أضرار لا تتوقعها.. دراسة تحذر من ارتباط المشروبات الغازية بأمراض الكبد

أضرار لا تتوقعها.. دراسة تحذر من ارتباط المشروبات الغازية بأمراض الكبد
كشفت دراسة علمية حديثة عن نتائج مقلقة بشأن تأثير المشروبات الغازية على صحة الإنسان، حيث حذرت من ارتباط استهلاكها المنتظم بزيادة خطر الإصابة بأمراض الكبد المزمنة، وعلى رأسها مرض الكبد الدهني المرتبط باضطرابات الأيض (MASLD)، وهو ما كان يُعرف سابقًا بمرض الكبد الدهني غير الكحولي. الدراسة، التي أجراها فريق بحثي دولي على آلاف الأشخاص، أكدت أن المشروبات الغازية ليست مجرد مصدر للسعرات الحرارية الزائدة، بل قد تكون سببًا مباشرًا لتدهور صحة الكبد على المدى الطويل.
الدراسة تكشف حقائق جديدة
بحسب نتائج الدراسة، فإن تناول المشروبات الغازية بانتظام، سواء المحلاة بالسكر أو حتى تلك التي تُسوَّق على أنها “دايت” أو خالية من السكر، يزيد من احتمالية الإصابة بتراكم الدهون داخل خلايا الكبد بنسبة تتراوح بين 50 إلى 65 بالمائة. وأوضحت النتائج أن الأشخاص الذين يستهلكون عبوة واحدة على الأقل يوميًا من هذه المشروبات معرضون لمضاعفة خطر الإصابة بأمراض الكبد مقارنةً بمن يستهلكونها بشكل نادر. وأشار الباحثون إلى أن هذه العلاقة تبقى قائمة حتى بعد استبعاد العوامل الأخرى مثل الوزن أو النظام الغذائي العام، مما يعني أن التأثير مرتبط مباشرة بالمكونات المستخدمة في هذه المشروبات.
ما هو مرض الكبد الدهني المرتبط بالأيض؟
يُعتبر MASLD من أكثر أمراض الكبد شيوعًا في العصر الحديث، ويحدث عندما تتراكم الدهون بشكل مفرط داخل خلايا الكبد دون أن يكون السبب تناول الكحول. في البداية، لا يسبب هذا المرض أعراضًا واضحة، لكنه بمرور الوقت يمكن أن يؤدي إلى التهابات وتليف وفشل في وظائف الكبد. ويرى الأطباء أن أحد أهم أسباب انتشار هذا المرض هو ارتفاع معدلات استهلاك السكريات المصنعة والمشروبات الغازية الغنية بالفركتوز، إذ يجد الكبد نفسه مضطرًا لتحويل الفائض من السكر إلى دهون تُخزن داخله بشكل مستمر.
الآليات التي تفسر العلاقة بين المشروبات الغازية وأمراض الكبد
تشير التفسيرات العلمية إلى أن استهلاك المشروبات الغازية يؤدي إلى ارتفاع مفاجئ في مستوى الجلوكوز بالدم، مما يدفع الجسم لإفراز كميات كبيرة من الإنسولين. ومع الوقت، يضعف تجاوب الجسم مع الإنسولين، فينشأ ما يُعرف بـ«مقاومة الإنسولين»، وهي الحالة التي تُعد السبب الرئيسي في تراكم الدهون داخل الكبد. كما أن المحليات الصناعية قد تُحدث خللًا في توازن بكتيريا الأمعاء، مما ينعكس سلبًا على عمليات التمثيل الغذائي. إضافة إلى ذلك، فإن الأحماض والفوسفور المستخدمين في تصنيع المشروبات الغازية قد يؤثران على الكبد بمرور الوقت، ويضعفان قدرته على معالجة السموم بكفاءة.
الفرق بين المشروبات المحلاة بالسكر وتلك الخالية منه
تؤكد الدراسة أن الضرر لا يقتصر على المشروبات الغازية المحلاة بالسكر فحسب، بل يمتد إلى الأنواع الدايت التي تعتمد على المُحليات الصناعية. فبرغم خلوها من السعرات الحرارية، إلا أن هذه المُحليات تؤثر في التوازن الهرموني للجسم وفي إشارات الشبع والجوع، مما يؤدي إلى اضطراب عمليات الأيض. كما وجد الباحثون أن الاستهلاك المنتظم لهذه الأنواع قد يؤدي إلى تزايد الالتهابات في الكبد وارتفاع معدلات الإنزيمات الكبدية، وهو ما يعكس تدهورًا تدريجيًا في صحة الكبد حتى لدى الأشخاص الذين لا يعانون من السمنة أو زيادة الوزن.
تحذيرات للأشخاص الأكثر عرضة للخطر
أشارت نتائج الدراسة إلى أن بعض الفئات تكون أكثر عرضة لتأثيرات المشروبات الغازية على الكبد، مثل الأشخاص المصابين بمتلازمة الأيض، ومرضى السكري، ومن يعانون من السمنة أو زيادة الدهون الثلاثية. كما أن الأطفال والمراهقين الذين يستهلكون هذه المشروبات بكثرة في سن مبكرة معرضون لتطور مشكلات كبدية مستقبلية دون أن يدركوا ذلك. ولهذا دعا الباحثون إلى ضرورة إدراج تحذيرات صحية واضحة على عبوات المشروبات الغازية، تمامًا كما هو الحال مع منتجات التبغ، للتنبيه على خطورتها المحتملة على الكبد وصحة الجسم عمومًا.
البدائل الصحية وأهمية التوعية
أوصت الدراسة بأهمية استبدال المشروبات الغازية بالماء أو العصائر الطبيعية غير المحلاة، مع تشجيع العادات الغذائية الصحية منذ سن مبكرة. كما أكدت أن شرب الماء بانتظام يساعد على تحسين وظائف الكبد وتخفيف العبء الناتج عن معالجة السكريات الزائدة. ودعت المؤسسات الصحية إلى إطلاق حملات توعية عامة حول مخاطر الإفراط في استهلاك المشروبات الغازية، لاسيما في الدول النامية التي تشهد زيادة كبيرة في معدلات السمنة والأمراض الأيضية. وأوضحت أن الحد من تناول هذه المشروبات خطوة بسيطة لكنها فعالة في الوقاية من أمراض الكبد المزمنة.
نظرة الأطباء إلى النتائج الجديدة
علق عدد من الأطباء المتخصصين في أمراض الكبد على نتائج الدراسة مؤكدين أن ما توصلت إليه الأبحاث الأخيرة ليس مفاجئًا، بل هو تأكيد لما لوحظ سريريًا خلال السنوات الماضية. وقال أحد الخبراء إن مرضى الكبد الدهني غالبًا ما يكون لديهم تاريخ طويل من استهلاك المشروبات الغازية والمأكولات السريعة، مشيرًا إلى أن الكبد يتعامل مع هذه الكميات الكبيرة من السكر كعبء دائم، مما يؤدي إلى تلف خلاياه تدريجيًا. وأضاف أن التوقف عن استهلاك هذه المشروبات يمكن أن يُحدث تحسنًا ملحوظًا في المؤشرات الحيوية للكبد خلال أشهر قليلة فقط.
المخاطر الممتدة إلى أجهزة أخرى في الجسم
لم تقتصر أضرار المشروبات الغازية على الكبد فحسب، بل أظهرت الدراسات أنها ترتبط أيضًا بزيادة خطر الإصابة بأمراض القلب، والسكري من النوع الثاني، وتسوس الأسنان، وحتى هشاشة العظام. ويعود ذلك إلى ارتفاع نسب الأحماض والسكريات التي تضعف أنسجة الجسم وتؤثر على توازن المعادن والهرمونات. ومع تكرار الاستهلاك، قد يتسبب ذلك في زيادة الوزن وتخزين الدهون الحشوية التي تضغط على الأعضاء الداخلية، مما يفاقم خطر الأمراض المزمنة بمرور الوقت.
نصائح للحد من أضرار المشروبات الغازية
ينصح الأطباء بعدم تناول المشروبات الغازية أكثر من مرة واحدة أسبوعيًا، وإن أمكن تجنبها تمامًا. كما يُفضل استبدالها بالماء الفوار الطبيعي أو العصائر الطازجة الخالية من السكر. وينبغي قراءة الملصقات الغذائية بعناية لتجنب المنتجات التي تحتوي على نسب عالية من الفركتوز أو المحليات الصناعية. كما يُنصح بممارسة النشاط البدني بانتظام لدعم وظائف الكبد وتحسين التمثيل الغذائي. ويُعتبر الإقلاع عن المشروبات الغازية خطوة أولى نحو نمط حياة صحي يقلل من مخاطر الأمراض المزمنة ويحافظ على كفاءة الجسم.
خاتمة: حماية الكبد تبدأ من كوب الماء
خلصت الدراسة إلى أن المشروبات الغازية، مهما كانت مغرية في طعمها أو مظهرها، تمثل خطرًا حقيقيًا على الكبد وصحة الجسم على المدى الطويل. فهي ليست مجرد مشروبات منعشة، بل عبء خفي يرهق الأعضاء الحيوية ببطء. ولأن الكبد هو العضو المسؤول عن تنقية الجسم من السموم وتنظيم التمثيل الغذائي، فإن أي ضرر يصيبه ينعكس على الصحة العامة كلها. لذا فإن التوعية والاعتدال في الاستهلاك أصبحا ضرورة لا خيارًا، فكل خطوة نحو الماء بدلاً من الصودا هي خطوة نحو كبد أكثر صحة وحياة أطول.