قصص رومانسية

رواية صغيرتي (الجزء التاسع)

الساعة دلوقتي واحدة إلا ربع بليل…

أنا تعبانة، وحاسة بخنقة شديدة على ليث.. وعلى حالتي التعيسة…

هو في حد حالته شبه حالتي البائسة دي؟؟

أنا جوا شقة صغيرة جدا، لشاب أعزب.. قاعدة سهرانة على الكنبة اللي في الصالة لغاية نص اللليل.. وولاد عمي الإتنين موجودين في أوضة النوم.. واحد منهم على الأقل نايم في سابع نومة…

إنتوا مش شايفين كلكوا إن أنا مليش مكان هنا، وإن وجودي هنا في حد ذاته حاجة غريبة؟؟

إيه اللي كان هيضر ليث لو سابني قاعدة معززة مكرمة، محبوبة، ومرغوب في وجودي في بيت خالتي؟؟

رفعت إيدي للسما، واشتكيت حالي لربنا، وقلتله همي.. ودعيت، واترجيت كتير عشان يشفي ليث، ويلاقيلى مخرج من اللي أنا فيه ده في أقرب وقت…

كنت لسة لابسة عبايتي، وحجابي من الصبح.. وكنت حاسة بالبرد الشديد بالرغم من هدومي التقيلة…

أنا كمان كنت تعبانة، وهموت من النعس، ومحتاجة إني أنام، وأرتاح…

لكن أنام إزاي، وفين.. هو أنا ينفع أنام أصلا؟؟

هو آسر مش راضي يظهر ليه لغاية دلوقتي؟؟

هو نام، وسابني كده؟؟ ولا هو نسي إن أنا موجودة؟؟

مكنتش عارفة أتصرف إزاي، وماكنش عندي الجرأة طبعا إني أروح أوضة النوم تاني…

روحت بعد كده الحمام الوحيد اللي في الشقة دي.. قد إيه أنا كنت محرجة من الوضع ده..؟

خصوصا لما بصيت على نفسي في المراية، ولقيت أدوات الحلاقة وهي متبعترة على الرف…

يا الله!!

أنا إيه اللي أنا بعمله هنا!؟

لما خرجت، لقيت مخدة، وبطانية محطوطين على الكنبة…

يبقى كده آسر لسة صاحي.. الحمد لله إنه أخيرا فهم اللي أنا محتاجاه…

الكنبة كانت صغيرة جدا، ومش مكفية إني أفرد رجلي عليها.. لكن على الأقل أنا ممكن أريح جسمي عليها شوية.. أنا تعبانة، ومحتاجة إني أنام بأي شكل…

قلعت العباية، والطرحة بتاعتي بكل بساطة، وفردت جسمي على الكنبة، واتغطيت بالبطانية، ونمت فورا من كتر التعب…

لما صحيت كانت الساعة عشرة، وشوية…

قمت من على الكنبة بسرعة وأنا حاسة بوجع في عضمى من كتر منا متكرمشة طول الليل…

كنت فاكرة إني هصحى في وقت بدري شوية عشان أتصل بخالتي…

اتلفت يمين، وشمال.. وطرطقت وداني، وسمعت صوت حد بيتكلم…

أكيد ولاد عمي صحيوا من النوم…

لبست عبايتي، وطرحتي بسرعة، ودعكت عيني عشان أفوق نفسي…

وبعدين مشيت ناحية الأوضة اللي بابها مفتوح وأنا بقول: “ليث.. آسر.. إنتوا صحيتوا؟؟”

سمعت صوت آسر بيقول: “آه يا رهف.. تعالي”

دخلت الأوضة وأنا برمي عليهم السلام، وبعد كده بصيت على ليث فورا، وقلت: “ليث.. أنت كويس؟؟”

ليث كان قاعد على السرير، وساند ضهره لورا.. كان باين عليه إنه أحسن من إمبارح.. لكن وشه كان مصفر، وبهتان جدا…

ليث ابتسم عشان يطمني، وقال بصوته التعبان: “أيوة.. الحمد لله”

قلت وأنا بتنهد بارتياح: “اللهم لك الحمد”

وبعدين كملت: “طب أنت نمت كويس؟؟ يعني حاسس إنك أحسن؟؟ والحرارة نزلت ولا لسة؟؟”

قال: “آه.. الأدوية دي سحرية”

قال كده وهو بيشاور على الأدوية اللي محطوطة على الترابيزة اللي جنب السرير.. اللي الدكتور كان مديهاله إمبارح…

قلت: “لكن أنت لازم تكمل علاجك في المستشفى زي ما قال الدكتور.. أنا هروح أتصل بخالتي”

لفيت، وخرجت من الأوضة عشان أروح للشنطة اللي فيها التليفون بتاعي…

وأنا ماسكة التليفون، لمحت آسر جاي ناحيتي، وسمعته بيقول: “إستني يا رهف”

بصيتله، ومكنتش فاهمة هو عايز إيه؟؟

قال: “ليث عايز يتكلم معاكي”

خدت التليفون بتاعي معايا، وروحت لليث…

آسر اختفي.. تقريبا مشي من الشقة…

وقفت عند الباب، وكنت مستنية اللي ليث عايز يقوله…

ليث مبدأش يتكلم على طول.. مش عارفة بسبب زوره المنبوح، ولا صدره التعبان، ولا حلقه الملتهب، ولا التردد اللي كان جواه بسبب اللي هيقوله؟؟

ليث مسك كوباية المياه المحطوطة على الترابيزة جنب الأدوية، وشرب شوية…

وبعدين قال: “أنا آسف يا رهف”

أنا كنت متوقعة إنه عايزني عشان يقول أي حاجة تاني.. لكن مكنتش متخيلة إنه هيعتذر…

“آسف على إيه؟؟”

قال وهو بيحاول يقصر الكلام بتاعه عشان ميتعبش زوره، وحباله الصوتية: “كنت تعبان، ونمت بسرعة.. اعذريني.. إنتي نمتي كويس؟؟”

ابتسمت، وقلت بهزار: “آه.. ما عدا شوية وجع في ضهري.. وإيدي، ورجلي متلجين حبتين”

ليث قال: “أنا ماكنش في قدامي حل أفضل من كده.. أنا آسف”

قلت بسرعة: “لأ ميهمكش.. الموضوع مش صعب للدرجة دي”

طبعا أنا كده بناقض الحقيقة اللي أنا عيشتها ليلة إمبارح وأنا نايمة من غير حجاب على كنبة صغيرة جدا في شقة شاب عازب، وكمان مع ولاد عمي الإتنين.. وماكنش في حاجة بتفصلني عنهم غير حيطة واحدة في نصها باب مفتوح على مصراعيه…

هو الموضوع يبان فعلا إنه صعب للدرجة دي، ولا أنا بيتهيألي؟!

ليث قال: “طيب.. عموما ده كان ظرف طارئ، وحاجة إحنا كنا مضطرينلها، ومش هتتكرر تاني بإذن الله”

نزلت عيني في الأرض بخجل، ومكنتش لاقية حاجة أقولهاله…

ليث قال: “إحنا هنمشي العصر إن شاء الله”

رفعت عيني عليه بسرعة وبصيتله وأنا معترضة على اللي هو بيقوله…

قلت: “النهاردة.. العصر؟؟”

“آه”

“طب والمستشفى؟؟”

“لأ.. مفيش ليها أي لازمة دلوقتي.. أنا بقيت أحسن الحمد لله”

معجبنيش كلامه، وقلت: “إزاي يعني؟؟ الدكتور إمبارح أكد إنك لازم تكمل علاجك في المستشفى”

ليث رد: “أنا هخف بالعلاج ده إن شاء الله”

سكت وأنا محتارة، ومش عارفة أعمل إيه..؟

بعد كده سألت: “لكن.. مش أنت المفروض تريح جسمك، ومتتحركش.. هتسوق العربية المسافة دي كلها إزاي؟؟”

قال: “آسر هياخدنا المزرعة.. إنتي عارفة عربيتي إيه اللي حصل فيها؟”

افتكرت ساعتها إن إحنا سيبنا العربية في الشارع، وافتكرت كمان إن تليفون ليث جواها…

تقريبا ليث خد باله من التردد اللي كان باين على وشي، عشان كده سألني: “إنتي قلقانة من حاجة؟؟”

أيوة يا ليث.. في حاجات كتير أوي أنا قلقانة بسببها.. وأولهم أنت…

قلت: “طب ليه متستناش لغاية ما تخف خالص، وتبقى كويس.. لو كان كل ده بسببي أنا، فأنا هطلب من خالتي تيجي دلوقتي عشان تاخدني معاها، و…”

ليث قاطع كلامي، ورفع إيده، وشاورلي عشان أسكت وهو بيهز راسه باعتراض…

أنا برضه كملت كلامي: “أنت كده هتقدر ت…”

هنا بقى ليث على صوته على قد ما يقدر، وقال: “لأ يا رهف”

حاولت إني أتجادل معاه شوية، لكن هو كان بيتكلم بصرامة مش ماشية مع التعب بتاعه، وبيقول: “لأ.. أنا قلت لأ”

سكت شوية وأنا محتارة من الكائن اللي إسمه ليث ده..!

طالما أنا عائق قصاد تحركاته.. ليه ميسبنيش عند خالتي؟؟

ليه بيزود المسؤوليات بتاعته وأنا اللي عايزة أعفيه من المسؤولية بتاعتي؟ خصوصا وهو تعبان كده!

قلت بصوت ضعيف، وحزين: “ليث.. أنا مش عايزة أرجع المزرعة”

عيني كانت بصاله، وبتتحايل عليه، وهو فهم نظراتي، وقال: “إحنا مش هنطول هناك.. متقلقيش.. هم يومين أو تلات أيام بالكتير.. على ما صحتي، وعربيتي يرجعولي”

فضل يعطس شوية، وبعدين كمل كلامه: “هنسافر بعد كده بالطيارة للعاصمة، وبعدين هنروح من هناك على المدينة الساحلية على طول”

قلت: “رضوى، ومامتها هيكونوا معانا؟؟”

هز راسه بالإيجاب.. قمت أنا هازة راسي باعتراض…

أنا مش عايزة أرجع لنفس الدوامة من أول وجديد…

أنا ما صدقت هديت شوية، ونفسيتي إتحسنت وأنا عند خالتي…

كلمته بنبرة كلها توسل، وضعف: “عشان خاطري.. خليني أرجع عند خالتي”

ليث بص عليا شوية، وأنا قلت: “أرجوك يا ليث”

ليث غمض عينه، وهز راسه بالراحة، وقال: “مش ممكن يا رهف.. الموضوع انتهى خلاص”

لما فتح عينه، كان لسة باين عليا نظرات التوسل، والرجاء…

قال: “أنا المسؤول عنك يا رهف، و…”

قاطعته، وقلت بتهور: “أنا بقى بعفيك من المسؤولية دي”

اكتشفت خطورة الكلام اللي أنا قلته، لما لقيت وش ليث اتقلب فجأة، وبانت عليه تعبيرات مخيفة جدا…

حاولت أخفف حدة كلامي، وقلت: “أنا يعني.. أقصد إني.. عايزة أخفف العبء اللي عليك ناحيتي شوية.. وخالتي، وعيلتها مستعدين إنهم…”

ليث جز على سنانه، وقاطعني، وقال: “كفاية يا رهف”

بلعت الكلام اللي كان على لساني فورا، ونفسي كان هيتقطع من الرعب..!

ليث كان باين عليه إنه متعصب جدا.. لكن ماكنش قادر يعلي صوته المبحوح…

قال: “أنا مش عايز أسمع الكلام ده منك تاني يا رهف.. إنتي فاهمة؟؟”

مردتش عليه، فقال: “أنا الواصي عليكي، وإنتي هتفضلي تحت رعايتي، ومسؤوليتي أنا، لغاية ما أنا أقرر عكس كده.. ماشي؟؟”

اتفاجأت بأسلوبه الناشف ده، وأنا كنت بكلمه بكل عطف، ورجاء…

بحلقت فيه وأنا مصدومة منه…

حتى المرض ملينش العند اللي جواه ده شوية؟!

“مفهوم يا رهف؟؟”

قلت باستسلام للأمر الواقع: “مفهوم”

بعد كده خرجت بكل هدوء من الأوضة…

قد إيه أنا حاسة بالذل..!

هو ليه بيعاملني بالطريقة دي؟؟

ليه بيقسى عليا كده، وأنا اللي كنت هموت من كتر خوفي عليه؟؟

ليه متسلط، وقاسي عليا بالشكل ده ومش مهتم باللي انا عايزاه خالص؟؟

هو أنا يعني لازم إني أروح المزرعة عشان أتفرج على الشقرا وهي معاه، وبتحن عليه، وبتاخد بالها منه قدام عيني.. وأنا عاجزة عن إني أمسح الدم اللي كان نازل على وشه وهو تعبان؟!

بعد شوية آسر جه، وكان جايب معاه أكل…

لقيت نفسي مغصوبة على أمري، وقعدت مع ولاد عمي الإتنين، وكلت معاهم بكل بساطة…

أنا عندي ولاد عم إتنين.. هما أهلي، وحبايبي، وكل حاجة ليا في الدنيا.. وهما عندي بالناس كلها.. ولو حد فيهم بيشكل الماضي بتاعي، فالتاني بيشكل الحاضر، والمستقبل…

ولاد عم.. مفيش زيهم تاني على وش الأرض…

وإحنا بناكل كنت عمالة أراقبهم وهم بياكلوا، وبيتكلموا، وبيبتسموا…

قد إيه كانوا لطاف، وحنينين، وهاديين جدا!

ربنا وحده أعلم مين فينا إحنا التلاتة بيحب، وقلقان على اللي بيحبهم أكتر؟؟

بس اللي أنا عارفاه.. إن أنا بحبهم جدا…

بعد كده ليث راح عشان يصلي الضهر، وقعدت مع آسر في الصالة، وكنا بنتفرج على التيلفزيون…

…………….

مكنتش هقدر أبادر بالكلام معاها.. لولا إن رهف هي اللي بدأت تتكلم معايا…

بالرغم من إني كنت بتجنب إني أبصلها.. لكن مكنتش هقدر أتجنب إني أرد على كلامها…

“هو مش المفروض إننا ناخده المستشفى زي ما الدكتور قال؟؟”

“مفتكرش إن هو هيرحب بالفكرة دي خالص”

“حاول تقنعه طيب”

بصيت على السقف، وقلت: “مفيش فايدة من الكلام معاه.. أنا عارف”

رهف سكتت شوية، وبعدين قالت: “لكن السفر ممكن يتعبه.. هو كمان مصر إنه يروح المدينة الساحلية”

كملت كلامها بحزن: “ولازم إنه ياخدني معاه أنا كمان”

حسيت من نبرة صوتها إنها مش مرتاحة، فقلت: “إنتي مش عايزة تروحي يعني؟؟”

رهف قالت بسرعة: “أيوة أنا مش عايزة.. لكن ليث مصر إنه ياخدني معاهم.. مرواحي معاه مش هيفيده بحاجة.. بالعكس ده هيزود عليه المشاكل، والتعب”

سألتها: “إنتي بتقولي كده ليه؟؟”

رهف بدأت تتكلم وكإنها بتشتكيلي…

جمعت في قلبها وجع كبير، وطلعته كله ليا أنا…

كإنها ما صدقت إنها تلاقي حد تحكيله اللي جواها…

كإنها نسيت إن الراجل اللي هي بتحكيله همومها، هو خطيبها القديم اللي كان، ولسة بيعشقها بجنان…

لما رهف قلبها بيبقى موجوع.. وجعها بينتشر في صدري أنا…

“أنا عارفة إني مصدر إزعاج ليه، وهم تقيل محطوط فوق صدره.. لكن هو مش راضي يزيح الهم ده بعيد عنه.. هو تقريبا بيستمتع بإنه يفرض رأيه، وسلطته عليا! هو مش عايزني أعيش في بيت خالتي، ولا عايزني أتكلم مع إبنها، وبيفرض عليا اللبس، والخروج، والحتت اللي المفروض أروحها.. سواء في المزرعة أو في بيت خالتي”

مقدرتش أرد على كلامها، لإني في الحقيقة ملقتش أي رد مناسب…

المفروض أواسيها إزاي دلوقتي؟؟

لكن، هو أخويا صارم للدرجة دي؟؟

هو معقولة يكون بيقسى على رهف؟؟

إيه اللي خلاها مش مرتاحة للعيشة معاه كده؟؟

هي مش كانت دي رغبتها؟؟

رهف كملت كلامها: “وأنا مش متحملة إني أعيش مع الشقرا المتطفلة دي تاني، أنا مش بطيقها، وهي كمان مش بتطيقني.. أموت وأعرف ليه ليث مش فاهم حاجة زي كده؟؟”

برضه معلقتش عليها…

تقريبا رهف إتضايقت لما شافتني وأنا ساكت.. مهي مش لاقية مني أي تفاعل مع كلامها.. عشان كده هي كمان سكتت خالص…

في سؤال كاتم على نفسي، وخانقتي جدا.. مش قادر أتجنبه، ومش عارف إيه الجنان اللي أنا كنت فيه لما خرجته من لساني بعد كل السكوت، واللامبالاة اللي أنا كنت فيها..؟

“رهف…”

رهف بصت عليا، وأنا المرة دي مهربتش بعيني الناحية التانية.. لأ ده أنا كنت بعوم في أعماق عينيها عشان ألاقي جواب…

يا ريتني ملقتهوش…

“هو إنتي.. لسة بتحبيه؟؟”

أكيد ده كان آخر سؤال رهف متوقعة إني أسأله.. خصوصا بعد السكوت، والهروب اللي كنت بتعامل معاها بيه…

ماكنش صعب عليا أو على أي حد إنه يفهم الجواب من العينين دول…

الدم طلع جري على وشها، ووطت راسها في الأرض بكسوف…

هو أنا كان ينفع أتجنن كده، وأسألها السؤال ده؟؟

أنا إنسان غبي، وفاشل…

من وقتها متكلمتش معاها ولا كلمة.. لغاية ما وقفت عشان أودعها في المزرعة…

…………

وصلنا المزرعة قرب الغروب…

رضوى استقبلت ليث استقبال حار جدا.. بصراحة مش هكون مبسوطة وأنا بوصفهولكوا.. لإن أنا كنت محروقة ، وهموت من كتر الغيظ…

رضوى، ومامتها، وخالها إستقبلوني، ورحبوا بيا أنا، وآسر ترحيب كبير جدا…

لما آسر خرج من البيت عشان يمشي، ليث افتكر مفتاح عربيته، فقال: “المفتاح مع آسر”

قلت: “أنا هروح أجيبهولك”

جريت بسرعة على برا عشان ألحق آسر قبل ما يمشي…

آسر كان خلاص هيركب العربية، وأنا ندهت عليه بسرعة: “إستنى يا آسر”

روحتله جري.. آسر لف، وبصلي باستغراب، ونزل النضارة الشمس بتاعته، وبحلق في عيني…

قلت: “مفتاح عربية ليث”

“آه.. صح”

دخل راسه من باب العربية المفتوح، وخد المفاتيح اللي كانت محطوطة على الرف…

المفتاح كان محطوط وسط مجموعة مفاتيح جوا الميدالية اللي أنا كنت جايباها لليث هدية في عيد الأضحى اللي فات.. لو تفتكروا…

 

آسر جاب المفاتيح بتاعة ليث من جوا العربية، وأنا مديت إيدي عشان آخدها منه…

بصينا حوالينا شوية، وبعدين رجعنا نبص لبعض تاني…

قلت: “في إختلاف باين عليك”

كنت بتكلم وأنا باصة على الناحية اليمين في وش آسر.. خصوصا على عينه، واللي حواليها.. المكان اللي كانت مغطياه علامة حرق كبيرة، وقديمة…

الفحم المتولع شوه وشه لما كنا راكبين العجلة بتاعته واحنا صغيرين…

العلامة اختفت تقريبا، وآسر شكله اختلف تماما.. دي أول حاجة لفتت نظري لما قلع النضارة السودا بتاعته اللي كانت غرقانة بمياه المطرة وإحنا بنركب العربية امبارح…

آسر ابتسم، وميل الناحية اليمين في شفايفه كإنه بيتريق، وبيقول: “هو كده.. في حاجات لازم الواحد يخلص منها، ومن الآثار بتاعتها كلها في يوم من الأيام عشان يعرف يعيش”

وبعدين لف، وركب العربية، ومشي.. ساب الجملة ترن في ودني فترة طويلة جدا…

لما رجعت، ودخلت البيت تاني.. عيني وقعت على منظر خلى أعصابي كلها تفور، وخلاني أرمي الميدالية على الترابيزة قدام ليث…

رضوى كانت قاعدة على الكنبة جنب ليث، ولازقة فيه.. لأ وكمان حاطة راسها على كتفه بحنان..!

الشقرا المتطفلة لقيت إن دي فرصة ذهبية طبعا بالنسبالها عشان تقرب من إبن عمي زي ما هي عايزة.. وأنا مش عارفة أعمله أي حاجة…

تمام يا رضوى…

يبقى المعركة ابتدت.. طالما إنتي اللي ولعتي أول شرارة…

إستعنا على الشقا بالله..!

…………….

مفرود على سريري، وحاسس بتعب شديد في جسمي، وعضلاتي…

بحارب عشان أعرف أدخل الهوا في مناخيري اللي شبه مسدودة…

بتجيلي نوبات عطس، وكحة كتيرة جدا لو اتجرأت وفتحت بقي بس…

أنا ليث.. اللي بقف في وش الريح ومش بيفرق معايا.. آديني مرمي على السرير، وحالتي متدهورة، ومستسلم تماما قدام شوية برد، والتهابات على الرئة!!

رضوى جت ناحيتي وهي شايلة صينية عليها طبق شوربة دافي، وكوباية أعشاب سخنة…

قعدت جنبي، وقربت مني، وأنا قمت قعدت، وفردت ضهري لورا…

رضوى قربت من مناخيري كوباية الأعشاب السخنة عشان أشم البخار اللي طالع منها.. لعله يساعد شوية في توسيع مجرى الهوا…

مكنتش حاسس بريحته، ولا بطعمه…

“الحمدلله”

قلت كده بعد ما خلصت الأكل بتاعي، ورضوى ردت عليا: “بألف هنا، وشفا يا حبيبي”

بصيت عليها، ولاقيتها بتبتسملي بحنان.. رفعت معنوياتي شوية، وخلتني أنسى اللي حصل معايا بسبب المرض، ورهف، وقرايبها…

ابتسمتلها أنا كمان ابتسامة شكر، وامتنان.. وبعدين رجعت فردت جسمي تاني، وحطيت راسي على المخدة، وأنا حاسس بارتياح كبير…

الساعة كانت عشرة بليل، وأنا كنت لازق في السرير بتاعي من ساعة ما وصلنا العصر.. تقرييا من ساعة ما جيت ماشفتش رهف…

 سألت رضوى: ” هي رهف فين؟؟”

المرة دي رضوى محاولتش إنها تخبي مضايقتها من سؤالي، وقالت: “تلاقيها قاعدة، أو نايمة في أوضتها.. متشغلش بالك أنت، ومتفكرش في حاجة دلوقتي.. خليك مرتاح، ومسترخي عشان خاطري”

ابتسمت لرضوى، وقلت عشان أنهي الحوار: “ماشي.. تصبحي على خير”

تاني يوم الصبح، صحيت، ولقيت حالتي كويسة جدا الحمد لله…

قدرت إني أقوم من على السرير، وخدت دوش منعش، زود الحيوية، والنشاط  بتاعي…

لما كنت واقف بروق السرير بتاعي.. جم رضوى، وخالها، ومامتها عشان يتطمنوا عليا، وعلى صحتي…

قعدنا عشان نتكلم شوية، وفضلنا نضحك، ونهزر…

أنا مبسوط جدا إن أنا فرد من الأسرة دي، وإن ربنا سبحانه وتعالى كان لطيف، ورحيم بيا لأبعد الحدود.. عشان يحط العيلة دي في طريقي وأنا مشتت، وشبه ضايع، ويعوضني عن اللي أنا فقدته طول السنين اللي فاتت…

لكن حبهم ليا، وعطفهم عليا.. مخلنيش أستغنى عن حب أخويا آسر، وأختي ليلى، وحبيبتي رهف…

آه.. يا رب أنت عارف أنا محتاج ليهم قد إيه دلوقتي..؟

مكنتش شوفت حبيبتي الصغيرة من ساعة ما وصلنا المزرعة إمبارح…

مش عارف هي نامت، ولا صحيت إزاي.. ولا قاعدة فين، ولا بتعمل إيه؟؟

صدقوني.. أنا مستحيل أوقف تفكير فيها مهما حاولت…

قلت وأنا حاسس إني مفتقدها جدا، برغم كل اللي حواليا: “هي رهف فين؟؟”

كان في نظرة سريعة حصلت بين رضوى، ومامتها لفتت نظري جدا.. لأ بصراحة أنا كنت متعمد إني أشوفها…

وبعدين خالتي فيردا قالت: “مخرجتش من أوضتها من ساعة ما دخلتها إمبارح”

الإجابة دي متنفعش إنها ترفع معنوياتي، أو تخفف وجعي.. خالص.!!

قلت للست فيردا: “طب ممكن تروحي تبصي عليها، وتندهيها يا خالتي بعد إذنك؟؟”

الست فيردا ابتسمت، وقالت: “طبعا يا إبني.. من عينيا.. هخليها تيجي”

خرجت من الأوضة، وعم إياس خرج وراها…

شوية، ورجعت وهي بتقول: “شكلها لسة نايمة يا إبني”

بعد كام ساعة.. رضوى كانت مشغولة في المطبخ هي، ومامتها، وعم إياس كان في المزرعة.. وأنا قاعد باكل في نفسي، وقلقان جدا على رهف…

كده يا رهف؟؟

حتى مجتيش عشان تتطمني عليا؟؟

مقدرتش أصبر، وروحت أنا عشان أشوفها، وأتطمن عليها…

خبطت على الباب بتاع أوضتها، وقلت: “أنا ليث يا رهف”

لما سمتحلي إني أدخل.. دخلت، وشوفتها وهي واقفة عند المكتبة، وماسكة قلم في إيديها.. تقريبا كانت بترسم…

قلت: “عاملة إيه يا رهف؟؟”

رهف ابتسمت بفرح، وقالت بصوت هادي: “أنا بخير الحمد لله”

وبعدين وضحت صوتها، وعلته شوية، وقالت: “وإنت عامل إيه دلوقتي؟؟”

لمحت القلق وهو مرسوم على وشها.. بصراحة حسيت ساعتها إني مبسوط أوي..!

قلت وأنا مبتسم ابتسامة واسعة: “الحمد لله.. أحسن بكتير”

هي كمان ابتسمت زيادة، وفرحت، وقالت: “اللهم لك الحمد”

قلت: “أنا مشوفتكيش من إمبارح.. قلقتيني عليكي.. إنتي حتى مجيتيش تزوريني ليه؟؟”

رهف وطت راسها في الأرض، وقالت: “أنا مش عارفة أتحرك براحتي في البيت ده”

سكت شوية وأنا مستغرب، وبعدين قلت: “بس ده بيتي يا رهف، وبيتي هو بيتك”

لقيت رهف بتهز راسها وهي معترضة…

كنت عايز أعرف ردها على كلامي، وقلت: “مش كده يا رهف ولا إيه؟؟”

رفعت عينيها ليا، وقالت: “أنا عمري ما هعتبر البيت ده بيتي أبدا يا ليث.. وهفضل حاسة بالغربة بينكوا طول ما أنا هنا”

اتنهدت بوجع.. مكنتش عايز أبدا رهف تحس بالغربة وهي معايا في المكان اللي أنا فيه…

قلت: “إحنا هنمشي بكرا، وهنروح بيتنا يا صغيرتي”

شوية إعتراض تاني اترسموا على وشها، وقالت: “لكن أنت لسة تعبان”

قلت عشان أطمنها: “أنا كويس الحمد لله.. أنا حاجز التذاكر من كام يوم، ومش شايف أي داعي عشان نأجل السفر”

رهف سكتت، وأنا سألتها: “ده هيريحك، ولا إيه؟؟”

رهف نقلت نظراتها من عيني للأرض، ومرضيتش ترد عليا…

كنت عارف إنها مش عايزة تسافر، وعايزة ترجع عند خالتها تاني…

خطيت خطوة ناحيتها، لغاية ما بقيت قدامها بالظبط…

قدرت أشوف الرسومات اللي كانت بترسمها على الورقة…

كانت صورة بنت صغيرة ماسكة في دراع حوت عينه مغمضة، وبقه مفتوح، وأنيابه بتنزل دم، وكان الدراع ده كبير جدا…

هي تقصد إيه بالرسمة الغريبة دي؟!

ندهت عليها: “رهف”

رفعت عينيها ليا، وأنا قلت: “أول ما هنوصل المدينة الساحلية.. هقدملك في الجامعة إن شاء الله”

رهف فضلت تبحلق فيا، وكانت مستغربة، وشاكة في كلامي شوية…

قلت عشان أأكدلها: “أنا رتبت كل حاجة، وحجزتلك مكانك في كلية الفنون عشان تكملي دراستك.. مش ده كان الحلم بتاعك؟؟”

قالت وهي مترددة: “ده بجد؟؟”

قلت: “أيوة بجد يا رهف.. إنتي موهوبة، وشاطرة.. المستقبل المشرق كله قدامك”

شوفت على وشها بشاير إبتسامة بسيطة أخيرا…

يبقى هي كده حبت الفكرة.. الحمد لله…

“كمان أنا هاخدك عند خالتك في وقت الأجازات.. أوعدك بكده.. صدقيني يا رهف.. أنا أكتر واحد عايز مصلحتك.. ولو ضايقتك، أو اتصرفت معاكي بخشونة.. فأنا آسف ،وسامحيني عشان خاطري”

رهف رجعت بعنيها ناحية الأرض…

“هتعرفي تسامحيني يا رهف؟؟”

رهف ابتسمت، وهزت راسها بالإيجاب، وأنا خدت نفس عميق بارتياح أخيرا…

الهوا الساقع اللي دخل في زوري، وجع حلقي الملتهب، وجاتلي نوبة كحة بسيطة خلت رهف تخاف عليا، وتمسك دراعي، وتقول: “ليث.. أنت كويس؟؟”

نوبة الكحة خلصت، وركزت عيني على رهف…

شوفتها وهي بتشد دراعي بقوة ناحيتها، وكانت قربت تحضنها…

كمان كان ظاهر على وشها تعبيرات الخوف، والقلق الشديد…

ابتسمت، لأ ده أنا كمان فضلت أكركر من الضحك على منظرها..!

ضحكت ضحكة كبيرة وأنا بقول: “متخافيش يا صغيرتي.. ساعات الحيتان حتى ممكن تتتعب عادي”

صحتي اتحسنت كتير، وسافرنا بالطيارة للعاصمة، وبعدين للمدينة الساحلية.. أنا، ورهف، ورضوى، والخالة فيردا…

بدأت الشغل بنشاط، وكان معظم وقتي رايح في الشغل، وباقي الوقت كنت بقسمه بين احتياجات البيت.. وحوارات رضوى، ورهف…

آه من البنتين دول..!

هما الإتنين بيغيروا من بعض جدا، وكل محاولاتي في إني أصلح بينهم، وأقرب قلوبهم لبعض بتفشل تماما…

المشاكل قلت شوية مع بداية موسم الدراسة.. ده لإن رهف بدأت تغيب عن البيت، وتبقى في الجامعة وقت طويل…

الموضوع كان صعب في البداية.. لكن رهف مع الوقت اتأقلمت، وبقى ليها أصحاب في الجامعة تقضي معاهم وقتها…

من محاسن الصدف إن في بنت من بنات أستاذ ياسين (المشرف السابق لمصنع رضوى) كانت مع رهف في نفس الجامعة، ونفس الكلية…

البنتين إتصاحبوا، والعلاقة بينهم بقت قوية جدا…

كمان علاقتي أنا، وأستاذ ياسين اتطورت جدا، ووافق بشكل مبدئي على عرضي ليه عشان يرجع المصنع تاني…

الدراسة شغلت وقت فراغ رهف، ونظمت حياتها، وزودت إحساسها بأهميتها، وثقتها في نفسها، ومكانها في العالم اللي كانت حاسة فيه بالغربة بعد وفاة أمي، وأبويا الله يرحمهم…

وطبعا عشان ربنا أنعم عليا بنعم كتيرة جدا.. الحمدلله.. فأنا عيشت صغيرتي عيشة كويسة جدا زي اللي كانت عايشاها مع أبويا، ويمكن أحسن شوية كمان.. كنت بعملها كل حاجة بتحلم بيها…

فتحتلها كمان حساب خاص في بنك من البنوك، ووظفت واحدة عشان تاخد بالها منها، ومن شغل البيت…

الدنيا ضحكتلي، ونفسيتي بقت منتعشة جدا، ومبقاش في حاجة بتعكر مزاجي غير الحرب اللي في البلد…

ده غير الحرب الداخلية اللي أنا عايش فيها بين البنتين…

“أنت لازم تشوفلك حل مع بنت عمك دي يا ليث.. هي مصرة إنها تذاكر في المطبخ”

عقدت حواجبي باستغراب، وقلت: “المطبخ؟؟”

رضوى قالت: “أيوة يا ليث.. المطبخ.. لقيتها جت، ونشرتلي كراريسها، وورقها كله على الترابيزة بعد ما سمعتني وأنا بقول لماما إن أنا هعمل عشا مميز جدا النهاردة”

ضحكت بهدوء، وقلت: “خليها يا ستي تذاكر في الحتة اللي تريحها.. ملكيش دعوة بيها، وإعملي اللي إنتي عايزاه”

رضوى ابتدت تتضايق أكتر، وقالت: “لكن يا ليث.. الوقت مش هيساعدني.. أنا لازم ألحق أجهز العشا عشان الضيوف اللي جايين”

كنت في الوقت ده فارد جسمي على كنبة في أوضة الأنتريه.. كنت بريح عضمي بعد يوم شغل طويل، ومتعب.. والساعة كانت بتقرب على خمسة بليل…

غمضت عيني، وقلت بلا مبالاة: “متقلقيش يا رضوى.. ده سامي يعني مش حد غريب”

أنا كنت عازم سامي، ومراته، وإبنه عشان ييجوا يتعشوا معانا الليلة دي…

“ليث!!”

فتحت عيني، ولقيت رضوى بصالي بغضب وهي حاطة إيديها على وسطها…

ابتسمت، وقلت: “حاضر أنا هروح أتكلم معاها.. متزعليش”

قمت من على الكنبة بكسل، وكنت عمال أتتاوب، وأتمطع…

روحت على المطبخ على طول، ولقيت بابه مقفول…

خبطت عليه، وندهت على رهف…

لقيت رهف فتحت الباب بعد كام ثانية، ووقفت في نص فتحة الباب!!

“إزيك يا رهف؟؟ يومك كان عامل إزاي؟؟”

ابتسمت، وقالت: “كان كويس”

“طب الحمد لله.. ودروسك عاملة إيه؟؟”

قلت كده وأنا بخطي ناحية الباب عشان أدخل المطبخ.. لكن رهف فضلت واقفة قدامي، ومش مخلياني أعدي.. كإنها بتمنعني إني أدخل..!

قالت بصوت متقطع: “تمام.. كويسة.. كل حاجة زي الفل”

يبقى كده في سر في الموضوع!!

قدمت خطوة كمان، وهي ما اتحركتش من مكانها.. ده كمان خدودها ابتدت تحمر من كتر القلق..!

قلت: “ممكن أدخل بعد إذنك!”

عملت نفسها مش واخدة بالها، وبعدت عن طريقي بسرعة.. لكن كان باين عليها الإرتباك جدا…

بقى عندي فضول إني أعرف ليه رهف مش راضية تدخلني المطبخ؟؟

بصيت حواليا، ولقيت شوية كتب، وكراريس، وأقلام.. كلهم كانوا متبعترين في المطبخ كله…

كان في كوباية شاي محطوطة على الترابيزة، والبخار كان طالع منها، وجنبها كراسة رسم، وشوية أدوات تلوين…

استنتجت إن رهف قاعدة على الكرسي ده، وبتشرب الشاي…

قربت من الكرسي، ولقيتها هي بتجري على الكراسة، وبتقفلها، وبتاخدها في حضنها…

يبقى السر مكانه هنا بالظبط!!

ابتسمت، وقلت بمكر: “وريني بترسمي إيه؟؟”

رهف ارتبكت، وقالت: “شوية خرابيش”

قربت منها، وقلت: “طب خليني أشوف”

اتكلمت بإصرار، وقالت: “دي شوية خرابيش مش مهمة خالص.. سيبك منها”

ابتسمت بشكل أكبر، وقلت بإصرار، وفضول شديد: “هاتي يا رهف.. أنا عايز أشوفها”

مديت إيدي ناحيتها، ولما لقيتها هي متحركتش، قلت: “يلا يا رهف”

حركت إيديها بتردد، وأخيرا سلمت الكراسة ليا…

إنتوا طبعا عارفين صغيرتي بتحب الرسم قد إيه، وقد إيه هي شاطرة فيه..؟

كنت دايما بشوف رسوماتها أول بأول، وبيزيد حبي، وإعجابي بيها، وكمان كنت على طول بشجعها…

فضلت أشوف الكراسة صفحة صفحة، وأتفرج على الرسومات…

رسومات جميلة جدا، ولحاجات مختلفة عن بعضها.. كله طالع من إيد فنانة…

رهف كانت بتراقبني وهي باين عليها التوتر…

فضولي دلوقتي زاد لأقصى حد…

يا ترى إنتي مخبية إيه؟؟

أخيرا وصلت لآخر رسمة، وأكيد دي الرسمة اللي رهف كانت بترسمها قبل ما آجي على طول…

بصيت على الرسمة، واتفاجئت من اللي أنا شوفته…

وبعدين بصيت على رهف، وقلت باستنكار فورا: “آه.. عشان كده”

إنتوا عارفين إيه اللي كان مرسوم؟؟

صورة لرضوى وهي لابسة مريلة المطبخ، وشعرها الدهبي الطويل واصل لغاية الأرض، وبيكنسها..!

رهف سحبت الكراسة من إيدي فجأة، وخبيتها ورا ضهرها.. لكن أنا هزيت راسي وأنا معترض على اللي أنا شوفته…

تقريبا كده، رهف حست بالخجل من اللي هي عملته..!

لاقيتها قطعت الورقة من الكراسة، وكرمشتها، ورمتها في سلة الزبالة…

وبعدين قالت من غير ما تبصلي: “أنا آسفة”

قلت عشان أخفف الحرج شوية: “إنتي مصيبة يا رهف.. موهبتك دي خطيرة”

“إنتي مصيبة يا رهف.. موهبتك دي خطيرة”

رهف معلقتش على كلامي ليها، ولمت حاجتها المتبعترة في كل حتة في المطبخ، وخرجت فورا…

قلت: “طب والشاي؟!”

كنت بشاور على كوباية الشاي السخنة اللي سابتها على الترابيزة…

لقيتها بصتلي، وقالت: “أنا مش عايزة أشرب حاجة.. وأنا آسفة على اللي حصل”

بعد كده هربت بسرعة…

أنا قعدت على نفس الكرسي اللي أنا اتوقعت إن رهف كانت قاعدة عليه، وجوايا خليط غريب من الراحة، والإنزعاج.. وكمان الضحك، والزعل..!

بعد شوية لقيت رضوى جت، وفي إيديها طبق فيه خضار متقشر، وكيس في إيديها التانية جواه القشر بتاع الخضار…

تقريبا كده هي كانت قاعدة بتقشر الخضار في مكان تاني غير المطبخ قبل ما تيجي أوضة الأنتريه عشان تشتكيلي من رهف…

رضوى حطت الطبق على الترابيزة، وقعدت وهي بتبتسم، وبتقول: “أخيرا! هي مكانتش طالبة معاها مذاكرة النهاردة غير في المطبخ يعني؟!”

ابتسمت، ومعلقتش…

رضوى راحت ناحية سلة الزبالة عشان ترمي كيس القشر…

أنا كنت قاعد براقب الدخان اللي طالع من كوباية الشاي بتاعة رهف…

مش عارف ليه كان عندي رغبة كبيرة في إني أشربه؟!

حطيت إيدي عليه، وكنت خلاص هحركه ناحيتي، وسيبته لما سمعت صوت رضوى وهي بتقول: “إيه ده؟؟”

رجعت إيدي بسرعة.. كنت حاسس إنها بتعلق على رغبتي الغريبة في شرب الشاي..!

إيه اللي يخليني يعني أشرب الشاي اللي رهف سابته؟؟

بصيتلها وأنا حاسس إني مكسوف منها.. لكن هي مكانتش باصة على الشاي…

كانت باصة على ورقة مكرمشة، ومفتوحة بين إيديها.. وعمالة تبحلق فيها بغيظ…

وقفت، وقربت منها.. ولقيتها بتبحلق فيا أنا كمان…

وبعدين مدت إيديها بالورقة ليا، وقالت بانفعال: “بص يا ليث.. شايف مذاكرة بنت عمك؟؟”

في الحقيقة أنا مكنتش عارف اتصرف إزاي في الموقف ده؟؟

حاولت أضحك، وأبين الموضوع إنه هزار مش أكتر عشان أخفف من حدة الموقف.. لكن للأسف فشلت…

“دي إهانة واضحة جدا يا ليث.. أنا مش هقدر أسكت عليها”

“أنا معتقدش إن رهف تقصد حاجة.. ده أكيد هزار يعني مش أكتر”

قالت بعصبية: “ده مش هزار يا ليث.. من إمتى يعني وبنت عمك بتحب تهزر معايا؟؟ هي قاصدة كويس جدا إنها تضايقني بالرسمة دي.. لكن أنا مش هسكت”

لقيتها فورا خرجت من الأوضة عشان تروح لرهف…

كل محاولاتي إن إنا أهديها، وأمنعها إنها تعمل مشاكل، وخصوصا في الوقت اللي جاي فيه الضيوف.. فشلت تماما…

……………….

رضوى جت أوضتى، وأنا كنت عمالة أرتب كتبي، وحاجتي على المكتب الجديد اللي ليث لسة مشتريهولي قريب…

ليث اشترى ليا حاجات كتيرة جدا.. وكمان غيرلي أوضة النوم بتاعتي كلها…

كان عايزني أنقل حاجتي لأوضة ليلى القديمة.. عشان هي حجمها أكبر…

لكن أنا رفضت الفكرة، وفضلت في أوضتي اللي لازقة في أوضته بالظبط…

منعت رضوى، ومامتها إنهم يستخدموا أي أوضة من أوضنا الخاصة المقفولة، وخليتهم ياخدوا أوضتين في الناحية التانية من بيتنا الكبير…

عشان أنا عارفة إن هي شاطرة جدا في الطبخ، وشغل البيت، وبتتباهى بده قدام ليث، وقدامي طول الوقت.. وإن هي عايزة تستعرض كل مهاراتها الليلة دي على العشا، وقدام الضيوف اللي جايين.. فأنا اخترت المطبخ بالذات عشان أذاكر فيه المحاضرات اللي خدتها النهاردة…

لازم المتطفلة دي تعرف إن ده بيتي أنا، ومطبخي أنا.. وأنا حرة في إني أعمل أي حاجة أنا عايزاها، وفي الوقت اللي أنا عايزاه…

“تقصدي إيه باللي إنتي عملتيه ده يا رهف؟؟”

رضوى كانت بتقول كده وهي ماسكة الورقة اللي أنا كلكعتها، ورميتها من شوية…

كان فيها صورة لرضوى الجميلة وهي بتنضف الأرض بشعرها الطويل..!

يا لهوي! إنتي وصلتيلها إزاي؟؟

أكيد مش ليث اللي إداهالك…

كنت غيرانة جدا من تباهيها بالمهارات بتاعتها، وبإنها وعدت ليث إنها هتعمله أكلة لذيذة جدا لضيوفه…

من كتر الغيظ اللي أنا كنت فيه، لقيت نفسي بحتل المطبخ، وبرسمها بالشكل ده…

لكن أنا مكسوفة جدا من ليث، ومن الفكرة اللي خدها عني.. وكمان أنا عايزة أعتذرلها!!

“جاوبي يا رهف؟؟”

رضوى صرخت في وشي، وأنا كنت خلاص هعتذرلها، لولا اللي هي قالته بعد كده…

“أنا مش خدامة في البيت ده يا رهف.. أنا ست البيت.. ولو كنتي عايزة تتريقي على حاجة، فإنتي لازم تتريقي على نفسك وإنتي ناكرة للجميل كده، وعايشة متدلعة، ومترفهة من فلوس إنتي مش وارثاها، ولا هي بتاعتك، ومتعبتيش حتى عشان تجيبيها يا بنت العز، والغنى”

حسيت بنغزة قوية في صدري، وكنت خلاص هرمي الكتاب اللي في إيدي على وشها.. لكن مقدرتش أعمل أي حاجة، وفضلت أتوجع بس من كلامها…

هو أنا هرد عليها أقولها إيه؟؟

أرد إزاي والكلام اللي هي بتقوله ده حقيقة؟؟

هو مش أنا فعلا عالة على اللي حواليا.. والفلوس اللي ليث بيصرف عليا بيها، هي في الأصل فلوس ثروتها؟؟

بعد ما رضوى مشيت بشوية، ليث جه…

طبعا هو متعود إنه ييجي بعد ما نخلص خناقتنا أنا، ورضوى عشان ميزودش المشكلة بوجوده…

أكيد الكام دقيقة اللي فاتوا كان قاعد معاها، وبيواسيها، وبيراضيها.. ودلوقتي جه عشان يواسيني أنا.. أو يهزقني.. الله أعلم!!

“ينفع أدخل؟؟”

كان واقف عند الباب، وبيبص على الورقة المرمية على الأرض…

شوية، وخد الورقة، وفضل يتأمل فيها، وبعدين قطعها، ورماها في سلة الزبالة…

قال: “كده الموضوع خلص خلاص”

مسكين يا ليث.. هو أنت فاكر إن الموضع هيخلص بتقطيعك الورقة دي؟؟

ما افتكرش إن الموضع ممكن يخلص غير لما تقطع البنت المرسومة جوا الورقة…

قال: “إوعي تكرري حاجة زي كده تاني يا رهف.. لو سمحتي.. كفاية مشاكل”

بصيتله وأنا مخنوقة منه…

هو ده كل اللي عندك يعني؟؟

قال: “إنتي شايفة يا رهف المشاكل اللي إحنا مشغولين بيها بسبب حاجات تافهة.. عشان خاطري يا رهف، كفاية مشاكل لغاية كده.. خلينا نعيش في هدوء شوية”

كلامه استفزني، وقلت بانفعال: “هو أنا سبب المشاكل يعني؟؟”

قال: “لأ.. أنا مش قصدي كده.. بس رضوى مش بتتعمد إنها تضايقك يا رهف.. هي طيبة، ومسالمة جدا، ومش بتحب المشاكل”

حسيت بالإستفزاز زيادة، ورميت الكتاب على الأرض، وصرخت: “طبعا، مهو أنت لازم تدافع عنها.. ما هي خطيبتك، وحبيبتك.. الجميلة الغنية.. ست البيت ده، والمسؤولة عن كل حاجة فيه.. مش كده برضه؟؟”

“لأ يا رهف.. الموضوع مش كده”

قلت بعصبية: “لأ هو كده، وأنت أكيد هتقف في صفها هي، وتدافع عنها، وتبقى متحيز ليها”

ليث اتنهد بخنقة، وفضل يضرب كف على كف، وقال بنرفزة: “أنا احترت أعمل إيه معاكوا انتوا الإتنين؟؟ إنتوا على طول عاملنلي صداع بمشاكلكوا دي.. أنا مش عارف إنتوا الإتنين مش بتطيقوا بعض كده ليه؟؟”

سكت شوية، وبعدين قال: “على الأقل يا رهف.. رضوى مش بتبقى مستنية أي فرصة عشان تضايقك، ولا بتتعمد إنها تنكد عليكي.. لكن إنتي يا رهف”

سكت شوية عشان ينقي الكلام اللي عايز يقوله، وبعدين قال: “إنتي يا رهف بتصطادي أي فرصة عشان تضايقيها.. مش عارف ليه؟؟ إنتي ليه متحاملة عليها للدرجة دي؟؟ أنا نفسي أعرف ليه بجد؟؟”

سكت بعد كده، وفضل مستني ردي على سؤاله…

لما لقاني ساكتة رجع يسأل: “ليه يا رهف؟؟ إتكلمي!”

أنت لسة بتسأل؟؟

لسة مش فاهم؟؟

أنت فعلا متعرفش ليه؟؟

يعني عقلك اللي محشور جوا راسك الكبيرة دي، مش قادر يستنتج السبب لوحده؟؟

عشان أنا بحبك يا ليث..!

بحبك، وبكره أي واحدة تقرب منك…

أنت مش فاهم حاجة زي كده؟؟

الذكاء اللي عندك مش مكفي إنك تفهم اللي أنا فيه؟؟

واضح إن الفكرة دي عمرها ما هتخطر على بال ليث.. نهائي!!

عشان هو كان لسة باصصلي، ومستنيني أرد عليه، فأنا قررت إني أرد…

“عايز تعرف ليه؟؟”

قال بلهفة: “يا ريت.. على الأقل عشان اعرف المشكلة، وأحاول أحلها، ونخلص من اللي إحنا فيه ده”

ابتسمت بتريقة على أحلامي اللي عمرها ما هتتحقق…

ضيقت فتحة عيني، وجزيت على سناني وأنا بقول: “عشان هي أجمل مني”

ليث اندهش، وفتح عينه، وبقه على الآخر من كتر الذهول…

قلت: “خلاص عرفت، وارتحت؟؟”

ليث ارتبك، وقال: “هو ده السبب فعلا؟”

قلت بمكر: “أيوة هو ده.. هتقدر بقى تغير حاجة، أو تحل المشكلة دي؟؟”

ليث اتصدم، ومبقاش عارف يقول إيه..؟

شوية، وقال بارتباك: “لكن يا رهف.. معقولة يعني إنك تخلي الموضوع ده سبب عشان يحصل كل المشاكل دي؟؟”

قلت: “دي حاجة صعب عليك إنك تفهمها.. هي أجمل مني بكتير، وأنا قصادها ولا حاجة.. مش كده برضه؟؟”

كنت مستنية أسمع رد ليث بلهفة…

لو قال آه.. فأنا هقطعه بضوافري…

ولو قال لأ.. فأنا هفقع عينه…

استنيت كتير، لكن ليث مرضيش ينطق.. فضل يتلجلج، وبعدين بقى عايز يمشي من قدامي خالص..!

ليث..جاوبني بسرعة.. إوعى تهرب…

“بعد إذنك”

قال كده، وبعدين لف عشان يمشي…

مش هتعرف تهرب يا ليث…

قلت بعصبية، وانفعال: “جاوب على سؤالي”

ليث كان باين عليه الخنقة، ووشه كان محمر جدا، ومش عارف يقول إيه..؟

قلت: “أنت مش بترد عليا ليه؟؟ قول إنها كده فعلا.. ده الأعمى هيقدر يشوف حاجة زي كده عادي”

“رهف.. بالله عليكي إيه اللي إنتي بتقولية ده؟؟ إيه الجنان ده؟؟”

إداني ضهره، ومشي بسرعة وأنا بقول: “متحلمش إني ممكن أقبلها أبدا في يوم من الأيام.. متحلمش أبدا يا ليث”

……………….

كالعادة الأكل بتاع العشا كان لذيد جدا، وعجب الضيوف اللي جم…

“تسلم إيديها.. أنا كلت كتير أوي النهاردة”

سامي قال كده وإحنا بنشرب الشاي، بعد ما خلصنا عشا…

قلت بانبساط: “الله يسلمك.. الف هنا وشفا يا حبيبي”

قال بهزار: “وأنا اللي كنت بسأل نفسي العضلات اللي بتطلع كل يوم في دراعاتك دي أنت جايبها منين؟؟ أتاري من كتر الأكل الجميل ده! أنت بتبان ضخم أكتر لما بشوفك كل مرة يا راجل”

ضحكت من كلام سامي.. الحقيقة إن أنا في السنة اللي فاتت دي زيدت كام كيلو بسبب العضلات…

قلت: “لكن أنا كنت قوي أكتر وأنا بشتغل في المزرعة.. كنت ببذل مجهود، وبدرب عضلاتي كل يوم”

جت في خيالي صورة المزرعة، وأشجارها، وجمالها، وعم إياس.. حسيت إن العيشة هناك وحشاني جدا…

سامي قال: “المزرعة صح.. هو إنتوا هتعملوا فيها إيه؟؟”

قلت: “هنسيبها زي  ما هي يا سامي.. العيلة كلها متعلقين بيها جدا.. مينفعش نفرط فيها.. وآديني بتنقل بينها، وبين المصنع.. الوضع ده متعب جدا، بس هعمل إيه؟ لازم أتحمل”

قال: “بس أنت لازم تستقر في مكان واحد يا ليث.. هتعمل إيه بعد ما تتجوز؟؟”

فضلت أهرش في راسي وأنا محتار…

“خطيبتي عايزة ترجع المزرعة، وتعيش فيها.. وبنت عمي رافضة العيشة هناك تماما.. وأنا محتار، ومش عارف أعمل إيه.. حاسس إن تفكيري مشلول، ومتقيد”

سكت شوية، وبعدين كملت كلامي: “ويا ريت الإختلاف في موضوع السكن بس.. ده في كل حاجة يا سامي والله.. كل حاجة، وأي حاجة ممكن تتخيلها بيحصل مشاكل عليها.. كل يوم برجع من الشغل وأنا تعبان، ومصدع، وبلاقيهم الإتنين بيستلموني، وبيفلقوا دماغي نصين من كتر مشاكلهم”

وطيت عيني لتحت، ومسكت راسي بإيدي الإتنين من كتر اللي أنا كنت فيه بسبب اللي حصل قبل ما الضيوف ييجوا…

سامي ابتسم، وقال: “هم الستات كلهم كده.. بكره هتتعود”

قلت: “اللي يجمع اتنين ستات في بيت واحد ده أكيد مجنون.. زيي بالظبط.. المشكلة إن الصغيرة حساسة، ومزاجها متقلب، وصعبة جدا.. أنا خايف إن إنا أتكلم معاها، وتفتكر إن أنا تعبت من رعايتها.. خايف إني أجرح مشاعرها”

سامي معلقش، وأنا كملت: “أنا محتار يا سامي.. مش عايز أي حاجة كبيرة أو صغيرة تنكد عليها.. وجود رضوى بيخليها متوترة دايما.. وطبعا أنا مش هقدر أبعت رضوى، ومامتها للمزرعة، وأنا، ورهف نفضل لوحدنا هنا”

سامي قال فورا: “أيوة طبعا صعب”

“مش صعب بس يا سامي.. ده مستحيل”

قال: “طب ليه متسيبهاش عند خالتها زي ما عملت قبل كده يا ليث؟؟”

قلت وأنا بهز راسي باعتراض: “لأ يا سامي.. مستحيل.. هي مش هتعرف تعيش بعيد عن عيني”

سامي بصلي بصة شك، وقال: “أو ممكن يكون العكس!”

بحلقنا في بعض شوية.. وحسيت بابتسامة بتشق طريقها بين شفايفي…

سامي قال بهزار: “ليث الضخم.. بطوله، وعرضه، وعضلاته الكبيرة.. بنت صغيرة تشل تفكيره؟؟”

ابتسمت وأنا بقول: “ومش أي بنت!”

سامي بان عليه إنه بدأ يتكلم جد، وقال: “فكر في الموضوع كويس يا ليث.. مينفعش تحط النار جنب البنزين، وتستغرب لما تقوم حريقة”

سامي كان عنده حق في اللي بيقوله…

قلت عشان أغير الموضوع بسرعة: “أنت قابلت أستاذ ياسين؟؟ قرر إيه؟؟”

سامي ابتسم، وقال: “مبروك عليك يا عم.. أنت قدرت تكسب حب، وتقدير الراجل ده.. عشان كده وافق إنه يشتغل معاك”

فرحت جدا، وقلت: “ياه.. أخيرا وافق! الحمد لله.. شكرا ليك يا سامي على وقفتك جنبي”

كنت طالب من سامي إنه يتكلم معاه في موضوع شغله معايا، ويحاول يقنعه.. أنا كنت في أشد الإحتياج لراجل زيه عنده خبرة، وأمانة في الشغل…

الخبر ده فرحني جدا في الليلة اللي كانت مليانة مشاكل دي…

مكنتش عارف إني هدفع تمن فرحتي دي بسرعة كده!!

……………….

خبيت كل الغضب اللي جوايا عشان الضيفة اللي كانت عندنا، وقعدت اتعشيت العشا اللي كانت مجهزاه الشقرا، وأمها…

هما الإتنين كانوا مسؤولين عن المطبخ، والست اللي وظفها ليث قبل كده بتساعدهم بس…

الشقرا كانت لابسة بلوزة جميلة جدا، وكانت كتافها، وكمامها عريانين…

كانت متزينة بعقد لولي مميز جدا كانت مشترياه قبل كده…

كمان حطت ميك أب على بشرتها البيضة، وباينة في قمة الجمال، والأناقة…

أكيد جمالها، وأكلها عجبوا الضيفة جدا…

بعد ما الضيوف مشيوا مباشرة، راحت عند ليث بنفس المنظر ده…

لكن أنا طلعت أوضتي عشان أغير هدومي، والبس عبايتي، وحجابي…

وقفت قدام المراية، واتخيلت صورتها جنبي، وحسيت بالغيظ، وكنت عايزة أقطعها…

ماشي يا رضوى.. هتشوفي أنا هعمل فيكي إيه..؟

وأنا واقفة قدام المراية، صورة رضوى مكانتش راضية تروح من بالي…

مكنتش قادرة أنسى منظرها وهي واقفة بتعايرني إن أنا عايشة عالة على ورثها، وفلوسها…

كمان أنا مش قادرة أتحمل وأنا عارفة إن هي قاعدة جنب ليث دلوقتي بمنظرها ده…

حسيت إني عايزة أروح لليث حالا، وأحكيله عن اللي عملته معايا.. عشان نحط حد نهائي لحالتي معاها…

فتحت الدولاب بتاعي، وخرجت كل المجوهرات اللي أنا خدتها من بيتنا المحروق.. المجوهرات بتاعتي أنا، وليلى، وأمي الله يرحمها…

فضلت أتأمل فيها وأنا حاسة بألم شديد.. دي آخر حاجة فاضلالي من ريحتهم، ومكنتش متخيلة إني ممكن أفرط فيهم في يوم من الأيام…

حطيتهم كلهم جوا علبتين كبار، وجمعتهم في كيس مع الفيزا اللي كان ليث عاملهالي، وكمان التليفون اللي كان جايبهولي…

مسكت الكيس في إيدي، وخرجت من أوضتي عشان أروح لليث…

سمعت صوت ضحكه هو، والشقرا وهو بيرن في البيت كله…

كنت عايزة أخبط الكيس في الحيطة من كتر الغيظ اللي أنا فيه…

روحت على أوضة الضيوف.. مصدر صوت الضحك…

لقيت الباب كان مفتوح، وشوفت من الفتحة اللي خلا قلبي يتزلزل…

ليث كان شبه نايم على الكنبة، ورضوى الجميلة كانت قاعدة على نفس الكنبة، ولازقة فيه…

لأ وكمان إيه؟؟

دي كانت حاطة إيد من إيديها على صدره، وبتأكله مكسرات بالإيد التانية..!

كانوا قاعدين بيتفرجوا على التيلفزيون، وكان باين عليهم السعادة جدا…

ليث كان بياكل المكسرات، وأول ما شافني ابتسم، وقام قعد كويس بسرعة.. لكن هي ودت وشها الناحية التانية بعيد عني…

“تعالي يا رهف”

قال كده وهو الحمار بيفط من وشه..!

“المسرحية دي جميلة أوي.. أقعدي اتفرجي معانا”

أنا كنت واقفة زي التمثال، ومش عارفة أستوعب المشهد اللي أنا شوفته من شوية…

صدري كان قايد نار، لغاية ما ولع، واتفحم…

متحركتش، ومتكلمتش.. وتقريبا كده حتى متنفستش…

أنا مش حاسة بأي هوا داخل صدري نهائي…

ليث، ورضوى بصوا لبعض، وبعدين بصوا على الكيس…

ليث قال: “في حاجة يا رهف؟؟”

كان نفسي أخنقه…

أو أفطسه عشان ميعرفش يضحك…

أو أكسر بقه اللي بياكل المكسرات من إيديها…

أو أقطعه مية حتة…

أو أشرحه بضوافري…

ماشي يا ليث!

قلت بصوت مخنوق: “أنا عايزة أتكلم معاك”

لقيت علامات الهزار اللي كانت مرسومة على وشه العريض اختفت، وبدأ يتكلم جد، وقال: “خير؟؟ قولي يا رهف عايزة إيه؟؟”

روحت ناحيته وأنا النار قايدة جوايا، ورميت الكيس جامد ليه…

لولا إني اتمالكت نفسي على آخر لحظة، كنت هرمي الكيس على مناخيره المعكوفة، وأكسرها زيادة…

الكيس وقع تحت رجله بالظبط، وهو بصله باستغراب، وسأل: “إيه ده؟؟”

قلت بانفعال: “دي المجوهرات بتاعتي”

ليث بان عليه الإستغراب زيادة..!

أنا قلت عشان أوضح: “أنا عارفة إن هي مش هتكمل كل المصاريف اللي أنت صرفتها عليا من ساعة ما بابا، وماما إتوفوا.. لكن دول كل اللي أنا أملكه في الدنيا”

من شوية ليث كان شبه نايم على الكنبة، لكن دلوقتي هو قرب يقوم يقف من كتر ما هو مشدود…

“تقصدي إيه يا رهف؟؟ أنا مش فاهم حاجة”

قلت بصوت عالي: “خدهم يا ليث.. عشان محدش يعايرني إن أنا عالة على ثروته تاني”

بصيت على رضوى بنظرة مليانة شرار، وهربت فورا من الأوضة…

ممكن أكون خبطت في الحيطة، أو اتكعبلت في سلمة، أو وقعت على الأرض.. لكن أنا مكنتش شايفة الطريق اللي قدامي…

كل اللي كان قدام عيني هي صورة الشقرا وهي لازقة في ليث، وبتأكله…

ليث جه جري ورايا، ووقفني وأنا كنت على أعلى درجة في السلم، وهو تحت…

سمعته بيقول بنبرة حادة: “إستني يا رهف.. فهميني إنتي تقصدي إيه؟؟”

لفيت، وبصيتله، وشوفت رضوى وهي جاية من وراه…

بصيتلهم بعصبية، وبعدين بصيت على رضوى، وقلت: “إسألها”

ليث بص على رضوى، وبعدين عليا، وبعدين على رضوى تاني، وقال: “إيه اللي حصل بالظبط؟؟ ممكن تفهموني؟؟”

قلت: “كده فاضل تمن التذكرة بس هو ده اللي هتدفعهولي، وأول ما أوصل عند خالتي هخليها تديهولك فورا.. دلوقتي بقى.. ينفع ترجعني عند خالتي؟؟”

ليث اتعصب، وجز على سنانه وهو بيقول: “إنتي تقصدي إيه يا رهف؟؟ أنا مش فاهم أي حاجة.. ممكن واحدة فيكوا تتبرع، وتفهمني إيه الموضوع؟؟”

فضل باصص على رضوى، ومستنيها هي تتكلم…

رضوى قالت: “أنا مكنتش أقصد حاجة باللي أنا عملته.. هي فهمت غلط”

تقصدني أنا صح؟؟

أعصابي فلتت، وقلت وأنا بصرخ: “لأ إنتي تقصدي يا رضوى.. إنتي بتعايريني بإن أنا عايشة عالة على ابن عمي.. لكن لازم تبقي عارفة إن هو اللي أجبرني إني آجي هنا.. مهو أنا لو كان عندي أب، وأم، أو حتى بيت، وأخوات، أو أي حد يؤويني مكنتش هضطر إني أفضل معاكي تحت سقف بيت واحد”

الأربع عيون اللي كانوا باصينلي بان عليهم الذهول.. ذهول خلا لسانهم يتخرس…

كملت كلامي: “لكن هم ماتوا، وبيتي إتحرق، ومش باقيلي حاجة غير شوية المجوهرات دي.. خدوهم، وخلوني أمشي بكرامتي”

ليث قال بانفعال: “مالك يا رهف؟؟ إيه اللي إنتي بتقوليه ده، إنتي إتجننتي؟؟”

قلت بعصبية أكتر: “أرجوك رجعني عند خالتي.. لو سمحت.. ده لو كانت كرامتي فارقة معاك في حاجة يعني؟؟”

“كرامة إيه، وجنان إيه اللي إنتي بتقوليه ده؟؟”

بص على رضوى بعصبية، وقالها: “إنتي قلتيلها إيه؟؟”

رضوى قالت وهي بتهاجمني، وبتدافع عن نفسها في نفس الوقت: “ولا حاجة يا ليث.. أنا بس طلبت منها إنها تحترمني.. بدل ما ترسمني بالصورة المهينة دي”

ليث كرر كلامه بعصبية، وزعيق: “قلتيلها إيه يا رضوى؟؟ إتكلمي؟”

رضوى قالت: “مهو الحقيقة يا ليث إن هي عايشة على ثروتي، وعلى تعبك.. ومش بتقدر، ولا بتحترم أي حد فينا”

ليث فضل يلف عينه عليا أنا، وهي، ومبقاش عارف يقول إيه..؟

كنت شايفة وشه وهو قايد نار، وصدره وهو طالع نازل عشان يعرف يتنفس من كتر العصبية اللي هو فيها…

خبط إيده في الحيطة جامد، وقال بصوت عالي جدا: “إنتي إزاي تقوليلها حاجة زي كده يا رضوى؟؟”

رضوى أعصابها فلتت، وقالت: “لو كان اللي بيحصل ده يرضيك، فأنا ميرضينيش.. ولو كنت أنت متحملها عشان هي بنت عمك، فأنا ذنبي إيه عشان أتحمل الإحسان ليها أو الإهانة منها وهي ناكرة للجميل بالشكل ده؟؟”

كلامها هيج أعصابي أكتر، وأكتر، وزود جناني…

صرخت من غير ما أفكر: “أنا مش مستنية الإحسان من حد على فكرة.. ليث بيصرف عليا عشان هو المسؤول عني، وعن إحتياجاتي والواصي عليا.. وهو اللي إختار إنه يتكفل بيا بعد ما عمي اتوفى.. هو إنتي مش شايفة إن أنا واحدة يتيمة، ومليش حد في الدنيا ياخد باله مني؟؟ أنا أهلي مسابوليش ورث لما ماتوا كلهم زي ما عمك سابلك.. والثروة اللي إنتي بتعايريني بيها دي.. ليث هو الأحق بيها منك إنتي، ومن أي إنسان تاني في الدنيا دي”

سكت عشان أعرف آخد نفسي، وبعدين قلت لليث: “عرفها يا ليث إن الثروة دي من حقك أنت”

ليث قال بانفعال: “رهف”

قلت بإصرار: “بقلك عرفها”

ليث زعق: “كفاية يا رهف”

بصيت على رضوى اللي كان باين عليها الذهول من كلامي، وقلت: “الثروة دي عمرها ما هتعوضه عن التمن سنين اللي قضاهم في السجن بين المجرمين.. بسبب إبن عمك الحقير الحيوان”

“رهف”

ليث زعقلي، وتقريبا ده اللي كسر السد اللي كان حاجز باقي الكلام جوايا…

لساني إشتغل زي الماتور، وماكنش في أي حاجة ممكن توقفه…

“بعد كل اللي الحقير ده عمله فيا، وفي إبن عمي.. إنتي تيجي عشان تنكدي عليا حياتي.. هو مش كفاية اللي ضاع منها لغاية دلوقتي؟؟ مش كفاية اللي أنا عانيته، وبعاني منه لغاية النهاردة؟؟ أنا بكرهك يا رضوى.. بكرهك، وبتمنى إنك تخرجي من حياتي.. بكرهك.. بكرهك.. إنتي مش فاهمة؟؟”

بصيت على الإتنين بصة مليانة غضب، ولفيت عشان أطلع الأوضة…

سمعت صوت خبطة، ولفيت تاني عشان أشوف في إيه..؟

رضوى فقدت توازنها، ورمت جسمها على الحيطة وهي مذهولة، وليث فضل واقف عند أول سلمة، وكان باصللي باندهاش، ومتفاجئ من اللي أنا عملته…

“إنتي ليه بتجبرني إن أنا أعيش معاها يا ليث؟؟ قلي ليه؟؟ لو أنت بتحبها فأنا بكرها كره العمى، ومش بطيقها، وبكرهك أنت كمان، ومش عايزة أعيش معاكوا.. إنتوا بتخلوا حياتي تعيسة جدا، وبتندكوا عليا.. أنا بكرهكوا إنتوا الإتنين.. رجعني لخالتي.. رجعني لخالتي بقلك”

الكلام ده فجرته في وش ليث، وجريت بسرعة، وطلعت على أوضتي…

……………

فضلت واقف عند أول سلمة في السلم، وكنت مذهول من اللي أنا سمعته من رهف…

حسيت ساعتها إني مشلول فكريا، وجسديا…

رهف اختفت من قدامي بعد ما صرخت في وشي: (بكرهك يا ليث)

مش ودني هي اللي سمعت.. ده قلبي هو اللي سمعها، واتقبض من بعد الصدمة دي…

بصيت ورايا، ولقيت رضوى واقفة، ولازقة في الحيطة، ومبحلقة فيا.. كانت قربت تخرم عيني، وتعبيرات الإندهاش كانت طاغية على وشها المتلون…

كانت سهرة جميلة، وكنت مستمتع جدا مع سامي، وابنه…

وبعدين سهرت أنا، ورضوى، وكنا بنتفرج على مسرحية جميلة، وبتضحك جدا.. كانت كل حاجة ماشية زي الفل لغاية من كام دقيقة بس…

ليه يا رهف؟؟

ليه؟؟

“ليث”

رضوى ندهت عليا بصوتها المتقطع بسبب الصدمة اللي هي سمعتها…

أكيد هي دلوقتي عايزة تسمع تاني كل حاجة بالتفصيل…

“ليث.. ليث.. هي رهف كانت بتقول إيه؟؟”

بصيت على رضوى، ومتكلمتش…

رضوى قربت مني خطوة خطوة بالراحة.. كإن رجليها بتقلت، ومبقتش قادرة ترفعها…

أول ما بقت قدامي، أنا وديت وشي الناحية التانية…

نظراتها كانت قوية، وحادة جدا…

لقيتها فجأة بتمد إيدها ناحيتي، ويتشاور عليا بصوباعها، وبتسأل: “ليث.. هو أنت اللي.. قتلت علي؟؟”

لما سمعت إسمه مقدرتش أبعد عيني عنها، وبصيتلها وأنا مبحلق جامد…

“ليث.. أنت فعلا؟؟”

بقيت مجبور إني أجاوب عليها، وقلت: “أيوة.. أنا اللي قتلت علي القذر.. ابن عمك”

رضوى رفعت إيديها، وحطتها على بقها، وشهقت جامد، وحسيت وقتها إن الزمن وقف تماما…

مكنتش حاسس غير بنقط العرق وهي بتنزل على جسمي، والسخونية وهي بتهب من كل حتة فيا…

مكنتش قادر أبعد عيني عن عينها المتشعلقة بيا…

بدأت دلوقتي تهز راسها وهي في دهشة ما بعدها دهشة…

“لأ.. لأ أنا مش مصدقة يا ليث”

سكتت عشان تاخد نفسها، وكملت: “كل الوقت ده.. وأنت مخبي عني.. أنا مش مصدقة اللي أنا بسمعه”

حركت إيديها، ومسكت كتفي جامد، وقالت: “الكلام ده مش صح يا ليث.. أنت بتهزر مش كده؟؟”

قلت بنبرة حازمة: “قتلته، ودخلت السن.. ومش ندمان أبدا على اللي أنا عملته.. هي دي الحقيقة يا رضوى.. فهمتي دلوقتي؟؟”

رضوى بعدت عني وهي بتقول: “لأ.. لأ.. مستحيل”

وبعدين، وقفت، وبصتلي: “أنت قتلته ليه؟؟ إيه اللي خلاك تعمل كده؟؟”

“عشان هو يستحق الموت.. الحيوان.. الحقير.. الزبالة”

رجعت تسأل تاني وهي مندهشة، وصوتها رايح: “ليه يا ليث؟؟”

رديت عليها بضربة جامدة من إيدي لسور السلم.. كنت قربت أكسره…

رضوى كررت سؤالها: “ليه؟؟ عرفني؟؟”

لما مرضتش أجاوبها، جت ناحيتي تاني، ومسكت دراعاتي الإتنين، وقالت بصوت عالي: “عرفني ليه؟؟ ليه؟؟”

صرخت في وشها: “عشان هو حيوان.. متعرفيش يعني إيه حيوان؟؟”

رضوى هزت راسها وهي بتقول: “أنت مخبي عني إيه يا ليث؟؟ قلي؟؟ خبيت عني الموضوع ده ليه من الأول؟؟ ليه معرفتنيش؟؟ ليه؟؟”

بدأت دموعها تنزل زي المطر…

حسيت إن أنا بتخنق.. الهوا اللي كان حواليا ماكنش كفاية عشان أتنفس…

بعدت إيديها عني، وإديتها ضهري، ومشيت ناحية مدخل البيت…

رضوى ندهت: “أنت رايح على فين؟؟ أنت هتسيبني بالمنظر ده يا ليث؟؟ قلي أنت مخبي عليا إيه؟؟”

مقدرتش أجاوب عليها.. أنا كنت مخنوق لدرجة إني ممكن أكسر المدينة كلها من كتر العصبية اللي أنا فيها…

“ليث.. بقلك رايح فين؟؟”

صرخت: “سيبيني في حالي يا رضوى”

مديت بسرعة ناحية الباب، ومشيت من البيت…

الساعة كانت إتناشر بليل.. ومكنتش هسيب البيت في الوقت ده لولا إني كنت هموت من كتر الخنقة…

كنت عايز أهدى بعيد.. وأعيد الشريط من الأول، وأركز في اللي حصل الليلة دي بالظبط، وأستوعبه كويس…

روحت عند البحر، وفضلت أرفس في الرملة بتاعته، وأدب في الحجارة اللي على الشط من كتر الضغط اللي أنا فيه…

سيبت نفسي زيي زي أي إنسان عنده مشاعر، وكل حاجة ضاغطة عليه.. وقعدت أعيط…

دروت على الساعة بتاعتي، وملقيتهاش، ودورت كمان على الموبايل، وبرضه ملقتهوش…

ملقيتش في جيبي غير ميدالية المفاتيح…

الميدالية اللي رهف جابتهالي هدية أول يوم العيد…

معرفش عدى وقت قد إيه وأنا قاعد بنفس الوضع؟ لكن خدت بالي إن الشروق بدأ يطلع، ويكسر سواد الليل…

لما وصلت البيت، لقيته غرقان في صمت مخيف…

كنت عايز أتطمن على البنتين قبل ما أنام…

روحت الأول على أوضة رضوى، ولقيتها فاتحة الباب، ومنورة النور، ونايمة وهي قاعدة على الكرسي…

فهمت من كده إن هي نامت وهي قاعدة مستنياني أرجع…

روحت على أوضتي، ووقفت عند الحيطة اللي فاصلة بينها، وبين أوضة رهف…

في اللحظة دي افتكرت أحداث الليلة اللي فاتت، ومعدتي بدأت تهيج…

صليت، ولبست هدوم البيت، واترميت على السرير، وحاولت أنام.. لكن محاولتي باءت بالفشل..!

منمتش لحظة واحدة حتى، وفضلت أراقب الشمس وهي بتطلع في السما ساعة ورا التانية… 

حمدت ربنا إن اليوم ده أجازة.. لولا كده كان زماني غيبت من الشغل بسبب التعب اللي أنا كنت فيه…

معملتش أي حاجة غير إن أنا قاعد بفكر، ودماغي بتتعصر من كتر التفكير…

لما الساعة جت عشرة ونص، سمعت صوت خبط على باب أوضتي..!

“إتفضل”

دي كانت رضوى…

على غير عادتها، مبدأتش كلامها بإنها تصبح عليا…

“أنت صحيت؟؟”

سألتني وهي وشها غرقان في الحزن…

“إسأليني الأول أنا نمت، ولا لأ أصلا؟؟”

رضوى معلقتش، وقالت: “ينفع نتكلم دلوقتي؟؟”

“إتفضلي”

طبعا إنتوا عارفين هي هتتكلم في إيه..؟

يا فتاح يا عليم يا رب…

“أنا عايزة أعرف تفاصيل قتل علي.. وليه خبيت الحقيقة عني؟؟ وإيه علاقة كل ده برهف؟؟”

اتنهدت، وبعدين قلت: “هو ده هيغير حاجة يعني؟؟”

رضوى قالت بسرعة: “آه طبعا.. هيغير كل حاجة”

مكنتش عارف هي تقصد إيه باللي هي بتقوله..؟

بصراحة كده، أنا مبقاش فارق معايا أي حاجة تحصل بعد كده…

أنا شايف إن مفيش أي حاجة تستاهل إني أنشغل بيها دلوقتي…

“ماشي يا رضوى.. أنا كنت معرفك إني مستني الوقت المناسب عشان أقلك على موضوع مهم.. ومبقاش في أي معنى للسكوت أكتر من كده”

“طيب.. يبقى يلا عرفني كل حاجة”

اتنهدت تنهيدة عميقة، ودماغي رجعت بالزمن لورا، وضاعت في أعماق الذكريات…

“من حوالي تسع سنين أو أكتر.. قتلت علي، ودخلت السجن.. وهناك اتعرفت على باباكي.. وبالصدفة البحتة قبل ما يتوفى وصاني عليكي إنتي، ومامتك، ومات وهو ميعرفش إن أنا اللي قتلت إبن أخوه.. أو تقريبا هو ميعرفش إن إبن أخوه إتقتل أصلا”

رضوى كانت بصالي كويس، وبتسمع اللي أنا بقوله باهتمام…

لما خلصت كلامي، بصت عليا باستغراب، وسألت: “هو ده كل حاجة؟؟”

قلت وأنا متضايق: “آه”

هزت راسها باستنكار، وقالت: “متخبيش عليا حاجة يا ليث.. عرفني الحقيقة كلها”

“إنتي عايزة تعرفي إيه بالظبط؟؟”

“أنت ليه قتلت علي؟؟”

فضلت ساكت، ومردتش على سؤالها…

“ليه يا ليث؟؟”

رديت، وقلت: “هو إنتي يهمك في إيه يعني؟؟”

“أكيد يعني يهمني إني أعرف حاجة زي كده”

قلت: “بس ده ماكنش فارق معاكي قبل كده”

سكت شوية، وبعدين قلت: “إنتي فاكرة لما ارتبطتي بيا في الأول، ومسألتنيش على سبب دخولي السجن، ولا سألتيني أنا قتلت مين، وليه؟؟ ولا كان فارق معاكي أي حاجة”

رضوى قالت: “لأ، بس ده كان قبل ما أعرف إن الضحية يبقى ابن عمي”

الجملة هيجتني، وقلت بانفعال: “الضحية؟؟ هو إنتي بتقولي على الحقير ده ضحية؟؟”

رضوى بحلقتلي، وبعدين طلقت لسانها، وقالت: “هو ده اللي هيجنني.. أنت ليه بتقول عليه حقير، وحيوان، وقذر؟؟ هو عمل إيه؟؟ إيه اللي حصل؟؟ إيه اللي كان حاصل بينك، وبينه؟؟ وإيه اللي خلاك تقتله؟؟”

فضلت ساكت، ومجاوبتش على أسألتها…

“ليث.. رد عليا”

وديت وشي الناحية التانية، لكن هي حاصرتني من كل الجوانب…

“أنت ليه مش راضي تجاوب يا ليث؟؟ مبدئيا كده، أنا مش مصدقة إنك ممكن تقتل أي حد مهما حصل.. يبقى إيه اللي خلاك بقى تقتل إبن عمي؟؟”

قلت بانفعال: “يا ريت متقوليش عليه ابن عمي يا رضوى عشان دي حاجة مقرفة جدا”

“ليث!”

قلت بنفاذ صبر: “إسمعي يا رضوى.. أنا مش هقدر أقول على السبب اللي خلاني أقتله.. أنا قتلته وخلاص.. ومش ندمان، وعمري ما هندم على حاجة زي كده”

سكت شوية، وبعدين كملت: “أرجوكي يا رضوى، أنا تعبان جدا.. كفاية لغاية كده”

رضوى بقت محتارة، وفضولها زاد جدا، وكانت عايزة تعرف أكتر عن اللي حصل، لكن أنا رفضت إني أنطق بحرف واحد زيادة عن الموضوع…

لقيتها سألت فجأة: “هي رهف تعرف الموضوع ده؟؟”

هي عرفت الإجابة لوحدها من تعبيرات الإنفعال اللي كانت على وشي…

كانت مترددة شوية، وبعدين سألت: “طب هي ثروتي ليها علاقة بالموضوع ده؟؟”

“ثروتك؟؟ تقصدي إيه يا رضوى؟؟”

قالت: “أقصد يعني.. أنت كنت تعرف حاجة عن موضوع ثروة عمي ده قبل ما نتجوز؟؟”

سؤالها صدمني، ووقفت فجأة وأنا مذهول.. زي اللي لدغه تعبان…

قلت: “إيه اللي إنتي بتقوليه ده؟؟ إنتي بتفكري إزاي؟؟”

رضوى وقفت هي كمان، وأعصابها فلتت، وقالت: “أنا مش عارفة أنا بقول إيه؟؟ ولا بقيت عارفة أفكر إزاي؟؟ أنا دماغي هتتشل.. من شوية صغيرين لسة عارفة إن خطيبي قتل إبن عمي.. وأنت حتى مخبي عني حقيقة الموضوع، ورافض تقول أي حاجة.. أنت عايزني أفكر إزاي يا ليث؟؟ أنا قربت أتجنن…”

في الحقيقة أنا عمري ما شوفت رضوى بالحالة دي قبل كده…

قلت بعصبية: “جوازنا ملهوش أي علاقة بالموضوع ده يا رضوى.. متروحيش بتفكيرك لحتت بعيدة، ومتسلميش دماغك للشيطان”

رضوى صرخت: “يبقى عرفني الحقيقة دلوقتي”

“حقيقة إيه تاني يا رضوى؟؟”

“قتلت علي ليه، وخبيت الموضوع عليا ليه؟؟ وليه مش عايزني أعرف السبب؟؟”

رفعت إيدي الإتنين، وحطيتهم على راسي عشان متنفجرش من كتر الصداع…

“قلي ليه يا ليث؟؟”

قلت بزعيق: “بالله عليكي يا رضوى متضغطيش عليا أكتر من كده.. أنا مش هقدر أعرفك الأسباب”

وش رضوى الأبيض إحمر جامد، وقالت بانفعال: “طيب.. يبقى أنا هروح أعرف السبب من رهف”

خلصت كلامها، وراحت ناحية الباب…

بعدت إيدي عن راسي، وسيبته عشان ينفجر، وندهت بصوت عالي عليها: “إستني يا رضوى”

لكن رضوى كانت خلاص خرجت من أوضتي…

طبعا عشان أنا أوضتي قريبة جدا من أوضة رهف.. أول ما خرجت من عندي، خبطت على باب رهف، وندهتلها فورا…

جريت وراها عشان ألحقها…

“إستني يا رضوى.. إوعي بالله عليكي”

قلت كده وأنا بحاول أشيل إيديها من على الباب…

“سيبني يا ليث.. أنا عايزة أعرف اللي إنتوا مخبيينه عني”

شديت رضوى بقوة، لغاية ما وجعتها، وبعدين صرخت في وشها: “إبعدي عنها يا رضوى.. مش كفاية اللي إنتي عملتيه إمبارح؟؟ كفاية بقى”

“أنا؟؟ أنا عملت إيه؟؟”

“الكلام اللي إنتي قلتيه لرهف عن ثروتك، وعن اللي صرفتيه عليها من فلوسك.. مع إن إنتي عارفة يا رضوى إن أنا محتفظ بدفتر موجود فيه كل المصروفات.. وإن اللي أنا بديهولها ده من تعبي، ومجهودي أنا.. مش من فلوسك”

الباب إتفتح في اللحظة دي، ورهف بصت علينا…

أول ما عيوننا إتلاقوا، اتولد شرار كبير…

إنتوا شوفتوه مش كده؟؟

فضلنا نبص لبعض إحنا التلاتة، ومفيش حد اتكلم…

بعد كام دقيقة، رهف اتكلمت: “نعم؟؟ عايزين إيه؟؟”

فضلت تبص علينا إحنا الإتنين، ومنطقناش ولا أنا، ولا رضوى…

رهف قالت: “مين اللي خبط على الباب؟؟”

دلوقتي رضوى ردت: “أنا اللي خبطت”

رهف سألت بانفعال: “عايزة إيه؟؟”

رضوى اترددت شوية، وبعدين قالت: “بصي أنا هسألك سؤال واحد بس”

في اللحظة دي قلت عشان أمنعها إنها تنطق: “رضوى.. أنا قلت لأ”

رضوى بصتلي وهي معترضة، وقالت: “لكن يا ليث…”

زعقت جامد في وشها: “قلت لأ.. إنتي مش سامعة؟؟”

رضوى بلعت لسانها، وسؤالها، ومشيت وهي شايطة من كتر العصبية…

كده مش فاضل غيري أنا، ورهف، وكام سنتي فاصل بيني، وبينها…

الشريط بتاع ليلة إمبارح كان معروض قدامنا…

عيوننا كانت بتحضن بعض، ونفسنا كان مكتوم…

رهف رجعت لورا عشان تقفل الباب…

“استني”

وقفتها.. ماكنتش عايزها تبعد عني غير لما ارتاح شوية بس…

“عايز إيه؟؟”

“عايز نتكلم، ولو شوية صغيرين”

ردت بلهجة ناشفة: “أنا مش عايزة أتكلم معاك.. إبعد عني لو سمحت”

دخلت الأوضة، وقفلت الباب بالراحة.. بس أنا حسيت إن هو خبط جامد في وشي.. أنا متأكد دلوقتي إن مناخيري غرقانة دم…

قعدت في الصالة، واستسلمت للأفكار إنها تلعب في دماغي، زي ما المضرب بيلعب بكورة التنس…

بعد كده كنت عايز أشرب شوية شاي.. لعله يخفف شوية من الصداع اللي في راسي…

نزلت للدور اللي تحت، وروحت على المطبخ…

لقيت خالتي فيردا، ورضوى قاعدين حوالين الترابيزة، ووشهم مقفول…

“ليث”

بصيت على رضوى اللي ندهت عليا، وكان باين على وشها تعبيرات الغضب…

“أنا عايزة أرجع المزرعة في أقرب وقت ممكن”

بحلقت لرضوى وأنا مش مستوعب لجملتها الأخيرة دي…

سألت: “إيه؟؟”

ردت عليا بنبرة حازمة: “بقول عايزة أرجع المزرعة.. وفورا”

بصيت على خالتي، ولقيتها هربت بعنيها للأرض…

رجعت بصيت على رضوى، ولقيتها مستنية جوابي…

قلت: “هو إنتي بتقولي إيه؟؟”

“اللي سمعته يا ليث.. ممكن بقى تجهزلي التذاكر أنا، وأمي عشان نرجع المزرعة؟؟ ولو مش هتقدر تيجي معانا مش مشكلة.. إحنا هنعرف ندبر أمورنا في المطار، والطيارة.. متقلقش”

رجعت أبص على خالتي، ولقيتها لسة مبحلقة في الأرض…

“يا خالتي”

بصت عليا لما ندهتلها، فسألتها: “إنتي سامعة اللي أنا سامعه ده؟؟”

خالتي فيردا إتنهدت شوية، وبعدين قالت: “أيوة يا إبني سامعة.. خلينا نرجع لأرضنا.. البعد طول، والحنين قتلنا يا إبني”

بكده أنا فهمت إن الموضوع هما متكلمين فيه، ومتفقين عليه من الأول…

رجعت أكلم رضوى: “إيه القرار المفاجئ ده يا رضوى.. مش ممكن ده يحصل.. وإنتي عارفة كده كويس”

رضوى قالت بنبرة حادة: “لو سمحت يا ليث أنا مش عايزة أناقش الموضوع ده أكتر من كده، ومش مستنية تقلي ينفع، ولا مينفعش.. أنا بعرفك بس بقراري، وطالبة منك تجيبلي التذاكر…”

“رضوى”

“ده قراري النهائي، ومتحاولش معايا لإني مش هغيره.. لو سمحت يا ليث إحترم رغبتي”

حاولت معاها على الفاضي.. كل محاولاتي باءت بالفشل.. وأصرت رضوى، ومامتها إنهم يرجعوا المزرعة، وبأسرع ما يمكن…

سيبت المياه بتاعة الشاي تغلي، وتتبخر، وممكن كمان تحرق البراد…

خرجت بعد كده من البيت.. مكنتش عايز أهرب.. بس كنت عايز أبعد عن أي خناقة جديدة ممكن تحصل بوجودي…

حاولت أرتب أفكاري من جديد.. لكن مقدرتش أكمل.. تعبت من كتر التفكير، وحسيت بوجع شديد جدا في معدتي…

لما رجعت بعد غروب الشمس، لقيت رضوى، ومامتها جهزوا الشنط، واستعدوا للسفر…

“بالله عليكي يا رضوى.. إنتوا عارفين إنكوا مينفعش تسافروا”

قالت: “ليه؟؟”

قلت: “إنتي عارفة كويس.. مينفعش أنا، ورهف نقعد لوحدنا في البيت”

حسيت إن كلامي ده ولع نار في وشها.. أنا عمري ما شوفت رضوى متضايقة للدرجة دي قبل كده…

“عشان خاطر رهف برضه؟؟ خلاص بقى يا ليث.. أنا مبقاش يهمني إيه اللي أنت بتعمله، وإيه اللي مش بتعمله عشان الست رهف.. دبرلها أمورها بعيد عني، وعن حياتي.. أنا مليش علاقة بالبنت دي من هنا، ورايح”

بعد كده سابتني، ومشيت من المكان اللي أنا فيه…

“خلينا نمشي من هنا يا إبني.. كده هيكون أحسن لينا كلنا”

قلت وأنا معترض: “إزاي بس با خالتي.. إنتي عارفة إن رهف بتدرس في الكلية هنا، ومش هقدر آخدها، وأقعد بيها في المزرعة.. كده هتبقى بعيدة عن دروسها.. وبرضه مقدرش أفضل هنا لوحدي معاها.. عشان خاطري قدري موقفي يا خالتي.. أرجوكي.. حاولي تقنعي رضوى إنها تغير قرارها المفاجئ ده”

لكن خالتي هزت راسها باعتراض، وقالت: “بنتي تعبت يا ليث.. شافت، واستحملت حاجات كتير منك، ومن بنت عمك.. برغم كل حاجة بتعملها عشانك.. أنت صدمتها جامد، وصدمتني أنا كمان.. خلينا نرجع لمرزرعتنا، ونتنفس الهوا بتاعها عشان نرتاح.. ربنا يرحمك، ويريح بالك يا إبني”

مقدرتش أبص لعنيها أكتر من كده.. ومتجرأتش إني أقول أي كلمة تاني.. حسيت بالكسوف من نفسي وأنا واقف قدامها، وشايل ذنبي الكبير…

قدام كل اللي عيلة فهيم عملوه عشاني.. أنا صدمتهم، وخذلتهم…

قد إيه أنا حاسس بالذنب..!

بس.. هم مش كانوا عارفين من الأول إن أنا مجرم، وخريج سجون؟؟

هو هيفرق في إيه لو قتلت علي، أو لو قتلت أي حد غيره؟؟

هو أنا كان المفروض إني أقول لرضوى على السر بتاعي من البداية؟؟

اليوم ده كان من أسوء أيام حياتي…

حاولت إني أنام تاني.. لكن برضه من غير أي نتيجة…

حاولت إني أروح لرهف.. لكن متجرأتش…

حاولت أتلكم مع رضوى.. لكن هي صدتني…

قبل غروب الشمس، روحت لمكتب الحجز، وحجزت أربع تذاكر سفر للشمال…

رجعت بعد صلاة العشا وأنا شايل معايا أكل كنت مشتريه من المطعم…

كنت حاسس بالجوع، والتعب.. آخر حاجة كلتها كانوا شوية مكسرات في ليلة إمبارح…

رضوى كمان معملتش أي أكل النهاردة في البيت…

“أنا جيبت معايا بيتزا عشان ناكل.. أكيد إنتوا جاعنين، وقاعدين من غير ما تاكلوا حاجة طول النهار زيي”

قلت كده وأنا بحط الأربع علب اللي في إيدي على الترابيزة اللي في أوضة الأنتريه.. في المكان اللي كانت رضوى، ومامتها قاعدين بيتفرجوا على التيلفزيون فيه…

الست فيردا ابتسمت ابتسامة سطحية، ورضوى متحركتش…

فتحت العلبة بتاعتي، وقطعت حتة بيتزا سخنة، وجميلة، وكلتها بشراهة كبيرة…

“طعمها حلو أوي.. تعالي يا روضوى.. خدي البيتزا بتعاتك عشان تاكلي”

مديت إيدي ليها بعلبة من العلب.. لكن هي مرضيتش تاخدها من إيدي…

قلت عشان أشجعها: “يلا إمسكي.. دي لذيذة جدا على فكرة”

إنتوا عارفين هي ردت قالت إيه؟؟

“خدها، وإديها لبنت عمك.. أكيد هي هتموت من الجوع وهي محبوسة في أوضتها، ومخرجتش منها من إمبارح”

اتفاجئت، واتغاظت جدا من ردها…

معملتش أي حاجة في اللحظة دي، غير إني حطيت العلبة مكانها، ورجعت الحتة اللي كانت في إيدي جوا العلبة…

الجو بقى مشحون جدا…

خالتي لما شافت الوضع كده، جت خدت العلبة بتاعتها، وحطتها على الكنبة بينها، وبين رضوى، وقعدت تاكل…

لكن رضوى مرضيتش تلمس الأكل…

أنا مسكت العلبة التالتة، وقمت، وقلت وأنا خارج من الأوضة: “تمام.. أنا رايح عشان أديها الأكل فعلا”

مش عارف هم إتكلموا في إيه بعد ما أنا مشيت؟؟

روحت عند أوضة رهف، وخبطت عليها الباب: “أنا جيبتلك البيتزا اللي إنتي بتحبيها.. إفتحي عشان تاخديها”

ردت عليا: “أنا مش عايزة منك حاجة”

بلعت كلامها اللي زي السم ليا، وأجبرت لساني إنه يتكلم تاني، ويقول: “ليه يا رهف؟؟ إنتي هتفضلي صايمة كده لغاية إمتى؟؟ إنتي عايزة تموتي من الجوع؟؟”

ردت عليا: “الموت أكرملي من إني آكل من ثروة الناس الغريبة”

ردها استفزني، فخبطت على الباب جامد وأنا بقول: “إيه اللي إنتي بتقوليه ده يا رهف؟؟ إفتحي الباب عشان نتكلم”

لكن هي صرحت: “سيبني في حالي”

مقدرتش أعمل حاجة غير إني أنسحب وأنا قلبي مكسور…

فردت جسمي على كنبة في الصالة اللي فوق، وفي وسط الضلمة، والسواد.. مكنتش شايف غير السواد وهو بيلون حياتي، وطريقي، وأفكاري…

عدت ساعة ورا التانية، والأرق كان بياكل دماغي، والتعب بيعصر جسمي، والجوع مخلي معدتي بتصرخ، وعيني ماغمضتش، ولا بالي إرتاح خالص…

بعد هدوء طويل، سمعت صوت باب من البيبان بيتفتح…

أكيد دي رهف..!

مهو الخالة فيردا، ورضوى نايمين في الناحية التانية من البيت، ومفيش هنا غيري أنا، ورهف…

لتكملة القصة اضغط الزر بالاسفل



هل كان المحتوى مفيداً؟

نعم
لا
شكرا لك

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى