قصص رومانسية

رواية صغيرتي (الجزء الثالث)

“متسبنيش لوحدى… أنا بخاف”

ما تقدروش تتخيلوا أنا حصل فيا إيه لما رهف قالتلى الجملة دى! وأنا شايفها وهى واقفة قدامى، وبتترعش من الخوف…

الموقف ده فكرنى باليوم الأسود…

قلتلها: “إنتى كويسة؟”

رجعت تانى تقول: “متسبنيش لوحدى عشان خاطرى”

مكنتش حاسس إن اللى هى بتعمله ده طبيعى!

اتوترت، وكنت خايف، وقلقان عليها جدا…

فضلت باصصلها باستغراب، ومكنتش عارف المفروض أعمل إيه؟!

روحنا ناحية السلة وهى ماسكانى، وحاولت أسحب دراعى منها عشان ألم الحاجه اللى وقعت…

لكن هى مرضيتش تسيبه بسهولة أبدا، دى كمان مسكت فيا أكتر، وقعدت تعيط…

مكنش الموقف اللى حصل ده طبيعى أبدا…!

عشان كده لما وصلنا البيت ماما سألتني: “إيه اللى خلى رهف تخاف وهى معاك فى المكتبة؟”

بصتلى باهتمام، وكملت كلامها: “إيه اللى حصل يا ليث؟ قلى!”

“مفيش حاجة حصلت، ده أنا روحت أبص بصة على الكتب اللى فى الناحية التانية، وبعد شوية صغيرين لقيتها قدامى بتترعش من الخوف!”

بان على وش أمى الزعل، وقالت: “إيه اللى خلاك تسيبها يا ليث؟ مش قلتلك متبعدش عنها، وتخلى بالك منها”

كلام ماما جنني، وقلتها وأنا متعصب: “ماما… فى إيه؟ إيه الموضوع؟”

“عندها خوف مرضى من الأشخاص الغريبة… بتموت من الخوف لو ملقتش حد مننا جنبها… هى مريضة بكده من سنين… من ساعة ما سبتنا يا ليث”

إتصدمت من الخبر ده صدمة رهيبة، وقلبى وجعنى أوى…

ماما عرفتنى مواقف كتيرة حصلت مع رهف بعد ما أنا مشيت… و الحالة المرضية اللى بقت ملازماها طول الوقت، والرعب اللى بتحس بيه أول ما بتلاقى نفسها لوحدها بين ناس غريبة.

مكنش صعب إنى أتوقع إن اللى هى فيه ده بسبب

اللى عاشته فى اليوم الأسود اللى اتخطفت فيه…

قد إيه إتمنيت…

قد إيه إتمنيت لو على يرجع للحياة تانى…

عشان أقتله… أقتله ألف مرة تانى…

هو يستحق أكتر بكتير من القتل…

أمى قالتلى: “ولما الحرب قامت فى المنطقة اللى إحنا عايشين فيها… الخوف، والمرض زادوا عليها أكتر، ولقينا نفسنا مضطرين إننا نسيب المنطقة، ونمشى مع الناس اللى مشيوا…

المشى من بيتنا، ومنطقتنا مكنش سهل، لكن الرجوع كان أصعب بكتير…

قضيت معاها وقت طويل جدا فى المستشفى… مكنتش بتفارقنى ولا لحظة…

أبوك، وأخوك راحوا العاصمة بالعافية عشان يزوروك، لكن لما وصلوا إتمنعوا من الزيارة، وعرفوا إن الزيارة ممنوعة على كل المسجونين… وسابوا معايا البنتين فى المستشفى عشان أقعد بيهم…”

أمى بتتكلم، وأنا دماغى عمالة تلف… تلف… تلف… لغاية ما لفت المجرة كلها…

حاجات كتير، وأسئلة كتيرة كانت شاغلة بالي من سنين، وفجأة لقيت الإجابة عليهم مرة واحدة.

وطيت راسي، وسندتها على إيدى، ولما ماما شافتنى بالمنظر ده قالتلى: “إبنى… أنت كويس”

رفعت راسى من على إيدى، وقلت: “طب وليه بقى عملتوا كده… جوزتوها ليه لآسر وهى فى سنها الصغير ده؟”

قالت: “طب إنت كنت عايزنا ندي بنتنا لمين؟ دى بتموت من الخوف لو بعدت عننا… إنت فاكر إنها تقدر تخرج خطوة واحدة لوحدها من البيت ده…

هى مبتخرجش فى أى مكان عام من غير أبوك أو آسر… كانت أكيد هتتجوزه دلوقتى أو بعدين، إحنا رفعنا الحرج عنهم، وجوزناهم عشان هم عايشين الإتنين تحت سقف بيت واحد”

قلت: “لكن يا ماما… هى… هى…”

مقدرتش أكمل الكلمة اللى محشورة جوايا…!

كملت كلامى، وقلتلها: “هى صغيرة جدا، مكنش ينفع تعملوا كده… كان المفروض إنكوا…”

مقدرتش أكمل ولا حرف بعد كده…

هقول إيه يعنى؟ كل حاجة خلصت!

لكن الحاجة الوحيدة اللى ريحتنى شوية، إن أنا فهمت كل حاجة، وكل المستخبى، واللى كان شاغل بالى ظهر قدامى…

قمت عشان أروح أوضة آسر اللى باخد فيها نفسى، وبغرق فى أفكارى…

وقفت قبل ما أمشى فى أوضة الأنترية اللى كنا قاعدين فيها أنا، وأمى، وقلتلها: “عشان كده مقولتولهاش إن أنا مسجون… إنتوا قلتولها إن أنا مش هرجع تانى؟”

“عرفناها إنك ممكن ترجع… لكن بعد عشرين سنة… وممكن مترجعش”

أمى كانت بتقول كده وهى عمالة تعيط… وأنا كان قلبى بينزف.

“لكن أنا رجعت”

وأنا بقول كده ماما ابتسمت، وبعدين الابتسامة إختفت، وبصتلى باهتمام، واستغراب…

كملت كلامى، وقلت: “ولازم أمشى تانى”

خرجت من الأوضة بعد كده عشان أروح على أوضة آسر…

كنت حاسس بفضول مش قادر أقاومه، وقلق على رهف شدنى على أوضتها المقفولة، وبعدين خبط خفيف على بابها…

“أنا ليث”

بعد شوية الباب إتفتح…

أنا كنت واقف بعيد شوية… ورهف بصالى من جوا الأوضة…

بصيت على عينيها، ولقيت الأربع جفون بتوعها وارمين وعينيها وارمة، وحمرة من أثر الدموع…

قلت: “صغيرتى… سامحينى… أنا آسف”

أول ما قلت كده رهف رفعت إيديها، وحطتها على وشها وفضلت تعيط…

المشهد اللى كان قدامى هزنى…

صوت عياطها اللى كنت سامعه كان بيزلزل خلايا قلبى قبل ما يوصل لطبلة ودانى…

قلتلها بحنان، وعطف: “رهف!”

رهف لفت وشها، وراحت جرى على السرير، ودفنت وشها فى المخدة، وكملت عياط…

فضلت واقف على الباب مكنتش قادر أعمل أى حاجة، ولا عارف أقدم خطوة، ولا أرجع، وأمشى…

“رهف… حبيبتى”

ندهت عليها، وكنت مستنى أشوف وشها، وتبصلى، لكن هى متحركتش، وفضلت خافسة وشها فى المخدة، وبتعيط بحرقة شديدة، وأنا قلبى كان بيعيط معاها…

“رهف… كفاية عشان خاطرى… بالله عليكى كفاية… أنا مش بتحمل أشوف دموعك”

رهف برده متحركتش خالص…

كنت متردد أعمل كده لكن مقدرتش أسيطر على نفسى، ودخلت خطوة واحدة بس جوا الأوضة…

المراية كانت على يمينى، ولما دخلت الخطوة دى شفت متعلق عليها صورتى…

بصيت على شمالى لقيت صورتى برده على الحيطة…

لكن إتفاجأت جدا بالصورة اللى على الحيطة، لإنها كانت رسمة ليا أنا على ورقة… وكانت ألوانها لسة مكتملتش…

فضلت أبص بعينى على رهف اللى دافنة وشها فى المخدة، وعلى الرسمة اللى على الحيطة…

هى إزاى قدرت ترسمنى بالدقة دى؟ وبشكلى دلوقتى؟ وبمناخيرى المعكوفة كمان؟؟

هى لقت صورة ليا إزاى عشان ترسمنى، ولا رسمتنى من الكام مرة اللى عينها بصتلى فيهم!!

“ده شبهى جدا، إنتى فنانة”

أول ما قلت كده لقيت رهف قامت فجأة، وراحت على اللوحة، وغطتها بسرعة وهى مرتبكة بورقة بيضا…!

فضلت بعد كده تبص فى كل حتة شوية بعيد عن وشى، وفتحت علب الألوان اللى هى لسة مشترياها، وقعدت تقلب فيهم وهى مرتبكة، ومش عارفة تعمل إيه؟!

رجعت خطوة لورا، ومكنش عندى أدنى فكرة عن أى حاجة حاجة ممكن أعملها، أو أقولها دلوقتى!!

تقريبا… أنا لازم أخرج حالا!

الجملة اللى جت على بالى ساعتها وقلتها كانت: “أنا عايز أشوف رسوماتك”

بس هو ده وقته!

رجعت خطوة تانى لورا، وقلت: “بس أكيد مش دلوقتى… بعدين… الوقت اللى تحبيه… لو تسمحيلى يعنى”

لقيت رهف راحت على المكتبة بتاعتها، وخرجت كراسة رسم، وجت إديتهالى فى إيدى…

فى اللحظة دى بس… عيوننا اتلاقت…

كانت عنيها بتغلى، ودموعها بتفور جواها، وبتبشر بفيضان هيحصل كمان شوية…

خدت الكراسة، وقلت وأنا قلبى بيتقطع: “متعيطيش عشان خاطرى”

لكن للأسف أول دمعة خرجت، واتدلقت وهى جارة وراها جيش الدموع المتمردة…

“رهف… حلفتك بالله يا شيخة… كفاية”

“مش قادرة أتغلب على اللى أنا بحس بيه جوايا… كلهم مخيفين… مرعبين… أشرار… كلهم عايزين يخطفونى”

رهف قالت كده، وبعدين إنفجرت فى عياط شديد، وهستيرى، وقوى جدا…

قلبى، وجسمى كله كانو بيترعشوا، وكان نفسى أصرخ صرخة تسمع فى الدنيا بحالها…

شايفها قدامى زى ما كنت شايفها بالظبط اليوم إياه…

دوست على الكراسة بإيدى لغاية ما كنت هقطعها…

إتمنيت لو أخدها فى حضنى زى ما عملت يومها، لكن للأسف مقدرتش…

إتمنيت لو…

لو أخرج جثة على من سابع أرض، وأقتله، وبعدين أقطعه حتة حتة…

إتمنيت لو إن الزمن يرجع بيا لورا، كنت قتلته فى آخر مرة إتخانقنا فيها… ومكنتش أسيبله فرصة إنه يعيش ويإذيكى…

أنا كنت السبب…

أيوة أنا السبب…

ربنا إنتقم منى أشد إنتقام…

فضلت أدفع التمن، وأى تمن!!

هفضل أدفعه لغاية آخر يوم فى حياتى…

إيه ذنب صغيرتى فى كل ده؟

إلهى تولع مطرح ما رحت يا خسيس…

فى اللحظة دى جت أمى اللى أكيد سمعت صوت عياط رهف…

وقفت جنبى شوية، وكانت بتبصلى أنا، ورهف، وبعدين راحت على رهف…

“حبيبتى”

ماما بتقولها كده، ورهف إترمت فى حضنها وهى بتعيط، وبتصرخ، وبتقول فى وسط دموعها: “متسيبونيش لوحدى… متسييبونيش لوحدى”

ماما لفت دراعها جامد حوالين رهف، وفضلت تمسح على ضهرها بعطف، وحنان، وكانت بتحاول تهديها…

“ليه كده يا ليث؟”

ماما بصالى، وبتقلى كده وهى متضايقة جدا من اللى حصل…

قعدت على السرير فى أوضة آسر، وكنت بقلب فى كراسة رهف…

رسومات كتيرة، وجميلة أوى…

راسمة كل حاجة، ومكنش في صورة لأى شخص غير ليلى، كانت راسمة ليلى وهى زعلانة، ومكشرة…

كان فيه صور تانية كتير عبارة عن أشباح، ورسومات خيالية…

مكنتش عارف هى تقصد بيهم إيه؟!

عدوا ساعتين من ساعة ما سبتها فى حضن ماما وهى بتعيط، وفجأة سمعت صوت خبط على الباب…

“أدخل”

دخلت أمى…

“يلا يا ليث… العشا جاهز”

سبت الكراسة على السرير عشان أروح مع ماما أوضة السفرة…

قبل ما نوصل لقيت ماما بتوشوشنى فى ودنى: “ليث… بالله عليك متفتحش الموضوع تانى وإحنا بناكل… ماشى”

هزيت راسي بالموافقة…

مسمحتش لعينى إنها تشوف رهف، ولا لسانى إنه يتكلم معاها طول ما إحنا قاعدين…

بعد العشا رحت أنا، وبابا أوضة الأنتريه عشان نتفرج على آخر الأخبار فى التيلفزيون…

لسة كل حاجة فى البلد متدمرة، والحرب اللى كانت واخدة هدنة بسيطة رجعت تانى بشكل أقوى، وأشد، وبدأت تنتشر من وسط البلد للجهات الأربعة…

استولوا على محافظتين جداد، والمنطقة الصناعية اللى إحنا فيها إسمها دخل فى لستة المناطق المهددة بالقصف…

كنت مندمج وأنا بتفرج على المظاهرات المنتشرة فى البلد، وعلى العساكر وهم بيضربوا المواطنين، وبياخدوهم للحجز…

منظر مرعب خلى قلبى يتنفض من الخوف، وإفتكرت ذكريات السجن المميتة…

فى الوقت ده لقيت رهف داخلة علينا بكراسات رسم، وشوية لوح، وجاية بيهم عليا…

“شوف دول كمان… هم دول كل اللى عندى”

حطت الكراسات على الترابيزة اللى قدامى، وقعدت فى الكرسى اللى جنبى عشان تراقبنى، وتسمع تعليقاتى على رسوماتها الجميلة…

عينى كانت على الرسومات، لكن ودنى كانت مع التيلفزيون…

بعد ما خلصت، وشوفت كل الرسومات قلتلها: “جميلة جدا… إنتى فنانة يا صغيرتى… عندك رسومات تانى، ولا دول كل حاجة؟”

رهف ابتسمت وهى مكسوفة، وقالت: “أيوة، ماعدا آخر لوحة لسة بعملها”

خبت عينيها بصوابع إيديها وكانت عاملة نفسها بتبص على ضوافرها وهى بتتكلم…

يا ترى رهف عايزة ترسمنى أنا بالذات ليه؟؟

هى مرسمتش أى حد من أفراد العيلة…

الرسومات كلها أهى قدامى، ومفيهاش صورة آسر حتى مثلا…!

“هتخلصيها إمتى؟”

لسة عمالة تتأمل فى ضوافرها، وكأنها بتشوفهم لأول مرة!!

قالت: “بكرا أو بعد بكرا بالكتير أوى”

قلت: “يا خسارة… كده أنا مش هعرف أشوفها لما تكمل”

بصتلي، وقالت: “ليه؟”

قلتلها: “عشان أنا هسافر بكرا… إنتى عارفة”

صوت الأخبار وقف فجأة، وببص على بابا اللى كان ماسك ريموت التيلفزيون فى إيده لقيته باصصلى، ومستغرب، وبصيت لماما لقيتها واقفة فى مكانها متسمرة وهى شايلة صينية عليها براد شاى، وكوبايات…

ساعتها كنت متأكد إنى لو بصيت للساعة هلاقيها هى كمان وقفت عن الدوران…

كلهم بحلقولى… فحسيت بالحزن عشانهم.

كانت نظراتهم كلها إعتراض على اللى أنا قلته…

أول حد إتكلم كان بابا: “نعم يا ليث؟ ومين بقى اللى قال إننا هنسيبك تمشى تانى؟”

سكت شوية، وقلت: “أنا من ساعة ما جيت وأنا قايلكوا كده… الزيارة خلصت، ولازم أرجع”

بابا قاطعني، وقال: “لأ يا أبنى، أنت هتفضل معانا”

هزيت راسى وأنا معترض، وقلت: “طب والشغل… هعمل فيه إيه؟”

فضلنا نتناقش كتير فى الموضوع، وماما، ورهف بيعيطوا…

لما جت ليلى اللى كانت قاعدة بتتعشى مع خطيبها، وكانت جاية  عشان تسأل ماما على الشاى، شافت مناظرنا فهمت، وقعدت تعيط هى كمان…

كنت عايز أختصر على نفسى، وعليهم ألم الوداع، وقلت: “أنا هروح عشان أنام”

رحت على أوضة آسر، وفضلت أقلب فى كراسة رهف من أول وجديد…

قد إيه فكرتنى بذكريات زمان…!

قد إيه هى كانت بتحب الرسم، والتلوين…!

كنت بقعد ألون معاها على طول…

يا ريت الأيام دى ترجع تانى…

وضبت الشنطة الصغيرة اللى أنا كنت جاى بيها، وظبطت المنبه عشان يصحينى قبل آذان الفجر بساعة…

كنت عايز أمشى من غير ما حد يحس بيا عشان منعيدش تانى سيناريو الوداع، والفراق زى المرة اللى فاتت…

لما صحيت فى الوقت ده، اتسحبت بالراحة عشان أخرج من البيت…

كانت الدنيا هس هس، والضلمة مالية الدنيا حواليا، إلا عن ضوء بسيط جدا جاى من اللمبة اللى محطوطة فوق الباب…

خرجت من باب البيت الداخلى على الجنينة، ومرضتش أقفل الباب أوى عشان ميعملش صوت، وكنت رايح على الباب الكبير…

فجأة سمعت صوت الباب بيتفتح تانى من ورا ضهرى…

لفيت وشى لقيت رهف بصالى من فتحة الباب…

اتصدمت، ووقفت فى مكانى وأنا مذهول…!

رهف فضلت تبصلى، وتبص على الشنطة اللى فى إيدى…

هزت راسها وهى معترضة، ولقيتها جاية ناحيتى بسرعة، وبتقول: “لأ، لأ يا ليث متمشيش… عشان خاطرى متمشيش”

كنت حيران، ولسانى مش عارف يقولها إيه فى الوقت ده…

“ليه… ليه إنتى صاحية فى الوقت ده؟”

رهف فضلت بصالى شوية وأنا بكلمها، وبعدين لقيت دموعها ابتدت تنزل…

“آه يا قلبى… لأ بالله عليكى… بلاش تعيطى”

قلت كده وأنا مخنوق جدا، ده أنا كنت صاحى مخصوص فى الوقت ده عشان محدش يحس بيا، واتفادى المنظر اللى قدامى ده…

لكن رهف مرضيتش توقف عياط: “متمشيش يا ليث عشان خاطرى… بقولك عشان خاطرى… خليك معانا”

قلت: “مقدرش أعمل كده… أنا قدامى شغل لازم أرجعله”

الحقيقة إن أنا قدامى واقع مؤلم عايز أهرب منه…

رهف فضلت تهز راسها وهى متضايقة وقالتلى: “خدنى معاك”

“خدنى معاك”

الجملة دى زلزلتنى، وخلت قلبى يتنفض، وعينى برقت من كتر الدهشة اللى أنا فيها…

هو إيه اللى يخلى رهف تقول كده؟!

رهف قالتلى: “خدنى معاك… أنا عايزة أرجع بيتنا القديم، مش عايزة أفضل هنا”

“رهف! إنتى بتقولى إيه؟”

رهف دخلت فى نوبة عياط كبيرة جدا، وكنت خايف إن صوتها يخرم الحيطان، ويوصل للى نايمين، ويصحيهم…

أدينا بدأنا فقرة جديدة من الدموع اللى مبتنتهيش…

قلت: “بالله عليكى كفاية عياط يا رهف”

رهف قالت وهى منفعلة، وصوتها مبحوح من كتر العياط: “أنا وفيت بوعدي، ومخنتش الاتفاق اللي كان بيننا… لكن أنت كذبت عليا… ومرجعتش… ودلوقتى بعد مارجعت بقيت عايز تمشى تانى… وبتقلى إن أنا خاينة؟… إنت اللى خاين يا ليث… هتسيبنى، وتمشى تانى”

الكلام ده دخل قلبى زى السم، وقتله، وكان قرب يوقف نبضه…

قلت لرهف وأنا مندهش، ومش مستوعب الكلام اللى ودنى سمعته: “انتى مقولتيش لحد… خالص؟”

رهف هزت راسها بالنفي…

قلتلها بذهول: “ولا حتى قولتى لآسر؟!”

فضلت تهز راسها بالنفي وهى بتعيط، وموجوعة بسببى…

حسيت الدنيا كلها بتتهز تحت رجلى من شدة الصدمة اللى أنا فيها…

رهف قالت: “كنت مستنياك ترجع… لكن هم قالولى إنك مش هترجع… ومش عايز ترجع… وكل ما كنت بتصل بتليفونك كنت بلاقيه مقفول… وأنت متصلتش حتى تسأل عليا ولا مرة كل السنين دى… ليه يا ليث عملت كده؟ أنت مفكرتش فيا خالص؟”

فى اللحظة دى كان نفسى أضحك، وأطير من كتر الفرحة…

لكن إيه الفايدة… كل حاجة إنتهت!

كبت نفسى، وحبست رغباتى جوا قلبى، ورفعت عينى للسما عشان أشهد نجوم الليل على اللى أنا عايشه، والحالة اللى أنا محطوط فيها…

حسبى الله ونعم الوكيل…

جه لودانى صوت عصفور كسر سكون الليل، ونبهنى بالوقت اللى عدى، والصبح اللى بيصبح، والمستقبل المجهول…

قد إيه الدنيا دى إستهزئت بيا!!

ها، يا ترى شيلالى إيه تانى؟

“أنا ماشى يا صغيرتى”

كنت حاسس بالعجز، وعايز أنهى المشهد اللى أنا عايش فيه ده بأى طريقة…

رهف بصتلى، وزودت عياطها، وكانت حاطة إيديها على قلبها، وعمالة تترعش وتنزل شلالات دموع…

أنا إديتها ضهرى… لكن صورتها فضلت مطبوعة فى عينى فى أى حتة أروحها…

مشيت كام خطوة بعيد عنها ناحية البوابة الرئيسية للبيت…

“إقفلى الباب بعد ما أمشى”

قلتلها كده من غير ما أبصلها…

خلاص جه دور دموعى إنها تنزل، ومكنتش عايز رهف تشوفها…

“ليييث”

طارت زى العصفور الحر، من غير أى قيود ولا شروط، وجت ناحيتى…

دورت نفسى ليها، وفى لحظة واحدة، ومن غير أى سابق إنذار لقيت سهم ضرب صدرى، وقطع قلبى، وطلعت روحى تطير مع العصافير اللى بترفرف، إحتفالا بولادتها الجديدة…

حضن رهف…

من أول ما روحت مقابلة الشغل، وسألونى أسئلة عن مؤهلاتي، وخبرتى السابقة وأنا كنت عارف إن الموضوع مش هيبقى سهل…

أخيرا خدت الوظيفة بفضل صاحبى سامى بعد ربنا…

سامى عمره ما بطل يشجعنى، ويخلينى أمشى لقدام دايما…

في الشهور الأولى فى الشغل واجهت شوية مناوشات بينى، وبين الناس فى الشركة…

مش عارف إزاى انتشر خبر إنى خريج سجون، وكنت بلاقى معاملة قاسية جدا من معظم الموظفين اللى معايا…

كنت كلي يوم برجع البيت وأنا مهموم، ومتضايق، ومقرر إنى مش هرجع الشغل ده تانى…

لكن كانت مجرد مكالمة أو مقابلة صغيرة مع صاحبى سامى كفيلة إنها تخلينى أرجع عن قرارى، وابص للحياة بنظرة مختلفة كلها أمل، وكنت بنسى كل همومى…

صاحبى سامى بقى هو بإختصار الدنيا اللى أنا عايشها…

عدت الشهور وأنا بنفس الحالة، وكنت كل شهر بتصل مرة أو مرتين بأهلي عشان أتطمن عليهم، وأعرف آخر أخبارهم…

عرفت إن رهف دخلت كلية الفنون اللى كان نفسها فيها، وإن ليلى حددت يوم جوازها بعد كام شهر، وإن أبويا، وأمى بيجهزوا نفسهم عشان يطلعوا الحج السنادى…

أما بقى آسر، فكنت بكلمه قليل جدا، لما كان بيبقى موجود فى البيت بالصدفة، عشان هو شغال فى محافظة تانية…

بصراحة… أنا اللى كنت بتعمد أتصل فى الأيام بتاعة نص الأسبوع أغلب الوقت، عشان هو مش بيكون موجود فيها…

قدرت بعد مجهود كبير جدا إنى أطرد الماضى من دماغى، وابدأ حياة جديدة…

لكن كنت لسة محتفظ بصورة رهف المتقطعة على الكومودينو اللي جنب سريري…

كنت كل ليلة أرميها على الأرض، وشوية، وأرجع ألمها تانى، وأحطها جنبى…

حالتى المادية إتحسنت شوية، وجبت تليفون محمول جديد، وكنت سايب تليفون البيت مرفوع من الخدمة…

أما حالة البلد فاتدهورت خالص، وإتدمرت مناطق، وبيوت كتيرة جدا…

بقى ممنوع إننا ندخل بعض المناطق، أو نعدى منها حتى بسبب الدمار اللى حاصل…

كتير كنت بقابل سامى، ونخرج مع بعض فى مشاوير قصيرة، وساعات طويلة، وبنقعد نتكلم، ونهزر، ونفصل من أى ضغط حوالينا…

فى مرة من المرات كنت مع سامى فى مشوار شغل، وفضلنا نبص على مناظر الدمار، والخراب اللى حوالينا…

شوارع كتيرة جدا متدغدغة، وبيوت مهدودة…

عدينا فى طريقنا على مصنع من المصانع اللى لسة مطالتهاش إيد الحرب، وإفتكرت مصنع أبويا اللي اتدمر…

قلت: “سبحان الله… بص المصنع ده هو المصنع الوحيد اللى نجى من الحرب من بين كل المصانع المتدمرة… تفتكر فيه ناس لسة شغالين جواه؟”

سامى قال: “أيوة يا ليث، ده يعتبر أهم مصنع فى المنطقة… إنت مش عارفه؟”

“لأ، أنا مفتكرش إنى شفته قبل كده”

وأنا بقول كده سامى إبتسم، وقالى: “ده مصنع عارف… أبو على… ربنا يرحمهم”

إندهشت، لإن دى كانت أول مرة أشوف فيها المصنع ده…

فضلت أبص عليه وأنا سرحان، لغاية ما خدت بالى من كلمة علقت فى ودنى…

“بتقول إيه؟ ربنا يرحمهم؟!”

سألت سامى وأنا مستغرب، وفاكر إنه غلط وهو بيتكلم…

سامى قال: “أيوة، عارف مات السنة اللى فاتت… ربنا يرحمه”

…….

كل يوم، والتانى كان بييجى عندنا نور عشان يشوف ليلى، أو يتعشى معاها، أو يخرجوا يتفسحوا سوا، أو يشتروا الحاحة اللى هما عايزينها للفرح، ولبيتهم المستقبلى…

“هتروحوا فين النهاردة؟”

سألت ليلى وهى بتلبس العباية بتاعتها عشان تستعد للخروج، وقالتلى: “هنروح لمحلات الأنتيكات الأول، وبعدين هنروح على الشط… هرجع بليل”

قلت: “الله… الشط… جميل أوى… قد إيه أنا مشتاقة أروحه!”

قالت بخبث: “طيب، تعالى معانا”

بصتلها وأنا مش حابة الفكرة، وقلتلها: “كنت هعمل كده لو خطيبك مكنش معانا”

ردت عليا بتريقة: “نروح لوحدنا؟ أنا، وإنتى بس؟”

“خلاص إيه رأيك ناخد معانا ماما، وبابا… مشيه ، وخلينا نروح إحنا الأربعة سوا؟”

طبعا ليلى معجبهاش كلامى، وكملت لبسها قدام المراية…

قلتلها: “إنتى ليه مش راضية تتنازلى؟ ما إنتى بتخرجى معاه كل يوم… فيها إيه يعنى لو خرجتى معانا إحنا يوم واحد، أنا حاسة إنى زهقانة جدا”

قالت: “آسر هيرجع بكرا، وروحى معاه المكان اللى إنتى نفسك فيه”

فعلا بكرا معاد زيارة آسر لينا، هو بيقضى معانا آخر يومين من كل أسبوع…

لكن…

لكن أنا مش متحمسة أبدا إنى أشوفه، أو أخرج معاه…

لما بقارن بين وضعى، ووضع ليلى بحس بفرق شاسع…

هى من ساعة ما إتخطبت وهى مبسوطة، وعايشة فى سعادة كبيرة، وبتستمتع بحياتها كل يوم…

خطيبها راجل غنى، وبيغرقها على طول بالهدايا، والمجوهرات…

كل يوم أنا بروح الكلية، وبرجع مشغولة فى المذاكرة بتاعتى، وفى اللوح اللى أنا برسمها، وليلى بتخرج، وتتمتع هى، وخطيبها المغرور وأنا قاعدة…

فى أوقات تانية بتقضى ساعات طويلة فى الكلام معاه على التليفون…

لما آسر بيتصل مش بنتكلم سوا غير كام دقيقة، وبعدين بنقفل…

معقولة يعنى هم كل المخطوبين زى ليلى ما عدا أنا!!

قلت أستفزها: “عموما خطيبك ده مغرور، ورخم جدا، أنا مش عارفة إنتى بتتحملى تقعدى معاه الوقت ده كله إزاى؟”

ليلى لفت وشها، و بصتلى…

“مغرور؟ آه طبعا مهو من حقه يكون مغرور يعنى، هو أشهر لاعب كورة فى البلد… لكن رخم دى متمشيش عليه، لإن ده رأيك فى كل الرجالة”

سكتت شوية، ورجعت قالت: “ده حتى كمان آسر، إنتى معندكيش رومانسية، ولا مشاعر يا رهف، ومبتعرفيش إزاى تدلعى خطيبك”

هنا سمعنا صوت باب البيت بيخبط، فجريت ليلى، وخرجت، وخرجتنى من أوضتها، وقفلت الباب…

تقريبا ليلى نسيت اللى هى قالتهولى، لكن كلامها كان بيدق مسمار فى قلبى…

فعلا أنا آسر مش بيوحشنى خالص، ومش بكون ملهوفة إن أنا أشوفه…

لكن هو دايما بيشتاقلى، وخصوصا آخر فترة بعد ما سافر عشان شغله، بقى بيعاملنى بحب، وبلطف أكتر من زمان…

رحت على أوضتى وأنا متأثرة جدا بكلام ليلى الأخير ليا، وفضلت أفكر…

هو أنا فعلا معنديش رومانسية؟ وكل البنات بيتعاملوا مع خطابهم زى ليلى ما عدا أنا؟

أنا متعاملتش قبل كده مع أى صاحبة ليا مخطوبة، لإن أنا إتخطبت أول واحدة فى أصحابى وأنا صغيرة جدا…

كنت عايزة أطرد الأفكار دى من راسي، ورجعت لكراساتى عشان أرسم…

حاجة خلتنى أدور بين الرسومات بتاعتى على صورة ليث…

لسة الصورة زى ما هى… من ساعة ما مشى… مش حاسة إنى عايزة ألونها، ومليش نفس إنى أكملها…

أنا مش من النوع اللى بيتباهى بنفسه، لكن فعلا اللوحة دى جميلة جدا…

ليث… ليه وش عريض، وعيون واسعة، وشعر تقيل، وبق عريض، وشفايف منفوخة، ومناخير معكوفة…

هو وسيم أكتر بكتير من نور اللى ليلى عمالة تتباهى بيه… وأكتر من آسر المشوه طبعا…!

أكيد مكنتش هرسم وش متشوه زى وش آسر، هو مينفعش خالص لعمل فنى…

لما شفت ليث آخر مرة وهو ماشى، فضلت أعيط كتير جدا الليلة دى، تقريبا عيطت اليوم ده أكتر ما عيطت اليوم اللى سافر يدرس فيه برا البلد من غير ما يودعنى من تمن سنين…

بعد ما ليث مشى، وسابنى، دخلت البيت وقفلت الباب كويس، وسبت دموعى تنزل على خدى الحزين…

إتفاجئت بأمى واقفة فى البلكونة اللى بتبص على الجنينة، وكمان بتخلى اللى باصص منها يشوف البوابة، واللى واقف عند البوابة، واللى بيحصل عند البوابة…

مكنتش عارفة ساعتها أقول إيه؟ اتصدمت واتخرست..!

ماما اكتفت ببصها ليا المخيف، والحزين فى وقت واحد، ومشيت…

من ساعتها وأنا حاسة إن فى حاجز واقف بينى، وبينها، مش عارفة هو إيه؟ ولا نوعه إيه؟

بليل زارتنى بنت خالتى نهال، وأختها الصغيرة وسام اللى لازقة فيها طول الوقت…

طبعا كان نفسى أتكلم مع نهال فى حاجات كتير شاغلة بالى، وقلقانى، ومكنتش قادرة أتكلم فيها مع أى حد تانى…

لكن إزاى هعرف أوزع الطفلة الرخمة دى؟!

“وسام، إيه رأيك تدخلى أوضتى؟ هطلعلك ألوان، وكراريس رسم عشان ترسمى براحتك”

“أنا هروح لما أختى تروح”

آه… هقدر أوزعها إزاى دى؟

“طب إيه رأيك تتفرجى على فيلم كوميدى جميل أوى، لسة بابا جايبه إمبارح، روحى على أوضة الأنتريه، وأنا هاجى أشغلهولك، وإحتمال تلاقى ماما هناك، وتتفرجى معاها”

“لأ، أنا هفضل هنا معاكوا”

نهال بصتلى، وفهمتنى أخيرا، وقالت: “وسام حبيبتى، يلا روحى عند التيلفزيون، وإحنا هنيجى وراكى”

“هروح لما إنتوا تروحوا”

قد إيه إنتى طفلة رخمة!! هو أنا مقدرش أنفرد بصاحبتى شوية بس؟

نهال قالت: “خلاص يا رهف، سيبك منها، هى كده كده مش بتفهم حاجة من كلامنا، قوليلى فى إيه؟”

إترددت إنى أتكلم، لكن بعد كده إتكلمت زى منا عايزة…

مظنش إن وسام هتفهم الكلام اللى أنا بقوله عشان هى لسة صغيرة، وغبية شويتين…

قلت: “آسر هييجى بكرا”

قالت: “آه، وبعدين؟”

قلت: “هيفتح موضوع جوازنا من أول، وجديد، زى ما بيعمل كل مرة بينزل فيها أجازة… هو عايزنا نتجوز مع ليلى، وتقريبا ماما كمان إقتنعت بالفكرة، وعمالة تشجعنى عليها”

قالت: “طب وإنتى؟ إيه رأيك؟”

“إنتى عارفة إنى عايزة أخلص دراستى الأول، وكمان… وكمان عايزة أعرف رأى ليث إيه؟”

نهال رفعت حاجب من حواجبها، وعوجت بقها، وبصتلى بمكر…

“عايزة أعرف رأى ليث! طب ولو ليث قال الجواز ممنوع هتعملى إيه؟”

رديت بسرعة: “مش هتجوز”

قالت: “طب ولو قالك ماشى إتجوزى، هتعملى إيه؟”

مردتش عليها…

نهال بصتلى شوية، وقالت: “رهف، هو إنتى ليه مستنية رأى ليث، هو مش المسؤول عنك، ولا هو ولى أمرك يعنى”

إتضايقت جدا من الحقيقة المؤلمة دى…

على طول ليث كان مسؤل عنى وأنا صغيرة…

على طول برده كان بيقول إنه عمره ما هيتخلى عنى أبدا…

أنا طول عمرى بعتبره أهم شخص فى حياتى، حتى بعد ما غاب عنى…

قلت لنهال: “لكن… لكن ليث أكبر واحد فينا… ولازم رأيه يتنفذ علينا كلنا”

نهال سألتنى: “هو معقولة لسة زى ما كان زمان؟ أنا فاكرة إن هو كان طويل، وقوى، كان بيلعب معاكى كتير قبل كده”

ابتسمت من كتر السعادة عشان هى فكرتنى بالأيام دى، وقلت وأنا مكسوفة: “أيوة هو كان كده على طول، لكن هو دلوقتى مبقاش بيلعب معايا، ده بقى راجل كبير”

“صحيح! هو إتجوز ولا لسة؟”

الإبتسامة اللى كانت على وشى من شوية اختفت، ووشى اتحبس جواه الشعيرات الدموية من كتر العصبية…

جملة نهال فوقت حاجة كانت نايمة جوايا، ومكنتش بفكر فيها خالص…

قلت بتوتر عشان أمسح السؤال ده من الوجود: “لأ… لأ”

نهال قالت: “بس أكيد دلوقتى بيفكر يتجوز بعد ما رجع بلده، واستقر فى الشغل”

كملت كلامها وهي بتهزر، وقالت: “مش عايزة تشوفيله عروسة حلوة، وعسولة، ومؤدبة زيى؟!”

رديت عليها وأنا مخنوقة جدا من كلامها وكان باين عليا النرفزة: “متبقيش رخمة بقى يا نهال بالله عليكى”

نهال إستغربت من رد فعلى، وكملت كلامها بهزار: “عموما هو كده كده مينفعنيش، هو مينفعش يتجوز واحدة أصغر منه بتسع سنين”

فكرة إن أنا معنديش رومانسية، مع فكرة إن ليث يتجوز فضلوا يلعبوا فى دماغى طول الوقت…

هو ليث ممكن يتجوز فعلا؟

طب هو هيتجوز مين يعنى؟

يعنى هو ممكن يلاقى حد يحبه؟

هو أنا هتجوز آسر إزاى وأنا مش عارفة أكون رومانسية معاه؟

هو أنا ممكن أكون رومانسية بس مع حد تانى؟؟

طب هو أنا ليه متضايقة دلوقتى؟؟

نهال صحت جوايا فكرة إن ليث ممكن يتجوز، وكمان عايزانى أشوفله عروسة من هنا…!

أنا عشان ألغى الفكرة قلت: “هو أصلا مش بيفكر يقعد معانا هنا… أنا نفسى إحنا اللى نروح معاه لبيتنا القديم”

قالت: “طب وآسر خطيبك هيعمل إيه؟ هيستقر هو كمان فى المحافظة اللى هو فيها؟”

قلت: “معرفش… هو شغله هناك، ولازم يفضل هناك”

“طب ولما تتجوزوا، أكيد هتروحى تعيشى معاه هناك… صح؟”

معجبتنيش فكرة نهال خالص…

ٱنا مش عايزة أبعد عن أهلى… مش هقدر أستغنى عنهم… عايزة أفضل هنا فى البيت معاهم.

“هستنى رأى ليث”

نهال كرمشت حواجبها لما سمعت منى كده، وقالت بتريقة: “رأى ليث؟ فى إيه بقى بالظبط إن شاء الله؟ فى إنك تتجوزى؟ ولا تعيشي مع أهلك؟ مش فاهمة!”

رديت عليها وأنا متنرفزة: “يا هبلة أنا قصدى إننا نأجل موضوع الجواز لوقت تانى، ممكن الوضع يتغير”

“إنتوا لازم تاخدوا قرار فى أسرع وقت، معاد فرح ليلى قرب… ألا هى فين صحيح؟”

رديت على نهال وأنا غيرانة: “خرجت بتتفسح مع خطيبها”

نهال ابتسمت، لكن أنا خليت إبتسامتها تروح بسرعة لما سألتها: “نهال… هو كل المرتبطين بيبقوا مبسوطين، وحاسين بالسعادة وهم مع بعض، أو لما بيجيبوا لبعض هدايا، أو لما بيتكلموا مع بعض بالساعات، بيبقوا كلهم مبسوطين يعنى لما بيعملوا كده؟”

نهال اندهشت، وقالت: “أيوة طبعا… ده أكيد”

سكت شوية، وبعدين قلت: “بس أنا مش بحس بحاجة زى كده خالص، مفيش حاجة مميزة بالنسبالى، يعنى مش بكون مبسوطة زى ليلى وهى بتكلم خطيبها أو بتخرج معاه”

“إنتى… مش بتحبيه يا رهف؟؟”

رديت عليها بسرعة: “لأ، بحبه طبعا… إنتى بتقولى إيه؟!”

نهال بصت على وسام الرخمة، وسألتها: “تفتكرى بتحبه زى ما ليلى بتحب خطيبها يعنى؟”

ردت وسام عليها: “لأ، هى بتحبه زى ما إنتى بتحبى صبرى”

يعنى أنا بحب آسر زى أخويا!!

بصيت على وسام لقيتها باصة عليا برخامة…

فضلت أبص يمين، وشمال عشان أهدى، وأعدى اللى أنا سمعته…

سألت: “وهو إزاى الست ممكن تحب الراجل اللى معاها؟؟”

نهال ردت عليا وهى حزينة على اللى أنا فيه، وقالت: “ياااه يا رهف… إنتى لسة صغيرة جدا، ومش فاهمة حاجة خالص”

رجعت ليلى من السهرة بتاعتها اليومية على الساعة عشرة ونص…

كنت قاعدة بتفرج على الفيلم الكوميدي اللى بابا جابه، وليلى دخلت أوضة الأنتريه، ورمت شنطتها على الترابيزة اللى قدامى، وقعدت على الكرسى، وفردت ضهرها، وفضلت تاخد نفسها بعمق…

“إنتى لسة منمتيش ليه يا رهف، إنتى فى العادى بتنامى بدرى جدا”

رديت عليها من غير ما أبصلها: “هشوف الفيلم لغاية ما يخلص، وبعدين أنام”

سكتت لحظة، وبعدين قالت: “طب بصيلى… هوريكى حاجة”

سحبت شنطتها، وفتحتها، وخرجت منها علبة مجوهرات صغيرة جواها خاتم دهب جميل جدا…

“تحفة! ده سعره كام؟”

رفعت راسها لفوق، وبصتلى بطرف عنيها بتكبر، وقالت: “سعره كام؟ معرفش طبعا، أكيد غالى جدا! خطيبى، وحبيبى جابهولى النهاردة هدية، قد إيه هو جميل، صح؟!”

قلت وأنا عمالة أتأمل فى التحفة النادرة اللى قدامى: “أيوة صح… جميل جدا… مبروك عليكى… تتهنى بيه”

ليلى قالت: “يعنى غيرتى رأيك ناحيته أخيرا؟”

“رأيى فى إيه؟ فى الخاتم؟”

رديت عليها وأنا مش فاهمة هى تقصد إيه، ولقيتها بتقلى: “قصدى على خطيبى يا ناصحة”

“مغرور، ورخم”

قلتلها كده ولفيت راسى الناحية التانية وأنا بشوح بإيدى!!

حتى لو كان رخم فى نظرى فهو فى نظرها حد جميل، ومميز جدا…

ليلى مهتمش باللى أنا قلته، وفضلت تتفرج على الخاتم، وتجربه فى كل صباع من صوابع إيديها شوية…

“ليلى”

“نعم”

كنت عايزة أسألها بس رجعت فى كلامى بصراحة…

ليلى بصتلى باستغراب: “نعم يا رهف؟ فى إيه؟ عايزة تقولى إيه؟”

فضلت مترددة شوية، وبعدين سألتها بصوت واطى وأنا مكسوفة: “هو إنتى بتحبى نور؟”

ليلى اندهشت من السؤال بتاعى، وبحلقتلى أوى، وقالت: “إيه اللى إنتى بتقوليه ده؟ إيه السؤال ده؟”

ندمت إنى سألتها السؤال ده، أصلا هو موضوع حساس جدا، وأنا متجرئتش إنى أتكلم فيه مع حد قبل كده…

لما لاحظت ليلى كسوفى، ووشى اللى إحمر، قالت: “أيوة طبعا بحبه… ده شريك حياتى، ونصى التانى”

سكت شوية، وبعدين إتشجعت، وسألتها تانى: “طب إنتى بتحسى بإيه لما بتكونى معاه؟”

أنا بنفسى لاحظت ده، برغم كل الميك أب اللى هى حطاه، لكن أنا شفت وشها اللى شعلل نار، وحمار لما سألتها السؤال ده…

“بحس…. بحرارة كبيييرة!”

قالتلى كده وهى بتشاور على صدرها بإيديها الإتنين…

الحرارة اللى بتيجى فى صدرى، وجسمى كله، عمرى ما حسيت بيها مع حد، غير لما قربت من شخص واحد بس…

هو ليث…

………..

“ليث… إنت إتجننت؟”

سامى قالى كده وهو فاتح بقه من شدة المفاجئة اللى سمعها منى…

أنا لسة معرفه دلوقتى حالا إن أنا قدمت إستقالتى…

“أيوة يا سامى… إستقلت، والموضوع إنتهى”

فضل يهز راسه، ويضرب كف على كف من حزنه على اللى أنا عملته…

“بالله عليك يا سامى… أنا كنت مضطر أعمل كده… مكنتش قادر أتحمل اللى أنا فيه أكتر من كده… كلهم هناك بيحتقرونى، وبيتجنبوا يتعاملوا معايا كإن عندى وباء معدى، وهم وخايفين يتعدوا… سامحنى بس فعلا مقدرتش”

“طب أنت مالك، ومالهم… إن أنت تلاقى شغل فى الوقت ده حاجة مش سهلة خالص… إنت اتسرعت يا ليث”

بصتله وأنا متعصب، وقلت بغضب: “يروحوا هما، وشغلهم فى ستين داهية”

أنا عارف إن الواحد يلاقى شغل فى الأيام دى حاجة صعبة جدا، لكن أنا اتخنقت من إنى أشوف الناس حواليا بيبصولى بقرف، وبيتكلموا عليا من تحت لتحت لإنى قاتل، وخريج سجون…

ده أنا كمان سمعت حد فيهم بيقول على سامى صاحبى كلام وحش بسبب علاقته معايا…

وجودى فى الشركة بتاعة سامى خطر عليه، وهيسوء سمعته، ودى حاجة أنا مرضهاش عليه…

مش هو الوحيد اللى فاضلى فى الدنيا…

فضلت أنا، وهو ساكتين شوية…

سامى إتضايق جدا إنى عملت خطوة زى دى، وكان شايف إن ده تهور، وتسرع منى…

لكن أنا كنت شايفها حل لازم يتعمل…

قال: “طب إنت هتعمل إيه دلوقتى؟”

قلت وأنا بتتريق: “هعمل إيه يعنى؟ هدور من أول وجديد!”

أيوة…رجعنا لنقطة الصفر…

مهو أنا لو كنت راجل متعلم تعليم عالى، ومعايا شهادة زيك يا سامى، كان زمانى بدير شركة دلوقتى، وبقيت رجل أعمال كبير زى ما كنت بحلم من وأنا صغير…

فشلى فى إنى أحقق أحلامى، مينفعش إنك تتحمل مسئوليته يا صاحبى، أو حد يقول عليك حاجة وحشة بسببي…

سامى كان قلقان من سكوتى، وحبيت أغير الموضوع، وقلت: “ها بقى… قلى إيه الخبر الجميل اللى أنت هتقولولى؟”

سامى قال: “أنا خلاص قررت أكمل نص دينى”

الخبر فاجئنى، وبسطنى جدا…

باركتله، وهنيته بفرحة، وحب كبير جدا، ده أول خبر حلو أسمعه من فترة طويلة أوى…

“أخيرا يا راجل… ربنا يباركلكوا، ويجمعكوا على خير”

“ربنا يخليك يا حبيبى… عقبالك… ناوى تخلينى أفرح بيك أنت كمان إمتى؟”

سامى فاجئنى بسؤاله!

دورى أنا… فى إيه؟!

موضوع زى ده عمره ما خطر على بالى أبدا!!

هو فى راجل لسة خارج من السجن من كام شهر، ولسة بيفكر ياخد نفسه، وبقى عاطل عن الشغل، ويفكر فى الجواز…؟

غير كل ده، عنده جرح فى قلبه لسة متشفاش…

قلت لسامى: “ممكن تعدى سنين كتيرة جدا من غير ما الفكرة تعدى مجرد تعدية بسيطة على بالى”

“ليه يا راجل بتقول كده؟ إحنا عندنا سبعة وعشرين سنة… يعنى سن مناسب جدا للجواز”

“مش لما ألاقى حاجة تكفينى أنا لوحدى الأول… عشان أدور على زوجة، وأولاد كمان!”

سامى رد عليا: “بس أنت بتحب الأطفال يا ليث، صح؟”

“أيوة صح”

قلت كده وأنا مبتسم، وهو قالى: “هتكون أب حنين جدا”

فضلنا نضحك سوا على الموضوع…

أيوة، أنا لسة قادر أضحك بين سلسلة الهموم اللى جوايا، اللى ليها بداية، ومش لاقيلها نهاية…

فضلت أسابيع أدور على شغل، وفشلت…

حتى قرايبى اللى رحتلهم عشان أطلب منهم يساعدونى فى إنى ألاقى شغل… خذلوني…

لو كنت دخلت السجن بتهمة تانية كان زمان الناس عاملونى أحسن من كده…

كرهت الدنيا، وكرهت نفسى، وكرهت كل حاجة حواليا…

بدأت كمان الفلوس اللى أنا كنت مجمعها الكام شهر اللى فاتوا تخلص، وأرجع للفقر من تانى…

كنت قاعد فى جنينة البيت الميتة، وبشرب السيجارة بتاعتى، وسرحان، وبفكر فى اللى أنا عايشه…

كانت الأرض قدام عينى ناشفة، ومفيهاش روح…

بالظبط زى حياتى…

صاحبى سامى إتجوز بعد كام شهر خطوبة، وبقى راجل مسئول، ومتهنى بحياته الجديدة، وإلتزاماته كبرت، ووقته إتملى، ومبقاش فاضيلى زى الأول…

ربنا يعينه…

جتلى شغلانة صغيرة فى محل من المحلات اللى فى المنطقة، لكن مطولتش فيه بسبب مشاكل مع اللى حواليا اللى مبتنتهيش، لإنهم دايما شايفنى مجرم، وقاتل…

بقى عندى إحباط شديد وأنا بفقد شوية الصحة اللى أنا خدتهم بعد ما خرجت من السجن، والدنيا ضاقت بيا، وعييت، وتعبت جامد جدا…

قررت إنى أهرب من المكان ده، وأروح مكان تانى الناس متعرفنيش فيه، وتبصلى باحترام، وتعاملنى كويس…

بعيد عن السمعة السيئة… فى مكان الناس يحبونى فيه، ويعاملونى بتقدير، ومعزة، ويكونوا عايزنى أبقى وسطهم، ويتقبلوا عيوبى، ويتقبلونى زى ما أنا…

هروح لأهلى…

كانوا عشر شهور اللى بعدت عنهم فيها…

كل ما كنت بكلمهم أو بيكلمونى، كنت بعرفهم إن أنا فى أحسن حال، لكن أنا كنت العكس تماما، كنت فى أسوء حال ممكن يكون حد عليه…

عمال أنفخ فى دخان السيجارة، وأفكر…

أروح لأهلى؟ ولا أروح لحد تانى؟؟ ولا ألجأ لمين طيب؟؟؟

كل ما كنت بتخيل نفسى وأنا وسطهم، تيجى صورة رهف قدامي، فبطردها فورا، وبطرد الفكرة من دماغي خالص…

“لأ… أنا مش هرجعلهم”

وقفت، ورميت السيجارة على الأرض، ودوست برجلى عليها، ودفنتها فى الرملة، جنب قبور إخواتها المتنطورين فى الجنينة الميتة…

أنا ليه مينفعش أموت، وأتدفن زيها؟

أنا هفضل لغاية إمتى أشرب الحاجات القذرة، والمقرفة دى؟

هو مش كفاية السجن خلى سمعتى زى الزفت!

هخلى كمان الحاجات اللى اتعلمتها فيه تلوث حياتى، وصحتى بعد ما خرجت، ونجيت منه!!

أنا فاكر كلام فهيم ليا دلوقتى… (متخليش السجن يفسدك يا ليث… إنت إنسان نضيف، ومتربي)

كان دايما بيقلى كده… الله يرحمه.

هو أنا بقيت شخص فاسد فعلا دلوقتى؟؟

فهيم…

يا ريتك كنت معايا… 

فجأة إفتكرت حاجة غابت عن بالي خالص…!

فهيم كان طالب منى أزور عيلته، وأتطمن عليهم…

وقفت وأنا منفعل…

ياااه على الأيام، إزاى نسيتنى إنى أنفذ وصية صاحبى قبل ما يموت؟

إزاى الموضوع ده ميخطرش على بالى قبل كده؟

هو هيخطر على بالى إزاى أصلا، وأنا فى حاجات تانية محتلة تفكيرى…؟

ممكن يكون وفاء لذكرى صاحبى اللى مات، وسابنى، وتنفيذ لوصيته…

أو فراغ كبير مكنتش عارف أعمل فيه إيه؟

أو حتى هروب من المنطقة اللى أنا متشوه سمعتى فيها…

أيا كان الدافع… بس أنا قررت يومها إنى هروح لعيلة فهيم أزورهم، وأتطمن عليهم…

فهيم كان قايلى إنه عنده مزرعة فى الشمال، والمنطقة دى جنب المنطقة الصناعية اللى أهلي عايشين فيها…

جمعت كل حاجة أنا محتاجها، أو ممكن أحتاجها، واستعديت عشان أمشى…

الهدف من اللى أنا أمشى من هنا مكنش عشان أنفذ وصية فهيم بس، قد ما كان عشان أهرب من الفشل اللى أنا حققته فى المكان ده…

دلوقتى أنا فهمت ليه بابا مشى من المكان ده، ومش راضى يرجع تانى…

أكيد هو إتعرض لحاجات زى اللى أنا اتعرضتلها بسبب جريمتى البشعة…

روحت لبيت سامى عشان أسلم عليه، وأعرفه إن أنا ماشى…

كان وداع مؤلم جدا…

سامى قالى: “فى أى وقت… وفى كل وقت حاسس إنك محتاج لأى حاجة… هتلاقينى موجود”

إدانى فلوس عشان تبقى معايا لو إحتجت حاجة، وخدتهم بشرط إنى أردهاله فى أقرب فرصة…

مكنتش عارف المسافة اللى بينى، وبين الفرصة دى قد إيه؟!

قفلت أبواب البيت الكئيب، وسبت فيه ذكرياتي، وصندوق الأمنيات بتاع رهف اللى كان مرمى على الأرض فى أوضتى…

لو رجعت هنا تانى هبقى أفكر أفتحه…

خرجت وأنا متوكل على الله، ومستعين بقوته، وكنت متجه للشمال…

مكنتش زرت المكان ده ولا مرة قبل كده، وكنت عارف إن الطريق بتاع المنطقة الصناعية بيودى ليها، ومش بعيد عنها كتير…

وصلت للمنطقة الصناعية، وشوقى سحبنى سحب لبيت عيلتى…

إزاى هقدر أعدى من هنا من غير ما أبص على عيلتى، وأشوفهم، وأتطمن عليهم؟؟

كان الوقت العصر، وقفت قدام البيت، وركنت عربيتى ورا عربية أبويا، وعربية تانية كانت واقفة آخر موديل…

………..

الفترة اللى فاتت كان آسر بيجيلنا مرة واحدة فى الشهر زيارة، لإنه إستلم شغل إضافى، وحتى إتصاله بينا قل خالص…

لما وصل إمبارح طلبت منه يودينى للشط…

طبعا آسر فرح جدا بالطلب ده، وأنا كنت عايزة أرفه عن نفسى، وأقلد ليلى، وخلاص…

هى دايما بتحسسنى إن أنا مينفعش أكون أنثى!

كلهم كمان بيحسسونى إن أنا لسة طفلة، وبيعاملونى على الأساس ده…

أنا دلوقتى بقى عندى تمنتاشر سنة، وفى الكام شهر اللى فاتوا حسيت إنى كبرت جدا…

بدأت إنى أحط ميك أب زيها، وأشترى إكسوارات، وهدوم، مع إنى مش بجهز لفرحى زيها…

فكرة الجواز دلوقتى مش فى مخططاتي…

أنا هستنى لغاية ما أخلص الجامعة، وأكبر، وأكون أنثى عارفة إزاى تدلع شريك حياتها، وتكون رومانسية معاه…

مش هو ده المطلوب…

“يلا بقى يا رهف… الوقت بيعدى”

آسر بينادى عليا وهو واقف على الباب مستنينى أخرجله…

رديت عليه وأنا بلبس بسرعة شرابى، وجزمتى اللى كعبها عالى: “أنا جاية أهو… لحظة واحدة بس”

فى ثوانى فتحت الباب، وكنت قدامه…

أول ما آسر شافنى إستغرب، وبص عليا، وبعدين بص على جزمتى اللى كعبها عالى، وقالى: “إيه ده يا رهف؟ إنتى طولتى فجأة؟ مكنتيش كده إمبارح!”

ابتسمت وأنا ببين الجزمة بتاعتى، وبقله: “دى الموضة”

ضحك، وقالى: “طب يا حبيبتى إنتى هتمشى كده على الشط”

قلتله: “آه عادى… أنا عايزة أبان طويلة عشان الناس متفتكرنيش لسة طفلة”

“طيب… زى ما تحبى… يلا بينا”

مش عارفة فعلا أنا كنت عايزة أخرج معاه ليه؟

قلت لآسر إن أنا عايزة أمشى بالكعب العالى عشان الناس يعرفوا إنى كبيرة، ومبقتش رهف الطفلة الصغيرة، ويغيروا نظرتهم ليا…

جينا نخرج، وعدينا على المطبخ اللى أنا كنت حاطة فيه سلة صغيرة فيها أكل، وفاكهة عشان الشط…

شالها آسر، وروحنا ناحية الباب…

سمعت صوت ليلى بتقول: “ينفع آجى معاكوا؟”

بصينا لبعض أنا، وآسر، وكنا مستغربين طلبها…

ليلى دى طماعة أوى، هى مش مكفيها إنها بتخرج كل يوم مع خطيبها، وبتتفسح، وبتعمل اللى هى عايزاه، وأنا قاعدة فى البيت زي قردة قاطعة…

قلت: “لأ مش هينفع، دى خروجة خاصة”

آسر إبتسم بكسوف، وليلى بصتلى بطرف عنيها بصة خبيثة، أنا عارفة كويس معناها إيه؟

سبتنى منها، ومهمنيش أى حاجة بتفكر فيها، ومشيت…

“خدى بالك يا زرافتي الجميلة، أحسن تتكعبلى وتقعى!”

قالت كده من ورا ضهرى، وفضلت تضحك…

رديت عليها وأنا مخنوقة: “دى حاجة متخصكيش، أنا همشى أحسن منك”

خرجت بعدها بسرعة…

ليلى على طول بتبقى متعمدة تعلق عليا، ودايما تعليقاتها بتكون بسخرية على أى حاجة بعملها، وكأنها مش بيعجبها أسلوبى أبدا…

أو ممكن تكون غيرانة منى بسبب طولى اللى بيسمحلى ألبس الجزم الجميلة أم كعب دى اللى هى محرومة منها بسبب طولها الزيادة…

خرجنا للجنينة، وآسر بيبتسم وهو مبسوط جدا…

حتى لو كانت نظارته السودا الكبيرة اللى لابسها مدارية عينه، بس أنا كنت متأكدة إنه عمال يبص عليا، وعلى شكلى…

تقريبا هو دلوقتي مبسوط، وسعيد جدا…

السعادة اللى أنا معرفش معناها، ولا عارفالها طريق، ولا دوقتها لغاية دلوقتى…

وإحنا خلاص بنقرب من البوابة الرئيسية للبيت لقينا جرس الباب بيرن…!

آسر مد شوية، وفتح الباب…

كوكب الأرض وقف دورانه فى اللحظة دى…

حاسة إن فيه صاروخ خبط فينا، هنا ورا الباب ده…

إحساس مفاجئ، وضربة مؤلمة، وسخونية بتحرق، وحمم بركانية، ودخان بيحجب الرؤية، ورعشة، وعرق، واندهاش…

كل ده إتجمع مع بعضه من عند الباب، وخبط فيا قتلنى…

أنا مش قادرة أصدق عينى!

هو اللى أنا شايفاه ده بجد!

الشبح النارى الضخم المرعب واقف قدامى فعلا دلوقتى، ومتمثل فى صورة ليث!!

آسر قال بفرحة كبيرة: “ليث، أخويا”

آسر، وليث حضنوا بعض حضن طويل.

قد إيه دى مفاجأة جميلة جدا!

تقريبا أنا كان المفروض آخد بنصيحة آسر، وأقلع الجزمة العالية دى…

أنا حاسة إنى خلاص قربت أقع، ورجلى مش شايلانى…

أنا ليه فقدت توازني خالص كده؟!

بعد ما خلصوا، لفوا وشهم ليا…

أول ما عين ليث جت فى عينى، بعدها عنى فورا، وبص الناحية التانية…

لقيته بيوجهلى كلام بصوت هادى مش ماشى مع الحمم، والبراكين اللى كانت طالعة منه.

“عاملة إيه يا صغيرتى؟”

حاولت أفتح بقى، وأطلع أى كلمة أرد عليه بيها، لكن للأسف الكلام أتبخر وطلع للسما بسبب الحرارة اللى كانت جوايا…

وطيت راسي فى الأرض وأنا مكسوفة، لما إفتكرت آخر مقابلة لينا سوا فى نفس المكان ده…

الرجلين بيقربوا عليا…

رفعت رأسي، وبصتله، وفجأة لقيت عينه بتطير، وبتبعد عنى، وبتروح على الشجرة اللى عندنا فى الجنينة…

سمعته بيقول: “شكلها كبرت، صح؟”

بصيت على الشجرة… صحيح هى كبرت جدا فى الشهور الكتير اللى غاب عننا فيها ليث…

لكن أنا سمعت آسر بيرد عليه: “لأ مكبرتش، ده الكعب”

إيه ده؟ هو كان يقصدنى أنا؟ أنا غبية جدا!

ليث قال: “إنتوا كنتوا خارجين، ولا إيه؟”

آسر قاله: “يااه ده أنا نسيت… أيوة كنا هنخرج، بس عادى ممكن نأجلها لبعدين… تعالى بس ندخل… دى ماما هتطير من الفرح دلوقتى”

ليث رد عليه: “لأ عشان خاطرى أخرجوا، وملكوش دعوة بيا، أنا كده كده هفضل قاعد معاكوا فترة”

رائع!

جميل!

مدهش!

يا رب تفضل عندنا طول العمر…!

جم ناحية الباب الصغير، ودخلنا إحنا التلاتة مع بعض…

المفاجأة دى عملت فى بيتنا فرحة كبيرة مش قادرة أوصفها…

عدت عشر شهور وهو مجاش، ومكنش بيتصل غير كام مرة قليلين جدا، ومكنش بيتكلم معايا غير بسيط أوى.

لو صادفت مرة وأنا رديت عليه على التليفون، كان بيقفل معايا الكلام بسرعة، ومجرد ما أجيبله سيرة رجوعه بيقفل الخط خالص.

لكن هو دلوقتى جه هنا…

أنا مبسوطة أوى…

عرفنا بعد كده إن هو عدى علينا بالصدفة وهو رايح الشمال عشان موضوع خاص بيه.

“هتفضل هناك قد إيه؟”

ماما سألت ليث، وهو رد عليها: “مش عارف، ممكن أفضل فترة هناك عشان هدور على شغل، إدعيلى يا أمى ألاقى حاجة كويسة هناك”

ليلى قالت: “أنت مش كنت بتشتغل فى منطقتنا القديمة، هتعمل إيه فى شغلك ده؟”

ليث إتوتر لما ليلى سألته السؤال ده…

“سيبته”

قال كده، وغير الموضوع بسرعة…

“إنتى عاملة إيه فى الكلية بتاعتك دلوقتى؟”

فضلت أبص حواليا الأول عشان أتأكد إن ليث بيتكلم معايا أنا…

أكيد يقصدنى أنا يعنى!

مهو مفيش حد بيدرس فى الكلية غيرى أنا!

قلت بصوت واطي، وخجول: “الحمدلله… الدنيا تمام… ماشى الحال”

آسر قال: “على فكرة دى مجتهدة جدا، ونشيطة، ومغرمة بالرسم، والفن حتى أكتر منى أنا شخصيا!”

مهو أكيد أنا مغرمة بحاجات كتير فى حياتى أكتر منك أنت!!

الكل فضل يضحك…

ما عدا أنا، وليث…

أنا عن نفسى الجملة دى معجبتنيش خالص، أما ليث فأنا معرفش ليه وشه قلب، وزنهر كده؟

ليلى قالت وهى بتضحك: “آدى الخروجة بتاعتك باظت يا بغبغان يا صغير”

فضلت تضحك كتير… وأنا أتضايق أكتر…

ليث سأل ليلى: “رحلة إيه؟”

“رحلة خاصة بيها هى، وآسر، كانوا رايحين الشط، مهو خطيبها يا عينى مش بينزل غير مرة واحدة بس فى الشهر، وبيوحشها إنها تخرج، وتقضى وقت معاه، وأصلا هى بقت بتغير منى كمان”

ليلى قالت كده وهى بتبصلى، ورافعة راسها لفوق…

غالبا كانت عايزة تهزر معايا، لكن أنا إتحرق دمى جدا، وإستأذنت، وروحت على أوضتى فورا…

……….

بعد ما رهف مشيت، قلت: “شكلها إتضايقت على فكرة”

كلنا لاحظنا ده…

معقولة لسة ليلى زى ما هى من وهى صغيرة، مبتسبش فرصة غير لما بترخم عليها، معقولة متغيرتش خالص؟!

بصيتلها بزعل، ولقيت آسر كمان بيبصلها بنفس الطريقة…

ليلى قالت: “ده أنا كنت بهزر معاها والله”

“لكن هى إتضايقت منك يا رخمة، أنا هروح أتطمن عليها”

آسر رد على ليلى، وقام فورا عشان يروح لرهف…

أنا بقى مفيش فى إيدى أى حاجة أعملها…

قلت لليلى: “هم فعلا كانوا عايزين يخرجوا للشط، ويتفسحوا، وأنا بوظت عليهم الموضوع، أنا آسف إنى جيت، ودربكت الدنيا كده”

“ميهمكش يا ليث، هى أصلا كانت عايزة تخرج عشان أنا حطيت فى دماغها الفكرة بس، لكن هى مبتحبش تخرج من البيت، ولا بتحب تروح الأماكن العامة”

سكتت، ومرضتش أعلق على جملة ليلى الأخيرة…

فجأة ليلى قالت: “إيه رأيكوا نخرج كلنا سوا؟ نروح الشط، ونتفسح مع بعض، خروجة عائليه يعنى، أصلا رهف كان نفسها فى كده”

خروجة على الشط! الموضوع حسيته غريب جدا، وزى الحلم! أنا بقالى سنين كتير أوى مروحتش على الشط!!

الظاهر إن الفكرة عجبت الكل…

سألت: “طب، ونور هييجى معانا؟”

قالت ليلى: “هو مش هنا أصلا، ده فى بلد جنبنا عنده ماتش مهم جدا، أنت مش متابع الأخبار، ولا إيه؟”

أنا أصلا مش بعتبر الكورة دى من أولوياتى خالص…

فضلنا نتكلم عن حاجات كتيرة… وحسيت براحة كبيرة جدا… هنا أنا بلاقى نفسى، وبكون فى وسط الناس اللى بيحترمونى، وبيقدروني…

أنا عايز أعيش مع أهلى، هو مش كفاية السنين اللى أنا اتحرمت منهم فيها؟

بعدت عن حضنهم من وأنا شاب صغير مراهق، وكنت بحب الحياة، وعندى طموح، وبحلم بمستقبل رائع ليا لما أكبر…

رجعت ليهم وأنا راجل كبير، ومهموم، ومحبط، ومليان عقد، ومعنديش رغبة فى أى حاجة، والزمن قسى عليا، والحياة شيلتنى فوق طاقتى، وقدرى شكل شخصيتى اللى أنا عليها دلوقتى…

لكن برغم كل ده هم لسة بيحترمونى، وبيتمنوا وجودى فى وسطهم…

بعد شوية آسر رجع، وقعد معانا، لكن رهف مكنتش معاه…

كان نفسى أسأله عنها، لكن متجرأتش…

هى خلاص مبقتش طفلتى الصغيرة، ومبقاش من حقى أهتم بيها، وأقلق عليها زى زمان…

“بقى العربية اللى برا دى بتاعتك يا عم آسر؟”

حاولت أفصل من اللى أنا فيه، وسألته…

جاوب عليا: “أيوة، إشتريتها من قريب، إيه رأيك فيها؟”

“شكلها جميل ما شاء الله، ربنا يباركلك فيها”

آسر رد عليا: “الله يخليك يا حبيبى، ده غير بقى إمكانيتها كمان كلفتنى كتير أوى”

مقارنة بعربيتى اللى موديلها قديم، فأى حاجة فى عربية آسر هتبقى مدهشة جدا…

يبقى كده… وضع أخويا المادى كويس، ومستقر…

قد إيه أنا بقيت حاجة صغيرة جدا قدامه… وقد إيه خذلت أحلام أبويا، وأمى فيا… دول كانوا بيتوقعولى مستقبل مبهر جدا…

الحمدلله على كل حال…

كان فى شعور جديد دخل جوايا يومها، زود عندى الرغبة فى إنى لازم أمشى…

فى الوقت اللى أخويا آسر بيتمتع فيه بشغل كويس، وحياة مادية مستقرة، ومستقبل رائع…

أنا كنت بفتقر لكل حاجة فى الدنيا…

حتى رهف…

بقت بتاعته هو…

فى اللحظة دى حسيت بوجع شديد جدا فى بطنى.

كان بيجيلى الوجع ده كل شوية بقاله فترة، وأنا مكنتش مهتم أروح لأى دكتور…!

الوجع إستمر معايا لوقت طويل جدا، وحتى مكنش ليا نفس إنى آكل العشا الجميل اللى كانت أمى محضراه، وكان واحشنى أوى…

عشان كده روحت على طول على أوضة آسر عشان أسترخى شوية…

تانى يوم الصبح قمت عشان أروح المطبخ اللى كلهم متجمعين فيه عشان يفطروا.. 

قبل ما أدخل فضلت أكح عشان اللى جوا ياخدوا بالهم إن أنا جيت…

أقصد رهف يعنى تاخد بالها…

“إتفضل يا إبنى”

ماما قالتلى كده، وأنا دخلت وأنا باصص فى الأرض، وكنت ببص قدامى بحذر جدا…

أنا مكنتش عايز أشوفها، لكن شوفتها…

“صباح الخير عليكوا”

ردوا عليا الصباح، وطلبوا منى إنى أقعد معاهم على الترابيزة الصغيرة اللى متجمعين حواليها…

“تعالى يا ليث أقعد، إحنا قاعدين بنخطط لرحلة النهاردة، هتقدر تيجى معانا، ولا أنت لسة تعبان؟”

بصيت لليلى اللى بتكلمنى، ومقدرتش مبصش للكرسى اللى جنبها اللى قاعدة عليه رهف.

“خلاص فعلا قررتوا تروحوا، طيب دى هتبقى حاجة جميلة جدا”

ماما قالت كده وهى بتشاورلى على الكرسى الفاضى عشان أقعد…

بصيتلهم لقيتهم كلهم باصين عليا…

قلت: “أنا… أنا هروح على أوضة الأنتريه”

انسحبت من المطبخ، وجريت على هناك…

ماما جت ورايا بعد شوية، وشايلة على إيديها صينية الأطباق بتاعة الفطار…

قلتلها: “شكرا يا أمى”

أمى ابتسمت، وفضلت تبص عليا وأنا باكل، ومستمتع بأكلها…

“ماما… فى حاجة، ولا إيه؟”

أمى ردت عليا، وقالت: “لأ يا حبيبى، أنا بروى عينى بشوفتك يا قلبى”

حسيت إن الأكل وقف فى زورى…

عايزة ترتوى بشوفة مين يا أمى؟

بشوفة الفشل، والخذلان؟ ولا بشوفة بقايا بنى آدم؟

ولا بشوفة راجل قاتل، وخريج سجون، عليه وصمة عار؟؟

قد إيه أنا خذلتك؟ قد إيه كنتى فرحانة بيا قبل كده؟

أنا دلوقتى حاسس إن أنا حاجة وحشة جدا، وكل اللى يشوفها بيشمئز منها…

“الحمد لله”

حمدت ربنا، وحطيت المعلقة على الصينية…

“إيه يا إبنى؟ إنت شبعت؟ هو الأكل مش عاجبك ولا إيه؟”

“لا والله، عاجبنى جدا يا أمى، بس أنا خلاص شبعت”

“خلاص يا حبيبى أنا هخرج برا لو أنا ضايقتك، بس أنت كمل أكلك”

“لأ يا أمى، أنا شبعت والله”

ماما بعد كده رجعت تانى بالأطباق على المطبخ، وفجأة لقيتهم كلهم حواليا…

فضلوا بصينلى، وعيونهم كلها أسئلة عني، وعن أحوالي…

فضلوا يسألوني، وأنا كنت برد بإجابات قصيرة، ومختصرة…

مفيش حاجة فى حياتى مهمة تستاهل إنى أتكلم فيها كتير…

كانت رهف بصالى، وسمعاني وهي ساكتة…

“إيه رأيك فى العربية بتاعتى يا ليث؟ ما تيجى نخرج نتمشى بيها شوية!”

لقيت الفكرة دى جميلة جدا، ومنقذة بالنسبالى…

وافقت فورا، وقمت خرجت أنا، وآسر…

…….

“إنتى زعلتى منى إمبارح فعلا يا رهف؟ أنا آسفة، والله مكنتش أقصد أزعلك، أنا كنت بهزر معاكى”

بصيت للسقف شوية، ورديت عليها: “ماشى خلاص، الموضوع خلص”

سكت شوية، وكملت كلامى: “لكن متقوليش عليا بغبغان تانى، وخصوصا قدام ليث”

ليلى إستغربت، وقالت: “ليث!”

اتوترت جدا، ولقيتها قالت: “تقصدى آسر؟!”

“ليث أو آسر أو أيا كان مين… متقوليش عليا كده تانى”

قلت كده، ولفيت وشى بعيد عنها وأنا مبسوطة إنى عرفت ألم الموضوع…

ليلى قعدت تظبط ضوافرها بالمبرد، وتغنى…

كنا قاعدين قدام الشباك اللى فى المطبخ، وكان بيبص على مساحة فاضية آخرها الجراج بتاعنا…

الجراج كان ليه تلت بوابات، والبوابة الخارجية بتاعته كانت كهربائية…

جت ماما وهى ماسكة سبت الغسيل، وطلبت منى إنى أنشره…

ياه على شغل البيت اللي مبيخلصش…

فكرت فى إنى أرفض المهمة دى، وأديها لليلى اللى كانت قاعدة بتظبط ضوافرها…

“خدى أنشرى إنتى يا ليلى”

هزت راسها وهي معترضة، وأنا كنت هبدأ أتنرفز، وأتضايق…

لكن فى نفس اللحظة لمحت البوابة الخارجية بتاعة الجراج بتتفتح، وعرفت إن هما رجعوا…

بسرعة بلعت كلامى قبل ما أقوله لليلى، وقولتلها وأنا مستسلمة: ” خلاص، أنا هقوم أنشر، مش هبوظلك ضوافرك”

خدت سبت الغسيل، وخرجت بسرعة على المكان الفاضى اللى جنب دخلة الجراج…

ليث ركن العربية على جنب، ونزل منها هو، وآسر…

الإتنين ماشيين، وجايين ناحيتى دلوقتى…

آسر قلع نضارته السودا، وماشى جنب ليث…

ضلهم كان ماشى قدامهم، وكانوا بيدوسوا عليه برجلهم…

ليث… بطوله، وبعرضه، وبجسمه الضخم اللى وزنه زاد عن آخر مرة شوفته فيها من شهور…

الوزن ده زود وشه تخن، وزود جسمه عظمة، وهيبة، وزود كتافه علو، وارتفاع، وخلاه بيشغل حيز محترم من الكون اللى حوالية، وبيفرض نفسه فيه…

بيخطى خطوات كنت حاسة إن الأرض بتتوجع من قوتها…

آسر… بجسمه الرفيع، وقوامه الهذيل، ووشه الطويل، والمشوه، وخطواته الهادية، ونظراته الخجولة اللى غالبا بتكون باصة للأرض…

حسيت بحاجة جوايا وترتنى، وضايقتنى أوى…

هما مختلفين جدا…

ليه عينى دايما بتتشد لليث؟

ليه الهوا بيجرني ليه جر فى أى مكان يكون فيه؟

هو أنا إيه اللى بيحصل جوايا؟

أنا واقفة قدام ليث، وآسر وهم جايين عليا، وجوايا كان بيحصل مقارنات كتيرة جدا…

مجرد ما وصلوا قدامي بالظبط، آسر وقف جنبى وقالى: “عاوزانى أساعدك فى حاجة؟”

فى اللحظة دى كان ليث بيكمل طريقه، وبيمشى من جنبي من غير ما يبص عليا خالص…

لكن أنا كنت عمالة أراقبه بطرف عينى…

وقف ثانية واحدة، ومد إيده لآسر، وقاله: “خد المفتاح”

شفت مفتاح العربية اللى كان بيعوم فى إيده الكبيرة، زى السمكة فى وسط البحر…

آسر خد منه المفتاح، وكمل مساعدتى فى نشر الغسيل…

بصراحة هو اللى كان بينشر، لإن أنا كنت واقفة سرحانة، وبفكر…

هو ده فعلا اللى هيكون شريك حياتى؟!

أنا ليه المفروض إنى أتجوز راجل مشوه زى كده؟

الفكرة دى فضلت شاغلة دماغى لدرجة إنى مكنتش عارفة أفكر فى أى حاجة تانى…

أنا فعلا هتجوز آسر؟

دول كانو مختلفين جدا وهم ماشيين جنب بعض…!

لما جه وقت الغدا، مساعدتهمش فى تحضير السفرة، وجيت قعدت معاهم متأخر شوية…

إنتوا عارفين إيه اللى حصل أول ما دخلت أوضة السفرة، وقعدت على الكرسى بتاعى؟

ليث ساب الأكل، وقام، وخرج من الأوضة خالص…

بطنى وجعتنى جدا من الزعل فى اللحظة دى…

هو خلاص مبقاش طايق حتى يقعد، وياكل معايا!

لقيتهم كلهم إستغربوا، وبصوا عليا…

ماما قامت وراه عشان تشوف فى إيه؟

رجعت بعد شوية، وقالتلى: “رهف… قومى، وخدى أطباق الأكل بتاعتك فى المطبخ”

إتصدمت من اللى هى قالته، وحسيت بإهانة كبيرة، وحسيت إن أنا حاجة وحشة ليث مبقاش عايز يشوفها، ولا طايق يقعد فى المكان اللى هى فيه، طبعا مهو أنا رهف بنت عمه اللى كبرت، وبقت ممنوعة عليه…

قمت بسرعة، وخدت الأطباق، وروحت على المطبخ، وقعدت أعيط…

بعد شوية ليلى جت، ومعاها الأطباق بتاعتها…

“رهف! ليه الدموع دى بقى يا هبلة إنتى؟”

مهتمتش خالص باللى هى بتقوله، وكملت عياط…

ليلى كملت، وقالت: “هو حاسس بالإحراج، ومكسوف من الوضع، ده من قواعد الأدب يعنى، المفروض إنك متزعليش منه”

قلت: “مهو أنا كنت معاكوا برده لما هو جه السنة اللى فاتت، إيه اللى فرق دلوقتى؟”

قالت: “تلاقيه مكنش لسة إتعود على فكرة إنك كبرتى، ومبقتيش رهف الصغيرة اللى هو واخد عليها”

يا ريتنى ما كبرت، عشان مبقاش بعيدة عنه بالمنظر ده!

قمت، وسبت الأطباق بتاعتى من غير ما ألمسها، وليلى بتبص عليا وأنا خارجة من المطبخ…

روحت أوضتى، وبصيت على صورة ليث اللى كنت رسماها من كذا شهر، ودموعى نزلت…

فضلت أتخيله وهو ماشى جنب آسر، وأحسن منه فى كل حاجة، ومعديه فى كل الحاجات اللى أنا بحبها…

بعد…

بعد كل اللى أنا حاسة بيه ده…

أتجوز آسر برده…!

أنا ليه عمالة أقارن بينهم للدرجة دى؟

على العصر لقيت ليلى جت، وقالتلى: “إنتى لسة مجهزتيش؟ يلا عشان هنتحرك دلوقتى”

“هنروح فين؟”

“إنتى نسيتى يا رهف، هنروح على الشط زى ما إتفقنا، مش إنتى كان نفسك فى كده؟”

أنا فعلا نسيت… بالرغم من إنى كنت مبسوطة جدا من الفكرة الصبح، لكن أنا دلوقتى الموضوع مش عاجبنى، ولا عايزة أخرج…

“مش عايزة أروح، مليش مزاج”

ليلى برقت عينيها، وقالتلى: “نعم! هو مش إنتى اللى كنتى مشجعة الموضوع من الأول؟ هتقعدى فى البيت لوحدك يعنى؟”

قلت: “هم كلهم هيروحوا؟”

“أيوة طبعا كله رايح، يلا بقى إجهزى”

راحت ليلى بعد كده على أوضتها عشان تلبس…

إن أنا أفضل لوحدى فى البيت، دى فكرة مش مستحبة بالنسبالى خالص…

مفيش قدامى حل غير إنى أروح معاهم…

إتوزعنا على العربيتين بتوع بابا، وآسر…

ليث قعد على الكرسى اللى جنب آسر، وأنا قعدت وراه، وليلى قعدت جنبى، وسيبنا بابا، وماما مع بعض لوحدهم فى العربية التانية…

ليث، وآسر فضلوا يتكلموا مع بعض، وليلى بتدخل معاهم فى الكلام، وأنا قعدة بسمع، وبراقب، وبتوجع…

مكنتش بتفاعل مع أى حاجة ليث بيقولها، ولا أى ضحكة بيضحكها…

أنا كنت مركزة معاه جدا، بسمع، وبحفظ، وكنت قربت أسمع اللى هو بيقوله…

لما وصلنا، فرشنا مفرش كبير عشان نقعد عليه، وحطينا عليه الأكل، وحاجة الشوى، والفاكهة، والعصير اللى كنا واخدينهم…

ليث مقعدش، وراح على طول وقف عند البحر…

طبعا هو مش عايز يقعد فى المكان اللى أنا قاعدة فيه…

ليه كده يا ليث؟؟

إنتوا عارفين الساعة فيها كام دقيقة؟

طبعا ستين…

طب وعارفين أنا فكرت فيه كام مرة فى الساعة؟

برده ستين…

طب وعارفين إحنا قعدنا هناك كام ساعة؟

قعدنا ست ساعات…

عديتوا عدد المرات اللى ليث دار جوا عقلى فيهم فى الفترة دى…؟

التلاتة مع بعض، ليث، وبابا، وآسر راحوا عشان يعوموا، وماما كانت بترص اللحمة فى الأسياخ، وأنا بطنى كانت بتصرخ من الوجع، والجوع…

“رهف، ما تحطى فى بقك أى حاجة تتصبرى بيها لغاية ما نجهز الأكل، إنتى ما كلتيش حاجة من الصبح، والأكل لسة قدامه شوية حلوين”

ليلى قالتلى كده، وأنا رديت عليها: “طب ما تحاولوا تسرعوا شوية!”

أنا فعلا كنت جعانة جدا، دورت فى السلة اللى فيها الأكل، ملقتش أى حاجة ينفع تتاكل على ما الأكل المشوى يجهز…

بصيت جنبى لقيت كافيه صغير بس بعيد شوية…

“أنا عايزة أروح هناك”

ليلى ردت عليا، وقالتلى: “روحى”

“طب تعالى معايا”

ليلى ابتسمتلى بتريقة، وقالت: “

“رهف الطفلة… اللى بتخاف من الضلمة… ومن الناس، واللمة”

قعدت تغني وتتريق عليا، وتضحك، وأنا إتعصبت بس خلتني ضحكت معاها…

سبتنى منها، وبصيت لماما…

“تعالى إنتى معايا يا ماما”

ماما رفعت إيديها عشان تورينى إن مطرحها أكل، ومش فاضيالى، وقالتلى: “بعدين يا رهف”

بصيت على الشط لقيت ليث قاعد على الكرسى، وبابا، وآسر لسة فى المياه بيعوموا…

بصيت لليلى، وقلتلها: “ماتيجى نروح عند البحر، عايزة أبل رجلى شوية”

“أنا مش عايزة أروح، روحى إنتى”

ليلى دى رخمة أوى…

قلتلها: “طب أنا مش عايزة أروح لوحدى”

رجعت تانى تغني، وتقول: “رهف الطفلة… اللى بتخاف من الضلمة… ومن الناس، واللمة”

ليلى بقت لا تطاق! وماما مشغولة فى رص اللحمة فى الأسياخ!

“روحى يا رهف، هم هناك، روحى يا حبيبتى، متخافيش”

ماما قالتلى كده عشان تشجعني إنى أمشى لوحدى…

مكنش فى ناس كتير حوالينا، لكن أنا برده كنت مترددة إنى أتحرك لوحدى، وحاسة إن أنا ممكن يحصلى حاجة فى أى لحظة…

فى النهاية قدرت أقنع نفسى إن هم قريبين، وكمان ليث قاعد هناك، يعنى مفيش داعى إنى أخاف من أى حاجة…

مشيت ناحيتهم، وكنت حاسة إن ماما بتراقبنى من بعيد…

هى عايزانى أتجرأ شوية، وأحاول أخلص من الخوف اللى عندى، خصوصا من الحاجات اللى مش مستدعية الخوف زى كده…

كانت أمواج البحر متحركة، وبتلعب مع بعضها، وبييجى منها رزاز مياه مختلط بشوية هوا ساقع بينعش صدرى، وقلبى اللى كان مكتوم…

قربت من ليث، لكن هو محسش بيا…!

عديت من جنبه، وروحت ناحية المياه، وبعدين بصيت عليه لقيته مغمض عينه، وتقريبا كان نايم…

سبت المياه تبل رجلى، وتنعشني…

آسر شاورلي من جوا المياه، وساعتها حسيت إن أنا متطمنة أكتر، وإتأكدت إنهم حواليا، وأنا مش لوحدى…

فضلت أمشى يمين، وشمال على الشط وأنا بلاعب رجلى فى المياه…

لكن مبعدتش أكتر من كده، مقدرتش أسيب المساحة اللى موجود فيها ليث اللى بتحسسنى بالأمان…

دلوقتى أنا إتجرأت أكتر، وقعدت على الشط، قدام ليث بالظبط…

كانت الأمواج بتضرب فيا، ومديت إيدى، وفضلت ألعب معاها…

كان شعور جميل جدا…

جت مجموعة من الأطفال الصغيرين، كانوا شايلين الأطواق بتاعتهم، ونزلوا المياه، وفضلوا يلعبوا، وأنا كنت براقبهم وأنا مبسوطة جدا…

يا ريتنى أرجع تانى، وأبقى صغيرة عشان أنزل، وألعب معاهم…

بصيت ورايا، على ليث، وكنت بفتكر الذكريات بتاعة زمان، لما كان بينزلنى فى المياه…

كان بيلعب معايا كتير جدا، ولما كنا بنيجى البحر كان بيبقى الحارس بتاعى أنا، وليلى…

رجعت أبص للأطفال، وأتحسر على الحال اللى بقينا فيه…

تقريبا الأصوات بتاعتهم صحت ليث من النوم، سمعت صوته بيكح، وبيقوم من على الكرسى…

وقفت وبصيت ورايا لقيته واقف، وبيشوف الدنيا حواليه…

ليث إتحرك، وجه ناحية البحر…

قلتله فورا: “إستنى! إنت رايح فين؟”

ليث وقف، وقالى: “هنزل أعوم شوية”

“طب إستنانى أنا هرجع عند ماما بسرعة”

فى نفس اللحظة دى آسر كان خارج من المياه، وجاى ناحية الشط…

“ما تيجى يا عم، وكفاياك نوم، يلا إنزل”

ليث رد على آسر: “هنزل، بس إحنا مش المفروض نولع الفحم دلوقتى ولا إيه؟”

“لسة بدرى على الأكل”

آسر قال كده وبعدين بصلى، وقالى: “رهف، عرفى ماما إننا هنقعد لسة كام ساعة تانى فى البحر”

قلت: “تمام”

لكن معدتى كانت بتصرخ ساعتها، وبتقول: لأ…!

آسر خرج من المياه، ووقف جنب ليث، وفضل يعمل شوية تمارين خفيفة عشان جسمه يفك، ويعرف يعوم كويس…

بصيت على المكان اللى فيه ماما، وبدأت أتحرك ناحيته…

كان فى شوية شباب بيجروا ورا كورة…

ده كان بيشوطها، والتانى بياخدها منه، وكل ده فى الطريق اللى أنا ماشية فيه…

وقفت فى نص الطريق، ومكنتش عارفة أخطى خطوة تانى…

بصيت ورايا لقيت الإتنين بيراقبونى، وعينهم عليا…

بصيت قدامى فى المكان اللى فيه أمى، وأختى لقيتهم برده بيراقبونى…

فى اللحظة دى الكورة اتدحرجت، وجت عند رجلى، والشباب كلهم إتحركو ناحية الكورة عشان ياخدوها…

حد منهم وصل قدامى، وقالى: “معلش يا آنسة”

أنا ساعتها إتخضيت!!

خطوة لورا… وبعدين خطوة تانية لورا… وخدت بعضى، وجريت…

جريت ناحية الحتة اللى الهوا بيشدنى ليها طول الوقت…

ناحية ليث…

………

فقت من نومتى القصيرة، وحسيت بالمياه تحتيا…

كنت قاعد على كرسى على شط البحر، ورجلى مدلدلة، والأمواج بتلعب معاها…

الهوا كان منعش، وجميل، والمكان كان قمة فى الروعة…

المنظر ده كنت مشتاقله جدا من مده طويلة…

دى أول مرة من تسع سنين قلبى بيفرح وأنا بين أهلى، وحبايبى…

أصوات أطفال صغيرة بيلعبوا دخلت ودانى، وفوقتنى من الراحة اللى كنت فيها…

فتحت عينى بالعافية على منظر خلانى أقوم أقف زى الألف فورا…

كانت رهف… حبيبتى الصغيرة… خطيبة أخويا الوحيد… قاعدة على الرملة المبلولة، وبتلعب فى المياه، قدام عينى بالظبط…

وقفت وأنا مفزوع، وهى كمان لقيتها قامت وقفت، وبتبصلى…

بصيت على طول على البحر عشان يبلع أى تفكير ممكن يصحى قلبى من الغفوة اللى هو فيها، ومشيت بعيد عنها…

وقفتنى، وقلتلها إن أنا نازل أعوم…

لقيتها بتتكلم بسرعة، وبتقلى: “طب إستنانى،أنا هرجع عند ماما”

مكنتش فاهم بالظبط هى عايزانى أروح معاها، ولا أقف أبص عليها…

وقفت أبص عليها أنا، وآسر اللى كان لسة خارج من المياه، وواقف جنبى، وبقت عنينا عليها إحنا الإتنين…

لما جه شاب وقف قدامها عشان ياخد الكورة، لقيت صغيرتى خافت، ورجعت لورا، وجت جرى عليا، ومسكت دراعى، وإستخبت وراه…

أنا طبعت وقفت، واتسمرت فى مكانى، مكنتش حاسس بحاجة حواليا، ولا عارف أنا المفروض أعمل إيه؟

حاولت أسحب دراعى منها، لكن هى مسكت فيه بضوافرها، ووجعتنى…

الشاب بتاع الكورة كان واقف بيبص ناحيتنا، ومستغرب من اللى هى عملته…

ماما، وليلى هم كمان كانوا بيبصوا باستغراب…

لكن أكيد كانوا مستغربين من حاجة تانى…!

لكن النظرات اللى أنا مكنتش فاهمها خالص، كانت نظرات أخويا آسر…

“صغيرتى… طفلتى… إهدى… مفيش حاجة”

رهف دلوقتى بصالى، وعنيها إتملت دموع.  

كانت ماسكة فيا، وبتقلى وهى متنرفزة: “إنت سبتنى لوحدى ليه؟ ليه مجتش معايا؟ إنت عايز حد يأذيني تانى؟”

الكلمة دى خلت عضلاتى كلها تتشنج، وقلبى يغلي من جوا، ولقيتنى بمسك فى إيديها بقوة فظيعة، وبشكل لا إرادى…

اللحظة اللى إفتكرنا فيها جحيم اليوم الأسود، وعيوننا كانت باصة لبعض بحدة…

أنا عينى بتطق شرار، وهى عنيها الدموع بتتدلق منها، وشايف فيها صورة على وهو بيبتسم، وصورة الحزام الطاير فى الهوا…

“ده أنا كنت قتلته”

لقيتنى بقول كده من غير ما أحس وأنا ببصلها بنظرات مليانة شر لأى حد ممكن يأذيها، ومليانة قهر عليها…

حسيت بحاجات جوايا بتتقطع، وحاجات بتتعصر، وحاجات بتتوجع، وبتصرخ…

إزاى هقدر أتحمل موقف زى ده؟

لو فضل آسر ساكت، كان ممكن أفضل كده شهور طويلة…

لكن صوته قطع سلسلة الوجع، ورخى العضلات المشدودة…

“رهف”

سمحنا لعنينا المتعلقة ببعض بإنهم يبعدوا، ويروحوا ناحية آسر…

مش قادر أوصفلكوا الإستغراب، والحيرة اللى مرسومين على وش آسر وهو واقف بيتفرج علينا.. 

قال: “رهف… حبيبتى”

منطقش بعد كده بكلمة واحدة أفهم بيها إيه اللى بيفكر فيه؟

رهف دلوقتى بدأت تمسح دموعها، وتهدى الى حد ما…

وصلت أمى، وليلى، ورهف فورا راحتلهم…

“قلتلكوا إن أنا مش هقدر… مش هقدر آجى لوحدى… مش هقدر… متسيبونيش لوحدى تانى”

رهف قالت كده، وبدأت فى نوبة عياط جديدة…

ماما خدتها فى حضنها، وفضلت تقول حاجات فى ودنها عشان تهديها…

أنا مكنتش سامع أى حاجة بسبب اللى كان بيحصل جوايا…

وبعدين شفتهم هم التلاتة راجعين المكان اللى كانوا فيه…

آسر فضل واقف كام ثانية، وبعد كده راح وراهم…

لف ضهره، وبص عليا بالصدفة، ولمحني وأنا ماسك بطنى، وبتوجع، وبقع على الأرض من شدة الوجع…

كنت حاسس إن فى حاجات بتقطع فى بطنى، ودوخة مسكت دماغى فجأة، وقعدت تلف، وحسيت إن جسمى كله بيسيب، ورجلى مكنتش قادرة تشيلنى…

كنت عارف إن قلبى بينزف من جوا زى ما باقى جسمى بينزف من شدة الموقف اللى أنا فيه، وقسوته…

حسيت بالدم بيجرى فى كل حتة فى جسمى، وحسيت بيه طالع فى زورى، وملى بقى، وبعدين خرج، واتدلق على الرملة، وخلاها متلونة باللون الأحمر…

دلوقتى عينى قادرة تشوفها بوضوح زى ما شايفة نور الشمس…

دم حقيقى خرج من بطنى مع عصارة المعدة اللى بتتقطع من الوجع…

“ليث!”

رفعت راسي لقيت آسر واقف، وبيبص على الدم برعب…

“إيه ده يا ليث؟”

إيه ده؟ تقريبا ده دم!

دى كانت أول مرة الدم يخرج من بطنى وأنا حاسس بوجع شديد جدا جواها…

تقريبا ده عرض لمرض معين، مش عارف هو إيه؟

يا ترى أنا مريض بإيه غيرك يا رهف؟

لتكملة القصة اضغط الزر بالاسفل



هل كان المحتوى مفيداً؟

نعم
لا
شكرا لك

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى