قصص إثارة وغموض

تحقيقات المفتش عمر قضية (الإختفاء الغريب)

دايماً كان بيصر صديقي العزيز دكتور أحمد إني أجرب أكتب المغامرات، والقضايا بنفسي، ويمكن في الحقيقة أنا السبب في الموضوع لإني دايماً كنت بتكلم إن طريقة كتابته للقضايا بتكون سطحية، وإنه بيحكيها كمغامرة أكتر منها كأسلوب علمي…

كمان كان بيسعى دايماً إنه يرضي القراء بدل من إنه يذكر الحقايق، والقواعد الإستنتاجية، والملاحظات… وكان رد صديقي العزيز أحمد هو: جرب بنفسك يا عمر.

بمجرد ما مسكت القلم إكتشفت إن لازم، وضروري إن يكون أسلوب قصتي مثيرة لإهتمام القراء، وأعتقد إن المغامرة دي هتحقق الهدف… فالقضية دي من أغرب الأحداث اللي ممكن تضمها مجموعة القضايا بتاعتي… كمان أحمد مكتبهاش في مجموعته.

هستغل الفرصة، وهتكلم عن صديقي العزيز أحمد اللي كان مسؤول إنه يكتب سيرتي الذاتية… كنت دايماً ببقي حريص إن أحمد يكون موجود في كل تحقيقاتي… مكانش الموضوع ده ليه علاقة بعاطفة… بس كان أحمد ليه قدرات مميزة مكانش دايماً بينتبه ليها، وده لإنه كان طول الوقت منبهر بقدراتي، وإنجازاتي…

إنك تصاحب شخص يقدر إنه يتنبأ بالتصرفاتك فهو شئ خطير… أما الشخص اللي دايماً بيشوف كل حدث كإنه مفاجأة، وكمان ميقدرش يشوف المستقبل فهو صديق رائع.

لقيت في المذكرات بتاعتي إني إستقبلت رسالة من شخص طلب إنه يزورني… هو شخص محترم إسمه أستاذ ياسين صابر محمد… كان الكلام ده في شهر يناير سنة 1903… في الوقت ده أحمد بيجهز نفسه علشان جوازه… ما افتكرش أبدا إنه كان أناني معايا إلا في الموقف ده…. وده لإنه سابني لوحدي.

من عادتي إني دايماً أقعد وضهري للشباك، وأخلي ضيوفي يقعدوا في الكرسي اللي قدامي علشان ضوء الشباك يظهر كل ملامحهم، وتصرفاتهم…

كان واضح على أستاذ ياسين إنه قلقان، ومكانش عارف يبدأ كلامه… ما بدأتش أنا الكلام، وسبته ساكت عشان اخد وقتي إني ألاحظ سلوكه، وتصرفاته.

دايماً بيحكلكم أحمد قد إيه ببقى مبسوط لما بتظهر ملامح الدهشة على ضيوفي لما أذكر إستنتاجاتي، وملاحظاتي… عشان كده بدأت الكلام، وقلت: أعتقد يا أستاذ إنك كنت في جنوب السودان.

الضيف بإندهاش: أيوه يا أستاذ.

قلت: وأظن كمان إنك كنت في الجيش في الفرقة الخاصة.

الضيف: بالظبط إنت عبقري يا أستاذ عمر.

قلت بإبتسامة: لما يكون قدامي شاب كله طاقة، وحيوية، ولون بشرته أسمر مستحيل إن شمس القاهرة تخليك باللون ده… كمان المنديل بتاعك اللي حطه في كمك مش في جيبك، وشكل دقنك، وتسريحة شعرك… كمان طريقة مشيتك كل ده فاهمني إنك كنت جندي في الفرقة الخاصة.

الضيف: إنت شايف كل حاجة.

قلت: أنا مش شايف كل حاجة أنا بشوف نفس اللي إنت بتشوفه بس أنا دربت نفسي إني ألاحظ ، وأستنتج كل حاجة بتشوفها عيني… بس إنت أكيد ما جيتش كل المسافة دي علشان نتكلم عن أسلوبي في الملاحظة، والإستنتاج… إيه اللي حصل في مدينة ت أ ب.

الضيف بإندهاش: أستاذ عمر مستحيل؟!

قلت: أستاذي الفاضل الموضوع مش صعب الرسالة اللي إنت بعتهالي كانت مكتوبة بالعنوان ده، وبما إنك طلبت إنك تيجي، وتزورني بسرعة فمش صعب إني أستنتج إن حصل حاجة مفاجأة، ومهمة.

الضيف: فعلاً أنا كتبت الرسالة العصر، وحصلت حاجات كتير من وقتها… لو كان العقيد مسعود ما طردنيش….

قلت: طردك؟!

الضيف: هو ده اللي حصل… هو شخص قاسي… كان زمان أشد المسؤولين في الجيش… كمان كان لسانه سيء… عمري ما كنت هتحمل العقيد مسعود لولا حبي لمالك.

“ولعت البايب بتاعي، ورجعت ضهري على الكرسي، وقلت: ممكن توضح أكتر اللي إنت تقصده”.

إبتسم الضيف إبتسامة عريضة، وقال: كنت أعتقد إنك تعرف كل حاجة من غير ما حد يبلغك… بس أنا هحكيلك التفاصيل، وأتمنى إنك تقدر تفسرهالي… أنا قضيت ليلة إمبارح كلها بفكر في اللي حصل، وكل ما فكرت أكتر كل ما كان الموضوع صعب.

أنا دخلت الجيش سنة 1901… في الوقت ده دخل مالك مسعود لنفس الفرقة بتاعتي… كان مالك هو الإبن الوحيد للعقيد مسعود…. العقيد مسعود معروف في الفرقة كلها بشجاعته، وقد إيه هو شخص صارم… وعشان كده مكنش غريب إن مالك يكون عنده نفس الروح القتالية… هو إتطوع في الجيش…

كان مالك أكتر شخص طيب في الفرقة كلها بقينا أصحاب كان أقرب صديق ليا في الجيش… إنك تلاقي صديق مخلص هو أمر مش سهل أبدا… قضينا سنة في الجيش عشنا فيها الحلو، والمر… وبعد كده سافرت أنا، ومالك في مأمورية جنوب السودان… 

بعد كده إتصاب مالك، وإتنقل للمستشفى، وسافر بعدها، ومن الوقت ده أنا معرفش عنه أي حاجة… ما بعتليش أي رسالة، ولا كتبلي أي كلمة يا أستاذ عمر… طول ست شهور، وأكتر هو كان أقرب صديق ليا.

بعد ما خلصنا المأمورية، وكل واحد رجع لبيته بعت لأبوه عشان أعرف مكانه بس هو ما ردش عليا… إستنيت أيام إنه يبعتلى بس هو ما بعتش حاجة.

بعد فترة بعتله تاني بس المرة دي رد عليا، وكانت رسالته قصيرة، وأسلوبها وحش… كانت الرسالة بتقول إن مالك سافر في رحلة حوالين العالم، ومش هيرجع قبل سنة….وده كل اللي حصل.

مكنتش مقتنع يا أستاذ عمر كنت حاسس إن الموضوع غريب… كنت متأكد إن في حاجة حصلتله… مالك شخص لطيف، ووفي مستحيل إنه يسيبني بالطريقة دي، مكانتش دي شخصيته أبدا….

عرفت بعد كده إن مالك كان هيجيله مبلغ كبير من الفلوس، وإن أبوه مكنش بيعامله دايماً كويس… كان العقيد مسعود العجوز بيعمله بطريقة صعبة، وكانت شخصية مالك من النوع الثوري اللي ما تسكتش، ولا تستسلم… عشان كده أنا ما اقتنعتش بالرد، وأصريت إني أعرف السبب الحقيقي ورا إختفاء صديقي…

بس للأسف بسبب غيابي لمدة سنتين كنت محتاج إني أرتب ظروفي الأول، ومقدرتش إني أرجع لقضية صديقي إلا الأسبوع ده… بس بما إني رجعت فأنا ناوي إني أتفرغ ليها بالكامل، ومش هنشغل عنها أبدا.

“لاحظت إن أستاذ ياسين شخص لطيف، وصديق ووفي… كانت عينيه متأثرة، وبقه بيترعش وهو بيحكيلي”.

سألته: تمام، وإيه اللي عملته بعد كده؟

أستاذ مالك: كانت أول حاجة أعملها إني أروح بيته عشان اشوف الوضع بنفسي… هو في منطقة بعيدة، وعشان كده كتبت رسالة لأم صديقي، وده لإني كنت زهقت خلاص من أسلوب أبوه الصعب.

 قلتلها بشكل مباشر إن مالك كان صديقي المقرب، وإننا عندنا تفاصيل، وذكريات كتير أقدر أحكيهالها، وإني هكون قريب من مكان بيتها، وسألتها هل في إعتراض على ده؟

كان ردها على الرسالة لطيف جداً، وكمان طلبت مني إني أزورها في البيت، وده اللي خلاني رحت هناك يوم الإتنين.

شئ صعب الوصول للمنطقة بتاعتهم فهي بعيدة جداً عن أي مكان سكني بحوالي خمس أميال… لما نزلت في محطة القطر مكنش فيه عربيات، وعشان كده إضطريت إني أمشي، وأنا شايل الشنطة بتاعتي… فضلت ماشي لغاية ما جه الليل، وكنت لسه ما وصلتش للبيت…

بعد فترة وصلت… كان البيت ضخم جداً، وشكله قديم… كان في جزء منه خشبي، وجزء منه ليه تصميمات جديدة…

أما جوه البيت فكانت الحيطان كلها متغطية بألواح خشب… كان في كتير من الصور، واللوحات المزخرفة… كان البيت شكله بيدي غموض، وكأبة.

 إستقبلني هناك رئيس الخدم، وكان شخص عجوز إسمه فريد حسيت للحظة إن رئيس الخدم أكبر من البيت نفسه… كمان شفت مراته، واللي كانت أكبر منه في السن… كانت ست عجوزة جداً.

كنت سمعت قبل كده مالك بيوصفها إن هي شخص طيب، ولطيف، وإنها أقرب حد لقلبه بعد مامته، وعشان كده لقيت نفسي قريب منها رغم شكلها الغريب… كمان حبيت مامته كانت ست لطيفة، وطيبة… جسمها صغير… مكانش في حاجة مضايقاني إلا العقيد مسعود نفسه.

حصل ما بينا خناقة بسيطة، وكنت هرجع للمحطة إلا إني شكيت إنه ممكن بيعمل كده علشان يخليني أمشي… رحت للمكتب بتاعه، وهناك شفته كان قاعد ورا مكتبه… شخص ضخم… ضهره محني… ليه فك كبير… عنده دقن منكوشة… مناخيرة عريضة شبه منقار الصقر… عينيه قاسية لونها رمادي، وحواجبه تقيلة، وكان بيبصلي بنظرات غريبة… أنا فهمت دلوقتي ليه مالك كان بيتكلم بشكل قليل جداً عن أبوه.

بدأ العقيد مسعود يتكلم معايا، وقالي: تمام يا أستاذ… أنا عايز أعرف إيه سبب زيارتك دي.

قلت: أنا قلت فعلاً الأسباب في الرسالة اللي بعتها لمراتك.

العقيد: أيوة إنت قلت إنك إتعرفت علي مالك في الجيش غير كده إحنا معندناش أي دليل إلا كلامك.

قلت: أنا معايا كل جواباته في جيبي.

العقيد: لو سمحت وريهاني.

بص العقيد مسعود على الرسالتين اللي إديتهمله، وبعدين حطهم على جنب، ولف، وقالي: تمام إيه اللي بعد كده؟

قلت: أنا كنت بحب إبنك جداً… كان صديقي المقرب وجماعتنا حاجات، وذكريات كتير… أنا مستغرب جداً إنه مكتبليش أي رسالة، وعايز أعرف إيه اللي حصله.

العقيد: أنا بعتلك قبل كده، وقلتلك إيه اللي حصله… هو سافر في رحلة حوالين العالم… بسبب حالته الصحية، والنفسية اللي إتعرضلها في الجيش، وفي السودان شفت أنا، ومامته إنه محتاج يغير جو، ويستريح… أتمنى إنك تبلغ الأمر ده لأي حد من أصدقائه بيسأل عنه.

قلت: طيب لو سمحت أنا محتاج أعرف إسم السفينة اللي سافر فيها…. كمان الوقت اللي سافر فيه، وخط سير السفينة، وأكيد أنا هقدر أوصله، وأبعت أتواصل معاه.

حسيت يا أستاذ عمر إني لما طلبت منه كده إن العقيد مسعود إرتبك، وغضب جداً… ضم حواجبه، وكان بيخبط بصوابعه على الترابيزة، وبعدين رفع عينه، وبصلي بنظرة فيها مواجهة، وتحدي.

العقيد مسعود: إلحاحك بقى مزعج جداً، وممكن يضايق ناس كتير كمان إصرارك بقى صعب جداً.

قلت: أرجوك تعذرني يا سيادة العقيد أنا فعلاً بحب إبنك جداً، وهو ده اللي دفعني لأسلوبي ده.

العقيد مسعود: واضح إن تساهلي معاك هو السبب…  لو سمحت أنا هطلب منك إنك تبطل اللي إنت بتعمله… كل عيلة ليها أسرارها الداخلية، واللي ما ينفعش أبدا إنها تظهر للأشخاص الغريبة… مهما كانت نيتهم… يمكن تكون مراتي عندها لهفة إنها تسمع التفاصيل، والذكريات اللي ما بينك، وما بين مالك، ودي حاجة ممكن تعملها… بس أنا هطلب منك إنك تنسى الماضي، والمستقبل، وتبطل أسئلتك، واللي إنت بتعمله… مش هيكون ليها أي فايدة، وهتحطنا في موقف صعب.

كنت يا أستاذ عمر وصلت لطريق مسدود مفيش قدامي غير إني اظهرله إني إستسلمت… بس أنا كنت قررت في نفسي إني لازم أعرف إيه اللي حصل لصديقي.

قضيت معاهم فترة الليل، وكانت مملة… بعد ما أكلنا العشا في أوضة قديمة ألوانها باهتة، وكئيبة… فضلت أم مالك تسألني عن إبنها، وذكرياتنا مع بعض… بس كان باين على العقيد مسعود العجوز ملامح حزن.

 إتضايقت من الموقف لدرجة إني إستاذنت، وطلعت أوضة نومي… كانت أوضة كبيرة قليلة في العفش زي الدور الأرضي… كئيبة زيها زي البيت كله… بس طبعاً بعد الفترة اللي قضيناها في السودان فأي مكان تاني هيكون مريح.

رفعت الستاير، وبصيت على الجنينة، وكانت ليلة صافية، والقمر ضوءه قوي… قعدت قريب من نار الدفاية جنب الكشاف، وحاولت إني أضيع وقتي بإني أقرأ قصة… بس رئيس الخدم العجوز خبط علشان يحط الفحم في الدفاية.

رئيس الخدم: أنا قلت أجيبلك فحم زيادة عشان الجو بارد برة، والأوضة كمان أكيد برد.

وهو خارج لف، وبصلي بنظرة فيها حزن، وقال: أنا أسف يا أستاذ مقدرتش إني أمنع نفسي إني أسمع اللي إنت قلته عن أستاذ مالك… إنت عارف إن أنا، ومراتي ربناه فأنا زي أبوه، وطبيعي إني أكون مهتم بيه… هل كان فعلاً جندي شجاع يا أستاذ؟

قلت: كان مالك أشجع جندي في الكتيبة… في مرة كنا في مواجهة مع العدو، وقدر إنه ينقذني من موت أكيد… لولاه مكانتش هبقى موجود هنا.

إبتسم رئيس الخدم، وقال: أيوة يا أستاذ هو ده أستاذ مالك دايماً كان إنسان شجاع مفيش في الجنينة شجرة إلا وطلعها… مكانش فيه أبدا حاجة بتوقفه طول عمره كان إنسان كويس.

وقفت بفزع، وقلت إنت بتقول كان…إنت بتتكلم عليه كإنه مات… إيه الأسلوب اللي بتتكلم بيه ده… إيه اللي حصل لمالك؟

مسكت رئيس الخدم من كتفه، وأنا بهزه، وبسأله.

رد رئيس الخدم بخوف: أنا مش عارف إنت تقصد إيه… إسأل العقيد مسعود عن أستاذ مالك هو عارف… أنا ما ليش دعوة.

إتحرك رئيس الخدم علشان يخرج من الأوضة بس أنا مسكت دراعه، وقلتله: أسمع إنت هتجاوبني علي سؤال واحد قبل ما تخرج من هنا حتى لو إضطريت إني أحبسك هنا طول الليل…. هل مالك مات؟

مقدرش رئيس الخدم إنه يبص في عيني… كانت شفايفه بتترعش، وكان بيتنفس بصعوبة، وقال بصوت مفزوع: يا ريته كده.

قال الكلام، وسابني في صدمتي، وشد إيده مني، وإتحرك بسرعة، وخرج من الأوضة.

أكيد إنت متخيل يا أستاذ عمر قد إيه أنا كنت مصدوم من اللي قاله العجوز رئيس الخدم… كانت بالنسبالي ما لهاش غير معنى واحد إن صديقي العزيز إتورط في حاجة سيئة مست شرف العيلة، وده اللي خلى العقيد مسعود يسفر إبنه بعيد عشان ميتكشفش… 

كان مالك طايش، وسهل إن يتأثر، وينفعل… يمكن صاحب أشخاص سيئه خلوه يمشي في طريق مش كويس…. بس حتى لو هو ده اللي حصل فأنا من واجبي إني أدور عليه، وأساعده.

 في الوقت اللي كنت غرقان فيه في تفكيري، وقلقي فوجئت إن صديقي مالك واقف قدامي.

” سكت ضيفي أستاذ ياسين، وإترعش جسمه، وكان متأثر، ومنفعل جدا… قلتله: لو سمحت كمل… قضيتك بدأت تبقى غريبة جداً…غريبة، ومثيرة”.

أستاذ ياسين: كان واقف بره الشباك يا أستاذ عمر كان حاطط وشه على الإزاز… كنت قلتلك إني بصيت على الجنينة، ولما عملت كده سبت الستاير مفتوحة… شفت ضله من فتحة الستارة… لا أنا شفت جسمه كله، وده لإن الشباك واصل للأرض… كان وشه باهت زي الأموات… عمري ما شفت شخص وشه باهت بالشكل ده…  حسيت إنه شبح… بص في عيني، وأول ما لقاني ببصله رجع بسرعة لورا، وإختفي في الضلمة.

لاحظت حاجة غريبة يا أستاذ عمر… شفت في وسط العتمة شيء غريب مش بس وش مالك المفزوع لأ كمان حسيت من ملامحه إن في حاجة مخبيها، وإنه عنده إحساس بالذنب… مكانش هو ده صديقي الشجاع اللي عرفته… حسيت بخوف شديد جوايا.

الفترة اللي قضيتها كجندي علمتني إني أكون متماسك، وإني أقدر أتصرف بسرعة… بمجرد ما إختفى مالك جريت على الشباك، وفتحته، ونطيت للجنينة بسرعة، وجريت في المكان اللي ظنيت إنه مشي فيه.

مشيت في طريق طويل في الجنينة… كان الضوء بسيط… إتهيألي إني شفت حاجة قدامي بتتحرك… جريت، وناديت على مالك بس من غير فايدة… لما وصلت لنهاية الطريق لقيت قدامي كذا طريق مختلف في إتجاهات مختلفة كل واحد بيودي لمبنى خارجي.

 كنت محتار ومش عارف أعمل إيه… في اللحظة دي سمعت صوت باب بيتقفل… كان الصوت مش جاي من البيت اللي ورايا الصوت كان جاي من قدامي من مكان في الضلمة… كان ده كفاية يا أستاذ عمر عشان أتأكد  إن اللي شفته مش وهم… فصديقي مالك هرب مني، وقفل الباب وراه… كنت متأكد من كده.

مكانش في حاجة قدامي أعملها… رجعت، وقضيت الليلة، وأنا عمال أفكر، وأرتب الأحداث.

تاني يوم الصبح لما قابلت العقيد مسعود لقيته مش غضبان كعادته… ولما إتكلمت مع مراته قالتلي إن في أماكن جميلة أقدر أزورها قريبة… لقيت إن الموضوع ده ممكن يكون سبب كويس يخليني أقدر أقعد يوم كمان… وافق العقيد مسعود على طلبي، وده إداني فرصة إني أقدر أبحث عن اللي حصل إمبارح… كنت متأكد وقتها إن مالك مستخبي في مكان قريب من البيت… بس فين، وليه مستخبي؟ ده اللي مكنتش لسه قادر إني أعرفه.

كان البيت كبير وليه مباني خارجية كتير لدرجة إن ممكن كتيبة من الجيش تستخبى فيه من غير ما حد يعرف… في سر، وأنا لازم أكتشفه.

كنت متاكد إن الصوت مش جاي من جوه البيت، وعشان كده كان لازم أبحث في الجنينة… مكانش في صعوبة في عملية التفتيش، وده لإن العقيد مسعود العجوز، ومراته مشغولين بأحوالهم الخاصة، وسابوني لوحدي.

كان في كذا مبنى صغير في الجنينة بس في نهاية الطريق كان في مبنى منفصل لوحده كبير شوية… ممكن يكون مكان بيعيش فيه الجنايني، أو الحارس… وممكن يكون هو ده المكان اللي جه منه الصوت إمبارح.

قربت من البيت، وبدأت أتمشى بلا مبالاة، وفوجئت إن في شخص جسمه صغير… عنده دقن، ولابس جاكيت أسود، وطاقية بيخرج من البيت، وإستغربت لما لقيته بيقفل الباب بالمفتاح، وبيحطه في جيبه.

بصلي الشخص بتعجب، وقالي: إنت جاي زيارة لحد هنا في المكان؟

 قلت:أيوه أنا جاي أزور أم مالك صديقي.

بصيت للراجل الغريب بخبث، وقلت: للأسف إنه مسافر، ومش موجود كان هيبقى مبسوط أوي لو شافني.

بصلي الشخص الغريب، وحسيت إن عنده إحساس بالذنب، وهو بيقول: بالضبط… بس إنت أكيد هتيجي تاني في وقت يكون مناسب أكتر.

سابني الراجل الغريب، ومشي بس لاحظت إنه كان واقف من بعيد ورا الشجر بيراقبني.

بصيت كويس في البيت الصغير، وأنا بعدي من جنبه… كانت الشبابيك متغطية بستاير تقيلة… كان باين إن البيت فاضي… فكرت إن ممكن أكون غلطان لو بينت للشخص ده إهتمامي بالبيت أنا ما نسيتش إنه بيراقبني… عشان كده رجعت تاني في طريقي.

إستنيت بالليل عشان أكمل البحث، والتفتيش، وأول ما جه الليل، وكل حاجة هديت طلعت من الشباك بتاع أوضتي، وإتحركت ناحية البيت الصغير.

كنت قلتلك يا أستاذ عمر إن البيت متغطى بستاير تقيلة بس في الوقت ده اخدت بالي إن شباك من الشبابيك الخشب كان مفتوح جزء منه، ولاحظت منه ضوء… كنت محظوظ إن ستاير الشباك ده مكانتش مقفولة كويس…

 قربت من الشباك، وبصيت من الفتحة جوه الأوضة… كان في كشاف، والنور قوي، وكانت نار الدفاية مولعة… لقيت قدامي الشخص اللي جسمه صغير اللي قابلته الصبح، كان قاعد بيدخن، وبيقرأ في جرنان.

سألت ضيفي بإنفعال: أي جرنان؟

لاحظت إن الضيف كان متضايق من سؤالي، وقال: هي هتفرق؟

قلت: ده موضوع ضروري جداً.

أستاذ ياسين: في الحقيقة ما خدتش بالي.

سألته: أرجوك إفتكر هل كانت صفحات الجرنان عريضة، ولا صغيرة زي المجلات الأسبوعية؟

أستاذ ياسين: أعتقد إنها مكانتش كبيرة… ممكن تكون مجلة النهار أنا مكنتش منتبه لتفاصيل دي… كمان شفت شخص تاني مدى ضهره للشباك… أقسملك يا أستاذ عمر إنه مالك صديقي… مقدرتش إني أشوفه بس شكل كتافه معروفة ليا…

كان ساند على إيده زي شخص حزين… كنت حيران، ومش عارف أعمل إيه… في اللحظة دي لقيت حد بيخبط على كتفي، ولما لفيت لقيت العقيد مسعود واقف جنبي.

العقيد مسعود بصوت واطي: لو سمحت من هنا يا أستاذ.

إتحرك العقيد مسعود قدامي ناحية البيت، ورحت وراه… وصل لغاية أوضتي، وكان خد ورقة موجودة على البار… أول ما دخلنا الأوضة إلتفتلي، وقال: في قطر رايح للمدينة الساعة 8:30… العربية هتكون موجودة الساعة 8:00 عشان توصلك.

كان وشه غضبان جداً… كان موقفي صعب، كنت بتهته باعتذارات… كنت بحاول أفهمه قلقي على صديقي.

قالي العقيد مسعود بإنفعال: الموضوع مش محتاج كلام أكتر من كده… إنت عملت أسوء حاجة كنت ضيف، وبعدين بقيت جاسوس على بيتي، وأهلي… مفيش حاجة أقولها غير إني أتمنى إني ما اشوفكش مرة تانية.

 في اللحظة دي مقدرتش أمسك أعصابي، وإتكلمت بإنفعال يا أستاذ عمر، وقلت: أنا شفت إبنك، وأنا متأكد إنك مخبيه لسبب أنا مش عارفه… إيه السبب اللي يخليك تحبسه بالطريقة دي… أنا متاكد إنك حبسه غصب عنه… أنا بحذرك يا سيادة العقيد أنا مش هسكت لغاية ما اطمن إن صديقي كويس… في سر وأنا لازم أعرفه، وأنا مش هسمحلك إنك توقفني.

في اللحظة دي كان وش العقيد مسعود صعب جداً من كتر الغضب لدرجة إني حسيت إنه ممكن يهجم عليا… كنت قلتلك قبل كده يا أستاذ عمر إنه ضخم، وعنيف جداً… يمكن كان هيبقي في صعوبة إني أدافع عن نفسي لو هجم عليا إلا إني كنت هحاول.

بصلي العقيد مسعود بصة طويلة، وبعد كده لف، ومشي، وسابني… من ناحيتي إتحركت الساعة 8:00 في العربية اللي قالي عليها، وركبت القطر… في الوقت ده قررت إني أجيلك، وإطلب منك إنك تنصحني.

“كانت هي دي القضية اللي حكاهالي ضيفي، وزي ما هحكيلكم ظهر قدامي شوية صعوبات… مكانش قدامي طرق كتير عشان أوصل للحقيقة… الموضوع ورغم إن القصة تبان إنها بسيطة إلا إنها مليانة بالغرابة، والإثارة، وده السبب اللي خلاني أفكر إني أكتبها في مذكراتي… وبدأت أستخدم أسلوبي المعتاد في التحليل بالمنطق”.

سألت أستاذ ياسين: كام خدام في البيت؟

أستاذ ياسين: أظن إن مكانش فيه غير رئيس الخدم العجوز، ومراته، وكانت حياتهم بسيطة جداً.

سألت: هل كان في خادم في البيت الصغير؟

أستاذ ياسين: لأ معتقدش إلا لو كان الشخص صاحب الدقن خادم… بس أنا أعتقد إنه شخص مقامه أكبر من كده.

سألت: هل تفتكر إن كان فيه حد بينقل أكل للبيت الصغير ده؟

أستاذ ياسين: إنت فكرتني دلوقتي أنا شفت العجوز رئيس الخدم معاه سلة كان شايلها، ورايح ناحية البيت… بس ما فكرتش إن يكون جواها أكل.

سألت: هل في حاجة عملتها تاني بعد ما سبت البيت؟

أستاذ ياسين: أيوه إتكلمت مع مسؤول المحطة، وصاحب محل في القرية، وسألتهم عن صديقي مالك لو كانوا يعرفوا عنه حاجة بس هما قالولي إنه مسافر في رحلة بحرية.

سألت: هل إتكلمت مع حد منهم عن اللي حصل؟

أستاذ ياسين: لأ أبدا.

قلت: كويس جداً… واضح إن الموضوع هيحتاج تحقيق داخلي… أنا هرجع معاك لمدينة ت أ ب.

أستاذ ياسين: النهاردة؟

“في الوقت ده كنت ماسك مجموعة من القضايا المهمة جداً منها اللي كان جوه البلد، ومنها اللي بره البلد… مكانش ينفع إني أسيب القضايا دي من غير ما اخلصها الأول… وعشان كده مقدرتش إني أسافر مع أستاذ ياسين، وأحقق في قضيته إلا في بداية الأسبوع اللي بعد كده”.

                                            لتكملة القصة اضغط الزر بالاسفل



هل كان المحتوى مفيداً؟

نعم
لا
شكرا لك

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى