قصص رومانسية

رواية صغيرتي (الجزء العاشر)

“إنتوا كويسين؟؟”

سألت رضوى، ورهف وأنا مخضوض عليهم…

رضوى وقفت بالراحة، وسندت على الحيطة، لكن رهف فضلت في مكانها تتوجع، وتصرخ…

مقالات ذات صلة

“رهف.. إنتي كويسة؟؟”

رهف فضلت تعصر في وشها من كتر الوجع، والدموع نزلت من عينيها الوارمين…

قلت: “رهف؟؟”

جاوبت وهي بتتوجع، وبتعيط، وبتصرخ: “إيدي.. رجلي.. آه.. تقريبا اتكسروا”

اتخضيت عليها جدا…

قربت عليها، وقعدت جنبها بالظبط، وسألت: “هي دي؟؟”

كنت حاطت إيدي على إيديها اليمين.. وهي صرخت، وبعدتها عني أول ما دوست عليها…

“رهف!!”

قلت وأنا مخضوض، فهي ردت عليا: “آه.. وجعاني جدا.. متلمسهاش”

وديت إيدي ناحية إيدها الشمال، وسألت: “طب ودي؟؟”

“لأ.. مش بتوجعني”

مسكت إيدها عشان أساعدها إنها تقوم، وقلتلها: “يلا.. حاولي تسندي عليا”

رهف هزت راسها باعتراض، وقالت: “مش هقدر.. رجلي ملوية.. بتوجعني جدا.. مش قادرة أحركها”

بصيت على رجلها، وسحبت إيدي من إيديها الشمال، ومسكت رجلها…

هي فضلت تصرخ، لكن أنا ماكنتش شايف أي كدمات بسبب الشراب اللي هي لابساه…

قلت: “طب أنا هحاول أحركها شوية بس”

لما حركتها.. رهف طلعت صرخة قوية.. خرمت ودني، ووقفت نبضات قلبي…

واضح إن الموضوع أكبر من ما كنت أتصور.. تقريبا هي اتكسرت فعلا…

فضلت أتلفت يمين، وشمال وأنا دماغي متشتتة…

رضوى كانت متسمرة في مكانها، ومفزوعة…

العرق بدأ ينزل مني، والهوا اللي فى الرئة بتاعتي خلص…

إيه اللي حصل لصغيرتي؟؟

بصيت على رهف بتوتر، وقلت: “أنا هرفعك”

مديت دراعاتي ناحيتها، وشيلتها من على العتبة اللي كانت عليها، وهي كانت بتصرخ جامد جدا…

نزلت بيها من على السلم، ووأنا نازل رجلي خبطت في حاجة.. اكتشفت بعد كده إن ده كانت تليفوني مرمي على الأرض…

شيلت رهف، ووديتها لأوضة الأنتريه، ونيمتها على الكنبة الكبيرة…

هي فضلت على نفس الوضع، وكانت عاجزة عن فرد رجلها، أو تنيها.. أما إيديها اليمين فكانت مخلياها بعيد عني عشان متخبطش فيا…

“رهف”

ندهت عليها بقلق، لكن هي كانت كاتمة نفسها جامد من الوجع، لدرجة إن عروق وشها كانت بارزة.. حتى آثار الضرب اللي أنا ضربتهولها الصبح بانت أكتر…

بعد كده لقيت رهف فتحت بقها، وطلع منها صرخة قوية جدا قطعت حبالها الصوتية…

“بسم الله عليكي.. أنا لازم آخدك للدكتور حالا”

فضلت أقف، وأقعد.. وألف يمين، وشمال…

دماغي اتشتت، ومن كتر خوفي على رهف مكنتش عارف أعمل إيه..؟

أخيرا التفكير بدأ ييجي في راسي، وفكرت إني لازم أروح أوضتي عشان أجيب مفاتيح العربية…

لقيت رضوى واقفة متسمرة، ومرعوبة عند أول عتبة في السلم…

وقفت شوية وأنا عقلي طاير، وقلت باندفاع: “إيه اللي حصل؟؟ إنتوا وقعتوا إزاي؟؟ تقريبا عضمها اتكسر.. أنا هروح بيها المستشفى”

مسيبتلهاش فرصة إنها ترد عليا.. أنا طلعت جري، ونزلت جري وأنا بدوس على الورق المتنطور في كل حتة على السلم…

لما نزلت لقيت رضوى لسة واقفة في مكانها زي ما هي، فقلت: “إتكلمي؟”

مردتش عليا، فجريت بسرعة ناحية أوضة الأنتريه، وبعدين لفيت لرضوى تاني، وقلت: “طب إنتي كويسة؟”

رضوى هزت راسها بالإيجاب، فأنا كملت طريقي لرهف، ومحستش برضوى وهي جاية ورايا…

لقيت رهف مكلكعة جزء كبير من هدومها عشان تعض عليه بين سنانها…

لما شافتني قالتلي وهي الهدوم جوا بقها: “ليث.. أنا هموت من كتر الوجع.. إلحقني..آه”

قربت منها، ومديت دراعي عشان أشيلها وأنا بقول: “يلا نروح للدكتور.. إتحملي بس شوية معلش”

لما جيت ألمس رجلها، هي مدت إيديها، وزقت إيدي بعيد عنها وهي بتقول: “لأ.. أنا بقولك إنها وجعاني.. متلمسهاش”

قلت: “أنا لازم أشيلك عشان أوديكي المستشفى يا رهف.. إتحملي شوية عشان خاطري.. إتحملي يا صغيرتي”

رهف جمعت القماش جوا بقها أكتر، وعضت عليه جامد، وغمضت عنيها…

شيلتها وأنا حريص بقدر الإمكان إني ملمسش إيدها، ولا رجلها المصابة…

لفيت ناحية باب الأوضة، ولقيت رضوى واقفة هناك بتبص علينا بخوف…

قلت: “يلا إسبقيني عشان تفتحيلي البيبان.. بسرعة”

رضوى فضلت معايا لغاية ما خليت الصغيرة تقعد على كرسي العربية اللي ورا، وبعدين فتحت بوابة الجراج، وجريت بسرعة…

الحمد لله، رهف كانت لسة لابسة العباية السودة، والطرحة السودة بتاعتها من ساعة ما كنا بنتفسح…

لما وصلنا المستشفى.. الإسعاف، والممرضين إستقبلونا باهتمام كبير، وشيلنا رهف، وحطيناها على السرير المتحرك عشان تروح أوضة المعاينة.. وهي لسة بتصرخ من كتر الوجع…

واحد منهم سألني: “هي دي حادثة عربية؟؟”

قلت: “لأ.. وقعت من على السلم.. وتقريبا عندها كسر.. لو سمحتوا إدوها مسكن ألم بسرعة”

الدكتور كان عايز يكشف على مكان الإصابة…

رهف اتحملت بالعافية الدكتور لما كشف على رجلها.. لكن مقدرتش تتحمله لما حط إيده على إيدها اليمين، وفضلت تصرخ جامد…

تقريبا الوجع كان أشد كتير في إيديها…

لفيت، ووقفت ورا الستارة عشان الدكتور يكشف عليها…

“لو سمحت يا دكتور.. إديها مسكن الأول.. متملسش إيدها، ولا رجلها تاني قبل ما تهدى.. أنت مش شايف إن هي عمالة تتلوى من كتر الوجع؟”

رهف صرخت مرة كمان، وقالت بوجع: “ليث”

متحملتش، وزيحت الستارة، ومديت إيدي لرهف اللي أول ما شافتني مسكت في إيدي جامد…

“أنا معاكي يا صغيرتي.. إمسكي فيا جامد، وحاولي تتحملي أرجوكي”

بصيت على الدكتور، وقلت: “إديها مسكن دلوقتي.. بعد إذنك فورا”

الممرضة مسكت دراع رهف الشمال عشان تحط فيه حقنة الوريد، ولمحت علامة الحرق القديمة، وسألتني: “وإيه ده كمان؟؟”

قلت وأنا مش مهتم: “ده حرق قديم.. ملهوش علاقة بالحادثة”

بمجرد ما الممرضة خلصت حقن رهف بحقنة المسكن، رهف جابت إيدها تاني، ومسكت فيا جامد…

“متقلقيش يا صغيرتي.. الوجع هيروح دلوقتي”

قلت كده عشان أشجعها وأنا شايف وشها متوجع، وبتعيط من شدة الألم…

عدت كام دقيقة، ورهف كانت لسة على وضعها، ومفيش أي تحسن…

“لسة الوجع ما راحش؟؟”

سألتها، وهي جاوبت وهي بتتلوى، وبتهز راسها: “وجعاني يا ليث.. وجعاني جدا”

قلت للمرضة: “هو مفعول المسكن هيبدأ إمتى؟؟ هو إنتوا معندكوش دوا أقوى من كده؟؟”

الدكتور أمر الممرضة إنها تعلقلها محلول، وتحقن فيه نوع مسكن أقوى عشان يمشي بسرعة في الوريد بتاعها…

قلت للدكتور: “هو ده أحسن يعني؟؟”

قال: “أيوة.. كده هيبقى فعال جدا”

قلت: “ده وجع صعب أوي يا دكتور.. تفتكر إن هي اتكسرت فعلا؟”

رد عليا: “أنا لازم أكشف عليها، وأعمل تصوير للعضم بتاعها الأول عشان أتأكد”

شوية صغيرين، ولقيت جفون رهف بتتقفل على عنيها، وسكتت عن الصريخ، وعضلات إيدها اللي ماسكة فيا جامد ارتخت تماما…

بصيت على الدكتور بقلق، فقال: “ده من تأثير المخدر.. هي هتنام شوية”

وبعدين كمل فحص رجل رهف، وبص على إيدها اليمين، وباقي أطرافها…

لما خلص كل ده، أمر الممرضة إنها تجهز رهف عشان تاخدها تعمل تصوير مقطعي على كل عضمها.. حتى الجمجمة…

سألته: “طمني يا دكتور لو سمحت.. في حاجة ظهرت من كشف حضرتك عليها”

الدكتور بص عليا بصة غريبة، وبعدين سألني وهو موطي صوته: “قلي.. هي فهلا وقعت من على السلم؟؟”

استغربت سؤاله.. كان باين عليه إنه شاكك في حاجة، فجاوبت: “آه.. هو ده اللي حصل”

الدكتور قال: “حصل إزاي؟؟”

قلت: “معرفش.. أنا مشوفتش الحادثة بعيني.. لكن حضرتك بتسأل ليه؟”

قال: “أنا بس كنت عايز أتأكد.. وشها عليه آثار كدمات قوية توحي بإنها اتعرضت للضرب! يعني ممكن الموضوع ميبقاش مجرد حادثة عادية”

كلام الدكتور عصبني، وضايقني، فرديت عليه وأنا منفعل: “أنت فاكر يعني إن إحنا ضربناها، وبعدين رميناها من على السلم مثلا؟”

الدكتور مردش عليا، فقلت: “وشها وارم بسبب حاجة تانية ملهاش أي علاقة بالحادثة”

الدكتور، والممرضة بصوا لبعض بصات غريبة، وبعدين الممرضة خدتها لقسم الأشعة…

بسبب إن أنا كنت قلقان جدا على رهف، رجعت أسأله: “عرفني أرجوك يا دكتور.. هو في حاجة حضرتك إستنتجتها من الفحص؟؟”

رد عليا: “أنا مش هخبي عليك.. واضح إن الإصابة اللي في رجلها شديدة جدا.. أنا شاكك إن في تمزق في الأربطة”

إيه؟؟

هو بيقول إيه الراجل ده؟؟

تمزق أربطة؟؟

بتاعة مين؟؟

رهف؟؟

مش معقول!!

الدكتور كمل كلامه: “الظاهر إن رجلها اتلوت جامد وهي بتقع من على السلم، وعندها ورم شديد جدا في منطقة الساق.. ممكن تكون إتخبطت جامد في حرف السلم.. أما إيديها اليمين.. فتقريبا اتكسرت”

كسر؟؟

ورم؟؟

تمزق؟؟

إيه كل ده؟؟

أنت بتقول إيه؟؟

حسيت إن الدنيا ضلمت في عيني، وأعصابي كلها اتشلت…

أنا كنت هقع من طولي، لولا إن الدكتور سندني، وقعدني على الكرسي…

حطيت إيدي على راسي، وكنت حاسس بصداع فتاك.. كإن في شريان إنفجر جوا دماغي من الصدمة اللي أنا سمعتها…

الدكتور فضل يقول شوية كلام عشان يواسيني، وأنا تقريبا مكنتش سامعه…

فضلت على نفس الوضع، لغاية ما الممرضات جم وهم جارين سرير رهف، وماسكين الأشعة في إيديهم…

الدكتور خد الأشعة، وراح عند اللمبة الخاصة بالأشعة عشان يشوفها كويس…

أنا روحت جنب رهف، وكنا متداريين ورا الستارة…

الصغيرة كانت نايمة، وكان في شوية دموع بالين رموشها…

قلبي اتقطع عليها، ومسكت إيديها، وضغطت عليها جامد.. كنت بحاول أحسسها بالأمان حتى وهي نايمة…

لأ يا رهف…

متقوليش إن ده حصل فعلا…

إنتي كويسة مش كده؟؟

ممكن أنا أكون بحلم.. ممكن يكون ده خيال حاصل في دماغي بسبب خوفي الشديد عليكي، وجناني بيكي..!

يا ربي!!

بعد شوية، سيبت رهف,، وروحت للمكان اللي واقف فيه الدكتور مع مجموعة دكاترة تانيين بيفحصوا الأشعة…

كنت بسمع لكل كلمة خارجة من بق كل واحد فيهم كويس جدا.. لكن مكنتش فاهم أي حاجة..!

أخيرا نفس الدكتور بص عليا، فقلت بسرعة: “خير.. طمني يا دكتور؟”

الدكتور قال وهو بيحاول يهون الموضوع عليا: “زي ما اتوقعت.. في كسر في عضم إيديها اليمين، وشرخ في عضم رجلها الشمال، وفي إنزلاق في مفصل الكاحل سبب تمزق للأربطة”

لما الدكتور شاف وشي باين عليه الرعب أكتر من الأول، مسك كتفي وطبطب عليه وهو بيقول: “باقي الأشعة سليمة الحمد لله.. شوية كدمات سطحية مفيش منها أي ضرر”

بلعت ريقي، وحاولت أجمع قوتي، وقلت: “أنت.. متأكد؟؟”

قال: “أيوة متأكد.. كلنا متفقين على كده”

كان بيشاور على الدكاترة اللي كانوا واقفين جنبنا…

قلت وأنا صوتي خارج من الحنجرة بتاعتي بالعافية: “طب.. وكل ده.. هينفع يتعالج؟”

قال: “أيوة.. إن شاء الله.. هتبقى عايزة عملية جراحية.. وبعدها هيتحطلها جبيرة هتفضل معاها شوية وقت”

صعقت!

لأ.. ده مستحيل!

عملية؟؟

جبيرة؟؟

لأ.. لأ.. لأ..!

فضلت أقول بإنفعال: “لأ.. مستحيل”

بعد كده رفعت إيدي على بقي عشان أكتم الصرخة اللي نفسها تطلع من جوايا…

الدكتور حس بمعاناتي، وحاول يشجعني، ويهون الموضوع عليا…

لكن أنهي كلام ممكن يهون عليا الكارثة اللي نزلت على قلبي فجأة بالمنظر ده؟؟

قلت وأنا صوتي رايح: “أنت بتقول عملية؟؟”

رد عليا بنبرة تأكيد: “أيوة.. لازم عملية.. عشان نلحق الكسور قبل ما تتسبب في ضرر أكبر لا قدر الله”

غمضت عيني، وفضلت أتأوه من كتر الصدمة…

قلبي كان فاقد السيطرة تماما على دقاته…

لما الدكتور شافني بالمنظر ده، صعبت عليه، وسألني: “أنت أخوها؟”

رديت عليه من غير وعي: “أيوة”

قال: “طب وباباها فين؟”

قلت: “أنا”

الدكتور إستغرب، وقال: “نعم؟؟ ده إزاي يعني؟؟”

قلت: “هو مات.. كلهم ماتوا.. أنا أبوها دلوقتي.. أنا كل حاجة لصغيرتي”

بطني كانت بتتقطع من كتر الحزن، والمرار…

أنا مش مصدق إن ده حصل…

رهف حبيبتي الصغيرة.. نور عيني، والروح اللي بتحركني.. هتعمل عملية؟؟

وقفت، وروحت ناحية سرير رهف وأنا بتطوح…

اللي يبصلي ساعتها هيفتكر إن أنا اللي عضمي اتكسر، ومفاصلي اتلوت، وأربطتي اتمزقت، ومبقتش قادر إني اتحرك…

قربت منها، ومسكت إيديها الشمال، وضغطت عليها وأنا قلبي بيتعصر، ومعدتي بتتقطع من حزني عليها…

الدكتور جه جنبي، وفضل يواسيني من غير أي فايدة، وبعدين قال: “لازم نكمل شوية إجراءات، وورق عشان ناخدها أوضة العمليات”

الكلام ده شق قلبي نصين…

بصيتله وأنا متمسك بالوهم: “هو إحنا مينفعش نعالجها بطريقة تانية؟ أرجوك.. دي صغيرة، ومتتحملش أي حاجة.. إزاي هتقدر تعمل عملية.. مش هتتحمل صدقني”

الدكتور كان صبور، ومتفهم، ورجع يواسيني، ويقول: “متقلقش للدرجة دي.. إحنا عملنا عمليات كتيرة شبه كده، ونجحت جدا الحمد لله”

لكن كلامه مقللش من النار اللي كانت قايدة جوايا بسبب القلق…

الممرضة جت دلوقتي ، وبتقوله: “أوضة العمليات جاهزة يا دكتور”

الدكتور بص عليا، وقال: “توكلنا على الله”

فضلت أبص عليه، وعلى الممرضة، وعلى رهف اللي نايمة، ومش حاسة بالدنيا…

قلت: “أصبروا.. خليني أستوعب اللي بيحصل ده.. أنا مصدوم”

سندت إيدي على راسي عشان أحاول أركز كويس…

الدكتور، والممرضة سابوني شوية عشان أهدى، وأستوعب الموقف، وأفكر…

وبعدين الدكتور قال: “طب هنعمل إيه دلوقتي؟؟ التأخير ده مش في مصلحتنا”

بلعت ريقي وأنا هموت من القلق، وبعدين بصيت على رهف، وقلت: “هي لازم تعرف ده الأول”

كنت ماسك إيدها، وقربت من ودنها، وندهت بصوت واطي: “رهف”

فضلت أكرر بصوت هادي جدا، لكن هي مسمعتنيش…

ضربت إيدها بالراحة عشان تحاول تفوق، وندهت عليها تاني لغاية ما فتحت عنيها أخيرا…

فضلت تبص على كل اللي حواليها، لغاية ما وقفت عنيها عليا…

كانت شبه نايمة من تأثير المخدر، فقلت بلهفة: “صغيرتي”

دوست على إيديها، واستجابت ليا بإنها نطقت بإسمي…

قلت: “حاسة بإيه دلوقتي؟؟ لسة موجوعة؟؟”

قالت وهي بتحاول تستوعب سؤالي بالعافية: “أحسن.. الحمد لله.. حاسة بيه.. لكن بسيط”

قلت: “طب الحمد لله.. سلامتك يا صغريتي.. ألف سلامة عليكي”

قالت: “الله يسلمك.. آه.. أنا تعبانة، وحاسة إني عايزة أنام.. خلينا نروح البيت بقى يا ليث”

مقدرتش أتمالك نفسي ساعتها، واتأوهت جامد…

آه يا صغيرتي.. آه…

رهف حست إن في حاجة.. بدأت تفوق، وتستوعب اللي بيحصل حواليها…

سألت: “هو في إيه؟؟”

أنا متكلمتش.. بصيت على الدكتور، والممرضة اللي قالوا في نفس اللحظة: “حمدا لله على سلامتك”

الدكتور قرب ناحيتها، وحاول يحرك إيدها المصابة بالراحة، ولقاها ورمت، واحمرت زيادة، ورهف بدأت تتوجع…

تقريبا مفعول المسكن بدأ يروح…

“هي لسة وجعاكي”

الدكتور سأل رهف وهو بيشاور على إيدها…

“آه وجعاني.. بس أخف من الأول بكتير الحمد لله”

قال: “أيوة.. مهو ده بسبب المسكن اللي إنتي واخداه، ومفعوله بدأ يروح، والوجع هيرجع بشكل أقوى من الأول بكتير لو متعالجتش.. بصي حتى الورم زاد إزاي؟”

رهف بصت على إيدها، وبعدين عليا وهي مستغربة…

أنا مكنتش عارف أجاوب عليها بإيه.. ماكنش عندي كلام أقوله في الوقت ده…

“ليث؟؟”

اترددت، وبعدين قلت: “واضح إن الإصابة كبيرة يا رهف.. الدكتور بيقول إن إنتي عندك كسور، ولازم تدخلي العمليات”

لو تشوفوا حجم الخوف اللي اترسم على وش رهف.. آه لو تشوفوا…

اتسمرت، وفضلت واقف ساكت زي التمثال…

رهف سحبت إيدها اللي كانت ماسكة في إيدي، وحطيتها على صدرها من الخوف، وكتمت نفسها شوية، وبعدين صرخت: “عملية إيه؟؟”

حاولت أهديها، وأنا كنت محتاج أكتر لأي حد يهديني…

رد فعلها في الأول كان عبارة عن خوف، ورعشة، وارتباك، ورفض، وعياط.. كان كل ده وهي بتهلوس بسبب مفعول المخدر…

شوية وهديت أخيرا وأنا عمال أقول: “إهدي.. إن شاء الله إنتي هتبقي كويسة.. متخافيش.. أنا جنبك”

قالت وهي ماسكة إيدي: “ليث.. متسيبنيش لوحدي عشان خاطري”

قلت بسرعة عشان أأكدلها: “مستحيل يا صغيرتي.. أنا هفضل جنبك طول الوقت، ومش هبعد عن باب أوضة العمليات متر واحد.. إتطمني، وسلمي أمرك لله”

رهف بصتلي بنظرات رجاء، فأنا كررتلها كلامي عشان تهدى…

ساعتها قالت: “هو اللي أنا فيه ده حقيقي؟؟ هو ده حاصل بجد؟؟ هو أنا مصابة، وفي المستشفى فعلا؟؟”

قلت بحزن: “أيوة.. بس يا رهف حاولي تهوني على نفسك عشان خاطري.. قطعتي قلبي.. كفاية بالله عليكي.. الحمد لله على كل حال.. ده بلاء من ربنا، وإحنا لازم نصبر.. متحزنيش يا صغريتي”

رهف بلعت ريقها، ونزلت آخر دمعة من عنيها، وحاولت تهدي نفسها، وتستسلم للأمر الواقع…

بعد شوية بصت عليا، وقالت: “أنا حاسة إني نعسانة جدا.. أنا إيه اللي بيحصلي؟؟ ليث.. أنا مش عايزة أفتكر أي حاجة من اللي بيحصل ده لما أصحى.. أرجوك يا ليث”

غمضت عنيها، وغابت عن الوعي فورا…

ندهت عليها كذا مرة، وهي مردتش عليا…

بصيت على الدكتور، فشاور بصباعه على المصل.. غالبا حقنولها المنوم عشان العملية…

قال: “إحنا لازم نسرع دلوقتي عشان مفعوله ميروحش”

خدوا رهف لأوضة العمليات، وأنا اتوكلت على ربنا، وروحت أخلص باقي الإجراءات الورقية…

خلصت، وفضلت واقف جنب باب أوضة العمليات، وبتنفس بعمق عشان الهوا يطفي النار اللي قايدة جوا صدري…

ماكنش معايا تليفون أتصل بالبيت، وأطمنهم، ومكنتش عايز أبعد خطوة واحدة عن رهف أكتر من كده…

فضلت رايح جاي في الممر وأنا ماشي على اللهب، ولساني مبطلش دعاء، وتوسل لربنا…

لغاية ما العملية خلصت بعد فترة، وشوفتهم وهم مخرجين السرير في الممر…

الدكتور ماكنش  موجود، فأنا جريت ناحية الممرضات اللي بيجروا السرير، ومشيت جنبهم عشان أشوف وش رهف كويس…

كان فيه غطا شفاف مغطي شعرها، وإزازتين متعلقين جنبها جواهم المصل اللي هي بتتغذى بيه…

قربت منها وأنا بنادي على إسمها، وهي فتحت عنيها.. بس معرفش هي شافتني ولا لأ، وبعدين غمضتهم، وراحت في النوم…

سحبت الغطاء وغطيتها كويس لغاية راسها، وفضلت ماشي جنبها لغاية ما الممرضلت وصلوها الأوضة بتاعتها…

أنا ساعدتهم في شيلها عشان نحطها على السرير…

وأنا بشيلها شوفت الجبيرة ملفوفة حوالين إيدها، ورجلها، وكان هيغم عليا من هول المنظر…

حسيت بتعب شديد جدا.. كإني كنت شايل جبل كبير على دراعي لمدة عشر سنين، واترميت بسرعة على حرف السرير اللي رهف نايمة عليه…

طلبت من الممرضة إنها تلف راس رهف بحجابها الإسود…

“هي هتصحى إمتى؟؟”

سألت الممرضة بصوت متبعتر، وهي جاوبتني: “شوية وهتصحى.. متقلقش.. هي الأحسن ليها إن هي تنام”

“طب والدكتور فين؟؟”

جاوبت: “هيعمل عملية مستعجلة لمريض تاني دلوقتي”

فضلت تكتب الملاحظات بتاعة العلامات الحيوية لرهف، وبعدين خرجت من الأوضة ورا زميلاتها اللي خرجوا أول ما حطيناها على السرير…

في اللحظة دي.. أنا، وصغيرتي قاعدين لوحدنا في الأوضة.. على السرير الأبيض…

هي غايبة عن الوعي، وأنا غايب عن الروح.. مش حاسس بأي حاجة حواليا..

مفيش حاجة كنت بتمناها في الوقت ده، غير إن حد يصحيني، ويفوقني، ويعرفني إنه مجرد كابوس…

اتلفت يمين، وشمال.. كنت بدور على أي حد.. لكن ملقتش حد حواليا…

لمحت تليفون محطوط جنبي، ودماغي اشتغلت أخيرا، وقررت إني أتصل بالبيت…

وقفت، واتحركت وأنا مفياش روح…

مش عارف إيه اللي بيحركني؟

مش حاسس بأطرافي، ولا حاسس بتقلي على الأرض.. ومش عارف أنا افتكرت إزاي نمرة تليفون البيت..؟

فضل الجرس يرن فترة طويلة، ومحدش بيرد…

لغاية ما سمعت أخيرا صوت رضوى وهي بترد: “ليث.. أخيرا اتصلت؟؟ عرفني إنتوا عاملين إيه؟؟ إنتوا فين؟؟ ورهف إيه أخبارها؟؟”

لما سمعت إسم رهف مقدرتش أتمالك نفسي…

جاوبت عليها بانهيار وأنا عيني على رهف: “عملولها عملية.. هي دلوقتي نايمة، ورجلها، وإيدها ملفوفين بالجبيرة.. آه يا صغيرتي.. منظرها يدوب الحجر.. يا ربي”

بعدت السماعة عني عشان رضوى متسمعش صوت عياطي أكتر من كده…

هديت شوية، وقربت السماعة تاني، وقلت: “أنا هكلمك لما تفوق.. إحنا في مستشفى الساحل.. إدعيلها معايا إن ربنا يقومها بالسلامة”

خلصت المكالمة القصيرة، ورجعت لرهف…

فضلت أترجى ربنا، وأدعيلها عشان تبقى كويسة لغاية ما فتحت عنيها أخيرا…

وشي فرح، وقربت منها أكتر، وندهتلها بسعادة: “رهف.. صغيرتي”

سكت عشان أبص عليها، وبعدين كملت: “حمدا لله على سلامتك يا صغيرتي.. يا غاليتي.. الحمد لله”

رهف رفعت راسها شوية، وبصت على رداعها، وسألت: “هم عملوا العملية؟؟”

قبل ما أجاوب عليها كانت رفعت إديها اليمين قدام عنيها، وحسست على الجبيرة بإيدها الشمال…

وبعدين حاولت تحرك رجلها، وبانت علامات الفزع على وشها…

سحبت اللحاف عشان تشوف اللي حصل في رجلها…

رجعت تبص عليا تاني، وتقول: “أنا مش عارفة أحرك رجلي.. ليث.. هو أنا اتشليت ولا إيه؟ لأ.. مش معقولة”

لغاية هنا ومش هقدر أوصفلكوا اللي حصل في الصغيرة بعد كده…

وجودنا في المستشفى سبب إزعاج كبير لكل اللي موجودين، وخصوصا الممرضات اللي كان عليهم إنهم يهدوا رهف، ويرفعوا معنوياتها المحطمة…

صريخها كان عالي جدا، برغم جسمها الضعيف…

كل صرخة، وكل وجع خرج من رهف.. اخترق قلبي قبل ما يخترق حيطان الأوضة…

مسكت فيا جامد وهي بتصرخ بجنان: “أنا عايزة ماما”

تقريبا رهف مكانتش واعية هي بتقول إيه بسبب المخدر.. أو ممكن الفزع طير عقلها.. أو ممكن الشلل وقف رجلها فعلا!!

لما الدكتور جه، وإداها المخدر.. بدأت تستسلم واحدة واحدة وهي بين إيدي…

الطبيب أكد كذا مرة إن مفيش حاجة حصلت في أعصاب رجلها، وإن الموضوع بسبب البنج اللي هي واخداه.. مش أكتر من كده…

وعرفني كمان إن رد فعلها ده طبيعي، ومألوف من أغلب المرضى اللي في نفس حالتها.. لكن كلامه ده برضه مريحنيش خالص…

بصيت على رهف اللي كانت ماسكة فيا، ومستنية إني أدعمها نفسيا، وقلت: “متخافيش يا صغيرتي.. إنتي هتبقي كويسة بإذن الله.. إنتي مسمعتيش اللي قاله الدكتور؟؟ دي حاجة مؤقتة، وإنتي شوية وهتتعالجي، وهترجعي تمشي، وتتحركي زي الأول إن شاء الله”

رهف رفعت راسها وقالت وهي قربت تفقد الوعي: “يعني أنا هبقى معاقة، وعرجا؟؟”

هزيت راسي، وقلت فورا: “لأ يا رهف.. مين قال كده؟؟ متفكريش في كده عشان خاطري”

قالت: “بس ده أنا رجلي اتمزقت، وعضمي اتكسر.. أكيد أنا مش هرجع زي الأول تاني.. أنا هعمل إيه لو حصل فيا كده يا ليث؟؟ مش كفاية اللي حصل فيا لغاية دلوقتي؟؟”

قلت: “متقوليش كده يا رهف.. فداكي كل حاجة.. فداكي روحي يا رهف.. يا ريتني أنا اللي اتصابت بدالك يا صغيرتي”

مسكت راسها، وكنت هحضنها بجنان…

بصيت لعنيها، ولقيتها مغربة لفوق، وجفونها ابتدت تتقفل، وبقها مفتوح، والكلام متعلق على لسانها…

…………..

لما كنت خارج الصبح عشان أروح الشغل، جالي تليفون من رقم غريب، وعرفت بعدها إنه صاحبي ليث شكري…

ليث عرفني إن بنت عمه اتصابت إصابة شديدة في إديها، ورجليها، وإنها دلوقتي محجوزة في المستشفى، وإتعملها عملية بالليل…

إترجاني عشان آخد مراته، ومامتها للمستشفى…

ليث صاحبي كان منهار وهو بيكلمني، وصوته كان منبوح من كتر العياط…

عشان أنا صاحبه المقرب، فهو كان بيلجألي كل ما يقع في مشكلة، أو تحصل معاه حاجة…

كان بيضعف شوية، لكن بيقف تاني صامد قدام كل المصاعب…

لكن الأزمة دي دهورت حالته النفسية على الآخر، وبشكل سريع جدا…

ده اللي خلى كمان صحته البدنية، والعقلية تقل، ومبقاش قادر يباشر الشغل…

ليث عنده قرحة شديدة في المعدة، وهي بتنشط مع الضغوط النفسية…

الدكاترة كانوا بينصحوه بإنه يسترخى، ويبطل التدخين كل ما كان بيتعب منها…

هو غالبا بطل التدخين، لكن أهمل علاجات القرحة بتاعته.. وده اللي خلاها تتدهور، وهتتدهو أكتر زي ما هتعرفوا بعد شوية…

ليث متعلق جدا ببنت عمه دي، وأنا متخيل إنه ممكن يموت لو هي جرالها حاجة..!

بنت عمه كانت معاه دايما وإحنا صغيرين، وكان بياخدها في كل مشاويره، وزارني في بيتي كذا مرة وهي معاه.. كان بيحبها، ومتعلق بيها جدا…

للأسف افترق عنها في سنين حبسه في السجن، ومشيت مع عيلته بعيد عن المدينة…

وبعدين الأيام لفت، وجمعتهم تاني بقدر ربنا، وبقى الواصي الشرعي عليها، والمسؤول الأول عن رعايتها…

لما وصلنا، الستات دخلوا لأوضة رهف، ولقيت ليث خرج عشان يقابلني في الممر…

زي ما اتوقعت، لقيته تعبان جدا، كإنه كان بيشتغل شغل شاق طول الليل…

سألته عن أحواله، وأحوال قريبته، فطمني عليه، وعليها، وقال شوية كلام يشكرني بيه على وقفتي جنبه…

“مفيش داعي للي أنت بتقوله ده يا ليث.. إحنا أصحاب، وأخوات من وإحنا صغيرين”

ليث ابتسم ابتسامة سطحية، وكان باين عليه التعب، وبعدين قال: “أنا لازم أنجز بسرعة”

قلت: “أنت شكلك مش كويس خالص يا ليث.. خليني أوديك، وأجيبك بعربيتي.. صعب إنك تعرف تسوق بحالتك دي”

ابتسملي ابتسامة شكر، وامتنان…

خدت ليث، ووديته البيت بتاعه…

قضينا هناك حوالي عشرين دقيقة، رتب فيهم كل اللي هو عايزه، وشربنا شاي بسرعة، ومشينا…

الراجل كان باله مشغول، ومرتبك جدا…

أنا كنت بحاول أهديه، وأواسيه.. لكن هو كان معدي المرحلة دي بكتير، وماكنش متفاعل معايا خالص…

طبعا عشان أنا عارفه كويس، فأنا مش مستغرب نهائي حالته دي…

هو مجنون بقريبته، وكان معرفني رغبته في الجواز منها تحت أي ظروف…

لما وصلنا المستشفى، لقيته بيفتح الباب، وعايز ينط منه بسرعة قبل ما أركن العربية حتى…

“على مهلك يا راجل.. مش كده.. بالراحة على نفسك”

قال وهو ماسك الباب اللي مفتوح شوية: “أنا خايف إنها تصحى، ومتلاقينيش جنبها، وتخاف.. دي تعبانة أوي يا سامي، ولو حصل معاها حاجة أنا هتجنن”

مش أنا قلتلكوا؟!

رديت عليه من غير ما أفكر: “أنت مجنون من زمان يا ليث”

ليث بان على وشه الحزن، وكان متضايق من كلامي، فاعتذرت منه فورا: “أنا آسف يا صاحبي.. أنا مقصدش حاجة والله”

ليث اتنهد، ومعلقش، وبعدين شكرني، ونزل من العربية بسرعة…

قلتله وأنا شايفه بيجري قدامي: “كلمني لو في أي حاجة حصلت، أو لو احتجت حاجة”

أنا اتوليت مسؤولية إبلاغ الأستاذ ياسين (نائب المدير) بالظروف اللي ليث فيها، ويإنه هيضطر يغيب عن الشغل كام يوم…

أستاذ ياسين كان نائب الأستاذ رائف (أبو علي) الله يرحمهم.. وكان علاقته بيه، وبأسرته كويسة جدا…

لما أستاذ ياسين عرف إن ليث هو اللي قتل علي، استقال من الشغل، ورفض إنه يشتغل مع ليث…

لكن بعد ما أنا، وبابا إتكلمنا معاه، وحاولنا نحسن صورة ليث قدامه.. وافق إنه يرجع الشغل.. خصوصا عشان هو عنده خبرة كبيرة في الشغل ده من سنين…

مع مرور الأيام، علاقة ليث، وأستاذ ياسين اتطورت جامد، وعرف ليث على حقيقته، وبقى بيقدره، وبيتعامل معاه بكل إحترام، ومحبة…

أما باقي الموظفين اللي في الشركة، فكانت آرائهم في ليث مختلفة، وكنت خايف عليه من لسانهم…

لكن ليث اتصرف بشجاعة، ومهموش أي كلام بيتقال من وراه، وعرف الكل إن هو قادر يصمد، ويتحمل المسؤولية تحت أي وضع…

……………

شاورت لسامي بإيدي، وروحت ناحية اوضة رهف…

لقيتها لسة نايمة، وجنبها رضوى، والخالة فيردا قاعدين…

سألتهم إذا كانت صحيت، ولا لأ، لكن هما جاوبوا بالنفي…

قربت منها، ولقيت رضوى بتمد إيدها بالتليفون بتاعي، وبتقول: “إتفضل تليفونك أهو.. أنا جبتهولك معايا”

خدت التليفون، وقعدت قريب من رهف، وفضلت باصص على وشها…

كل شوية كنت ببص على جهاز النبض اللي متوصل بصوباعها…

بعد شوية الممرضة جت عشان تتطمن على رهف، وشالت الجهاز منها…

قلتلها: “هي عاملة إيه؟؟”

ردت: “حالتها مستقرة الحمد لله”

قلت: “طب وهي نايمة ليه لغاية دلوقتي؟؟”

قالت: “تقدروا تصحوها لو عايزين”

بعد ما مشيت، فضلنا ساكتين شوية…

وبعدين بصيت على رضوى، وسألتها: “إنتوا وقعتوا إزاي؟؟”

وش رضوى إحمر، وبان عليه التردد شوية.. ده اللي زود قلقي…

بعد كده لقيتها بصت على مامتها بصة سريعة، وبعدين قالت أخيرا: “كنا واقفين على السم.. واتخانقنا.. و”

قاطعتها، وسألت باهتمام: “اتخانقتوا؟؟”

رضوى هزت راسها بالإيجاب، وسمعت خالتي وهي مستغربة، وبتقول: “الله يهديكوا إنتوا الإتنين”

قلت باستغراب: “بالليل؟؟ في الوقت المتأخر ده؟؟ وعلى السلم كمان؟؟ ليه؟؟ وإيه اللي خلاكوا تقعوا كده؟؟”

رضوى قالت باختصار: “كانت حادثة عفوية، ومش مقصودة”

استنيتها تفسرلي كلامها أكترمن كده، لكن هي سكتت، وهربت بعنيها بعيد عني…

قلت عشان أخليها تكمل: “آه.. وبعدين؟؟”

بصت عليا بصة سريعة، وقالت: “قلتلك إنها حادثة عفوية يا ليث”

اتضايقت وأنا ملاحظ إن هي بتهرب من التفاصيل، فقلت بصوت قوي: “حادثة عفوية إزاي يعني؟؟ إنتي شايفة إيه اللي حصل للصغيرة؟؟ إنتي مش لاقية وصف مناسب أكتر من حادثة عفوية؟؟”

رضوى عقدت حواجبها، وقالت: “ليث.. أنت عايز إيه؟؟ وتقصد إيه بالظبط بالكلام ده؟؟”

“ليث.. أنت عايز إيه؟؟ وتقصد إيه بالظبط بالكلام ده؟؟”

رديت على رضوى بانفعال: “عايز أعرف التفاصيل يا رضوى.. إيه اللي يخليكي تتخانقي مع رهف في نص الليل، وعلى السلم؟؟ عرفيني من غير لف، ودوران.. أنا فيا اللي مكفيني، ودماغي هتنفجر.. يا ريت تفهميني”

في اللحظة دي حسينا بحركة خرجت من رهف، وكلنا بصينا عليها…

رهف فتحت عنيها، وأنا بصيتلها بلهفة، وقربت منها أكتر، وندهت بلطف: “رهف.. صغيرتي”

البنت بصت عليا الأول، وبعدين فضلت تلف بعنيها على كل  اللي حواليها…

أول ما عنيها جت على رضوى اللي قاعدة قريب منها، وشها اتخطف، وتعابيره اتغيرت، وصرخت: “لأ.. إبعدها عني بسرعة.. إبعدها عني يا ليث”

رضوى قامت وقفت وهي مرعوبة، والخالة فيردا مدت إيدها، وحطتها على دماغ رهف، وفضلت تسمي عليها، وتقرألها قرآن، وتدعيلها…

أنا مسكت إيد رهف اللي مش مصابة، وفضلت أقول: “بسم الله عليكي.. معلش.. إهدي يا رهف.. عشان خاطري إهدي.. مفيش حاجة”

رهف بصت عليا، وصرخت جامد: “بقولك إبعدها عني.. أنا مش عايزة أشوف وشها.. إبعدها.. خليها تمشي بسرعة”

بصيت على رضوى بغضب، وقلت: “إنتي عملتي إيه في البنت يا رضوى؟؟ أخرجي من هنا دلوقتي”

أم رضوى قالت وهي معترضة: “ليث.. أنت بتقول إيه يا إبني؟؟”

قلت بانفعال: “إنتي مش شايفة حالة الصغيرة عاملة إزاي؟؟”

كملت كلامي لرضوى: “يلا أخرجي برا بعد إذنك.. أنا ما صدقت إنها بدأت تفوق، وتبقى كويسة.. أخرجي يا رضوى”

رضوى نفذت الأمر فورا، وخرجت برا الأوضة…

بصيت ساعتها على رهف، وحاولت أهديها، وقلت : “آديها خرجت.. أرجوكي إهدي يا صغيرتي.. بسم الله عليكي.. ربنا يحفظك”

لكن لقيت رهف قالت وهي مش قادرة تتمالك نفسها: “أنا مش عايزة أشوفها.. إبعدها عني.. هي جت هنا عشان تشمت فيا.. هي السبب في اللي حصلي.. أنا مش طايقاها.. أنا قلتلك إني مش عايزة أشوفها.. أنت خليتها تيجي ليه؟؟ أنت عايز تقتلني؟؟ عايزني أموت يعني؟؟ أنت بتعمل فيا كده ليه يا ليث؟؟ مش كفاية اللي أنا فيه؟؟ قلي ليه عملت كده؟”

ذهلت، ومكنتش قادر أستوعب اللي أنا بسمعه…

مكنتش عارف هي رهف كانت بتتكلم فعلا، ولا أنا بيتهيألي؟!

ثواني، ولقيت الممرضة داخلة، وبتسأل: “إيه اللي حصل؟؟”

فضلت أبص بعيني على رهف الغضبانة شوية، وعلى الممرضة شوية…

وبعدين قلت للمرضة: “هو فين الدكتور بتاعكوا؟؟ خلوه ييجي يشوف رهف فيها إيه؟ هي مش كويسة.. مش كويسة خالص”

بعد شوية جه الدكتور اللي عمل العملية لرهف…

رهف رفضت إنه يكشف عليها، وصرخت: “أخرجوا برا كلكوا.. إبعدوا عني.. إنتوا متوحشين.. أنا مش طايقاكوا يا حيوانات”

البنت باين عليها إنها إتجننت، وبتتصرف بهستيريا فظيعة…

قالت علينا إننا وحوش، وحيوانات، وحاولت تقوم من على السرير عشان تجري، وشالت المصل من دراعها، ودراعها ملى السرير دم…

الممرضة حاولت تمنع النزيف اللي في دراع رهف، لكن رهف زقتها جامد، وضربتها بالمخدة اللي على السرير…

“إبعدوا عني يا متوحشين.. أخرجوا من هنا.. أنا مش عايزة حد معايا.. أنا بكرهكوا كلكوا.. بكرهكوا”

لما شوفتها بالحالة الغريبة دي كنت هنهار، وحسيت إن هي اتجننت لا قدر الله…

أمرت بنبرة عنيفة الممرضة، والدكتور، والخالة فيردا إنهم يخرجوا.. عشان أعرف أهدي الصغيرة لوحدي…

كنت عايز أتطمن هي اتجننت فعلا، ولا إيه..؟

نفذوا الأمر بتاعي وهما مستغربين، وقلقانين على رهف…

بعد ما خرجوا، بصيت على صغيرتي اللي كانت عمالة تردد بانفعال: “أخرجوا كلكوا.. إبعدوا عني”

قلت وأنا هموت من قلقي عليها: “هم خرجوا يا رهف.. ده أنا.. ليث”

بلعت ريقي، وكملت: “إنتي عايزاني أخرج أنا كمان؟؟”

ده أنا يا رهف؟؟

إنتي شايفاني.. طب مميزاني؟؟

إنتي واعية للي إنتي بتعمليه يا رهف؟؟

بالله عليكي يا رهف متخلينيش أتجنن معاكي…

رهف بصت عليا وهي لسة بنفس الوضع المجنون، وقالت: “أنت اللي خليتها تيجي هنا مش كده؟؟ إنتوا عايزين تقتلوني.. إنتوا بتكرهوني.. كلكوا بتكرهوني.. كلكوا متوحشين.. كلكوا حيوانات..”

عقلي طار منها، ومفاصلي سابت، واترميت على السرير جنبها…

مديت إيدي، وحطيتها على كتفها، وقلت: “رهف.. إيه التخريف اللي إنتي بتقوليه ده؟؟ إيه اللي حصل لعقلك؟؟ عرفيني بالله عليكي.. يا ربي.. هي راسك خبطت في السلم لما وقعتي طيب؟؟ ده أنا ليث.. ليث يا رهف.. إنتي عارفاني؟؟ إنتي واعية للي إنتي بتعمليه؟؟ ردي عليا قبل ما عقلي يطير يا رهف؟”

حسيت بحرارة شديدة في جفوني، وبحاجة دافية بتنزل من عيني، وبتتحرك على وشي…

رهف وقفت صريخ، وبحلقت فيا شوية، وبعدين فضلت تإن أنين الناس اللي بيموتوا…

أنا كان قلبي هيقف من كتر الرعب عليها…

قربت منها أكتر، وسحبت إيدي من على كتفها، ومسكت إيدها السليمة عشان أطمنها، أو أنا كمان أتطمن…

لقيتها فجأة سحبت إيدها مني، وحطيتها على صدري، وفضلت تضرب فيا بكل قوتها…

عملت معايا زي ما كانت بتعمل وهي صغيرة.. بتضربني على صدري وهي زعلانة مني…

ضرباتها كانت خفيفة، وقوية.. غضبانة، وخايفة.. كله في نفس الوقت…

فوقت من السرحان اللي أنا كنت فيه على صوتها وهي بتقول: “أنت اللي جبتها هنا.. إنتوا متوحشين.. إنتوا عايزين تتريقوا عليا، وعلى وضعي عشان أكره نفسي.. أنا بكرهكوا إنتوا”

قلت بصوت مكسور: “لأ.. إنتي مش واعية للي إنتي بتقوليه يا رهف.. الكلام ده كله غلط.. إنتي بتهلوسي.. إنتي مش شايفة مين قدامك؟؟ أنا ليث.. بصي عليا كويس.. عشان خاطري يا رهف.. عقلي هيروح بسببك.. آه يا رب.. إلا صغيرتي يا رب.. أنا مش متحمل اللي بيحصل ده.. يا رب إشفيها”

مسكت إيدها بالراحة عشان تبطل ضرب فيا…

“كفاية يا رهف بالله عليكي.. إيدك هتوجعك.. أرجوكي كفاية.. إنتي مش واعية للي إنتي بتعمليه”

لكن هي فضلت تفلفص من إيدي، لغاية ما عنيها جت على الجبيرة اللي في إيدها الشمال، وصوتت: “آه.. إيدي”

قلبي إتقطع على وجعها…

خليتها تفرد جسمها على السرير، وحطيت إيديها الإتنين جنبها بالراحة، وغطيتها باللحاف…

قلت: “سلامتك يا رهف.. بالله عليكي متحركيهاش.. خليكي هادية.. إرجعي نامي يا صغيرتي.. إنتي محتاجة للراحة.. نامي عشان خاطري”

فضلت تبصلي وهي عنيها فيها خوف، ولوم، وعتاب، وقسوة…

قلت وأنا باصصلها بحنية: “أرجوكي يا صغيرتي إهدي.. مفيش حاجة هتحصل غير اللي إنتي عايزاه.. أنا مش هخليها تيجي هنا، ولا تقرب منك تاني.. لكن إهدي بالله عليكي”

رهف هديت، وبدأت تتنفس بعمق، وغمضت عنيها…

بعد كام ثانية، لقيتها بتقول وهي مغمضة عنيها: “هو أنا هقدر أرسم اللوحة بتاعتي؟”

بصيت على وشها وأنا مستغرب، ومش عارف أرد…

لوحة إيه دلوقتي يا رهف؟؟

إنتي رجعتي تهلوسي تاني؟؟

لقيتها بتقول: “بس أنا رسمتها جوا قلبي.. وهعيد رسمها كل يوم في نفس المكان.. حتى لو ماكنتش قادرة أمشي.. شيلني على كتفك.. أنا عايزة أطير.. عايزة أطير، وأروح لماما”

وشها كرمش فجأة، وقالت: “آه يا أمي”

بعد كده سكتت خالص…

بعد كل الهلوسة، والجنان ده.. الصغيرة سكتت، ومتحركتش تاني…

بحلقت في وشها، وشوفت دمعة وحيدة نازلة على خدها…

ندهتها، ومردتش عليا.. طبطبت عليها بالراحة، ومتحركتش.. خبطت على دراعها جامد، وهي فضلت على نفس الوضع…

خوفت لا يكون في حاجة حصلتلها لا قدر الله.. هي كانت عمالة تصرخ، وتتحرك.. ودلوقتي ساكنة تماما..!

ندهت بصوت عالي: “يا دكتور.. يا ناس يا اللي برا”

الدكتور، والممرضة كانوا واقفين ورا الباب، وأول ما ندهت دخلوا فورا…

قلت وأنا مفزوع: “بصوا حصل فيها إيه؟؟ دي مش بترد عليا”

الدكتور كشف عليها، وقال للمرضة توصلها جهاز النبض، وتعلقلها مصل مغذي…

الممرضة جابت المصل، وعلقته لرهف، وسألتها: “إنتي كويسة؟؟ حاسة بإيه؟؟”

رهف فتحت عنيها، وبصت للدكتور، والممرضة، وكرمشت وشها، وقالت: “إبعدوا عني”

لكن هي كانت مستسلمة تماما بين إيديهم…

أنا كمان سألتها بقلق: “رهف.. إنتي كويسة؟؟”

ردت وهي بتهز راسها، وبتحرك إيدها المصابة: “إبعدوا عني.. سيبوني في حالي.. آه.. إيدي وجعاني أوي”

بصيت على الدكتور، وسألت: “إيه اللي حصلها؟؟ طمني؟؟”

رد عليا: “ضغطها وطي شوية.. بس متقلقش هي هتكون كويسة لما المحلول يخلص”

سألته بفزع: “ضغطها إيه؟؟ وطي؟؟ ليه؟؟ طمني يا دكتور هي فيها إيه؟؟”

بصلي بصة تعاطف، وقال: “إتطمن.. هيتحسن بسرعة.. هي شالت المصل اللي كان في إيدها فجأة، والمصل كان فيه مسكن ألم لازم يخف بالتدريج عشان ميسببلهاش إنخفاض في الضغط.. الموضوع بسيط إن شاء الله.. متقلقش”

إزاي مقلقش وأنا شايف العجب من صغيرتي؟؟

قلت عشان كنت عايز أتطمن زيادة: “هي مكانتش طبيعية خالص.. تفتكر إن في حاجة حصلت في دماغها؟؟ دي عمالة تهلوس، وبتتصرف من غير أي عقل.. ممكن تتأكد إن دماغها كويسة؟”

الدكتور قال: “إحنا متأكدين إن دماغها مفيهاش أي حاجة الحمد لله.. لكن واضح إن نفسيتها تعبانة من الحادثة.. والوضع ده مش مستبعد لإنه بيحصل مع ناس كتير.. هي محتاجة دعم معنوي، ومحتاجة إنكوا تكونوا جنبها”

رديت على جملته الأخيرة: “بس هي مش عايزة أي حد يقرب منها”

كإن رهف مسمعتش غير كلامي ده، ولقيتها بصتلي، وقالت: “سيبوني في حالي”

وبعدين سحبت إيدها من إيد الدكتور، ومسكت اللحاف، وغطت وشها بيه…

طلبت مننا كلنا إننا نخرج من الأوضة، وفضلت تهلوس بشوية كلام مفهمتش منه أي حاجة…

بصيت على الدكتور بقلق، وقلت: “أنا حاسس إنها اتجننت يا دكتور.. إعمل حاجة لو سمحت.. دي اتجننت خلاص”

قال: “لأ لأ.. متقولش كده لا سمح الله.. هي بس نفسيتها تعبانة شوية.. أنا هديها منوم خفيف عشان ترتاح”

رهف فضلت على حالتها، وسمعتها بتقول من تحت البطانية: “متوديهاش بيتنا تاني.. مش عايزة أشوف وشها.. أبدا”

كررت وهي بتعلي صوتها: “أبدا يا ليث.. أنت فاهم؟؟ أبدا”

لما ماسمعتش أي رد مني، قالت: “ليث.. أنت سامعني؟؟ روحت فين؟؟”

قربت منها عشان أحسسها بوجودي، وقلت بصوت مكسور: “أنا هنا.. أيوة.. أنا سامعك.. حاضر.. هعملك اللي إنتي عايزاه.. لكن حاولي تهدي دلوقتي عشان خاطري.. أنا مبقاش عندي طاقة نهائي”

قالت: “هي السبب في اللي حصل”

قلت: “تقصدي رضوى؟؟”

ملحقتش اكمل الجملة، ولقيتها صرخت فجأة: “متقولش إسمها قدامي”

قلت بسرعة وأنا متوتر: “طيب طيب.. متزعليش.. خلاص”

سكتنا أنا، وهي شوية، وبعدين سمعتها بتقول: “أنا عايزة ماما”

كلامها شق قلبي نصين…

الممرضة سألتني: “هي مامتها فين؟؟”

عضيت على سناني، وجاوبت بصوت هادي: “إتوفت”

رهف حركت راسها من تحت اللحاف، وبدأت تتكلم وهي بتعيط: “آه يا ماما.. آه يا بابا.. إرجعولي بقى.. وحشتوني أوي.. كسروا عضمي يا ماما.. كسروا قلبي يا بابا.. يرضيكوا كده؟؟ ده أنا الدلوعة الغالية بتاعتكوا.. إزاي تسيبوني كده؟؟ مبقتش قادرة أقوم من مكاني.. آه.. إيدي، ورجلي بيوجعوني أوي.. ساعدوني.. أرجوكوا متسيبونيش لوحدي.. أنا ليا مين بعدكوا؟؟”

النفس بقى صعب جدا في الأوضة اللي مليانة دموع، وحزن.. حسيت إن أنا صدري اتكتم…

طلبت من الدكتور بنفسي إنه يديها المنوم تاني فورا.. عشان تنام، وتبطل الندب اللي فرتك كل حتة في جسمي…

دي حتة خلت حيطان، وسقف الأوضة يحزنوا عليها…

بعد ما الممرضة إديتها المنوم، رهف راحت في النوم في خلال كام ثانية…

قد إيه إتمنيت لو في حقنة منوم ليا أنا كمان..!

الممرضة قالت: “آديها نامت أهي الحمد لله”

وبعدين قاست ضغطها تاني، وطمنتني إنه بقى أحسن بكتير، والدكتور كشف على النبض بتاعها، وقال إنه زي الفل…

الحمد لله…

ربنا يشفيكي، ويهديكي يا رهف…

الإتنين فضلوا واقفين جنب رهف لغاية ما وضعها استقر، وبعدين الدكتور خرج، وفضلت الممرضة قاعدة تسجل العلامات الحيوية بتاعتها…

وش رهف كان لسة متداري تحت اللحاف، وأنا كنت خايف نفسها يتكتم، فشديت اللحاف لغاية ما وشها ظهر بشكل كامل…

الممرضة قالت وهي شايفة وشي غرقان في الحزن على رهف: “شكل نفسيتها تعبانة جدا.. الأحسن إن إخواتها البنات أو صحباتها أو المقربين ليها ييجوا عشان يهونوا عليها شوية.. البنات في السن ده بيبقوا حساسين جدا، وبيتأثروا بأقل حاجة.. ما بالك إصابة كبيرة زي كده؟”

إخواتها مين، وقرايبها مين؟؟

إنتي متعرفيش حاجة!!

فضلنا ساكتين شوية، وبعدين قالت: “معلش يا أستاذ.. تقريبا في حاجة غلط في المعلومات اللي على الكمبيوتر.. إسم باباكوا شكري ولا يسري؟”

“هي رهف يسري جميل..آل شكري، وأنا ليث شكري جميل.. آل شكري”

الممرضة بصتلي باستغراب، وقالت: “هو إنتوا مش إخوات؟؟”

قلت: “هي تبقى بنت عمي، وبنتي بالوصاية”

الإستغراب بان على وشها زيادة، وكانت هتقول حاجة، لكن هزت راسها، وسكتت…

وهي رهف نايمة فضلت أعيد الشريط بتاعها من ساعة ما صحيت لغاية ما نامت، وافتكرت جملة (هي السبب) اللي كان قصدها بيها رضوى…

منك لله يا رضوى..!

الفكرة كبرت في راسي، ومبقتش قادر أتحمل، وكنت عايز أقوم أتكلم مع رضوى فورا…

قلبي اتطمن شوية على الصغيرة، واتأكدت إنها لسة نايمة، وبعدين طلبت من الممرضة إنها تفضل معاها لغاية ما أرجع…

خرجت من الأوضة عشان أدور على رضوى، ومامتها.. لقيتهم قاعدين في الممر قريب من الأوضة…

الإتنين قاموا وقفوا أول ما شافوني…

عيني ثبتت على رضوى، وكانت بتطق شرار…

خالتي سألت: “هي عاملة إيه دلوقتي؟؟”

مردتش عليها، ووجهت كلامي لرضوى مباشرة: “إنتي عملتي إيه في رهف؟”

مردتش عليا، وبان على وشها التوتر، والخوف…

إيدي اتحركت ناحية دراعها، ومسكتها بقسوة، وكررت بنبرة حادة: “ردي عليا.. عملتي إيه في رهف؟؟”

الخالة اتدخلت، وقالت: “هتكون عملت إيه يعني؟؟ هما الإتنين وقعوا سوا”

ضغطت بقسوة أكتر على دراع رضوى، وقلت: “إتكلمي”

رضوى كانت بتحاول تفلفص من إيدي، لكن مقدرتش…

وبعدين استسلمت، وقالت: “قلتلك إنها كانت حادثة.. أنت فاكر إن أنا اللي زقيتها، ورميتها من على السلم؟؟ هو أنا مجنونة عشان أعمل حاجة زي كده؟؟”

زقيت رضوى بعنف على الحيطة اللي كانت وراها، وهي اترزعت جامد…

قلت: “أنا اللي مجنون يا رضوى، وممكن أعمل أي حاجة عشان أنتقملها من اللي يفكر إنه يإذيها”

خالتي فيردا قربت مننا، وقالت: “ليث.. هو إيه اللي حصلك يا إبني؟؟ كفاية كده.. الناس بيتفرجوا علينا”

“ليث.. هو إيه اللي حصلك يا إبني؟؟ كفاية كده.. الناس بيتفرجوا علينا”

وطيت صوتي، وفضلت ماسك في دراع رضوى اللي لازقة في الحيطة، وقلت: “البنت حالتها وحشة.. وحشة أوي يا رضوى.. إصابتها كبيرة، ونفسيتها متدمرة.. بتتصرف بشكل غريب، وبتقول إن إنتي السبب في اللي حصل.. ومش طايقة تسمع سيرتك.. إوعي تقوليلي إنك معملتيش حاجة.. عرفيني إنتي عملتي فيها إيه يا رضوى.. إتكلمي”

“ليث”

رضوى زعقت، وحاولت تبعد عني…

لكن أنا زنقتها جامد بيني، وبين الحيطة، وصرخت: “قلتلك مليون مرة.. متقربيش منها.. إلا رهف يا رضوى.. إلا رهف.. أي حاجة في الكون ده إلا هي…

أنا مقبلش إن ضوافرها حتى تتخدش.. وميكفينيش في اللي يإذيها غير القتل…

والله يا رضوى.. أقسم بالله العظيم.. لو البنت حصلها حاجة في جسمها أو في عقلها.. وإنتي كنتي السبب بشكل أو بآخر.. فهتشوفي مني وش عمرك ما شوفتيه في حياتك قبل كده.. والله العظيم، أنا ساعتها هعاقبك بأبشع الطرق.. حتى لو إضطريت إني أكسر عضم جسمك كله، وأفرتكه بإيدي دي”

سحبت رضوى شوية، وبعدين خبطتها في الحيطة جامد للمرة التانية…

……………..

بعد ساعة تقريبا، خدني البيت، وسيبنا ماما قاعدة مع رهف اللي كانت غرقانة في سابع نومة بسبب المخدر…

ليث متكلمش معايا طول الطريق.. كان باله مشغول، وسرحان لأبعد الحدود…

أول ما وصلت البيت، طلعت أوضتي بسرعة، وفضلت أعيط وأنا قاعدة على السرير، لغاية ما دماغي صدعت، وفردت جسمي، ونمت شوية…

لما صحيت كنت لسة تعبانة، ودماغي هتنفجر، وكنت عايزة أروح أقول لليث تفاصيل الحادثة بتاعة إمبارح.. عشان الحقيقة توضح، ويبطل يوجه الإتهامات البشعة دي ليا…

مكنتش نمت غير ساعة واحدة تقريبا، وكنت متوقعة إني ألاقي ليث نايم على سريره جوا أوضته، لكن أنا ملقتش ليه أي أثر في البيت…

إستنتجت إنه رجع المستشفى تاني…

المفروض إنه تعبان، وأنا كنت فاكراه هيرتاح شوية.. بس طبعا مقدرش يسيبها…

أنا مش عارفة رهف حكتله إيه بالظبط عن الحادثة؟؟

واضح إنها عرفته إني زقيتها وأنا متعمدة من على السلم…

لكن.. وربنا شاهد على اللي أنا بقوله.. دي كانت حادثة مش مقصودة نهائي…

أنا لو كنت عارفة إن الموضوع هيخلص بإنها تدخل أوضة العمليات.. كنت سيبتها تروح لجوزي، وتديله التليفون وهو نايم.. وكنت وقفت إتفرجت عليهم كمان…

(جوزي) كلمة أنا معرفش معاناها.. زي ما أنا معرفش الوش التاني لليث…

القسوة، والتهديد، والعنف، والكلام الفظيع اللي قالهولي النهاردة الصبح، بيكشفلي جوانب مرعبة أنا مكنتش شايفاها في شخصيته قبل كده…

مكنتش متخيلة أبدا إن هو كده…

الراجل ده قتل شخص لما كان في قمة الغضب…

مهما كان السبب، فالخلاصة هي إن ليث ممكن يقتل أي حد لما يكون متعصب، وغضبان!!

جسمي قشعر، وبعدت الفكرة المؤلمة دي عن دماغي فورا…

حاولت أشغل نفسي بحاجات تانية، زي ترويق البيت، والمطبخ، وكده…

كنت شايفة سرير ليث متبهدل لما دخلت عشان أدور عليه…

دلوقتي أنا رجعت أوضته تاني عشان أرتب الدنيا كالعادة…

في الوقت ده.. وأنا برفع المخدة من على السرير.. شوفت حاجة غريبة..!

كانت صورة متقطعة، والقطع بتاعتها محطوطة تحت المخدة…

فضولي خلاني أجمع الأجزاء بتاعتها، وأركبها من أول وجديد، لغاية ما الصورة اكتملت…

ظهرت صورة بنت صغيرة قاعدة بترسم، وفي إيدها قلم تلوين، وقدامها كراريس رسم…

من تاريخ الصورة، ظهر إنها متصورة من حوالي تلتاشر سنة…

الموضوع خلاني أستغرب جدا، وفضلولي زاد..!

إيه اللي يخلي ليث يحط صورة قديمة، ومتقطعة لطفلة تحت مخدته؟!

لكن ثواني..!

بصيت كويس على ملامح الطفلة دي.. لو مكنتش غلط، فأنا استنتجت هي تبقى مين؟

سيبوني دلوقتي لو سمحتوا…

أنا في حالة ذهول، ومش هقدر أتكلم أكتر من كده..!

………………..

رهف فضلت نايمة حوالي تلات ساعات.. وأنا، والخالة فيردا كنا جنبها…

كنت قاعد براقب أي تغيير يبان عليها…

رهف الصغيرة كانت عمالة تهلوس طول ما هي نايمة، وجابت سيرة أمي الله يرحمها كذا مرة…

كل مرة كانت بتضرب سكينة في قلبي من غير ما تحس…

سبناها تنام، ومحاولناش نصحيها خالص…

كنت خايف إن الحالة العصبية دي ترجعلها تاني…

أول ما فتحت عنيها، ضربات قلبي زادت من كتر القلق…

عيني إتشعلقت عليها، وكنت بحاول أستشف الحالة بتاعتها قبل ما تبدأ تتكلم…

بان عليها إنها هادية، ومستسلمة.. الحمد لله…

بصت حواليها، ومعملتش أي رد فعل…

كانت متقبلة وجودي أنا، والخالة فيردا جنبها…

فضلنا مستنيين أي كلمة أو حركة منها.. لكن مصدرش منها أي حاجة…

كنت ملهوف إني أتطمن عليها.. اتجرأت، وسألتها بتردد: “ألف سلامة عليكي يا صغيرتي.. إنتي كويسة؟؟”

رهف هربت من نظراتي، وشفايفها اتقوست لتحت.. لكن مسكت نفسها، ومعيطتش…

في اللحظة دي الدكتور بتاعها جه عشان يتطمن عليها، وهي اتجاوبت معاه، وطمنته إن الوجع قل شوية…

فضل يتكلم معاها، ويقنعها إنها هتبقى أحسن، ويشجعها عشان تاكل.. لكن هي طبعا رفضت…

على الأقل، أنا كده إتطمنت إن هي متجننتش…

وكمان حالتها العصبية دي راحت، وضغط دمها استقر الحمد لله…

بعد ما الدكتور خرج، بصيتلها، وسألتها: “عرفيني يا صغيرتي.. إنتي بقيتي كويسة؟؟ حاسة إنك أحسن؟”

كنت متلهف جدا عشان أسمع أي كلمة تطمني بيها…

أنا مش هاممني بس غير إن وضعها الصحي يبقى كويس.. اللي يهمني إن هي تحس إنها كويسة، وتعرفني ده…

رهف حركت إيدها الشمال ناحيتي، وأنا مسكتها بإيدي بسرعة عشان أطمنها…

قلت: “إنتي كويسة.. مش كده؟”

كانت باصة عليا، ومش بتجاوب.. كانت غرقانة في حزن عميق…

قلت عشان أشجعها: “كلميني يا رهف أرجوكي.. قوليلي إنك كويسة.. أنا محتاج أسمع منك كده”

رهف نطقت أخيرا: “ليث”

مسكت إيدها جامد، وقلت بلهفة: “أيوة يا صغيرتي.. أنا هنا جنبك.. قربت أموت من قلقي عليكي.. قوليلي إنك كويسة، وبقيتي أحسن دلوقتي.. مش ده حقيقي ولا إيه؟؟”

رهف قالت أخيرا وهي بصالي كويس: “الحمد لله”

أنا كررت وراها: “الحمد لله.. الحمد لله”

الخالة فيردا ردت: “الحمد لله إنك كويسة يا بنتي”

رهف حركت إيدها الشمال، وحطيتها على الجبيرة اللي على إيديها اليمين، وبعدين سألت: “هي دي هتفضل قد إيه؟؟”

الدكتور كان قايلي قبل كده إن هي هتفضل كام أسبوع، وخوفت أقول كده عشان رهف ميجيلهاش إحباط زيادة…

قلت: “الدكتور قال إنها هتفضل في إيدك فترة مش كبيرة.. وكمان هتسيبي المستشفى كمان كام يوم”

الكلام ده طمنها شوية، وبعدين رجعت تسأل: “طب والجامعة هعمل فيها إيه؟؟”

قلت: “أنا هتصل بيهم، وهعرفهم الوضع بتاعك”

قالت وهي بتبص على الخالة فيردا: “طب والسفر؟؟”

الخالة ردت: “هنأجله لغاية ما حالتك تتحسن إن شاء الله”

مديت إيدي، وفضلت أمسح على الجبيرة اللي على إيدها عشان أواسيها، وقلت: “إتطمني يا صغيرتي.. ابتلاء، وهيعدي بأمر الله.. إن شاء الله هتتعالجي في أسرع وقت”

قالت بحزن: “طب هو أنا هقدر أمشي تاني؟؟”

قلت بسرعة: “طبعا يا رهف.. إصابتك مش صعبة للدرجة دي”

قالت بشك: “هو أنت بتقول كده عشان تطمنني؟ متخبيش عليا حاجة يا ليث بعد إذنك”

رديت عليها عشان أأكدلها: “لأ والله يا رهف.. صدقيني ده الكلام اللي الدكتور قاله.. هو أنا كدبت عليكي قبل كده؟”

يا ريتني ما سألت السؤال ده، لإن هي بصت عليا بصة غريبة، وقالت: “أنت أدرى!”

بلعت كلامها ليا، وافتكرت إن هي السنة اللي فاتت كانت بتقول عليا كداب، عشان أنا كنت واعدها إني مش هسافر غير لما أقولها، وسافرت وأنا مضطر من غير ما أعرفها…

الخالة فيردا قالت عشان تأيد كلامي: “أنا كمان سمعت الدكتور وهو بيأكد الكلام ده.. هتخفي بشكل كامل إن شاء الله.. خلي عندك صبر، واتفائلي بربنا خير يا بنتي”

الصغيرة بان عليها إنها اتطمنت شوية، وقالت: “الحمد لله.. المهم إن أنا أرجع أمشي تاني.. وأرسم كمان”

قضيت النهار كله مع رهف، بين قراءة القرآن أو سماع في التيلفزيون، ومراقبة رهف، ودعمها معنويا من وقت للتاني…

إتطمنت إن حالة الهلوسة اللي كانت عندها الصبح، راحت الحمد لله…

برغم إني كنت مرهق، ومحتاج أنام، وأرتاح.. لكن أنا كنت مبين إني صامد، ومش محتاج أي حاجة عشان أفضل جنب صغيرتي طول ما هي صاحية…

في وقت الزيارة، صاحبي سامي جه، وجاب معاه مراته عشان تزور رهف، وتطمن عليها.. ودي كانت حاجة كويسة عشان رهف تلاقي حد يواسيها…

وأنا لقيتها فرصة عشان أقعد شوية مع صاحبي، وأشكره، واعتذرله على تعبه معايا.. مع إني عارف إنه مش مستني مني حاجة زي كده…

سامي، ومراته فضلوا قاعدين معانا شوية، وقبل ما يمشوا طلبت منه ياخد معاه الخالة فيردا عشان يوصلها البيت، ويجيبها تاني، ومعاها شوية حاجات لرهف…

سامي رجع، وكان معاه خالتي فيردا، وأنا خليتها تقعد مع رهف في الأوضة…

“طب وأنت يا راجل؟؟ مش عايز ترتاح شوية؟؟”

سامي سألني وإحنا واقفين في الممر جنب أوضة رهف، وأنا كنت ساند على الحيطة عشان مقعش، وهو شايف الإرهاق اللي واضح جدا على وشي…

سامي سألني: “طب ومراتك عاملة إيه؟؟”

اتنهدت شوية، وبعدين قلت: “اسكت يا سامي، ومتجبش سيرتها في المستشفى هنا خالص.. رهف مش عايزة تشوفها، ولا حتى تسمع صوتها.. إتجننت، وعقلها طار لما شافتها.. بتكرهها بشكل غريب جدا يا سامي.. تقريبا رضوى كانت السبب في الحادثة دي.. ولولا إني مسكت نفسي النهاردة، أنا كنت ه…”

سكت، ومكنتش عايز أعبر عن مشاعري المجنونة دي قدام سامي، لكن أنا عارف إنه فاهم كل حاجة…

قلت: “ده أنا ما صدقت إنها هديت شوية، ولسة خايف إنها تنهار تاني في أي لحظة، ومش متطمن وأنا سايبها لوحدها مع الخالة.. لكن دي مستشفى، وليها قوانينها، وميصحش إني أفضل موجود هنا معاها طول الوقت”

بعد شوية سكوت، سامي سألني: “هي الحادثة دي حصلت إزاي؟”

رديت: “معرفش يا سامي.. إتخانقت مع رضوى.. هما بقالهم كام يوم متخانقين.. كانوا واقفين على السلم، ووقعوا هما الإتنين.. لكن رهف هي اللي اتصابت بالشكل ده”

اتنهدت، وكملت: “أنا خايف عليها أوي يا سامي.. خايف إن الجرح يسبب مشكلة دايمة في رجلها، أو إيدها”

سامي قال بسرعة: “متقولش كده يا راجل.. لا قدر الله.. إن شاء الله تخف، وترجع زي الأول، وأحسن.. اتفائل بالخير”

قلت: “الموضوع بالنسبالي قضاء، وقدر.. وأنا بحمد ربنا على لطفه، والدكتور كمان طمني…

لكن أنا كل خوفي على نفسية الصغيرة.. دي ضعيفة جدا.. مش هتتحمل حاجة زي كده…

مجرد تفكيرها في إنها مش هتمشي زي الأول، ممكن يخلص عليها…

هي شافت بلاوي كتيرة من وهي صغيرة لغاية دلوقتي.. من ساعة ما كانت طفلة يا سامي وهي بتعاني…

اليتم، وعلى الحيوان، ووفاة أبويا، وأمي، والحرب، والتشرد، والغربة، والوحدة.. كل ده على كتاف بنت صغيرة، وضعيفة خالص…

قلي يا سامي.. مين ممكن يتحمل حاجة زي كده؟؟

بعد كل ده.. اتكسرت، واتجبست، وبقت معاقة…

عقل بنوتي ابتدى يروح منها يا سامي.. هو تقريبا راح فعلا!”

سامي مسك إيدي عشان يحاول يهون عليا، وأنا كملت: “أنا السبب الحقيقي في الحادثة دي.. كنت عارف إن العلاقة بينهم وصلت لمرحلة خطر…

كان لازم أبعدهم عن بعض من زمان.. يا ريتني عملت كده قبل فوات الأوان…

لكن أنا سيبتهم لغاية ما وصل الموضوع للكسر…

آه يا ربي.. أنا السبب.. هقابل ربنا إزاي وأنا معرفتش أحافظ على الأمانة اللي في إيدي؟

هقول لماما، وبابا إيه؟؟

دول حطوها أمانة في رقبتي.. أنا ببساطة سيبتها تتكسر!”

ضربت راسي في الحيطة اللي كانت ورايا من كتر ما كنت متضايق من نفسي…

اتمنيت لو كنت أنا اللي اتكسرت، وصغيرتي ماكنش حصلها أي حاجة…

سامي فضل يواسيني، وبعدين سأل: “هم قرايبها عرفوا الموضوع ده؟؟”

أنا افتكرتهم في اللحظة دي، مكانوش على بالي خالص…

قلت وأنا بهز راسي: “لأ.. أنا مش هعرفهم.. هم هيتهموني إني قصرت في رعايتها.. دول كانوا عايزين يولعوا فيا وأنا باخدها غصب عنها من بيتهم المرة اللي فاتت”

افتكرت الطريقة اللي كانت بتكلمني بيها أم صبري قبل ما أمشي، وكلامها، وشكها في إني مش براعي ربنا في رهف.. كإنها كانت عارفة إني هرجع بيها وهي عضمها مكسور…

سامي قال: “متحملش نفسك الذنب يا ليث.. خلينا نحمد ربنا على لطفه بينا، وندعي للمريضة إن ربنا يتم شفائها على خير”

ابتسمت بامتنان، وحضنت صاحبي عشان آخد منه شوية طاقة…

قال بعد كده: “سلملي عليها، وعرفها إني بدعيلها، وبتمنالها تقوم بألف سلامة، ولو احتاجتوا أي حاجة مني، أو من مراتي متتأخروش في إنكوا تكلموني”

الساعة دلوقتي بقت تمانية بليل، ووقت الزيارة انتهى، والممرضة جت عشان تنبهنا لكده…

أنا واقف جنب رهف، والخالة فيردا معايا، وسامي مشي…

بصيت على رهف، وقلت بتردد: “الخالة هتفضل معاكي النهاردة.. اعتمدي عليها في أي حاجة إنتي عايزاها، ولو إحتاجتوني إتصلوا بيا فورا”

رهف استغربت، وبان عليها الإرتباك، وقالت: “أنت رايح فين؟؟”

رديت عليها: “رايح البيت.. مينفعش إني أفضل هنا أكتر من كده”

في اللحظة دي، رهف قامت قعدت، وسألتني بخوف: “أنت هتسيبني هنا لوحدي؟”

بصينا على بعض أنا، والخالة، وقلت: “لأ.. خالتي هتفضل هنا، وهتبات معاكي”

لقيت رهف بتزعق: “خرجني من هنا.. دلوقتي”

وشها كان باين عليه إنها هتبدأ في موجة العصبية، والغضب، فأنا فضلت ساكت عشان مزعلهاش زيادة…

الخالة فيردا طبطبت عليها، وقالت: “ربنا يهديكي يا بنتي.. هيخرجك من هنا إزاي بس؟”

بس رهف مكانتش بتهزر.. شالت اللحاف، ونزلت رجل من رجليها، وكانت عايزة تقف…

أنا مسكتها بسرعة، وقلت: “لأ بالله عليكي متتحركيش”

زعقت وهي مرعوبة: “أنت عايز تمشي، وتسيبني إزاي؟ أنت مش شايف اللي أنا فيه يا ليث؟”

قلت وأنا مفزوع: “طيب.. ماشي.. أنا هفضل هنا، ومش هروح حتة.. بس بالله عليكي متتحركيش.. خليكي زي ما إنتي”

رجعتها، وخليتها تنام كويس تاني على السرير، ومسحت العرق اللي نزل من راسي بسبب التوتر، واستسلمت، واترميت على طرف السرير بتاعها…

“إيه؟ خلاص زهقت مني، ومبقتش طايقني؟ خلاص.. إرميني بقى من الشباك عشان تريح نفسك”

رهف قالتلي كده لما شافتني وأنا مخنوق، وعمال أتنهد بعصبية من اللي هي بتعمله…

يا ترى هي ناوية تنكد عليا تاني، ولا إيه؟؟

لأ.. مش هنبتدي تاني.. كفاية عليا كده يا رهف عشان خاطري.. أنا مبقتش قادر والله…

زحفت ناحيتها، وأنا طاقتي منتهية، وقلت: “بتقولي إيه بس يا رهف؟ كفاية عشان خاطري.. أنا مش متحمل”

قالت بزعيق: “أنت مش شايف حالتي عاملة إزاي؟ عايز تمشي، وتسيبني وأنا في الحالة دي يعني؟؟ أنت مش حاسس بيا خالص؟”

إنتي اللي مش حاسة باللي أنا فيه يا رهف…

آه، وألف آه منك…

قلت: “لأ.. أنا مفكرتش إن أنا أسيبك ولا حاجة.. بس قوانين المستشفى مش بتسمح إن الراجل يفضل موجود في أوضة أي واحدة طول الليل بالمنظر ده، حتى لو كان باباها.. وخالتي هتفضل معاكي، ومش هتسيبك”

لكن رهف معجبهاش الكلام ده، وأصرت إني أفضل بايت معاها الليلة دي.. وحالتها طبعا مكانتش تسمح إني أتجاهل رغباتها في الوقت ده…

كنت محرج جدا وأنا بطلب من المسؤولين إنهم يسمحولي أفضل مع الصغيرة الليلة دي، عشان حالتها النفسية، وكده…

لبيت رغبة رهف، وتعبت جدا وأنا قاعد معاها، وسهران جنبها طول الليل، وسايب رضوى تبات لوحدها في البيت الكبير بتاعنا…

الليلة كانت شاقة جدا، وأنا حالتي كانت تصعب على الكافر…

لا أنا، ولا صغيرتي دوقنا طعم النوم، ولا الراحة…

كنت قاعد على كرسي جنب سريرها، وفي بيننا ستارة…

بس أنا كنت سامع كل تحركاتها، ووجعها طول الليل…

كان الوجع بيشد، وبيضغط على العضم الصغير بتاع طفلتي…

الممرضة كانت بتيجي كل شوى عشان تديها مسكن ألم…

تاني يوم الصبح، رهف سمحتلي إني أمشي بشرط إني أرجع تاني العصر…

كنت مرهق جدا، ومنمتش ولا لحظة بقالي يومين تقريبا…

تقريبا خالتي فيردا أقنعت رهف إنها تسيبني أمشي.. هما كانوا شايفيني وأنا بنام على نفسي وقت شروق الشمس…

تقريبا كده أنا صعبت عليها أخيرا…

وقفت جنب رهف، وسألتها لو كانت عايزة أي حاجة قبل ما أمشي…

“أنا هروح على السرير فورا.. وهسيب التليفون جنب المخدة بتاعتي.. إتصلوا بيا لو احتجتوا أي حاجة في أي وقت، ومن غير تردد”

قلت كده وأنا ببص على رهف، والخالة فيردا…

رهف هزت راسها بالموافقة، والخالة قالت عشان تطمني: “متقلقش يا إبني.. إحنا هنتصل بيك لو إحتاجنا حاجة ضرورية.. روح نام، واسترخى، ومتشيلش هم”

بصيت على رهف شوية كتير.. قلبي مكانش مطاوعني إني أسيبها، لكن أنا كنت تعبان جدا، ومحتاج أرتاح…

مديت إيدي ناحيتها، وطبطبت على كتفها، وقلت: “ماشي يا صغيرتي.. أسيبك في رعاية الله.. خليكي هادية عشان خاطري.. أنا مش هطول”

الصغيرة مسكت إيدي، وبحلقت فيا جامد، وتقريبا عنيها كانت بتقول: (متمشيش، وتسيبني)

لكن أنا مقدرتش أعمل حاجة غير إني ابتسمت، وقلت: “أشوفك على خير يا صغيرتي”

سيبتها أخيرا، وروحت على البيت وأنا ميت من التعب…

مشيت ببطء شديد جدا جوا البيت لغاية ما وصلت عند أول عتبة في السلم…

طلعت السلم خطوة خطوة وأنا بفتكر صريخ رهف عليه إمبارح، ورجلي ودتني بشكل لا إرادي لأوضتها…

الصورة اللي كانت رسماهالي رهف، كانت لسة محطوطة على الحيطة اللي ورا سريرها من وإحنا صغيرين زي ما هي…

قعدت على طرف السرير بتاعها، وفضلت أفتكر فيها لما كانت مبسوطة جدا وإحنا بنتفسح في أول الليل، وأفتكرها وهي بتعيط، وبتصرخ، ومرمية على سرير المستشفى آخر الليل…

“آه يا رهف”

كنت بقول كده وأنا رافع إيدي، ومغطي بيها وشي من الحزن…

“يا رب.. أنت عارف إن مفيش حد أغلى عندي في الدنيا من رهف.. يا رب.. أنا ممكن أتحمل أي بلاء، ومتحملش عليها دمعة واحدة.. ألطف بيها، وبيا يا رب، واشفيها، ورجعها زي ما كانت.. يارب أسألك الفرج العاجل يا رب”

لو كنت فضلت في الأوضة دي أكتر من كده.. روحي كانت هتطلع…

روحت أوضتي، وفضلت وقت طويل أصلي، وأدعي ربنا.. لغاية ما نفسيتي هديت، وقلبي إتطمن، وبالي إرتاح، وفوضت أمري لله الرحيم اللطيف…

وأخيرا.. رميت راسي على المخدة، وهستسلم للنوم…

غمضت عيني، واتفاجأت بصورة رهف وهي جاية في خيالي من أول وجديد…

فتحت عيني، ولقيتها قدامي برضه…

فضلت أتقلب يمين، ومشال.. ولقيتها في كل مكان حواليا…

أرجوكي كفاية.. إنتي رجعتي ليه؟؟

خليني أنام ساعة واحدة على الأقل…

عشان خاطري يا رهف.. إرحميني، وارأفي بحالتي…

حطيت المخدة فوق راسي عشان ماشوفش أي حاجة، وأنام بقى…

فجأة.. افتكرت حاجة.. مكنش ناقصني غير إني أفتكر الموضوع ده الساعة دي..!

رفعت المخدة، وقعدت، وفضلت أدور بعيني تحتها…

رفعت البطانية، وفضلت أدور في كل حتة على رهف..!

“يا ربي.. هي اختفت فين؟”

جريت بسرعة على المحفظة بتاعتي، ودورت فيها كويس.. لكن للأسف من غير أي فايدة…

دورت تحت السرير، وعلى الكومودينو اللي جنب السرير، وكل مكان ممكن أسيب فيه رهف..!

برغم إنها كانت موجودة في كل مكان حواليا.. دلوقتي أنا مش لاقيها في أي مكان…

“رضوى.. أكيد هي!”

استنتجت الموضوع، وخرجت من أوضتي بسرعة، وروحت لأوضة رضوى…

أنا مشوفتهاش من ساعة ما إتخانقنا سوا في المستشفى النهاردة الصبح…

إترددت شوية، وبعدين خبطت على الباب فورا، وندهت: “رضوى.. إنتي صاحية؟”

الوقت كان بدري جدا، وخوفت تكون لسة نايمة.. بس أنا عارف إن هي متعودة تصحى بدري كل يوم الصبح…

خبطت تاني، ولقيت الباب بيتفتح بعد كام ثانية، ورضوى بتبص عليا، وباين على وشها القلق…

فضلنا ساكتين كام لحظة، وبعد كده سألتها: “إنتي كنتي نايمة؟؟”

“آه.. في حاجة ولا إيه؟؟”

رديت: “أنا آسف عشان صحيتك”

قالت: “أنا كده كده كنت هصحى كمان شوية.. لكن في إيه؟؟ إنتوا رجعتوا إمتى؟؟”

قلت: “أنا بس اللي رجعت.. خالتي فضلت مع رهف”

لما سمعت إسم رهف، بان عليها الخنقة، وودت وشها الناحية التانية بعيد عني…

قلت: “أنا كنت عايز أسألك سؤال”

بصت عليا، وقالت فورا: “وأنا كمان كنت عايزة أتكلم معاك شوية يا ليث”

رديت: “لأ.. مش وقته دلوقتي.. أنا دماغي وجعاني جدا، وتعبان، ومش متحمل أي حاجة”

تقريبا إجابتي جابتلها إحباط، وبان على وشها الخذلان…

أنا كملت كلامي: “عرفيني بس..هو مش إنتي اللي روقتي الأوضة بتاعتي؟”

خدت كام ثانية عشان تفكر، وبعدين ردت: “أيوة أنا”

قلت: “طب ولقيتي حاجة قرب مخدة السرير؟ أقصد يعني.. إنتي خدتي حاجة من هناك؟”

عيون رضوى لمعت بشكل مفهمتهوش وقتها.. بصت عليا بنظرة حادة، وغريبة…

قالت: “حاجة زي إيه يعني؟؟”

فهمت من كده إن هي شافت الصورة المتقطعة…

عضيت على سناني، وقلت: “وديتيها فين يا رضوى؟؟”

رضوى رفعت حواجبها، وقالت: “تقصد شوية القصاقيص المتقطعين؟”

عيني إتشعلقت في عنيها أكتر، وكنت مستنيها تكمل…

“أنا.. رميتهم في باسكت الزبالة”

بتقولي إيه؟؟

باسكت إيه؟؟

مش سامع كويس؟؟

قلت بدهشة، ومكنتش مصدق اللي أنا بسمعه: “إيه؟؟ رميتيها؟؟”

رضوى مردتش عليا، كررت كلامي بصوت أقوى، والنار كانت بترقص جوا عيني: “بتقولي رميتيها؟؟”

ناري قادت زيادة من البرود اللي أنا كنت شايفه على وشها…

“رضوى!! إنتي رميتيها فعلا؟ بالبساطة دي؟ ومين اللي إداكي الحق إنك تتصرفي كده؟ إنتي بتستعبطي مش كده؟ المرة اللي فاتت ترمي الصندوق، والمرة دي ترمي الصورة.. إزاي تسمحي لنفسك إنك تعملي كده؟”

رضوى فضلت تتفرج عليا وهي ساكتة تماما..!

“عرفيني رميتيها في أنهي باسكت؟”

رضوى فضلت تلف بعنيها شوية كإنها بتفتكر، وبعدين قالت: “تقريبا.. الخدامة خرجت كل الكياس اللي كانت في البساكت، ورميتهم في الباسكت الكبير اللي في الشارع”

مقدرتش أتمالك نفسي أبدا في الوقت ده..!

صرخت في وش رضوى جامد، وحرقته بالنار اللي كانت طالعة من بقي…

طبقت على دراعاتها، ومسكتها بقسوة، وفضلت أهز فيها.. وخبطت الباب برجلي خبطة جامدة لدرجة إن صوابع رجلي الحافية كانت هتتكسر…

“إيه اللي إنتي عملتيه ده يا رضوى؟ إنتي مش مدركة اللي إنتي نيلتيه؟ هترجعيها إزاي دلوقتي؟ منك لله يا شيخة! مش كفاية اللي إنتي عملتيه لغاية دلوقتي؟ عمري مش هيكفي عشان ألحق أصفي حساباتي معاكي.. تروحي دلوقتي حالا تخرجيها، حتى لو كانت في قاع جهنم”

شوفت وش رضوى وهو بيغلي من كتر النار اللي اتوجهتله، وعنيها كانت بتنزل شلالات دموع…

أنا كنت في قمة غضبي…

هي مش مكفيها اللي عملته في البنت الصغيرة؟؟

كمان عايزة تحرمني من بقايا رهف المتقطعة اللي مفارقتنيش لحظة واحدة من سنين؟!

صرخت في وشها جامد: “أنا مش عايز دموع.. أنا عايز الصورة بأي طريقة دلوقتي حالا.. يلا اتحركي.. فورا.. قبل ما أقطعك بين إيدي يا رضوى.. إنتي سامعة؟”

زقيتها جامد وأنا بسيبها من إيدي…

رضوى سندت على الحيطة، وبعدين مسحت الدموع اللي في عنيها، ومشيت بالراحة لجوا الأوضة، ورجعتلي وهي شايلة حاجة في إيديها وبتقدمهالي…

خدت بالي فورا إن دي قصاقيص صورة رهف..!

اتجمدت فجأة، ومبقتش قادر اتحرك، والنار اللي جوايا اتحولت لكتل جليد كبيرة…

بصيتلها، ولقيت عنيها حمرة، وبصالي بحزن، وبتقول بصوت ضعيف وهي بتحرك إيدها: “خد أهي”

مديت إيدي بلهفة، وخدت القصاقيص من إيدها، وفضلت أفحص فيهم، وأتأكد إن هم كاملين…

بعد كده عيني اتنقلت من القصاقيص على رضوى…

حسيت بالإنهيار، وبقيت محتار، ومش عارف أعمل ايه..؟

“بس.. إنتي.. ليه يعني.. قولتي إنك.. رميتيها؟”

رضوى ردت عليا في وسط بحر من الدموع: “كنت عايزة أختبر رد فعلك.. عشان أتأكد من اللي جوايا”

سكتت، وعصرت الدموع اللي متجمعة جوا عنيها، وكملت: “وأنا دلوقتي بقيت متأكدة خلاص من كل حاجة”

سكتت تاني، وفضلت بصالي شوية، وكملت: “ده أنت عايز تقطعني حتى عشان صورتها بس”

خلصت كلامها، ولفت، وراحت على سريرها جري، ودفنت وشها في المخدة، وفضلت تعيط بحرقة كبيرة…

فضلت واقف متسمر زي عمود النور.. مش قادر أقدم خطوة، ولا قادر انسحب…

كنت باصص على رضوى وهي بتعيط، وكلامها الأخير كان بيدوي جوا دماغي، ومكانش عندي جرأة إني أعمل أي حاجة…

أخيرا لساني قدر ينطق، ويقول: “رضوى”

مردتش عليا.. تقريبا مسمعتنيش بسبب صوتي اللي كان ضعيف، ومتقطع…

ندهت تاني بصوت أقوى: “رضوى”

المرة دي ردت عليا بصوت مكتوم من جوا المخدة: “سيبني لوحدي لو سمحت”

على الحال ده رجعت أوضتي وأنا شايل أشلاء صورة حبيبتي المتقطعة بين صوابعي…

اترميت تاني على السرير، ودماغي كانت مشحونة على الآخر….

صحيت الساعة تلاتة إلا عشرة على صوت رن التليفون…

خدت التليفون من على الكومودينو وأنا بحاول أفوق نفسي، وأفتكر كل اللي حصل مع رهف…

رديت بقلق: “أيوة.. مين؟”

سمعت صوت رهف بتكلمني: “أنا رهف يا ليث.. أنت كنت نايم؟”

قلت: “أيوة يا رهف.. إنتي كويسة؟”

قالت: “آه أنا كويسة.. إتصلت بيك مرتين، وأنت مردتش عليا.. كنت عايزاك تجيبلي شوية حاجات معاك ليا.. أنت هتيجي إمتى؟”

بصيت بصة سريعة على ساعة الحيطة، وقلت: “بعد ساعة بالظبط من دلوقتي إن شاء الله.. أنا كنت غرقان في النوم، ومخدتش بالي من الوقت.. معلش أنا آسف.. عايزاني أجيبلك إيه معايا؟”

قالتلي على شوية حاجات هي عايزاها، وحتى الجزمة بتاعتها..!

مشوفتش رضوى في الوقت ده خالص، وحتى مسمعتش منها رد لما خبطت على باب أوضتها عشان أعرفها إني ماشي…

روحت المستشفى وأنا واخد معايا بوكيه ورد جميل، وعلبة شوكولاتة كبيرة، وكمان حاجات رهف…

لما عيني وقعت عليها أول ما دخلت.. حسيت براحة كبيرة…

باين على حالتها إنها أحسن الحمد لله…

لون وشها رجع تاني بعد ما كان مخطوف…

هي كمان فرحت أوي ببوكيه الورد، والشيكولاتة، وشكرتني عليهم…

وصلت خالتي للبيت، ورجعت بسرعة لرهف عشان أقضي معاها ساعات الزيارة…

في الفترة دي جه معاد العشا، وأنا كنت بشجع رهف إنها تاكل الأكل بتاعها…

هي اتجاوبت معايا، وكلت أكلها، وده أكدلي إن هي بقت أحسن، وعدت مرحلة الإنهيار العصبي، وبقت متقبلة وضعها الحالي إلى حد ما…

وكمان كلام الدكتور طمني زيادة اليوم ده…

بعد ما رهف خلصت العشا بتاعها، بان عليها شوية توتر، وسرحان…

أنا عارف صغيرتي لما بتبقى حاجة شاغلة بالها…

سألتها: “في حاجة يا رهف؟”

بصيتلها، وكان باين في عنيها التردد، وكنت حاسس إنها عايزة تقول حاجة…

قلت عشان أشجعها: “خير يا صغيرتي؟؟ إيه اللي مضايقك؟”

قالت بعد تردد كبير: “هي قالتلك إيه؟”

بصيتلها وأنا فاهم هي تقصد إيه..؟

تقصد رضوى طبعا…

الإهتمام بالرد بتاعي كان باين على وشها جدا…

رديت عليها: “ولا حاجة”

سألت: “ولا أي حاجة؟”

وضحت كلامي: “أقصد يعني إن أنا لسة متكلمتش معاها.. الحقيقة إن أنا ملقتش وقت لكده خالص.. كنت نايم طول الكام ساعة اللي قضيتهم في البيت”

التوتر بتاع رهف قل شوية، ومسكت صوابعها، وفضلت تلعب فيها…

قلت: “في حاجة عايزة تقوليها يا رهف؟”

ارتبكت، وردت: “لأ.. بس…”

“بس إيه؟؟”

“متصدقش أي حاجة بتقولهالك عليا.. هي بتكرهني”

قالت الكلام ده بانفعال، وانا رديت: “مفيش حد بيكرهك يا رهف”

ردت عليا بانفعال أكبر: “لأ، هي بتكرهني، وبتعتبرني عالة عليها، وعلى فلوسها، وحتى على البيت بتاعنا”

قلت: “لأ، الكلام ده مش صح يا رهف.. رضوى مش من النوع ده”

قالت بعصبية: “أنا قلتلك إني مش عايزة أسمع إسمها.. أنت بتدافع عنها كده ليه؟ أنت ماشوفتش هي عملت فيا إيه؟ وكمان مسمعتش الكلام اللي هي قالتهولي وإحنا على السلم”

مرضتش أقول أي حاجة تعمل حريقة في الوقت ده، واتداركت الموقف، وقلت: “متشغليش بالك بأي حاجة دلوقتي.. إحنا هنبقى نتكلم في الموضوع لما تخرجي من هنا بالسلامة إن شاء الله”

رهف هديت، وبان على وشها الرضا، والسلام…

أنا ابتسلمتلها ابتسامة بسيطة، وقلت: “شكرا إنك فهمتيني”

بعد كده قالتلي جملة خلت قلبي يطير في سابع سما: “أنت طيب أوي يا ليث.. وأنا بثق فيك أكتر من أي حد في الدنيا”

الله!! إنتوا سمعتوا اللي أنا سمعته؟؟

لتكملة القصة اضغط الزر بالاسفل



هل كان المحتوى مفيداً؟

نعم
لا
شكرا لك

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى