قصص درامية

أرض الذكاء (الجزء الأول)

بيقولوا: الحب أعمى، وهو بيقول: إتعميت لما حبيت. 

بس هيعمل إيه؟ ما خلاص حصل إللي حصل، وحب.

وأديه قاعد كالعاده بيكتب في الأوضة بتاعته.

مقالات ذات صلة

أنا إسمي خالد حسني، عندي 27 سنة، متخرج من كلية تجارة في القاهرة من ست سنين. 

البلد إللي عشت فيها اسمها البهو فريك، والبلد دي تابعة لمحافظة الدقهلية. والنهارده المرة التامنة إللي أترفض فيها من أهل حبيبتي ولنفس السبب.

خالد بصّ على الحيطة إللي بيعلق عليها الورق بعد ما بيترفض من أهل حبيبته، وكان فيه سبع ورقات متعلقين، وحط جنبهم الورقة التامنة، لأنه كل ما بيترفض بيعلق ورقة من دول.

الورقة الأولى مكتوب فيها سنه، واسمه، وبلده، وكاتب جنبيها: اترفضت من حبيبتي للمرة الأولى. والورقة التانية مكتوب فيها: إسمه، وسنه، وبلده، وكاتب جنبيها: إترفضت من حبيبتي للمرة التانية. والورقة التالته مكتوب فيها: إسمه، وسنه، وبلده، وكاتب جنبيها: إترفضت من حبيبتي للمرة التالتة. 

ونفس الكلام في الورقة الرابعة، والخامسة، والسادسة، والسابعة…

خالد سند ظهره على الحيطة وفضل باصص في السقف وبدأ يفتكر ذكرياته قبل ست سنين لما كان بيدرس في السنة الأخيرة من الجامعة.

ويشاء القدر إنه يتعرف على منى، منى دي تبقى جارته في البلد.

إتعرف عليها صدفة في طريقهم من البلد للجامعة إللي في القاهرة.

كان فرحان جداً لما عرف إن منى بتدرس في نفس الكلية وإنها في سنة أولى.

ومن يوم ما اتعرفوا، والصدف بدأت تجمعهم كتير جداً سواء بقصد أو من غير قصد.

خالد فجأة فاق من ذكرياته السعيدة على الواقع المؤلم، وبصّ على الورقة الموجودة تحت التمان ورقات، واللي كتب فيها: إترفضت زي كل مرة لنفس السبب، والسبب ده هو أبو منى المجنون.

خالد لما كان بيسمع كلمة مجنون كان تلقائياً بيفتكر أبو منى، وده مش رأي خالد بس، ده رأي أهل البلد كلهم، بس خالد كان أكتر حد يعرف أبو منى وكان أكتر حد يعرف إنه مجنون.

من ساعة ما خالد خلص دراسته وهو خلاص قرر إنه يتقدم لمنى رسمي ويتجوز، بس للأسف ما كانش يعرف أبو منى كويس لحد ما إتفاجئ بيه في أول زيارة واللي كانت مش لطيفة خالص.

أبو منى في أول زيارة كان بيبص لخالد بنظرات غريبة، وبصله بقرف وقال: إنت عاوز تتجوز بنتي؟!

خالد باستغراب: أكيد يا عمي.

ويا ترى إنت عملت إيه بقى في حياتك يا حبيبي؟!

خالد وشه إتلون بالأحمر وكان متوتر جداً، كان السؤال أذاه نفسياً، بس حاول يتمالك نفسه وقال: معلش أنا مش فاهم قصد حضرتك كويس، بس عموماً أنا من فضل الله خريج كلية تجارة جامعة القاهرة، عارف كويس إن أبويا وأمي توفاهم الله، وحالياً أنا عايش مع جدي، وده الشخص إللي عشت معاه طول عمري من ساعة ما أبويا وأمي ربنا افتكرهم، وحضرتك طبعاً علشان أنا وحيد فالحمد لله أنا معفي من الجيش تماماً، وزي أي شاب بيبدأ حياته بدور على وظيفة تناسبني في الوقت الحالي.

أبو منى رد عليه بكل برود وقال: إحنا ما عندناش بنات للجواز يا حبيبي، لما تعمل حاجة في حياتك إبقى فكر في الجواز، وبعدين تفرق إيه عن غيرك علشان أجوزك بنتي؟!

خالد اترفض للمرة الأولى، ومشي مكسور الخاطر، وكان فاكر إن سبب رفضه إنه ما عندهوش وظيفة، بس للأسف لما اترفض في المرة التانية إتأكد إن ده مش السبب الرئيسي للرفض، وكان سبب الرفض هو هو نفس سؤال الأب: عملت إيه في حياتك علشان أجوزك بنتي؟ وتفرق إيه عن غيرك علشان أجوزك بنتي؟

وفضل السؤال ده يتكرر حتى المرة التامنة، وللأسف خالد فضل محتار ومش لاقي أي إجابة للسؤال ده، وللأسف أبو منى ما كانش مراعي حب خالد لمنى، ولا كان مراعي حب منى لخالد.

لحد ما في مرة خالد إتعصب جداً، وصرخ في وش أبو منى وقال: إيه هتفضل كده معتبرني ما عملتش أي حاجة في حياتي علشان ما تجوزنيش بنتك؟! عايزني أعملك إيه يعني؟ يا سيدي عرفنا كلنا إنك كنت بطل في حرب 73، وبعدين عايزني يعني أبقى بطل حرب؟ يعني إنت شايف إن أي حد ما كانش بطل في حرب ما يستحقش إنه يتجوز بنتك؟ ده سبب يخليك تعامل الناس بالطريقة دي، وتذلني علشان أتجوز بنتك؟ طب أروح أحارب أنا كمان؟! عايزني أبقى بطل إزاي؟! ممكن أروح دلوقتي أحارب في العراق لو ده هيبسطك؟!

وبعد كده بصّ في عينيه بغضب وقال: عايزك تعرف إن لو الدنيا إتطربقت هتجوز منى يعني هتجوزها، سواء بقى بمزاجك أو غصب عنك.

البلد كلها كانت عارفة إن الراجل ده غريب الأطوار، ومريض نفسي، وعايز يجوز بنته لواحد مش موجود أصلاً، واحد كامل الصفات، بس للأسف ما حدش يعرف مين الشخص ده.

ما حدش يعرف أبو منى كان عايز راجل لبنته عامل إزاي؟! بس إللي البلد كلها كانت متأكدة منه إن بنته مصيرها العنوسة، وقطر الجواز هيفوتها إلى الأبد، وكانوا متأكدين إن طالما أبوها ده موجود بنته عمرها ما هتتجوز.

رغم كل إللي بيحصل ورغم يأس الناس كلها من أبو منى، إلا إن حب خالد كان أقوى من كل إللي بيحصل حواليه وكان مصرّ جدًا على جوازه من منى ومستعد يعمل أي حاجة علشان يبقى الشخص الفريد من نوعه بالنسبة لأبوها، بس للأسف ما كانش عارف إيه الحاجة إللي ممكن تخليه بطل أو شخص فريد في نظر أبوها. 

فضل يتساءل هل يسرق بنك ويبقى من أغنى الأغنياء ولا يدور على كنز مدفون، بس للأسف ما لقاش أي حاجة عقلانية يعملها ولقى إن الحل الوحيد هو إنه يدعي ربنا إنه يقبض روح أبو منى.

خالد كان معروف عنه إنه شخص لطيف وبيحب الهزار ودمه خفيف وروحه حلوة جدًا، بس حبه لمنى ورفض أبوها ليه كان دايمًا بيخليه تعيس ومكتئب، كأن حلول الأرض انتهت.

 الشخص إللي كان عايش معاه دايمًا من صغره ولاحظ تغير شخصيته هو جده إللي خلاص كبر جدًا ودخل على سن الـ 80.

جد خالد كان عايش معاه من صغره وكان بيحبه جدًا وطول الوقت بيهتم بيه وبيحكي له حكايات.

جد خالد بعد ما قرب منه بحنية: إيه ياض يا حزين، إنت هتفضل مكتئب كده؟ مش إنت المفروض إتعودت؟

خالد بعد ما رد عليه بحزن: يا جدي أنا بحب البنت دي ومش قادر أعيش من غيرها، وكمان مش هسمح لحد غيري إنه يقرب منها.

ما أعرفش أبوها ده عامل كده ليه، ولا عايز إيه، ده راجل غريب جدًا عايزني أعمل معجزة وهو ما يعرفش إن زمن المعجزات إنتهى.

الجد وهو بيحاول يلطف الأجواء: ما خلاص يا إبني، ما تقعدش شايل طاجن ستك ومشيلني الهم معاك، اقولك على حاجة أنا شايف إنك تروح تدفن نفسك في سرداب طالما إنت هتفضل مكتئب كده.

في اللحظة دي خالد برق وعينه لمعت كإنه إفتكر حاجة مهمة. 

خالد بلهفة: سرداب، سرداب، بقولك إيه يا جدي، إنت فاكر لما كنت بعيط وأنا صغير وإنت علشان تهديني تحكيلي قصة السرداب الموجود تحت البلد؟ وقلت لي إنك نزلت السرداب ده من 50 سنة.

الجد بابتسامة بعد ما افتكر ذكرياته: أكيد يا إبني فاكر، هو في حد ينسى الذكريات الحلوة دي؟ بس بمناسبة العياط بقى تحب أفكرك لما كنت بتعمل حمام على روحك وإنت صغير وأنا بلسعك بالشمعة؟

خالد بضحكة: خلاص بقى يا جدو، إحنا كبرنا على الكلام ده، بس لا عشان خاطري فكرني بالحكاية بتاعة السرداب، ونزولك ليه إنت وأصحابك.

الجد عينيه لمعت وفضل مبتسم كأنه إفتكر الذكريات الجميلة وحن للماضي. الجد فرح: ياااه يا خالد، الأيام دي كانت أحلى أيام يا إبني والله، كان الواحد لسه شباب وكان عنده أصحاب زي الورد، كنا أربعة أصحاب شباب فينا الصحة والحيوية، وعندنا شغف كبير والحياة فتحتلنا دراعها، وسمعنا في يوم من الأيام عن كنز موجود في سرداب تحت الأرض، والناس كانت بتتحاكى عن الموضوع ده كتير وبيقولوا إن السرداب ده كان مخزن للأغنياء زمان لما كان بيبقى في غزوة أو أي حرب، كان الأغنياء بينزلوا في المخزن ده.

الناس كلها كانت عارفة إن السرداب ده موجود فعلاً، بس ما كانش في حد بيخاطر، ولا كان في حد بيجرب ينزله بسبب الخوف. 

خالد باستغراب: كانوا بيخافوا من إيه يا حاج؟!

الجد بتأمل: كان في ناس كتير بيقولوا إن المكان ده مسكون وفيه عفاريت كتير، وإن اللي بينزل المكان ده مش بيطلع منه، بس إحنا زي ما قلتلك، كان عندنا شغف كبير والسكينة كانت سرقانا وما اهتميناش بكلام أي حد وقررنا ننزل السرداب وناخد الكنز اللي فيه ونبعد عن المجتمع اللي إحنا كنا عايشين فيه لأن البلد كانت في حالة فقر شديدة، وإحنا كانت طموحاتنا عالية.

خالد كان ظاهر عليه علامات الاستمتاع، وبص لجده بفرحة وقال:كمل يا غالي. 

الجد وهو بيتذكر: زي ما قلت لك رمينا كلام الناس في الأرض واهتمناش بيه، وقررنا إننا نروح المكان ده وناخد الكنز.

البلد كلها كانت عارفة إن السرداب موجود في بيت كبير مهجور في البلد بتاعتنا، والبيت ده كان شكله مخيف جدًا ومحاط بأسوار كبيرة وعالية، وكلنا كنا عارفين إن موجود قدام باب السرداب صخرة كبيرة.

بعد ما قررنا إننا نخش السرداب ده إتوكلنا على الله، وصحينا تاني يوم الصبح، وإتجهنا ناحية البيت المهجور في السر، وفعلاً وصلنا للبيت. 

أول ما وصلنا نطينا من على الأسوار ودخلنا البيت وقدرنا بفضل الله نحرك الصخرة الكبيرة اللي موجودة قدام السرداب، ولما شلنا الصخرة دخلنا السرداب وبدأنا ننزل واحد ورا الثاني، وكان كل واحد فينا معاه لمبة غاز. 

فضلنا ننزل على السلم، وبعد ما نزلنا أخيرًا لقينا نفق متساوي طويل، وبمجرد ما خدنا أول خطوة في النفق لقينا نفسنا مش قادرين ناخد النفس، وفجأة وبدون أي مقدمات لمبات الغاز كلها إنطفت في وقت واحد، وكلنا إترعبنا لما سمعنا صوت واحد فينا بيصرخ وبيقول: عفريت عفريت طفى اللمبة بتاعتي.

وطبعًا ما قدرناش نفكر بعدها وكلنا رجلينا جريت لوحدها ناحية السلم وخرجنا من السرداب في ثواني، ومن كتر الخوف ركبنا كانت بتخبط في بعضها، ومن اللحظة دي ما حدش فكر ينزل السرداب تاني. 

خالد فضل يضحك بصوت عالي وقال: لا وعمال تقولي الشغف والصحة وكنا شباب زي الورد، وفي الآخر كلكم خفتوا علشان اللمبة إنطفت؟!

الجد وهو بيضرب خالد على كتفه: احترم نفسك يا ولد، وبعدين أنا آخر واحد جريت، كان ممكن أدخل لوحدي أصلاً. 

خالد بسخرية: طبعًا طبعًا يا جدو، إنت أصلاً تلاقيك لقيت الكنز ومش راضي تقول لحد. 

الجد بضحكة سخرية: هو أنا يا ابني لو كنت لقيت الكنز كان زماني قاعد معاك!!

خالد بعد ما خلص قعدته مع جده دخل الأوضة بتاعته علشان ينام، بس للأسف ما كانش عارف ينام بسبب الكلام إللي سمعه من جده، ورغم إن الكلام ده يبان إنه أسطورة لكن خالد كان متأكد إن الكلام ده حقيقي، بسبب إن الناس كلها فعلاً بتتكلم عن السرداب ده، وإنه موجود، ده غير إن خالد عارف إن جده عمره ما كذب.

بعد كده رجع يبص على الورقة اللي موجود فيها سبب رفض أبو منى، وهو إنه عايز شخص فريد من نوعه، شخص مميز يرضي جنون العظمة عنده. 

خالد قرر إنه مش هيتجوز غير منى، ولو ما تجوزهاش مش هيتجوز أبدًا.

وبعد كده إتكلم بصوت عالي وقال: طب وفيها إيه لو نزلت السرداب ده؟ ما يمكن فعلاً يطلع في كنز جوه. 

وبعد كده ضحك وقال: كنز إيه؟ ده كلام مجانين، وبعدين المكان ده مسكون وفيه عفاريت، وأنا أصلاً بخاف من خيالي.

وبعد كده ملامحه إتحولت للجديّة وقال: بس ما ينفعش شخص جبان زيي يتجوز منى، لو أنا بخاف من حاجة زي كده يبقى أنا ما استحقهاش. 

أنا لازم أنزل السرداب ده، يمكن يكون في كنز فعلاً، ولو ما فيهوش حاجة مش مهم، المهم إني أثبت لنفسي إني مستعد أضحي علشان خاطر منى وعلشان حبي ليها، وأثبت لأبوها وللناس كلها إني أستاهلها. 

وبعدين أنا فعلاً ما استحقش منى، أنا أصلاً مجرد شخص متخرج من كلية تجارة وما إستفدتش منها أي حاجة، وشغال في مخزن أدوية بعد تعب أربع سنين في الكلية، والقبض بتاعي يا دوب يكفي مصاريف مواصلاتي وأكلي وشربي.

ده غير إني عايش مع جدي ومش شايل هم إيجار شقة، ولولا ربنا ثم لولا جدي كان زمان قبضي خلصان في نص الشهر. 

لو أنا بحب منى لازم أعمل كده، وحتى لو مت هموت شجاع وأثبت لها حبي، وكمان كل حاجة وليها فائدتها. 

يعني ممكن ألاقى كنز فعلاً وساعتها هبقى أشهر واحد في البلد دي، لا ده أنا ساعتها بقى أشهر واحد في العالم كله، وكمان هبقى غني جدًا، وحتى لو ما لقيتوش كفاية إني أحاول في سبيل حبي.

خالد إنتفض من على سريره، وجري ناحية المكتب بتاعه، وطلع صورة لمنى وبص فيها وكإنه بيكلمها وبيقول: حبيبة قلبي مش عايزك تزعلي مني عشان اتأخرت عليكي كل ده، أنا هنزل السرداب علشان أدور على الكنز ويحصل إللي يحصل ده، ولو أبوكي مجنون فأنا أجُن منه.

خالد كان عمال يتكلم مع نفسه بصوت عالي، وكان فاكر إن ما كانش في حد سامعه، بس ما كانش يعرف إن جده واقف ورا الباب وسامع كل حديثه مع نفسه، وصراخه بجدية على موضوع السرداب، ورغم كل ده ما كانش ظاهر على وش جد خالد إنه منبهر أو مذهول من الكلام اللي بيسمعه، لأنه عارف خالد كويس، وحاسس إنه طبيعي يفكر إنه يلاقي الكنز اللي موجود في السرداب.

الجد فضل واقف لحد ما خالد طفى النور بتاع الأوضة، وعم الهدوء في المكان، وبعد شوية قطع الهدوء ده صوت شخير خالد وهو نايم، وساعتها الجد إطمأن وإبتسم وعرف إن خالد غط في نوم عميق.

جد خالد إتجه ناحية أوضته وهو بيسند على العصاية بتاعته لحد ما وصل، وقعد على السرير بتاعه وفضل باصص للسقف لمدة دقائق، وكانه سرحان في الكلام اللي سمعه من خالد، وبعد كده قام واتعدل ومسك العصاية بتاعته وفضل يسحب بيها صندوق خشبي كان قدام السرير، وكان باين عليه إنه قديم جدًا. 

الجد فتح الصندوق وخرج منه ألبوم صور قديمة، والواضح إن الصندوق ده بقاله كتير ما اتفتحش لإن الصور كان عليها تراب كتير جدًا.

الجد فضل ينفض الأتربة، وبعد كده بدأ يقلب في الصور وهو بيتأملها، لحد ما وقف عند صورة معينة وفضل مركز فيها مدة طويلة.

تاني يوم الصبح….

خالد والجد صحيوا بدري زي ما هما متعودين دايمًا، وكمان هما لازم يعملوا كده لأن خالد عنده شغل بدري، وغير إن جده متعود ما ينامش بعد صلاة الفجر، وبيفضل يقرأ في القرآن الكريم لحد ما خالد يصحى، وبعد كده بيفطروا سوا بالأكل إللي بتعملهولهم واحدة ساكنة جنبهم، والبنت دي إتعودت تعمل كده من سنين كتير جدًا.

خالد قاعد مع جده على سفرة الفطار، وأثناء ما هم بياكلوا خالد فضل يبص لجده بنظرات غريبة، وكانه عايز يقوله حاجة بس متردد، خالد قرر يتكلم وسأل جده بهزار وقال: بقول لك إيه يا عبده، إنت تقدر تعيش لوحدك؟

الجد باستغراب: ليه يا إبني بتسأل السؤال ده، إنت عايز تسافر ولا إيه؟

خالد بتردد: ما أعرفش، بس على حسب إجابتك يعني مثلاً لو سافرت لمدة قصيرة تقدر تعيش لوحدك؟

الجد سكت وخالد لاحظ السكوت ده وحاول يفهمه الموضوع أكتر: بص، أنا عارف إن كلامي غريب عليك شوية بس الصراحة أنا تعبت من البلد دي، وعايز أروح مكان ألاقى فيه نفسي، وإنت عارف إن البلد هنا ما بتقدرش الشخص إللي تعب واتعلم، وزي ما إنت عارف أنا شغال في مخزن أدوية، ما بعملش حاجة غير إني بحسب الكراتين إللي داخلة واللي خارجة، وأحسب مرتبات الصناعية، وغير إن المرتب بتاعي مش بيكفيني.

خالد قام فجأة من على الكرسي وقال بنبرة فيها جدية: سامحني يا جدي بس أنا لازم أسافر، وصدقني الفترة إللي هسافرها مش طويلة، ومش هخليك تحس بغيابي، وخرج على طول من قبل ما يسمع رد جده لحد ما وقفته كلمات جده وهو بيقول: خالد، إنت ليه بتكذب عليا؟ ما تقول لي إنك نازل السرداب وخلاص، ليه مش عايز تقولي الحقيقة؟

فى اللحظة دي خالد إترعب وإتصدم من رد جده، لأنه كذب علشان ما يعرفش جده إنه نازل السرداب، بس إستغرب أكتر لأنه ما كانش عارف إزاي جده عارف بنيته. 

خالد لف وشه وهو متوتر وقال: سرداب!؟ إنت عرفت منين إني عايز أنزل السرداب!؟ وبعد كده تراجع في كلامه وقال: سرداب إيه يا جدي؟! ده كلام فاضي.

جده بجدية: أنا عارف من زمان جدًا يا خالد إنك هتعمل كده.

خالد باندهاش بعد ما قعد على الكرسي: عارف إزاي؟

خالد أدرك إنه ما ينفعش يخلي جده يقلق عليه فقرر إنه يعمل نفسه بيهزر ويغير الموضوع: إيه يا جدو سرداب إيه إللي بتتكلم فيه؟ أنا بقول لك أنا هسافر..

الجد بجدية شديدة: إنت عايز تنزل السرداب ليه يا خالد؟

خالد بتوتر: برده بتقول السرداب!

الجد بنفس النظرة الجادة: عايز تنزل السرداب ليه يا خالد؟

خالد حس إن ما فيش مفر، وإن خلاص أمره اتكشف، فخد نفس عميق وقرر يعترف بالحقيقة: الصراحة بقى يا جدي أنا عايز أنزل علشان أثبت لأبو منى، وللناس كلها إني بطل، وإني فريد من نوعي، وإني أستاهل حب منى ليا.

الجد ببرود: بس!

خالد باستغراب: أيوه بس، وكمان لو فعلاً طلع في كنز أبقى كده كسبت حب أبو منى، وكسبت شهرة، وكسبت كنز.

الجد بنفس البرود: بس!

خالد باستغراب: أيوه.

الجد: طيب أنا حابب بقى أقولك إن ده مش السبب الحقيقي لإنك تبقى عايز تنزل السرداب.

خالد إستغرب الجدية إللي جده بيتكلم بيها بس قرر يسمع جده علشان يفهم هو يقصد إيه.

الجد بعد ما أكمل بنفس النبرة الجادة: أنا متأكد يا خالد إنك مش نازل علشان تثبت لحد حاجة أو عشان خاطر منى، ومتاكد إن منى لو اتجوزت حد غيرك إنت هتنزل برده، عارف ليه يا خالد؟ علشان دي الطبيعة البشرية، وعلشان ده السبب إللي خلاني أنا وغيري ننزل السرداب ده.

الطبيعة البشرية دي إسمها الفضول يا خالد، الفضول وحب المعرفة إللي بيجري في دمي ودم، أبوك، ودم الناس كلها، والحاجة دي اسمها حب المجهول، عايزين نعرف إيه إللي مستخبي تحت، الفضول مخلينا دايمًا بنفكر في الحاجة إللي إحنا ما نعرفهاش، علشان كده أنا متأكد إنك عايز تنزل السرداب ده بسبب فضولك يا خالد مش بسبب حاجة تانية…

تعرف يا خالد لما كنت صغير كنت بحكيلك عن السرداب ده وساعتها إنت كنت بتفضل تعيط، وأظنك بتبص الموضوع إنه مجرد حكاية علشان أشغل بالك بيها وأخليك تنام، بس إللي إنت ما تعرفوش إن أنا كنت طول عمري بنمي الفكرة دي في دماغك، وبخليك تفكر فيه دايمًا، واللي ما تعرفوش برده إني كنت متأكد إنه هيجي عليك اليوم اللي لما تكبر هلمحلك بس عن السرداب، وإنت الفضول هيجري في دمك ومن أقل حوار بينا هتبقى عايز تنزل السرداب.

إنت مش نازل السرداب علشان خاطر منى ولا عشان خاطر أبوها، ما إنت ياما اترفضت من أبوها، اشمعنى المرة دي اللي حبيت تعمل فيها بطل، وحبيت تثبت لنفسك إنك تستحق منى! في فرص وفي حاجات تانية كتير تقدر تثبت بيها كده، بس اللي حصل لك ده حصل لأبوك يوم ما حكيت له عن السرداب.

خالد بصدمة: هو أبويا نزل السرداب؟!

الجد بأسف: مش أبوك لوحده يا خالد: أبوك وأمك راحوا سوا، بس الفرق بينك وبينهم إني عرفت إنك رايح، لكن هم ما قالوش لحد وراحوا من نفسهم.

أبوك وأمك كانوا فاكرين إنهم رايحين مشوار صغير وراجعين، وطبعًا سابوك مش لإنهم اندال وإنهم مش بيحبوك، سابوك علشان كانوا فاكرين إنهم هيرجعوا بسرعة، وساعتها إنت كان عندك سنتين، ولما سابوك معايا قالوا إنهم هيرجعوا بعد كام يوم، بس للأسف الأيام تحولت لشهور والشهور تحولت لسنوات، وفي الآخر ما حدش فيهم رجع.

البلد كلها كانت فاكرة إن أبوك وأمك توفاهم الله في حادثة، وطبعًا كل الناس فرحت إنك ما كنتش معاهم، بس إللي ما حدش كان يعرفه غيري إن أبوك وأمك نزلوا السرداب.

الجد خد نفس عميق وقال: بس تعرف عمري ما أنبتهم في يوم من الأيام، وعمري ما هزعل منهم إنهم عملوا كده، لإني عملت كده، وأي حد غيري كان هيعمل كده، بس الفرق بيني وبين أبوك وأمك إن ربنا نجاني.

الجد بص لخالد بجدية وقال: عمري ما هزعل منك لو نزلت إنت كمان، ورغم إني عارف إن ممكن قرارك ده يبعدك عني بس مش همنعك، وعايزك تبقى متأكد من قرارك، وبرده مش عايزك تنزل بسبب منى، عايزك تنزل من نفسك.

الجد قام من على الكرسي وكمل كلامه وقال: فكر كويس وقرر، ولو قررت إنك تنزل عرفني علشان في كلام كتير لسه ما تعرفوش عن السرداب، والكلام ده هتعرفه من واحد اسمه (فوريك).

خالد خرج من البيت ساعتها وهو سرحان في كلام جده، ودماغه هتفرقع من كتر الاندهاش.

خالد مكانش متجه لشغله زي كل مرة، وكان رايح يقابل حبيبته منى في جامعة المنصورة في المكان إللي كانوا بيتقابلوا فيه طول عمرهم.

خالد أثناء ما كان في الطريق، عمال يفكر في كلام جده، وقعد يسأل نفسه هل فعلاً هو عايز ينزل بسبب حبه لمنى، ولا عايز ينزل بسبب روح المغامرة؟

وبعد كده افتكر كلام جده عن أبوه وأمه إللي هو ما يعرفش عنهم أي حاجة، ولا يعرف شكلهم عامل إزاي.

خالد طول عمره كان عايش مع جده، بس عمر جده ما جاب له سيره أمه وأبوه، ولا وصفله شكلهم.

كان فاكر بس شوية كلام كان بيسمعه من أقاربه لما كانوا بيقولوا له إنه طويل زي أبوه، وفعلاً خالد كان طويل وطوله يبلغ 180 سم، وكمان كانوا بيقولوا له إنه عريض زي أبوه، وبنيته قوية، ولما كانوا بيتكلموا عن شكله، كانوا بيقولوا له إن شعره أسود ناعم لأمه، وعيونه شبه أمه بالظبط، وكان في كلمة بيتكسف لما بيسمعها وهي إنه طالع جميل لأمه.

بعدها إفتكر كلام جده عن الراجل إللي عارف كل حاجة عن السرداب، وإستغرب من الاسم لأن إسم فوريك بالنسباله كان إسم غريب لإنه أول مرة يسمعه، وفضل سرحان طول الطريق لحد ما وصل للمكان اللي هيقابل فيه منى.

خالد لما وصل للمكان المتفق عليه، لقى منى واقفة مستنياه بالعباية السوداء، والطرحة المشجرة، وكان دايمًا بيقولها إنه بيحب الطقم ده لإنه بيتفائل بيه.

خالد بعد ما بصلها بابتسامة: صباح الخير يا مزتي عاملة إيه؟

منى ما ابتسمتش زي كل مرة وكان ظاهر عليها ملامح الحزن.

منى بأسف: أنا متأسفة جداً يا خالد، زعلت أوي إن أبويا رفضك للمره التامنة.

خالد وهو بيحاول يلطف الأجواء: لا يا بنتي ما تشغليش بالك، خلاص بقى، ما أنا اتعودت، ده أنا الناس بقت مسمياني خالد المرفوض وبيقولوا إنى كسرت الرقم القياسي.

منى بنفس النبرة والملامح الحزينة: أنا كنت فاكرة إن بابا عاوز يجوزني لحد مختلف، وكان بيعمل معاك كده علشان مصلحتي، بس للأسف أبويا إتغير فجأة.

خالد بدهشة: يعني إيه طيب، مش فاهم!؟

منى بنبرة حزينة والدموع بتنزل من عينيها: في دكتور إتقدم لي امبارح وطلب إيدي للجواز، وأنا كنت فاكرة إن أبويا هيرفض زي كل مرة، بس إتفاجئت إنه وافق بكل سهولة.

خالد بصراخ وإندهاش: إيه؟ وافق؟!! إزاي!

وبعد كده بصلها بحزن وشاور على صدره: طب وأنا؟

منى: أبويا ما يوافقش بس يا خالد، ده أجبرني على الجواز، ده حتى لما جيت أكلمه بخصوص حبي ليك اتفاجئت إنه اتعصب عليا، وضربني بالقلم، وقال لي إني بنت مش كويسة، وقال إن من مصلحتي أتجوز الدكتور، وإن مستقبلي معاه هيبقى أحسن من مستقبلي معاك لإنك فقير ومش هتعرف تعيشني في المستوى اللي يليق بيا.

منى كانت عمالة تتكلم وتبرر لخالد، والدموع كانت عمالة تنزل من عينيها وهي بتتكلم.

كان عمال يسمعها ومش مصدق اللي بيسمعه، لإنه ما بقاش فاهم أبوها عايز إيه، وكان فاكر إن أبوها عايز راجل فريد من نوعه ومميز، بس للأسف أبوها طلع كذاب وقبل بشخص عادي، والظاهر إن أبوها كان عايز أي حد في الدنيا غير خالد.

خالد فضل يتحسر وعمال يسأل نفسه: هل فعلاً هيضيع كل حب السنوات اللي فاتت دي كلها؟ هل منى هتروح من إيده بالسهولة دي؟

خالد زعل جداً لأنه عمره ما حب في حياته زي منى، وبعد كده الشيطان بدأ يصارعه وقاله: طب هي منى طالما بتحبك، ليه ما إعترضتش على قرار أبوها؟! ولا شكلها زهقت من العزوبية وخايفة من العنوسة يا معلم.

الأسئلة دي فضلت تتردد في دماغ خالد، وفي نفس الوقت منى كانت عمالة تتكلم، وتعيط. وبعد ما خلصت كلامها، استأذنت من خالد علشان ما ينفعش تتأخر أكتر من كده ولازم ترجع البيت دلوقتي.

خالد كان فاكر إن منى بتتهرب من مقابلته، وبصلها وهي ماشية وإبتسم بسخرية، وإستغرب لأنها أول مرة تمشي من غير ما هو يوصلها.

خالد قعد في مكانه وفضل باصص عليها وهي ماشية، وكان دي المرة الأخيرة إللي هيشوف فيها منى.

خالد حس في اللحظة دي بضيق في صدره، وكان أول مرة يحس بالإحساس الغريب ده، وأول مرة يحس بالهزيمة في علاقته مع منى، لإنه كان مستعد إنه يحارب طول العمر، ويفضل يتقدم حتى لو إترفض 100 مرة، وكان هيعمل المستحيل علشان أبوها يوافق.

خالد فضل يفتكر نظرات الناس ليه، وتريقتهم عليه لما كان بيقول لهم إنه هيتجوز منى مهما حصل، وإن قصة حبهم هتتخلد والتاريخ هيتكلم عليها.

افتكر لما طلب من منى إنه يتجوزها من ورا أبوها، ومنى رفضت، وساعتها اتخاصموا لمدة طويلة جداً، وخالد هو اللي جه على نفسه واعتذر لها علشان هو بيحبها، وكان حاسس إنه أهبل جداً لما عرف دلوقتي إنها وافقت على الدكتور زي ما أبوها وافق، وحس إنها طلبت تقابله دلوقتي علشان ترضى ضميرها وما تحسش بالذنب.

وفجأة قطع حبل أفكاره: مكالمة من صاحب الشغل.

خالد رد على صاحب الشغل، بس صاحب الشغل قعد يزعق له بسبب إنه إتاخر على الشغل.

في اللحظة دي، خالد ما كانش باقي على أي حاجة، وما قدرش يتمالك أعصابه وزعق لصاحب الشغل، وقال له إنه مش هيشتغل معاه تاني، وقفل الخط في وشه.

خالد مشي من المكان اللي قابل منى فيه واتجه ناحية البلد، وأثناء ما كان ماشي، كان ظاهر عليه ملامح الحزن والخذلان، وكان مطاطي راسه وحاسس بالهزيمة، وما كانش عارف يتكلم مع حد.

لحد ما وصل لأوضته، وعينه اتجهت تلقائيًا ناحية الأوراق الثمانية اللي كان معلقها، ووقف قدام كل ورقة فيهم، وبدأ يضحك بطريقة مخيفة وسايكوباتية، وفضل يتريق على نفسه، وعلى السذاجة إللي كان فيها.

خالد مسك الورق وبدأ يقطعه وهو بيصرخ بصوت عالي، وبعد كده قعد على الأرضية وحط إيده على راسه، وفضل يفتكر ذكرياته مع منى والمرات إللي إترفض فيها لحد ما حس بخنقة شديدة، وقرر يروح أوضة جده لإن ده الشخص الوحيد إللي بيحبه، وبيفهمه.

خالد دخل على جده بسرعة وفتح الباب بدون ما يخبط، واتفاجئ بجده لسه مخلص الصلاة، وبيقوم من على المصلى.

خالد بلهفة وهو بينهج: هو فين الراجل اللي إنت قلتلي إنه يعرف حاجات كتير عن السرداب؟

الجد بهدوء: إنت قررت خلاص؟

خالد بعزيمة: أيوه، قررت وهنزل السرداب.

الجد: ويا ترى بقى هتعمل كده علشان منى؟

خالد: منى خلاص راحت ومش هترجع تاني، وكمان سبت الشغل، وما بقاش قدامي حل غير إنّي أنزل السرداب، هعمل كده سواء إنت رضيت أو لا.

خالد بجدية: أنا خلاص قررت أنزل، وما بقتش باقي على حاجة.

أنا عايز لما أكبر ويبقى عندي عيال ألاقي حاجة عدلة في حياتي أحكيهالهم، عايز ولو لمرة واحدة أثبت لنفسي إني بطل فعلاً، وأثبت لنفسي إني مش إنسان فاشل عشان إحساسي بالفشل أكتر حاجة تعباني.

الجد: طب ما إنت ممكن لو نزلت ما ترجعش زي أمك وأبوك.

خالد بجدية: يا جدي، الحاجة الوحيدة اللي كانت مخوفاني إني أنزل هي إنت، أنا كنت خايف عليك يا حاج، بس خلاص أنا دلوقتي واثق إنك هتقدر تعيش لوحدك وكمان تشجيعك ليا مخليني عايز أنزل أكتر.

الجد بابتسامة: طب عايزك تعرف إن في عفاريت وأشباح تحت، خايف منها ولا لا؟

خالد بابتسامة قوية: صدقني يا جدي ما فيش أوحش من البشر، فلو في عفاريت وأشباح تحت أنا مش خايف منها خالص.

وعلى فكرة عندك حق، سبب نزولي السرداب مش منى، وإتأكدت من كده لما لقيت نفسي عايز أنزل السرداب بعد ما منى بَعِدت عني، لا ده أنا كمان رغبتي في النزول زادت أكتر بعد ما هي بَعِدت عني.

يا جدي أنا بجد نفسي أنزل المكان ده علشان أعمل حاجة لنفسي، عايز أحس إني اتولدت من جديد، عايز ألاقي في السرداب ده قصة جديدة وحياة أفتكرها لما أكبر، وحاجة تنسيني تعب السنين اللي فاتت دي كلها.

خالد بص لجده بجدية شديدة، وإبتسم وقال: أنا عايز أقابل الراجل اللي يعرف حاجات عن السرداب ده، ألاقيه فين؟

الجد بابتسامة: ما تقلقش، هو سمع كلامنا وأظن كمان إنه اتأكد إن رغبتك في النزول شديدة.

خالد مكانش فاهم قصد جده ومستغرب من كلامه لحد ما واحد عجوز من سن جده دخل عليهم.

الجد بعد ما شاور على الراجل العجوز: أظن إنت عارف كويس مين الراجل ده؟

خالد: أكيد طبعاً يا جدي، في حد ما يعرفش الحاج مصطفى أصلان! ده جارنا من زمان.

الجد بابتسامة: طيب الحاج مصطفى هو الشخص إللي يعرف كل حاجة عن السرداب، وبيقول من زمان إنه مستني الشخص اللي هينزل السرداب من بعده علشان يعرفه الأسرار بتاعته.

خالد باستغراب: هو نزل السرداب قبل كده؟!

الجد بابتسامة: الحاج مصطفى أول واحد نزل السرداب من ٥٠ سنة ولما رجع قعد يحكي للناس إنه عارف حاجات عن السرداب ما حدش يعرفها غيره.

ومستني الشخص إللي هينزل السرداب من بعده علشان يقول له على الأسرار دي، وطبعاً كان لازم يتأكد إنك عايز تنزل من قلبك علشان يقول لك الأسرار وهو متطمن.

خالد بص للحاج مصطفى وهو مستغرب جداً لأنه عارف الحاج مصطفى من زمان بس عمره ما عرف إنه مجنون السرداب اللي كان جده بيحكيله عنه طول الوقت وهو صغير.

الراجل العجوز قطع صمت خالد وقال: أنا عارف إنك مستغرب إني مجنون السرداب، بس أنا كنت طول عمري مستني واحد زيك عنده الشجاعة علشان ينزل سرداب فوريك وأقول له على أسراره.

خالد باستغراب: هو السرداب إسمه فوريك؟

الحاج مصطفى: أيوه، وده إسمه الحقيقي، ولو دورت في أي مكان على اسم السرداب ده مش هتلاقيه، ولا هتسمع أي معلومة عنه.

تعرف إن الناس كانوا بيقولوا علينا مجانين لما كنا بندخل نقول لهم إننا نزلنا السرداب؟ بس إللي ما تعرفهوش بقى إنهم كان عندهم حق فعلاً.

خالد باستغراب: يعني إيه؟! يعني ما فيش سرداب؟!

مصطفى بابتسامة: لا، هو في سرداب، بس إحنا ما نزلناش.

خالد بحزن: يعني جدي كان بيكذب عليا!

مصطفى بضحكة: لا، هو الحوار وما فيه إننا ما نزلناش السرداب، بس إحنا ما كناش نعرف إن المكان اللي إحنا نزلناه ما كانش السرداب.

فلما طلعنا وحكينا للناس إننا نزلنا السرداب، كنا فعلاً مفكرين إن المكان اللي إحنا نزلناه ده السرداب، بس بعد فترة إكتشفت إن ده ما كانش السرداب، وإن ده كان مجرد نفق بيوصل للسرداب، بس إحنا خُفنا وطلعنا لما اللمض إنطفت.

وكمان خليت الموضوع سري بيني وبين جدك علشان جدك يفضل مفتخر بنفسه والناس تفكر إنه نزل السرداب فعلاً.

خالد بضحكة: أيوه إنتوا ما كملتوش علشان كان في عفاريت.

الجد مصطفى بسخرية: لا، برضه قصة العفاريت دي مش حقيقية.

خالد ساعتها اتضايق، وكان فاكر إن كل الحكاوي إللي سمعها كانت كذب.

الجد مصطفى وهو بيحاول يفهمه: جدك ما كانش بيكذب عليك ولا حاجة، إحنا كنا مفكرين إن دي عفاريت فعلاً في الأول.

بس بعد ما طلعنا وفكرت فيها شوية، أدركت إن إحنا كنا في نفق، والنفق ما كانش فيه أي أكسجين، ولما نزلنا النفق وقفلنا الباب الأكسجين انعدم تماماً، وطبعا نفس أي حد فينا هيطفي أنوار اللمض.

وإحنا كنا مفكرين ساعتها إن اللي طفى اللمض كان عفريت، فجِرينا من كتر الخوف.

خالد بفرحة: يعني مطلعتش عفاريت؟

مصطفى: أيوه، ما كانش في عفاريت ولا حاجة، وأنا لما عرفت المعلومة دي واتأكدت منها كنت فرحان جداً، وفرحتي مش سايعاني.

وقررت إني أنزل السرداب مرة كمان، بس عدت الأيام وكبرت في السن، والمرض سيطر عليا.

قررت ساعتها إني أستنى حد شجاع في عَزّ شبابه ينزل السرداب من بعدي ويحقق حلمي.

الحاج مصطفى طلع كتاب قديم من جنبه وقال: في من الكتاب ده نسخة واحدة في العالم كله، والشخص اللي كتبه واحد نزل السرداب قبل كده.

الكتاب ده أنا لقيته وأنا في سن الشباب في وسط الكتب بتاعة أبويا، بس للأسف لما لقيت الكتاب ده كان عدى عليه فترة طويلة وإتأثر بعوامل الزمن، وأغلب ورقاته تهالكت، وما تبقاش غير ١٠ صفحات سَليمين.

الحاج مصطفى ناول الكتاب لخالد وطلب منه إنه يفتحه ويقرأ بصوت عالي.

خالد خد الكتاب وفتحه، والحاج مصطفى وجده كانوا قاعدين بيشربوا الشاي وبيسمعوه.

الكتاب كان مكتوب بخط الإيد، وبيتكلم عن واحد غني كان موجود في العصر المملوكي واسمه (فوريك).

فوريك كان مستحوذ على المنطقة اللي كانت موجودة في البلد، والمنطقة دي كان إسمها بهو فوريك.

الراجل اللي اسمه فوريك أمر إنه يحفر في المنطقة دي سرداب كبير يكون مهرب ليه، ولأهل بلده علشان لو في أي غزو حصل.

السرداب ده تم بناؤه في ١٥ سنة، وفي خلال الفترة اللي عاش فيها الملك فوريك، خزن كل الكنوز بتاعته في السرداب ده.

صاحب الكتاب وهو بيتكلم عن نفسه: أنا لما نزلت السرداب لقيت النفق اللي ما كانش فيه أي تهوية، بس قدرت أتخطى النفق ده بسرعة ورحت للسلم اللي بيوصل للسرداب، والسلم ده كان طوله أكتر من ٣٠ متر تحت الأرض.

ومن اللحظة دي ما لقيتش أي مشكلة في التهوية، ودي حاجة عجيبة جداً، بس أدركت إن دي هندسة الناس بتوع الماضي، وكان تصميمهم للسرداب رائع جداً.

خالد وهو بيقرأ اتعجب لما شاف الجملة إللي مكتوب فيها إن السرداب بيبقى منوّر يوم اكتمال القمر رغم إن السرداب موجود تحت الأرض.

العشر ورقات خلصوا عند آخر جملة كتبها كاتب الكتاب وهو بيقول: كنت فاكر إن الكنز الحقيقي هي الكنوز والثروات إللي إتشالت فيه، بس لقيت حاجة أكبر، وأحلى، وأجمل من كل كنوز الدنيا لما اكتشفت……

العشر ورقات خلصوا قبل ما الجملة تكتمل، ودي حاجة خلت الفضول يزيد أكتر عند خالد.

خالد بلهفة: إيه؟! فين بقيّة الكتاب؟ وإيه الحاجة اللي إكتشفها؟

الحاج بابتسامة: أهو ده بقى السؤال اللي كان بيتردد في مخي لمدة ٥٠ سنة، وده السؤال اللي ممكن تعرف إجابته النهارده لو نزلت السرداب الليلة دي.

خالد باستغراب: إشمعنى الليلة دي؟!

الحاج مصطفى: يا إبني مش إنت قرأت في الكتاب وهو بيقول إن رغم السرداب تحت الأرض، بس بينور وهو القمر بدر؟

خالد بتردد: بس….

خالد سكت شوية وبعد كده إستجمع قواه وقال: وأنا موافق إني أنزل النهارده، ومش هضيع الفرصة الذهبية دي من إيدي.

الجد إبتسم وسند على عصايته وخرج من البيت، وساب مع خالد الكتاب.

خالد بعد ما الحاج مصطفى خرج، فضِل يقرا الكتاب أكتر من مرة، ومع كل مرة كان بيقرأ فيها الكتاب، رغبته في نزول السرداب كانت بتزيد، وكان عايز يعمل أي حاجة علشان يعرف الحاجة الثمينة جداً اللي شافها كاتب الكتاب.

وفضِل يسأل نفسه: هل الكاتب شاف عدد كبير جداً من الكنوز، ولا شاف آثار، ولا شاف حاجة عمري ما أي بشري شافها؟

خالد ساعتها فضِل يتأمل، وحاسس إنه أعظم إنسان في الدنيا، وفضِل يتخيّل نفسه وهو مكتشف الحاجة دي، ويطلع يعرفها للناس، ويبقى مكتشف القرن الـ٢١، وفضِل سرحان في أحلام اليقظة لحد ما الشمس قربت تغيب.

خالد طلع فوق سطح البيت علشان يشوف الغروب، وفضِل يتأمل في الأراضي الزراعية والأشجار العالية اللي حواليه، وبص على الطيور اللي كانت بتزين السماء، واللي شكلها كان بيبقى تحفة وقت الغروب.

خالد خد نفس عميق وكإنه بيستنشق هواء البلد بتاعته لآخر مرة وقال في نفسه: يا رب ما تكونش دي آخر مرة أشوف فيها المنظر الجميل ده.

خالد نزل من على السطح ودخل أوضته علشان يجهز لرحلته، وبدأ يجهز حاجته لحد ما الوقت عدى بسرعة، والليل جه، والسماء ظهر فيها القمر وهو بدر.

خالد كان مستني الهدوء ينتشر في البلد علشان يقدر يروح البيت بكل هدوء، ومحدش يشوفه.

بس هو عارف إنه مش هيستنى كتير لإن أغلب الناس في البلد بيناموا الساعة ١٠:٠٠ بالكتير، بس في واحد صاحبه اسمه (ماجد منير) هو الوحيد اللي بيتأخر لإنه بيقفل الصيدلية على الساعة ١٢:٠٠.

خالد ما كانش عايز حد يشوفه وهو رايح البيت المهجور في وقت متأخر، وفضِل مستني لحد ما الساعة جت واحدة، وفي اللحظة دي استعد علشان يمشي، وبص لجده بشوق وقال: ما تقلقش عليا يا جدي إن شاء الله هرجع بسرعة.

الجد ابتسم وقال بثقة: أكيد هترجع، يالا في إيه؟ أنا حفيدي راجل قوي وأنا كمان اللي مربيه، بس استنى قبل ما تمشي عايز أوريك حاجة.

خالد إستغرب ولقى جده رايح ناحية الصندوق القديم، وطلع من الصندوق ده ألبوم صور قديم.

خالد باستغراب: إيه ده يا جدي؟

الجد فضِل يقلب في صفحات الألبوم لحد ما وقف عند الصورة إللي كان واقف عندها قبل كده وقال بأسف وهو بيدي الصورة لخالد: دول أبوك وأمك يا خالد، دي كانت آخر صورة ليهم قبل ما ينزلوا السرداب.

الجد عينه دمعت، وخالد هو كمان عينه دمعت لما بص في الصورة، وفضِل يتأمل فيها فترة طويلة.

خالد وهو بيعيط: أول مرة أشوفهم يا جدي.

الجد وهو بيمسح دموعه: أنا عارف يا ابني، حقك عليا، بس والله أنا كنت بتعذب زيك كده وكنت مستني اليوم إللي تروح فيه السرداب علشان أوريك صورتهم.

الجد حضن خالد، وخالد حضن الجد بقوة، وهمس في ودنه وقال: هرجع تاني يا جدو، هرجع ما تخافش عليا.

خالد ودع جده متجه ناحية البيت المهجور، وما كانش في حد غيره في الشارع لأن الناس كلها كانوا نايمين.

خالد كان ماشي ومعلّق على ظهره شنطة فيها أكل يكفيه لأيام، وكشاف إنارة، وكان عايز ياخد معاه كاميرا بس افتكر إن تليفونه كفاية ويقدر يصور بيه أي حاجة هو عايزها، وكمان كان واخد معاه ورقة وقلم علشان حاسس إن في حاجات لازم يكتبها.

خالد كان ماشي بسرعة ومتلهف جداً علشان يوصل للبيت المهجور، وفعلاً وصل في مدة قصيرة، وأول ما شاف السور بتاع البيت، قرر ساعتها إنه مش هيتراجع خطوة ولازم يعدي السور ده، وفعلاً قدر إنه يعدي بكل سهولة.

في الناحية التانية…

الجد كان قاعد بيقرأ قرآن ويدعي لخالد إن ربنا يوفقه ويرجعهوله سالم غانم… لحد ما فجأة سمع صوت الباب وهو بيخبط.

الجد ساعتها افتكر إن خالد تراجع وخاف ينزل السرداب لوحده، وقام علشان يفتح الباب.

الجد بعد ما فتح الباب اتصدم لما شاف منى واقفة قدامه في الوقت المتأخر ده.

منى بلهفة: فين خالد؟ وما بيردش على تليفونه ليه؟

الجد باستغراب: ليه يا بنتي بتسألي عليه في وقت زي ده؟

منى بفرحة: خلاص هنتجوز أنا وهو.

الجد باستغراب: تتجوزوا إزاي يعني؟

منى وهي في غاية الانبساط: يا جدي أنا خلاص قدرت أقنع بابا بالجواز من خالد، وبابا أخيراً وافق، وما قدرتش أستنى للصبح علشان أبلغ خالد بالخبر السعيد ده، والصراحة برده خايفة يكون لسه زعلان مني.

في اللحظة دي الجد إبتسم وفضِل ساكت…

أما بالنسبة لخالد، فكان خلاص عدّى من سور البيت المهجور، ونور الكشاف بتاعه وبدأ يدور على مكان الصخرة اللي وصفها له جده، وما كانش هيقدر يوصل للصخرة دي بسهولة لإن البيت كان كبير جداً.

خالد فرح لما شاف الصخرة، وقلع الشنطة بتاعته وحط الكشاف ناحية الصخرة علشان يقدر يشوف، وسابه على الأرض، وراح علشان يزيح الصخرة من قدام البوابة بتاعة النفق إللي بيوصل للسرداب.

خالد بدأ يزيح الصخرة بس لاحظ إن الصخرة كبيرة جداً وإزاحتها صعبة، ورغم إنه كان بنيته قوية ومعضل إلا إنه لقى صعوبة كبيرة جداً في إزاحة الصخرة.

خالد ما استسلمش وفضِل يحاول كذا مرة، والعرق بدأ ينزل منه بغزارة، وللأسف كل المحاولات دي فشلت.

خالد ما كانش عايز ييأس من أول الطريق وفضِل يبص حواليه علشان يلاقي حل لإزاحة الصخرة.

وفعلاً بعد ما بص حواليه لقى خشبة كبيرة، وفكر ساعتها إنه ممكن يزيح الصخرة بالخشبة دي، وفعلاً حط الخشبة تحت الصخرة وبدأ يزيح الصخرة بكل قوته لحد ما عروق في وشه بانت، وكان بيجز على سنانه بقوة لحد ما أخيراً الصخرة انزاحت سنة بسيطة وساعتها خالد رمى الخشبة بعيد عنه وبدأ يزيح الصخرة بإيديه وحس إن الموضوع بقى أسهل لحد ما الصخرة بعدت تماماً عن باب النفق.

خالد ساعتها وقع على الأرض من كتر التعب وضربات قلبه تسارعت وما كانش قادر ياخد نفسه.

خالد بابتسامة سخرية: اجمد يالا، في إيه؟ إحنا لسه في أول الطريق.

خالد قدر يشيل أخيرًا الصخرة إللي كانت موجودة على الباب الحديدي، والباب الحديدي كان على شكل مربع في أرضية البيت المهجور.

خالد بدأ يفتح الباب، والباب ما كانش مقفول بأي قفل، وما كانش محطوط عليه غير الصخرة الكبيرة.

فتح الباب وهو بيسمّي الله، وأول ما فتحه عمل صوت تزييق بيدل على إن الباب ما اتفتحش من فترة طويلة.

خالد بعد ما فتح الباب ودخل، شغّل الكشاف بتاعه، وأول ما شغّله لقى سلم عمودي بينزل لتحت. 

خالد في نفسه: يا رب، عيني على طريقي للسرداب.

وأثناء ما كان بينزل على السلم علشان يوصل للنفق اللي بيوصل للسرداب، إتفاجئ إن الباب الحديدي إللي دخل منه اتقفل لوحده، وساعتها أدرك إن اللوح الخشبي إللي كان بيدعم الباب إتكسر.

لكن خالد ما اهتمش بالكلام ده نهائي ومشغلش باله غير رغبته في تعدية النفق في أسرع وقت.

خالد نزل على السلم بكل شجاعة لحد ما وصل للنفق، وأول ما وصل لاحظ إن الجو مظلم جدًا وما كانش فيه أي نور غير نور الكشاف بتاعه. 

خالد فضل يتحسس الطريق وما كانش شايف كويس بسبب الشباك العنكبوتية الكثيرة إللي كانت موجودة في النفق، لكن للأسف شجاعة خالد بدأت تزول لما لاحظ إنه بقاله فترة بيمشي في النفق ومش عارف يشوف آخره، ولا عارف يشوف أي حاجة بسبب الشباك العنكبوتية.

خالد ما إهتمش وما رضيش يبص وراه علشان ما يرجعش تاني لحياته التعيسة وقرر يكمل الحاجة اللي بدأها ولو لمرة واحدة، وفعلاً فضل مكمل في النفق بيدور على سلم السرداب إللي قاله عليه الحاج مصطفى.

طه فضل ماشي في النفق لحد ما حسّ بضيق في صدره، وضربات قلبه تسارعت، لكنه ما اهتمش وزود سرعته علشان يوصل لنهاية النفق، لحد ما الهواء إللي في صدره قل، ومن كتر الاختناق حطّ إيده على صدره لإنه ما بقاش قادر ياخد نفسه نهائي.

خالد فضل يجري بسرعة علشان يلاقي النهاية، لكن للأسف ما لقاش أي حاجة غير الشباك العنكبوتية والظلمة. 

فضل يجري زي المجنون في النفق وكان بيدور على نهايته بأي طريقة، لكن للأسف برضه بعد محاولاته الكتيرة ما قدرش يلاقي نهاية النفق. 

لدرجة إنه فضل يحسس على الحيطة بإيده علشان يلاقي أي فجوة أو أي باب سري يقدر يوصل بيه لنهاية النفق، لكن للأسف برضه كل محاولاته فشلت.

خالد فضل يسأل نفسه: يا ترى ممكن نهاية النفق تبقى فين؟ وبعد كده فكر إنه يرجع، بس أدرك إنه مشي مدة طويلة، ولو فكر يرجع نفسه هيضيق تمامًا، وممكن يزهق روحه قبل ما يرجع.

خالد كان يائس جدًا وفضل يجري لإنه ما بقاش باقي على أي حاجة، وبيدور في أي مكان على أي أمل، لحد ما وقع على الأرض والكشاف بتاعه وقع جنبه. 

خالد صرخ بصوت عالي وقال: ما فيش سرداب، ما فيش.

خالد نام على جنبه وغمّض عينيه كإنه إستسلم، بس قبل ما يغمّض عينيه لاحظ إن الكشاف بتاعه منوّر على حاجة غريبة. 

خالد بعد ما فتح عينه وإبتسم إبتسامة عريضه وكأن الحياة رجعتله: سرداب فوريك.

خالد بعد ما قال الجملة دي غمّض عينيه للحظات، وبعد ما فتحها لقى ألواح خشبية بتظهر في المكان إللي الكشاف كان منوّر عليه، والألواح دي كانت كأنها باب صغير وكان موجود في أحد جوانب النفق.

خالد في اللحظة دي فرح لإنه أخيرًا لقى باب هيخرجه من النفق المظلم اللي ما فيهوش أكسجين، بس المشكلة إن الباب بعيد عنه وهو ما كانش قادر ياخد نفسه، ومش قادر يتحرك حركة واحدة من كتر التعب.

خالد ضغط على نفسه وحاول يتحرك علشان يروح ناحية الباب، وفعلاً فضل يزحف ويمشي على إيده ورجله بالعافية، بس ما كانش قادر يقف على رجليه ففضل يزحف ومسك الكشاف بأسنانه، وفضل يعافر عشان يوصل وما كانش قادر يتنفس نهائي كإنه واحد بيغرق وبيحاول يوصل للبر.

وفضل يقاوم، ويعافر، ويصبر نفسه بالكنز اللي هيلاقيه، والهواء المنعش إللي هيلاقيه ورا الباب.

خالد في نفسه: كمل، ما تقفش، عافر لحد ما توصل للباب. هتعب الدقايق دي علشان أوصل للكنز إللي هتهنى بيه لوحدي.

وفعلاً فضل يزحف بالطريقة دي، وكان الباب بعيد عنه 500 قدم، بس الواقع إن الباب كان قريب منه جدًا.

فضل يعافر وحاول يقف بكل قوته، واستعمل آخر ذرة من القوة اتبقت عنده، وصرخ صرخة قوية، وبص للباب بكل عزم، ورمى نفسه ناحية الباب كإنه صخرة بتترمي على لوح خشبي متهالك.

وأخيرًا خالد كسر الباب الخشبي المتهالك وخرج من النفق، بس اتفاجئ إنه على سلم خشبي، وطبعا بسبب القفزة خالد ما قدرش يقوم وفضل يتدحرج على السلم وهو مغمّض عينيه، وبسبب إنه كان مستعمل آخر ذرة من قوته ما كانش قادر يتحكم في نفسه، ومش عارف حتى يحرك زراعه.

وفضل على هذا الحال لحد ما لقى نفسه وقع على الأرض، ولما فتح عينيه شاف مكان مختلف تمامًا عن اللي كان فيه.

خالد فتح عينيه ولقى نفسه مرمي على الأرض، بس فرح لإنه أخيرًا كان في هواء في المكان اللي كان موجود فيه، وصدره كان منتعش وكإنه شرب من بئر زمزم، وحس إن الحياة رجعت له مرة كمان، وفرح أكتر لما لقى إن المكان اللي كان فيه منوّر لوحده، وما كانش محتاج الكشاف بتاعه في أي حاجة.

خالد كان فرحان جدًا لإنه أخيرًا خرج من النفق المظلم اللي ما كانش فيه أي هواء ووصل أخيرًا للسرداب اللي فيه نور طبيعي وهواء منعش.

خالد بعد ما قام من على الأرض وخد نفس عميق قال بصوت كله فرحة وسرور: أخيرًا وصلت لسرداب فوريك، أخيرًا وصلت للسرداب المليان بالكنوز.

في اللحظة دي ما كانش شاغل باله أي حاجة، وبسبب جمال المنظر نسي الألم إللي حس بيه في النفق، ونسي الخبطات إللي خدها على السلم، وفضل يلف حوالين نفسه علشان يكتشف كل حاجة قبل ما البدر يختفي، ولقي إن كلام كاتب الكتاب كان فعلاً صح، لإن النفق كان منوّر بسبب نور القمر، والهواء موجود فيه رغم إنه تحت الأرض.

خالد دخل النفق وكان منبهر جدًا ببراعته الهندسية وجماله الخرافي، وفي اللحظة دي أدرك إن الكاتب عنده حق لما قال إن النفق فيه حاجات أحلى من أي كنز.

خالد لقى نفسه في نفق كبير جدًا، أكبر من النفق إللي كان فيه، وارتفاعه حوالي 10 أمتار، وعرضه تقريبًا نفس المقاس.

فضل يتمشى في النفق وهو بيتأمل جماله، وحس إنه في مزار سياحي، لإن النفق كان عليه رسومات غريبة وشكله تاريخي جدًا.

خالد طلع ورقة وقلم وبدأ يكتب الحاجات اللي بيشوفها قدامه علشان ياخد أكبر قدر من المعلومات الموجودة في النفق، واستغرب جدًا إن في نفق بالحجم الكبير ده ومليان آثار زي دي، واستغرب أكتر إن النفق العظيم ده كان موجود تحت البلد الفقيرة بتاعته، وإستغرب لما لقى إن ما حدش يعرف عن النفق ده غير كاتب كتاب سرداب فوريك، وشوية ناس ما حدش مصدقهم.

خالد قال في نفسه إن أكيد ده أعظم اكتشاف في القرن العشرين، وممكن الاكتشاف ده يخليه أغنى الأغنياء، وكمان تبقى بلده مزار سياحي، وتبقى مشهورة وغنية، وقال في نفسه ساعتها إن الكنز العظيم إللي كان يقصده صاحب الكتاب هو نفق السرداب نفسه.

خالد فضل يتمشى وهو منبهر ومبسوط جدًا بالاكتشاف إللي لقاه، وعمال يضحك بهستيريا، فرحان جدًا إنه اكتشف أخيرًا حاجة تخليه شخص مختلف، وفرح أكتر لما أدرك إنه بعد شوية ممكن يلاقي كنز أو حاجة غالية يقدر يستفيد بيها.

لكن للأسف السعادة دي ما كملتش، وفرحته انتهت، وكل الأفكار الحلوة اختفت لما رجله اتخبطت في جسم غريب.

خالد كان عمال يتمشى في النفق ومش عايز يسيب شبر فيه غير لما يكتشفه ويبص عليه، لكن فجأة لقى شيء غريب خبط في رجله.

بص تحت رجله وجسمه إنتفض لما شاف هيكل عظمي لإنسان موجود تحت رجليه. 

خالد اترعب جدًا لأنها كانت أول مرة في حياته يشوف هيكل عظمي لإنسان، والأكتر رعبًا إن مش ده الهيكل العظمي الوحيد اللي موجود في النفق، لإن كل خطوة كان بياخدها بيلاقي هياكل عظمية تانية، وكإن النفق بيقوله إن ده مصير كل إللي دخل هنا.

خالد اترعب جدًا لإنه حس إن مصيره ممكن يبقى زي الناس اللي مش متبقى منها غير هياكلها العظمية، وزعل أكتر لإنه ممكن يكون واحد من الهياكل دي لأبوه، أو لأمه.

 خالد وهو غرقان في بحر الخوف واليأس، اتفاجئ إن نور البدر اللي في النفق عمال يقل.

بص على الساعة اللي في إيده، ولقى إن الفجر قرب، والقمر خلاص هيمشي. خالد في اللحظة دي ما كانش عارف يعمل إيه لأن صاحب الكتاب قال إن السرداب بينور وقت البدر بس، وخالد ما كانش عارف إيه اللي هيحصل بعد كده وإتمنى لو كان معاه بقية الكتاب، بس للأسف ما كانش معاه غير 10 صفحات بس.

حاول خالد يخرج من دوامة اليأس اللي دخل فيها، وقرر يكمل وما يهتمش بالحاجات اللي شافها علشان ما يبقاش مصيره زي مصير الهياكل العظمية اللي شافها.

ورغم إن النور كان بيتلاشى، حاول ميشغلش باله، وفضل ماشي في السرداب لحد ما لفت إنتباهه صورة منقوشة على حيطان النفق لشخص شكله غني جدًا.

خالد بعد ما بص على الصورة وهو مبتسم قال: أكيد إنت بقى فوريك صاحب السرداب. 

أحب أعرفك بنفسي، أنا خالد حسني، الشخص اللي اكتشف سردابك، وأشكرك جدًا لأني بسببك هعيش أحلى أيام حياتي.

ضحك خالد وطلع تليفونه وصوّر الصورة، لكن المفاجأة كانت إنه أول ما صورها حس بهزة عنيفة تحت رجليه، وبمجرد ما الهزة حصلت، النور بتاع النفق بدأ يتلاشى تمامًا.

وفجأة وبدون أي مقدمات، خالد حس بحاجات غريبة بتحصل في النفق، ولما بص وراه لقى إن النفق كان عمال ينهار والسقف والجدران بيقعوا، والمصيبة إن الانهيار كان عمال يقرب من خالد بسرعة.

خالد في اللحظة دي ما كانش مصدق اللي بيشوفه، وفضل يرجع لورا وهو يبص على الانهيار، لحد ما أدرك إن خلاص الانهيار قرب منه فلف بسرعة وفضل يجري للأمام، والنفق بيتدمر من وراه.

خالد كان بيجري بسرعته كلها، وكإن الزلزال كان أسد، وهو الفريسة اللي بتحاول تهرب.

كان حاسس إنه في حلم، مش مصدق إللي بيحصل، ومرعوب جدًا من صوت الصخور الضخمة وهي بتقع على الأرض، وعمال يتخيل صخرة وهي بتنزل على دماغه.

كان مرعوب لإن لو صخرة واحدة منهم نزلت عليه، هتزهق روحه.

وأثناء ما هو بيجري، شنطته إللي كان معلقها على كتفه وقعت، لكنه ما اهتمش بيها نهائيًا، لأنه عارف إن حياته أغلى من الأكل والشرب إللي فيها، وفضل يجري، وساعدته رجليه الطويلة، لحد ما شاف قدامه نفقين، لكن للأسف واحد منهم كان مدمر، فاضطر يخش في النفق السليم، وفضل يجري على أمل إنه يلاقي أي مخرج.

كان حاسس إن الانهيار ده بيحصل بطريقة مدروسة.

وأثناء الجري، اتفاجئ بمنحدر عالي قدامه، ولما بص وراه لقى إن الزلزال خلاص قرب منه، وأي لحظة ممكن صخرة تقع عليه، وبعد كده بص على المنحدر وقرر إنه يطلع عليه لحد ما يلاقي مخرج، لكن للأسف المنحدر كان عالي، وده خلى طلوعه صعب.

الزلزال كان قريب جدًا، وخالد عمال يطلع على المنحدر بأقصى سرعته، نفسه كان بينقطع، لكنه شاف حاجة قدامه زودت الأمل عنده.

شاف في آخر المنحدر نور بسيط، وكل ما يقرب يحس إن النور بيكبر، ولما بص وراه لقى ظلام شديد وزلزال قوي، وده زود العزيمة عنده.

وهو باصص للنور افتكر نور بلده، وحس إن ده المخرج إللي هيخرجه من السرداب المظلم.

خالد جري بسرعة ناحية الفتحة، ونط بسرعة، وأخيرًا خرج من النفق.

بمجرد ما خرج، انهار النفق تمامًا، والفتحة إتسدت كأن الأرض طردته من جواها.

خالد لقى نفسه مرمي على الأرض، وراسه مدفونة في الرمل.

قام بسرعة وبدأ ينفض الرملة من على وشه وعينيه، ورفع عينه للسماء، وشاف أخيرًا منظر السماء الصافية المتلونة بالأزرق الصافي. 

خالد رفع إيده للسماء وقال: شكرًا إنك اديتني فرصة تانية يا رب.

افتكر إنه أخيرًا خرج من السرداب، ونجا من الانهيار الملعون، وافتكر إنه أخيرًا رجع لبلده، وهيرجع لحياته الطبيعية تاني.

فضل باصص للسماء، لإنها كانت جميلة جدًا، وبعدين بص حواليه، وساعتها كانت المفاجأة.

خالد لما بص حواليه ملقاش غير الرمل، قام بسرعة وبص حواليه تاني، ولقى إنه محاط بالرمال من كل اتجاه.

خالد فضل يضرب نفسه بالقلم، ويمسح عينيه كويس ويقول: إيه العبط ده؟ أنا إيه اللي جابني هنا، وإيه الصحراء دي؟!

خالد بعد ما ضرب نفسه بالقلم، فضل يبص حواليه تاني، يمكن يلاقي أي حاجة غير الرمال والسماء الصافية، لكن ملقاش غير صحراء جرداء لا زرع فيها ولا ماء.

قعد مكانه مندهش من المنظر إللي حواليه، وبعدين بص على فتحة السرداب إللي خرج منها، وملقاهاش،  كإنها ما كانتش موجودة أصلًا.

بص خالد وهو بيسخر من نفسه وقال: يعني إيه؟ يعني حتى مش هعرف أرجع للبلد إللي كنت بعاني فيها؟ وهفضل هنا في الصحراء دي؟!

خالد بضحكه ساخره وفيها خيبه أمل: دي شكلها كده طلعت نصبايه يا باشا، وشكل فوريك ده مجرد شخص عادي، ومعهوش كنز ولا أي حاجه.

وبعد كده بص حواليه بتعجب وقال: طب إيه؟ السرداب ده كان معمول عشان نعمر الصحرا ولا إيه؟ طب فين الكنز؟ طب أنا فين كده؟ يا ترى أنا في أنهي صحرا؟ ولا أنا في السعوديه ولا عديت حدود ليبيا ولا إيه؟؟

 وبعد كده صرخ بصوت عالي وقال: هو أنا إتجننت ولا إيه!!!؟ إيه إللي بيحصل؟!!!

خالد كان قاعد في الصحراء عمال يلف حوالين نفسه ومش عارف الموقع بتاعه فين.

خالد فضل قاعد في المكان إللي كان فيه فتحة السرداب، وكان فاقد الأمل، وكإنه مش عايز حاجه من الدنيا غير إنه يرجع البلد بتاعته.

خالد غطى راسه بالقميص اللي كان معاه علشان يحمي وشه من حراره الشمس لإن ما كانش في أي مباني أو أي حاجه حواليه تحميه من الشمس.

بعد شويه بص على الساعه بتاعته ولاحظ إن الساعه عقاربها وقفت، واستغرب جدا إن الساعه وقفت لإن هي كانت جديده وما فيهاش أي مشكله لحد ما قطع حبل أفكاره صوت ناس بتجري.

خالد انتفض من مكانه بسرعه وبص حواليه لحد ما شاف راجلين شكلهم غريب عمالين يجروا.

خالد بجعله الأمل وفرح جدا، وحس أخيرا إنه لقى طوق نجاه يخرجه من الصحراء الجرداء دي.

خالد جري على الاتنين إللي بيجروا، وأثناء ما كان رايح عليهم لاحظ إن شكلهم غريب وهدومهم متبهدله جدا، وشكلها مش طبيعي ده غير إن هم باين عليهم التعب الشديد، وكإن عندهم مرض نادر.

خالد بعد ما وقفهم علشان يساعدوه: ازاي حضراتكم عاملين إيه؟ ممكن تساعدوني؟

الشخصين الغريبين بصوا لخالد باستغراب، وبعد كده سابوه وكملوا جري.

خالد استغرب من رد فعلهم وكمل جري وراهم علشان يوقفهم وسألهم: يا جماعه ثواني، إنتوا ليه بتجروا؟!

واحد من الاتنين بعد ما بصله: ماذا بك؟ ألا ترى ما نحن فيه؟!

خالد ساعتها كان بيضحك بسخريه من اللهجة بتاعته وقال بسخريه: أجل يا سيدي إنني أراك جيدا.

خالد حاسس إن اللهجة بتاعة الناس دي سعوديه فقرر يسأله: هو إحنا في السعوديه، صح؟

الراجل الغريب: ما هي السعوديه؟

خالد بادراك: اااه ده إنتوا شكلكم مبرشمين بقى.

الراجل التاني: ألست من هنا؟

خالد: أيوه أنا مش من هنا، ممكن بقى تقولوا لي إنتوا مين؟ وإحنا فين؟

واحد منهم: إن حالتنا مزريه كما ترانا، ونحن فقراء جدا، وهربنا إلى الصحراء لكي نحصل على الطعام.

الراجل التاني: أليس معك من الطعام شيء؟

خالد بأسف: لا صدقني معيش أي أكل، بس كان معايا في الشنطه بتاعنى إللي وقعت مني.

بعد كده حط إيده في جيبه وطلع 10 جنيه ومد إيده للراجل وقال: بص أنا معايا فلوس، ممكن تاخدوها وتقولوا لي إحنا فين دلوقتي؟

واحد من الشخصين الغريبين خد ال10 جنيه وحطها في بقه، وكالها.

خالد بعد ما بعد عنه باستغراب: إيه يا عم العبط ده إنتوا شاربين حاجه ولا إيه؟ هي وصلت إنك تاكل الفلوس؟!! إنت جعان للدرجه دي؟!!

الراجل التاني: ماذا تعني بفلوس؟ هذه ورقه، وقد كان صديقي جائعا فأكلها.

خالد: لا ده إنتوا شكلكم هتتعبوني معاكوا بقى.

الراجل الغريب: يبدو لي إنك شخص كريم، ومن كرمك أنا متأكد إنك لست من هنا، وأشعر أيضا إنك شخص غني جدا.

خالد ضحك وبص على هدومه إللي متبهدله من السرداب والتراب، والعرق اندمجوا وكان شكله سيء جدا.

خالد في نفسه: غني إيه؟! العيال دي شكلها مجانين، لمجرد إنه شاف معايا 10 جنيه افتكر إنّي غني، لا وكمان بياكلوا فلوس!!

خالد قرر يتعامل معاهم على إنهم مجانين، ويهاودهم لحد ما يلاقي مخرج من المعاناه دي.

خالد بيضيق: طيب دلوقتي ممكن تعرفوني بقى إنتوا هتعيشوا إزاي في الصحراء دي؟ وإيه الحاجه اللي إنتوا هربانين منها؟ والأهم من كل ده إيه المكان اللي إحنا فيه دلوقتي؟ والصحراء دي إسمها إيه؟؟

الراجل إللي أكل الفلوس: إننا أشخاص فقراء، ولقد هربنا إلى الصحراء لأن هذا أفضل من العيش في أرض الذكاء، لأننا لا نريد أن يكون مصيرنا مثل مصير من سبقونا، وأظن إننا محظوظين جدا لأننا هربنا قبل أن يحصل لنا مثل ما حصل لهم، وللأسف قد تركنا من نحب قبل هذا اليوم.

خالدباستغراب: أرض الذكاء!؟

واحد منهم: ألا تعرف أرض الذكاء!؟

خالد: لا ما أعرفهاش، أرض الذكاء دي أول مره أسمع عنها، وبعدين أنا مش شايف قدامي أي أراضي، أنا مش شايف غير صحراء بس.

واحد من الرجال بتعجب: من في هذا الزمان لا يعرف أرض الذكاء!؟ أظن أنك لست غريبا عن هنا فقط، أظن أنك غريب عن الدنيا كلها.

الراجل التاني: دعك منه يا رجل، هكذا هم الأثرياء دائما يسخرون منا نحن الفقراء.

وبعد كده شاور على زاويه محدده بإيده، ووجه كلامه لخالد وقال: اذهب في هذه الزاويه وستجد أرض الذكاء، إنها على بعد أمتار قليله.

الاثنين الغرباء مشيوا وسابوا خالد، وكملوا الجري بتاعهم في الصحراء.

خالد هز كتفه باستغراب وافتكر إن الاتنين دول مجانين.

خالد في نفسه: دول شكلهم مجانين خالص، بس للأسف أنا مضطر أسمع كلامهم علشان أخرج من المكان اللي ما فيهوش أي نقطه ميه ولا أكل ده.

خالد فضل ماشي ناحيه الاتجاه اللي الراجل الغريب شاور عليه لحد ما لقى هضبه عاليه فطلع عليها لحد ما اتفاجئ بأحلى منظر شافته عينه.

خالد لما واقف فوق الهضبه بمدينه شكلها جميل جدا، وفيها أراضي زراعيه كثير وفيها مباني كبيرة وشكلها فخم، وفيها شلالات وأنهار.

خالد اتفاجئ جدا بالمنظر اللي شافه لأنه ما كانش متوقع أبدا إن يبقى في أرض بالشكل والجمال ده جنب الصحراء الجرداء زي دي.

لحد ما قطع تفكيره واحد من الرجلين الغريبين وهو بيقول بنبره تحذيريه قويه: إياك أن تنزل إلى أرض الذكاء، إياك.

الرجلين الغريبين كملوا جريهم وخالد ما اهتمش بكلامهم لإنه اعتبرهم مجانين وفضل يبص على المدينه الجميله دي من فوق ويسأل نفسه: يا ترى أنا فين من العالم دلوقتي؟ وأرض الذكاء دي موجوده فين على الخريطه.

خالد ابتسم لما شاف طريق بيوصل للمدينه دي، والطريق كان شكله متجهز علشان يوصل لأرض الذكاء.

خالد ما كانش قدامه أي حل غير إنه يمشي في الطريق ده لحد ما يوصل لأرض الذكاء لأنه كان عايز يوصل لها بأي طريقه بسبب جوعه وعطشه، وحاول يأجل معرفته للمكان ده، ويوصل بعد ما ياكل ويشرب.

خالد نزل من على الهضبه اللي كان عليها ومشي في الطريق اللي كان متمهد للوصول لأرض الذكاء.

خالد فضل ماشي فتره طويله جدا لحد ما رجله تعبته وكان كل ما يمشي في اتجاه أرض الذكاء يلاقي إنه لسه حتى ما بيقربش منها لدرجة إنه حس إن الأرض دي مجرد سراب ومش حقيقيه.

بس اتأكد من وجودها بعد ما شاف حصان بيجر عربيه راكب عليها السواق.

خالد جري ناحيه الراجل ده بسرعه وفضل ينده عليه بس سواق العربيه ما اهتمش بيه وفضل ماشي.

خالد يتعصب جدا وفضل يجري في الاتجاه اللي العربيه كانت ماشيه فيه لحد ما العربيه اختفت تماما.

خالد تعب جدا، وغير إن الشمس بقت عمودية والحر بقى شديد، وخالد ظهر عليه علامات التعب، والإرهاق، وكمان بدأت كدمات تظهر على جسمه بسبب الخبطات اللي خدها في السرداب.

خالد كان تعبان وكان هيموت من الجوع، والعطش، بس كمل لإنه حس إن أكيد في راحه بعد التعب ده كله، وأكيد هيلاقي حد يساعده.

لحد ما سمع من وراه صوت حصان بيجر عربية.

خالد بص وراه بسرعة وشاور لسواق العربية وفعلا صاحب العربية وقف.

خالد بترجي بعد ما صاحب العربية وقف له: أرجوك ساعدني، أنا عايز أروح أرض الذكاء.

سائق العربية: وكم ستدفع من المال؟

خالد بعد ما طلع فلوس ورقية من جيبه: هدفع لك الفلوس دي.

سائق العربية في غضب: ما هذا ورق؟!

خالد باستغراب: أيوه ورق، إيه المشكلة؟

سائق العربية اتعصب ورمى الفلوس الورق في وش خالد ومشي.

خالد إستغرب من عصبيته بس ما اهتمش وفضل ماشي وأثناء ما كان ماشي سمع صوت عربية تانية وراها فحاول يوقفها، ولما وقفها صاحب العربية سأله هيدفع كام، وخالد طلع الفلوس الورق، وحصل نفس اللي حصل مع السواق إللي فات، والسواق إتعصب ومشي.

وبعد شويه جت عربية ثالثة وحصل نفس إللي حصل في العربيتين إللي فاتوا.

خالد بابتسامة فيها خيبة أمل بعد ما سواق العربية سابه ومشي: لا بقى دي مش أرض الذكاء، دي أرض المجانين.

خالد فقد الأمل وقرر يمشي لحد الأرض بنفسه وما يستعينش بأي عربيات.

وبعد شويه خالد سمع صوت عربية وراه، بس لما بص لاحظ إن العربية دي أكثر فخامة ومغلقة من جميع النواحي، وشكلها راقي جدا.

خالد عرف إن العربية دي لشخص غني، بس ما عرفش نفسه وما حاولش يوقفها وساب العربية تمشي، بس المفاجاه إن العربية لما عدت من جنبه خالد لاحظ شخص متشعبط في العربية من ورا.

خالد يستغرب جدا من الشخص ده ولاحظ إنه راكب من غير ما يستأذن صاحب العربية، بس إتفاجئ أكتر لما الشخص الغريب ده شاور له علشان يجي يتشعبط زيه.

طبعا خالد إستغرب جدا بس قرر يتشعبط لأنه ما قدامهوش أي حل غير ده.

خالد بعد ما ركب بص على الشخص إللي جنبه ولاحظ إنه شاب في نفس سنه، وشكله طيب.

خالد وهو ماسك في العربية بكل قوة: شكرا على مساعدتك.

الشاب بهمس بعد ما حط صباعه على بوق خالد: شششش، إصمت لا نريد أن يسمعنا أحد.

خالد سكت والعربية كانت ماشية في إتجاه أرض الذكاء، وخالد طول الطريق كان مندهش جدا من لبس الشاب إللي كان جنبه، ولاحظ خالد إن الشاب بيبصله بدهشة هو كمان.

سواق العربية كان عمال يصيح في الحصان بتاعه علشان يسرع، وخالد والشاب إللي معاه كانوا متشعبطين من ورا لحد ما العربية قربت من أرض الذكاء، والشاب شاور لخالد علشان ينط من على العربية قبل ما يوصلوا للبوابة.

خالد بعد ما نط من العربية بص في اتجاه أرض الذكاء، وأول ما بص إندهش جدا من المنظر الرائع إللي شافه قدامه.

خالد شاف سور محاط بأرض الذكاء مليان نقوش في غاية الجمال، وكان في باب ضخم جدا في منتصف السور، وهو ده كان باب مدينة الذكاء، والباب ده كان مفتوح على الآخر والعربيات بتعدي منه ذهاب وعودة.

خالد بعد كده بص على الشاب وقال: متشكر جدا على مساعدتك لي.

الشاب: لا شكر على واجب يا أخي، لقد كنت مثلك أعاني من حرارة الشمس وكنت أحتاج إلى عربة لكي توصلني إلى الأرض.

خالد بابتسامة: هو إنت من أرض الذكاء؟

الشاب: نعم، أنا من هنا، لكني أظن أنك غريب، أليس كذلك؟

خالد بيضحك: أيوه، أنا من البلد إللي جنب المنصورة، وإسمها: البهو فريك.

الشاب اندهش جدا من كلام خالد لإنه ما كانش عارف فين المكان ده.

الشاب باستغراب: ماذا تقول؟!

خالد وهو بيحاول يفهمه أكتر: بص علشان المعلومة تبقى أوضح، أنا من مصر.

الشاب بنفس الاندهاش: ما هي، هل هي موجودة في الشمال؟

خالد باستغراب: أنت مش عارف مصر فين؟! دي أم الدنيا.

الشاب باستغراب: سامحني، أنا لا أعرفها.

خالد سكت وافتكر إن الناس إللي كانوا في الصحراء برده كانوا بيتكلموا بنفس الطريقة الغريبة، وحاول يريح نفسه من كلامهم الغريب وقال: أيوه، أيوه فعلا مصر في الشمال، المهم بس أنا عايز أعرف أنا فين؟

الشاب باستغراب: إزاي ما تعرفش إنت فين؟ إنت في أرض الذكاء، أرض الذكاء.

خالد ما قدرش يمسك نفسه من الضحك وقال بسخرية: أرض الذكاء! أمال لو دي أرض الغباء كنتوا هتبقوا عاملين إزاي؟! ده أنا ما فيش حد عاقل قابلته في البلد دي.

وبعد كده كمل كلامه وقال: أيوه يعني البلد دي تبع أي جمهورية ولا أي قارة؟

الشاب وهو باين عليه الاستعجال: لا أعرف، لا أعرف، لكنها أرض الذكاء فقط، وسامحني أريد أن أتركك الآن لإني ضيعت وقتا كتيرا، ولدي عمل أقوم به.

الشاب شاور لخالد وودعه وهو ماشي.

خالد وهو بيشاور له: أنا اسمي خالد.

الشاب الغريب: أنا يامن، لقد سعدت بلقائك يا خالد، أتمنى لك حظا سعيدا في أرض الذكاء.

يامن مشي وخالد كان لسه واقف قدام البوابة الضخمة بتاعة المدينة، وقرر يدخل من الباب، ويكتشف المدينة، بس أول دخل من باب المدينة حس برعشة قوية في جسمه، وحس بصداع شديد في دماغه، وكان في صفارة قوية في راسه هتزهق روحه.

خالد وقع على ركبته من كتر الألم وفضل ماسك راسه من كتر الوجع إللي محسش بيه قبل كده، وفضل في الحالة دي لمدة دقايق لحد ما بدأ الألم يروح تدريجيا.

خالد فات من الوجع بتاعه فجأة وقام وقف وكانه ما حسش بوجع قبل كده، مستغرب من الوجع إللي حس بيه بس ما اهتمش، ودخل المدينة ومشي فيها.

خالد مشى في المدينة وكإنه ماشي في مدينة الأحلام، عمال يبص على وشوش الناس وتعبيراتهم المختلفة، وكان في منهم إللي مبتسم، وإللي على وشه ملامح الحزن والغضب، وفضل يبص على وشوش الناس وعلى ملامحهم المختلفة.

وبعد كده بص على اللبس إللي الناس لابسينه وكان مختلف عن لبسه بطريقة غريبة، لأن الناس الكبيرة كانوا لابسين جلباب ولابسين على راسهم عمامة، وبالنسبة للشباب والأولاد فكانوا بيلبسوا بناطيل واسعة من فوق وضيقة من تحت، والبناطيل دي فكرت خالد ببناطيل الصيادين إللي كان بيشوفها دايما، بس البنطلون ده كان أنيق أكتر وشكله جميل جدا، وكانوا بيلبسوا من فوق قميص واسع، ومصنوع بورق من جلد الحيوانات، وفي منهم إللي كان بيبقى مصنوع قميصه من القماش.

أما بالنسبة للنساء، فخالد لاحظ إنهم كانوا بيلبسوا فساتين فضفاضة وألوانها جميلة، وخلاّبة، ولاحظ كمان إنهم ما كانوش بيلبسوا حاجة على رأسهم، وغير إنه لاحظ إن أغلب النساء كانت جميلة جدا في المدينة دي، بس طبعا ما حاولش يبص لواحدة فيهم لإنه ما كانش عارف رد فعل الناس هيكون إيه.

لتكملة القصة اضغط الزر بالاسفل

 



هل كان المحتوى مفيداً؟

نعم
لا
شكرا لك

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى