تحقيقات المفتش عمر قضية(مرض عمر)

مدام هالة صاحبة البيت اللي بيعيش فيه صديقي المفتش عمر ست عندها صبر شديد… شقتها اللي في الدور الأرضي دايماً بتتعرض لغزو في أوقات كتير على إيد ناس، وشخصيات مميزة، وممكن في بعض الأوقات تبقى شخصيات غير محبوبة…
مش كده بس لأ كمان الشخص اللي مأجر عندها، وأقصد هنا صديقي عمر هو مش مستأجر عادي… عمر ظهر في حياته حاجات غريبة، وغير معقولة خلاها إختبرت صبرها لأبعد الحدود.
كمان صديقي العزيز مهمل إهمال شديد، وكمان حبه الشديد لسماع الموسيقى في أوقات عجيبة، وفي بعض الأوقات كان بيستخدم مسدسه جوه البيت، وما ننساش التجارب العجيبة، والغريبة اللي ليها ريحة سيئة جداً في بعض الأوقات…
الجو العام للعنف، والخطر اللي دايماً بيعيشوه صديقي العزيز عمر خلاه أسوء شخص ممكن يأجر شقة في المدينة كلها… بس من ناحية تانية هو كان بيدفع زيادة عن المطلوب… أنا متأكد إن لو عمر جمع الفلوس اللي دفعها خلال السنين اللي فاتت في إيجار الشقة كان ممكن يشتري بيت كامل بالفلوس دي.
مدام هالة بتحس بالخوف الشديد من عمر، وعمرها ما فكرت ولا كان عندها الجرأة إنها تتدخل في اللي بيعمله على الرغم إن في كتير من تصرفاته بتكون قاسية، وخشنة….
ورغم كل ده كانت مدام هالة بتحترم، وبتحب عمر، وده لإن كان عنده أسلوب لطيف، ومؤدب، ولباقته الجميلة في التعامل مع الجنس الناعم…
على الرغم إن عمر مكانش من مشجعين، ومؤيدين المرأة، ولا من مناصريها… إلا إنه كان دايماً شخص نبيل حتى فعدوته مع الجنس الناعم.
كنت عارف من جوايا إن مدام هالة بتحترم عمر، وبتحبه، وكنت مبسوط بإهتمامها لما جت في يوم، وحكيتلي على عمر… كان الكلام ده في تاني سنة من جوازي، وقالتلي الحالة السيئة اللي وصلها صديقي العزيز عمر.
مدام هالة: هو بيموت يا دكتور أحمد طول التلات أيام اللي فاتوا حالته كانت بتتدهور بشكل كبير… أنا أعتقد إنه مش هيقدر يعيش لآخر اليوم… هو رافض تماماً إني أجيب أي دكتور، والنهاردة الصبح لما شفت عظم وشه بارز، وشفته بيبصلي بيأس بعينيه الكبيرة اللي بتلمع مقدرتش أتحمل أكتر من كده، وقلتله: سواء وافقت، وإدتني الأذن أو ما وافقتش يا أستاذ عمر أنا هروح، وهجيب دكتور دلوقتي.
قالي أستاذ عمر بصوت ضعيف: خلاص يبقى هاتي أحمد…. أنا لو كنت مكانك يا دكتور أحمد كنت مش هتأخر عليه ساعة واحدة يمكن متقدرش تشوفه عايش تاني.
حسيت برعب فظيع، وأنا بسمع كلام مدام هالة، وبسمع عن تعب عمر اللي مكنتش أعرف عنه حاجة… مش محتاج أقول إني جريت بأسرع ما عندي، وجبت الجاكيت بتاعي، وأنا في طريقي بدأت أسأل مدام هالة عن تفاصيل تعب عمر.
مدام هالة: مفيش حاجات كتير أحكيها… هو كان شغال علي قضية في ر.ث في منطقة بعيدة قريب من النهر، ورجع وهو مريض جداً، وفضل على السرير… من يوم الأربعاء بالليل وهو تعبان، وبقاله تلات أيام ما أكلش، ولا شرب أي حاجة.
قلت: يا الله! وليه ما جبتيش دكتور؟
مدام هالة: ما رضيش إني أعمل كده… إنت عارف قد إيه هو عنيد، ودماغه ناشفة، ومقدرتش إني أكسر كلامه… بس هو مش هيفضل موجود في الدنيا دي كتير… هتشوف ده بنفسك، وهتتأكد من كلامي أول ما عينك ما تقع عليه.
كان الأمر صعب جداً كان المكان كئيب، والضوء فيه خفيف أول ما شفت وش عمر الضعيف اللي كان بيبصلي من على سريره قلبي إنقبض، وحسيت بالرعب… كانت عينيه بتلمع من الحمى، ودرجة حرارته المرتفعة خلت خدوده، ووشه أحمر، وكانت شفايفه مشققة، وكانت إيديه الرفيعة بتترعش… كان صوته ضعيف، وكلامه متقطع…
لما دخلت الأوضة… كان نايم على السرير في ضعف، وأول ما شافني لمعت عيونه.
قال عمر بصوت ضعيف بس بنفس أسلوبه من اللامبالاة: شفت يا أحمد واضح إننا بنمر بأيام صعبة.
قربت منه، وأنا منفعل، وقلت: صديقي العزيز عمر.
عمر بأسلوبه المغرور اللي دايماً بيستخدمه وقت الأزمات: أرجع لورا…. أرجع لورا… لو قربت مني يا أحمد أنا هطردك من البيت.
قلت: بس ليه؟
عمر: لإنه هو ده اللي أنا عايزه مش كفاية بالنسبالك؟
“فعلاً كانت مدام هالة عندها حق… كان عمر عنيد، ودماغه ناشفة أكتر من أي وقت فات رغم كده أنا مكنتش قادر إني أستحمل التعب، والمرض الشديد اللي كان فيه”.
قلت لعمر: أنا بس عايز أساعدك.
عمر: بالظبط… أفضل حاجة تقدمهالي إنك تعمل اللي أطلبه منك.
قلت: طبعاً يا عمر.
هدي عمر شوية، وسألني، وهو بينهج: إنت مش زعلان مش كده؟
“قد إيه هو مسكين إزاي أزعل منه، وهو تعبان، ونايم قصادي في الحالة دي؟”
قال بصوت ضعيف، وواطي: ده لمصلحتك يا أحمد.
سالت: إزاي لمصلحتي؟
عمر: أنا عارف إيه اللي عندي ده مرض نادر جداً كمان هما لسه مالقوش علاج ليه لغاية دلوقتي… حاجة واحدة بس اللي أكيده إن ده مرض مميت، وكمان معدي جداً.
كان عمر بيتكلم صوته بيترعش، وإيديه الممدودة بتتهز، وهو بيشاورلي إني أبعد.
عمر: المرض ده معدي باللمس يا أحمد… خليك بعيد… وقتها كل حاجة هتكون كويسة.
قلت: يا الله يا عمر! إنت متخيل إن دي حاجة هتقلقني؟! يمكن كنت أقلق لو كنت بعالج حد غريب إنما لا يمكن إن الأمر ده يمنعني إني أقف جانب أقرب صديق ليا.
إتقدمت خطوة ناحيته إلا إنه بصلي بنظرة غضب، وقال بشكل جاد: لو وقفت هناك هتكلم معاك، ولو ما عملتش كده هأمرك إنك تسيب الأوضة، وتخرج.
“أنا دايماً بحترم شخصية عمر، وده اللي بيخليني أسمع كلامه دايماً حتى في الوقت اللي مببقاش فاهمه… أما دلوقتي كل جزء في جسمي رافض إنه يسمعله… هسيبه يتحكم فيا في أي وقت، وأي مكان تاني أما دلوقتي الكلمة الأولى هتكون ليا، وخاصة في حالة مرضه”.
قلت: عمر إنت مش في حالتك الطبيعية… الشخص المريض بيكون زي الطفل، وأنا هعاملك على الأساس ده سواء وفقت، أو رفضت… أنا هكشف عليك، وأعرف أعراض المرض اللي عندك، وهعالجك منه.
بصلي عمر نظرة قوية، وقال: إذا كان حد هيكشف عليا سواء وفقت، أو رفضت فعلي الأقل أنا عايز شخص أثق فيه.
قلت بدهشة: إيه؟! إنت مش بتثق فيا؟
عمر: طبعاً بثق فيك كصديق ليا ثقة عمياء… بس خلينا نتكلم بصراحة يا أحمد إنت تخصصك تخصص عام… كمان خبرتك قليلة، ومؤهلاتك محدودة… أنا أسف إني بقول كده بس إنت ما سبتليش حل تاني.
حسيت بألم في قلبي من كلامه، وقلت: مش من عادتك يا عمر إنك تتكلم بالطريقة دي… ده بيبين حالتك العقلية اللي بقيت عليها… بس لو كنت إنت مش بتثق فيا أنا مش هضغط عليك… خليني أجيب دكتور عيسى محمد، أو دكتور بدر إبراهيم، أو أيا كان من أفضل الدكاترة في المدينة… بس لازم دكتور يكشف عليك، وهو ده كلامي النهائي…لو كنت متخيل إني هقف، وهشوفك، وإنت بتموت من غير ما أقدم أي مساعدة، أو أجيب حد يساعدك فإنت تبقى ما تعرفنيش.
قال عمر بصوت ضعيف فيه وجع: أنا عارف إن نيتك كويسة يا أحمد بس خليني أوضحلك اللي إنت مش عارفه إنت تعرف إيه عن حمى التيفوئيد؟ وتعرف إيه مرض إلتهاب الدماغ الخيلي؟
قلت: ما سمعتش عنهم قبل كده.
عمر: في كتير من الأمراض اللي بتسببها الفيروسات، وكتير من الإحتمالات الغريبة يا أحمد.
كان عمر بيسكت بعد كل جملة عشان يستجمع قوته الضعيفة، وكمل: أنا عرفت حاجات كتير أوي في الوقت اللي كنت بعمل فيه أبحاثي الأخيرة… اللي كانت ليها علاقة بجريمة طبية، وفي الوقت اللي كنت بعمل فيه الأبحاث دي إتصبت بالمرض مفيش حاجة إنت تقدر تعملها.
قلت: يمكن لأ… أنا أعرف دكتور جاد عبد ربه أفضل خبير في أمراض الفيروسات، وهو موجود دلوقتي في المدينة… مفيش فايدة من إعتراضك يا عمر، أنا هروحله دلوقتي عشان أجيبه…
لفيت، وإتحركت بخطوات واسعة ناحية الباب.
“متصدمتش في حياتي زي الصدمة اللي إتصدمتها وقتها… ففي لحظة واحدة نط عمر، ووقف قصادي، وسمعت صوت قفل الباب بالمفتاح، وبعدها بلحظة وقع عمر، وسند علي الكرسي، وإتحرك، وهو بيجر خطواته من التعب للسرير، وبيكح، وبينهج من المجهود اللي عملها”.
عمر: مش هتاخد المفتاح ده مني غصب عني يا أحمد… هتفضل موجود هنا لغاية ما أنا أقرر غير كده… بس هقولك حاجة تخفف عنك…
“كان بيقول الكلام، وهو بينهج، وبيتنفس بصعوبة شديدة، وبيتنفس ما بين كل كلمة، والتانية”.
عمر: إنت ما يهمكش غير مصلحتي، وأنا عارف ده كويس جداً… هخليك تعمل اللي إنت عايزه بس إستنى شوية وقت لغاية ما أبقى أحسن… مش دلوقتي يا أحمد… مش دلوقتي… الساعه دلوقتي 4:00 تقدر تمشي الساعة 6:00.
قلت بإنفعال: ده جنان يا عمر.
عمر: ساعتين بس يا أحمد أوعدك إني أخليك تمشي الساعة 6:00… إنت مش عايز تستنى؟
قلت: مفيش حل تاني قدامي.
عمر: بالظبط يا صديقي العزيز… شكراً ليك يا أحمد… أنا كويس مش محتاج إنك تساعدني في ترتيب هدومي… ممكن تخليك قاعد بعيد… دلوقتي يا أحمد في شرط كمان لازم أقولهولك.. إنت هتروح عشان تطلب المساعدة بس مش من الشخص اللي إنت قلته هتطلب المساعدة من الشخص اللي أنا أختاره.
قلت: تمام موافق.
عمر: دي أفضل كلمات إنت قلتها من ساعة ما دخلت الأوضة النهاردة يا أحمد… هتلاقي كتب هناك… أنا حاسس إني تعبان شوية…حاول تقرأ شوية من الكتب، ونكمل كلامنا الساعة 6:00 يا أحمد.
“بس على عكس اللي قاله عمر إحنا كملنا كلامنا قبل الميعاد ده بوقت طويل، وفي أحداث صدمتني صدمة تانية… يمكن تكون أصعب من الصدمة اللي إتصدمتها لما عمر نط عند الباب”
وقفت دقايق أبص لجسم عمر النايم على السرير كان وشه تقريباً متغطي بالملاية… كان باين إنه نايم… بعد كده حسيت إني مش قادر أقعد، وأقرأ في الكتب.
بدأت أتحرك ببطء في الأوضة، وأبص لصور المجرمين اللي كانت محطوطة على الحيطة.
أخيراً وصلت لرف الدفاية… لقيت عليه بواقي البايب، وصندوق تبغ، وحقن، وسكاكين للجيب، ورصاص للمسدس، وحاجات تانية متبعترة هنا، وهناك، ووسط الحاجات دي شفت صندوق من العاج الصغير… لونه أبيض في أسود… كان صندوق صغير شكله جميل… مديت إيدي عشان أتفرج عليه…
فجأة صرخ عمر صرخة قوية يقدر اللي ماشي في الشارع إنه يسمعها… جسمي قشعر من الصرخة، وشعر راسي وقف، ولما لفتله شفت وش عمر متشنج، وعينيه غضبانة… وقفت مشلول، وأنا ماسك الصندوق.
عمر بإنفعال: سيبه من إيدك…. دلوقتي يا أحمد…. بقولك دلوقتي.
رجع تاني عمر، ونام على المخدة، وإتنهد كإنه إستريح إني حطيت الصندوق على رف الدفاية.
عمر: أنا ما بحبش حد يمسك حاجتي… إنت عارف يا أحمد إني ما بحبش حد يمسك حاجتي… إنت وترت أعصابي أكتر مما أنا أقدر أستحمل… اللي إنت بتعمله يخلي الشخص المريض إنه يدخل مستشفى المجانين… أقعد يا أحمد، وخليني أستريح شوية.
اللي حصل كان ليه تأثير عليا… إنفعال عمر اللي مالوش سبب، وبعديه الكلام القاسي ده بعيد تماماً عن شخصية عمر، ولباقته… المشكلة الأكبر إن يكون تعب عمر هو تعب عقلي، وللأسف التعب العقلي هو أسوأ الأمراض.
فضلت ساكت لحد ما عدى الوقت اللي إتفقنا عليه… كان واضح إن هو كمان بيبص على الساعة زيي لإن أول ما الساعة قربت من الساعة 6:00 بدأ يتكلم، وهو في نفس حالة التعب اللي كان فيها قبل كده، وقال: دلوقتي يا أحمد إنت معاك عملات من الفضة في جيبك؟
قلت: أيوه.
عمر: قد إيه معاك؟
قلت: كمية كويسة.
عمر: كام معاك من النص جنية؟
قلت: خمسة.
عمر: قليل جداً… قليل جداً! شيء مؤسف يا أحمد، وبالرغم من كده تقدر تحطها في جيب ساعتك… أما الفلوس اللي باقية تقدر تحطها في جيبك الشمال ببنطلونك… شكرا ليك ده هيعملك توازن أفضل.
“كان اللي بيحصل جنون… فضل يكح عمر، وبعد ما قدر ياخذ نفسه، وقال”
عمر: دلوقتي يا أحمد لو سمحت ولع لمبة الجاز… بس بعد إذنك شغل إضاءتها للنص بس… لو سمحت إلتزم باللي أنا بقوله يا أحمد… شكراً ليك ممتاز… لأ شكراً مش عايزاك تقفل الستاير… دلوقتي ممكن تحط شوية الرسايل، والأوراق دي على الترابيزة عشان تكون قريبة مني… شكراً ليك ممكن كمان تجيبلي البايب اللي فوق رف الدفاية… ممتاز يا أحمد… دلوقتي في ملقاط للسكر هناك ممكن بعد إذنك ترفع الصندوق العاج اللي هناك بالملقاط… حطه بين الورق تمام كويس جداً… دلوقتي تقدر تروح، وتجيب أستاذ كارم سيد اللي ساكن في 13 شارع ب ك.
“في الحقيقة إصراري قل في إني أجيب الدكتور لإن واضح إن عمر المسكين بيخطرف، وبقى شئ خطيرة أوي إني اسيبه لوحده، وبالعكس تماماً هو دلوقتي اللي مصر إني أجيب الشخص اللي قال إسمه رغم إنه كان رافض رفض تام قبل كده”.
قلت: أنا ما سمعتش الإسم ده قبل كده.
عمر: يمكن يا صديقي أحمد، وأكيد هتندهش لما تعرف إن ده أكتر شخص في العالم عنده معلومات عن المرض ده… هو مش شغال في مجال الطب، هو مزارع…
أستاذ كارم سيد شخص مشهور جداً من مدينة س ط، وهو دلوقتي موجود في المدينة، وده بسبب إن المرض إنتشر في مزرعته، وكمان المزرعة بتاعته بعيدة عن أي مستشفى طبية… فده خلاه يدرس المرض…
أستاذ كارم سيد شخص منظم جداً، ومكنتش عايزاك تروحله قبل الساعة 6:00، وده لإني عارف إنك مش هتلاقيه هناك في مكتبه… لو قدرت تقنعه إنه يجي، ويدينا من خبرته عن المرض ده، ولإن زي ما حكيتلك إنه درس، وبحث بشكل كبير في المرض ده… أعتقد إنه يقدر يساعدني.
“زي ما حكيت قبل كده كان عمر بيقول الكلمات بشكل متقطع وهو بينهج، وفي بعض الأوقات بيضم إيده اللي بتدل على ألم حاسس بيه… إتبدلت حالته للأسوء في الساعات القليلة اللي قضيتها معاه…
للاسف حالته كانت بتتدهور… وشه بقى أحمر من الحمى أكتر من الأول… كمان عينيه بقت ظاهرة تحتيها حفرة سودا، كان في عرق بارد على جبينه، وبالرغم من حالة التعب اللي كان فيها إلا إنه فضل يتكلم بنفس أسلوبه في الكلام… فعمر هيفضل عمر حتى آخر نفس فيه”.
عمر: هتكلم أستاذ كارم، وتشرحله بالظبط الحالة اللي سبتني عليها، وهتنقله الإنطباع اللي موجود في عقلك عني… شخص بيموت، وبيخرف…
في الحقيقة أنا مش عارف ليه قاع المحيط ميتحولش لمساحة كبيرة من المحار… أعتقد إن هي بتتكاثر… اه هو أنا كنت بقول إيه… قد إيه غريبة طريقة تحكم العقل بالعقل… إيه اللي أنا كنت بقوله يا أحمد؟
قلت: كنت بتقولي أقول إيه لدكتور كارم سيد.
عمر: اه إفتكرت أنا معتمد عليك يا أحمد… أتوسل ليك… للأسف العلاقة بينا مش كويسة فأنا شكيت يا أحمد فإن إبن أخوه إرتكب جريمة، وواجهته بالأمر، وللأسف الولد مات موته فظيعة، وهو بيكرهني من وقتها… أما إنت فتقدر تخليه يلين يا أحمد… أتوسل ليك… أرجوك يا أحمد خليه يجي بأي طريقة… هو اللي يقدر إنه ينقذني… هو الوحيد اللي يقدر إنه ينقذني.
قلت: هجيبه في عربية حتى لو إضطريت إني أشيله، وأجيبه لغاية هنا.
عمر: لأ يا أحمد ما تعملش كده… لازم تقنعه إنه يجي، وبعدين عايزك ترجعلي مرة تانية، وتخترع أي حجة عشان ما تجيش معاه… ما تنساش يا أحمد إنت عمرك ما خذلتني… أنا، وإنت عملنا اللي علينا يا أحمد… تفتكر هل المحار هيسيطر على العالم؟ لأ لأ لأ الموضوع صعب جداً… هتبلغه كل حاجة موجودة في دماغك.
سبت عمر، وهو مشغول بيفكر في فكرة المحار العبقرية اللي هتجتاح العالم، وعمال يكلم نفسه زي العيل الصغير…
إداني عمر المفتاح عشان أفتح الباب، وفكرت إني اخده معايا لإني ظنيت إنه ممكن يحبس نفسه جوه… كانت مدام هالة مستنياني، وهي بتترعش في الممر.
سمعت عمر، وأنا بخرج من الشقة، وهو بيغني، وفي الوقت اللي كنت فيه في الشارع بوقف فيه عربية أجرة قرب مني شخص، وكان اليوم ده فيه ضباب شديد، وسألني: إزاي سيادة المفتش عمر لو سمحت؟
كان شخص قديم إحنا نعرفه المفتش مجدي من قسم الشرطة، وكان مش لابس هدومه الرسمية…قلتله: هو تعبان جداً.
ظهر على وشه نظرة عجيبة، لو مكنش جنون كنت قلت إني شفت سعادة علي وشه.
قالي المفتش مجدي: أنا سمعت شائعات عنه.
كانت عربية الأجرة وصلت، وعشان كده سبته، ومشيت.
واضح إن شارع ب.ك الجنوبي عبارة عن مجموعة من البيوت الراقية… أما البيت رقم 13 اللي وقفت قدامه عربية الأجرة كان بيت فخم، ونفس الوقت كان بسيط جداً… كان في سور حديد، وباب ضخم، ومقابض نحاس… فتحلي الباب رئيس الخدم، واخدت بالي من النور الكهربي الملون اللي جاي من وراه.
رئيس الخدم: أيوه أستاذ كارم سيد موجود جوه يا دكتور أحمد… تمام يا دكتور هاخد بطاقتك ليه.
ما ظهرش أي إنبهار على أستاذ كارم سيد بإسمي، وسمعته من الباب اللي نص مفتوح كان بيزعق بصوت عالي، وبأسلوب وحش، وبيقول: مين ده؟ عايز إيه؟ يا الله يا سعيد كام مرة قلتك ما تخليش حد يزعجني في الوقت اللي أنا مشغول فيه بالدراسة؟
سمعت رئيس الخدم بيتكلم، وبيفسر بشكل هادي لأستاذ كارم، واللي سمعته بيقول بصوت عالي: أنا مش هقابله يا سعيد مش هقدر إني أقطع شغلي… قوله إني مش موجود في البيت، أو قوله يجي الصبح لو كانت حاجة ضرورية، وعايز يقابلني.
مره تانية سمعت صوت لطيف، وهادي من رئيس الخدم، وتاني سمعت صوت أستاذ كارم بيقول بصوت عالي: طيب… طيب قوله كده… يقدر يجي الصبح، أو يفضل بعيد عننا أنا مش عايزه يقطع شغلي.
فكرت في عمر اللي تعبان، وهو مرمي على السرير يمكن يكون بيعد الدقايق لحد ما أجيله بالشخص اللي هيساعده… مكانش ده الوقت اللي ألتزم فيه بالمعاملة الرسمية…كانت حياة صديقي بتعتمد عليا، وقبل ما يعتذرلي رئيس الخدم، ويبلغني بكلام أستاذ كارم إتحركت، وعديت رئيس الخدم، وبقيت جوه أوضة المكتب.
قام أستاذ كارم من على الكرسي بإنفعال، وكان وشه غضبان جداً… كان وشه ضخم لونه أصفر خشن، ومجعد… دقنه كبيرة، وعنيه لونها رمادي، وكان مكشر… كانت عيني فيها نظرة غريبة… كان بيبصلي من تحت حواجبه التقيلة… كان أصلع معندوش شعر، وكان لابس طاقية على دماغه مايلة من ناحية الجانب الشمال… كانت دماغه ضخمة، والغريب إني لما بصيت لتحت شفت جسم صغير، وضعيف، وكتافه وظهره محنيين زي ما يكون إتعرض لمرض الكساح، وهو صغير.
صرخ أستاذ كارم: إيه ده؟! إيه اللي إنت بتعمله ده؟ انا مش بعتلك رئيس الخدم يبلغك إنك تقابلني بكره الصبح؟
قلت: أنا أسف بس الموضوع ما ينفعش يتأخر فصديقي المفتش عمر…
“بمجرد ما ذكرت إسم صديقي كان ليه تأثير كبير على الشخص… نظرة الغضب الفظيعة إختفت من وش أستاذ كارم وجه مكانها توتر، وقلق”.
سألني أستاذ كارم: إنت جيت من عند عمر؟
قلت: أنا لسه سايبه حالا.
أستاذ كارم: سبته إزاي يعني؟… يعني هو عامل إيه؟
قلت: هو تعبان جداً، وعشان كده أنا جيتلك.
شاورلي أستاذ كارم إني أقعد على الكرسي، ولف عشان يجيب كرسي ليه… في الوقت اللي كان بيعمل كده شفت وشه في المرايا اللي موجودة فوق رف الدفاية، وأقسم إني شفته بيبتسم إبتسامة شريرة، ورغم كده ما صدقتش نفسي، وقلت إنه ممكن يكون عنده مرض عصبي، وده لإنه لما لفلي بعد كده شفت ملامح قلق حقيقية ظهرت على وشه.
أستاذ كارم: شيء مؤسف… أنا ما اعرفش أستاذ عمر إلا من خلال شوية شغل عملناه مع بعض… بس أنا بحترمه، وبقدر شخصيته، وقدراته… هو شخص مجنون بالجريمة زي ما أنا ما مجنون بالأمراض، وزي هو ما بيهتم، وبيسعى ورا المجرمين أنا بهتم، وبسعى ورا الجراثيم… هو ده السجن اللي أنا بعيش فيه.
قلت: بسبب خبرة حضرتك، ومعلوماتك المميزة صديقي عمر كان عايز إنه يشوفك… هو بيحترمك، وبيقدرك، وهو بيعتقد إنك الشخص الوحيد في العالم اللي تقدر إنك تساعده.
إترعش أستاذ كارم، ووقعت الطاقية اللي كان لابسها على الأرض.
أستاذ كارم: ليه؟ ليه بيظن أستاذ عمر إني أقدر أساعده في تعبه؟
قلت: بسبب خبرتك، ومعرفتك بالأمراض الأسيوية.
أستاذ كارم: وإيه اللي مخليه يعتقد إن المرض اللي هو مصاب به من الأمراض اللي في مجال تخصصي؟
قلت: هو كان شغال في التحقيق علي قضية كانت بين بحارة صينيين في المينا.
إبتسم أستاذ كارم سيد إبتسامة بسيطة، ومسك الطاقية بتاعته اللي وقعت على الأرض، وقال: اه… بقى الموضوع كده أعتقد إن الموضوع مش بالشكل الخطير اللي إنت بتتصوره من إمتى، وهو تعبان؟
قلت: بقاله تلات أيام.
أستاذ كارم: هل بيخرف؟
قلت: أحياناً.
أستاذ كارم: يا الله الموضوع باين إنه خطير… هيكون أمر مش كويس لو أنا ما استجبتش لطلبه… أنا بكره جداً أي حد يقاطعني في شغلي يا دكتور أحمد بس الموضوع هنا إستثنائي… أنا هاجي معاك حالا.
إفتكرت كلام عمر، وقلتله: بس أنا عندي ميعاد تاني مهم.
أستاذ كارم: تمام أنا هروح لوحدي أنا عندي ورقة مكتوب عليها عنوان أستاذ عمر تقدر تتوقع إني هوصل هناك في حدود نص ساعة بالكتير.
لتكملة القصة اضغط الزر بالاسفل






