قصص رومانسية

رواية صغيرتي (الجزء الرابع)

دخلت بيت عيلة فهيم صاحبى، ولقيته صغير، وبسيط، ومفروش بشكل تقليدى، وقديم…

طبعا ده يدى إنطباع لأى حد يدخل البيت عن الوضع المادى المتدهور للعيلة دى…

العجوز خدنى عشان نقعد فى الصالة، وبعد ما قعدت ابتدى يرحب بيا، ويشكرنى على وقفتى معاهم فى المستشفى…

“أهلا بيك… إحنا متشكرين جدا على المعروف اللى أنت عملته معانا”

قلت: “مفيش أى داعى للشكر يا عمو… أنا معملتش حاجة… ده واجب عليا، وأنا لو فى إيدى أعمل أكتر من كده هعمل”

قال: “طب وأنت عامل إيه دلوقتى… إتحسنت شوية؟”

“إتحسنت كتير الحمد لله، كل الموضوع إنى منمتش كويس، ومكنتش واكل بقالى كتير، فحسيت بالتعب، والدوخة”

قال: “آه صح… الأكل!”

قام، وراح الأوضة التانية، ورجع مع البنت الشقرة…

البنت رحبت بيا، وبعدين مشيت…

فضلنا أنا، والراجل العجوز نتكلم فى مواضيع كتيرة، واتفتحت سيرة فهيم الله يرحمه، وتفاصيل وفاته…

“إحنا كنا متوقعين إن ده حصل… كل اللى اتسجنوا معاه جاتلنا أخبار وفاتهم… كل السنين اللى فاتت دى واحنا مش عارفين نتأكد هو عايش، ولا ميت، وبعد كل الإنتظار ده… نكتشف إنه مات فعلا”

هم إزاى قدروا يعملوا كده؟ يحبسوه، ويعذبوه، ويقتلوه، وكمان ميعرفوش أهله إنه مات!!

قلت: “اليوم اللى فهيم اتوفى فيه، طلب منى إنى أزور عيلته، وأتطمن عليهم، وعلى أحوالهم… الكلام ده كان من أربع سنين أو أكتر… لكن أنا للأسف لسة عارف أوصلكوا دلوقتى”

الراجل العجوز كان باصصلى، وبيراقب كلامى بإهتمام شديد، وأنا حسيت إنى مكسوف منه جدا، ونفسى أختفي دلوقتى حالا…

قال: “أدينا عايشين أهو، وكويسين الحمدلله… بدعى ربنا إنه يحفظلى صحتى، وعقلى عشان أعرف أهتم بأختى، وبنتها”

دلوقتى دخلت البنت الشقرة وهى شايلة صينية مليانة أكل…

حطت الصينية على الترابيزة اللى قدامى، وفضلت ترحب بيا، وتدعينى عشان آكل…

“إتفضل يا أستاذ ليث”

وبعدين خدت بعضها، ومشيت…

حسيت إنى محرج جدا، أنا فى وسط عيلة غريبة عليا، وأنا شخص غريب فى وسطهم برده…

ناس عمرى ما شوفتهم، ولا اتعاملت معاهم قبل كده…

هم باين عليهم الكرم جدا…

“اتفضل يا إبنى، حاجة خفيفة لغاية ما ييجى معاد العشا”

اندهشت، وقلت: “العشا؟!”

“أيوة، أنت هتتعشى معانا الليلة دى، مفيش أعذار”

“إيه الكلام ده… ربنا يكرمك، بس والله مش هينفع… أنا همشى بعد شوية”

الراجل العجوز أصر إنه يستضيفنى، مش بس عشان العشا، لا كمان عشان أبات عندهم الليلة دى”

العشا كان لذيذ، وطعمه مميز جدا، عرفت إن البنت هى اللى عاملاه…

كمان عرفت إن حالة الست بقت أحسن جدا…

عشان كده قعدت معانا هى، وبنتها بعد العشا، وفضلنا نتكلم سوا…

التلاتة قاعدين قدامى شبه بعض جدا، كلهم من السلالة الشقرا…

الست كانت مغرقانى أسئلة عن فهيم، وعن اللى حصل معاه…

أنا كنت بحاول أرد عليها ردود بسيطة متسببلهاش صدمة تانية…

لكن برده برغم كده فضلت تعيط، وبنتها قعدت تعيط معاها…

البنت قالت بعصبية شديدة وهى مش قادرة تمنع نفسها عن العياط: “بالله عليكى يا ماما بطلى عياط… إنتى كنتى عارفة إنه مستحيل يرجع… كلنا كنا عارفين، ومتأكدين إن هم قتلوه… الناس الحقيرة، الظلمة، الطغاة،… المجرمين قتالين القتلة… ربنا ينتقم منهم كلهم… يارب أنت العزيز المنتقم الجبار… هاتلنا حقنا منهم يارب… يا رب إعمل فيهم اللى عملوه فينا، وأكتر”

أما أنا بقى، كنت قاعد بأمن على دعواتها جوايا…

ربنا ينتقم منهم كلهم…

رجع بيا الزمن لأيام السجن، والزنزانة، والأكل المعفن، والسراير المخلعة، والحشرات، والريحة المعفنة اللى اتخزنت فى الذاكرة عندى… حاسس إنى شاممها دلوقتى…

رفعت إيدى، وحطتها على مناخيرى، زى اللى بيمنع ريحة وحشة إنها توصله…

إيدى لمست الحفرة اللى على مناخيرى… الذكرى اللى سابهالى السجن…

حسيت بنار بتقيد جوايا… نار كنت فاكرها خلاص إتطفت بعد كل الوقت اللى أنا خرجت فيه من السجن…

لكن وأنا شايف علامات الحزن، والضيق، والخذلان على وش الست الأرملة، وبنتها اليتيمة، وجه قدامى شريط الذكريات بتاع موت فهيم، والكدمات، والخبطات اللى كانت مغطية جسمه كله… نويت إنى مش هسيب فرصة إنى أنتقم من الظلمة دول غير وأنا منتهزها…

الساعات الطويلة اللى أنا قضيتها معاهم، خلتنى أحس إنى واحد منهم، وإنى فى وسط عيلتى الحقيقة، كإنى معاهم من سنين…

أنا خدت على العيلة دى، وحبيتهم فى الله…

تانى يوم، وبرغم إنى نمت بدرى زى ما نامت بقية العيلة، إلا إن أنا صحيت متأخر على الساعة حداشر ونص…

كنت نايم على لحاف مفروش فى الأرض فى أوضة فى الدور الأرضى اللى فى البيت، ومتغطى ببطانية تقيلة…

على الأقل وفرت تكاليف ليلة كنت هباتها فى فندق من الفنادق…

قمت، وخرجت من الأوضة وأنا بكح عشان أعرفهم إنى خارج…

بعد شوية، خرجت، وكنت فى الصالة… بصيت حواليا ملقتش أى حد… مكنتش حاسس بأى حركة توحى إن فيه حد فى البيت هنا…

خرجت من البيت، كنت عايز أشم ريحة الورد المخلوطة بريحة الأشجار الجميلة اللى مالية الدنيا حواليا…

قد إيه كانت حاجة منعشة! وتخلى الواحد يبقى نشيط من أول اليوم…

فضلت أتمشى على رجلى حوالين البيت فى الممرات المخصصة للمشى جوا المزرعة…

كنت عمال أتأمل فى جمال الطبيعة اللى حواليا، وأسمع زقزقة العصافير، وأتفرج عليهم وهم بيرقصوا فى الجو…

المكان كان غاية فى الجمال، ومتأكد إن لو أى حد قضى كام ساعة فى المكان ده، هيخرج وهو منتعش جدا…

وأنا ماشى لقيت الست، وبنتها قريبين منى…

كانوا الإتنين لابسين هدوم سودا… تقريبا كانوا عاملين حداد على موت فهيم الله يرحمه…

كانوا بيسحبوا صناديق مليانة فاكهة، وكانوا بيجروها جر لغاية عربية نقل صغيرة واقفة بعيد…

كانوا بيرفعوا هم الإتنين الصناديق، ويحطوها على العربية…

بيعملوا كده، وبعدين يرجعوا تانى يجيبوا صناديق تانية…

قربت من العربية، وسلمت على الراجل العجوز اللى كان مشغول جدا فى ترتيب الصناديق، وتقريبا كده مسمعنيش…

مشيت ورا الست، وبنتها لغاية مكان الصناديق اللى كانت مستنية تتشال، وتتحط فى العربية…

أديهم أهم جايين ناحيتى وهم بيجروا الصناديق…

“صباح الخير”

الإتنين سابوا اللى فى إيديهم، وصبحوا عليا هما الإتنين…

الست قالت: “أنت نمت كويس؟ الفرشة تعبتك، ولا إيه؟”

قلت: “لا والله بالعكس، ده أنا نمت كتير جدا”

الست قالت لبنتها: “رضوى، يلا روحى حضرى الفطار للضيف بتاعنا”

البنت بصت على الصندوق اللى كان فى إيديها، وبعدين بصت على أمها، وقالت: “طيب ماشى… هروح”

جت تمشى، لكن أنا وقفتها، وقلت: “مفيش داعى للفطار… أنا مش حاسس إنى جعان”

قالت: “لأ طبعا، هيكون فطارك جاهز فى خلال دقايق، ومعلش بقى، أخويا دلوقتى مشغول، بس إنت خليك على راحتك خالص”

وبعدين بصت على بنتها، وقالت: “يلا يا رضوى”

البنت راحت على البيت، والست كملت سحب الصندوق اللى كانت بتجره…

روحت أنا للصندوق التانى، وشيلته، ووديته عند العربية، عشان أرفعه عليها، وهى كانت لسة بتجر الصندوق بتاعها…

دلوقتى العجوز خد باله منى…

“صباح الخير يا عمو”

“ياه، شكرى، أخيرا صحيت، أكيد أنت كنت تعبان جدا، صباح النور”

قلت وأنا برفع الصندوق: “كنت تعبان، لكن دلوقتى بخير الحمدلله، شكرا ليكم جدا، وبالمناسبة أنا إسمى ليث يا عمو”

الراجل العجوز سحب الصندوق، وقال وهو بيرصه مع أخواته: “آه صح إفتكرت، ليث… لما نخلص أنا هاخد الصناديق دى على السوق، عايز تيجى معايا، ولا تستنى هنا؟”

بصيت ناحية الست اللى بتجر الصندوق، وقلت: “أكيد أنا هساعدكوا فى كل حاجة”

بدأت أنقل باقى الصناديق واحد ورا التانى، وطلبت من العجوز إنه يخلى الست ترتاح شوية عشان كانت تعبانة، وبتمر بأزمة قلبية إمبارح…

جت البنت بعد شوية، وشافتنى وأنا شايل الصناديق، واستغربت جدا…

“فطارك جاهز يا أستاذ، إتفضل أدخل عشان تاكل”

قالت كده، وراحت على صندوق من الصناديق عشان تجره…

حطيت الصندوق اللى فى إيدى على العربية، وروحت ناحية باقى الصناديق…

“سيبيلى أنا الموضوع ده يا آنستى، أنا هحله من غير ما أتعب”

سايت الصندوق اللى كان فى ايديها، وراحت على جنب، وشوية وراحت وقفت جنب مامتها…

مهمتى خلصت، والكل شكرونى جدا…

وبعدين الست قالت: “فطارك برد… بعد إذنك روح عشان تاكل”

اتحرجت جدا، وبصيت على الأرض بكسوف شديد…

الست ندهت على الراجل العجوز: “إياس… إنزل يلا، وروح مع ضيفنا عشان ياكل”

نزل العجوز على الأرض، وراح معانا على البيت…

قعدت على الترابيزة عشان آكل الفطار الجميل اللى قدامى…

الراجل العجوز كان قاعد جنبى بيشرب الشاى…

لكن الست، وبنتها كانوا قاعدين بيبصوا علينا من بعيد وهم بيتكلموا…

فى وسط الكلام لقيت العجوز بيقلى: “يا ريتنى أرجع، وابقى شباب تانى زيك، وابقى فى قوتك… قلى أنت بتشتغل إيه؟”

وقفت مضغ فى اللقمة اللى كانت فى بقى، وبلعتها زى ماهى…

قلت: “الحقيقة يا راجل يا طيب… أنا مبشتغلش… عاطل عن العمل”

الراجل العجوز اندهش من اللى انا قلته…

عرفته إن أنا عشان خريج سجون، ده خلانى مش عارف اشتغل فى اى مكان، ومش عارف اقدم على وظايف محترمة، وقلتله إن أنا جاى هنا فى الشمال عشان أشوف شغل…

قالى: “شباب اليومين دول مش عايزين غير الشغل الإدارى بس، اللى بيخليهم قاعدين مش بيعملوا حاجة غير إنهم بيقلبوا فى الورق… هيبقى صعب عليك انك تلاقى وظيفة زى دى فى المنطقة هنا”

قلت: “أدينى هجرب، ولو فشلت إنى ألاقى حاجة هرجع من مكان ما جيت”

قال: “طب دلوقتى خطتك إيه؟”

“هروح لوسط المدينة، وهأجر شقة، وهدور على شغل هناك… يا رب بس أتوفق المرة دى”

بعد كده روحت مع الراجل العجوز للسوق…

روحنا للتجار اللى بيشتروا منه الخضار، والفاكهة، وبعنا كل اللى معانا، ورجعنا المزرعة…

لما وصلت قررت إن أنا خلاص همشى…

وأنا فى طريقى للعربية بتاعتى لمحت الست، وبنتها واقفين عند الأشجار، وبيجمعوا فيها الخضار، والفاكهة جوا الصناديق…

بصيت على الراجل العجوز اللى كان ماشى جنبى، وقلت: “هو مفيش حد بيساعدكوا فى الإهتمام بالمزرعة دى خالص”

قال: “لأ مفيش حد غيرنا بيهتم بيها، لكن ساعات بنأجر عمال عشان قطف الفاكهة، والخضار، وشيل الصناديق…

ياه على الحياة الشاقة اللى عايشاها العيلة دى!!

لو تعرف يا فهيم… الله يرحمك…

قلت: “خلونى أساعدكوا شوية قبل ما أمشى”

قطفنا كمية كبيرة جدا من الفاكهة، والخضار، ورصيناهم فى الصناديق، وسبناهم جنب بعض لغاية بكرا، هيتنقلوا فى العربية من الصبح…

بعد كده نضفنا الأرض من الفاكهة، والخضار، وورق الشجر الواقعين…

كل ده خد مننا وقت طويل جدا…

كل ما الراجل العجوز كان بيشكرنى، كنت بقله: “أنا معملتش حاجة، ده واجبى، فهيم الله يرحمه يستحق منى أكتر من كده”

بعد كده دخلنا البيت، وكلنا غدانا المتأخر أنا والراجل العجوز…

شكرته على حسن ضيافته ليا، ووعدته إنى هرجع أزورهم تانى كل ما أقدر…

خرجت من البيت، وركبت العربية اللى كانت راكنة قدامه، ومشيت بيها…

عديت على مجموعة الصناديق المرصوصة، وجه على بالى الست، وبنتها وهم بيعانوا الصبح عشان ينقلوهم للعربية بكرا…. وبعده… وكل يوم…

أنا لازم أساعدهم أكتر من كده، بما إنى لقيت الفرصة إنى أنفذ وصية فهيم الله يرحمه…

نزلت من العربية، وخدت الصناديق، ونقلتهم كلهم على العربية الزرقا المركونة على جنب من غير ما حد ياخد باله…

الشمس كانت قربت تغيب، وأنا مكنتش حاسس بأى تعب يذكر، وكمان التعب اللى كان فى بطنى شبه اختفى بعد العلاج السحرى اللى وصفهولى الدكتور…

أو تقريبا جمال الطبيعة، والمناظر الخلابة اللى حواليا، والهوا المنعش هو ده اللى خلانى أخف، ومحسش بالتعب خالص…

قد إيه أنا مبسوط بسبب إنى قدرت الى حد ما اتخطى وجعى الجسدى، والنفسى، فى المكان ده، وكمان نسيت الخاينة رهف…

رهف…

يا ترى إنتى بتعملى إيه دلوقتى؟؟ وعملتى إيه بعد ما عرفتى إن أنا مشيت؟؟

هتعملى إيه لو عرفتى كمان إنى مش هرجع تانى أبدا؟؟

أنا عشان أبعد عنك مستعد إنى مشوفش أهلى طول العمر…

“بتعمل إيه؟”

اتخضيت لما سمعت صوت جاى من ورايا، ولفيت بسرعة.

طلع صوت بنت فهيم…

كنت ساعتها شايل صندوق من الصناديق، ورايح بيه على العربية الزرقا، وبفكر فى رهف…

وبعدين لقيت نفسى فى موقف متحسدش عليه، قدام بنت فهيم وهى بصالى بدهشة…

لسانى إتلجلج وأنا بقول: “أأأ… أنا فكرت إنى… إنى يعنى قبل ما أمشى… أساعد شوية كمان… لكن… أنا آسف”

بعد ما قولت كده وطيت راسى فى الأرض فورا…

حسيت إن الصندوق تقل جدا على إيدى، فشيلته كويس، واعتذرت، ووديته على العربية…

البنت جت ورايا، وفضلت تبص وهى مستغربة على كمية الصناديق المحطوطة فى العربية…

قالت: “إنت ليه تعبت نفسك أوى كده؟ مكنش ينفع تعمل كل ده”

قلت: “بالعكس ده واجب عليا، وحاجة تفرحنى جدا كمان، فهيم كان صديقى المقرب فى السجن، يا ريتنى أقدر أعمل أكتر من كده عشانه، وعشان عيلته”

البنت قالت بعد ما سكتت شوية صغيرين: “أنا متشكرة لحضرتك جدا، أنت انسان محترم”

سكتت شوية كمان، وقالت: “لكن، إيه اللى دخلك السجن؟؟”

لما ملقتش منى جواب على سؤالها قالت: “أنا آسفة، كإنك مسمعتش السؤال لو مش عايز ترد عليه”

أنا كنت مضطرب جدا… فى مواقف كتيرة فى حياتى ببقى واقف، ومش عارف أتصرف إزاى، وده واحد منهم…

مشيت عند الصناديق، وكملت شغلى فى سكوت تام، وهدوء، برغم إنى كنت متوتر، وقلقان وهى البنت واقفة قريبة منى، وبتراقبنى…

هتنكشحى من هنا إمتى بقى؟!

باين إنها بنت قوية جدا، وجريئة…

تقريبا عشان مامتها، وخالها من بلد أجنبى، وليهم طباع، وشخصيات مختلفة عننا، وأنا مش واخد عليها…

بعد ما خلصت نقل كل الصناديق، وقفت قدامى، وقالتلى: “شكرا ليك جدا يا أستاذ ليث… بابا الله يرحمه كان عارف ينقى أصحابه إزاى، ربنا يباركلك”

قلت وأنا مكسوف منها جدا: “متشكر ليكى يا آنستى”

بعدت عنها وأنا بشاور بإيدى، وبقولها: “يلا مع السلامة… أشوفكوا على خير إن شاء الله”

“وقعتى يا رهف أخيرا”

نهال بتقول كده بصوت عالى وهى بتشاور عليا بصباعها، ومحصرانى فى الكلام…

بصيت حواليا، وبعدين قلت: “وطى صوتك يا نهال… مش عايزة حد يسمع… أكيد مامتك فى المطبخ، وقريبة مننا دلوقتى”

نهال قربت عليا وهى لسة بتشاور عليا بصباعها، لغاية ما كانت خلاص هتفقع عينى…

قالت بنبرة حادة، وكلها مكر: “إعترفى يا رهف… مش هينفعك الإنكار أكتر من كده… إنتى مجنونة بابن عمك”

مديت إيدى، ومسكتها من رقبتها، ودوست عليها جامد…

“والله هخنقك يا نهال”

نهال كمان مسكتنى من رقبتى وهى بتمثل إنها بتتخنق، وقالت: “أنا هقول الحق لغاية آخر نفس ليا… رهف واقعة فى حب ليث ابن عمها وهى مش عارفة… اللهم بلغت، اللهم فاشهد”

فعلا كنت عايزة أخنق البت دى!

لولا إنى سمعت خبط على الباب، هو ده اللى منعنى إنى أعمل كده…

سبت رقبة نهال، وروحت أشوف مين اللى على الباب…

طلعت ليلى.. 

“رهف… ليث على التليفون… لو كنتى عايزة تسلمى عليه؟”

بحلقت في ليلى شوية، وأنا مش مستوعبة إيه اللى حاصل…

وبعدين جريت بسرعة البرق على التليفون، وكانت ماما ماسكة السماعة، وبتكلم ليث…

ماما أول ما شافتنى قالت: “ليث… معاك رهف، عايزة تكلمك”

مدت إيديها عشان تدينى السماعة…

خدت السماعة، ولذقتها على ودانى، وبقى، وفضلت ساكتة كام ثانية، وبعدين قلت: “ليث؟؟”

كنت عايزة أتأكد إن هو اللى معايا على التليفون…

صوت ليث وصلنى هادى، ومتردد: “إزيك يا… صغيرتى؟”

أول ما سمعت صوته إنفجرت…

قلت وأنا بصرخ بصوت عالى، ونبرة حادة، وكلها جنان: “كداااب”

رجعت بعد كده السماعة بسرعة لماما، وجريت على أوضتى، ورزعت الباب…

نهال فضلت تبصلى باستغراب، وذهول…

“رهف! مالك؟”

“رهف بتكره ليث… فهمتى… بتكرهه… بتكرهه”

مقدرتش خالص أمسك دموعى من إنها تنزل من عيونى…

روحت على السرير، ومسكت المخدة، ودفنت وشى فيها، لغاية ما كنت هتخنق…

بعد شوية لقيت نهال جت، ومسكت كتفى بإيديها…

“تمام… أنا فهماكى”

بعدت المخدة عن وشى، وخدت نفسى، ووسعت الطريق لعيون نهال عشان تبصلى، وتشوف وشى، وتدخل أعماقى… كالعادة…

دموعى كانت بتنزل باستمرار، وغرقت وشى، ورقبتى، ومكنتش عارفة ألاحق إنى أمسحها عشان أعرف أشوف قدامى…

“حبيبتى…”

أول ما نهال قالت كده، أنا إنهرت تماما من كتر العياط…

رميت راسى فى حضنها، ولفيت دراعى حواليها باستسلام تام، وحزن شديد…

كنت فى عز وجعى، وحزني… فى لحظة من لحظات الصدق، والإعتراف بالمشاعر الحقيقية… 

“هو ليه مشى من غير ما يودعنى؟ ليه كدب عليا؟ ليه كلهم كدبوا عليا؟ عرفونى إنه مش هيرجع تانى، وأديه رجع… وسابنى تانى… مبقاش مهتم بيا… عشان هتجوز آسر… لكن أنا مش بحب آسر… مش بحبه”

قلت كده، وبعدت وشى عن حضنها، وبصتلها، وكنت بستنجد بيها عشان تنقذنى من اللى أنا فيه…

“نهال… أنا مش بحب آسر فعلا… دى حقيقة… وأنا…. مش عايزة أتجوزه”

نهال حطت إيديها بسرعة على بقى عشان محدش يسمع، وإتلفتت حواليها عشان تتأكد إن مفيش حد موجود، ورجعت بصتلى تانى…

قالت: “وطى صوتك”

حسيت باليأس، والإحباط، وفقدان الأمل، ووطيت راسى للإرض وأنا مستسلمة لقدرى المحتوم…

إزاى أنا قادرة أقول الكلام ده وأنا مش فاضل على فرحى غير كام أسبوع بس…

أنا مش من حقى دلوقتى إنى أعمل كده… خلاص الموضوع إنتهى، ومفيش مفر…

هديت من نوبة العياط بتاعتى، وسكت أنا، ونهال كام دقيقة…

“رهف… متقلقيش… الوقت معداش، ولسة فيه فرصة… خلى ماما تتدخل، وتلغى موضوع الجواز ده فورا”

هزيت راسى وأنا معترضة على اللى نهال بتقوله، وقلت: “لأ لأ… بالله عليكى يا نهال متعمليش كده أبدا، ولا تعرفى خالتو أى حاجة”

“لكن يا رهف…”

قاطعت كلامها، وقلت: “عشان خاطرى يا نهال، متبوظيش الدنيا… خلاص فات الأوان… وكل حاجة خلصت… متحطنيش فى موقف وحش مع أمى، وأبويا، وآسر عشان خاطرى”

نهال مسكت إيدى، وقالت: “لكن إنتى مش بتحبى آسر يا رهف… إنتى مش عايزة تتجوزيه… إزاى هتقدرى تربطى حياتك بيه؟”

“قسمتى، ونصيبى كده”

“طب وليث؟”

وقفت بالراحة، وأنا سرحانة فى اليوم إياه… اللى وعدنى فيه، وحلف إنه مش هيمشى، ويسيبنى من غير ما يقولى، ويسلم عليا… وبعد كده موفاش بوعده، ولا بر بقسمه، وضحك عليا ببولة آيس كريم…

قلت: “خلاص مبقاش ليه وجود… مبقاش فيه داعى لوجوده”

الباب خبط تانى، وروحت فتحت، لقيتها ماما…

ماما بحلقت شويو فى عيونى الحمرة اللى زى الدم، وبعدين قالت: “رهف… هو فى حاجة؟؟”

بصيت على الأرض، وقلت: “لأ لأ… مفيش أى حاجة”

لما رفعت عينى، وبصتلها تانى، لقيتها بصالى بنظرات كلها شك، وعدم تصديق لكلامى…

هربت من نظراتها ليا، وبصيت على بنت خالتى اللى قالت بسرعة: “أنا لازم أمشى دلوقتى… إتأخرت جامد”

راحت وقفت قدام المراية عشان تظبط طرحتها، وهدومها…

قلت: “نهال… لأ… مش هتمشى دلوقتى”

قالت: “وسام عندها دروس صعبة، وعايزانى أذاكرلها، وهى أكيد قاعدة مستنيانى دلوقتى”

ماما قالت: “لسة الوقت بدرى يا بنتى… خليكى عشان تتعشى معانا”

نهال ابتسمت، وشاورت على رقبتها، وقالت: “وسام هتقطع رقبتى لو اتأخرت عليها أكتر من كده”

مشيت معاها للباب الخارجى، وقلتلها قبل ما تمشى: “نهال… بالله عليكى إوعى تقولى لحد عن اللى دار بيننا النهاردة… عشان خاطرى”

نهال ابتسمت ابتسامة هادية عشان تطمنى، وسلمت عليا، ومشيت…

لما رجعت أوضتى لقيت ليلى هناك…

أول ما شافتنى سألتني على طول: “بالله عليكى يا رهف… إيه الهبل اللى إنتى عملتيه ده؟ أنا حسيت إن السماعة هتبوظ من كتر صريخك… يا ريت ميكونش السلك اللى بين المدينتين إتحرق!”

مكنتش فايقة خالص لهزار ليلى فى الوقت ده…

قلت وأنا متضايقة، ومخنوقة: “أخرجى يا ليلى… عايزة أقعد لوحدى”

ليلى بصتلى بقرف، وقالتلى: “إنتى متتطاقيش يا رهف على فكرة… أنا هتجوز إمتى عشان أخلص منك!”

قامت عشان تخرج من الأوضة، وقبل ما تخرج قلتلها: “قريب يا بنت عمى… إيه تانى؟ مش كفاية كده؟؟”

خرجت، ورزعت الباب وراها…

حاسة إن التصرفات بتاعتى مكنتش مظبوطة خالص اليوم ده، من ساعة ما ليث مشى، وأنا مش عارفة أبقى كويسة…

حزينة دايما، ومخنوقة، وصدرى مقفول على طول… معزولة فى أوضتى بعيد عن أى حد، مش مهتمة بأى حاجة حواليا، حتى الرسم…

كل ما كانت الأيام بتعدي، كل ما كانت حالتى بتسوء أكتر…

بدأ العد التنازلى لمعاد الفرح… معاد النهاية لحياتى الجميلة… ومعاد بداية حياتى التعيسة…

لو كان عندى أم… لو فى أم ليا تخصنى أنا لوحدى… متبقاش هى نفسها مامة آسر… كنت قلتلها، وعرفتها كل حاجة حاصلة جوايا، وكل المشاعر المتلخبطة اللى أنا حاسة بيها…

كنت قلتلها على اللى أنا عايزاه، واللى أنا كش عايزاه…

أمى دى بقى… تبقى أم آسر برده… للأسف… تبقى أم العريس اللى ملهوف جدا على الجواز…

أمى اللى كل ما بتحاول تتكلم معايا، مبقدرش أرفع عينى فيها من كتر منا مكسوفة منها، وبتجنبها، وبخفى جوايا اللى مبقتش قادرة أداريه أكتر من كده…

إزاى هقدر أقولها إنى مش عايزة أتجوز إبنها اللى أنا مخطوباله من أربع سنين؟

هيكون موقفى إيه قدام آسر، وبابا، وكل الناس؟؟

أنا ليه أعمل فيهم كده؟؟

هو ده جزاء الناس اللى أووني، وربونى من وأنا صغيرة؟؟

هو ده جزاء العيلة اللى أنا عمرى ما حسيت فى وسطهم إنى يتيمة؟؟

غير كل ده…

مين اللى أنا ممكن أتجوزه غير آسر، وأبقى واثقة فيه فى ثقة عمياء…

صبرى اللى مش بيختلف عنه كتير؟

ولا ليث اللى… اللى مبقتش أى حاجة بالنسباله؟؟

ليث الكداب!!

…………..

كداب!

كلمة قاسية جدا، ووجعتنى أوى لدرجة إنى كنت هوقع التليفون من إيدى لما قالتهالى…

ليها الحق إنها تقول عليا كده… هو مش أنا فعلا سبتها من غير ما أسلم عليها زى ما وعدتها؟؟

لكن… هى ليه إتأثرت من الموضوع للدرجة دى؟

أمشى، ولا أقعد… ده يفرق معاها فى إيه؟؟

هى كانت فاكرانى إنى هقعد أدلعها، وآخد بالى منها زى زمان وهى مرات أخويا؟!

الخاينين!!

كنت فى العربية بتاعتى، ورايح فى الطريق للشقة الصغيرة اللى أنا أجرتها…

دفعت مبلغ مش قليل عشان الشقة دى…

بالرغم من فلوسى المحدودة اللى بتخلص يوم ورا التانى…

دورت كتير جدا على شغل فى المنطقة دى، وكل ما كنت بلاقى إعلان عن وظيفة، بتصل بيهم فورا، أو بروح هناك… برغم إنى معنديش أى حاجة من الخبرات اللى شارطينها للوظيفة…

كانوا سبع أيام من ساعة ما جيت المنطقة هنا…

كانت فترة قصيرة طبعا، لكن أنا حسيت بوحدة، وملل قاتل، وفكرت فى إنى عايز أرجع لمزرعة فهيم…

أنا حاسس إن أهل فهيم هما أهلى، وإن ليهم عليا حق، ولازم أعملهلهم…

عشان كده مشيت من الشقة، وروحتلهم تانى يوم…

لما وصلت كان أول حد أقابله هى بنت فهيم…

البنت كانت قاعدة بين مجموعة من الصناديق الخشب، ومشغولة جامد فى تصليح الكسور اللى فى الصناديق بالمسامير، والشكوش…

رميت السلام، لكن مسمعتنيش…

رجعت أتكلم بصوت أعلى لولا ما سمعتنى…

البنت رمت الشاكوش على جنب، ووقفت، وقالت: “أهلا بيك يا أستاذ ليث”

وطيت راسى للأرض، وقلت: “إنتوا عاملين إي”

“الحمدلله… أنت عامل إيه؟”

“أنا بخير يا آنستى… هو عم إياس موجود؟”

“خالوا راح عشان يجيب شوية حاجات… هيجى كمان شوية… إتفضل”

كانت عايزانى أروح معاها البيت، لكن أنا قلت: “أنا هستنى عم إياس هنا… لو ده مش هيزعجكوا يعنى؟”

قالت: “لأ طبعا… أهلا، وسهلا بيك… أنا هروح أعرف ماما إن أنت جيت”

راحت بسرعة على البيت…

أنا فضلت أبص على طابور الصناديق المتكسرة، واللى مستنية دورها عشان تتصلح…

دى مهمة صعبة، ومتعبة جدا، متناسبش بنت خالص…

مش كده؟؟

بعد شوية صغيرين جت الست، وبنتها وهى بترحب بيا بحرارة شديدة، كإنها عرفانى من زمن…

حسيت بالإحراج جدا، لكن باين إن ده وضع عادى بالنسبة للعيلة الغريبة، والكريمة دى…

قلت وأنا باصص على الصناديق: “خلونى أنا أقوم بالمهمة دى”

طبعا الإتنين إعترضوا، لكن أنا قلت: “لغاية ما يرجع عم إياس بس حتى”

بالرغم من إن دى كانت أول مرة فى حياتى اللى بستخدم فيها الشاكوش، والمسامير، لكن إشتغلت، وعملتهم كويس جدا…

الحقيقة… أنا حسيت إن أنا مكسوف من نفسى أوى…

أنا راجل كبير عاطل عن الشغل، وعمال يتمشى فى البلد يمين، وشمال، وفيه بنت شابة لسة فى العشرينات من عمرها، وبتعمل الشغل المتعب ده…!

حاجة تكسف فعلا!!

بعد شوية جه عم إياس، وأول ما شافنى كان عايز ياخد الشاكوش من إيدى…

قلت: “إزيك يا راجل يا طيب… متقلقش أنا متعبتش… دى حاجة سهلة، ومش متعبة خالص”

أنا حاسس إنه إتكسف، ورحب بيا جدا، وبشكل أكبر بكتير من التانيين، وغرقنى بجمل شكر كتيرة، وسيول من الدعاوى الجميلة…

خلصت شغلى فى خلال ساعة، وبعد كده الكل شكرنى جدا…

حسيت ساعتها إنى شخص مهم، وليه لازمة فى إنه ينجز مهمات، ويساعد الناس، بعد كل الشهور اللى أنا عشتها بتفاهة، وكنت عاطل عن الشغل…

العجوز قال: “ربنا يزيدك قوة، وصحة يا إبنى… أتمنى إنك تكون لقيت وظيفة مناسبة ليك؟”

قلت: “للأسف لسة… الحمدلله”

قال: “طب وبعدين؟”

قلت: “ألاقى عندكوا شغل مقابل النوم، والأكل بس؟ لغاية ما ألاقى شغل مناسب”

عدت ست أسابيع من ساعة ما بقيت فلاح، وإقتحمت عالم الأرض، والزراعة…

حاجة أنا عمرى ما اتخيلتها، ولا جت على بالى…

أنا كنت بحلم إنى أكون رجل أعمال كبير، زى صاحبى سامى…

كل يوم الصبح، كنت بحفر الأرض، وبزرع البزور فيها، وبقطف الفاكهة، والخضار، وبنضف المزرعة، وبصلح كل حاجة مكسورة، زى الصناديق، ومواسير المياه، وكل حاجة كانت بتبوظ…

آخر النهار كنت بروح السوق عشان أبيع كل اللى أنا جنيته بالنهار، وحطيته فى الصناديق…

لما أرجع من السوق كنت بكمل شغل فى أى حاجة تقابلنى لغاية ما أنام…

كان شغل شبه مستمر من شروق الشمس لغاية غروبها…

الأكل بتاعى كنت باكله مع عم إياس، أو لوحدى فى الأوضة اللى كنت بنام فيها برا البيت…

برغم إنه كان شغل صعب جدا، لكن أنا لقيت نفسى فيه، وحسيت بقيمتى اللى كانت ضايعة، واتعلقت بعيلتى الجديدة، زى ما هم إتعلقوا بيا بالظبط…

أما صحتى بقى، فاتحسنت كتير جدا مع تحسن نفسيتى…

إختفت أوجاع بطنى تماما، وكمان زدت كام كيلو من الوزن اللى أنا كنت خاسسه…

أحسن حاجة حصلت معايا… إنى تقريبا بطلت التدخين…

النهاردة جالى تليفون من بابا، بيعرفنى فيه إنه هو، وأمى هيروحوا عشان يحجوا بعد بكره، وكانوا عايزين يشوفونى…

حاجة هتخلينى أرجع البيت غصبن عنى…

حاجة صعبة عليا جدا، لكن لازم أتحمل عشانهم…

ليلة واحدة بس، وبعد كده هبعد عن البيت، واللى فيه…

ده كان تفكيرى قبل ما بابا يقول: “عشان آسر مش هيعرف ياخد أجازة غير بعد ما نرجع من الحج عشان يتجوز، فأنت لازم تكون موجود لغاية ما نيجى”

تفكيرى إتشقلب، وحسيت إن دى مهمة صعب عليا إنى أتحملها…

قلت: “مش هقدر أعمل كده يا بابا… أنا هاجى عشان أسلم عليكوا بس”

قال: “طب، ومين اللى هياخد باله من البيت، والبنتين بقى دلوقتى؟”

أنا يعنى؟؟

يعنى أنا أرجع عشان آخد بالى من الخاينة دى تانى؟

كمان أعيش معاها الأيام اللى بتستعد فيها للجواز؟؟

مش فاضل غير تلات أسابيع على المعاد المنيل ده…

أنا ممكن أروح كوكب تانى أحسن ما أرجع ليها، وأشوفها وهى عروسة، وبتودع عزوبيتها…

“مش هقدر والله يا بابا”

“فى الحالة دى بقى… مش فى إيدى حاجة غير إننا نأجل الحج للسنة الجاية”

“لأ يا بابا… إوعوا تعملوا كده… إنتوا مرتبين الموضوع من زمان، إتوكلوا على الله”

“طب والبنتين؟ أسيبهم لوحدهم فى البيت؟ مستحيل طبعا”

حاجات كتيرة تبان إن هى مستحيلة… لكن لما تتحط فى وش المدفع، بيكون واجب عليك تتصرف غصبن عنك، مفيش مهرب…

خلاصة الموضوع… إنى وافقت على اللى بابا عايزه… وراجع لجهنم بتاعتى…

وافقت إنى أرجع البيت عند أهلى تانى، عشان بابا، وماما مسافرين الحج، والبنتين هيفضلوا لوحدهم…

كنت برتب حاجتى فى العربية عشان أمشى، وجه عم إياس، ومعاه الآنسة رضوى بنت فهيم، ووقفوا يراقبونى…

عم إياس قال: “إحنا متضايقين جدا إنك هتمشى، وتسيبنا يا إبنى، حاول ترجعلنا تانى، وجودك معانا فرق كتير جدا”

ابتسمتله وأنا فرحان بكلامه، وقلت: “أكيد هرجعلكوا تانى يا عم إياس، إن شاء الله… أول ما يجوا أبويا، وأمى من السفر هرجعلكوا من جديد، هنا شغلى، وعمرى ما هلاقى الراحة اللى أنا لقيتها هنا فى أى حتة تانية فى الدنيا”

دى حقيقة أنا بقيت مستوعبها تماما…

رضوى قالت: “يا ريت عيلتك يجوا يزورونا في يوم، ممكن يحصل كده؟ ولا هيبقى صعب؟”

قلت: “هشوف لو كان ممكن إن شاء الله، أكيد هييجوا”

قالت: “إنت عندك أخوات بنات؟”

قلت: “أيوة، عندى أخت واحدة، وأخ واحد بس”

قالت: “طب هاتها معاك فى يوم، المكان هنا أكيد هيعجبها جدا”

“أيوة أنا واثق من كده”

قفلت شنطة العربية، وروحت عند باب العربية، وفتحت عشان أركب، وسلمت عليهم…

“أشوفكوا على خير إن شاء الله، بعد أسبوعين، سيبوا الشغل الصعب عليا، وأنا هعمله لما أرجع بإذن الله”

عم إياس ابتسم، وبعد كده ابتسمت رضوى، وشاورتلى بإيديها عشان تودعنى.. 

رضوى فهيم… شخصية قوية، وبنت رائعة، ومميزة، وتستحق التقدير…

………..

قاعدة قدام التيلفزيون بتفرج على فيلم فى أوضة الضيوف…

يمكن ده يساعدنى إنى أطرد الأفكار الحزينة من راسى…

سيبت الكل متجمعين فى أوضة الأنتريه، وبيتناقشوا فى تفاصيل الفرح… وأنا بتفرج على فيلم تافه، مش هستفيد منه حاجة غير إنى أشغل نفسى شوية عن التفكير فى ليث…

يا ترى هو هيوصل إمتى؟؟

لا، أنا مش مستنياه ييجى على فكرة، الموضوع مبقاش هاممنى أصلا، بالعكس خالص، ده أنا عمالة ألح على آسر عشان يفضل معانا الأسبوعين اللى ماما، وبابا هيقضوهم فى الحج…

جه آسر دلوقتى وهو شايل كوباية عصير برتقال عشان أشربها…

“عروستى… خدى اشربى ده”

خدت العصير، وشكرته، وقلتله: “أنت جايبه بنفسك ليه؟”

قال: “عروستى، وعايز أدلعها براحتى، إنتى قاعدة لوحدك هنا ليه؟ إحنا قاعدين فى أوضة الأنتريه، وبنشرب العصير، وبنهزر ،وبنتكلم، ليه مش قاعدة معانا؟”

شربت شوية عصير، ورجعت أتفرج على الفيلم وأنا بتظاهر إنى متابعاه، ومندمجة معاه جدا…

آسر قعد على الكرسى اللى جنبى، وبدأ يتابع معايا الفيلم، وحسيت إنه استرخمه جامد…

قال: “لو كنت قدرت إنى آخد أجازة أطول من كده، كنت قعدت الأسبوعين الجايين معاكى”

قلت جوايا: هو مش كفاية إنى عشت كل طفولتى معاك، وهقضى باقى حياتى معاك برده…

دول أسبوعين بس مش إكتر… هو أنت مش بتزهق منى؟؟

دلوقتى مسك إيدى، وقال: “خلاص فاضل تلات أسابيع بس… قد إيه أنا ملهوف عشان نتجوز، ونخلص!”

سحبت إيدى من بين إيديه، ومسكت كوباية العصير، وشربت منها بقين، وسيبتها فى إيدى عشان ما يرجعش يمسكها تانى…

قال: “بتفكرى فى إيه؟”

بصيتله أخيرا، بعد ما كنت باصة على التيلفزيون من ساعة ما دخل، وقلتله: “مندمجة مع الفيلم شوية”

آسر هز راسه وهو بيكدبنى، وقال: “لأ، إنتى فى مكان تانى خالص، مش هنا”

مقدرتش أكدب كلامه، وبصيت على كوباية العصير، وفضلت أهز فيها…

آسر قال: “إنتى غير ليلى خالص، هى متحمسة جدا للفرح، وإنتى لأ، هو فيه حاجة قلقاكى يا حبيبتى؟”

فضلت ساكتة… هو أنا هقدر أقول إيه؟

أيوة فعلا، فى حاجة خنقانى وخلاص قربت تموتنى…

أنا مش عايزة أتجوزك… ممكن تعفينى من المهمة الأذلية دى لو سمحت؟

آسر مسك إيديا الإتنين اللى ماسكين كوباية العصير، وقال: “متقلقيش، كل حاجة هتبقى كويسة، وهتكونى أجمل من ليلى بكتير… أنا متأكد”

فى اللحظة دى سمعنا حد بيكح عشان يدخل، وبصينا ناحية الباب، وشوفنا ليلى واقفة، وباصة علينا وهى بتتريق علينا…

أول ما بصينالها قالت بخنقة: “آسر… يا ويلى منك، مين دى اللى هتبقى أجمل منى؟ طب إنا هوريك”

آسر ضحك، وسحب إيده من على إيدى، وقال: “أنا قصدى على بنت تانية إسمها ليلى، وهتتجوز فى نفس اليوم بتاعنا”

ليلى قالت: “آه، صدقتك أنا كده يعنى؟ أنا عارفاها كويس، بالأمارة ليها أخ إسمه آسر، وهتقتله بعد دقيقتين، وليها أخ تانى إسمه ليث وصل البيت من خمس دقايق… مش كده؟”

ملامحى جمدت، وقلبى اترعش…

آسر قال بانفعال: “هو ليث جه فعلا؟”

قالت: “أيوة جه، وهو دلوقتى قاعد فى أوضة الأنتريه”

فى العادة، أنا بحس بحرارة فى كل أنحاء جسمى محرد ما بسمع إسمه بس، لكن دلوقتى مش عارفة ليه أنا حاسة بالبرد؟

البرودة جاية من عند رجلى بالظبط، لإن كوباية العصير وقعت من إيدى، وغرقت هدومى، ورجلى…

ليلى لاحظت اللى حصل، وقالت: “إيه اللى إنتى عملتيه ده؟ وقعتى العصير اللى أنا تعبت فيه جدا وأنا بعمله!”

وقفت أنا، وآسر، وفضلت أبص على البقعة اللى إتعملت على هدومى…

هو ده وقته يعنى؟؟

آسر قال: “فداكى، متزعليش”

وبعدين بص على ليلى، وقال: “أنا عند ليث… ماشى”

راح جرى عشان يسلم على أخوه…

ليلى قالت وهى باصة على هدومى بتريقة: “وإنتى، مش هتيجى عشان تسلمى عليه؟”

قلت: “هغير هدومى الأول”

مشيت ناحية الباب، ولما بقيت جنبها قلت: “ممكن تقفلى باب أوضة الأنتريه؟… أنا مش لابسة حجابى”

ليلى راحت لأوضة الأنتريه، ودخلت، وقفلت الباب وراها…

أنا طلعت جرى على أوضتى… مش عشان أغير هدومى بس، لأ ده عشان أستحمى، وأغسل هدومى، وأعصرها، وأكويها كمان…

شغلت نفسى بكل حاجة، وأى حاجة، عشان أأجل معاد اللقاء الأكيد…

مين قال إن أنا نفسى أروح عشان أشوفه؟ مين قال إن أنا بتحرق من شوقى ليه؟؟

أنا مش عايزة أشوف وشه تانى أبدا…

عدت ساعة ونص، وأنا قاعدة فى أوضتى، وبعمل كل حاجة كنت مأجلاها بقالى كذا أسبوع…

هو أنا مش عروسة، وعلى وش جواز، ولازم أجهز نفسى؟

مفيش حد هيلومنى لو أنا قعدت أحط كريمات، ومرطبات، وكل العلاجات على وشى عشان أهتم بيه…

بعد ما خلصت، وقفت قدام المراية، وكنت مصرة على إنى أجرب علبه المكياج الجديدة اللى أنا لسة مشترياها…

هو ده مش من حقى؟؟

الباب خبط، وسمعت صوت ليلى بتنادى عليا، وخليتها تدخل…

دخلت، واتفاجأت باللى أنا بعمله، وقالت: “بتعملى إيه دلوقتى بالله عليكى؟”

قلت وأنا بسرح رموش عينى بتركيز كبير: “بظبط نفسى… إنتى مش شايفة؟”

قالت: “بتظبطى نفسك؟ دلوقتى؟”

قلت: “فيها إيه يعنى؟”

قالت: “هو إنتى مش هتيجى عشان تسلمى على ليث؟ ده عمال يسأل عليكى”

قلت: “وأنا بالمنظر ده؟ مش هينفع طبعا، بلغيه سلامى”

وبعدين سرحت فى تلوين وشى، زى ما بلون أى لوحة أنا برسمها…

ليلى كانت بتكلمنى بعصبية، وبعدين سابت الأوضة، ومشيت…

بعد ما خرجت قفلت الباب، ورميت الفرشة على آخر دراعى، واترميت على سريرى…

أنا ليه بتصرف بالشكل الغبى ده؟

أنا مبقتش فاهمة نفسى، هو مش أنا كنت لسة هموت، وأشوفه؟

إيه اللى حصلى دلوقتى؟

قعدت، وبصيت حواليا، ولقيت اللوح بتاعتى مرصوصة فوق بعضها…

روحتلها، وخرجت منها صورة ليث أبو عيون حمرة، ومناخير معكوفة…

هى ليه لسة معايا لغاية دلوقتى؟ أنا لية مخلصتش منها، ورميتها من زمان؟؟

أنا ليه مش حاسة بالحرارة دلوقتى؟؟

قد إيه كان شعور جميل، ومميز… وانتهى…

حتى لو فضلت هربانة المدة دى كلها، مكنتش هقدر أفضل محبوسة فى الأوضة من غير ما حد يستغرب اللى أنا بعمله…

ماما جتلى، وفتحتلها الباب، وبصت عليا بدهشة كبيرة…

“رهف… إنتى ناوية تستقبلى، أو تزورى حد من صحباتك النهاردة؟”

“أنا، لأ خالص”

“طب ليه كل اللى إنتى عاملاه فى نفسك ده؟”

حتى إنتى يا ماما؟

هو أنا لازم أحط مكياج وأنا بس رايحة أقابل أصحابى، أو أشوفهم؟ إشمعنى ليلى بتفضل معظم الوقت فى كامل أناقتها من غير أى سبب؟

هى أحسن منى يعنى؟

قلت: “هو ده عيب، ولا ممنوع؟”

قالت: “لأ مش قصدى، بس إنتى فى العادى مش بتعملى كده غير لما يكون فيه سبب محدد”

قلت: “طب إيه رأيك فيا؟ الألوان دى موضة السنة دى”

قالت: “جميلة طبعا، لكن إنتى مش هتيجى تاكلى معانا؟”

“لأ، مش حاسة إن أنا عايزة آكل خالص”

“طب مش هتيجى تقعدى معانا شوية؟”

“مش حاسة إن عندى مزاج للقعدة، والكلام خالص والله يا ماما”

سكتت شوية قليلين، وبعدين قالت: “طب ومش هتيجى عشان تسلمى على ليث؟”

سكت أنا شوية، وقلت: “هو مكنش عايز يودعنى، يبقى انا كمان مش هبقى عايزة أستقبله… أنا مش بطيق أقعد مع الناس الكدابين فى مكان واحد”

…………

لما قربت من البيت اتصلت بالتليفون، ورد عليا بابا، وقلتله إنى خلاص داخل على البيت…

بابا خرج عشان يستقبلنى عند الباب الخارجى للبيت، وطبعا استقبلنى استقبال حار جدا…

بعد ما روحت معاه اوضة الانتريه اللى كانت قاعدة فيها ماما، وليلى اللى برده رحبوا بيا جدا هما كمان…

وبعدين راحت ليلى عشان تعرف الباقيين إن أنا وصلت…

الباقيين يعنى: آسر+ رهف… مع بعض…

ليلى قالت: “هم مستخبيين فى أوضة الضيوف، أنا هروح، وهفاجأهم”

كانت بتهزر، أو ممكن تكون بتتكلم جد… لكن فى الحالتين ده عصبنى جدا من أول لحظة دخلت فيها البيت…

قعدت مع بابا، وماما نتكلم، وشوية، وماما صبت ليا كوباية عصير برتقال طازة من اللى أنا بحبه، وقدمتهولى…

“إتفضل يا إبنى… إشرب… أنا عاملهولك مخصوص”

مخصوص؟ هم كانوا حاسبين حسابى فى وسطهم؟

أنا شايف إن فيه قدامى أربع كوبايات عصير، واللى فى إيدى ده الخامس…!

بعد شوية جه آسر وهو فاتح دراعاته…

قمت، وحضنته، ومن هنا بدأ تانى وجع معدتى!!

قال: “ما شاء الله… أنت كنت بتاكل إيه يا راجل؟ إنت عمال تتنفخ مرة ورا التانية”

الكل ضحك، وماما فضلت تقول آيات، وأدعية للحفظ من العين…

قلت: “هو أنا باين عليا إنى تخين للدرجة دى؟”

آسر قال: “تخين؟ لأ ياعم، ده انت بسم الله ما شاء الله جسمك رادد، وعضلاتك طالعة… هو أنت كنت بتشيل حديد، ولا إيه؟”

قلت: “كنت باكل خروف مشوي كل يوم”

دلوقتى جت ليلى، ودخلت الأوضة، وقفلت الباب، وقالت لبابا وهى بتهزر: “ده شكله هيفلسنا عشان نكفيه أكل… زودلنا المصروف بقى قبل ما تمشى”

بابا قال: “أنا أصلا فلست بسببك يا بنتى… هو إنتى مش مكفيكى كل اللى إنتى خدتيه؟”

قالت: “هو مين قالك تجوز تلاتة من عيالك مرة واحدة كده؟”

آسر قال: “أومال هنعمل إيه بقى، لو الكبير انضم لينا هو كمان؟”

ده يقصدنى أنا!!

ماما ابتسمت، وبصتلى، وقالت: “لأ، سيبولى أنا الكبير ده، أنا مش هديه لواحدة غيرى وأنا لسة متهنتش بيه، ولا شبعت منه”

فضلنا كلنا نضحك…

ممكن يكونوا هم بيضحكوا من قلوبهم، لكن نا بضحك عشان أجاريهم، وخلاص…

عمال ألف بعينى عليهم، وحاسس بحاجة ناقصة…

طبعا إنتوا عارفين أنا أقصد مين؟

الصغيرة المتدلعة مجتش عشان تسلم عليا، ولا حتى تتعشى معايا، والساعات بتعدى وهى لسة قاعدة فى أوضتها…

لما كررت سؤالى عنها، ماما قالت: “هى زعلانة منك”

قلت: “منى أنا؟ ليه؟؟”

قالت: “أيوة، عشان أنت تقريبا كنت واعدها إنك مش هتمشى من غير ما تقولها، وتسلم عليها، وخلفت وعدك، ومشيت فى السر”

ليلى قالت: “سيبك من البت المتدلعة دى يا ليث، دى بألف مزاج فى يوم واحد، يا ربى… هو أنا إزاى هقدر أتحمل تقلباتها دى لوحدى فى الأسبوعين دول؟”

آسر قال: “إوعى تزعلى عروستى يا ليلى، إنتى فاهمة؟ وإلا هحبسك فى المطبخ يوم فرحك”

الكل كان بيضحك، لكن أنا كان نفسى أمسك الشوكة اللى فى طبق الفاكهة اللى قدامى، وأغرزها فى قلب أخويا…

بطلوا كلام عن الفرح المشؤوم ده بقى، هو مفيش مواضيع تانى فى الدنيا تتكلموا فيها؟

قلت وأنا بحاول أغير الكلام عن موضوع الفرح المتظر: “إنتوا هترجعوا إمتى بالظبط من رحلة الحج بتاعتكوا؟”

بابا قال: “ليلة السبعتاشر من الشهر إن شاء الله”

دى فترة طويلة جدا هضطر إنى أقضيها مع رهف تحت سقف واحد…

يا ريت الأيام تعدى بسرعة…

رهف مظهرتش لغاية دلوقتى!

أنا عمال أبص كل ثانية على الباب، ومترقب ظهورها…

قد إيه أنا إشتقت ليها؟

كده من غير أى تكلف فى التعبير… هى فعلا وحشتنى جدا…

عدت كام ساعة، ولسة مظهرتش، وأنا اتخنقت، واتضايقت جدا…

لولا الحياء، والوضع اللى هم فيه، كنت روحتلها أوضتها فورا…

هى فعلا زعلانة منى للدرجة دى؟

طبعا الشخص اللى قام من وسطنا، وراحلها كان أخويا…

بعد ما راح، مرجعش تانى…

فردت جسمى على الكنبة اللى فى أوضة الأنتريه، وغرقت فى نوم عميق…

الغريب إنى نمت بسرعة أنا مكنتش متخيلها… ولما صحيت لقيت كل جسمى غرقان فى العرق…

ساعات الصبح خلصت، وصغيرتى لسة مظهرتش…

أنا قربت أتجنن…

هى ليه مجتش تسلم عليا، حتى لو من بعيد…

على سفرة الغدا سألت عليها: “هى رهف مش هتيجى تتغدى معانا؟”

ليلى ضحكت، وقالت: “هى فى المطبخ، بتحمر البطاطس، الأكل النهاردة مش على مزاجها، وهتاكل بطاطس محمرة كالعادة”

بصيت لماما، وقلت: “يا ريت مكونش أنا السبب فى…”

ماما قاطعتنى وهى بتهز راسها بلأ، وقالت: “لأ يا إبنى، هى مش بتحب السمك من وهى صغيرة زى ما أنت عارف، وهى أصلا فى الفترة الأخيرة كانت بتسيبنا، ومش بتيجى تاكل معانا كذا مرة”

ليلى قالت بنبرة حادة: “بتدلع!”

بابا قال: “سيبوها تعمل اللى هى عايزاه”

آسر قال: “أنا هروح أناديها”

لقيت نفسى وقفت فجأة، وقلت: “أنا اللى هروح أناديها”

مشيت بسرعة عشان أسبق آسر، وألحقه قبل ما يتحرك من مكانه…

لما وصلت المطبخ لقيت الباب شبه مقفول، وقلت: “ممكن أدخل؟”

سمعت صوت رهف بتقول: “أنت مين؟”

لا والله! أنا مين؟

هو إنتى كمان نسيتى صوتى؟

هكون مين يعنى يا رهف؟

أنا ليث… للدرجة دى نسيتينى، ولا عشان زعلانة منى؟

“أنا ليث يا رهف”

قلتلها كده وأنا واقف ورا باب المطبخ…

قالت: “ليث… لا”

فجأة لقيت الباب اللى كان متوارب بيترزع فى وشى مرة واحدة…

رجعت خطوة لورا، وفضلت باصص على الباب…

هى عملت كده عشان هى مش لابسة الطرحة؟

قلت: “طب أمشى؟”

قالت: “عايز إيه؟”

“كنت عايز بس… أسلم، وأسأل على الأحوال، وكده”

“بخير… شكرا… إمشى”

حسيت بالإحراج من ردها عليا، وقلت: “طيب أنا همشى… أنا آسف على فكرة”

لفيت عشان أمشى، وسمعت صوت الباب بيتفتح…

بصيت ورايا… وعينى راحت عند فتحة الباب الصغيرة… بالظبط عند عين رهف اللى بتراقبنى من ورا الباب…

لما شافتنى باصصلها، فتحت الباب…

ظهرت قدامى صغيرتى رهف بوشها الطفولى، وحجمها الصغير، وطرحتها اللى واصلة لغاية ركبتها…

أول ما شوفتها بعد المدة دى كلها، حسيت إن جسمى كله اتخدر، وأعصابى وقفت، وعضلاتى سابت، ورجلى مبقتش قادرة تشيلنى، ودقيقة واحدة، وكنت هبقى على الأرض لولا إنى مسكت نفسى…

قلت بصوت هادى، وابتسامة اترسمت على وشى غصبن عنى: “إزيك يا صغيرتى؟”

صغيرتى كانت بصالى بنظرات مليانة زعل، وغضب منى، ومن اللى أنا عملته…

حاسس إنى شايف على ملامحها كلمات تأنيت، ولوم، وشتيمة ليا كمان…

قلت: “أنا آسف”

رهف لفت وشها بعيد عنى، ودخلت المطبخ، وسابت الباب مفتوح…

راحت عند البوتجاز عشان تقلب صوابع البطاطس المحمرة.. 

اتجرأت، ودخلت خطوة واحدة جوا المطبخ…

وبعدين خطيت خطوة تانية، وتالتة، ورابعة… لغاية ما بقيت قدام طاسة البطاطس المحمرة اللى هى بتعملها…

أديها أهى دلوقتى بتطلع أول دفعة من البطاطس، وبتحطها فى الطبق من غير ما تبصلى…

قلت: “شكلها لذيذ جدا”

مرضيتش تعلق….

رجعت أقول: “هو أنا ينفع أدوقها؟ ولا مينفعش؟”

“إتفضل”

مدت إيديها ناحيتى بالطبق، وقالت كده من غير ما تبصلى برده…

لإن أنا كان إحساسى متخدر ساعتها، محستش بسخونية البطاطس فى إيدى، ولا فى بقى…

حتى محستش بطعمها، لكن قلت: “لذيذة”

قالت: “خدها، وكلها لو عايز”

قلت: “شكرا، أنا هروح أتغدى دلوقتى”

فضلت ساكتة وهى بتخرج بقية البطاطس لغاية ما خلصت…

ويعدين حطت الطبق على الترابيزة، وسحبت الكرسى عشان تقعد عليه…

قلت: “هو إنتى مش هتيجى تقعدى معانا؟”

قالت: “مش هاكل من الأكل بتاعكوا، خلينى هنا أحسن”

قلت: “طب تعالى بالطبق بتاعك، وكلى معانا”

“لأ، مفيش داعى”

قعدت على الكرسى وهى بتقول كده، وكانت مستنيانى أمشى…

بدل ما أمشى، قربت من الترابيزة أكتر، وقلت: “صغيرتى… هو إنتى زعلانة منى؟”

مجاوبتش عليا…

قلت: “طب أنا آسف… سامحينى”

رهف دلوقتى رفعت عينيها ليا، وقالت بخنقة: “أطلب السماح من اللى أنت استهنت بعظمته عشان تخدعنى… يا كداب”

زى السكينة السخنة نار، ضربت فيا، وخلصت عليا…

مكنش فيه حاجة قدامى غير إنى أنسحب من قدامها فورا وأنا مكسور، ومتضايق من نفسى…

رجعت وحيد للناس اللى كانوا مستنيينى أرجع برهف…

لما لقيت عينيهم كلهم بتبصلى بتساؤل قلت: “هى مش عايزة تيجى”

قعدت على الكرسى بتاعى، وبدأنا ناكل الأكل…

مكنش مضغ الأكل، وبلعه سهل عليا…

وجع بطنى زاد جدا…

مكنتش عارف ده بسبب الأكل اللى ببلعه من غير ما أمضغه، ولا بسبب السكينة اللى غرزت فيا…

تقريبا ماما خدت بالها من حالتى…

“كل يا ليث… إنت مش بتاكل ليه؟”

هو أنا هقدر آكل وصغيرتى واخدة منى الموقف ده؟

بعد كده، كلنا اتجمعنا فى أوضة الأنتريه، من غير رهف…

بابا طلب من ليلى تروح تنده عليها، هو عايز يقضى معانا وقت كلنا قبل ما يسافر…

ليلى راحت، ورجعت بتقول: “مش عايزة تيجى تقعد معانا، ولما قلتلها إنها بتعمل زى العيال الصغيرة، صرخت فى وشى، وفضلت تعيط… ياااه على طفولتها دى، خدوها معاكوا، وخلصونى منها عشان خاطرى يا بابا”

كلنا فضلنا نبص لبعض…

بابا قال: “ليلى، حاولى تتجنبيها، وتبطلى تنكشى فيها يا بنتى، خليها تعمل اللى هى عايزاه”

ليلى قالت: “برده يا بابا هتقلى الكلام ده تانى؟ تمام، أنا بقى مليش دعوة بالطفلة الكبيرة دى، أنا هسيب الموضوع لليث عالآخر، عشان محدش يرجع يتهمنى إن أنا بعاملها وحش”

آسر جه يقوم، لكن ماما وقفته وقامت هى عشان تروح لرهف…

بابا قعد يتكلم معايا: “خد بالك من إخواتك كويس يا إبنى، ليلى مش هتتعبك فى حاجة، هى معتمدة على نفسها، وبتعرف تصرف أمورها… لكن رهف معتمدة علينا فى كل حاجة، وطلباتها ما بتخلصش، وعنيدة جدا”

ليلى ردت على بابا: “ده عشان أنت بس مدلعها جدا يا بابا، زى الأطفال بالظبط”

“ليلى، إوعى تضايقيها، ولا تيجى جنبها، عشان خاطرى”

آسر قال ورا بابا: “أيوة بالظبط كده، إياكى!”

ليلى بصتلهم هم الإتنين، وقالت: “متخافوش على الدلوعة بتاعتكوا أوى كده!”

بصتلى، وكملت كلامها: “أنا هرمى عليك المسئولية كلها، مليش دعوة”

أنا لقيت التلاتة بيبصولى بنظرات مختلفة باختلاف المشاعر اللى جواهم…

قلت وأنا متردد: “متقلقوش، كل حاجة هتمشى كويس إن شاء الله”

كان من جوايا قلق كبير جدا من المستخبى…

…………

أنا متضايقة بشكل مش هتقدروا تتخيلوه…

أنا هتجوز بعد تلات أسابيع أنا، وآسر…

كمان ليث هيبقى معايا لمدة أسبوعين وهو أبويا، وأمى مسافرين…

كانوا تلات حاجات موترنى جدا اليوم ده…

طبعا آخر حاجة هى إنتقادات ليلى ليا، اللى بتوجهالى طول الوقت…

متحملتش كل اللى فى دماغى ده، وفضلت أعيط بشكل رهيب…

عيلتى كلها دلوقتى قاعدين سوا، وبيودعوا بعض، وأنا قاعدة لوحدى فى الأوضة، وعمالة أغرق المناديل بدموعى المالحة اللى نازلة منى زى المطر…

نفسى أبقى مع بابا، وماما قبل ما يمشوا، وأشبع منهم…

يا ريت ليث يختفى دلوقتى!

يا ريتنى أنا اللى أختفى دلوقتى!

يا ريتكوا إنتوا كمان تختفوا!

سمعت صوت ماما بتنادينى من ورا باب أوضتى المقفول…

“نعم يا ماما”

ماما فتحت الباب، ودخلت قبل ما ألحق أمسح دموعى…

حتى لو كنت مسحتها، كانت هتشوف آثارها محفورة على وشى…

ماما بصتلى بنظرات كلها حيرة، وقلق، وقالت: “وبعدين؟ إيه آخرة حكايتك دى يا رهف؟ مالك يا بنتى؟ عرفينى؟”

“مفيش حاجة يا ماما”

“طب انتى ليه حابسة نفسك فى أوضتك، وقاعدة تعومى فى بحر الدموع بتاعتك بالمنظر ده؟ قوليلى!”

قلت وأنا بصرخ، ومنفعلة: “مفيش حاجة يا ماما… مفيش… مفيش”

دخلت فى موجة العياط بكل استسلام…

مقدرتش أقاوم، أو أدارى أى دمعة كانت عايزة تنزل…

عيطت بحرقة محصلتش قبل كده…

عمرى ما حسيت بالحاجات اللى بتنغز فى صدرى دى خالص…

لكن أنا حاسة دلوقتى إن فيه صرخة كبيرة نفسها تخرج غصبن عنى…

أنا فى قمة إنهيارى، وعايزة أى حد يواسينى…

مين يقدر يساندنى… مين يقدر يساعدنى… مين ينقذنى من العذاب اللى أنا داخلة عليه…

مين؟

مين؟؟

ماما جت ناحيتى، ومسحت دموعى بإيديها، وحسست على شعرى، ومسكت كتفى بلطف شديد جدا…

قالت: “عرفينى يا بنتى فيكى إيه؟ أنا قلقانة عليكى، ومش عايزة أسافر قبل ما تطمنينى… مالك؟ إنتى متضايقة من إيه؟”

ببص على ماما، وبلاقى فى عينيها عالم كبير، وواسع، ويحير جدا…

بشوف فيها جبال قلق، وخوف، وتوتر عليا…

يا ريتك يا ماما تدخلى جوايا، وتشوفى، وتعرفى بنفسك اللى أنا فيه…

شايفة يا ماما…؟

أنا مش عايزاكى تمشى، وتسبينى!

ده ممكن يقلقك؟؟

أنا مش عايزة أتجوز آسر إبنك!

ده ممكن يصدمك؟؟

أنا عايزة أرجع ليث ليا تانى!

ده ممكن يجننك؟؟

أنا عايزة ماما ترجع للحياة عشانى!

ده ممكن يموتك؟؟

أنا بموت ببطئ يا أمى!

ده ممكن يرضيكى؟؟

بموت، وأنا لسة ما عشتش… ولا حتى اتولدت…

شايفة كل ده يا ماما؟؟

“مفيش حاجة يا ماما، مفيش حاجة صدقينى”

ماما عينيها رغرغت بالدموع على حالتى اللى قدامها…

أنا عمرى ما قدرت أتحمل أبدا الدموع وهى فى عيون أمى…

مسحت دموعى بسرعة، وقلتلها: “ماما، مفيش حاجة صدقينى، أنا بس متأثرة بسبب السفر بتاعك إنتى، وبابا… دى أول مرة فى حياتى تبعدوا عنى فيها… مقدرش أتخيل حياتى من غيركوا هتبقى عاملة إزاى؟”

ماما خدتنى فى حضنها، وقالت: “إن شاء الله هتعيشى حياتك بسعادة وهنا… إبنى هياخد باله منك زى ما إحنا بنعمل بالظبط… قسمة ربنا كده يا بنتى”

رفعت راسى، وبصتلها وأنا حيرانة، ومش فاهمة هى تقصد إيه؟

كلامها يبان إنه غامض جدا، ومش مفهوم…

قالت: “ودلوقتى يا حبيبتى، مش هتبجى عشان تقعدى معانا، ومع باباكى؟ هى فترة قصيرة، وهنمشى، مش هتقعدى معانا عشان نشبع منك؟”

رديت بسرعة: “حاضر”

وبعدين خدت بالى…

“هو ليث قاعد معاكوا؟”

قالت: “أيوة أكيد”

طبعا يعنى معاهم! هو هيكون فين؟

خدت طرحتى، ومشيت ناحية المراية عشان ألبسها…

إتخضيت من منظر عيونى الحمرة، وجفونى الوارمة…

سبت الطرحة على جنب، وجريت عشان أغسل وشى…

لما خرجت من الحمام، لقيت ماما مستنيانى…

قالت: “يلا يا حبيبتى”

لبست طرحتى بسرعة، ومشيت معاها…

قالت: “كل حاجة هتبقى كويسة إن شاء الله، ولو احتجتى أى حاجة، إوعى تترددى إنك تطلبيها من ليلى، أو ليث، أو آسر، هنبقى على اتصال على طول بإذن الله”

بعد كده روحنا على أوضة الأنتريه…

كانوا كلهم مندمجين مع بعض فى الكلام…

أول ما شافونا، لقيت آسر بيقول: “تعالى يا رهف، كنا قاعدين بنوصى العروسة هانم، وأخونا الكبير عليكى”

بابا قالى وهو مبسوط جدا: “أهلا بحبيبتى المتدلعة، تعالى أقعدى هنا جنب أبوكى عشان ألحق أشبع منك شوية”

مشيت زى الآلة ناحية الكرسى اللى بابا قاعد عليه، وقعدت جنبه…

بابا فتح دراعه، وحاوطنى بيه…

“مالك يا طفتى؟ على الأكل مش معانا، وفى قعدتنا مع بعض مش بتشاركينا؟ إيه اللى حصلك؟ مش هيوحشك الراجل الشايب اللى قدامك ده؟”

آسر ضحك، وليلى بصت على السقف وهى عاوجة بقها، وماما ابتسمت… لكن الكائن الأخرانى مرضتش أبصله عشان أعرف هو عمل إيه؟

قلت: “بالعكس، ده أنت هتوحشنى جدا، خدونى معاكوا”

آسر قال وهو بيهزر: “وأنا كمان”

ليلى قالت: “طب وأنا؟”

قلت: “هنسيبك مع الرخم، والمغرور بتاعك”

ضحك اللى ضحك، أما بقى صوت ليث اللى طلع، وكان خفيف جدا، وبرغم من كده، طبلة ودنى قدرت إنها تسمعه…

اتكلم كلمتين بس، وقال: “تقصدينى أنا؟؟”

سؤاله أجبرنى إنى أبصله…

كان بيبصلى وهو مستغرب جدا…

مردتش عليه، وبصيت على بابا…

ليلى خدت مهمة التوضيح بدل منى: “لأ يا ليث، هى تقصد خطيبى نور، هى على طول مش بتطيقه، وشايفاه رخم، ومغرور”

دلوقتى بقى أنا بصيت لليلى، وقلت: “على الأقل هو أحسن من الناس الكدابين”

حبة سكوت ملوا المكان حبة وقت… وحبة ندم ندمتهم على اللى أنا قلته حبة وقت…

بابا قال: “مين بقى الكدابين دول يا ترى؟”

قلت: “شوية ناس أعرفهم يا بابا، بس بقللك إيه؟ ميتتطاقوش”

دلوقتى ليث اتكلم، وقال: “الرخمين، والمغرورين، والكدابين، والخاينين برده… كل الناس دى فعلا متتطاقش”

بصيت على ليث، وقلت: “تقصد مين؟”

قال: “شوية ناس أعرفهم يا بنت عمى… ميتطاقوش”

كل ده يبان إنه رخامة، مش كده؟؟

آسر قال: “سيبونا من كل ده، ونرجع لموضوعنا… عندنا عروستين، وطبعا هيبقى عندنا زفتين… بابا، وليث… مين فيكوا هيسوق فى زفة مين؟ خلونا نتفق دلوقتى”

قلت بسرعة: “أنا عايزة بابا”

آسر بص على ليلى، وقال: “يبقى إنتى كده مع ليث بقى”

ليلى بصت على ليث، وقالت: “يبقى أنت لازم تأجر عربية فخمة عشانى اليوم ده، أفخم من عربية آسر”

ماما ضحكت، وقالت: “يا سلام على تفكيركوا الغريب يا بنات اليومين دول!”

ليلى قالت: “أنا أكيد مش هتزف بعربية قديمة زى دى”

بصت لليث، وكملت كلامها: “ليه يا ليث مش بتغير عربيتك، ده عفى عليها الزمن بقالها كتير أوى”

ليث قال: “هعمل كده إن شاء الله، بس لما الأحوال تتحسن شوية”

أكيد يقصد بكلمة الأحوال، الأحوال المادية! صح؟

لكن يا ترى ابن عمى فعلا معاه فلوس قليلة؟

هو مش راح عشان يدرس برا البلد؟ يبقى المفروض يكون بيشتغل فى وظيفة كبيرة، ومرتبها محترم!

زى آسر!!

مكنتش فاهمة هو كان يقصد إيه بتحسن الأحوال دى؟

ليث قال: “هو انتى دراستك شغالة الفترة دى؟”

طبعا كان بيكلمنى أنا، لكن أنا عملت نفسى مش سامعاه…

بابا قال: “أيوة عندها دراسة فى الجامعة لمدة خمس أيام اللى قبل العيد… هتاخدها، وتجيبها من الجامعة الأيام دى طبعا”

ليث قال: “تمام، هو فى أى تغيير فى المواعيد؟ ولا لسة زى ما هى؟”

كلهم باصينلى، ومستنيين إجابتى…

قلت بزهق: “لأ متغيرتش، لكن أنا بفكر مروحش أصلا الكام يوم دول”

ليث قال: “ليه؟”

قلت وأنا متضايقة: “دى حاجة متخصكش”

شوية سكوت ملوا المكان تانى…

بابا قال بعد كده: “ليه يا رهف مش عايزة تروحى؟”

قلت: “مش عايزة أسيب ليلى لوحدها معظم الوقت بتاع النهار”

ليلى بصتلى بنظرات كلها شك، وقالت: “ملكيش دعوة بيا إنتى بس، أنا هقضى الوقت فى عمايل الأكل، وترويق البيت”

وبعدين كملت كلامها بابتسامة خبيثة: “وهخرج مع نور”

ماما قالت: “على سيرة الأكل، الكيكة بتاعتك عاملة إيه يا ليلى؟”

ليلى قامت وقفت، وقالت: “آه صح، هجيبهالكوا حالا”

راحت المطبخ، وأنا قمت، وروحت وراها…

……………

رجعت ليلى، ورهف بعد شوية صغيرين وهم شايلين كوبايات العصير، والكيكة، ووزعوها علينا كلنا…

اللى وجعنى جدا إنها… أقصد صغيرتى رهف، كانت بتعاملنى بتجاهل فظيع…

حتى لما جه دورى عشا تدينى كوباية العصير بتاعتى، ما ادتنيش الفرصة إنى آخدها…

هى اللى مسكت الكوباية، وحطتها على الترابيزة قدامى، وكانت عمالة تدلق اللى فى الكوباية على الترابيزة من كتر ما إيديها بتتهز…

الكيكة كانت لذيذة جدا…

قلت: “جميلة أوى، تسلم إيدك يا ليلى، إنتى بقيتى ست بيت شاطرة”

ليلى قالت بغرور: “شكرا يا أخويا يا حبيبى، هتشوف، ده أنا هأكلك كل يوم من إيدى أحلى أكل، وهعملك حلويات كتيرة، أنا شاطرة جدا فى عمايلها كلها”

قلت: “رائع، أنا بعشق الحلويات”

بصيت على رهف، وقلت: “وإنتى؟”

رهف رفعت عينيها عن طبق الكيك اللى فى إيديها، وبصتلى وهى مش طايقانى، وقالت: “أنا مش بطيق الحلويات”

متأكدة إنك تقصدى على الحلويات يا رهف؟

“أنا مش بطيق الحلويات”

ده الرد اللى ردته رهف عليا لما وجهتلها سؤالى…

قلت: “بس أنا مش قصدى كده، أنا قصدى هتدوقينا إيه من إيدك لما ماما تسافر؟”

مش باين على رهف إنها عايزة تتكلم معايا خالص…

قالتلى بزهق: “ولا حاجة!”

ليلى قالت: “دى كسولة جدا على فكرة، مش بتحب الطبخ، ولا بتطيق الواقفة فى المطبخ… أنا مش عارفة إزاى هتعرف تشيل مسؤولية بيتها الجديد، رينا يكون فى عونك يا آسر”

آسر ضحك، وقال: “هرجع عند ماما عشان آكل لما الجوع يقرصنى، هعمل إيه يعنى”

فضلوا كلهم يضحكوا ما عدا أنا، وهى…

ليلى قالت وهى بتضحك: “أو ممكن تصبر نفسك بالبطاطس المحمرة المقرمشة اللى رهف بتعملها”

كلهم كملوا ضحك، وإحنا زى ما إحنا…

بعد كام ثانية، رهف وقفت وهى متضايقة، وقالت: “هو إنتوا بتتريقوا عليا؟”

كلهم بطلوا ضحك، وبصوا عليها كويس، وهى كانت منفعلة جدا…

آسر قال: “لأ يا حبيبتى… إحنا بنهزر بس والله”

قالت: “لأ، إنتوا بتتريقوا عليا”

وش رهف زنهر، وكان بيستعد للدموع اللى هتبتدى تنهار…

أنا وقفت، وقلت: “معلش يا صغيرتى… متزعليش”

رهف بصتلى بغضب، وقالتلى: “أسكت أنت، ملكش دعوة… أنت آخر حد ممكن يتكلم هنا”

اتصدمت من ردها الجارح ليا، ووقفت وأنا ساكت، ومتضايق جدا…

الجو بقى مليان توتر، وشد، وجذب جامد… حتى نظراتنا لبعض بقت بتتقابل وهى مشحونة، وبتعمل فرقعة…

دلوقتى بقى إيه اللى حصل؟؟

رهف خرجت من الأوضة بسرعة وهى متضايقة جدا، ومتعصبة…

فضلنا بعد كده كلنا ساكتين، وبنسمع صوت الفرقعة اللى طالعة من نظراتنا الحيرانة لبعض…

آسر وقف بسرعة عشان يروح وراها…

لكن ماما طلبت منه يفضل مكانه، ويسيبها فى حالها…

“سيبوها خالص، هى النهاردة مزاجها متعكر على الآخر”

ماما قالت كده، وليلى ردت عليها: “النهاردة بس؟؟ دى كل يوم على الحال ده، أنا مش عارفة إيه اللى حصلها فى الفترة الأخيرة؟ كل تصرفاتها بقت غريبة”

أنا كنت لسة واقف، وباصص ناحية الباب…

ماما قالت: “أقعد يا إبنى”

قعدت على طرف الكرسى، وأنا شادد نفسى، ومستعد إنى أقوم تانى…

بابا اتنهد جامد، وقال: “حالتها دى مش عجبانى، وقلقانى جدا”

ماما ردت عليه: “وأنا كمان والله، قلبى مش مطاوعنى أسافر، وأسيبها كده”

ليلى قالت: “خدوها معاكوا، أنا مش بتحمل تصرفاتها دى”

بابا بصلى، وقال: “خد بالك وأنت بتتعامل معاها، خليك حكيم جدا فى تصرفاتك”

ليلى قالتلى: “على فكرة، هى لسة متضايقة، وزعلانة منك جدا، ربنا يعينك عليها، وعلى دماغها يا ليث”

بعد شوية جه وقت مشي بابا، وماما، وآسر اللى هيوصلهم المطار، وبعدين يروح على شقته اللى فى المحافظة التانية…

خدت الشنط، وبدأت أنقلهم لعربية أخويا…

لما حطيت آخر شنطة فى العربية، ودخلت البيت، لقيت ماما واقفة عند الباب الداخلى…

قالت: “ربنا يديك العافية يا إبنى… تسلم إيدك”

قلت: “الله يسلمك يا أمى، تروحوا وتيجوا بألف سلامة إن شاء الله”

جيت أدخل البيت، لقيت ماما مسكتنى من دراعى، وبصتلى…

“ليث”

بصيتلها وأنا مستغرب، وقلت: “نعم يا أمى؟”

ماما اتكلمت بصوت واطى، وبطريقة جد جدا، وتعبيراتها كانت كلها قلق…

قالت: “خد بالك من رهف كويس جدا يا إبنى”

اتعجبت! وقلت: “أكيد يا أمى، متقلقيش”

ماما القلق زاد أكتر على وشها، وقالت: “كنا هنأجل الحجز للسنة الجاية، لكن ربنا كتبهولنا السنة دى… الظروف اضطريتنا لكده يا إبنى، الحمدلله”

ده زود حيرتى، واستغرابى بشكل كبير…

قالت: “لو الأمور كانت مشيت عكس كده، كان الموضوع يبقى مختلف جدا دلوقتى، لكن ده قضاء ربنا، وقدره يا إبنى… أنا هدعى ربنا فى بيته الحرام إنه يعوضك خير عن اللى فاتك يا حبيبى”

قلت: “الله… اللهم آمين يا أمى… لكن… إنتى بتلمحى لحاجة معينة؟”

قالت: “رهف متغيرتش خالص من ساعة ما سيبتها من سنين، زيك أنت كمان متغيرتش… لكن الظروف هى اللى اتغيرت، وبقى لكل واحد فيكوا طريقه”

وشى بدأ يفور من كتر الإنفعال بسبب كلام ماما، والحقيقة اللى بتصارحنى بيها دلوقتى…

مقدرتش نهائي أخبى المشاعر اللى  أنا حسيت بيها قدام ماما… كانت كل حاجة باينة على ملامحى…

قالت: “خد بالك منها زى ما الأخ بياخد باله من أخته… زى ما هتراعى ليلى بالظبط راعيها…. وإدعى ربنا معايا إنه يسعدهم هم التلاتة، وأنت معاهم يا حبيبى”

فى اللحظة دى اتفتح الباب، وطلع كل أفراد العيلة، وبما فيهم رهف…

خرجوا من الباب واحد ورا التانى، ووقفنا كلنا قدام العربية، وودعنا بعض بشكل محزن جدا…

بالنسبالى أنا، خدت على فراق الناس اللى أنا بحبهم، ودموعى اتجمدت فى عينى تماما…

لكن الباقى كانت دموعهم مغرقاهم…

كلام ماما… وكلام بابا كمان… وتوصياتهم الكتيرة ليا على البتين… وخصوصا رهف…

ده خلانى أحس بالخوف، والقلق جدا…

هو أنا فعلا ينفع أبقى متحمل مسؤولية البيت ده لوحدى وهم أبويا، وأمى مش موجودين؟

هى فعلا المسؤولية دى صعبة جدا للدرجة دى عشان يوصونى كل التوصيات دى؟

التلاتة مشيوا بالعربية، وإحنا التلاتة دخلنا البيت…

قضيت وقت كبير جدا وأنا بتفرج على دموع البنتين اللى قدامى…

كنا قعدين فى أوضة الأنتريه، والحزن مالى المكان، فحسيت إن أنا اتخنقت جدا…

شغلت التيلفزيون، ولقيت مشاهد مرعبة لقصف، وهدم البيوت لمدينة من المدن بدأت فيها الحرب من جديد النهاردة…

ده زود حزنى، ومضايقتى أكتر…

قد إيه أنا كنت مرتاح، ومتهنى فى مزرعة فهيم الله يرحمه!

يا ريتنى أرجع تانى هناك دلوقتى!!

قلت وأنا بحاول أغير المود، وأطرد الكآبة، والحزن من المكان: “إيه رأيكوا نطلع نغير جو بالغربية شوية؟”

ليلى فهمت أنا عايز أعمل إيه، واتقبلت الموضوع، وقالت: “تمام يا ليث، يلا بينا”

بصيت على رهف، وكنت مستنيها تجاوب عليا…

لكن هى فضلت ساكتة خالص…

قلت: “إيه رأيك؟”

ردت بعصبية، وأسلوب وحش جدا: “مش عايزة أروح أى حتة”

ليلى قالت: “طيب يبقى نمشى إحنا، وخليكى إنتى هنا”

رهف بصت على ليلى بسرعة، وبنظرة كلها خوف، وقالت: “هتسيبونى لوحدى؟”

ليلى ردت عليها: “طب وإحنا نعملك إيه؟ أنا محتاجة أخرج، وأشم شوية هوا، يا إما تيجى معانا، يا إما تفضلى لوحدك مخنوقة هنا”

رهف وقفت، وقالت وهى منفعلة: “أنا كان لازم أروح معاهم… قد إيه أنا غبية! يا ريت أعرف أروحلهم ، وألحقهم دلوقتى”

أنا وقفت، وحاولت أهدى الدنيا، وقلت: “مفيش مشكلة خالص… إحنا نأجل الخروجة لوقت تانى… متزعليش كده يا صغيرتى”

رهف بصتلى، وقالتلى وهى متعصبة، وبتصرخ: “ملكش دعوة أنت بيا… أنت فاهم؟ إوعى تفتكر إنك بقيت خلاص مسؤول عنى… متتعبش نفسك، وتفضل تمثل إنك مهتم بيا، وبتراعينى زى زمان… ده مبقاش يناسبك دلوقتى… يا كداب”

إستعنا على الشقى بالله!!

شكلهم أسبوعين عسل!!

راحت صغيرتى الغضبانة لأوضتها، وفضلت لوحدى مع ليلى اللى كانت متضايقة جدا من تصرفات رهف…

اقترحت عليها بعد كده إننا نخرج، ونقعد فى الجنينة، وهى رحبت بالفكرة جدا…

خرجنا مع بعض، وقعدنا على ترابيزة تحت الشجرة…

بدأنا نتكلم أنا، وهى فى مواضيع كتيرة جدا…

قلتلها عن المزرعة بتاعة صاحبى، وعرفتها إن أنا كنت فيها قبل ما آجى هنا…

حكيتلها عن حاجات كتير من اللى بتعاكسنى، وبتضايقنى فى حياتى… لكن مجبتش سيرة السجن نهائي… ولا أى حاجة بتتعلق بيه من قريب، ولا من بعيد…

أختى بقت متحمسة جدا إنها تعرف كل حاجة عنى…

كإنها اكتشفت فجأة إن عندها أخ يستحق الفخر، والتقدير، والإهتمام…

أنا حاسس إنها كانت بتبصلى وهى فخورة بيا فعلا، ودى حاجة ريحتنى أوى…

بعد شوية رهف جت…

كانت عينيها حمرا زى الدم…

قالت: “ليلى… فى مكالمة عشانك”

ليلى قالتلها: “مين؟؟”

رهف قالت: “هيكون مين يعنى؟ البيه خطيبك”

ليلى قامت وهى مبسوطة، واستأذنت، ومشيت…

رهف مشيت وراها بعد كام ثانية، وفضلت أنا قاعد لوحدى، لغاية ما سمعت الآذان بيأذن…

دخلت البيت عشان أستعد للصلاة فى المسجد اللى جنب البيت…

ليلى كانت فى أوضتها، لكن رهف تقريبا كانت فى أوضة الأنتريه…

خرجت على الجنينة، وكنت رايح للبوابة الرئيسية عشان أروح أصلى…

سمعت صوت باب بيتفتح، وإسمى بيتنده…

“ليث”

لفيت ولقيت رهف واقفة فى البلكونة اللى بتبص على الجنينة، وبتقول: “أنت رايح فين؟”

قلت: “رايح المسجد”

قالت: “أنت هتسيبنا لوحدنا؟”

احترت، ومكنتش عارف أعمل إيه؟

قلت: “هو هيحصل مشكلة لو روحت صليت، ورجعت على طول؟ تعالى، وأقفلى الباب ورايا كويس”

جت بعدها على طول، ومعاها المفتاح بتاع الباب…

قالت: “ما تتأخرش، ماشى!”

قلت: “حاضر”

لما رجعت من الصلاة، هى اللى فتحتلى الباب…

إديتنى مفتاحين، وقالت: “ده للبوابة الداخلية، وده للبوابة الخارجية… خليهم معاك”

“شكرا يا رهف”

بعد كده لفت وشها على طول عشان تدخل البيت، فندهت عليها: “رهف”

لفتلى، وقالت وهى مخنوقة: “نعم؟”

قلت: “هو أنتى لسة زعلانة منى؟؟ قليلى إيه اللى يراضيكى، وأنا هعمله”

“لأ، الموضوع مبقاش فارق معايا خلاص… متشغلش بالك”

قالت كده، وجت تمشى، قمت قايلها: “بس هو فارق معايا أنا جدا”

رهف وقفت، وقالت: “ده حقيقى؟؟”

“أيوة أكيد”

“طيب، ده موضوعك أنت بقى… أنا مليش دعوة بيه”

مشيت على طول، وأنا كنت متضايق جدا، ومش عارف أعملها إيه عشان ترضى عنى…؟

الواضح إنى هعيش وقت صعب جدا هنا، ربنا يكون فى عونى على اللى هشوفه…

بعد كام ساعة، ليلى جهزت سفرة العشا، ورهف مجتش عشان تاكل معانا…

الحمدلله، أول ليلة فى تحملى المسؤولية الجديدة عدت عليا بالشكل ده… ربنا يستر فى اللى جاى…

تانى يوم الصبح، كنت قاعد مع ليلى فى المطبخ، وغالبا رهف كانت لسة نايمة…

قلت: “قوليلى يا ليلى، عايزانى أساعدك فى إيه؟ عرفينى عشان أنا مليش فى شغل البيت، إنتى عارفة”

ليلى ضحكت، وقالت: “متشغلش بالك يا حبيبى، أنا هعرف أتصرف لوحدى”

“أنا عايز أساعدك فعلا، أنا فاضى، وقاعد مش بعمل حاجة، قوليلي بس أعمل إيه؟”

فضلت أسادعها فعلا فى شغل البيت…

الموضوع طلع مش متعب خالص، وكمان مش للستات بس، الرجالة يقدروا يعملوه بكل بساطة…

كنت عمال أرص الأطباق فى الرفوف بتاعتها، لما رهف دخلت المطبخ…

ليلى كانت ساعتها بتدور على حاجات فى التلاجة…

رهف قالت: “صباح الخير”

باصينالها إحنا الإتنين، وصبحنا عليها…

الحمد لله، شكلها صاحية هادية النهاردة…

ليلى قالت: “إحنا سبقناكى، وفطرنا”

ردت رهف: “مش مهم، عادى”

ليلى قالت وهى عمالة تدور بعينيها جوا التلاجة: “أنا محتارة أعمل إيه على الغدا النهاردة؟ إنتوا عايزين تاكلوا إيه؟”

بصت عليا فقلت: “أى حاجة، اللى إنتوا عايزينه أنا هاكله عادى”

وبعدين بصت على رهف، وسألتها: “تقترحى ناكل إيه؟”

رهف قالت: “ولا حاجة”

“ولا حاجة؟ إزاى يعنى؟”

“بقولك متعمليش حسابى فى الأكل، أنا مش نفسى آكل أى حاجة، ولو جعت هبقى أعمل لنفسى حاجة آكلها”

ليلى قالت بعد ما إتنهدت: “إنتى لسة زى ما إنتى، أوف منك بجد”

رهف انسحبت، ومشيت فورا من المطبخ…

أنا حطيت الأطباق فى أماكنها، وقلت لليلى: “ليلى، متبقيش رخمة كده معاها”

“أنا برده يا ليث اللى رخمة، أنت مش شايفها بترد عليا بالعافية إزاى؟”

“تمام، بس بالله عليكى متعامليهاش بقسوة، لغاية ما بابا، وماما ييجوا حتى”

“ماشى يا ليث، متقلقش، أنا مش هتعمد أضايقها… إتصرف أنت معاها”

عدت كذا ساعة، ورهف محبوسة فى أوضتها زى ما هى…

الموضوع ضايقنى جدا…

قبل ما أروح أصلي الضهر فى المسجد، طلبت من ليلى تروح تبص عليها، وتطمنى …

لما ليلى رجعت سألتها عنها، وقالت: “مفتحتليش الباب… عنيدة جدا”

الموضوع زود قلقى، وخوفى عليها…

لما رجعت من الصلاة، سألتها عنها تانى، وقالتلى نفس الإجابة…

“طيب أنا… أنا هحاول أتكلم معاها… ينفع أعمل كده؟”

“حاول يا ليث… ربنا يكون معاك، ويوفقك”

روحت بعد ما اترددت كتير جدا إنى أعمل كده…

خبطت على الباب بالراحة، وقلت: “أنا ليث يا رهف… ممكن تفتحى؟”

مردتش عليا، فحسيت بالقلق، والخوف أكتر…

رجعت أخبط على الباب بشكل أقوى، وأسرع…

“رهف… صغيرتى… إنتى كويسة؟؟”

لما ما جاوبتش عليا إتجننت خالص…

يا ترى هى حصلها حاجة وحشة وإحنا مش عارفين…؟

دلوقتى بقيت بخبط بعنف، وعصبية شديدة جدا…

“رهف… افتحى الباب… عشان خاطرى”

كنت خلاص هفقد السيطرة على نفسى، لولا إن الباب اتفتح فى آخر لحظة…

رهف ظهرت، واتخضيت من المنظر اللى هى فيه…

إزاى أنا هقدر أتحمل إنى أشوفها كده؟؟

صغيرتى، وحبيبتى أنا… دلوعتى… الغالية على قلبى… دموعها تنزل، وتاخدها المناديل، ويبقى آخرها فى صندوق الزبالة…

“عايز إيه؟”

قالت بصوت حزين جدا، وشبه معدوم…

حالتها كانت خنقانى، ولافة حوالين رقبتى، لغاية ما كنت هموت…

قلت: “مالك يا صغيرتى؟؟”

قالت وهى ملامحها مليانة حزن، وكآبة: “عايز إيه؟ قلى؟”

قلت: “صغيرتى، أنا عايزك تبطلى عياط، وحزن عشان خاطرى… أنا قلقان عليكى”

قالت: “قلقان عليا؟”

“أيوة طبعا يا رهف”

“ليه؟ هو أنا أهمك فى أى حاجة أصلا؟”

“هو ده سؤال؟ أيوة طبعا تهمينى، أومال أنا هنا ليه؟”

“عشان بابا طلب منك كده، ولقيت نفسك عايز تيجى، وخلاص عشان تسمع كلامه… أنت مش جاى عشان حد… خصوصا عشان بنت ساذجة زيي، وبيتضحك عليها من الناس الكدابين اللى بيشترولها آيس كريم، ويلهوها بيه قبل ما يمشوا، ويسيبوها”

اتصدمت من الكلام اللى هى قالتهولى…

الدموع فضلت تنط من عينيها، وعمالة تعيط، وتشهق وهى بتقول: “بتضحك عليا؟؟ أنت فاكر إن أنا الطفلة الصغيرة الوحيدة، واليتيمة اللى سيبتها من سنين وهى فى أمس الحاجة ليك؟”

“رهف”

“اسكت… مش عايزة أسمع صوتك”

سكت، وأنا جوايا صريخ لو صرخته ههد البيت كله…

“متبينش إنك قلقان عليا يا كداب… أنا مش عايزاك تاخد بالك منى… أنا عندى خطيب بيخاف عليا، وبياخد باله منى… أحسن منك… هو مش ده كان كلامك يا إبن عمى الكداب؟”

فى اللحظة دى رفعت إيدى، وخبطت على الباب بقوة شديدة من كتر الغضب، والعصبية، والنار اللى جوايا…

رهف وقفت كلام، وعياط كمان، وبصتلى بنظرات كلها خوف…

لتكملة القصة اضغط الزر بالاسفل



هل كان المحتوى مفيداً؟

نعم
لا
شكرا لك

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى