الصحة والجمال

صحتك بالدنيا.. إزالة 100 مغناطيس من أمعاء مراهق نيوزيلندي..

الطب الحديث بين المعجزة والإنسانية

لم يعد الطب في القرن الحادي والعشرين مجرد علمٍ جامدٍ أو أدواتٍ جراحية معقّدة، بل أصبح مزيجًا من الإنسانية والتكنولوجيا والتجربة، يجمع بين الروح والعقل والجسد في معادلةٍ دقيقة تهدف إلى إنقاذ الحياة وتحسين جودتها.
وفي إطار هذا المفهوم، شهد العالم خلال الأسابيع الأخيرة مجموعة من القصص الطبية اللافتة التي جسدت الوجه المشرق للعلم الحديث، وأبرزت أيضًا أهمية الوعي الصحي في تجنب المخاطر.
من بينها قصة مذهلة لشاب نيوزيلندي تم إنقاذه بعد استخراج أكثر من 100 مغناطيس من أمعائه، وتجربة علاجية فريدة أعادت مريضة من غيبوبة بفضل “العلاج بالكلاب”، إلى جانب تذكير موسمي بأهمية لقاح الإنفلونزا مع حلول فصل الشتاء، وتحذيرات الأطباء من الاستخدام الخاطئ للمسكنات الذي يؤدي إلى تلف الكلى.

في هذا التقرير الشامل من سلسلة “صحتك بالدنيا”، نستعرض معًا التفاصيل الكاملة لهذه القصص الطبية والإنسانية، ونغوص في عالم الطب الوقائي الحديث الذي أصبح اليوم درعًا حقيقيًا أمام الأمراض والمخاطر اليومية التي تهدد الإنسان في صمت.

أولاً: إنقاذ مراهق نيوزيلندي ابتلع 100 مغناطيس

القصة التي هزت العالم الطبي

في واحدة من أغرب الحوادث الطبية في العقد الأخير، تمكن فريق من الأطباء في مستشفى أوكلاند بنيوزيلندا من إنقاذ حياة مراهق يبلغ من العمر 13 عامًا، بعد استخراج أكثر من 100 قطعة مغناطيس صغيرة من أمعائه الدقيقة والغليظة.
الشاب كان قد ابتلع هذه القطع المعدنية الصغيرة بدافع الفضول والتسلية، دون إدراك الخطر القاتل الذي يهدد حياته.

بدأت القصة عندما شعر المراهق بآلام حادة في المعدة، ترافقت مع ارتفاع في درجة الحرارة وغثيان مستمر، مما دفع أسرته إلى نقله على وجه السرعة إلى قسم الطوارئ. وبعد إجراء الأشعة المقطعية، فوجئ الأطباء بوجود مجموعة ضخمة من الكرات المعدنية المغناطيسية داخل الجهاز الهضمي، متشابكة بطريقة تهدد بتمزق الأمعاء.

عملية معقدة استغرقت 8 ساعات

استدعى الفريق الطبي طاقمًا متخصصًا في جراحة الجهاز الهضمي والأطفال، وتم نقل المريض فورًا إلى غرفة العمليات في إجراء طارئ استمر أكثر من ثماني ساعات متواصلة.
وتمكن الأطباء من إزالة جميع الكرات المغناطيسية التي التصقت بجدران الأمعاء، محدثة ثقوبًا دقيقة في بعض المواضع.
وأكد الجراح المشرف أن نجاح العملية كان “أقرب إلى المعجزة” لأن أي تأخير إضافي كان سيؤدي إلى تسمم دموي خطير أو الوفاة خلال ساعات.

وبعد العملية، وُضع المراهق في العناية المركزة لمدة أسبوعين لتلقي العلاج بالمضادات الحيوية ومتابعة التئام الأنسجة. وقد أظهرت الفحوصات لاحقًا أن الأمعاء بدأت تستعيد وظائفها تدريجيًا، وأن المريض في طريقه إلى التعافي الكامل.

تحذيرات للأسر.. ألعاب قاتلة في متناول الأطفال

أكدت وزارة الصحة النيوزيلندية أن هذا الحادث ليس الأول من نوعه، حيث تم تسجيل أكثر من 15 حالة مماثلة خلال العامين الماضيين بسبب انتشار ألعاب تحتوي على كرات مغناطيسية صغيرة يمكن فصلها بسهولة.
وحذرت الوزارة أولياء الأمور من السماح للأطفال باستخدام مثل هذه الألعاب دون رقابة، لأنها تشكل خطرًا مباشرًا على حياتهم.
المغناطيسات الصغيرة يمكن أن تلتصق ببعضها داخل الأمعاء، مما يسبب انسدادًا أو ثقوبًا قاتلة.

ثانيًا: العلاج بالكلاب.. إنقاذ مريضة من غيبوبة بعد عامين

قصة مؤثرة من قلب ألمانيا

في ألمانيا، كتب الطب قصة جديدة من الأمل والدهشة حين تمكنت مريضة ألمانية تبلغ من العمر 28 عامًا من الاستيقاظ من غيبوبة استمرت عامين بعد خضوعها لجلسات علاجية غير تقليدية تُعرف باسم “العلاج بالكلاب” (Canine Therapy).
القصة بدأت عندما تعرضت المريضة لحادث سير مروع تسبب في إصابتها بإصابات دماغية حادة ودخولها في غيبوبة شبه دائمة.

بعد محاولات طبية عديدة لإفاقة المريضة دون جدوى، قرر الأطباء تجربة طريقة جديدة تعتمد على تحفيز الحواس عبر التواصل مع الحيوانات الأليفة، وخاصة الكلاب، التي تتميز بقدرتها على التفاعل العاطفي مع البشر.

الكلب الذي أعاد الأمل

تم إحضار كلب من فصيلة “جولدن ريتريفر” لترافق المريضة في جلسات أسبوعية، حيث كان يجلس بجوارها، يلمس يدها بأنفه، ويصدر أصواتًا مألوفة.
وبعد ثلاثة أشهر من الجلسات، بدأت المريضة تُظهر استجابات بسيطة: تحريك أصابعها، فتح عينيها، ثم البكاء عند سماع صوت الكلب.
هذه الإشارات الصغيرة كانت كافية لتأكيد عودة النشاط الجزئي للمخ، وهو ما دفع الفريق الطبي لمواصلة البرنامج.

وبعد مرور 14 شهرًا، تمكنت المريضة من النطق لأول مرة بكلمة “Hallo” (مرحبًا)، ثم استعادت وعيها تدريجيًا، في حالة وُصفت بأنها “أقرب إلى المعجزة الطبية”.

علميًا.. كيف يعمل العلاج بالكلاب؟

يعتمد هذا النوع من العلاج على فكرة أن التفاعل مع الكلاب يُحفّز إفراز هرمونات مثل الأوكسيتوسين والدوبامين، وهما مرتبطان بالراحة النفسية وتقليل التوتر وتنشيط مناطق محددة في الدماغ.
ويُستخدم هذا الأسلوب اليوم في علاج الاكتئاب، واضطرابات ما بعد الصدمة، وحتى في برامج إعادة التأهيل العصبي للمرضى الذين فقدوا التواصل مع العالم.

وقد أكدت دراسات ألمانية وأمريكية أن الحيوانات الأليفة، خصوصًا الكلاب، تساهم في تحسين معدل الشفاء بنسبة تصل إلى 40% في بعض الحالات العصبية المزمنة.

ثالثًا: لقاح الإنفلونزا.. سلاحك الأول في موسم الشتاء

ما هو لقاح الإنفلونزا؟

يُعد لقاح الإنفلونزا من أهم الوسائل الوقائية المعتمدة عالميًا لتقليل احتمالات الإصابة بالفيروسات الموسمية التي تتغير كل عام.
ويحتوي اللقاح على سلالات مضعّفة من الفيروس يتم اختيارها بناءً على توصيات منظمة الصحة العالمية بعد متابعة نشاط الفيروسات في نصف الكرة الجنوبي.

من يحتاج اللقاح؟

يوصي الأطباء بتطعيم جميع الفئات العمرية فوق 6 أشهر، خصوصًا كبار السن، والحوامل، وأصحاب الأمراض المزمنة مثل السكري وأمراض القلب، والعاملين في المجال الطبي.
ويُفضل الحصول على اللقاح مع بداية فصل الخريف، أي قبل موسم الشتاء بشهرين على الأقل، حتى يكوّن الجسم مناعة كافية ضد الفيروس.

هل اللقاح آمن؟

أكدت مراكز مكافحة الأمراض أن اللقاح آمن تمامًا ولا يسبب الإصابة بالإنفلونزا كما يعتقد البعض، لأن الفيروس المستخدم فيه غير نشط.
وقد أظهرت الدراسات أن التطعيم يقلل خطر الإصابة الشديدة بنسبة تصل إلى 60%، ويخفض معدل الدخول إلى المستشفيات بنسبة 40%.

الأعراض الجانبية المحتملة

قد يعاني بعض الأشخاص من أعراض بسيطة مثل احمرار في موضع الحقن، أو ارتفاع طفيف في درجة الحرارة، لكنها تختفي خلال يومين.
وفي حالات نادرة، قد تظهر حساسية من مكونات اللقاح لدى من يعانون من حساسية البيض، لذا يُنصح باستشارة الطبيب قبل التطعيم.

رابعًا: الاستخدام الخاطئ للمسكنات وتلف الكلى

المسكنات.. الراحة السريعة التي قد تكون قاتلة

لا يخلو أي منزل من أدوية المسكنات، سواء لتسكين الصداع أو آلام المفاصل أو التهابات العضلات.
لكن الاستخدام المتكرر والعشوائي لهذه الأدوية – خاصة تلك التي تُصرف دون وصفة طبية – قد يؤدي إلى تلف الكلى والكبد بشكل تدريجي دون أن يشعر المريض.

تشير الدراسات الحديثة إلى أن أكثر من 15% من حالات الفشل الكلوي المزمن في العالم مرتبطة بالإفراط في تناول المسكنات، خصوصًا العقاقير غير الستيرويدية مثل “إيبوبروفين” و”ديكلوفيناك”.

كيف تؤثر المسكنات على الكلى؟

تعمل الكلى على تنقية الدم من السموم وتنظيم توازن السوائل والأملاح، لكن المسكنات تُقلل من تدفق الدم إليها عبر تثبيط إنزيمات البروستاجلاندين المسؤولة عن توسيع الأوعية الدموية.
ومع الاستعمال المتكرر، تبدأ أنسجة الكلى في التدهور تدريجيًا، ما يؤدي إلى فقدان القدرة على الترشيح وارتفاع مستوى الكرياتينين في الدم.

الأعراض التحذيرية

  • تورم في القدمين أو الوجه.
  • انخفاض كمية البول أو تغير لونه.
  • إرهاق مستمر وشعور بالغثيان.
  • ارتفاع ضغط الدم المفاجئ.

طرق الوقاية من تلف الكلى الناتج عن المسكنات

الوقاية تبدأ بالوعي، لذلك ينصح الأطباء بالالتزام بالنصائح التالية:

  • عدم تناول المسكنات إلا عند الضرورة وبجرعات محددة يوصي بها الطبيب.
  • شرب كميات كافية من الماء أثناء استخدام الأدوية.
  • تجنب الجمع بين أكثر من نوع من المسكنات في الوقت نفسه.
  • إجراء فحص دوري لوظائف الكلى كل ستة أشهر لمن يتناول أدوية مزمنة.
  • الاعتماد على وسائل طبيعية لتخفيف الألم مثل الكمادات والتدليك وممارسة الرياضة.

خامسًا: كيف تحافظ على صحتك في فصل الشتاء؟

مع انخفاض درجات الحرارة، ترتفع معدلات الإصابة بنزلات البرد والإنفلونزا والالتهابات الفيروسية.
وينصح الخبراء باتباع نمط حياة صحي يتضمن التغذية السليمة، والنوم الكافي، والابتعاد عن التدخين، والحفاظ على التدفئة الجيدة دون المبالغة في استخدام المدافئ المغلقة.

كما يُنصح بالإكثار من تناول الأطعمة الغنية بفيتامين “C” مثل البرتقال والجوافة والفلفل الأحمر، لأنها تعزز مناعة الجسم، إلى جانب الاهتمام بغسل اليدين بانتظام لتقليل فرص العدوى.

خاتمة.. بين العلم والرحمة تكمن المعجزة

إن القصص الثلاث التي تناولها هذا التقرير — من إنقاذ مراهق ابتلع المغناطيسات، إلى علاج مريضة بالكلاب، مرورًا بلقاح الإنفلونزا والتحذيرات من المسكنات — تبرز جميعها جانبًا مشرقًا من الطب الإنساني الحديث.
الطب لم يعد يقتصر على غرف العمليات أو وصف الأدوية، بل أصبح علمًا للحياة، يدمج بين الوقاية والعلاج، وبين البحث العلمي والرحمة الإنسانية.

وفي النهاية، تذكّر دائمًا أن صحتك هي أغلى ما تملك، وأن الوعي هو السلاح الأقوى في مواجهة المرض.
راقب نفسك، استشر طبيبك، ولا تستهين بأي عرض بسيط — فربما تكون الوقاية اليوم سببًا في إنقاذ حياة غدًا.
هكذا يُثبت الطب كل يوم أن “صحتك بالدنيا”، وأن الإنسان حين يجمع بين العلم والإيمان، لا يترك مجالًا للمستحيل.



هل كان المحتوى مفيداً؟

نعم
لا
شكرا لك

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى