تحقيقات المفتش عمر قضية (سجلات المنجم المفقودة)

قلت، وأنا متضايق: حاجة غريبة العجز اللي في الحساب بتاعي.
قال عمر: ودي حاجة مش قلقاك؟ لو كان الحساب بتاعي فيه عجز كانت عيني ما غمضتش طول الليل.
قلت: أظن إن الحساب بتاعك مستريح.
عمر بإبتسامة: حسابي 444 جنية، وأربع قروش… رقم مذهل مش كده؟
قلت: تصرف كويس جداً من مدير البنك بتاعك، واضح إنه عارف قد إيه إنت بتحب التوازن، والدقة… إيه رأيك تستثمر جزء من فلوسك 300 جنية مثلاً في مناجم السبع للبترول؟ أخبار البورصة اللي إتنشرت النهاردة في الجرنان بتقول إنهم هيوزعوا الأرباح السنة الجاية، وهتوصل لـ 100%.
حرك عمر راسه، وقال: أنا مبحبش أدخل في المشاريع دي… الموضوع فيه مجازفة كبيرة… أنا بحب الإستثمار الآمن زي الشهادات الحكومية، أو الإستثمار العقاري… أعتقد إنها بتبقى أمور مضمونة أكتر.
سألت: عمرك ما عملت إستثمار فيه مجازفة؟
عمر: أيوه يا صديقي ما عملتش كده… أسهم البورصة الوحيدة اللي عندي، ويمكن تكون غير مضمونة العائد هي تقريبا 14 ألف سهم في حقول سينا البحرية.
سكت عمر، وبص في الجرنان فسألته بإستغراب: أيوه، وبعدين؟
عمر: أنا ما دفعتش فيها فلوس هي جاتلي مكافأة على خدمة قدمتها… تحب تسمع قصتها؟
قلت: أيوه.
عمر: المناجم دي في منطقة بعيدة عن قلب سينا فهي في ناحية الجنوب… إكتشفوا الحقل سنة 1964، ووقتها خرجوا صفايح الفضة الرصاص من الجزء اللي فوق من المنجم، ودوبوها، وصبوا فضة نقية، وسابوا كميات كبيرة من شوايب مليانة بالرصاص، وبعد كده بسنين تم إكتشاف الحقل في وقت التنقيب في المنطقة بس عشان المناجم كانت إتملت بالمية، والطين فكل المحاولات إنهم يلاقوا ألواح الرصاص كانت فاشلة.
بعتت الشركات فرق كتير، وحفرت في مناطق واسعة إلا إن فضل الوصول للكنز صعب… واحد من ممثلين شركة من الشركات إكتشف إن في عيلة عامل في المناجم دي كانت بتحتفظ بسجلات المناجم، وكان أب العيلة دي شخص إسمه ياسين.
قلت: واضح إنها قصة مثيرة، وليها بداية رائعة… أنا بفضل قصص المغامرة على القصص الرومانسية… كمل القصة لو سمحت.
عمر: تمام يا صديقي، وصلوا للراجل، وكان تاجر سمعته كويسة في المنطقة اللي بيعيش فيها، وقالهم إنه معاه السجلات، والأوراق اللي عايزينها، وكان عنده إستعداد يتفاوض معاهم إنه يبيعهالهم… بس هو رفض إنه يتكلم مع حد من الممثلين، وطلب إنه يتكلم مع مدير الشركة نفسه، وفي الآخر اتفقوا إنه يسافر عشان يقابل مدير الشركة الأجنبية.
سافر ياسين على سفينة إسمها الياسمين، وصلت السفينة في يوم من أيام شهر يناير، وكان البرد شديد، والضباب كتير.
سافر واحد من المديرين إسمه أستاذ باسم عشان يستقبل السفينة بس القطر اللي كان هيوصله إتأخر بسبب المطر، والضباب.
ما وصلش أستاذ باسم إلا بعد ما ياسين ساب السفينة، وركب قطر رايح للمدينة، ورجع أستاذ باسم للمدينة، وهو متضايق بس هو مكانش يعرف إن ياسين هيفضل في المدينة.
إتصل ياسين بمكتب الشركة في نفس اليوم، وبلغهم إنه نزل في فندق كذا، وإنه حاسس بالتعب من السفر بس قالهم إنه هيقدر يحضر الإجتماع بكره في الشركة.
كان الإجتماع الساعة 11:00، ولما وصلت الساعة 11:30، وكان ياسين لسه ما اتصلش… إتصلت السكرتيرة بالفندق، وبلغها الإستقبال هناك إن أستاذ ياسين خرج مع صديق ليه الساعة 10:30… كان واضح إنه خرج، وفي نيته إنه يروح الإجتماع.
عدى النهار من غير ما يظهر ياسين… كان ممكن إنه يكون تاه، وخاصة إنه ميعرفش المدينة… بس جه الليل، وكان برضو لسه ما رجعش للفندق… علشان كده قلق أستاذ باسم، وحط القضية في إيد الشرطة.
تاني يوم مكانش في أي أثر لأستاذ ياسين… بس اللي حصل إن تاني يوم بالليل لقوا جسمه في النيل، وقدروا يثبتوا إنه جسم أستاذ ياسين المسكين، ومكانش مع الجسم، أو مع شنطه اللي في الفندق أي أوراق، أو سجلات خاصة بالمنجم.
في الوقت ده إستدعوني عشان أمسك القضية… جالي أستاذ باسم بالرغم إنه كان مصدوم من وفاة ياسين إلا إن كان إهتمامه الأكبر إنه يرجع الورق اللي بسببه جه أستاذ ياسين للمدينة… أما الشرطة فكان إهتمامها إنها تمسك المجرم اللي إنهي حياة أستاذ ياسين، والأوراق مكانتش مهمة أوي بالنسبالهم… طلب مني أستاذ باسم إني أتعاون مع الشرطة بس يكون ولائي لمصلحة الشركة.
وافقت إني أمسك القضية، وكان قدامي طريقين مفتوحين للتحقيق: الأول إني أدور على موظفين الشركة اللي كانوا يعرفوا إن ياسين جاي من سينا للمدينة… والتاني إني أدور بين الركاب اللي على السفينة اللي يمكن كانوا يعرفوا سبب سفره، وبدأت في الطريق التاني.
في الوقت ده قابلت المفتش ماجد اللي كان مسؤول عن القضية، وهو مختلف تماماً عن صديقنا المفتش إسماعيل… فهو مغرور، وأخلاقه مش كويسة، ويمكن الواحد ميقدرش إنه يتحمله… إستجوبنا قبطان السفينة اللي مكانش عنده معلومات كتير… كان أستاذ ياسين ما تكلمش عن زيارته، ومكانتش علاقته كويسة إلا مع إتنين من المسافرين.
واحد شخص أجنبي واضح إن سمعته كانت وحشة… كان إسمه دياب، والتاني موظف في البنك إسمه تامر كان راجع من رحلة سفر… كنا محظوظين إننا لقينا صور للرجلين… لو كنت شفت الصور كنت تقدر بسهولة إنك تقول إن دياب من شكله متورط في الموضوع… وعرفنا عنه إنه متورط مع عصابة… عموما هو كان مشتبه فيه أكتر من غيره.
تاني خطوة عملناها إننا زرنا الفندق، وورينا موظف الإستقبال صورة ياسين عشان يتعرف عليها، وبالفعل إتعرف عليها فوراً، وعرضنا عليه صورة دياب بس شيال الشنط قال، وهو متأكد إن مش هو ده نفس الشخص اللي خرج معاه ياسين في اليوم اللي إختفى فيه، وقبل ما نمشي طلعت صورة تامر… المدهش هنا إن العامل أكد إن هو ده الشخص اللي جه، وطلب أستاذ ياسين الساعة 10:30، وبعد كده خرج معاه.
وبكده كنا بدأنا ناخد خطوات كويسة في القضية… كانت الخطوة اللي بعد كده إننا نقابل أستاذ تامر، ولما قابلناه قال إنه حزين جدا على وفاة أستاذ ياسين، وقال إنه تحت أمرنا في أي تصرف إحنا عايزينه.
كانت حكايته اللي حكهالنا هي: إنه كان معاه ميعاد مع ياسين وإنه لما راح الفندق ملقهوش وقاله الخادم بتاعه إنه إضطر إنه يخرج، وقاله إنه ممكن ياخده للمكان اللي موجود فيه أستاذ ياسين.
وافق تامر، وهو ما بيشكش في حاجة، وطلب الخادم عربية أجرة، وإتحركت ناحية المينا، وبدأ تامر يشك فوقف العربية، وخرج منها، ورجع رغم إصرار الخادم، وكانت هي دي حكاية تامر.
بس اللي إكتشفناه بعد كده إن حكايته مكانتش دقيقة، وده لإنه إتشاف هو، وأستاذ ياسين في منطقة ل.س… وكان المكان ده معروف بإنه أسوء مكان للعصابات، ومدمنين المخدر.
دخل الرجلين، وبعد ساعة خرج أستاذ تامر اللي إتعرف عليه السواق من الصورة لواحده من المكان، وكان وشه باهت زي الأموات، وطلب من سواق العربية إنه يوصله لأقرب محطة مترو.
عملت الشرطة تحرياتها عن حالة تامر، وظهر إنه غرقان في الديون، وكمان إنه بيلعب قمار… أما دياب فالشرطة مخلتهوش يغيب عن نظرها، وكان في إحتمال إن يكون مشترك برضو في القضية… بس مكانش فيه أي إثبات على الفكرة… وكان عنده حجة غياب وقت الجريمة.
أما صاحب البيت المشبوه ببيع المخدرات قال إنه ما شافش تامر، وان مفيش حد جه لبيته في اليوم ده الصبح، وإن الشرطة غلطانة، وإنه ما بيبعش أي مخدرات… ورغم إن الشرطة متأكدة إن المكان ده بيبيع مخدرات إلا إنهم مش قادرين يثبتوا الكلام ده.
ورغم إنكار صاحب البيت إلا إن الشرطة إعتقلت تامر بتهمة إنهاء حياة أستاذ ياسين، وفتشوا حاجته…ورغم إن حملة القبض كانت مفاجأة إلا إنهم ما استفدوش، ومالقوش أي حاجة، ومالقوش أي مخدرات.
في الوقت ده كان أستاذ باسم منفعل جداً، وفضل يتحرك في الأوضة رايح جاي، وفضل يقول: أكيد عندك فكرة يا أستاذ عمر… أكيد عندك شوية أفكار.
قلت: أكيد عندي أفكار… وهي دي المشكلة إن الشخص يكون عنده كتير من الأفكار، وعشان كده هي بتوديه لطرق مختلفة.
أستاذ باسم: زي إيه؟
رديت، وقلت: زي مثلاً كلام سواق العربية الأجرة إحنا معندناش دليل إلا كلامه إن الرجلين دخلوا البيت ده… دي فكرة من أفكاري…
هل فعلاً هو ده البيت اللي هما راحوله… لو قلنا إن هما خرجوا من العربية، ودخلوا البيت من الباب اللي قدام، وخرجوا من باب ورا لمكان تاني.
واضح إن الفكرة كانت مثيرة لأستاذ باسم لإنه قال بإنفعال: بس إحنا لازم نعمل حاجة غير إننا نقعد، ونفكر… مفيش حاجة نقدر نعملها؟!
كان أستاذ باسم معندوش صبر، وأنا كنت قلتله: يا أستاذ باسم المفتش عمر مش هيجري في الشوارع عشان يدور على الحقيقة… أنا ليا جواسيس بتعمل شغلها.
في اليوم اللي بعده كان عندي أخبار إن في راجلين فعلاً عدوا من البيت، وكانوا عايزين يروحوا لمطعم قريب من النيل، وفي ناس شافتهم هناك، وبعد كده خرج تامر لوحده من المطعم.
تقدر تتخيل يا أحمد الفكرة اللي فكر فيها باسم وقتها… فهو كان مقتنع إن لازم نروح للمطعم، ونعمل تحرياتنا هناك.
قال باسم إنه هيتنكر…لأ ده إتجرأ، وطلب مني إني أحلق… مش قادر أنطقها… إتجرأ، وطلب مني إني أحلق شنبي… أيوه بالبساطة دي.
قلتله إنها فكرة مش مفيدة، وحاولت أفهمه إن راجل بشنب يقدر يعمل نفس تحقيق الراجل اللي من غير شنب.
في الآخر إستسلم… بس كان مصمم إننا ننفذ خطته…
لتكملة القصة اضغط الزر بالأسفل






