قصص إثارة وغموض

تحقيقات المفتش عمر(قضية رعب سينا)

بكتب من وقت للتاني بعض الحكايات، والذكريات المميزة اللي عشتها مع صديقي المفتش عمر… عشت مع عمر فترة طويلة، وجماعتنا صداقة قوية… بلاقي دايماً مشكلة بسبب كرهه لنشر قضاياه فبسبب شخصيته بيعتقد إن الشهرة أمر سيء، ومش بيبقى مبسوط لما بيخلص قضية بنجاح كبير إلا لما يسلمها لمسؤول تقليدي، ويكتفي بإبتسامة.

في الحقيقة هو ده موقف صديقي من نشر قصصه، والفترة الأخيرة اللي قللت فيها نشر أجزاء من مذكراتي على القراء مكانش السبب قلة القضايا المثيرة… بس زي ما قلت كانت بسبب صديقي حتى إني في بعض المغامرات إشتركت فيها مع صديقي عمر… الأمر اللي بيحتاج كمية كبيرة من حفظ السر، والتكتم في بعض الأحيان.

يوم التلات اللي فات إستلمت رسالة من عمر… كانت الرساله بتقول: ليه متحكلهمش عن رعب سينا… أعجب قضية مسكتها.

 مش عارف ايه اللي حصل فكر عمر بالذكريات القديمة، وخلاه يفتكر القضية دي بالذات، أو إيه الحاجة الغريبة اللي خلته يطلب مني إني أحكي القصة، وبسرعة قبل ما يرجع عمر في قراره، ويبعتلي رسالة تانية… بدأت أبحث في مذكراتي عن تفاصيل القضية.

حصلت القصة في فصل الربيع سنة 1897 ظهر تعب علي عمر بسبب شغله المستمر، والمتعب، ويمكن يكون زاد تعبه أكتر بسبب أفعاله الطايشة اللي بيعملها من وقت للتاني…

في شهر مارس في السنة دي أصر دكتور مجدي أمجد اللي يمكن في يوم أحكيلكم عن قصة تعرفه على صديقي عمر… أصر دكتور مجدي إن لازم صديقي عمر المحقق المشهور يسيب كل قضاياه، ويرتاح تماماً عشان ما يحصلش تدهور كامل، وإنهيار في حالته الصحية.

كان عمر ما بيهتمش بحالته الصحية، وكان الموضوع مش في تفكيره تماماً بس في النهاية إضطر إنه يسمع الكلام لما عرف إنه ممكن ده يأثر على شغله، وعلى عقله… وسمح عمر لنفسه إنه يغير هوا، ويبعد عن الضغوطات، والمشاكل.

رحنا في أوائل فصل الصيف في السنة دي لكوخ صغير قريب من خليج العقبة في أبعد أطراف شبة جزيرة سينا…

كان مكان مميز، ومناسب لصديقي المريض… بيتنا الصغير كان لونه أبيض، وكان موجود قريب من لسان ممدود في البحر، ومن الشباك كنا نقدر نشوف الخليج، والسفن الشراعية الكبيرة، والشعب المرجانية العالية بأعدادها الكبيرة…

 كان المكان رغم جماله إلا إنه كان فيه كآبة شديدة… أما على الأرض كانت البيئة حوالينا زيها زي البحر… كنا في مكان ريفي معزول، وكان في قرى مختلفة هنا، وهناك… وكمان آثار حجرية شكلها غريب، وأكوام من التراب، وآثار غريبة على الأرض … كان المكان، وغموضه، ومناخه الكئيب مناسب لصديقي… وكان عمر بيمشي مسافات طويلة يتفرج على المناظر الطبيعية.

الشيء اللي خلاني حزين، واللي فنفس الوقت فرح صديقي جداً… إن حتى الأرض البعيدة هنا مقدرتش تبعدنا عن المشاكل اللي جت لغاية بابنا، وكانت القضية دي هي أكتر قضية غريبة…. وإتحولت حياتنا البسيطة الهادية لإحداث سريعة، وعنيفة، ودخلنا في سلسلة من التفاصيل المثيرة مش بس في سينا لأ كمان في المنطقة الغربية كلها…

يمكن يكون في مجموعة من الناس سمعت في الوقت ده عن رعب سينا… على الرغم إن القصة الكاملة ما وصلتش للجرايد إلا إني دلوقتي بعد 13 سنة من الأحداث هحكي  القصة الحقيقية اللي مش معروفة للناس.

كنت قلت قبل كده إن في مجموعة من القرى الريفية في سينا، وأقرب قرية كانت قرية ت. ك… كان في حوالي 200 بيت صغير حوالين بحيرة صغيرة.

كان دكتور رامي عالم آثار أكتر من إنه دكتور، وكمان كان عنده معرفة كبيرة بالأساطير، وكانت هي دي الطريقة اللي عرفت عمر عليه….

كان دكتور رامي شخص عنده 40 سنة… لطيف… جسمه مليان… عنده معرفه كبيرة بالأساطير، والقصص الشعبية القديمة…

في يوم رحنا عند دكتور رامي، وشربنا معاه الشاي، وهناك إتعرفنا على أستاذ مرسي تامر… كان أستاذ مرسي مأجر جزء من بيت دكتور رامي، وهو بيت ضخم، وواسع، وكان الدكتور مش متجوز، وعشان كده كان مبسوط بالإتفاق ده… بالرغم إن مكانش فيه صفات مشتركة ما بين دكتور رامي، وما بين أستاذ مرسي اللي كان رفيع، وأسمر، ولابس نضارة، وكان عنده إنحناء في ضهره بتدي شكل تشوه في جسمه…

أفتكر في الوقت اللي كنا بنزوره فيه لقينا الدكتور شخص بيحب للكلام، أما أستاذ مرسي كان شخص قليل الكلام بشكل غريب… وشه كان حزين… كان قاعد معانا، وسرحان في حاجة تانية… واضح إنه كان مشغول بالتفكير في أمور تانية مهمة.

كانوا هما دول الشخصين اللي لقيناهم فجأة، وبدون سابق إنذار دخلوا علينا يوم التلات 16 مارس بعد ما خلصنا الفطار بوقت قليل، وكنت أنا، وصديقي عمر بنستعد لرحلة تمشية.

قال الدكتور بصوت متوتر: أستاذ عمر حصلت حاجة غريبة، ومرعبة جداً إمبارح بالليل… حاجة محدش سمع عنها قبل كده، ومقدرناش نفكر غير إننا نيجي، ونطلب مساعدتك… الحمد لله إن ربنا بعتك لينا في الوقت المناسب.

كنت متضايق جداً من الدكتور المتطفل اللي جي يبوظلنا يومنا الهادي… أما عمر فخرج البايب من بقه، وإتعدل على الكرسي، وشاور بإيده للضيوف إنهم يقعدوا على الكنبة…

قعد الدكتور، وصديقه جنب بعض… كان أستاذ مرسى تامر قادر إنه يتمالك نفسه أكتر من الدكتور بس إيديه الرفيعه اللي بتترعش، وعينيه السرحانة فضحت إنفعاله، وتوتره.

كان الدكتور لابس لبسه بشكل مستعجل، أما أستاذ مرسي تامر كان لابس لبسه الرسمي كامل.

سأل الدكتور: أتكلم أنا، ولا تتكلم إنت؟

عمر: بما إن من الواضح إن إنت اللي إكتشفت اللي حصل أيا كان إيه هو، وإن الدكتور ما شافش اللي حصل فمن الأفضل إنك تتكلم إنت يا أستاذ مرسي.

كنت سعيد جداً بنظرات الدهشة اللي ظهرت على ملامح وشهم من إستنتاج، وكلام عمر.

الدكتور: هقول حاجة الأول، وبعد كده تقدر حضرتك تقرر إذا كنت تسمع اللي حصل من أستاذ مرسى، ولا تروح بسرعة على المكان اللي حصلت فيه الحادثة الغريبة…

خليني أقولك إن صديقنا أستاذ مرسي قضى ليلة إمبارح مع أخواته آدم، وفارس، وأخته بسنت في بيتهم القريب من السور الحجري جنب البحيرة… سابهم أستاذ مرسى بعد الساعة 10:00 بشوية، وهما قاعدين بيلعبوا بورق الكوتشينة على ترابيزة السفرة، وكانوا كويسين، ومبسوطين.

أستاذ مرسي شخص بيصحى بدري، والنهاردة الصبح في الوقت اللي كان بيتمشى فيه قبل الفطار لقى دكتور رجب اللي قاله إنهم إستدعوه بشكل سريع في بيت إخواته… وطبعا راح أستاذ مرسي مع الدكتور، ولما وصلوا هناك لقوا حاجة غريب جداً…

لقى أستاذ مرسي إخواته قاعدين على الترابيزة زي ما سابهم إمبارح، وكانت أوراق الكوتشينة متبعترة قدامهم، والشموع سايحة، وكانت أخته بسنت قاعدة على كرسيها جثة هامدة… أما الأخين فكانوا قاعدين جنبها بيضحكوا، وبيغنوا كإنهم إتجننوا.

كان على ملامحهم هما التلاتة… الآنسة بسنت، والراجلين اللي إتجننوا… ملامح رعب شديدة ظاهرة على وشهم…

مكانش في أي حد في البيت غير مدام  بسمة العجوزة، وهي الطباخة، والمسؤولة عن البيت… وقالت إنها نامت، وما سمعتش أي حاجة بالليل…. مفيش أي حاجة إتسرقت، أو إتحركت من مكانها…

مفيش أي تفسير عن سبب حالة الرعب الشديدة اللي وصلت الآنسة بسنت للموت، وخلت إخواتها الرجلين في حالة جنون كامل… هو ده اللي حصل يا أستاذ عمر بإختصار… لو قدرت توضحلنا اللي حصل هتكون قدمتلنا مساعدة كبيرة.

كنت أتمنى إني أقدر أقنع صديقي عمر إننا نرجع للهدوء، والراحة اللي كانت السبب الأساسي في رحلتنا، وما نمشيش وراء المشاكل، والمتاعب اللي إحنا هربانين منها… بس بمجرد ما بصيت على وش عمر المنفعل، وحواجبه المضمومة فهمت إن أي كلمة هقولها هتكون مش مفيدة…

قعد عمر فترة ساكت، وسرحان في الكلام اللي قاله الدكتور، وفي الآخر قال.

عمر: أنا هبص على الموضوع ده… واضح إن الحادثة غريبة… إنت رحت هناك بنفسك يا دكتور رامي؟

دكتور رامي: لأ يا أستاذ عمر… أستاذ مرسي جه لبيتي، وهو اللي حكالي القصة، وجيت معاه بسرعة علشان نطلب مساعدتك.

عمر: قد إيه البيت اللي حصلت فيه الحادثة بعيد عن هنا؟

دكتور رامي: بعيد عننا بحوالي ميل.

عمر: طيب هنتمشى لهناك… بس قبل كده محتاج إني أسألك شوية أسئلة يا أستاذ مرسي تامر.

فضل أستاذ مرسي ساكت طول الوقت بس أنا كنت ملاحظ إن هو متوتر، وبيحاول يتحكم في أعصابه.. كان وشه باهت، وباين عليه التعب، وبيبص لعمر بقلق، ومشبك إيده في بعض بشكل متوتر، ومتشنج… كانت شفايفه باهته، وبتترعش لما كان قاعد، وبيسمع إيه اللي حصل لأسرته، وكان ظاهر عليه كإنه بيشوف مشهد مرعب قدام عيني.

أستاذ مرسي: إتفضل يا أستاذ عمر أسأل اللي حضرتك عايزه… رغم إن الموضوع صعب، وأنا مش عايز أتكلم فيه إلا إني هجاوب على أسئلتك.

عمر: إحكيلي عن ليلة إمبارح.

أستاذ مرسي: حاضر يا أستاذ عمر… إحنا أكلنا العشا مع بعض هناك زي ما قال دكتور رامي… وطلب أخويا الكبير إننا نلعب مع بعض ورق كوتشينة… قعدنا نلعب تقريباً الساعة 9:00، وعلى الساعة 10:15 قمت علشان أمشي، وسبتهم قاعدين مع بعض حوالين ترابيزة السفرة، وكانوا مبسوطين جداً.

عمر: مين اللي وصلك لبرة؟

أستاذ مرسي: كانت مدام بسمة مسؤولة البيت نامت… فرحت لوحدي، وقفلت باب الأوضة ورايا، وكان شباك الأوضة الإزاز مقفول بس الشيش كان مفتوح.

مفيش حاجة إتغيرت في الباب، أو الشباك النهاردة الصبح مفيش شك إن في أي حد غريب دخل البيت، وبالرغم من ده كانوا قاعدين هناك، وكان إخواتي شكلهم هما الإتنين فقدوا عقلهم من الخوف، وعزيزتي بسنت جثة هامدة بملامح مرعوبة، وراسها واقعة من دراع الكرسي… عمري ما هقدر أنسى شكل الأوضة، ولا يروح من بالي طول ما أنا عايش.

عمر: الأحداث زي ما إنت ما بتحكيها باين عليها إن هي غريبة جداً… هل كونت نظرية عن سبب اللي حصل؟

أستاذ مرسي بإنفعال شديد: اللي حصل ده عمل شيطاني يا أستاذ عمر في حاجة دخلت الأوضة، وخلتهم بالشكل المرعب ده، وجننتهم كده… إيه الحاجة اللي ممكن تعمل كده؟

عمر: أعتقد إن الأمر لو مش بشري فالموضوع هيبقى بعيد عن مجال شغلي… على العموم إحنا هنبدأ بالتفسيرات الطبيعية قبل ما نوصل للنظرية دي…

بالنسبالك يا أستاذ مرسي أنا شايف إنك إنفصلت عن عيلتك… هما كلهم عايشين مع بعض، وإنت عايش في مكان منفصل عنهم مش كده؟

أستاذ مرسي: ده صحيح يا أستاذ عمر الموضوع ده قديم جداً… كانت عيلتنا بتشتغل في التعدين، وبعنا المشروع بتاعنا لشركة كبيرة، وكان معانا مبلغ كبير من الفلوس… كان في شوية حقد، ومشاكل بسبب تقسيم الفلوس، وفضل الموضوع ده فترة… بس إحنا نسينا كل حاجة، وعدينا الأمر، وبقينا قريبين من بعض تاني.

عمر: وإنت بتفتكر اللي حصل في الليلة دي هل في حاجة بتفتكرها ممكن تكون ليها علاقة بالحادثة اللي حصلت؟ فكر يا أستاذ مرسي أي حاجة ممكن تساعد.

أستاذ مرسي: مش فاكر أي حاجة يا أستاذ عمر.

عمر: هل كان إخواتك  في حالتهم النفسية المعتادة؟

أستاذ مرسي: كانوا في أحسن حال.

عمر: هل كان إخواتك أشخاص عصبية؟ هل كان ظاهر عليهم اليوم ده إنهم خايفين من حاجة؟

أستاذ مرسي: مكانش باين عليهم أي حاجة.

عمر: معندكش حاجة تضيفها تساعدني؟

سكت مرسي تامر للحظة، وبعد كده قال: في حاجة واحدة بس جايه في بالي… لما كنا قاعدين على ترابيزة السفرة كان ضهري للشباك، وكان أخويا قاعد قدامي… شفت أخويا في مرة، وهو بيبص ورايا، ولما لفيت، وبصيت أنا كمان كان الشيش مفتوح، والإزاز مقفول بتاع الشباك، وكنت قادر أشوف الشجر الموجود في الجنينة… حسيت للحظة إن في حاجة بتتحرك ما بين الشجر بس مقدرتش أتأكد هل كان شخص، ولا حيوان… كل اللي حسيته إن في حاجة هناك، ولما سألت أخويا بيبص على إيه قالي إن عنده نفس الإحساس… هو ده اللي أقدر أقوله.

عمر: ماقمتش تتأكد من الأمر؟

أستاذ مرسي: لأ إعتبارنا إن الموضوع مش مهم.

عمر: يعني سبتهم، ومكانش فيه وجود لأي مشكلة مش كده؟

أستاذ مرسي: مكانش فيه أي حاجة أبدا.

عمر: مش واضح ليا إزاي إنت عرفت باللي حصل بدري جداً النهاردة الصبح.

أستاذ مرسي: من عادتي إني بصحى الصبح بدري، وبتمشى شوية قبل الفطار، والنهاردة الصبح لسه هبدأ تمشيتي قابلت دكتور القرية في عربيته، وقالي إن مدام بسمة بعتت ولد يطلبه بشكل مستعجل… ركبت معاه العربية، ورحنا إحنا الإتنين، ولما وصلنا شوفنا الشكل المرعب للأوضة.

كان واضح إن النار، والشموع إتقفلت من ساعات، وإنهم قعدوا في الضلمة لغاية الفجر… الدكتور قال إن أختي إنتهت حياتها من ست ساعات على الأقل… مكانش في أي شكل من أشكال العنف… كانت نايمة على دراع الكرسي، ووشها فيه نظرة غريبة.

أما أخواتي الإتنين فكانوا بيغنوا، وبيضحكوا زي المجانين… الموضوع مرعب مقدرتش أستحمله… حتى إن الدكتور نفسه وشه بقى باهت زي الورقة البيضا، وكان هيقع مغمى عليه على الكرسي.

عمر، وهو بيقوم من على الكرسي: شيء غريب جداً… أعتقد إن من الأفضل إننا نروح من غير أي تأخير… أنا ما شفتش قضية ظهر عليها من اللحظة الأولى إنها غريبة، وفريدة من نوعها زي القضية دي.

في اليوم الأول مقدرناش إننا نستفيد بشكل كبير في تحرياتنا، إلا إن في حاجة حصلت في اليوم ده خلتني متشائم… لما قربنا من المكان اللي حصلت فيه الحادثة لقينا نفسنا في طريق ريفي مش مستقيم، وضيق، ولما كنا ماشيين فيه سمعنا صوت عربية جايه ناحيتنا، وقفنا جنب الطريق عشان نخليها تعدي، وفي الوقت اللي بتعدي فيه العربية بصيت من الشباك المقفول شفت وش شخص مكشر، ووشه بشع بيبصلنا… كانت عينه بتبصلنا، وأسنانه بتجز على بعضها… كان منظر مرعب.

أستاذ مرسي بإنفعال: إخواتي هياخدوهم لمستشفى المجانين.

بصينا كلنا على العربية السودا اللي كانت بتتحرك ببطء، وبدأنا نسرع في خطواتنا ناحية البيت المشؤوم اللي حصلت فيه الحادثة الغريبة.

كان بيت ضخم فيه جنينة كبيرة مليان بالأزهار، والورود… من الجنينة شفنا شباك أوضة الجلوس اللي من رأي أستاذ مرسي تامر إن دخل من الشباك ده حاجة شريرة هي اللي رعبت إخواته، وجننتهم.

إتحرك عمر ببطء بين الورود، وفي الممر قبل ما ندخل الطرقة… كان عمر سرحان في تفكيره لدرجة إنه إتكعبل في جردل المية فوقعت الميه على رجلينا، وفي الممر.

دخلنا البيت، وقابلنا مسؤولة البيت العجوزة مع بنت تانية صغيرة… جاوبت مدام بسمة على كل أسئلة عمر بسهولة… هي ما سمعتش حاجة بالليل كان كل الناس اللي في البيت كويسة، وفي حالة نفسية جميلة، وفرحانين، ومبسوطين.

أغمى علي مدام بسمة من الرعب لما دخلت الأوضة، وشافت الاشخاص المرعوبين حوالين الترابيزة، ولما فاقت فتحت الشباك علشان تدخل الهوا جوه الأوضة، وجريت في الطرقة نادت لولد صغير إنه يبلغ الدكتور…

كان جسم الآنسة بسنت في أوضتها في الدور اللي فوق… أما الأخين فشلوهم أربع رجالة أقويا ، ودخلوهم للعربية عشان يودوهم مستشفى المجانين…

حتى مدام بسمة نفسها كانت مش هتقعد في البيت يوم تاني، وكانت عايزة تمشي في نفس اليوم بالليل، وترجع لأهلها في قرية تانية.

طلعنا السلام، وشفنا جسم الآنسة بسنت… بنت جميلة رغم إنها قربت على الأربعين… كان ملامح وشها جميلة حتى وهي ميتة… كان ظاهر على ملامحها تشنجات رعب… واضح ان هي دي اخر مشاعر عاشتها…

نزلنا من أوضتها لأوضة الجلوس في المكان اللي حصلت فيه الحادثة… شوفنا الرماد المحروق، والنار اللي كانت شغالة طول الليل في الدفاية، وكان على الترابيزة أربع شمعات دايبين، ومحروقين، وكانت أوراق الكوتشينة متبعترة على الترابيزة… إتحركت الكراسي لورا عشان تتسند على الحيطة غير كده كل حاجة زي ما هي من إمبارح بالليل.

إتحرك عمر حركات سريعة في الأوضة، وقعد على الكراسي المختلفة، ورفعها لفوق، ورجع حطها تاني في مكانها… كمان فحص الجزء اللي يقدر يشوفه من الجنينة… فحص الأرضية، والسقف، والدفاية… ووقتها شفت لمعان في عينه، وضغط على شفايفه، واللي اخدت بالي إنه إكتشف ضوء صغير في الضلمة الشديدة.

عمر: ليه شغلوا الدفاية؟ هل من عادتهم إنهم يشغلوا النار في الأوضة الصغيرة في أيام الربيع.

كان رد أستاذ مرسي إن الليلة دي كانت برد، ورطوبة، وعشان كده ولعوا النار… بعد شوية سأل أستاذ مرسي عمر: إيه اللي إنت بتعمله يا أستاذ عمر؟

إبتسم عمر، وحط إيده على دراعي، وقال: لو سمحت إحنا هنرجع دلوقتي  لبيتنا الصغير… أعتقد ان مفيش حاجة جديدة هنا… أنا هفكر كويس في اللي حصل يا أستاذ مرسي، ولو في حاجة جت في دماغي هتكلم معاك، ومع الدكتور رامي بالتأكيد… دلوقتي أستاذنكم.

عدى وقت طويل بعد ما رجعنا للكوخ… قعد عمر على الكرسي، وفضل يفكر… كانت ملامح وشه حادة، وكان في دخان شديد للبايب بتاعه، وكان مكشر، وحواجبة مضمومة، وعينيه مفيهاش أي تعبير… سرحان، وبيبص بعيد… في الآخر نزل البايب، ووقف، وقال هو بيضحك.

عمر: الموضوع مش هينفع يا أحمد خلينا نتمشي مع بعض، وندور الأحجار النادرة اللي أظن إننا هنلاقيها أسهل من إننا نلاقي إثباتات في القضية دي.. متقدرش تستخدم عقلك من غير عناصر كافية زي متقدرش تشغل موتور العربية بشكل سريع من غير هدف، واللي هيحصل في الآخر إن هو هيبوظ… يلا يا أحمد هوا البحر، وأشعة الشمس، والصبر مستنيانا.

 كمل عمر كلامه، وإحنا بنتمشى: خليني أحكيلك دلوقتي يا أحمد الموقف اللي إحنا فيه بهدوء، وأعرضلك الحاجات القليلة اللي إحنا نعرفها… عشان لو ظهرلنا حاجات تانية نكون مستعدين إننا نحطها في مكانها الصح….

في الأول أنا، وإنت مش مستعدين إننا نعترف إن في حاجة غير بشرية ليها تدخل في الأمر… خلينا نخرج النقطة دي من دماغنا… كويس.

هيبقلنا دلوقتي إن تلات أشخاص إتعرضوا لفعل بشري سواء معروف، أو غير معروف… ده اللي إحنا متأكدين منه دلوقتي… إمتى حصل ده؟ على كلام أستاذ مرسي تامر، ولو قلنا إن كلامه صحيح حصل ده بعد ما ساب الأوضة، ومشي… النقطة دي مهمة جداً.

 كمان هنفترض إن الأمر ده حصل بعد ما مشي بدقايق، وده لإن أوراق الكوتشينة في مكانها على الترابيزة، وكمان عدي الوقت المعتاد بتاعهم إنهم يروحوا يناموا، ورغم كده ماقموش من مكانهم، أو حركوا الكراسي، وعشان كده أنا بقول إن الحادثة حصلت بعد ما هو ما مشي على طول، ومكانتش الساعة عدت الساعة 11:00 بالليل.

الحاجة التانية اللي قدامنا اللي نحاول نفحصها على قد ما نقدر هي تحركات مرسي تامر بعد ما ساب الأوضة، ومشي… هنلاقي صعوبة في ده، واللي ظاهر ليا إن هي فوق مستوى الشبهات.

 إنت عارف طريقتي كويس يا أحمد أكيد إنت اخدت بالك من التمثيلية اللي أنا عملتها، ورشيت المية على الأرض، وعن طريق الحركة دي قدرت اخد أثر واضح لرجلين مرسي… مكنتش هقدر أوصل لأثر رجله غير بالطريقة دي.

كانت آثاره واضحة جداً على الممر الرملي… لو إنت فاكر إمبارح كانت ليلة رطبة، ومكانش صعب إني أحصل على أثر واضح لرجله… تتبعت أثره ، وتحركاته، وواضح إنه مشي في إتجاه بيت الدكتور رامي.

 فلو مرسي تامر إختفى من مكان الحادثة، وفي نفس الوقت جه شخص من بره هو كان السبب في اللي حصل لأفراد العيلة… إزاي نتعرف على الشخص ده؟ وإيه اللي حصل خلى فيه تعبير للرعب، والفزع ده؟ كمان أنا بستبعد مدام بسمة واضح إنها شخص كويس غير مؤذي… كمان مفيش أي إثبات إن في شخص زحف من شباك الجنينة.

الطريق الوحيد اللي قدامنا هو اللي إقترحه مرسي تامر نفسه لما قال إن أخوه شاف حاجة بتتحرك في الجنينة، وده أمر مثير للإهتمام فعلاً…. وده لإن الليلة دي فيها مطر، وغيوم، وضلمة، وأي حد هتبقى نيته إنه يرعب الأشخاص دي هيحتاج إنه يلزق وشه في إزاز الشباك عشان يقدروا يشوفوه…برضو يا أحمد في حوض من الزهور عرضه، تلات خطوات برة الشباك، ومفيش أي أثر لأي أقدام فيه.

وعلشان كده شيء صعب جداً إنك تقول إن كان في حد برة هو اللي سبب الحادثة دي للأشخاص جوة البيت… كمان مفيش أي دافع يكون سبب للحادثة الغريبة دي.. شايف الصعوبة اللي إحنا بنواجهها يا أحمد؟

قلت: الموضوع صعب جدا.

عمر: ومع كده ممكن بشوية معلومات نقدر نثبت إن القضية دي مش مستحيلة… وأظن يا أحمد إنك ممكن تلاقي في مذكراتك بعض القضايا اللي كانت غامضة بنفس الشكل… في الوقت ده هنسيب القضية على جنب لغاية ما يبقى عندنا معلومات دقيقة، ونقضي بقية النهار في مهمة جمع الأحجار النادرة.

 يمكن إتكلمت قبل كده على قدرة صديقي في الفصل الذهني… فهو في لحظة يبقى مشغول تفكيره في قضية معينة، وفي اللحظة التانية يقرر إنه يوقف تفكير فيها، وينفصل عنها تماماً… ويمكن كانت المرة دي هي أكتر مرة أنا إتعجبت فيها من قدرة صديقي…

قعد عمر ساعتين بيتكلم عن أنواع الأحجار، وحاجات تانية كإن مفيش لغز مستني إننا نوصله لحل ليه…. لما رجعنا للكوخ الصغير بعد الضهر لقينا هناك ضيف مستنينا، واللي رجعنا تاني نفكر في القضية… كان الضيف شخص جسمه ضخم، ووشه مجعد… عينيه فيها نظرة شراسة، ومناخيرة زي الصقر… شعره غامق، وطويل، وعنده دقن لونها بني، وفيها شعر أبيض… كل الصفات دي كانت معروفة لشخص مشهور إسمه دكتور لبيب سامي صياد الأسود، والمعروف بالمستكشف العظيم.

 كنا سمعنا إنه موجود في المكان، وشفناه مرة، أو مرتين من بعيد بس ولا مرة قرب يسلم علينا… إحنا كمان مكانتش نيتنا إننا نتعرف عليه، وده لإن معروف عنه إنه بيحب العزلة، وبيقضي وقت كبير في بيت صغير مدفون بين الأشجار… كان بيعيش بين كتبه، وخرايطه لوحده، وما بيهتمش بأي حد تاني حواليه.

عشان كده الموضوع كان مفاجأة لما روحنا، ولقيناه… أول ما شافنا سأل عمر لو لقى أي تفسير للحادثة الغريبة اللي حصلت.

دكتور لبيب: الشرطة غلطت في تفسيرها يمكن إنت بخبرتك توصل لتفسير منطقي أكتر… الحاجة اللي هتخليك تثق فيا إن خلال الفترة اللي قعدتها هنا إتعرفت كويس على عيلة تامر كمان في صلة بيني، وبينهم من ناحية أمي، وطبعاً لما عرفت اللي حصل إتصدمت جداً، وعلشان كده رجعت، ومسفرتش في رحلتي لأفريقيا…علشان أساعدك في القضية.

عمر بدهشة: إنت فوت رحلة سفينتك علشان كده؟

دكتور لبيب: هبقى أركب في السفينة اللي بعدها.

عمر: يا الله… هي دي الصداقة الحقيقية.

دكتور لبيب: قلتلك إنهم كانوا قرايبي.

عمر: أيوه قرايبك من ناحية والدتك… هي كانت شنطك على السفينة؟

دكتور لبيب: جزء منها بس الجزء الرئيسي في الفندق.

عمر: تمام.. بس اللي أعرفه إن الحادثة دي محدش ذكرها في الجرايد الصباحية.

دكتور لبيب: لأ يا استاذ عمر أنا جاتلي رسالة.

عمر: ممكن أسألك من مين؟

ظهرت ملامح حزن على دكتور لبيب المعروف عنه بالمستكشف العظيم، وقال: إنت بتسأل اسئلة كتير أوي يا أستاذ عمر

عمر: ده شغلي.

دكتور لبيب، وهو بيحاول يتمالك نفسه: معنديش مشكلة إني أقولك… كانت الرسالة من دكتور رامي، وهو اللي بلغني إني أجي.

 عمر: شكراً ليك… بالنسبة للقضية أنا بحاول أصفي ذهني بس عندي أمل إني أوصل لحل اللغز، وهيكون بدري أوي لو قلت حاجة أكتر من كده.

دكتور لبيب: أتمنى إن ما يكونش عندك مانع إنك تقولي لو شكوكك رايحة في إتجاه معين.

عمر: مش هقدر أجاوبك على ده.

دكتور لبيب: يبقى أنا ضيعت وقتي، ومفيش داعي إني أكمل في الزيارة.

خرج الدكتور المشهور من الكوخ، وهو في حالة سيئة… بعد خمس دقايق خرج وراه عمر… ما شفتوش عمر بعد كده إلا بالليل، وكان ظاهر عليه التعب، وكان باين على ملامحه إنه ما نجحش في تحرياته… بص عمر على رسالة كانت مستنياه، ورماها في نار الدفاية.

عمر: الرسالة من الفندق يا أحمد… أنا كلمت دكتور رامي عشان أتأكد من القصة اللي قالها دكتور لبيب سامي… وكمان بعت رسالة للفندق… واضح إنه قضي ليلة إمبارح فعلاً في الفندق، وكمان ساب جزء من شنطه تروح لأفريقيا، ورجع هو… إيه رأيك في ده يا أحمد؟

قلت: واضح إنه مهتم.

عمر: مهتم جداً… في حاجة هنا إحنا لسه مش فاهمينها يمكن توصلنا لحل القضية… خلي عندك أمل يا أحمد أنا متأكد إن إحنا لسه ما اخذناش كل اللي إحنا محتاجينه من المعلومات، ولما ناخد كل المعلومات كل اللغز، والصعوبات دي هتنتهي.

 

                                                           لتكملة القصة اضغط الزر بالاسفل



هل كان المحتوى مفيداً؟

نعم
لا
شكرا لك

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى