قصص إثارة وغموض

تحقيقات المفتش عمر قضية (وصية عيلة محمد عماد)

دايماً بكون مذهول من صفة غريبة في شخصية صديقي المفتش عمر… فعلى الرغم من إنه شخص منظم، ومنهجي في طريقة تفكيره، وكمان لبسه دايماً أنيق إلا إن عنده عاده سيئة جداً، وهو إنه أكتر شخص فوضوي، والصفة دي ممكن تجنن أي شريك سكن… مش معنى ده إن أنا شخص ملتزم بشكل صارم في نظامي، وسلوكي… فأنا نفسي بقيت بعد يوم الشغل الطويل بستسهل شوية.

كمان أنا عارف إن إستخدام المسدس بيكون في الساحات الواسعة بره… وعشان كده إستغربت لما قعد عمر على كرسيه اللي بدراعين في وقت كان مزاجه غريب، وبدأ يضرب النار من المسدس، ويزين الحيطة بالنسر الوطني، وإستخدم 100 طلقة.

كان بيتنا دايماً مليان بالمواد الكيميائية، وآثار المجرمين اللي دايماً بتتحط في أماكن مش مناسبة… يعني ممكن تلاقي إثباتات في طبق الزبدة.

أما أوراق صديقي المفتش عمر كانت هي مشكلتي الكبيرة فهو كان بيخاف من ضياع أي ورقة، وخاصة اللي ليها علاقة بقضايا قبل كده… وفي نفس الوقت مكانش عنده القوة، ولا الطاقة إنه ينظم الأوراق دي إلا مرة، أو مرتين في السنة.

فزي ما حكيتلكم قبل كده إن صديقي بيكون متفجر بالطاقة في الوقت اللي بيكون عنده شغل… أما بعد كده بيكون عنده كسل شديد، ويفضل قاعد في مكانه، ومعاه الكمان بتاعه، وكتبه.

فضلت الأوراق بتاعة عمر موجودة في كل ركن من أركان الأوضة، وطبعاً مكانش حد يقدر يقوم بمهمة تنظيم ورقه المهم إلا هو لإنه أدري واحد بيه.

يوم من الأيام الشتا، وإحنا قاعدين جنب نار الدفاية جه في دماغي إني أقترح عليه إن خلال الساعتين اللي جايين نحاول نوضب أوضة المعيشة…مقدرش عمر إنه يعترض لإن طلبي كان عادل جداً.

راح عمر لأوضته، وعلى وشه ملامح حزن، ورجع، وهو بيشد صندوق كبير، وحطه في نص الأوضة، وقعد على الكرسي اللي قدامه، وفتح غطا الصندوق… كان الصندوق تقريباً مليان على آخره بمجموعة من الأوراق اللي مربوطة بشرايط حمرا، ومتقسمة لمجموعات منفصلة من الورق.

بصلي عمر بخبث، وقال: في هنا قضايا كتير يا أحمد ، وأعتقد إنك لو عرفت اللي موجود في الصندوق هتطلب مني إني أخرج جزء منها بدل من إني أحط قضايا تانية فيه.

قلت: هي دي القضايا الأولى ليك؟ كنت دايماً بتمنى إني أكتب عنها في ملاحظاتي.

عمر: أيوه يا صديقي فالقضايا دي قبل ما إنت تيجي، وتكتب عن سيرتي، وطريقتي في الوصول لحل الألغاز في القضايا.

رفع عمر مجموعة من الورق بهدوء، وقال: مش كلها ناجحة يا أحمد  في بعض العقابات الصغيرة اللي بتحتاج للمهارة في القضايا دي… مثلاً دي قضية إنتهاء حياة عيلة سليم، ولغز الست الروسية، وقضية العكاز، وهنا… اه الشيء ده نادر جداً يا أحمد .

سحب عمر من الصندوق علبة خشب صغيرة ليها غطا بيتفتح شبة العلب اللي بنحفظ فيها لعب الأطفال، وخرج من جواها ورقة مكرمشة، ومفتاح قديم من النحاس.. وخشبة ملفوف عليها حبل طويل… وتلات عملات من المعدن القديم، وعليها صدى.

سألني عمر، وهو بيبتسم: هاه… فهمت إيه من الحاجات دي؟

قلت: فهمت إن هي مجموعة عجيبة.

عمر: هي عجيبة جداً، وهتستغرب لما تعرف إن قصتها أعجب منها.

قلت: يعني الحاجات دي ليها تاريخ؟

عمر: لاء يا أحمد  الحاجات دي هي التاريخ نفسه.

قلت: يعني إيه؟! 

حط عمر كل حاجة كانت موجودة في العلبة على الترابيزة،

ورجع على الكرسي بتاعه، وبصلها، وعينيه كانت بتلمع.

عمر: الحاجات دي هي كل حاجة بتفكرني بلغز وصية عيلة محمد عماد.

كنت سمعت عن القضية دي قبل كده أكتر من مرة بس مكنش عندي معلومات عن كل تفاصيلها… فقلت: هكون سعيد جداً لو حكيتلي عن القضية دي.

عمر بخبث: وأسيب كل الفوضى دي؟ مش هيقدر حبك للترتيب يستحمل ضغط أكتر من كده يا أحمد … بس أنا هكون سعيد جداً لو حطيت القضية دي من ضمن مذكراتك لإن فيها تفاصيل فريدة من نوعها، وهتكون نجاحاتي الصغيرة ناقصة لو مكانتش القضية الرائعة دي فيها.

كنت حكيتلك قبل كده على سفينة الغول، والكلام اللي حصل ما بيني، وما بين الراجل المسكين اللي حكيتلك عن اللي حصله، وكان هو الشخص اللي نبهني إن الموهبة اللي عندي أستخدمها كمهنة.

إنت دلوقتي تعرفني بعد ما بقيت مشهور، وبقى كل الناس عارفه إسمي، وبيطلب رجال الشرطة مساعدتي في القضايا الصعبة… إنت أكيد مش متخيل مدى الصعوبة اللي قابلتها في بدايتي، وقد إيه عدى عليا وقت لحد ما بقيت ناجح، وبنيت إسمي، وسمعتي.

لما جيت المدينة أول مرة قعدت في شارع جنب المتحف… كنت في الوقت ده بقضي وقت فراغي إني أتعلم أكتر الحاجة اللي خلتني عندي الكفاءة.

كانت بتجيلي القضايا من وقت للتاني، وكانت أغلب القضايا دي بتجيلي من أصدقاء الدراسة… وده لإن الناس بدأت تعرفني، وتعرف أساليبي في السنة الأخيرة في الجامعة.

كانت تالت قضية جاتلي في السنة دي هي قضية وصية عيلة محمد عماد… كان الإهتمام الكبير بأحداث القضية هو أول خطوة وصلتني اللي أنا فيه دلوقتي.

كان عباس زميلي في الكلية نفسها… كنت أعرفه بشكل بسيط، وكان الشخص ده مش معروف بين الطلاب، واللي كان دايماً زمايله بيعتبروه مغرور… أما أنا فكان عندي إحساس إن الغرور ده محاولة عشان يخبي كسوفه.

كان راجل يظهر عليه إنه شخص راقي… كان رفيع، وعينيه واسعة، ومناخيرة مرفوعة…..كانت تصرفاته مؤدبة ، وكان هو من أقدم العائلات في المدينة، وإن كان إنفصل عن عيلة محمد عماد في وقت في القرن 16، وسكن في الغرب في قصر منفصل،  وكان باين على عباس إن أصله دايماً مسيطر عليه… كان دايما شكله ليه هيبة، وشموخ.

إتكلمنا مع بعض مرات قليلة، وأفتكر إنه كان قال إنه مهتم بالأساليب اللي بستخدمها في الملاحظة، والإستنتاج، وبعد كده ما شفتوش لمدة أربع سنين… لغاية ما جه زارني في بيتي في شارع منتاخ، وكان شكله ما تغيرش… كان لابس لبس أنيق جداً، وشبابي، وفضل على نفس أسلوبه الراقي، والهادي اللي كان عليه قبل كده.

سلمت عليه بحرارة شديدة، وسألته: إيه اللي حصل معاك يا عباس؟

عباس: ممكن تكون سمعت عن وفاة أبويا… هو مات من سنتين، وبقيت أنا المسؤول عن ممتلكاته، وكمان أنا عضو في البرلمان… فأنا حياتي يا صديقي عمر مليانة بالأحداث… انا سمعت إنك حولت موهبتك اللي أذهلت كل الناس لأساليب علمية.

قلت: أنا إستخدمت موهبتي العقلية، وخلتها مهنة بكسب منها فلوسي.

عباس: أنا مبسوط ليك… أعتقد إن نصحتك ليا دلوقتي هتكون قيمة جداً… حصل في القصر حاجات عجيبة، ومقدرتش الشرطة إنها تفسر الأمر لإن الموضوع فعلاً عجيب، ومش طبيعي.

“تقدر يا أحمد  تتخيل قد إيه كنت متلهف، وأنا بسمعه… فالفرصة اللي أنا كنت بجري وراها طول الفترة اللي فاتت كانت في إيدي… كان جوايا إيمان كبير إن أنا أقدر أنجح في اللي فشل فيه الأشخاص التانية، وجات الفرصة عشان أثبت لنفسي ده”.

يكمل عمر الحكاية.

قلت لعباس: أرجوك أحكيلي التفاصيل.

قعد عباس قدامي، وقال: أنا عندي عدد كبير جداً من الخدم في القصر رغم إن أنا لسه ما اتجوزتش… القصر كبير، وقديم، وبيحتاج لعناية… كمان أنا بيجيلي ضيوف، وعشان كده أنا مقدرش إني أقلل الخدم… أنا عندي تمن خادمات، ورئيس الخدم، وطباخ، وإتنين حراس على البوابة… أما الجنينة، والإسطبلات فليها عمال منفصلين مخصصين.

أقدم شخص فيهم هو رئيس الخدم ناجي، وكان شغال قبل كده مدير مدرسة، وأبويا هو اللي شغله… كان عنده طاقة كبيرة، وليه شخصية رائعة، وكان شخص مفيد جداً للمكان، ولسكان البيت.

ناجي ليه ملامح وسيمة… جسمه قوي، وليه جبين عريضة… هو عايش معانا من 20 سنة، وبالرغم من ده عمره مش أكتر من 40… عاش عمره كله راضي بالوظيفة بتاعته… هو عنده مهارات، ومواهب إستثنائية… بيتكلم لغات كتير، وبيعزف على آلات موسيقية كتيرة.

كان ناجي متجوز بس ماتت مراته من سنة تقريباً، وكان عندنا أمل من شهور قليلة إنه هيرجع يستقر تاني بعد ما خطب رشا، وهي خادمة في البيت بس بعد فترة سابها، وراح  رجاء بنت رئيس حارس الصيد.

رشا بنت رائعة بس عندها صفة سيئة، وهي إنها بتنفعل بسرعة، وإتصابت بمرض حمى الدماغ… كانت بتتحرك في البيت من غير هدف، أو ده اللي كان حاصل لغاية إمبارح.

كانت هي دي أول حاجة حصلت في القصر، والحاجة التانية اللي بدأت بطرد رئيس الخدم.

كنت قلتلك قبل كده يا عمر إن الشخص ده ذكي، وذكائه ده هو اللي دمر مستقبله، وواضح إنه كان عنده فضول خلاه يلعب في حاجات ما تخصوش، وأنا إكتشفت فضوله ده بالصدفة.

يوم من أيام الأسبوع اللي فات، وبالضبط يوم الخميس كنت مش عارف أنام، وده لإني شربت كوباية كبيرة من القهوة بعد العشا، وفضلت على الحال ده للساعة 2:00 الصبح، ولما معرفتش أنام قمت من على السرير، وولعت الشمعة، وكان عندي النية إني أخلص رواية كنت بقرأها… بس كنت سبتها في أوضة البلياردو… لبست الروب، ورحت عشان أجيبها.

كان المفروض إني أطلع كام سلمة لغاية ما أوصل لأوضة البلياردو، وبعد كده أعدي على الطرقة اللي بتوصل لأوضة المكتب… تخيل يا عمر قد إيه كنت في قمة الدهشة لما عديت من الطرقة، ولقيت نور طالع من باب أوضة المكتب، وأنا كنت قفلت نور المكتب بنفسي قبل ما أقفل الباب، وأروح لأوضة نومي.

كان رئيس الخدم قاعد على الكرسي، وقدامه ورقة شبه الخريطة، وكان مايل لقدام، وحاطت إيده على دماغه، وغرقان في تفكيره… وقفت متجمد شوية، وفضلت أبص عليه في الضلمة.

كان في ضوء خفيف جاي من شمعة صغيرة محطوطة على الترابيزة، وقدرت أشوف إنه كان لابس لبسه بشكل كامل… وفي الوقت اللي كنت براقبه فيه لقيته وقف، وراح عند المكتب، وفتح القفل، وشد درج من الأدراج، وخرج منه ورقة، وبعد كده رجع قعد على الكرسي، وفرد الورقة جنب الشمعة، وبدأ يبصلها بدقة.

كنت متضايق جداً لما شفته بيخرج، وبيشوف أوراق العيلة… خطيت خطوة لقدام فرفع وشه لفوق، ولما شافني واقف عند الباب نط من مكانه، وكان وشه مليان بالخوف، ولقيته بيسحب الورقة اللي كانت شبة الخريطة، وبيحطها في جيبه.

قلت: بقى ده جزاء ثقتي اللي وضعتها فيك؟ إنت هتسيب شغلك من بكرة.

وطي رئيس الخدم، وظهر عليه الحزن الشديد، وإتحرك من جنبي من غير ما ينطق ولا كلمة.

كانت الشمعة اللي على المكتب لسه مولعة فبصيت على الورقة اللي كانت في إيده… كنت مندهش جداً لإني لقيت الورقة دي مش مهمة خالص.. كانت عبارة عن قايمة بأسئلة، وأجوبة خاصة بوصية عجيبة، وقديمة بنسميها وصية عيلة محمد عماد… وهي حاجة خاصة بعيلتنا من قرون، وكل شخص في العيلة بيشوفها لما بيوصل للسن المناسب…

هي ليها أهمية خاصة لينا، وممكن تكون مهمة لعالم آثار أما غير كده فهي ملهاش أي أهمية تانية.

عمر: خلي موضوع الورق على جنب نرجعله بعدين.

عباس بتردد: لو كنت شايف إن ده مهم…. على كل حال أكلمك: بعد كده قفلت المكتب بالمفتاح، ولما كنت خلاص همشي فوجئت لقيت ناجي قدامي، وقال بصوت منفعل: أستاذ عباس… مش هقدر أتحمل العار… أنا كنت دايماً فخور بنفسي، والطرد هيدمرني، وهيكون ذنبي في رقبتك لو فكرت في الإنتحار… لو كنت مش عايزني أقعد بعد اللي حصل فأنا أوعدك إني أقدم إستقلتي خلال شهر عشان يظهر الأمر إنه رغبة مني… أرجوك مش هقدر أستحمل إني أتطرد قدام كل الناس اللي أعرفها.

قلت: إنت ما تستاهلش إني أراعي مشاعرك… إنت عملت غلط كبير، وخنت ثقتي… بس عشان إنت خدمت عيلتي من وقت طويل فأنا مش هسببلك العار، ومدة شهر هي مدة طويلة… خلال أسبوع تنفذ الإستقالة.

رئيس الخدم: أسبوع بس؟! طب خليهم أسبوعين.

قلت: هو أسبوع واحد، وإعتبر إن ده كرم مني.

مشي ناجي، وهو موطي راسه… طفيت الشمعة، ورجعت لأوضتي.

كان ناجي ملتزم جداً لمدة يومين بعد اللي حصل، وبيعمل كل اللي مطلوب منه على أكمل وجه… أنا ما كلمتوش تاني في اللي حصل، وكنت مستني أشوف إزاي هيتعامل.

تالت يوم الصبح ما ظهرش ناجي عشان ياخد الأوامر مني الخاصة ببقية اليوم، وفي الوقت اللي كنت خارج من أوضة السفرة قابلت الخادمة رشا، وكنت قلتلك إن هي خفت من قريب من المرض اللي كان عندها، وكان شكلها باهت، ورفيعة لدرجة إني كلمتها في إني رافض إنها ترجع الشغل..

قلت: لازم تستريحي في السرير… وإبقي إرجعي الشغل لما تكون صحتك أحسن.

بصيتلي بطريقة غريبة لدرجة إن أنا شكيت إن بسبب المرض حصل ضرر في دماغها.

رشا: أنا كويسة بما فيه الكفاية يا أستاذ عباس.

قلت: هنشوف الدكتور هيقول إيه… دلوقتي وقفي الشغل، وإبعتيلي ناجي فأنا عايز أشوفه.

رشا: كبير الخدم ناجي مشي يا أستاذ.

قلت: مشي؟! راح فين؟

رشا: مشي، ومحدش شافه، هو مش في أوضته… أيوه هو مشي… مشي.

رجعت رشا لورا، وسندت على الحيطة، وفضلت تضحك بشكل هستيري جنوني… كنت خايف جداً من شكلها… رنيت الجرس بسرعة عشان أطلب المساعدة.

جه الخدم، وأخدوا البنت لأوضتها، وهي لسه بتصرخ، وبتعيط… وإتأكدت من موضوع ناجي، ولقيت فعلاً إن هو إختفى… سريره غير مستخدم، ومحدش شافه من ليلة إمبارح.

رغم كده يا عمر من الصعب إن إحنا نعرف إزاي ساب البيت لإن كل الأبواب، والشبابيك كلها بتكون مقفولة بالليل، وكان لبسه، والساعة بتاعته موجودين في الأوضة، وكمان فلوسه كلها… اللي ناقص هي البدلة السودا اللي كان على طول بيلبسها.

يا ترى راح فين رئيس الخدم ناجي بالليل؟ وإيه اللي ممكن يكون حصله؟

دورنا في كل مكان في البيت بس مكانش فيه أي أثر… البيت زي ما قلتلك قديم، وشبه المتاهة، وخاصة الجزء القديم، وهو غير مسكون تقريباً… فتشنا في كل أوضة، وفي كل بدروم، وملقيناش أي حاجة بتدل على ناجي المختفي… كان الأمر بالنسبة ليا مش منطقي إزاي الشخص يمشي، ويسيب كل حاجته وراه… بس ممكن يكون فين؟

 

                                    لتكملة القصة اضغط الزر بالاسفل



هل كان المحتوى مفيداً؟

نعم
لا
شكرا لك

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى