بذكائه وقوة ملاحظته إنه يفهم اللي أنا بفكر فيه، حرك راسه بإبتسامة لما شاف نظراتي وقال: أنا كمان يا صديقي ما قدرتش أستنتج أشياء كثير أكثر من إن ضيفنا أشتغل فترة في حرفة يدوية، وإنه كان في الصين، وإن الفترة الأخيرة كتب كمية كبيرة من الورق.
نط أستاذ وليد من على الكرسي وقال: يا الله، إزاي عرفت كل ده يا أستاذ عمر، إزاي عرفت إني أنا أشتغلت فترة في حرفة يدوية؟ وإن كانوا ده فعلاً صحيح، أنا بدأت تجارتي كنجار.
عمر: إيدك يا أستاذ وليد، إيدك اليمين أكبر من إيدك الشمال وده معناه إنها كانت بتشتغل أكثر فعضلاتها كبرت.
أستاذ وليد: بالنسبة لموضوع الكتابة؟
عمر: طرف كمك اليمين متهالك مسافة 5 سم من المعصم، والإيد الشمال من عند الكوع فيها القماشه ناعمة من المكان اللي إنت بتسند عليه على المكتب.
أستاذ وليد: وبالنسبه لموضوع الصين؟
عمر: الوشم اللي على شكل سمكة عند المعصم في إيدك اليمين ما بيتعملش غير في الصين، أنا عندي معلومات عن أشكال الأوشام، لا وكمان كتبت مقال عن الموضوع ده، تلوين قشور السمك باللون الوردي شيء مميز في الصين، وكمان شفت جنية صيني مركبة في سلسلة الساعة، وكده بقى إستنتاجي أسهل.
ضحك أستاذ وليد: ما كنتش متخيل أبدا ده، في الأول كنت منبهر ومصدوم، بس دلوقتي أنا شايف إن الموضوع بسيط جداً.
عمر: أعتقد يا صديقي أحمد إن غلط كبير إني أشرح إستنتاجاتي، عدم معرفة الحاجة بتخليها بمظهر رائع ومبهر، وأعتقد إن سمعتي هتضيع لو فضلت ملتزم بالصراحة ديه، هل لقيت الإعلان يا أستاذ وليد؟
أستاذ وليد وهو حاطط صباعه على إعلان في الجرنان: لقيته، ده كان بداية كل حاجة.. أقرأها إنت يا دكتور أحمد.
خدت الجرنان وقريت: تعلن جمعية أصحاب الشعر الأحمر تحت توصية من الراحل كارم فؤاد بوجود وظيفة براتب أربع جنية دهب في الأسبوع مقابل عمل بسيط، أي شخص صاحب شعر أحمر، وعنده القدرة الجسدية والعقلية وسنه فوق 21 سنة يمكن إنه يحصل على الوظيفة، يجب التقديم للوظيفة شخصياً في شارع كذا مبنى كذا متفرع من شارع كذا في الساعة 11:00 يوم الإثنين.
قلت بندهاش: وده معناه إيه؟
ضحك عمر ضحكة عالية حتى إن عنيه دمعت، بيكون عمر في الحالة المزاجية ديه لما بتكون معنوياته مرتفعة وقال: الأمر مش طبيعي مش كده؟ دلوقتي يا أستاذ وليد سيب الخبر وأحكيلنا من الأول عنك وعن الأشخاص اللي موجودين في بيتك وأثر الإعلان ده عليك، وأرجوك يا دكتور أحمد تسجل أول حاجة معلومات عن الجرنان وتاريخ النشر.
أنا بسجل المعلومات أخذت بالي إن الإعلان ده من شهرين.
عمر: أتفضل يا أستاذ وليد كمل.
أستاذ وليد، وهو بيمسح العرق من على جبينه: الموضوع زي ما كنت ما بحكيلك يا أستاذ عمر هو إن أنا شغال سمسار رهانات وعندي مكتب صغير في ميدان كبرى قريب من المدينة.
الشغل مش كبير وكمان في السنين الأخيرة ما كانش بيكسب إلا اللي يسد إحتياجاتي، كنت زمان بوظف عدد من المساعدين إلا إن دلوقتي مش قادر إني أوظف أكثر من واحد، ولولا إن الشخص ده وافق إنه يحصل على نص أجره عشان يتعلم المهنة كان هيبقى في مشكلة في إني أدفعله أجرته.
عمر: وإيه إسم الشاب اللطيف ده؟
أستاذ وليد: باسم فتحي، وهو مش شاب صغير، في الحقيقة صعب إني أحدد سنة، وكمان هو مساعد ذكي جداً يا أستاذ عمر، وهو يقدر يحصل على وظيفة أفضل من ديه ووقتها هيكسب فلوس أكتر، بس هو موافق على الوضع اللي هو فيه.
عمر: فعلاً، واضح إن حظك كويس في وجود شخص زي ده، شخص إنه يوافق إنه يشتغل بأقل من الأجر اللي يستحقه، الموضوع ده مش منتشر في الوقت الحالي، وأعتقد إن المساعد بتاعك مثير للإهتمام زي إعلانك بالضبط.
أستاذ وليد: أيوه بس هو ليه عيوب برضو، ما شفتش حد زيه بيحب التصوير حتى إنه بيضيع وقت الشغل في التصوير وبعد كده يختفي في البدروم علشان يحمض الصور زي الأرنب في جحره، ده العيب الوحيد اللي عنده بس بشكل عام هو كويس.
عمر: أعتقد إن هو لسه بيشتغل عندك مش كده؟
أستاذ وليد: أيوه لسه شغال وكمان في بنت صغيرة عندها 14 سنة بتعمل شغل البيت من تنظيف وعمل أكل، وهما الإثنين الوحيدين اللي موجودين في بيتي، أنا شخص أرمل وما عنديش عيلة، إحنا الثلاثة بنعيش في البيت بهدوء، يقدر كل واحد مننا إنه يسد إحتياجاته ويدفع ديونه، وده حاجة كافية حتى لو ما عملناش حاجة ثانية.
كان الإعلان ده أول حاجة شقلبت حياتي، جه المساعد بتاعي لمكتبي زي النهاردة من ثمان أسابيع وفي إيده جرنان اللي فيه الإعلان وقال: ياه لو كان شعري لونه أحمر يا أستاذ وليد.
سألته: ليه؟
المساعد: في وظيفة فاضية مع جمعية أصحاب الشعر الأحمر، وده معناه فلوس كثير للي هياخد الوظيفة، وكمان عرفت إن الوظائف الفاضية أكثر من الأشخاص المؤهلين، عشان كده الأشخاص متحكمين في الفلوس ما بيبقوش عارفين يعملوا إيه فيها، ياه لو شعري يتحول للون الأحمر كان هيبقى قدامي دلوقتي وظيفة سهلة ومناسبة أشتغلها.
سألته: ليه؟ ايه الأمر في ده؟
أستاذ وليد: أنا يا أستاذ عمر شخص بيتوتي مبخرجش من البيت كثير، وغير كده الشغل بتاعي هو اللي بيجيلي مش أنا اللي بخرج ليه، ممكن يعدي عليه أسابيع من غير ما أخرج من باب البيت، عشان كده أنا ما بعرفش حاجات كثير من اللي بتحصل بره.
المساعد: إنت مسمعتش قبل كده بجمعية أصحاب الشعر الأحمر؟
أستاذ وليد: أبدا عمري ما سمعت عنهم.
المساعد: أمر غريب، ورغم كده إنت من الأشخاص المناسبة عشان تحصل على الوظائف الفاضية ديه.
أستاذ وليد: وبيدفعوا قد إيه؟
المساعد: 200 جنية في السنة، بس الشغل ما بيتعارضش مع الأعمال الثانية للأشخاص؟
تقدر تتخيل يا أستاذ عمر قد إيه الموضوع شد إنتباهي، فشغلي ما كانش ماشي بشكل كويس والكلام ده من كام سنة، وممكن يكون الفلوس اللي تيجي من الشغل ده تكون مفيدة.
قات للمساعد: قولي أكثر عن الموضوع ده.
المساعد: ماشي.
وراني الإعلان وقالي: تقدر تشوف إن جمعية أصحاب الشعر الأحمر عندهم وظائف فاضية، وهو ده العنوان اللي تقدر تقدم فيه على الوظيفة، اللي أنا أعرفه إن الجمعية ديه إبتدت على إيد مليونير.
كان الشخص ده غريب في سلوكه، وكمان كان شعره أحمر ناري، عشان كده كان لطيف مع كل أصحاب الشعر الأحمر اللي زيه، ولما مات عرفوا إنه ساب فلوس كثير وكانت وصيته إن الفلوس تستخدم لتوفير وظائف للرجال أصحاب الشعر الأحمر ويكون الأجر كبير والشغل بسيط.
قلت للمساعد بتاعي: بس ده معناه إن هيكون في أشخاص كثير أصحاب الشعر الأحمر وكمان هيقدموا على نفس الوظيفة.
المساعد: العدد مش هيكون كتير زي ما إنت متخيل، الموضوع دايماً بيقتصر على أهل المدينة، وكمان أنا سمعت إن أولوية التقديم بيكون لأصحاب الشعر الأحمر المتوهج الناري، أعتقد يا أستاذ وليد إنت لو قدمت في الوظيفة هيقبلوك بسرعة.
بصراحة يا أستاذ عمر أنا شعري أحمر ناري زي ما إنت شايف، وعشان كده أعتقدت إن فرصتي هتكون كبيرة جداً، أكثر من أي شخص ثاني، وبما إن المساعد بتاعي كان عنده معلومات كثيرة عن الموضوع فظنت إنه هيكون مفيد إنه يجي معايه، قفلنا المكتب وهو كان مبسوط إن هياخذ إستراحة من الشغل، ورحنا على العنوان اللي في الإعلان.
كان في كمية ناس كتير جداً، تقريباً جه كل أصحاب ألوان الشعر بدرجات الأحمر المختلفة وإتملى الشارع حتى إن حركة المرور اتأثرت، ما كنتش متخيل إن في كمية الأشخاص ديه كلها من أصحاب الشعر الأحمر في البلد.
أكيد كلهم اتجمعوا بسبب الإعلان اللي في الجرنان، كان الأشخاص اللي موجودين ألوان شعرهم بيتدرج من اللون الأصفر الفاتح للون الليموني والبرتقالي والأحمر والبني المخلوط بالأحمر والبني الفاتح، بس زي ما قال المساعد بتاعي ما كانش فيه أشخاص كثير أصحاب الشعر الأحمر الناري المشتعل شبهي.
لما شفت كمية الأشخاص ديه كلها كان عندي حالة من اليأس واستسلمت، إلا إن المساعد بتاعي ما وافقش إنه يستسلم، وماسك إيدي وعدى من كمية الأشخاص الكتيرة ديه، أنا لغاية دلوقتي مش عارف هو عدى بينا إزاي من كمية الناس ديه.
وصلنا لغاية المبنى وقربنا من السلم اللي هيودينا على المكتب، وكان في طابورين من الناس طابور طالع يقدم في المكتب مليان بالأمل وطابور نازل من المكتب على وشه كأبه ويأس، بدأنا نتقدم في طابور الصعود لغاية ما لقينا نفسنا جوه المكتب.
سكت أستاذ وليد للحظات كإنه بيفتكر، أستغل عمر اللحظات ديه وقال: الموضوع مثير ومسلي أرجوك كمل قصتك العجيبة.
كمل أستاذ وليد: ما كانش في المكتب حاجة غير كرسيين ومكتب من الخشب صغير كان قاعد وراه المكتب شخص جسمه صغير وليه شعر أحمر ناري أكثر من شعري، وكان الراجل ده بيقول كلمات قليلة لكل شخص متقدم، وكان دايماً بيلاقي عيوب تثبت إنه غير مناسب للوظيفة،
أعتقدت للحظة إن الوصول للوظيفة الفاضية ديه مش أمر بسيط ولا سهل، على العموم لما جه دورنا فوجئت إن الشخص المسؤول ده عاملنا بطريقة كويسة جداً أحسن من كل الأشخاص التانيين اللي إتقدموا للوظيفة، قفل الباب عشان يكلمنا على إنفراد.
المساعد: ده أستاذ وليد، وهو بيتمنى إنه يحصل على الوظيفة الفاضية الخاصة بجماعتكم جمعية أصحاب الشعر الأحمر
الشخص المسؤول: أعتقد إنه متوفر فيه كل المواصفات المطلوبة، وهو شخص مناسب جداً، أظن إن بقالي فترة طويلة جداً ما شفتش حد بكمية الصفاء اللي عندك يا أستاذ وليد.
رجع الشخص المسؤول بضهره للكرسي وفضل يبصلي ويتفحصني حتى إني بدأت أشعر بالإحمرار والخجل، وفجأة أتحرك لقدام وماسك إيدي وسلم عليه بحرارة وباركلي على نجاحي وحصولي على الوظيفة.
الشخص المسؤول: أعتقد إني هكون شخص ظالم لو ما قابلتكش في الوظيفة، ومتأسف لو هعمل الإجراء الإحتياطي ده عشان أتأكد من صحة مواصفاتك.
قالي الكلام ده وهو بيمسك شعري وبيشده بإيديه الإثنين حتى إني صرخت من الألم وبعد كده قال: متأسف جداً، وأسف كمان على الدموع اللي في عينك.
أكيد إنت متخيل كمية الخداع اللي تعرضنا ليها، أشخاص كتير اتقدمتلنا بشعر مزيف، وناس تانية صبغت شعرها، أنا ممكن أحكيلك على حكايات هتحس بالكرة والسخط من الأشخاص ديه.
وقف الشخص المسؤول عند الشباك وقال بصوت عالي: خلاص تم تعيين الشخص المناسب في الوظيفة الفاضية.
سمعنا أصوات تذمر وإحباط جايه من تحت، وبدأت الناس تتحرك في كل إتجاه، والمكان اللي كان مليان بمجموعة كبيرة جداً من الأشخاص أصحاب الشعر الأحمر فجأة ما بقاش في أي حد موجود صاحب شعر أحمر غيري أنا والشخص المسؤول.
إبتسم المساعد بتاعي وقرب مني وقال: مش قولتلك إن فرصتك كبيرة في الحصول علي الوظيفة.
ألتفت للمساعد بتاعي وقلتله: متشكر ليك الفضل يرجع ليك.
بعد ما الشخص المسؤول قال إعلانه عند الشباك إلتفت لينا وقال.
الشخص المسؤول: أنا إسمي وحيد رامي، وأنا نفسي واحد من المستفيدين بالوصية اللي قدمها المؤسس الفاضل لجمعية أصحاب الشعر الأحمر، هل إنت متجوز يا أستاذ وليد؟ هل عندك عيلة؟
حركت راسي بمعنى لأ، إتبدلت ملامح أستاذ وحيد رامي.
أستاذ وحيد رامي: يا الله، موضوع خطير، أنا متأسف، المنحة ديه معمولة عشان زيادة أعداد أصحاب الشعر الأحمر، شيء مؤسف جداً إنك تكون عازب.
إتغيرت ملامحي لليأس لما سمعت الكلام ده يا أستاذ عمر، وظنيت للحظة إني شخص غير مناسب للوظيفة، بس بعد لحظات كإنه فكر في الموضوع قال.
أستاذ وحيد: أعتقد أن كل حاجة هتبقى كويسة، لو كان الموضوع ليه علاقة بشخص تاني كنت هرفض، بس لازم يبقى في بعض التجاوزات عشان شخص عنده شعر زيك يا أستاذ وليد، إمتي تقدر تبتدي مهام الوظيفة الجديدة؟
قلت: الأمر فيه شيء من الصعوبة على أساس أن أنا عندي شغل تاني بالفعل.
المساعد: ما تشغلش بالك يا أستاذ وليد، أنا أقدر أهتم بالأمور عشان خاطرك.
سألت: وإيه عدد ساعات الشغل؟
أستاذ وحيد رامي: كل يوم من الساعة 10:00 للساعة 2:00 بعد الظهر.
زي ما إنت عارف يا أستاذ عمر، إن شغله سمسار الرهانات بتكون بليل وخاصة يوم الخميس والجمعة قبل يوم القبض، عشان كده ظنيت إن الأمر مناسب جداً إني أجمع بعض المال الصبح، وخاصة برضو إن أنا عارف إن المساعد بتاعي شخص كويس جداً ويقدر يحل أي مشكلة تحصل.
قلت: كويس جداً، وبالنسبة للمرتب؟
أستاذ وحيد رامي: 4 جنية في الأسبوع.
سألت: وإيه الشغل اللي مطلوب مني؟
أستاذ وحيد رامي: الشغل بسيط جداً وسهل جداً كل اللي مطلوب منك إنك تفضل في المكتب، أو على أبسط تقدير جوه المبنى، من الساعة 10:00 الصبح للساعة 2:00 بعد الظهر.
أما لو خرجت خلال الوقت ده فإنت هتفقد وظيفتك، ديه تعليمات محطوطة في الوصية، عشان كده لو خرجت في غير ميعاد خروجك تعتبر مخالف للشروط.
قلت: مش هفكر أبداً في الخروج وقت الشغل، الموضوع كله أربع ساعات الصبح.
أستاذ وحيد رامي: وما فيش أي أعذار ولا غيابات عن الشغل تحت أي سبب من الأسباب، لازم تفضل موجود في مكان شغلك وإلا هتخسر الوظيفة.
سألت: وإيه الشغل اللي هقوم بيه؟
أستاذ وحيد رامي: هتنقل الموسوعة البريطانية، وهتلاقي المجلد الأول في الخزنة اللي هناك ديه، وعليك إن إنت تجيب الحبر والأوراق والأقلام، وأنا هوفرلك الترابيزة والكرسي، هاه هتبدأ من بكرة؟
قلت: أكيد.
أستاذ وحيد رامي: يبقى أشوفك بكرة يا أستاذ وليد، وأرجوك أقبل تهنئتي ليك مرة تانية على إن إنت كنت صاحب الحظ في الحصول على الوظيفة.
سلم عليه أستاذ وحيد رامي وخرجت من الأوضة وروحت على البيت مع المساعد بتاعي، كنت سعيد وفرحان من حسن حظي لدرجة إني ما كنتش عارف أقول إيه ولا أعمل إيه.
طول النهار وأنا بفكر في الموضوع، وعلى بالليل كانت كل معنوياتي المرتفعة وسعادتي إنخفضت تماماً، حتى إني قلت لنفسي إن الموضوع كله هزار أو مقلب، وإن في خدعة أو إحتيال في الموضوع، رغم إني مكنتش فاهم إيه السبب من ده.
ظنيت إن الموضوع مش مقنع إن في شخص يكتب في وصيته مبلغ كبير من الفلوس عشان يشغل أشخاص شعرهم أحمر شغلانات بسيطة وبفلوس كويسة، زي الشغلانة اللي أنا هعملها إني مجرد أكتب الموسوعة البريطانية.
كنت وصلت لوقت النوم وكنت خلاص متأكد إن الموضوع مش صحيح، وحاول المساعد بتاعي إنه يخفف عني ويخرجني من الأمر اللي أنا فيه.
بس كان فيه إقتناع داخلي جوايه إن في حاجة مش صح، وفي آخر الأمر قررت إني أروح بكرة وأشوف إيه اللي هيحصل، وفعلاً إشتريت الحبر والقلم والأوراق ورحت على المكتب.
اتفاجأت إن كل حاجة مظبوطة، الترابيزة اللي محطوطة عشاني وأستاذ وحيد اللي مستنيني، وسلم عليه وإتاكد إني بدأت الشغل وإن ما فيش أي مشكلة واقفة قدامي وبعد كده مشي.
كان أستاذ وحيد بيجي من وقت للتاني عشان يتأكد إن كل حاجة ماشية كويس، وفي الساعة 2:00 بيستلم مني الشغل، وبيكون مبسوط جداً من كمية الأوراق اللي أنا قمت بكتابتها ونسخها، وبعد كده أقفل المكتب وأمشي.
فضل الأمر بالشكل ده كل يوم يا أستاذ عمر، ويوم السبت في الاسبوع اللي بعده جه أستاذ وحيد ودفع ليه الأربعة جنية ذهب على شغلي في الأسبوع اللي فات، وبرضو أستمر نفس الموضوع أسبوع ورا أسبوع.
كنت كل يوم بروح الساعة 10:00 الصبح وأمشي الساعة 2:00 بعد الظهر، ومع الوقت بدأ يقل حضور أستاذ وحيد، كان في الأول بيجي مرة الصبح وبعد كده بطل إنه يجي خالص.
بس برضو أنا ما أخلفتش وعدي وخرجت من المكتب في مواعيد الشغل خوفاً من إن أستاذ وحيد يجي ويلاقيني مش موجود فأخسر الوظيفة.
عدى ثمن أسابيع بالشكل ده، دفعت فلوس كثير في الورق والحبر وكتبت كمية كبيرة جداً منها، وبعد كده كل حاجة خلصت.
عمر: خلصت؟!
أستاذ وليد: أيوه يا أستاذ عمر النهاردة الصبح رحت لشغلي الساعة 10:00 زي كل يوم، بس لقيت الباب مقفول ومكتوب علي حتة ورقة متعلقة بمسمار على باب المكتب، أتفضل تقدر تقرأها بنفسك.
خرج أستاذ وليد ورقة من الورق الناشف الأبيض، وكان مكتوب عليها تم تفكيك جمعية أصحاب الشعر الأحمر يوم 9 أكتوبر سنة 1890.
بصيت أنا وعمر على الإعلان، وكان أستاذ وليد حزين، بس مقدرتش أنا وصديقي عمر إن إحنا نمسك نفسنا من الضحك.
غضب ضفنا جداً ووشه أحمر زي شعره المتوهج بالضبط وقال: ما اعتقدش إن في حاجة تستدعي الضحك، إلا لو إنتم بتضحكوا عليا فأنا أقدر أمشي وأروح مكان تاني.
عمر وهو بيحاول يسيطر على نفسه وبيرجع أستاذ وليد تاني للكرسي اللي قام منه: لأ أرجوك أقعد قضيتك غريبة بس لذيذة جداً، وأنا ما أقدرش أبداً أضيعها من إيدي تحت أي ظرف.
بس معلش ما تزعلش مننا الموضوع فيه شيء من الظرف، أرجوك قولي إيه الحاجة اللي إنت عملتها بعد ما لقيت الإعلان ده على باب المكتب؟
أستاذ وليد: وقتها كنت مصدوم ومذهول جداً ومش عارف أعمل إيه، رحت على المكاتب الثانية اللي في نفس المبنى، بس ما حدش منهم كان يعرف أي حاجة.
بعد كده رحت لصاحب المبنى وهو كان محاسب وبيعيش في الدور الأول في المبني، وسألته عن جمعية أصحاب الشعر الأحمر، وقالي إنه ما سمعش عن الموضوع ده قبل كده، سألته عن أستاذ وحيد رامي، فقال إنه برضو ما سمعش الإسم ده قبل كده فقلتله الشخص اللي كان مأجر مكتب أربعة في الدور الأول.
صاحب المبنى: الشخص اللي شعره أحمر؟
حركت راسي بمعنى أيوه.
صاحب المبنى: ده إسمه مجدي عزت، وهو شغال محامي، وكان مأجر مني الاوضة ديه كفترة مؤقتة لغاية ما ينقل على مكتبه الجديد وهو مشي إمبارح.
سألته: طب أقدر ألاقيه فين؟
صاحب المبنى: هو كان قالي إن مكتبه الجديد هيكون في 17 شارع كذا قريب من كذا.
خرجت يا أستاذ عمر ورحت على العنوان اللي صاحب المبنى أداه ليه وفوجئت إن هو مصنع هدوم وإن ما حدش هناك أبدا يعرف أي حاجة عن أستاذ وحيد رامي ولا أستاذ مجدي عزت.
عمر: وإيه اللي عملته بعد كده؟
أستاذ وليد: رجعت لبيتي وحكيت للمساعد بتاعي اللي حصل، بس هو ما قدرش إنه يساعدني وقالي إني أصبر يمكن يجيلي أي معلومات أو أخبار عن طريق الرسائل بالبريد.
بس أنا ما كنتش مكتفي بالأمر ده، أنا مش حابب إني أخسر الوظيفة ديه من غير ما أقاوم وأحاول، وعشان كده جيت لحضرتك على طول يا أستاذ عمر أنا عارف إن إنت بتدي النصيحة للأشخاص اللي زيي.
عمر: اللي عملته كان صح ياأستاذ وليد، موضوعك غريب جداً ومثير للإهتمام، عشان كده أنا هبقى مبسوط إني أحقق فيه، وزي ما قلتلك في بداية الأمر ممكن يكون الموضوع في أمر خطير.
أستاذ وليد: الموضوع خطير فعلاً الأسبوع ده أنا ضاع مني أربع جنية دهب كنت هقبضهم يوم السبت.
عمر: أما بالنسبة ليك إنت يا أستاذ وليد ما أعتقدتش إنك تقدر تقدم أي شكوى ضد المجموعة ديه، بل على العكس إنت جمعت حوالي 30 جنية، ده غير كمية المعلومات اللي اكتسبتها من الموضوعات اللي نقلتها، أعتقد إنك ما خسرتش حاجة.
أستاذ وليد: أيوه يا أستاذ عمر بس أنا عايز أعرف حاجات أكثر عن المجموعة ديه ومين هما الأشخاص اللي وراها، وإيه اللي كانوا عايزين يعملوه ورا الهزار ده، ده لو كان اللي عملوه هزار، ما أعتقدتش إن يكون فيه هزار يخليهم يخسروا 32 جنية.
لتكملة القصة اضغط الزر بالاسفل






