تراث وسياحة وابتكار.. انطلاق مهرجان التمور المصرية بالواحات البحرية اليوم

انطلقت صباح اليوم فعاليات الدورة الجديدة من مهرجان التمور المصرية في الواحات البحرية بمحافظة الجيزة، وسط أجواء احتفالية كبيرة تجمع بين عبق التراث وروح الابتكار الحديث، بمشاركة مئات العارضين والمزارعين والمصنعين، وبحضور رسمي من وزارتي الزراعة والتجارة والصناعة وعدد من ممثلي المنظمات الدولية. ويُعد المهرجان هذا العام أكبر حدث من نوعه في المنطقة، حيث يُسلط الضوء على أهمية التمور المصرية باعتبارها أحد الكنوز الزراعية التي تسعى الدولة إلى تطويرها وتحويلها إلى منتج عالمي يحمل علامة “صنع في مصر”.
مصر.. موطن النخيل والتمور عبر التاريخ
تُعد مصر من أقدم دول العالم في زراعة النخيل، إذ تشير الدراسات إلى أن زراعة التمور تمتد جذورها إلى أكثر من 5000 عام منذ العصور الفرعونية. فقد كان المصري القديم يعتبر النخلة رمزًا للحياة والخصوبة، وتظهر نقوشها بوضوح على جدران المعابد والمقابر، حيث كانت ثمرة التمر تُقدم قربانًا للآلهة وتُستخدم في التغذية اليومية.
ومع مرور العصور، احتفظت النخلة بمكانتها كجزء من التراث المصري الأصيل، وأصبحت الواحات البحرية إحدى أهم مناطق زراعة التمور في البلاد بفضل طبيعتها المناخية المميزة التي تجمع بين الحرارة الجافة والمياه الجوفية النقية. اليوم، تُعد الواحات البحرية مركزًا رئيسيًا لإنتاج تمور الصعيدي والسيوي والبارحي والمجدول، وهي أنواع ذات شهرة إقليمية ودولية متزايدة.
مهرجان التمور المصرية.. من فكرة إلى منصة عالمية
بدأت فكرة إقامة مهرجان للتمور المصرية منذ عام 2015، بدعم من وزارة التجارة والصناعة وبالتعاون مع جائزة خليفة الدولية لنخيل التمر في دولة الإمارات العربية المتحدة، بهدف تسليط الضوء على إمكانات مصر الكبيرة في إنتاج وتصنيع التمور.
ومع مرور السنوات، تحوّل المهرجان إلى منصة رئيسية تجمع بين المزارعين والمنتجين والمصدرين والمستثمرين والباحثين في مجال زراعة وصناعة النخيل.
وخلال الدورات الماضية، ساهم المهرجان في تحقيق قفزة نوعية في صادرات التمور المصرية التي تجاوزت 75 ألف طن سنويًا إلى أكثر من 50 دولة حول العالم، لتصبح مصر الآن من بين أكبر ثلاث دول مصدرة للتمور عالميًا بعد السعودية والإمارات.
الواحات البحرية.. عاصمة النخيل المصرية
اختيار الواحات البحرية لاستضافة المهرجان ليس مصادفة، فهي تمتلك أكثر من 2.5 مليون نخلة موزعة على آلاف الأفدنة. وتنتج المحافظة أكثر من 60 ألف طن من التمور سنويًا، تشكل جزءًا أساسيًا من الدخل الاقتصادي لسكان المنطقة.
كما أنها أصبحت وجهة سياحية بيئية مميزة، تجمع بين الجمال الطبيعي والتاريخ الفرعوني، ما يجعل المهرجان حدثًا اقتصاديًا وسياحيًا في الوقت نفسه.
فعاليات المهرجان هذا العام
يتضمن برنامج مهرجان التمور المصرية 2025 مجموعة واسعة من الأنشطة والفعاليات التي تهدف إلى دمج التراث بالحداثة.
من أبرز هذه الفعاليات:
- معارض كبرى تضم منتجات أكثر من 150 عارضًا من مختلف محافظات مصر المنتجة للتمور.
- ندوات علمية متخصصة عن التنمية المستدامة في زراعة النخيل واستخدام التكنولوجيا في مكافحة الآفات وتحسين جودة الإنتاج.
- ورش تدريبية للشباب ورواد الأعمال حول تصنيع منتجات مبتكرة من التمر مثل الدبس والخل والتمور المحشوة والشوكولاتة.
- مسابقات لاختيار أفضل تمر مصري، وأفضل منتج مبتكر، وأجمل جناح عرض.
- أنشطة فنية وثقافية تستعرض التراث البدوي والأغاني الشعبية الخاصة بسكان الواحات.
كما يُقام على هامش المهرجان معرض للفنون التشكيلية المستوحاة من النخيل والبيئة الصحراوية، إضافة إلى سوق مفتوح للمنتجات الحرفية واليدوية التي تعبر عن روح الواحات.
وزير الزراعة: المهرجان يعكس رؤية مصر نحو الاقتصاد الأخضر
أكد وزير الزراعة واستصلاح الأراضي في كلمته الافتتاحية أن مهرجان التمور المصرية بالواحات البحرية يُجسد توجه الدولة نحو الاقتصاد الأخضر والزراعة المستدامة.
وقال الوزير: “نهدف إلى مضاعفة إنتاج التمور وتحسين جودتها من خلال التوسع في زراعة الأصناف عالية القيمة، وتبني التقنيات الحديثة في الري والتسميد والتعبئة”.
وأضاف أن “التمور المصرية تمتلك ميزة تنافسية كبيرة عالميًا، نظرًا لتنوع أصنافها وتوافر المناخ المثالي لزراعة النخيل في مناطق الوادي الجديد والواحات البحرية وسيوة وتوشكى”.
التعاون الدولي ودور الإمارات في دعم المهرجان
يحظى المهرجان هذا العام برعاية مشتركة من وزارة التغير المناخي والبيئة الإماراتية وجائزة خليفة الدولية لنخيل التمر والابتكار الزراعي، التي لعبت دورًا مهمًا في دعم الجهود المصرية لتطوير صناعة التمور.
وقال الدكتور عبد الوهاب زايد، الأمين العام للجائزة: “التجربة المصرية أصبحت نموذجًا إقليميًا يحتذى به، حيث نجحت في الجمع بين الإنتاج الضخم والجودة العالية، ما جعلها قادرة على المنافسة في الأسواق العالمية”.
التمور المصرية.. من المنتج التقليدي إلى صناعة متكاملة
شهدت السنوات الأخيرة تحوّلًا كبيرًا في صناعة التمور داخل مصر، حيث لم تعد مقتصرة على الإنتاج التقليدي، بل أصبحت صناعة متكاملة تشمل الزراعة والتعبئة والتغليف والتسويق والتصدير.
ويُعد إنشاء مجمع تمور الوادي الجديد أحد أبرز الإنجازات في هذا الإطار، إذ يُعد أكبر مجمع صناعي من نوعه في الشرق الأوسط، بطاقة إنتاجية تصل إلى 20 ألف طن سنويًا.
كما تم إنشاء خطوط إنتاج جديدة لتجفيف وتعبئة التمور في الواحات البحرية وسيوة، بهدف زيادة القيمة المضافة وتقليل الفاقد وتحسين جودة المنتج النهائي بما يتوافق مع معايير التصدير العالمية.
البحث العلمي في خدمة النخلة المصرية
خصص المهرجان هذا العام جلسات علمية لمناقشة آخر الأبحاث المتعلقة بزراعة النخيل ومكافحة الأمراض مثل “سوسة النخيل الحمراء”، إلى جانب جلسات حول استخدام الذكاء الاصطناعي في رصد التغيرات المناخية التي تؤثر على جودة التمور.
وشارك في هذه الجلسات خبراء من مركز البحوث الزراعية ومنظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة (فاو)، مؤكدين أن تطوير البنية التحتية الزراعية في الواحات سيسهم في مضاعفة الإنتاج خلال السنوات الخمس المقبلة.
السياحة البيئية والواحات.. وجهة متكاملة
إلى جانب أهميته الاقتصادية، يمثل المهرجان فرصة لتعزيز السياحة البيئية في الواحات البحرية.
فالمنطقة تجمع بين التاريخ والطبيعة في مشهد فريد، حيث يمكن للزائر أن يستمتع بجولة بين مزارع النخيل والعيون الكبريتية، ثم يتجه لزيارة جبال الكريستال ووادي المومياوات الذهبية التي تعد من أبرز المواقع الأثرية في الصحراء الغربية.
وتعمل وزارة السياحة والآثار بالتعاون مع وزارة البيئة على إدراج الواحات البحرية ضمن خريطة السياحة المستدامة، لما تمتلكه من مقومات طبيعية وثقافية مميزة، بما في ذلك مهرجان التمور الذي أصبح علامة مميزة في أجندة الفعاليات السياحية المصرية.
دور المرأة والشباب في تنمية قطاع التمور
أحد الجوانب اللافتة في مهرجان التمور المصرية هو مشاركة النساء والشباب في عمليات التصنيع والتسويق والتعبئة.
فقد أطلقت وزارة التضامن الاجتماعي مبادرة “ست النخلة” لتدريب السيدات في المناطق الريفية على مهارات التغليف اليدوي والتسويق الإلكتروني لمنتجات التمور.
كما يدعم المهرجان مشروعات الشباب الناشئة في مجال الصناعات الغذائية، حيث تُعرض منتجات مبتكرة مثل معجون التمر الطبيعي، ومشروبات الطاقة المصنوعة من التمر والعسل، ووجبات صحية للأطفال تعتمد على التمور المجففة.
الاستثمار في التمور.. فرص واعدة
يمثل قطاع التمور أحد أكثر القطاعات الزراعية الواعدة في مصر، حيث تُقدر العائدات المحتملة من التصدير بأكثر من 500 مليون دولار سنويًا في حال تحقيق أقصى استفادة من الطاقة الإنتاجية الحالية.
ويقول الدكتور أحمد العطار، رئيس الحجر الزراعي، إن “مصر تسير بخطى ثابتة نحو التحول إلى مركز إقليمي لتجارة التمور بفضل الدعم الحكومي والمبادرات الرئاسية لزراعة النخيل في توشكى والداخلة”.
وأضاف أن الدولة تستهدف الوصول إلى 25 مليون نخلة بحلول عام 2030 ضمن مشروع قومي يهدف إلى تحقيق الاكتفاء الذاتي وزيادة الصادرات.
التسويق الرقمي للتمور.. التحول الجديد
يشهد المهرجان هذا العام إطلاق مبادرة “تمور مصر أونلاين”، وهي منصة رقمية تهدف إلى ربط المنتجين بالمستهلكين مباشرة عبر الإنترنت.
المنصة تُتيح بيع التمور ومنتجاتها إلكترونيًا مع توفير خدمات الشحن داخل وخارج مصر، في خطوة تتماشى مع التحول الرقمي الذي تشهده البلاد.
وقال المهندس عمرو محفوظ، رئيس هيئة تنمية صناعة تكنولوجيا المعلومات (إيتيدا): “التحول الرقمي في القطاع الزراعي أصبح ضرورة وليس رفاهية، ومن خلال التجارة الإلكترونية يمكننا توسيع قاعدة المستهلكين وفتح أسواق جديدة أمام المنتج المصري”.
التمور المصرية في عيون العالم
يحضر المهرجان هذا العام ممثلون عن أكثر من 15 دولة من بينها الإمارات والسعودية والأردن والسودان والهند والصين، إلى جانب وفود من منظمات دولية معنية بالتنمية الزراعية والتجارة.
وقد أبدى الحضور إعجابهم بجودة التمور المصرية وتنوع أصنافها، مشيرين إلى أن مصر تملك ميزة نسبية فريدة في هذا المجال بفضل المناخ والموارد الطبيعية والكوادر البشرية الماهرة.
وأعلنت مجموعة من المستثمرين العرب نيتهم توقيع اتفاقيات شراكة مع شركات مصرية لتصدير منتجات التمور المصنعة إلى الأسواق الخليجية والآسيوية، بما يرفع العائد الاقتصادي للقطاع خلال السنوات المقبلة.
الابتكار والإبداع في صناعة التمور
من أبرز ملامح المهرجان هذا العام هو التركيز على الابتكار. فقد عرضت بعض الشركات الناشئة منتجات جديدة تعتمد على التمر كمكون أساسي، منها حلوى التمر بالشوكولاتة الداكنة، ومشروبات طبيعية خالية من السكر، وزيوت تجميلية مستخلصة من نوى التمر.
كما تم عرض تجارب ناجحة في إعادة تدوير مخلفات النخيل في إنتاج الأخشاب المضغوطة والأعلاف العضوية، ما يُبرز البعد البيئي والاقتصادي لصناعة التمور كصناعة صديقة للبيئة تدعم الاقتصاد الدائري.
خاتمة.. مهرجان التمور المصرية نموذج للنجاح الوطني
يمثل مهرجان التمور المصرية بالواحات البحرية أكثر من مجرد احتفال بالمنتج الزراعي، فهو يعكس رؤية الدولة في الجمع بين التراث والابتكار، وبين الزراعة والسياحة، وبين الاقتصاد المحلي والعالمي.
فالمهرجان يعزز صورة مصر كقوة زراعية وسياحية وثقافية في المنطقة، ويُعيد إحياء قيمة النخلة المصرية التي كانت دائمًا رمزًا للحياة والكرم والازدهار.
وفي ظل دعم القيادة السياسية، وتكامل الجهود بين الوزارات والمؤسسات والقطاع الخاص، يبدو المستقبل واعدًا لصناعة التمور المصرية، ليس فقط كمنتج غذائي، بل كقصة نجاح وطنية تُروى للعالم.
مهرجان التمور المصرية، الواحات البحرية، التمور المصرية، صادرات التمور، التراث المصري، السياحة البيئية، وزارة الزراعة، جائزة خليفة لنخيل التمر، التنمية المستدامة، الاستثمار الزراعي، الاقتصاد الأخضر، الصناعات الغذائية.






