
في عالم يتغير بسرعة مذهلة جدا ومع تزايد التوجه نحو المنصات اللامركزية التي تضع المستخدم في قلب التجربة الرقمية تواصل منصة بلو سكاى Bluesky صعودها القوي لتصبح أحد أبرز المنافسين في ساحة شبكات التواصل الاجتماعي فبعد أشهر قليلة جدا من فتحها التسجيل للعامة حيث أعلنت الشركة وصول عدد كبير جدا من مستخدميها إلى 40 مليون مستخدم حول العالم كله وفي إنجاز قد يعكس تماما حجم هذا التحول الكبير في تفضيلات المستخدمين وفي رغبتهم ايضا من بيئة تكون تفاعلية واكثر حرية واكثر أمانا
بلو سكاي تواصل التوسع عالميا
ولدت بلو سكاي كفكرة داخل شركة تويتر نفسها قبل سنوات قليله، حين كان الهدف الرئيسي منها هو تطوير بروتوكول مفتوح يمكن لكل المستخدمين من التفاعل عبر شبكات مختلفة وذلك دون الخضوع الكامل لمنصة واحدة وهذا المشروع، الذي حظي بدعم مؤسس تويتر جاك دورسي، تحول لاحقًا إلى كيان مستقل بعد بيع تويتر إلى إيلون ماسك، ليبدأ رحلة جديدة قائمة على مبدأ اللامركزية والشفافية، جاك دورسي، الذي قام بالتعبير عن رغبته في تحرير الإنترنت من قبضة الشركات الكبرى، رأى في بلو سكاى فرصة لتطبيق هذا المفهوم عمليًا فبدلا من أن تكون المنصة مجرد بديل لتويتر، أرادها أن تكون نموذجا جديدا لكل شبكات التواصل التي تمنح المستخدم سلطة التحكم الكاملة في بياناته وتجربته.
الحرية هي الكلمة المفتاحية
السر في صعود بلو سكاى يكمن في مبدأ اللامركزية، وهو ما يعني أن بيانات المستخدمين لا تدار من جهة واحدة فقط، بل تكون موزعة على عدة خوادم مستقلة هذا النموذج قد يتيح لكل المستخدمين حرية اختيار القواعد التي تتحكم في تجربتهم، سواء في ما يتعلق بالمحتوى المسموح أو بنظام التوصيات أو حتى طريقة عرض المنشورات، بعبارة أخرى، لم تعد الخوارزميات هي التي تتحكم في ما يشاهده المستخدم، بل يمكنه هو أن يختار بنفسه ما يراه مناسبًا و ملائم له، وهي فكرة جذبت ملايين من الأشخاص الذين ضاقوا ذرعا بالقيود التي تفرضها بعض المنصات التقليدية مثل منصه تويتر وايضا فيسبوك و انستجرام.
تجربة الاستخدام منذ اطلاقها الرسمي
منذ إطلاقها الرسمي للعامة في أوائل عام 2024، حرصت بلو سكاى على تقديم تجربة بسيطة ولكنها قوية الواجهة تشبه تويتر إلى حد كبير من حيث التصميم والوظائف الأساسية، لكن الاختلاف الحقيقي يظهر في طريقة إدارة الحسابات والمجتمعات، لمستخدم في بلو سكاى يمكنه الانضمام إلى خوادم أو مجتمعات مختلفة تدار كل منها بقواعد مستقلة وهذا ما يجعل التجربة أكثر مرونة و تنوعًا، حيث يمكن لمجموعة من المستخدمين أن تنشئ مجتمعا خاصًا يناسب كل اهتماماتها، سواء في السياسة أو في الفن أو في التكنولوجيا، وذلك دون تدخل من إدارة المنصة.
40 مليون مستخدم.. والعدد في ازدياد
حين أطلقت بلو سكاى نسختها التجريبية الأولى، لم يكن عدد من المستخدمين يتجاوز بضعة آلاف من المهتمين بالتقنية، لكن اليوم وبعد أقل من عامين، قفز العدد إلى 40 مليون مستخدم نشط،هذه الأرقام تظهر بوضوح أن العالم أصبح أكثر استعدادا لتجربة بدائل حقيقية لشبكات التواصل التقليدية ويرى محللون أن هذا النمو السريع يرجع إلى عدة عوامل، أبرزها هي رغبة المستخدمين في الهروب من سياسات المنصات القديمة، التي تفرض قيودا على المحتوى أو تتلاعب ب خوارزميات الظهور.
دعم المشاهير والمبدعين
ما ساعد بلو سكاى أيضًا في جذب الجماهير هو دخول عدد من المشاهير والمبدعين إلى المنصة، فقد بدأ العديد من الفنانين والصحفيين و المبرمجين بالانتقال إليها، معتبرين أنها بيئة أكثر حرية و تفاعلًا، حتى بعض الصحفيين الذين كانوا نشطين على منصه تويتر، بدأوا يستخدمون بلو سكاى ك منصة بديلة لنشر الأخبار العاجلة والتعليقات السياسية، و خصوصًا في بعض التغيرات التي طرأت على منصه تويتر منذ استحواذ نايلون ماسك عليه.
التحديات التي تواجه بلو سكاى
رغم النجاح اللافت والمبهر للشركه، إلا أن الطريق أمام بلو سكاى مليئا بالتحديات ف المنصة لا تزال تواجه تحديات كبيرة ومنها كالاتي:
تحقيق التوازن بين الحريه والمساء اللامركزية
من أبرز التحديات التي تواجه بلو سكاي هي كيفية تحقيق التوازن بين الحرية والمساءلة اللامركزية، حيث انها قد تسهل حرية التعبير، لكنها في الوقت نفسه تفتح الباب أمام انتشار الأخبار الزائفة أو المحتوى المسيء، ولذلك تعمل الشركة حاليًا على تطوير أدوات جديدة تسمح بالإبلاغ الجماعي والمراجعة المجتمعية وذلك دون المساس بحرية المستخدمين.
تواجه بلو سكاي تحدي التمويل
كما تواجه بلو سكاى تحدي التمويل، إذ أن نموذجها القائم على البروتوكول المفتوح يجعل تحقيق الأرباح أصعب من المنصات التجارية، إلا أن الإدارة أعلنت نيتها إدخال ميزات مدفوعة اختيارية، مثل أدوات تحليلية للمبدعين أو خدمات استضافة خاصة للخوادم.
المنافسة مع تويتر إكس و ماستودون
يعتبر كثير من الخبراء أن بلو سكاى تقع في المنتصف بين تويتر التقليدي و ماستودون، حيث تجمع بين سهولة الاستخدام من جهة، ومفهوم اللامركزية من جهة أخرى، بينما يرى آخرون أن نجاحها يعتمد على قدرتها في جذب المستخدمين العاديين وليس فقط المهتمين بالتقنية فحتى الآن، يظل عدد المستخدمين النشطين في تويتر أكبر بكثير، لكن الفارق أن بلو سكاى تنمو بوتيرة أسرع، وبصورة أكثر استقرارًا، اما من جهة ماستودون، فالمنصة تعاني من تعقيد التجربة، وهو ما استغلته بلو سكاى بذكاء لتقديم واجهة مألوفة وسهلة الاستخدام، ما جعلها أقرب إلى المستخدم العادي الذي يبحث عن البساطة دون التضحية بالحرية.
مستقبل الشبكات اللامركزية
توسع بلو سكاى لا يعد مجرد نجاح تجاري، بل هو مؤشر على تحول أعمق في طريقة تفكير المستخدمين حول العالم فبعد سنوات كثيرة من الاحتكار الذي فرضته الشركات الكبرى، يبدو أن الجمهور بدأ يطالب فعلاً بـ إنترنت أكثر ديمقراطية من المتوقع أن يشهد العقد القادم ظهور المزيد من المنصات التي تتبنى النموذج اللامركزي، وربما نصل إلى مرحلة يصبح فيها لكل مستخدم هويته الرقمية المستقلة التي يمكنه استخدامها عبر مختلف الشبكات وذلك دون الحاجة للتسجيل في كل منصة على حدة.
بلو سكاى.. من فكرة إلى ظاهرة
ما بدأ كمشروع صغير لتجريب بروتوكول مفتوح، أصبح اليوم ظاهرة رقمية متنامية ومع تزايد التوجه نحو الخصوصية والشفافية، تبرز بلو سكاى كنموذج لما يمكن أن يكون عليه المستقبل الرقمي، حيث تكون السيطرة بيد المستخدم لا الشركة، ورغم أن الطريق لا يزال طويلاً أمامها لتصبح منافسا مكافئًا لتويتر أو ميتا، إلا أن تحقيقها اكثر من اربعون مليون مستخدم في فترة قصيرة يعد انجاز كبيرًا، يؤكد أن العالم يتغير، وأن صوت المستخدم أصبح أقوى من أي وقت مضى.
الحريه والشفافية يمكن ان تكونا طريق النجاح في عالم التكنولوجيا
في النهاية، تثبت قصة بلو سكاى أن الحرية والشفافية يمكن أن تكونا طريق النجاح في عالم التكنولوجيا، وأن المستخدمين حين يجدون منصة تحترم ذكاءهم و خصوصيتهم، فإنهم يدعمونها بقوة، ومع استمرار النمو، يبدو أن بلو سكاى ليست مجرد منصة جديدة، بل بداية فصل جديد في تطور الإنترنت وشبكات التواصل الاجتماى.






