قصص إثارة وغموض

الحاسة السادسة

الفصل الأول

مش عارفة إمتى فهمت إني مميزة عن الناس، يمكن وأنا عندي سبع سنين لما كنت بلعب مع البنات، كنا نخبي الكورة وبعد كده بنت من البنات تدور عليها، وهي بتنادي وتقول: إنت فين يا كورة؟ مستخبية فين يا كورة؟

 كانت زميلاتي في المدرسة بيوجهوا مشقة كبيرة إنهم يلاقوا الكورة، أما أنا فكنت بقدر أشوفها في خيالي، صورتها واضحة ورا الشجرة ديه، أو ورا الباب ده، عشان كده كنت بلاقيها بسهولة وكانت صديقاتي بيستغربوا، أنا مكنتش شايفة إن اللي أنا بعمله ده في أي تميز أبدا.

أنا شفت الكورة وجبتها.. إيه المميز هنا؟ هي فعلاً كانت الكورة بتبقي موجودة في الصندوق أو ورا الباب بس أنا لقيتها ..يبقى إيه المشكلة؟

 وفي سن المراهقة بدأت أخذ بالي إن في حاجة مختلفة فيه، أقدر بكل بساطة إن ألاقي الحاجات المستخبية، كمان لو لمست حاجة ممكن أعرف اللي كان ماسكها قبلي كان حاسس بإيه في لحظتها.

 واللي أغرب من كده، مثلاً المدرس العجوز اللي كان في مدرستي، وسلم عليا علشان يباركلي على نجاحي، أول ما لمست إيده حسيت بكمية مشاعر حزن كبيرة، وقد إيه إن هو متعلق بيه، فهمت وقتها إن أنا بفكره بحد عزيز عليه.

المشكلة إن أنا في الأول مكنتش شايفة إن في مشكلة في ده كله، كان عندي تصور أو تخيل أن كل البنات زيي، وبعد كده بدأت أستوعب، يعني في مرة قلت بخوف إن في حريق في اوضة في المدرسة، ضحكت عليا البنات، وبعد كده سمعت صويت ودخان ونار بعد نص ساعة، وقتها البنات بصتلي بذهول وصدمة، وقتها حسيت إني مختلفة.

أقدر أقول إن الميزة ديه فادتني كتير في مذاكرتي ونجاحي، كنت بقدر أتخيل جزء كبير من أسئلة الإختبار قبل ما أدخله وكان في جزء بيفضل مخفي، والموضوع ده بيرجع زي ما عرفت بعد كده إن الميزة ديه أنا ما بقدرش أتحكم فيها بشكل كامل، بعض الأوقات ممكن تمشي وتسيبني، وأوقات تانية تكون قليلة أوي، وأوقات تديني كل حاجة.

أنا النهاردة عندى عشرين سنة، وقدرت إني أفهم الميزة ديه إلى حد ما، تحب تسمع وجهة نظري عنها؟

أنا إسمي هالة الشربيني، شكلي يعتبر مش مميز أوي من الناحية الجمالية، والدي مهندس بترول لطيف واجتماعي، بس أنا مش بشوفه تقريباً، شغله بيخليه يقعد معانا أسبوع ويغيب شهرين، والدتي مدرسة، عندها الإلتزام والجدية أمر ضروري، بتتخيل أن حب الأم وحنانها ده ضعف ما ينفعش إنه يبان، في الوقت بس اللي بتعب فيه أو يكون في حاجة فيها خطر عليا يظهر حنانها، عندي أخ أصغر مني، وأخت أكبر مني.

دلوقتي أنا في كلية تجارة، للأسف الميزة بتاعتي سابتني وقت الثانوية العامة فما قدرتش إني أجيب مجموع كويس، بس رجعتلي تاني الميزة ديه في الجامعة، وبدأت في تفوقي ونجاحاتي، عندي إحساس كبير إني هكون واحدة من الدكاترة بمجرد ما أخلص دراستي ده لو الميزة بتاعتي ما سبتنيش.

 في الوقت ده أتعرفت على دكتور محمد المهدي، كان قريب واحدة صاحبتي، وكنت طلبت منها تعرفني عليه، كان دكتور نفسي بس هو بيهتم جداً بعلم إسمه الباراسيكولوجي أو علم الخارقية، وفعلاً حصل، قابلته في خطوبة واحدة قريبتها، وقفنا بعيد عن الدوشة بتاعة الحفلة، كنت متخيلة إنه هيكون أقرع، عنده لحيه، لابس نظارة سميكة، بس هو ما كانش كده كان راجل جميل الشكل عنده أربعين سنة تقريبا، وسمعني بتركيز وأهتمام.

 حكيتله عن الميزة اللي عندي، اللي محدش يعرفها إلا عدد قليل أوي، وكان رد فعله غريب نوعاً ما، طلع من جيبه مجموعة من الورق زي الكوتشينة، أستغربت أوي إزاي راجل يجي خطوبة ومعاه ورق كوتشينة في جيبه، طلع الورقة الأولى كان ظهرها ليه وقالي: الورقة اللي في إيدي ديه إسمها زينر، تقدري تشوفي إيه اللي موجود جوه البطاقة؟

 بدأت أفكر شوية، ويظهر في دماغي صورة موج البحر، قلت بتردد: يمكن موجه بحر؟

طلع ورقة تانية وسألني رديت: نجمة فى السما؟

 وبدأ يطلع ورقة ورا الثانية، وفي كل مرة كان بيسألني إيه الرسمة الموجودة على ورقة الكوتشينة، وأنا أتخيل وأجاوبه في الآخر قالي: إنتي قدرتي تعرفي 15 ورقة من أصل 25، إنتي أكيد عندك ميزة المعرفة الإستثنائية للحواس أو الإدراك خارج الحواس، بمعنى إن إنتي مش محتاجة بس للحواس الخمسة عشان تعرفي اللي بيحصل حواليك، زي ما بنسميه بشرح مبسط ومختصر الحاسة السادسة.

في كتير بيقولوا إن الحاسة ديه كانت موجودة عندنا كلنا، وبعد كده أختفت، وفي أنواع من المعرفة الإستثنائية للحواس زي التخاطر، أو معرفة الأفكار، أو الإحساس بالمشاعر، أو القدرة على تحريك الأشياء، أو الإستبصار وهي تخيل حاجات في المستقبل، أو تخيل حاجات مش قدامك، أو القدرة على سماع حاجات بعيدة عنك، وميزة الوجود في مكانين في نفس الوقت، أو موهبة الإحساس باللي لمس الحاجة قبلك، وفي موهبة إشعال النار ذهنياً.

 رديت: بيتهيألي أغلب الكلام ده مش منطقي ومالوش معنى.

 دكتور محمد بإبتسامة: هو كده فعلاً، بس ما تقدريش تنكري إن جزء من اللي أنا قلته عندك فعلاً.

 كمل دكتور محمد: جوزيف بانكس راين هو أول واحد إهتم إنه يدرس الظواهر ديه، في الأول درس علم النفس وحاول إنه يمزجه بالظواهر ديه عشان يخرج علم جديد إسمه الباراسيكولوجي، الفكرة بقى إن الظواهر ديه مبتتكررش وأهم قاعدة للظواهر العلمية أنها تكون بتتكرر، وده معناه إن الظواهر ديه بتكون غير خاضعة للقوانين العلمية.

 سألته: طب إنت شايف أنا أعمل إيه؟

 دكتور محمد: ولا حاجة.. إنتي عندك ميزة خلي بالك منها، ما تعلنيهاش للناس وإلا هيقولوا عليكي مجنونة، أستخدميها في الخير للناس وليكي.

بعد كده سبته ومشيت كنت خلاص بدأت أفهم، أنا مش مجنونة أنا بس مميزة جداً.. زي ما حصل في حكاية بلد العميان، الشخص الوحيد اللي كان بيشوف في بلد العميان لقى إن الرؤية مش هتنفع، هي خلت حياته مع الناس صعبة، عشان كده فكر إن يخليهم يشيلوا عينيه.

وبدأت أعيش حياتي بشكل طبيعي، و بدأت أتعود على الميزة بتاعتي أو زي ما هسميها الحاسة السادسة، لغاية ما جه اليوم كنت فيه في الجامعة ورن الموبايل بتاعي لقيت صاحبتي بتعيط وبتقولي: هالة… عمتي ماتت، الدكتور محمد المهدي هنا وهو بيطلب منك إن إنتي تيجي، أنا مش عارفه ليه.

 أخذت بعض الوقت عشان أفهم وأستوعب، أيوه دكتور محمد المهدي ده الدكتور النفسي اللي أنا قابلته، طب أنا داخلي إيه في الموضوع؟ المهم إني وافقت وأخذت تاكسي ورحت على العنوان اللي هي قالته ليه.

لقيت ناس كثير واقفين، وعدد كبير من البوليس، ومجموعة رجال البحث الجنائي، حاولت بصعوبة إني أدخل الشقة، شفت اوضة النوم مفتوحة، وفي جسم على السرير متغطي بملايه، كان في راجل على جنب بيعيط بحرقة ومنهار.

فجأة حسيت بإيد بتمسك إيدي بقوة، بصيت في ذهول فلقيته دكتور محمد بيبصلي بإبتسامة هادية بيحاول يطمني، مسك إيدي وخدني على جنب وقال: إنتي طبعاً عارفة إن اللي توفت تبقى قريبتي، اللي حصل هنا إن هي أنهت حياتها بنفسها، أيوه.. خدت شريط كامل من الحبوب المنومة، ونامت على السرير، في الوقت ده كان جوزها وأولادها في الشغل والمدرسة، ولما رجع جوزها من الشغل لقاها فارقت الحياة، وجنبها ورقة مكتوب عليها حقكم عليه، جوزها بيقول إن كان عندها إكتئاب شديد.

 رديت بحزن: يا حرام.

 دكتور محمد: الموضوع مش كده، أنا أقدر أعرف الناس اللي عندها قابليه على إنهاء حياتها، وقريبتي ما كانتش واحدة منهم، كانت إنسانة متدينة ومحبه للحياة، عشان كده أنا شاكك في الحكاية ديه، عاوزك تتحركي في الشقة وتركزي، عندي يقين إن الحاسة اللي عندك تقدر إنها تشوف حاجة أو تحس بحاجة…فكري يا هالة… فكري.

وبعد كده لقيته بيتكلم مع واحد من الضباط المسؤولين اللي واقفين وهز الضابط راسه، أنا مش عارفه هو قاله إيه بس بعد كده قدرت إني أدخل اوضة النوم من غير أي مشكلة، كنت خايفة ومرعوبة قربت إيدي عشان ألمس السرير، لمست الملاية اللي محطوطة فوق الجسم، في كوباية فاضية جانبها، في علبة من الدواء، كنت همسكها بس واحد من اللي واقفين زعق، وقال إن ما ينفعش ألمس أي حاجة عشان البصمات، لمست الورقة اللي مكتوب عليها كلمه حقكم عليه، مش قادرة أحس أي حزن أو إكتئاب أو معاناة، كل اللي حاسه بيه خيانة وخداع . 

 طلعت من الاوضة ورحت عند زوجها المنهار، رفعت إيدي أسلم عليه وأنا بقول كلمات مواساة بص لعيني وتهز.

 رجعت للدكتور محمد وقلتله بخوف وأنا جسمي بيتنفض: أيوه حسيت بيه لما لمسته، الزوجة تصحى النهاردة عندها صداع شديد، تبعت الأولاد للمدرسة بعد كده ترجع للسرير، يروح الزوج للمطبخ وياخذ القرار بسرعة، يحضر كوباية من العصير، ويحط فيها شريطين كاملين من حبوب المنوم، يرجعلها ويقلها كلام حلو ويقدملها كوباية العصير، وهي تشربها، وشوية وتغيب عن الوعي، يحط جنبها علبة الدواء الفاضية، بعد ما حط العلبة في إيديها ويضغط عليها ببصمتها كويس، ويحط جنبها الورقة وبعد كده يروح الشغل، يرجع بعد الشغل يصرخ ويبكي… مش قادرة أصدق ممثل شاطر أوي.

 الدكتور محمد وهو بيبتسم: هو دلوقتي بيغير إحساس بإحساس تاني، إحساس الخوف بيغيروا لإحساس الحزن، أي ممثل شاطر يعرف الطريقة ديه، أنا واثق اللي إنتي شفتيه ده هو اللي حصل.

 سألته: هتبلغ البوليس؟

 دكتور محمد وهو بيفكر: البوليس مبيصدقش غير الأدلة، إحنا عارفين اللي حصل بس مش قادرين نثبته.

كان عندي إحساس قوي إني أتحرك وأروح لسلة المهملات اللي في الصالة، مديت إيدي وخرجت ورقة متكرمشة فردتها وقريتها.

 وجهت كلامي للدكتور محمد: شايف؟

 كان مكتوب على الورقة: ما قدرتش أعمل غدا النهاردة لإني رايحة عند أختي….، أكيد تقدر تتخيل الكلمة اللي أتكتبت بخط كبير في نهاية الورقة، واللي الزوج قطعها عشان تكون رسالة إنهاء حياة زوجته، والكلمة هي حقكم عليه، طبعاً تقدر تشوف إن القطع اللي موجود في الورقتين متطابق، الزوجة كتبت الكلام ده من أيام لعيلتها بتعتذر إنها معملتش أكل، ما كانتش تعرف إنها هتكون رسالة لإنهاء حياتها.

 بس هل ممكن إن يكون ده إثبات كافي؟

وفجأة جي في دماغي بريق.

 قلت بحماسة: مين اللي بياخد الحبوب ديه؟

 دكتور محمد: جوزها هو اللي بياخدها.

 قلت: يبقى ده دواء الزوج، رجال البحث الجنائي هتلاقي إن بصمات الزوجة على العلبة من بره بس، مش هتلاقي أي بصمات ليها على شريط الدوا الفاضي جوه العلبة، وده لإن الزوج خلى بصمات زوجته على العلبة الفاضية من بره، وما خلاهاش تلمس الشريط الفاضي، إزاي هتقدر إنها تفضي كل الحبوب اللي موجودة جوه الشريط من غير ما تلمسه، أنا متأكده إن ده إثبات كافي.

 بصلي دكتور محمد بإبتسامة، كإنه بيقولي شكراً.

 دكتور محمد: إنتي صح، بصمات إيدي الزوج هتكون موجودة على كل حاجة.

سابني وراح الضباط المسؤول وطلب منه إنه يتكلم معاه وقاله: الضحية ما أنهتش حياتها بنفسها، وانا أقدر أثبتلك ده.

ما سمعتش إيه اللي حصل بعد كده، بس متخيله هو قاله إيه.

في يوم تاني

عماد شاب لطيف دايماً بيعطي إنطباع إنه متربي وأخلاق، عنده عيون تقدر تفهم اللي تحتاجه أو اللي يزعلك، عنده صفاء جميل، حسسني بالإهتمام والرعاية بمجرد دخولي الجامعة، ما سمحتش لنفسي إني أحس بحاجة من ناحيتة، عشان مكنتش متأكدة إنه هيبادلني نفس المشاعر.

 بس أنت عارف الحاسة المميزة اللي عندي اللي أدهاني ربنا، واللي لو كانت عند كل البنات كانت كل مشاكلها أنتهت، بس للأسف هي ما بتبقاش موجودة طول الوقت، ما بتجيش لما أنا بحتاجها، بتمنى من كل قلبي إني أعرف الزرار السحري اللي أضغط عليه فترجعلي الحاسة السادسة المميزة اللي عندي.

اللي حصل في اليوم ده حصل بالصدفة، أنا دايماً محافظة ما بسمحش لعماد إن هو يلمسني، أي موقف بيجمعنا بيبقى عبارة عن كلام ونظرات من وقت للتاني، في اليوم ده قعدنا علي كراسي الكافتيريا اللي جنب جنينة الورد، كل واحد مننا حاطط كشكول المحاضرات جنبه، كنا وقت العصر مفيش حد تقريباً حوالينا.

 مد إيده كإنها حركة لا إرادية وعفويه منه، ومسك أطراف أصابعي وضغط عليها، في نفس الوقت شفت نفسي في خيالي بصورة غير لائقة، شديت إيدي منه، أنا فهمت، اللي شفته ده اللي هو بيتخيله حالاً ديه ميزة الإحساس بالمشاعر واللي بتفضحه قدامي، دايماً في مقولة عند الأجانب إن الشخص الجنتل مان هو ذئب عنده صبر، ده بالضبط ينطبق على عماد.

ما كانش تفكيره في الحب ولا المشاعر ولا الأحاسيس ولا الرومانسية، ولا في الوردة الدبلانة اللي بتتحط جوه الكتاب، ما كانش بيفكر غير في حاجة واحدة بس.

 قمت بسرعة ومشيت وأنا في قمة الغضب.

 قام ورايا كان متخيل إن غضبي وعصبيتي بسبب إنه لمس إيدي، وإن كان ده صحيح بس هو مش عارف إيه السبب الحقيقي.

تخيل إنك تكون عندك الموهبة إنك تشوف الناس بشكل غير لائق؟ ده يحسسك إن مافيش أمان، إن ما فيش شخص كويس، ساعات بحس إن من الأفضل إني ما اعرفش كل حاجة، النور الشديد بيوجع العين ويمكن بعض عدم الرؤية يكون أفضل.

بعد كده ولمدة أيام حاول عماد إنه يتصل بيا كتير، وفي الجامعة كان بيحاول إنه يكلمني، بس كنت أنا دايماً بفضل وسط زميلاتي عشان أمنعه إنه يقرب أو يتكلم معايا، دي حاجة هو ما قدرش إنه يفهمها، ما حدش قدر يفهم إيه سبب البعد اللي حصل ما بينا، في حاجات ما تتقلش.

 وعدت الأيام ورجعت للدراسة زي ما أنا عايزة لنفسي.

 أبويا وأمي ما يعرفوش أي حاجه عن الحاسة المميزة بتاعتي، ممكن أمي تكون خدت بالها في حاجات معينة، بس كانت دايماً بتظن إني ذكية أو أروبه زي ما بتقول.

……………….

الفصل الثاني

في اليوم ده كنت راجعة من الكلية، روحت البيت، حضرت مع أمي الغداء وقعدنا وأكلنا، شوية ورن التليفون.

 كانت صاحبتي نجوى، كان صوتها قلقان وخايف مكنتش عارفة تبدأ الكلام منين وبعد كده قالت: إنتي جاتلك رسالة على البريد الألكتروني؟ رسالة ليها علاقة بيكي.

 رديت بضحكة: أنا مش فاهمة إنتي قصدك إيه؟

 نجوى: هبعتلك مجموعة من الرسائل، عاوزاكي تهدي عشان تعرفي هتعملي إيه كويس.

 مكنتش فاهمة، فتحت الكمبيوتر وأنا خايفة، فتحت الرسائل فجأة وقعت على الكرسي ورجلي مكانتش شايلاني.

 دي صورة ليه، وشي في الصورة ديه كان في حفلة في الكلية، والصورة ديه موجودة عند ناس كتير أوي من أصحابي، كنا مجموعة كبيرة أوي في الصورة ديه.

 شخص حقير قص وشي من الصورة الأصلية وحطها على صور غير لائقة، رفعت عيني عشان أشوف إسم المرسل لقيته مكتوب بإسم الحقيقة، في عشرة من الصور بنفس الشكل، اللي عمل الصور ديه شخص غبي، الأجسام اللي محطوط عليها صورتي بنات شديدة الانوثة، وطبعاً بيختلفوا عني تماماً أنا رفيعة جداً، أكيد محدش هيصدق إن الصور ديه بتاعتى.

ده أكيد، بس ده ما يمنعش إنها فضيحة وتشهير.

 المجموعة اللي أتبعتت ليها الصور ديه مش أقل من 20 شخص، واغلبهم زمايلي وأصحابي في الجامعة.

اللي عمل كده عايز يدمرني، الحاجات ديه ما بتتنسيش هتفضل تظهر طول الوقت، أنهارت من العياط، فجأة وأنا في لحظة الإنهيار بدأت أتخيل مين عمل كده، عماد أيوه هو، عماد اللي كنت حكيتلكم عليه قبل كده، مقدرش يستحمل إني أرفضه وأبعد عنه، فانتقم مني وقتلني في شرفي.

مكانش إتهامي لعماد بسبب تفكيري أو ذكائي، كان بسبب إني تخيلته في جزء صغير من الثانية قاعد قدام الكمبيوتر في سايبر للإنترنت بيحط فلاشة في الكمبيوتر، وبعد كده يعمل إرسال للمجموعة.

 أنا لازم منهارش لازم أبقى قوية، لازم أثبت للناس مين اللي عمل كده، حملت الصور على فلاشة وناديت على أمي.

 كان موقف صعب جداً وانا بحكلها اللي حصل، لطمت أمي على صدرها، مكنتش حابه إنها تشوف الصور، لبست لبسها وراحنا علي بوليس الآداب.

الظابط اللي استقبلنا سمع مننا القصة، وقال إن الأمر ده بيحصل ومعروف.

 الضابط: الموضوع هيبقى بسيط لو كان اللي بعت الرسايل ديه بيبعتها من البريد بتاعه يبقى الموضوع أنتهى، أما لو كان بيستعمل سايبر للإنترنت فالموضوع هيبقى صعب وهياخد شوية وقت.

كان ممكن إني أديهم إسم عماد، وطبعاً هيفتشوا جهاز الكمبيوتر بتاعه، بس إيه اللي هيحصل لو كنت غلطانة؟ هتثبت عليه التهمة حتى لو كان بريء، إنت عارف الإشاعات إزاي بتتخلق في مجتمعنا، لما تقول لحد سامح مضايقش زميلته في الشغل يتحور الكلام لغاية ما يوصل في الآخر سامح ضايق زميلته في الشغل، وعشان أنا مكانش عندي الدليل كان لازم أسكت.

 ما اعرفش إزاي رجليا شالتني، ورحت عيادة دكتور محمد المهدي، كنت بعيط بحرقة إديته الفلاشة اللي عليها الصور كنت حاسة بالخجل كإن الصور ديه بتاعتي، بس أنا كان عندي إحساس بالأمان لدكتور محمد.

 بدأ يبص على الصور مظهرش أي تعبير على وشه وقال: تزوير رخيص لشخص ما عندوش أي موهبة، اللي عمل الأمر ده حد في سنك ذكي عنده حذر، شخصية سيكوباتية ما بتفكرش في نتيجة أفعلها، دوري عن الشخص اللي عنده صورة وشك الأصلية.

 رديت: للأسف موجودة مع كتير جداً، ديه كانت حفلة في الجامعة.

 بصلي دكتور محمد وقال بخبث: بس أكيد الميزة أو الحاسة اللي عندك قالتلك مين هو اللي عمل كده.

 رديت: إسمه عماد، كان متعلق بيه، بس أنا حسيت إن مشاعره مش سليمة، بعدت عنه، كل حاجة بتقول إن هو اللي عمل كده بس مفيش إثباب.

 دكتور محمد: وطبعاً مش عايزة تبلغي الشرطة يمكن تكوني غلطانة، مع إنه بنسبة كبيرة ممكن يكون بيحتفظ بالصور ديه على الكمبيوتر بتاعه لأنه أكيد عملها على جهازه الشخصي.

 قلت بفقدان أمل: بالظبط.

 بدأنا نفكر ونحط خطة، بما إن عماد عنده رغبة في الإنتقام مني وعاوز يوصلي، فالدكتور محمد شايف إني أبعت رسالة للحساب اللي إسمه الحقيقة واللي بعت الصور ديه، وأكتب جمل معينة هو أختارها بعناية بناءً على تحليلة للشخصية كدكتور نفسي.

 دكتور محمد: مش هيقدر يمنع رغبته في إنه يرد، وقتها هتحددي مكان وساعة معينة وتبلغي البوليس.

 قلت: وإيه اللى خلاك متأكد إنه هيفتح الرسائل، مش يمكن عمل البريد الإلكتروني المزيف ده عشان حاجة واحدة وهو عملها خلاص.

 دكتور محمد: لا هيرجع يفتحة، الطبيعة النفسية للأشخاص ديه بتخليهم يرجعوا عشان يشوفوا رد فعل الأشخاص اللي أذوهم، لذة إنتصارهم مش هتحصل إلا بالخطوة ديه.

 قعدت وكتبت الرسالة وقلت: أنا كنت في حالة ذهول لما شفت الصور، بس بعد شوية لقيت إنها بتخلق خيالات في دماغي، وعايزة أقابل الشخص العبقري اللي خلاني أشوف نفسي بطريقة عمري ما تصورتها، كتبت الرسالة من على الكمبيوتر بتاع دكتور محمد وبعتها.

دكتور محمد: لو كان إستنتاجي صح هيكون في رد على الرسالة خلال أيام، بس لازم تطلبي أنك تقابليه في مكان وساعة محددة، وبمجرد ما يوافق هتبعتي الرسائل للبوليس أو مباحث الإنترنت.

 وفضلت أستنى…. وأستنى.

 بعد يومين، ما جتليش رسالة جت مكالمة تليفون من بوليس الأداب، وقالوا إنهم مسكوا الشخص اللي بعت الرسايل، لإنه من حسن الحظ حاول إنه يبعت رسالة من بيته، وطبعاً الموضوع بقي سهل، واحد من أصحابي سلم للشرطة الرسائل اللي وصلته، وطبعاً بقى الموضوع سهل أنهم يلاقوا مزود الإنترنت وعملوا تتبع لرقم الهاتف لغاية ما وصلوا للمرسل.

طلب مني الضابط إني أجي، طبعاً نفذت طلبه.

 الضابط: مفيش أي شك إن هو الفاعل، المكان ده مش بيعيش فيه غير شخصين أم عجوزة ما تفهمش أي حاجة عن الإنترنت أو الكمبيوتر.

وبنظرة إنتصار يبصلي الضابط ويفتح الباب عشان يظهر الفاعل، في اللحظة ديه شفت نجوى صاحبتي.

 كانت قاعدة وماسكة منديل بتمسح دموعها ومنهارة، وأول ما شافتني قالت بكل كرة وحقد: طول عمري بكرهك، علي طول ناجحة ومتفوفة، كنتي بتمثلي الإحترام والطيبة، وفي الآخر تطلبي في رسالتك إنك تشوفي الشخص لإن الصور عجبت خيالك، كنت عارفة كويس أنك كذابة ومتظاهرة.

 رجلي مش مستحملاني الأرض بتلف حواليا، أعتقد إني أغمى عليه، ولما فقت عرفت أن الحاسة السادسة بتعتي خدعتني.

 زي ما قلت قبل كده يا ريتني أعرف الزرار السحري عشان أضغط عليه فتظهرلي الميزة أو الحاسة وقت محتاجها، هي عاملة زي حصان جامح من الصعب إني أحط ثقتي كلها فيه.

في يوم تاني

 بالليل والبرد والمطر، الجو ده ما كانش معتاد في الوقت من السنة، بس هو ده الوقت اللي قرر شكري النزول فيه للبلد.

بدأ المطر ينزل على إزاز العربية، وبدأت المساحة تشتغل، قفل شكري الإزاز، صوت الراديو شغال بيكسر سكون الليل، إحساس إن في حاجة هتحصل، حاجة جواك بتجبرك إنك تنزل في البرد والليل تشوف في إيه، كان ممكن إنه يبطئ العربية، بس ده بيزود وقت التوتر والقلق، إنما السرعة هتخلص الموضوع بشكل أسرع.

 هيروح القرية ويقف بالعربية قدام بيت عيلته ويدخل البيت، وتسلم عليه أمه وتبوسه وتحضنه وتسائلوا أسئلة كتيرة، وفي الآخر تقوله إنه خاسس عشان قعدته لوحده في القاهرة، وتعمله وجبة دسمة، وبعد كده ينام لغاية الفجر.

 الطريق كان ضيق مش منتظم، أشجار وزرع على الجانبين، الترعة اللي بتخبيها الغصون والزرع، ممكن جداً إن أي حد يقع فيها، لو ما كانش حافظ الطريق كويس.

 نور العربية بيظهر طريق جديد كل ثانية، كل ما تحس إنك وصلت تلاقي النور بيظهرلك طريق جديد، صوت الراديو والدفء في العربية وصوت الماتور.

 فجأة.

 إمتي ظهرت؟ جت منين؟ إزاي عدت الطريق؟ إنت بس شفتها قدامك ثانية واحدة، ما كانتش بتبص على الطريق كانت بس عايزه تعدي، كان مفيش وقت لو كنت دوست الفرامل كانت العربية هتتقلب.

 إتصدمت فيها، كان إصطدام قوي، مقدمة العربية وصوت الإصطدام، أختفت الست تحت العربية.

حاول شكري يوقف العربية، كل حته في جسمه بتتنفض، 10 دقائق كاملة، حاول إنه بتماسك، أفتكر اللى حصل مرات ومرات.

 بدأ شكري يفكر في اللي هيحصل بعد كده، ست فلاحة، من حظها السيء إنها تكون موجودة في اللحظة ديه في المكان ده، أكيد ماتت، مستحيل إن هي تكون عايشة.

كان عارف إيه اللي هيحصله، يمكن ما كانتش من البلد ديه كانت من بلده  قريبة منها، هل أهلها الست بيؤمنوا بالطار، لو بلغت البوليس هتحصل مشاكل كتيرة ليك ولأهلك، لو كملت سواقة بالعربية ودخلت في الوقت ده البلد هيثبت عليك التهمة، ممكن تكون عربيتك هي العربية الوحيدة اللي مشيت في الطريق ده من العصر.

الحل الوحيد إني ألف وأرجع القاهرة، ما فيش زيارة للبلد النهاردة.

 لف شكري بالعربية، رجع بإتجاه القاهرة، هيعمل تليفون لعيلته ويبلغهم إنه مش هيجي النهاردة بسبب الجو والمطر.

وصل شكري للمكان اللي حصلت فيه الحادثة، مش شايف حاجة غير كومة سوداء على جنب، ما بصش وزود السرعة، الكوابيس الفترة اللي جايه هتلازمة ومش هتخلص، بس هو كويس من وجه نظره مدام مش في السجن.

 اللي حصل بعد كده، جه للدكتور محمد المهدي مكالمة من قريبة اللي في البلد، بيقوله: زينب قريبتك إنتهت حياتها في حادثة.

 دكتور محمد: مين اللي عمل كده؟

 قريبه: ما حدش عارف، عربية خبطتها بالليل وهربت، عايزينك تيجي دلوقتي.

طبعاً النيابة هتتحفظ علي الجثة ويحصل تشريح، وأهل الضحية مش عايزين كده، كل اللي يهمهم دلوقتي إنهم يدفنوا الجسم، ده أمر مهم أوي بالنسبة لهم، هما محتاجين دكتور محمد بعلاقاته عشان يساعدهم.

قعد دكتور محمد فترة طويلة لغاية ما الشمس طلعت وهو بيفكر، وبعد كده رفع سماعة التلفون وأتصل على رقم هو حافظة كويس، رقم بيتي.

دكتور محمد: هالة.. أنا محتاجك… هل ينفع إنك تيجي معايا النهاردة البلد بتاعتي؟

بدأت أفكر، إزاي هقدر أقنع أمي إني مروحش الكلية وأسافر مع راجل الغريب البلد بتاعته، فكرت إن صاحبتي اللي هي قريبة دكتور محمد ممكن تكون سبب مقنع لأمي.

 ما عداش وقت كبير وكنت ركبت مع دكتور محمد العربية ورحنا على البلد بتاعته.

وبمجرد موصلنا كان في عربية إسعاف وكانوا نقلوا ليها الجسم، والبوليس ورجال النيابة في كل مكان، مجموعة كبيرة جداً من الناس أتجمعت، عرف دكتور محمد نفسه للضابط المسؤول، بعد كده خدني لعربية الإسعاف وقالي: أنا عارف إن الموضوع صعب حاولي تلمسيها.

 كمل دكتور محمد بحزن: مسكينة زينب، كانت أرملة جميلة، كتير من الرجال حاولوا يقربولها ويترددولها، من المحزن إن تكون ديه نهايتها..

 مدت إيدي ولمست إيد زينب، وبعد كده شديت إيدي بسرعة من الخوف.

 دكتور محمد: إتحركي في المكان وأبدئي فكري بموهبتك والحاسة السادسة بتاعتك.

 كان في واحد من الفلاحين لابس جلابية زرقاء وضخم واقف بيتكلم مع وكيل النيابة إسمه مؤمن قال: وأنا خارج الصبح لصلاة الفجر شفت حاجة على طريق الأسفلت، ما كنتش عارف إيه ديه، ولما قربت لقيتها زينب.

قربت من دكتور محمد وقلت: مطر…. صوت راديو…. عربية زرقاء… أيوه أنا متأكدة إن العربية زرقاء.

 دكتور محمود: وطي صوتك هيفتكرونا مجانين، كنتي بتقولي إيه؟

 كملت: عربية زرقاء كانت جيه من الطريق ده… اللي خبط الضحية وقف وبعد كده لف ورجع تاني.

 دكتور محمد وهو بيفكر: كان رايح للبلد وقت الحادثة، وبعد كده رجع تاني من نفس الطريق، إيه نوع العربية؟

 قلت: مش عارفة انا ما بفهمش في أنواع العربيات.

دكتور محمد: طب أرقام العربية؟

 رديت: ما شفتهاش… مش قادرة إني أشوفها.

 دكتور محمد بغيض: إحنا كده ما استفدناش حاجة، إنتى عارفة في كام عربية زرقاء في مصر!

رديت على دكتور محمد: العربية الزرقاء كانت رايحه للبلد بالليل، بتأكيد واحد من أبناء البلد، ممكن جداً إن إنت تلاقيه، كمان هيبقى في إصطدام واضح في مقدمة العربية.

 دكتور محمد وهو بيفكر: المهم إني أعرف أقنع البوليس باللي إنتي بتقوليه.

 في الوقت ده قرب مننا مؤمن، وسلم على دكتور محمد، في اللحظة دى حسيت بخوف شديد.

 قربت من دكتور محمد وقلتله: مؤمن ده أنا بكرهه وخايفة منه… هو اللي عملها.

 دكتور محمد وهو بيبصلي: هنا هنخرج من الحادسة السادسة  لتخيلات والهلاوس، إنت عارفة إن الحادث كان سبب عربية، ومؤمن ده عمره ما شاف عربية في حياته، يبقى إزاي هيعرف إنه يسوقها؟!

 قلت: مش عارفة، بس أنا خايفة منه جداً، لازم يمسكوه ويسجنوه.

 بدأ دكتور محمد يفكر وكإنه أقتنع بكلامي.

 بص دكتور محمد لمؤمن وقال بصوت عالي: مؤمن إنت شفت زينب إمبارح؟

 بصله مؤمن بصدمة حرك راسه بمعنى لا، رجع الدكتور وقال بصوت عالي: زينب عدت الطريق من غير ما تبص، كانت كل اللي هي عايزاة إنها تعدي، تعرف يا ترى ليه؟ إيه الحاجة اللي كانت بتخوفها أوي كده؟

 مؤمن بخوف وتردد: وأنا إيش عرفني.

 دكتور محمد: زينب كانت ست جميلة، وكان كتير بيحصل تح*رش ليها، ممكن يكون اللي حصل إن كان في واحد بيطاردها لدرجة إنها تبقى خايفة ومرعوبة وتعدي الطريق من غير ما تبص.

 في الوقت ده قال واحد من الفلاحين بصوت عالي: أيوه صح، إنت كنت رايح عند بيتها إمبارح يا مؤمن، ولما أنا شفتك خفت واترعبت، وقلت إنك رايح طريق تاني غير طريق بيتها.

 في اللحظة ديه بدأت شكوك رجال الشرطة تحوم حوالين مؤمن، ما قالش أي حاجة بس وشه كان بيقول كل حاجة، الشخص ده هينهار وهيعترف بسرعة، راح دكتور محمد أتكلم مع الضابط المسؤول بكلام ما سمعتوش.

بعد كده وصلني الدكتور محمد للعربية أنا وصاحبتي وقالي: شكراً يا هالة، أقدر دلوقتي إني أوصلك الكلية، وبعد كده أرجع لشغلي.

 تاني يوم الصبح الساعه 7:00 بالليل أتصل عليه دكتور محمد كان صوته مليان بالشكر والتقدير للي عملته.

 دكتور محمد: قدرتي إنك تقللي دائرة الشك، عربية زرقاء لواحد من ولاد البلد، قدروا يوصلوا لشكري الضبع، مهندس في القاهرة عنده عربية فيات زرقة، كان ده الوقت من كل أسبوع اللي بيجي عشان يزور عيلته، بس ما جاش في الليلة ديه، لقاه البوليس في القاهرة ولقى عربيته فيها إصطدام كبير في مقدمتها، والكشافين مكسرين، قدر البوليس إنه يمسك الفاعل اللي خبطها بالعربية، والشخص اللي كان سبب لإنهاء حياتها وقت ما كان بيطاردها وكانت بتحاول تهرب منه.

 كمل دكتور محمد: بس أنا طالب منك طلب؟ حاولي تعرفي موديلات العربيات، ما حدش عارف ممكن نحتاجها في إيه بعد كده.

…………………

الفصل الثالث

أتصل عليا دكتور محمد المهدي وكانت الساعة 8:00 الصبح، كنت متضايقة جداً، أنا مش هقعد طول الوقت ألعب دور الكلب البوليسي، الحاجة ديه بتحسسني إني شخص غريب.

وأكثر حاجة كانت مخلياني متضايقة، إن أهلي ما كانوش فاهمين سبب الإتصالات الكثيرة والمتكررة اللي بتحصل، الأمر ده بيحطني في موقف محرج، ولو كنت قلت لأمي إن هو عايزني أشم رائحة حرامي، وتكون ديه خدمة للبوليس لكانت هتبقي في حالة صدمة وذهول، مين قال إن أنا عندي قدرة الشم الهائلة ديه؟

 أنا زهقت من ده، عايزة أعيش حياتي بشكل طبيعي، زي أي بنت، أي بنت عندها جزء من الذكاء وجزء من الغباء، على كل حال رفعت سماعة التليفون،  إحنا في فترة الصيف، وكان نفسي أنام لغاية الساعة  10:00 مثلاً.

دكتور محمد: إزيك يا هالة؟ أسف لو كنت بصحيكي بدري.

 رديت:هم م م.

دكتور محمد بنبرة جادة: هيتصل عليكي ضابط شرطة إسمه النقيب سعيد البهنساوي، ده صديق ليه وقلت أبلغك الأول عشان متتخضيش.

رديت بغضب: دكتور محمد، كان أمر كافي أنك تعرف بالميزة اللي عندي، دلوقتي ما بقاش أنت بس، بقى كمان البوليس يعرف، وده هيخلي حياتي جحيم، كلها شوية وقت واطلع على التلفزيون، يستضيفوني في البرامج ويطلبوا مني إني أعرف إيه اللي موجود في جيب المغنية الفلانية.

 سكت دكتور محمد شوية، وبعد كده قالي: هالة.. إنتي عارفة إنك عندك ميزة مذهلة، وقدرنا من خلالها إن إحنا نقبض على مجرمين بسببك، وده معناه إنك تقدري إنك تكوني شخص نافع للمجتمع، بس إنت مش عايزة ده، علشان بكل بساطة زهقتي.

 قفلت السماعة، وأنا عندي إحساس كبير بالخجل والكسوف من نفسي، وقعدت جنب التليفون مستنية المكالمة.

 شوية ورن التليفون، رفعت السماعة، لقيت حد بيكلمني إسمه سعيد البهنساوي، وأنه يعرفني من خلال صديقه الدكتور محمد المهدي.

 النقيب سعيد: مش عارف إذا كنت اللي بعمله ده صح ولا لا، بس لو قدرتي تنوريلنا ولو ضوء بسيط في القضية فيمكن…. إنتي عارفة إن الإنسان ممكن يحاول بكل الطرق عشان يقدر يوصل للحقيقة، زي ما بنقول الغريق بيتعلق بقشاية.

 كان النقيب سعيد واضح وصريح معايا، ودي حاجة عجبتني جداً، هو قال في الأول إنه حاسس إن اللي هو بيعمله في شيء من الحماقة بس هو مغصوب إنه يعمله.

 بدأ النقيب سعيد يحكيلي: محمود قنديل صراف في شركة حكومية كبيرة، عنده حاجة وتلاتين سنة، عنده مشكلة مادية كبيرة، ده غير إنه جديد في الشغلانة.

وقفته في الكلام وقلت: إنت بتقول إنه صراف عنده مشكلة مادية كبيرة، القضية أنتهت.

 النقيب سعيد بضيق: مش صح انك تحكمي علي الأمر بسرعة، لازم تعرفي كل حاجة، ومش من الأمانة إني ما اقولش كل التفاصيل، المهم في يوم 30 مايو دخل محمود قنديل البنك الساعة 10:00 الصبح، وسحب مبلغ كبير تقريباً نص مليون جنية وديه رواتب الموظفين للشهر ده، وبعد كده خرج من البنك ومعاه شنطة كبيرة جواها الفلوس.

 قلت في ذهول: من غير حراسة؟

 النقيب سعيد: إنتي فاهمة إن هو ده اللي بيحصل في مصر وفي الأغلب مبيحصلش حاجة، الشركات الخاصة ممكن تتعاقد مع شركة حراسة إنما إحنا بنتكلم عن شركة حكومية.

ويكمل النقيب سعيد: المهم إن محمود قنديل وقف تاكسي وكان دايماً لما بيخرج من البنك يوقف ثاني أو ثالث عربية كنوع من الحذر، وطبعاً ما بيركبش مع أي عربية بيحس من صاحبها برغبته إنه يركب معاه، دايماً بينقي تاكس يكون صاحبه راجل عجوز ظاهر عليه المرض وده كل حاجة.

 سألته: يعني ايه ده كل حاجة؟

 النقيب سعيد: هو مش فاكر أي حاجة، كل اللي فاكره إن بعد ما بعد عن البنك شم ريحة غريبة، وبعد كده أغمى عليه، ولما فاق كان ده بعد 10 ساعات، لقى نفسه في مخزن مهجور جمب سوق خضار في مكان قريب من البنك،  وكان مربوط بالحبل، والشنطة ما كانتش موجودة معاه، فضل يزحف لغاية ما خرج من المكان بدأت الناس تشوفه واتصلوا بالبوليس.

قلت: أنا شايفة إن القضية واضحة؟

 النقيب سعيد: إحنا ما نقدرش نثبت إن هو كذاب، القصة فيها نقط كتير غير مفهومة، هل قابل سواق التاكسي اللي بالصدفة كان معاه غاز منوم، ما فيش مادة منومة تقدر إن هي تشتغل بالقوة ديه عن طريق الشم، بالنسبة للناس اللي لقوه وقالوا إنه كان مربوط بحبال خفيفة جداً وكان يقدر إنه يفكها بنفسه، وكمان إزاي إنك تقدر تنقل شخص مغمى عليه في وسط سوق للخضار مليان بالناس وتحطه في مخزن، وكمان الطبيب الشرعي ما أقدرش يلاقي أي مادة مخدرة في جسمه.

 سألت: هل ده معناه انه فعلاً ما تخدرش؟

 النقيب سعيد: للأسف لا، في بعض الأنواع المخدرة اللي بيكون مدتها قصيرة أوي في الجسم، وإحنا بنتكلم في 10 ساعات كاملة لحد ما فاق.

قلت: حضرتك عايز مني إيه؟

 النقيب سعيد: أنا محتاجك إنك تقابلي محمود قنديل، وتديني أي خواطر تحسيي بيها، هبعتلك عربية شرطة، هتكون عندك خلال نص.

 قلت بسرعة: لا أرجوك بلاش عربيات شرطة، أمي ممكن تموت فيها، أنا هكون عندكم بعد ساعة.

نزلت وركبت عربية تاكسي وكنت خايفة ومرعوبة لحد يخدرني، ووصلت للعنوان اللي بلغني بيه النقيب.

 كان النقيب سعيد شاب شكله إنه دايماً مشغول التفكير ومهموم، قدامه كذا فنجان قهوة، واضح إنه بيدخن بشراسة أول ما شافني قال.

 النقيب سعيد: شكلك أصغر من اللي توقعته.

 قلت: طالبة في كلية تجارة أكيد مش هيبقى عندى 50 سنة.

 أبتسم إبتسامة خفيفة وطلب من واحد من العساكر إنه يجيب الصراف محمود قنديل.

 بعد شوية جه مع العسكري شاب في الثلاثينيات، رفيع واضح انه بيعيش أسوأ أيامه، عنده صلع وشيب مبكر واضح إنه وراثي، أكيد ما لحقش يعجز في الوقت الصغير ده.

طلب منه النقيب سعيد إنه يقعد مديت إيدي عشان أسلم عليه مد إيده في توتر وإرتباك.

 بريء!

 بريء، هو ده اللي أنا حسيت بيه أول ما لمسني، أنا متأكدة من ده بس هثبته إزاي، الموضوع لا يتعدى شعوري كأنثى بتقول والله العظيم بريء، ودي حاجة ما بتصدقهاش المحكمة.

ايه سبب الإحساس اللي عندي ده، كتفه الشمال من ورا؟ أنا ليه بفكر في كتف الشمال من ورا؟

 كان النقيب سعيد بيراقبني بعنيه، وبدأ يتكلم مع محمود، حتى الآن ما حدش وجهله أي إتهام، بس هو عارف إن موقفه صعب جداً، خلص النقيب كلامه مع محمود، وطلب منه إنه يستنى شوية بره، وبعدين لف وشه وقالي: هاه إيه رايك؟

قلت: برئ.

النقيب سعيد: كنت متخيل إنك هتقوليلي عكس كده…. أنا محتاج تديني معلومات أكثر، فين الفلوس؟ ولو في شريك هو اللي ربطه هو مين؟ إزاي دخل سوق الخضار من غير ما حد يشوفه؟

 قلت بجدية: إنت طلبت رأيي وأنا قلته.

يتنهد النقيب سعيد ويقول: الحاسة اللي عندك هي اللي بتقول كده ولا إحساسك كست؟

قلت بإصرار: حسيتي المميزة هي اللي بتقول كده.

راح النقيب سعيد وجاب مجموعة من الملفات فيها عدد كبير من الصور، كلها لمجرمين أصحاب سوابق، وطلب مني إني أبص في الصور لو في حاجة شدت إنتباهي، بدأت ألف في الصور كلها، وشوش مخيفة عندها كمية كبيرة من الشر، ده اللي كنت بحس بيه.

 وفجأة وقفت قدام صورة، راجل أسمر عنده شارب سميك، مكتوب تحت الإسم زكريا أبو مقص، وشهرته صلاح كولونيا، عندي إحساس كبير إن الشخص ده ليه أهميه.

 بصلي النقيب سعيد ومسك الملف: صلاح أبو مقص عنده أكتر من سابقة سطو مسلح، إسمه صلاح كولونيا من كتر ما بيغرق نفسه بالكولونيا الرخيصة اللي ريحتها أسوء من ريحته هو نفسه، بس وجهه نظرك مش كافية لتوجيه التهمة، ما فيش أي حاجة بتشير ليه.

قلت: ممكن لو سمحت أشوف الصراف مرة تانية.

ثواني وكان الصراف موجود، طلبت من النقيب سعيد إنه يقلع القميص بتاعه ويبين كتفه الشمال، بصلي النقيب سعيد بعدم فهم وطلب من الصراف إنه يقلع قميصه.

 نفذ الصراف محمود طلب النقيب وهو في قمة الإحراج والكسوف، خاصة إن فلنته الداخلية كانت مقطوعة، شاب فقير بيحاول إنه يخبي حقيقته.

 قربت من كتفه الشمال من ورا وشاورت على نقطة حمراء شبه النقطة اللي بتتكتب على السطر.

 سألت الصراف محمود عن النقطة الحمراء الصغيرة، كان مش فاهم أنا بقول إيه ولا إيه هي.

 قلت: ده مكان الابرة المخدرة اللي أتحقن بيها وهو قاعد في التاكسي، في حد كان قاعد في الكرسي اللي ورا وحط الإبره ديه في كتفه، اللي غاب عن الوعي حتى من غير ما يعرف انه أتحقن بس شم ريحة غريبة قبل ما يفقد الوعي تماماً، وديه كانت ريحه الشخص اللي حقنة بالمخدر.

النقيب: وليه ربطة الحبل كانت سهلة؟

 قلت: لإنه كان فاقد للوعي ومتخدر، ودخل سوق الخضار وهما حاطينه في صندوق خشب.

 رفع النقيب سعيد التليفون وهو بيقول: إحنا هنجيب صلاح كولونيا، لو كان كلامك صح هتبقى قدمتلنا خدمة كبيرة.

 بعت معايا النقيب سعيد عربية وصلتني لحته قريبة من بيتي، روحت وأنا مستنية مكالمة التليفون بشدة.

 الساعة 8:00 بالليل أتصل عليا النقيب سعيد كان صوته مبسوط: وقال أول ما صلاح كولونيا قرب من مكتبي كان كفيل ريحته إنها تفكر الصراف إن هي ديه نفس الريحة اللي شمها في التاكسي.

في الأول كولونيا أنكر، وبعد كده إنهار وأعترف لما ناس من سوق الخضار عرفوه وقالوا إنه كان متواجد في اليوم ده الصبح وهو شايل صندوق، عرف بالموضوع عن طريق واحد شغال في البنك اللي حكاله عن محمود وعن العادات الحذره اللي بيعملها.

أتفق صلاح كولونيا مع سواق تاكسي قريبة راجل كبير في السن، وأول ما ظهر محمود وهو خارج من البنك، قربت منه عربية التاكسي كإنها بتنزل زبون، وطبعاً ده ما يديش أي شك للصراف محمود بالإضافة لوش صاحب التاكسي العجوز.

وزي ما قلتي كان صلاح كولونيا مستخبي في الكرسي اللي ورا بمجرد مركب الصراف حقنة بالمخدر، وحطوه هما الإثنين في صندوق وشالوه ودخلو سوق الخضار وتخلصوا منه هناك، والأكبر والأهم إن يظهر على صلاح كولونيا فلوس وثروة مفاجأة.

 قلت: زي ما قلتلك إن هو بريء.

 النقيب سعيد: أنا متشكر ليكي جداً في حل القضية، أعتقد إنك هتلاقي مني مكالمات كتيرة، عايز أقولك إنك محظوظة جداً إنك ما شمتيش ريحة الكولونيا اللي موجودة في مكتبي، هتحتاج شهر عشان أقدر أتخلص منها.

في يوم تاني

كنت حاسة إني قلقانة ومش في حالتي الطبيعية، عماله أتحرك في الشقة من غير هدف، أدخل البلكونة وأبص على السما اللي إتحولت لونها من الأزرق وبقت سوداء، قلبي بيوجعني بيقولي إن في حاجة.

 أدخل المطبخ أحضر ساندوتش جبنة أحاول إني أكله ما اقدرش، وينتهي أمره في طبق في التلاجة، أكيد أختي هتاكله فهي بتاكل أي حاجة وفي أي وقت.

 خرج أخويا رضا من ساعة تقريباً عشان يزور واحد صاحبه، هو فعليا ما إتأخرش بس أنا قلقانة.

 رفعت السماعة وأتصلت على صاحبه وسألته على رضا، وقال إنه ما جالوش لسه.

 حطيت السماعة، أنا حاسة إن في حاجة غلط.

أمي: ما فيش مبرر للقلق اللي إنتي فيه، معروف إن الصبيان آخر ناس تكلميهم عن المواعيد والإنضباط، وديه مش المرة الأولى لأخوكي يتأخر فيها.

خلاص كنت قربت أنهار وأحكيلها على كل حاجة، في حاجة مش طبيعية أنا قلقانة، طلعت البلكونة فضلت أبص على كل حد ماشي، كل ما أشوف ولد في الشارع قلبي يقع في رجلي، لو أقدر أكون زي اليمامة الزرقاء وعندي بصر قوي.

 رجعت لاوضة رضا ورحت عند البيجامه بتاعته اللي قلعها ورماها على السرير، مديت إيدي ولمستها وغمضت عيني.

 مشكلة.. رضا في مشكلة، أنا متأكدة، الحاسة بتاعتي بتقول إن رضا في مشكلة، بس إيه هي المشكلة؟

رجعت لاوضة المعيشة ولقيت أمي وأختي قاعدين بيتفرجوا على التلفزيون، هما مش قلقانين خالص، عارفين إن رضا هيرجع بعد ساعة أو ساعتين، وأمي هتزعقله على التأخير وينتهي الموضوع ببساطة.

 قعدت جنب التليفون أتصلت بعدد كبير من أصحابه، ما حدش شافه النهاردة، طلبت مجموعة من المستشفيات، هل جالهم طفل متعور من ساعة تقريباً؟ هل وصلهم جسم طفل أنتهت حياته؟

 كان رد كل المستشفيات: لا.

 إنت فين يا رضا؟

 رفعت السماعة وإتصلت على النقيب سعيد، دلوقتي في علاقه كويسة بتربطنا، كان هو متعود إنه يرد على مكالمتي في أي وقت.

 النقيب سعيد: هالة… مش متعود إن إنت اللي تتصلي عليا، دايماً إحنا اللي بيبقا عندنا مشكلة وبنتصل عليكي.

قلت:رضا أخويا في مشكلة، أنا واثقة من ده، خرج وما رجعش لغاية دلوقتي.

 النقيب سعيد: من إمتى؟

 رديت: من ساعتين.

 سكت النقيب سعيد شوية وبعدين قال: ساعتين! ما فيش أي جهة حكومية في العالم بتبدأ البحث عن شخص غايب من ساعتين بس، لازم يعدي 24 ساعة.

 رديت فغضب: مش وأنا حاسة الإحساس القوي بإن هو في مشكلة.

 النقيب سعيد: طيب أنا هتصل بالمستشفيات بس بشكل غير رسمي.

 قطعته وقلت: أنا عملت كده، المشكلة اللي هو فيها ما لهاش علاقه لا بالحوادث ولا بالموت.

سكت النقيب سعيد شوية وقال: أنا مش عارف أساعدك أزاي، أنا هرد على مكالمتك في أي وقت إذا حصل حاجة ما تتردديش إنك تتصلي بيها.

 حطيت السماعة وعرفت في اللحظة ديه إن أنا اللي لازم أحل الموضوع.

 رحت لاوضة رضا وبدأت أمسك لبسه اللي محطوط هنا وهنا، دورت على صورته وحطيتها قدامي، وبدأت أبصلها كويس جداً، يلا يا حسيتي المميزة، لو مشتغلتيش دلوقتي وكان ليكي نفع، فإمتي هيكون ليكي نفع، أنا محتاجاكي دلوقتي.

بدأت أشوف وش راجل بشرته لونها أسمر، ملامح وشه مخيفة، أعور بعين واحدة، الوش بيختفي، سامعه صوت ميه، فيه ضلمة، فار بيجري، حاسة بالخوف والقلق، ده رضا أكيد خايف، رضا مش قادر يتحرك، فيه حبل.

 مسكت دماغي، بدأت أقول لنفسي ركزي.. ركزي، في يافطة مكتوب عليها صالة الإبرياء، أيوه أنا شايفاها، بتختفي وترجع تاني.

 رفعت سماعة التليفون طلبت النقيب سعيد جاني صوته كإني صحيته من النوم قلتله: رضا حد خطفه، هو محبوس في حته ضلمة فيها ميه، مربوط، وهو خايف جداً.

 النقيب سعيد بعدم تصديق: هالة.

 قلت: أنا متأكدة هو جنب مكان إسمه صالة الأبرياء.

رد عليا: لا يمكن إن يكون في مكان إسمه صالة الأبرياء، ولا حتى في المحكمة نفسها.

 رديت: أيوه إنت عندك حق، بس أنا متأكدة، أنا قريتها.

 النقيب سعيد: هالة إنتي ممكن تكوني… أستني إنتي قريتي صالون الأمراء، ممكن كان كده، وحصل عندك تشوش.

 رديت: يمكن ده اللي حصل.

 النقيب سعيد: هعمل مكالمات تليفون وأرجعلك.

 فضلت قاعدة جنب التليفون وأنا قلقانة جداً، بدأت أمي وأختي يحسوا إن رضا أتاخر، جالي التليفون رفعت السماعة.

النقيب سعيد: هند في صالون رجالي بالإسم ده في الشارع اللي جنبكم، تحت البيت دلوقتي هيكون واقفلك أمين شرطة روحي معاه.

 شكرته وقفلت التليفون، جريت لبست ونزلت نطيت من سلالم البيت، لقيت أمين الشرطة بملامة السمرة وجسمة الضخمة وشكلة الطيب، مشيت معاه لغاية ما لقيت يافطة مكتوب عليها صالون الأمراء.

أمين الشرطة بصلي مش عارف هنروح فين الخطوة اللي جاية.

بسرعة قلته الشارع اللي جاي اللي جنب البقال، لقيت راجل بيجري وعلى وشه علامات رعب، هو ده الراجل اللي أنا شوفته صاحب البشرة السمراء والملامح المخيفة وأعور.

 ناديت على أمين الشرطة قلت: هو ده.. أمسكه.

 ما استناش أمين الشرطة كلمة واحدة تاني، وجري ورا الشخص ده اللي طلع يجري لغاية ما مسكه أمين الشرطة وبدأ يضربوه لكميات في وشه.

خرج أصحاب المحلات وطلبوا من أمين الشرطة إنه يوقف وقالوا: سيبه حرام عليك ده مش فاهم أي حاجة.

 لما قربت من الراجل لقيته عنده تأخر عقلي، وبدأ الراجل ده يردد كلمة:. حبل.. حبل.

 أنا شفت حبل في التخيل اللي جالي، إيه اللي موجود في الحارة اللي خرج منها الشخص ده وبيجري؟

 جريت بسرعة ومعايا الأمين، الدنيا كانت ضلمة، اللي طلب من الناس إنها يجيب كشاف، بدأنا نبص كويس كان في حفرة كبيرة مكان تصليحات، جه صوت من جوه الحفرة، بدأنا نوجه الكشاف ليها، ده أخويا رضا على بعد ثلاث أمتار، بيبص لنا وعيونه مليانه دموع، المكان ضيق أوي لدرجة إنه مش قادر يحرك إيده، في جنبه حبل على الأرض.

 حاول الناس اللي موجودة إنها تخرجه، وأول ما خرج باسني وحضني وقال: كنت بجري ورا القطة الصغيرة دخلت هنا، وما شفتش من الظلمة لغاية ما وقعت في الحفرة اللي مليانة ميه وفران، قعدت أزعق كتير لغاية ما جه راجل أعور ورملي حبل.

 طلعت للغلبان اللي كانت شفته بتنزف دم، حاول إنه يساعده بس على قد تفكيره رماله حبل من غير ما يربطوا في حاجة، وأكيد كان خارج من الشارع يطلب مساعدة من الناس، ولم  لقى الأمين بيجري وراه خاف وترعب .

كان شكله يخوف ومع الظلمة والحبل ربطت الأفكار في ذهني بطريقة خطأ، المعلومات اللي جاتلي في التخيل كانت صح بس إستنتاجي ليها كان غلط.

 مديت إيدي وساعدته وأديتله كل الفلوس اللي معايا، هو فعلاً ما أنقذش أخويا بس كان قريب أوي من ده.

 والحمد لله دلوقتي أنا مش قلقانة.

……………

الفصل الرابع

 قابلت عمرو في فرح واحدة صاحبتي.

عادةً أنا مبحبش المناسبات اللي من الشكل ده، بحس إنها أشبه بمهرجان، الشباب بيمثل إنه جنتل مان وشيك، والبنات بتمثل الإغراء، وهدف الإثنين إنه يحصل على عريس أو عروسة.
في كتير من الناس بتحس في الأفراح بالخوف لأنهم لسه ما خدوش نصيبهم زي أصحاب الفرح، عشان كده بيتعاملوا بطريقة جنونية ملفته للإنتباه.

عشان كده أنا ببعد وبقعد في ركن في القاعة جنب الحيط، في ناس بتسمي الشخص اللي بيحس إنه وحيد في الأفراح بإسم وردة الحائط .

عاوزة أمشي بس إزاي وإمتى؟ لازم ألاقي باقي صاحباتي اللي مختفين وسط الفرح، لإن صاحبتي مها هي اللي هتوصلنا بعربيتها، ولازم أروح أسلم على العروسين وأباركلهم، معنى كده إني هفضل قاعدة هنا لحد ما ربنا يأذن بحاجة ثانية.

 تعدي أختي نسرين قدامي وتبتسملي، وبعد كده تتوه وسط المعازيم، الغريب إن أنا شفت نسرين جميلة أوي في اللحظة ديه، إزاي مخدتش بالي من جمالها قبل كده بالشكل ده؟

 في الوقت ده شفت عمرو كان قاعد جنب الحيطة وفي إيده سيجارة قرب يخلصها، كان بيبص للمهرجان اللي حاصل حواليه نظره سخرية، مكدبش إني حبيت نظرته.

 بدأت أحس باللي هو بيحس بيه، إنت عارف إن أنا عندي الميزة ديه، وإن كنت مش بعرف أسيطر عليها ولا أستدعيها وقت ما أحتاجها، هي إسمها موهبة التخاطر بمعنى القدرة على التواصل ونقل المعلومات من عقل لعقل آخر، سواء كانت المعلومات دي أفكار أو أحاسيس أو أي حاجه تانية، كان عندي إحساس إن فيه مشاعر إعجاب، أنا متأكدة من ده، اللي أنا حسيت بيه ده قراءة المشاعر، أما قراءة الأفكار ديه حاجة تانية وهي إنك تقدر تسمع اللي بيفكر فيه الشخص الثاني، أما قراءة المشاعر إنك تحس باللي بيحس بيه، ملل، حر، إعجاب، وهو كان عنده مشاعر إعجاب.

 دلوقتي أنا قادرة إني أشوف أفكاره، شفت نفسي قاعدة جنب الحيطة زي قطة صغيرة، جميلة، لطيفة ما كنتش عارفة إني جميلة أوي كده، أنا عارفة إني لطيفة ورقيقة بس أول مرة أشوفني بالشكل ده، هو اللي شايفني بالشكل ده وأنا شايفة اللي هو بيشوفه.

 فجأة لقيت صوت موجود في دماغي الصوت بيقول: إنتي بتقري أفكاري.. مش كده؟ 

 بصتله في ذهول… ده معناه إن هو كمان…

رجع الصوت في دماغي تاني بيقول: أنا شكيت في كده.. أنا وإنتي عندنا نفس الميزة، نقدر نقرأ أفكار بعض.. مش كده؟

إبتسمت ليه ورجع هو كمان أبتسم ليه، قام من مكانه وأتحرك ناحيتي قعد على الكرسي اللي جنبي وقال: أنا أسف، ما اتحطتش في الموقف ده غير مرة واحدة في حياتي، كنت متخيل إن عمري ما هقابل حد عنده المعرفة الاستثنائية للحواس، سعيد جداً إني قابلت حد عنده نفس الميزة.

كمل كلامه وقال: أنا أسف ما عرفتكيش بنفسي أنا عمرو، وأسف مرة كمان مش قادر أخمن إسمك .

قلت: إسمي هالة، وأنا كمان ما قدرتش أخمن إسمك، بس أعتقد شغلك ليه صلة بالدم .

عمرو: أيوه فعلاً أنا دكتور، وإنتي ليكي صلة بالأرقام.

 قلت: أنا طالبة في كلية تجارة، إزاي بقت عندك الموهبة ديه؟

عمرو: عملنا حادثة بالعربية وفضلت في العربية تحت الميه لمدة ساعتين، مات أبويا في الحادثة ديه، ولما طلعوني قالوا ان قلة الاكسجين صحت خلايا كانت خاملة في المخ، وبقى عندي المعرفة الإستثنائية للحواس، وإنتي بقيت عندك الموهبة إزاي؟

 رديت: أنا أتولدت بيها، وأهلي ميعرفوش عنها حاجة.

 كان كل اللي جي في تفكيري وقتها إحنا الإتنين شبه بعض، هل ده ممكن يكون ليه معنى، الحب أحاسيس معقدة وصعبة ،مبيجيش لمجرد إنك لقيت حد يشبهك، الحب بيجي بدون إنذار.

 كان فيه إحساس إعجاب شديد، قعد يحكيلي كتير عن موهبة التخاطر، كان عنده معلومات كتيرة جداً، قالي إن الموهبة ديه ممكن تفيد الأشخاص اللي بيمتلكوها وقت ما بيكونوا في خطر، لإنك تقدر تنقل مشاعر معينة للي قدامك، مثلاً لو كان في حد بيهددك بمسدس تقدر إنك تنقله مشاعر الخوف لدرجة إنه ممكن يسيب المسدس، ويسيبك في حالك.

خلص الفرح وكل واحد مننا روح، بس قبلها كنا خدنا أرقام بعض، زي ما قلتلكم قبل كده إن موهبتي مش دايماً بتديني اللي أنا عايزاة، وده نفس الشيء معاه وده السبب اللي خلانا ما قدرناش نخمن أرقام بعض.

تاني يوم كنت لسه قايمة من على السفرة ووأكله أكلة تقيلة ودسمة جداً، بس لقيت نفسي بعد فترة قليلة حسيت بجوع، أنا مش فاهمة إزاي، دخلت المطبخ وبدأت أجهز لنفسي أكل.

أمي في ذهول قالت: بالراحة على نفسك كده مش هتعرفي تعدي من باب الشقة.

بدأت أكل، أنا حاسة اني مش قادرة أتنفس من كتر الأكل ورغم كده لسه جعانة.

 اختي نسرين تعدي من قدامي، مش معقوله قد إيه البنت ديه جميلة. 

في الوقت ده رن التليفون، حاسيت بيه وشفته قبل ما أرد على التليفون، غريب أوي اللي أنا حاسه بيه ده، لا يمكن يكون حب ده تخاطر.

 رديت علي التليفون وجه صوته: أزيك عامله إيه؟ وإزي أختك نسرين؟

 رديت: الحمد لله كلنا كويسين، حاسة إني عايزة أنام جداً.

 عمرو: غريبة.. أنا كمان لسه مخلص أكل في العيادة بتاعتي، وحاسس إني مش قادر أكمل الشغل وعايز أنام.

أتكلمنا شوية وبعد كده قفلت التليفون.

 إحساس بالنوم… أكل… أنا بدأت أفهم، من ساعة ما قابلت الشخص ده والإحساس اللي بحسه مش إحساسي أنا، أنا بقيت بحس اللي هو بيحسة، كان جعان فأحس أنا بالجوع رغم إني كنت لسه قايمة من علي السفرة، حسيت إني عايزة أنام رغم إني ما كنتش عوزة، يا ترى بقى إحساسي بالملل اللي حسيت بيه في الحفلة كان إحساسي ولا إحساسه هو؟

 من الوقت ده بقيت حياتي صعبة جداً، أحس بوجع في بطني ما بقاش عارفه ده إحساسي أنا ولا إحساس عمرو، أحس أني عطشانة يا ترى أنا اللي عطشانة ولا هو اللي عطشان ؟

بس يا ترى لو كنت أنا بحس أحاسيسه، إزاي أعرف أنه عنده إحساس أعجاب بيه؟ ممكن يكون هو كمان بقي يحس أحاسيسي، وأكون أنا اللي معجبة بنفسي مش أكتر.

قلتله على اللي فكرت فيه في مكالمة تليفون، وكان رده وهو بيضحك: لا يا شيخة مستحيل يعني هو التواصل اللي حصل بيني وبينك ده جه فجأة بمجرد ما تعرفنا؟!

رديت: مش عارفة بس أنا واثقة من اللي بقوله.

 سكت شوية وبعدين قال: طيب.. أنا شايف إن جه الوقت اللي أقول اللي أنا كنت عايزه، فى حاجة كنت هقولها في اليوم اللي قابلتك فيه بس موضوع الموهبة اللي إحنا الإثنين بنمتلكها آخر الكلام.

 بدأت أتوتر وبلع ريقي بصعوبة.

 عمرو: زي ما إنتي عارفة إن أنا شغال دكتور، ومن عيلة كويسة، أبويا متوفي، وضعي المادي يعتبر كويس، كل اللي ناقصني دلوقتي إن يكون آخر السعي ده هدف، وأنا لقيته.

بدأت أحس بالتوتر، أكيد هو حاسس بتوتر.

 عمرو: الحمد لله إن  أخدت تليفونك، كل الناس بتقول عليكي إن إنتي ذكية، وإن أنا أقدر إن أنا أعتمد عليكي، وأنا فضلت إني أكلمك إنتي الأول قبل ما أكلم والدتك، ونزود عليها الميزة اللي عندك.

قلت: إنت عايز تقولي إيه؟

 عمرو: نسرين، هي أكبر منك، بس أنا حسيت إني أقدر أتكلم عنها معاكي.

 رديت: مالها نسرين؟

 عمرو: إنتي لسه ما فهمتيش! .. أنا عايز أتقدم وأطلب إيد أختك الكبيرة نسرين.

بدأت الدنيا تلف بيا بس حاولت إني أتماسك ويخرج صوتي طبيعي: إنت بتطلب إيديها مني أنا؟

 عمرو: لما رحت الفرح كان كل اللي أنا عايزه إني أشوفها، وبعد كده عرفت إن إنت أختها الصغيرة، وبعد كده حصل إني أكتشفت موضوع التخاطر اللي ما بينا، عشان كده قررت إني أعتمد عليكي عشان إنتي بتفهميني وقريبة مني.

 دلوقتي بس انا فهمت انا ليه كنت بشوف أختي نسرين جميلة، هو اللي كان بيشوفها كده، أما إحساس الإعجاب اللي كنت حسيته منه فهو بكل بساطة إحساسي أنا بنفسي، فأنا معجبة بنفسي جداً.

 بدأت أردد في نفسي غبي.. غبي، محبتوش ولا لحظة واحدة بس عندي شعور بخيبة أمل فظيع، كنت متخيله إن أنا اللي مش حاطه في دماغي، طلع هو اللي مش حاطتني في دماغه.

قلت: حاجة غريبة أوي إنك تطلب إيديها من أختها الصغيرة، تقدر تحدد ميعاد مع أمي وأعتقد أن هو ده الصح، وقفلت التليفون.

 ما كنتش حاسه بإيه إحراج أو ضيقة أو أي حاجة، يعني أنا خفيت.

 أنا متأكدة أن الوقت اللي جاي هيثبت إنه مش هيكون فيه أي تأثير أو إتصال بيه، إحساسي هيبقى إحساسي أنا، أكيد أنا كنت متوهمة بشكل ما لدرجة اني بقيت مراية لمشاعره، أما دلوقتي أنا خفيت منها.

فترة الإمتحانات.

 من وجهة نظري الجملة ديه ما اسمهاش مضاف ومضاف إليه، دي جملة مبتدأ وخبر، جملة ليها معنى وفائدة ومستقلة بنفسها مش محتاجة أي أضافه.

 فترة الإمتحانات.

 ده معناها إنه بيكون وقت الربيع، وقت تغير الجو، ده معناه وقت القلق والخوف ووجع البطن، ده معناه وقت المذاكرة لغاية الصبح، وبعد كده النوم لغاية الظهر، وأصحى بتأنيب للضمير إني نمت.

زي ما قلتلكم قبل كده إن الحاسة المميزة اللي عندي ما لهاش ميعاد ولا وقت، عشان كده عمري ما حسيت بتأنيب ضمير عشان خاطر ببقى عارفة بعض أسئلة الإختبار قبل ما أدخل الإختبار، ديه حاجة مش بإيدي.

 ببقى بذاكر واقلب في الكتاب، فجأة أحس الصفحة ديه مهمة، في أوقات بحس فجأة إن ورقة أسئلة الإختبار قدامي، وبعد كده أكتشف إنه مجرد تخيل وخداع من دماغي، ما فيش حاجة أبدا تفرق ما بين اللي بشوفه من خلال حسيتي المميزة أو من خلال تخيلي.

وده معناه إني بذاكر كل حاجة، ولو حصل والحاسة المميزة اللي عندي أشتغلت فيا أهلا ومرحباً، أنا كده كده بذاكر كل حاجة بس بدي إهتمام زيادة للصفحات اللي بحس إنها مهمة.

 فترة الإمتحانات، ممكن إنك تتخيل بيبقى الوضع إزاي، الأولاد مش حالقين ذقنهم، والبنات ما فيش وقت للميك أب ولا الجزم العالية، الهدوم مش مكوية، كله لابس كوتشيهات على الأرض.

دلوقتي أنا واقفة على باب اللجنة، وبراجع لآخر مرة ملزمة في إيدي، وبحطها وسط مجموعة كبيرة من الملازم والكتب اللي قدام اللجنة.

 قعدت على الكرسي بتاعي قبل نص ساعة من ميعاد الإمتحان، بدأت أقرأ آية الكرسي وآخر آيتين من البقرة.

فجأة يظهر في دماغي السؤال الأول كذا، السؤال الثاني كذا.

 هي دي أسئلة الإختبار، زي ما قلتلكم قبل كده أنا ببقى مذاكرة كل حاجة ما فيش داعي إني أقوم وأراجعها.

 قربت مني صاحبتي نسمة وقالت: السؤال الأول كذا،السؤال الثاني كذا، السؤال الثالث كذا.

 بصتلها بإستغراب نفسي الاسئلة اللي كانت في دماغي بس انا شفت سؤالين بس.

قلت: وإنتي عرفتي إزاي؟!

 نسمة بصوت واطي:  أسئلة الإمتحان أتسربت، وهي موجودة مع مجموعة من الطلاب بس، يلا قومي رجعيها لسه فيه وقت.

مشيت نسمة، وفضلت في حالة ذهول شوية من الوقت.

هي عرفت الإمتحان، زي ما أنا ما عرفت، أساساً أنا عرفتها سبب موهبتي، وهي عرفتها عن طريق تسريب الأسئلة.

 أعمل إيه؟ هل أفضل ساكته؟ لو إتكلمت هتحصل مشكلة للكل، بس أنا مش هقدر أسكت.

 هي قالت إن  اللي عارف الأسئلة مجموعة من الطلاب، وبقيت الطلاب اللي ما عرفتش موقفهم إيه؟ ده في ظلم كبير ليهم.

 إنتي مالك ومال اللي بيحصل ده؟ إنتي عرفتي الأسئلة، ليه موافقة إنك إنتي تعرفيها، ومش موافقة إن بعض الناس التانية تعرفها.

 لا انا ما حاولتش إني أعرف الأسئلة، أنا ذاكرت المادة كلها وما اعتمدتش على الحاسة والموهبة اللي عندي، أنا ما خلفتش أي قانون، بس اللي هيحصل ده ظلم واضح لمجموعة من الأشخاص ومخالفة صريحة للقانون.

مش عارفة إزاي لقيت نفسي قدام اوضة العميد دخلت  للسكرتير وطلبت إني أقابل عميد الكلية، وطبعاً بسبب التوقيت اللي كان قبل دقائق من الإمتحان وبسبب شكلي أذن ليه العميد.

العميد بإبتسامة، وكان هو عارفني عشان كنت من المتفوقات اللي كرمهم: إيه يا هالة إنتي مش عندك إمتحان دلوقتي؟

 طلعت ورقة كتبت عليها الأسئلة اللي هتيجي في الإمتحان وقربتها من العميد وقلت: حضرتك هي ديه الأسئلة اللي هتتوزع بعد شوية.

 إتغيرت ملامح وشه ومسك الأسئلة وبص عليها، أتحرك وراح عند الخزنة وخرج منها ملف مقفول، كل دكتور مادة بيسيب ورقة أسئلة الإمتحان في مكتب العميد قبل الإمتحان .

بص في ورقة الدكتور وقارنها بالورقة اللي أنا كتبتها، أكيد أنا صح لأن لو كنت غلط كان زمان موقفي ميعلمش بيه غير ربنا.

 راح عند التليفون، وأمر إن ميتمش توزيع الأسئلة، وإن دكتور المادة يجيله على مكتبه فوراً، وطلب من دكتور تاني للمادة إنه يكون عنده فوراً.

جه الدكتور التاني وأمره العميد إنه يكتب إمتحان حالاً قدامه، ويصوره ويوزعه على اللجان.

 ويجي أستاذ المادة اللي إتصدم من اللي قاله العميد، وقاله العميد إنه متهم بتسريب أسئلة الإمتحان، أنا عندي إحساس قوي أن الدكتور بريء من تسريب الإمتحان هو مش عارف أي حاجة عن الموضوع .

 العميد بيسأل الدكتور: إنت صورت ورق الإمتحانات فين؟

كان الدكتور في حالة سيئة جداً، أتحرك للتليفون وأتصل بالمطبعة، وطلب إن يجي شخص إسمه محمود لإن العميد عايزه، بعد دقائق جه محمود ،كان راجل كبير في السن.

 العميد: أسئلة الإختبار أتسربت، أنتوا الإتنين في موقع إتهام وشك، واحد منكم باع الأسئله وقبض تمنها.

 كنت ببص على محمود في الوقت ده، هو كمان بريء ميعرفش أي حاجة عن الموضوع.

 محمود هو في حالة ذهول: انا صورت الورق مدة نص ساعة، ما سبتش الورق لحظة واحدة.

في اللحظة دية بصلي العميد وقالي: مين اللي إداكي الأسئلة ديه يا هالة؟

 قلت وأنا مترددة: زميلة ليه في نفس دفعتي.

 العميد: هي مين؟

 مستحيل إن أنا أدخل صاحبتي نسمة في الموضوع ده، هي جت قالتلي بنيه إنها بتخدمني ولا يمكن أذيها.

 العميد: لازم أعرف مين؟

 رديت: يمكن جابتهم من صديقة تانية ليها؟

 العميد: هسألها وهسأل غيرها وغيرها وغيرها، لغاية ما أعرف مين اللي سرب الأسئلة؟

بدأت أحس إني غلطانة في الخطوة اللي أنا عملتها، المصيبة إن كل الطلاب هتعرف إن أنا اللي إتكلمت، هبقى أنا الخاينة اللي كشفت السر.

 كنت قربت أنهار ويغمى عليا، فجأة بدأت أشوف في خيالي مكنه التصوير فوقيها ورق الأسئلة، وإسم بيجي في دماغي محمد رفعت.. محمد رفعت.

 فجأة قلت بصوت عالي: محمد رفعت.

 العميد: أخذت الأسئلة من محمد رفعت؟

ما قدرتش إني أقول اه أو لا فضلت ساكته.

قال عم محمود بصوت عالي: أيوه محمد فعلاً.

 عم محمود بدأ يحكي للعميد أنه كان بيصور أوراق الإمتحان فجأة حس إنه تعبان وضربات قلبه بتزيد، ساب الاوضة دقائق عشان يشم هوا، ومحمد ده حارس الأمن اللي بيقعد على الباب من بره، يقدر إنه يدخل في اللحظة ديه ويأخذ ورقة من الورق ويرجع تاني يقعد مكانه كإن مفيش حاجة حصلت.

 رفع العميد السماعة وطلب إن يجيله محمد رفعت، وخلال دقائق كان موجود، ما كانش محتاج وقت كتير ولا أي ضغط لأنه إنهار وإعترف بكل حاجة، وقال إنه باع ورقة الأسئلة اللي أخدها لطالب في الدفعة.

الحمد لله إني خرجت من الورطة ديه وفي نفس الوقت ما ورطتش نسمة، بصلي العميد وقالي: شكراً يا هالة على أمانتك ويقظة ضميرك.

كمل العميد: حصل تأخير لوقت الامتحان حوالي ربع ساعة، أدوا وقت إضافي للطلاب وزعوا أوراق الأسئلة على اللجان حالاً.

 رجعت للجنة وأنا حاسه برضا.

أول ما استلمت ورق الأسئلة الجديدة، كنت حابه إني أصرخ أسئلة صعبة، ما ساعدتنيش موهبتي في أي حاجة، يمكن أكون رفعت الظلم عن مجموعة معينة من الطلاب بس ظلمت نفسي، يمكن لو كنت سكت كان هيبقى أحسن ولا إنتم إيه رأيكم؟

……………….

الفصل الخامس

خلي بالكم من العربية ديه.

 عربية لونها أزرق من نوع تويوتا، محطوط على إزاز العربية إستيكر لنادي مشهور، في خدش كبير من الناحية الشمال بطول العربية.

 لو شفت العربية ديه خلي بالك منها.

 صاحبها بيلبس نظارة سوداء كبيرة بتخبي نص وشه، بيلبس لبس أسود، يديك إنطباع بالخوف كاننا في فيلم أجنبي، بيدخل الرعب فقلبك، لو شفت الراجل ده خلي بالك منه.

 هيكلمك وإنتي ماشيه وهيعرض عليكي إنه يوصلك، ولو كنتي بنت مؤدبة ومحترمة هتمشي كإنك مش سامعاه، أما لو كنتي بنت طايشة وبتحب المغامرة هتستغلي الفرصة وتركبي معاه، ولما تبقي جوه العربية هيبدأ يتكلم عن جمالك، وبعد كده يقولك إن في وقت أننا نقعد في حته هادية ونشرب كوبايتين عصير ليمون.

 ولو كنتي بنت طايشة وبتحب المغامرة هتقبل ده، ووقتها….

 معرفش أي حاجة تانية، التخيل بيوقف لغاية هنا، كإنه مسلسل وديه نهاية الحلقة، وبقيت التفاصيل هنعرفها في الحلقة الجاية، بس الحلقة ديه مبتجيش أبدا.

بشوف التخيل ده بإستمرار، حاسة إن في حاجة هتحصل، بس مش عارفه إيه هي.

كتر تكرار التخيل ده بيثبتلي إنه حقيقية، أقرأ في الجرنان عن البنت اللي خرجت ما رجعتش، ألمس الصورة وأغمض عيني ما بشوفش حاجة غير العربية الزرقاء، أحذر أختي أنها تاخذ بالها.

النهاردة كان يوم مختلف، في ضيف هيجي النهاردة.

أمي بتقول: هو مش قادر يستنى لغاية ما باباكي يرجع في إجازته، محدش هيديله كلمة إلا بعد أبوكي لما يجي، خالك هيكون موجود، وهيكون فيه مقابلة مرة تانية، بس ده ما يمنعش إنك تلبسي و تتشيكي النهاردة.

ما بحبش الطريقة ديه، هو بيقول إنه شافني في الكلية وأعجب بيه، هو محاسب في بنك كبير، عنده 30 سنة يعني سنه كويس.

 بس أنا مش عايزة، بس خالي المهندس الشاب جاي مخصوص النهاردة عشان كده، آخر الموضوع أستسلمت وبدأت أجهز نفسي ألبس الطقم اللي أمي أختارته، وأعمل تسريحه الشعر اللي أمي أختارتها، وأحط كمية الميكب اللي أمي أختارتها.

 الساعة 8:00 بالليل رن جرس الباب، وسمعت خالي وهو بيرحب بالشخص ده وأمه وبيدخلهم الصالون، وبعد كده سمعت أمي بترحب بيهم، قربت وأنا شايله في إيدي صينية العصير، دخان سجاير خالي ملء المكان.

 أمي: ديه هالة.

 أقعد وأم العريس بتقول: بسم الله ما شاء الله.

 أرفع عيني وأبصله ألاقي وشه كإني شفته قبل كده.

يبدأوا يتكلموا في كلام مش مفيد، محدش هياخد أي قرار غير لما يرجع أبويا، العريس عنده سفر كان عايز ياخد رد مبدئي قبل ما يسافر، وبعد كدة يرجع يكمل الخطوبة وبقية التجهيزات.

 تخلص القاعدة، ويمشي الضيوف، وتناديني أختي عشان نبص عليهم من البلكونة، نبدأ نبص عليهم من ورا الستارة، يقرب خالي ويقف معانا، نشوف العريس وهو بيقرب من باب العربية بتاعته يفتح الباب لأمه، وبعد كده يلف يركب العربية، ديه عربية زرقاء.

 خالي: عنده عربية تويوتا زي اللي كانت معايا وبعتها.

 بلعت ريقي بصعوبة، تويوتا زرقاء! إهدي مفيش داعي للقلق ممكن تكون التخيلات صحيحة بس بتنبهني على العريس اللي هيتقدملي مش أكتر.

 خالي: أنا شايف إنه شخص ممتاز جداً، أنا هتصل باباكي وأقوله يأخد أجازه وينزل، العريس ده لقطة.

كل حاجه كويسة وجميلة بس حاجة واحدة بس، ما حدش سألني عن رأيي، كلهم تناقشوا ووافقوا وما حدش منهم إهتم يسأل الإنسانه اللي هتعيش بقية حياتها مع الراجل ده.

 تاني يوم رحت الكلية، وفي الشارع الطويل اللي هناك، حسيت إن في عربية بتقرب مني وبتبطئ، بصيت لقيته العريس، كان لابس نظارة سوداء بتغطي وشه، هو ده، عشان كده حسيت إن أنا شفته قبل كده.

 العريس: أهلا يا هالة، ممكن نتكلم مع بعض شوية؟

 رديت: كل حاجة إتقالت إمبارح.

العريس: لا لسه في حاجات كتير أوي ما إتقالتش، ممكن تركبي معايا؟

 بصيتله وقلت في خبث: في وقت نقعد في حته هادية ونشرب كوبايتين عصير ليمون.. صح مش كده؟

 العريس: ممكن.. ليه لا، مكنتش أعرف إنك بتحبي الليمون.

 قبل ما يكمل كلامه، كنت شاورت لعربية تاكسي وركبت فيها، مكنتش حابه موضوع جواز الصالونات عشان كده مكنتش حابه العريس ده، دلوقتي أنا مش حباه وخايفة منه لأنه عنده عربية تويوتا زرقاء، ودلوقتي خايفة منه أكتر لأنه لابس نظارة سوداء وبيطلب من البنات إن هي تركب معاه.

 في اليوم التاني تقرب مني صاحبتي منى، صديقتي منى بنت جميلة جداً، تقدر إنها تخلي أي راجل قدامها طفل صغير، بس المشكلة إن هي عارفة أنها جميلة، عشان كده طايشة ومغامرة ومتخيلة إنها كده هتجيلها فرصة أحسن من باقي صاحبتها.

 منى: أنا شفتك إمبارح لما كان بيكلمك الراجل اللي في العربية التويوتا الزرقاء، فرحت أوي إنك سبتيه وما ركبتيش معاه.

 رديت عليها: إنتي تعرفي عني إن أنا بركب عربيات مع حد غريب.

 منى بخجل: أصل أنا ركبت معاه العربية قبل كده عرض إنه يوصلني، كان شخص ملامحة جميلة، كنت متخيله إنه فرصة عريس كويسة، بس طلع قليل الأدب، أول ما ركبت معاه العربية بدأ يتمادى، عشان كده فتحت الباب ونزلت من العربية، عشان كده أنا بنصحك أبعدي عن الشخص ده.

أنا دلوقتي فهمت هو ده التخيل اللي أنا شفته، الحمد لله إن موهبتي المميزة أنقذتني منه.

شكرت منى ومشيت وكملت باقي محاضراتي، النهاردة هكلم خالي وهرفض الموضوع تماماً، ولو سألني عن الرفض هقوله الحقيقة.

 بعد ما خلصنا المحاضرات مشيت أنا ومنى من الكلية، بدأت أسمع من ورايا صوت بيناديني، الصوت ده أنا عارفاه، مشيت مني وموقفتش.

 بصيت لقيت خالي راكب في عربية العريس وبيكلمني من الشباك قالي: إحنا جينا عشان نوصلك، تعالي أركبي وهاتي صاحبتك معاكي.

قلت بغضب: أنا مش هركب العربية ديه أبدا.

 وسبتهم وكملت مشي، نزل خالي من العربية وجري ورايا، وسألني: في إيه؟

 كان ردي عليه إني هشرحله لما أروح البيت، وسبتهم.

منى: شاطرة برافو عليك، شاب قليل الأدب، بس هو ليه مخلي حد تاني يسوق العربية بداله؟

 بصيت لمنى وقلت: انت بتتكلمي عن مين؟

 منى: الشخص اللي نزل من العربية وكلمتيه، أنا عمري ما هنسى ملامحه، وقتها كان لابس نظارة سوداء مخبيه نصه وشه ولابسه أسود.

رديت في ذهول: منى ده خالي. 

 بدأت أفتكر التخيل اللي جالي، والإستيكر بتاع النادي اللي مش موجود علي عربية العريس، ولا الخدش اللي من ناحية الشمال بطول العربية، مش هي دي العربية اللي أنا شفتها في تخيلي، رجعت البيت واتصلت على خالي وقبل أي كلمة سألته: هي العربية اللي كانت معاك التويوتا الزرقا اللي إنت بعتها كان فيها خدش في الناحية الشمال بطول العربية؟ وهل إنت كنت قبل كده عضو في نادي مشهور وحاطت إستيكر النادي على إزاز العربية؟

 خالي: غريبة.. أيوه فعلاً اللي إنتي قلتيه صح.

 سألته: إنت بعتها ليه؟

 خالي: حصلت حادثة كنت هروح فيها، للأسف انا عملت حاجات وحشه كتير بالعربية ديه وعشان كده حسيت إن الحادثة ديه تنبيه ليه من ربنا عشان كده بعتها.

 مكانش محتاج يشرح أكتر من كده، خالي الشاب كان بيعرض على البنات إنه يوصلهم، وكان بيتمادى، وبعد كده حصلتله الحادثة اللي نبهته ورجعته للصح، وقرر إنه يبيع العربية اللي من وجهة نظره إرتكب فيها أخطاء مش عايز يفتكرها.

 موهبتي خلطت بين العريس اللي كنت خايفة منه، وبين عربية خالي، حصل تشويش، عربية خالي بيسوقها راجل يشبه العريس.

أخذت قراري أنا مش هتجوز جواز الصالونات ده، حتى لو كان العريس بريء، النهاردة انا هقول لا بكل صراحة.

سليم عنده مشكلة مالية كبيرة.

 وللأسف مين ما عندوش، الحياة بقت صعبة وغالية والمصاريف بتزيد، بس أكيد إحنا ما وصلناش لحالة سيئة أوي، أما سليم بقى فوصل للمرحلة السيئة جداً ديه، للأسف دخل البورصة وخسر خسارة كبيرة.

 كان سليم مطلق، هو شخص عصبي وسريع الغضب، عشان كده طلق مراته قبل حتى ما يخلفوا، مكانش عايش في الشقة لوحده كان معاه عمه، اللي أبوه وصى عليه قبل ما يموت، لإن عمه ما لوش أي حد تاني، صحيح أبوه مات من مدة بس وصيته لسه عايشه.

 في حاجة كمان مهمة في موضوع عمه، إنه راجل عجوز جداً وغني جداً جداً، فمعاملته بطريقة كويسة وإظهار الحب ليه ممكن يخليه يكتب كل ممتلكاته لسليم وده اللي حصل فعلاً.

 يعتبر عم سليم هو اللي بيصرف على البيت، كل أول يوم في الشهر بيروح سليم مع عمه البنك يصرف فلوس ويديها لسليم، اللي بيصرف منها على البيت وطبعاً على الأدوية كمان.

 لو هنستنتج من ده حاجه هنستنتج إن رغم إن عم سليم عجوز جداً إلا إن صحته كويسة، عنده 90 سنة بس لسه قادر إنه يدخل الحمام لوحده، ويخرج لوحده، ويقرأ الجرنان.

10 سنين وسليم بيعتني بعمه، مفكرش سليم في الموضوع ده إلا بعد ما بقى على الحديدة، وكان بيقرأ كتاب الجريمة والعقاب للكاتب الروسي دوستويفسكي، وبدأ يفكر الست العجوزة اللي في الرواية اللي محدش هيشتاقلها لو ماتت، وإن هي كانت حاجز أساسي قدام البطل عشان يعيش حياته، عمل البطل إيه في الرواية؟ أنهى حياتها.

 لازم عمه تنتهي حياته، بس إزاي؟

 فيه نهاية للحياة اللي شبه الحادثة، وفيه إن الشخص ينهي حياته بنفسه، وفي نهاية للحياة بسبب التقدم في السن والشيخوخة.

  نهاية الحياة عن طريق إن هو ينهيها بنفسه شيء مش منطقي محدش هيصدقها، أما نهاية الحياة عن طريق التقدم  في السن والشيخوخة، حلوة الفكرة ديه، بس للأسف عمه العجوز ما بياخدش أي أدوية بشكل ثابت، يقدر وقتها سليم أنه يخبي الدواء، كمان هو معندوش أي معلومة طبية إن إزاي عمه يدخل في نوبة قلبية.

 وفيه نهاية للحياة عن طريق إنك تأجر شخص محترف يقوم بالموضوع، وتبان إنها سرقة والموضوع تطور، بس الموضوع ده مش مضمون ممكن الشخص ده يقع تحت إيد البوليس وممكن يتكلم، ولو ممسكوش البوليس ممكن يبدأ مرحلة الإبتزاز.

 يبقى ما فيش غير نهاية الحياة عن طريق شبه حادثة.

فضل سليم يفكر، عمه العجوز بيدخل الحمام قبل صلاة الفجر يتوضأ وبعد كده يرجع لأوضته، خد قراره بسرعة ولما الساعه جت واحدة بعد نص الليل، راح الصالة ونزل كبس كهربة الحمام بس .

بعد كده رجع الحمام، كان في الفيشه اللي قريبه من أرضيه الحمام قديمة ومتهالكة، فك المسامير وخرج سلك هو عارفة كويس خلاه يلمس الإرض، حاول إنه يبين الموضوع إنه إهمال وإن الفيشة ديه بايظة والسلك خارج كده من فترة.

 راح عند البانيو وملي  جاردلين ورماهم على الأرض، أكيد في جزء كبير هيقع في البلاعة بس هتفضل الأرض مبلولة.

 خرج من الحمام، ومسك الشبشب اللي بيستخدمه عمه في دخول الحمام، عمل خرم في الشبشب .

كده بعد مجهز كل حاجة رجع وشغل كبس الكهربة بتاع الحمام، دخل أوضته واخذ حبايتين منوم، وحط المخده على دماغه ونام.

 هو عارف إيه اللي هيحصل، هيصحى عمه قبل صلاة الفجر، ويلبس شبشب الحمام المخروم ويمشي على أرضية الحمام المبلولة وتوصل الكهرباء لجسمه، وطبعاً هيموت في ساعتها، هتبان إنها حادثة بسبب الإهمال، يخلص العزاء بعد ثلاث أيام، وبعد كده ياخد الميراث، الفلوس كلها هتبقى بتاعته. 

 الساعه 7:00 الصبح يصحي سليم وهو ناسي كل حاجة وراح عند الحمام، واول ما شاف جسم عمه مرمي على الأرض أفتكر كل حاجة، بقى مش مصدق إنه عمل كده، لو كان فكر شوية أو أستنى لغاية الصبح أكيد كان رجع عن الفكرة، بس الوقت فات.

 جري يفصل الكهرباء، وأتصل بالإسعاف والبوليس.

الساعه 9:00 الصبح أتصل عليه النقيب سعيد، كان غالباً بياخد رأيي في القضايا اللي بيكون عنده شك فيها، إنتم فاكرين النقيب سعيد البهنساوي اللي تعرفت عليه عن طريق الدكتور النفسي محمد المهدي.

 النقيب سعيد: القضية في الظاهر إنها قضية إهمال، بس أنا حاسس إن في حاجة غلط.

 بدأ النقيب سعيد يحكيلي عن تفاصيل القضية وقال: مش غريبة أن السلك بيترمي على الأرض في الوقت ده، وفي نفس الوقت يكون الشبشب مخروم، وبرضو في نفس الوقت يكون الحمام مبلول.

 عشان كده رحت الشقة مكان الحادثة، على الأرض جسم متغطي بملاية، سليم بيبكي ومنهار على جنب، بدأت أتحرك في الشقة، رحت عند الشبشب المخروم ومسكته، لحظات ورجعت للنقيب سعيد وقلت: وأضح ان الموضوع بفعل فاعل، أنا حاسه  بالشر في كل حته في المكان، وبعدين الخرم اللي في الشبشب ده مش من كتر استهلاكه، الشبشب كله سليم إلا الخرم ده اللي إتعمل بالقصد.

 النقيب سعيد: أنا كمان عندي نفس الإحساس بس مفيش أي دليل.

سألت النقيب سعيد: طيب الميه اللي موجودة في الحمام جت منين؟ خلي بالك إن الميه ديه موجودة قبل ما يتوضأ عمه لصلاة الفجر.

 النقيب سعيد: سليم بيقول إنه إستحمى الساعة 3:00 بعد نص الليل.

 رديت: طب وليه هو ما تصعقش بالكهرباء رغم إنه كان حافي؟!

 النقيب سعيد: يمكن الحمام ما كانش مبلول أوي، أو إن في فار شد السلك بعد ما هو خرج من الحمام.

قلت: في لعب واضح في فيشة الكهربة خدت بالك من ده؟!

 النقيب سعيد: سليم بيقول إنه كان بيحاول يصلحها من يومين بس معرفش.

 رجعت أمشي تاني في الشقة، عندي إحساس قوي إن الموضوع بفعل فاعل بس مش قدره أثبت ده معنديش أي دليل.

 دخلت الحمام ولقيت البانيو مليان ميه، رجعت الصاله وطلبت من النقيب سعيد إنه يسأل سليم، فأنا معنديش أي صفه إني أسأله.

 النقيب سعيد: ليه مليت البانيو ميه بعد ما أستحميت؟

 سليم:المية بتقطع كثير في المنطقة، ولازم دايماً نملي ميه إحتياطي.

  نورت في دماغي فكرة، جريت بسرعة على شقة الجيران اللي كانوا واقفين على الباب وسألتهم: إيه أخبار الميه إمبارح؟

 ردت عليا ست وقالت: الميه كانت قاطعة يا حبيبتي طول الليل إمبارح.

 رجعت بسرعة للنقيب سعيد وقلت: ما كانش فيه ولا نقطة ميه إمبارح، أول حاجة سليم كذب هو ما استحماش إمبارح وهو اللي رمى الميه على الأرض، وعندك فيشة الكهرباء والسلك اللي خارج منها اللي شكله مش طبيعي، وعندك الخرم اللي في الشبشب الظاهر إنه إتخرم بالقصد، وعندك أهم حاجة الدافع للجريمة.

بصينا إحنا الإتنين لسليم اللي ما سمعش كلمة واحدة من اللي قلناه، واللي كان عمال يلف في صفحات رواية الجريمة والعقاب.

 أشمعنى الرواية ديه بالذات؟!

 

لتكملة القصة اضغط الزر بالاسفل



هل كان المحتوى مفيداً؟

نعم
لا
شكرا لك

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى