إحالة أول دعوى تطالب بعدم دستورية قانون الإيجار القديم للمفوضين بالدستورية
بداية جدل جديد حول قانون الإيجار القديم

منذ صدور قانون الإيجار القديم المعدل مؤخراً، لم يتوقف الجدل بين الملاك والمستأجرين، فالقانون الذي كان من المنتظر أن يحسم أزمة ممتدة منذ عقود، فتح بدلاً من ذلك باباً واسعاً من التساؤلات والمخاوف. وبين من يرى فيه خطوة نحو إعادة الحقوق، ومن يعتبره تهديداً للاستقرار الأسري، وجدت المحكمة الدستورية العليا نفسها أمام أول دعوى تطالب بعدم دستوريته. هذه الخطوة تعكس حجم الانقسام المجتمعي حول القانون الجديد، وتؤكد أن أزمة الإيجارات القديمة ما زالت مستمرة وتنتظر الحسم القضائي.
إحالة أول دعوى تطالب بعدم دستورية قانون الإيجار القديم للمفوضين بالدستورية
شهدت المحكمة الدستورية العليا خطوة جديدة في ملف قانون الإيجار القديم بعد إحالة أول دعوى تطالب بعدم دستورية القانون إلى هيئة المفوضين لكتابة تقريرها القانوني. وتأتي هذه الدعوى بعد أن صدق رئيس الجمهورية على القانون رقم 164 لسنة 2025، وهو القانون الذي تضمن تعديلات مهمة في تنظيم العلاقة بين المالك والمستأجر. هذه الخطوة تعكس بداية مسار قضائي قد يكون له تأثير كبير على آلاف العقود القديمة، خصوصاً مع ما يثيره هذا الملف من جدل واسع بين الأطراف المعنية.
خلفية حول القانون الجديد
القانون رقم 164 لسنة 2025 جاء بهدف إعادة تنظيم العلاقة بين الملاك والمستأجرين، خاصة في العقود القديمة التي استمرت لعقود طويلة دون تغيير جوهري. القانون نص على أحكام جديدة تخص عقود السكنى والإيجارات، وأثار ردود فعل متباينة بين من اعتبره إنصافاً للمالكين ومن رأى أنه يضر بمصالح المستأجرين. هذا الجدل لم يتوقف منذ صدوره، بل تطور إلى معارك قانونية بدأت أولها بالدعوى الدستورية الحالية، وهو ما يفتح الباب لمزيد من المنازعات في الفترة المقبلة.
تفاصيل الدعوى المرفوعة
تم تقييد الدعوى في جدول المحكمة الدستورية برقم 32 لسنة 47 دستورية بتاريخ 28 أغسطس الماضي. وجاءت المطالبة بوقف تنفيذ القانون الجديد بشكل عاجل لحين البت في دستوريته. وركزت الدعوى على المادة الثانية من القانون، والتي تنص على انتهاء عقود الإيجار الخاصة بالسكن بعد سبع سنوات من تاريخ العمل بالقانون، إلا إذا اتفق الطرفان على إنهائها قبل هذه المدة. أصحاب الدعوى اعتبروا أن هذه المادة تخالف مبادئ دستورية وتؤدي إلى أضرار واسعة بمستأجرين يعتمدون على هذه العقود.
مضمون المادة المثيرة للجدل
المادة الثانية من القانون الجديد أثارت اعتراضات واسعة، حيث أنها تحدد مدة زمنية لإنهاء العقود القديمة الخاصة بالسكن. فبحسب النص، فإن جميع هذه العقود تنتهي بعد سبع سنوات، ما لم يتفق الطرفان على غير ذلك. هذه القاعدة القانونية تعني أن آلاف الأسر المستقرة في مساكنها منذ سنوات طويلة ستواجه تغييرات جذرية في أوضاعها السكنية. ويعتبر المعترضون أن هذا النص يخل بمبدأ الاستقرار الاجتماعي ويشكل ضغطاً كبيراً على المستأجرين الذين قد يجدون أنفسهم بلا مأوى بعد انتهاء المدة المحددة.
استناد الدعوى إلى أحكام سابقة
المدعون في هذه القضية طالبوا المحكمة بالاستمرار في تنفيذ حكمين سابقين صادرين عن المحكمة الدستورية العليا في نوفمبر 2002. هذان الحكمان تضمنا مبادئ تتعلق بحقوق المستأجرين وتنظيم العلاقة الإيجارية. لذلك، يرى أصحاب الدعوى أن القانون الجديد يخالف ما استقرت عليه المحكمة من مبادئ قضائية، ويطالبون بإسقاط نص المادة الثانية من القانون وإلغائها بشكل كامل. كما شددوا على ضرورة عدم الاعتداد بها لما قد يترتب عليها من آثار سلبية تضر بالمجتمع وبالأسر المستأجرة.
التداعيات المنتظرة للقضية
القضية الحالية لا تمثل مجرد نزاع قانوني، بل تعكس أزمة اجتماعية ممتدة بين الملاك والمستأجرين في ظل قانون الإيجار القديم. الحكم في هذه الدعوى قد يحدد ملامح المرحلة المقبلة، سواء باستمرار العمل بالقانون الجديد أو إسقاط بعض مواده. وتترقب آلاف الأسر نتائج هذه القضية بقلق شديد، إذ إن مصير عقودهم السكنية يتوقف على ما ستقرره المحكمة الدستورية. وفي المقابل، يترقب الملاك أيضاً ما ستؤول إليه الأوضاع سعياً لتحقيق ما يعتبرونه حقوقاً ضائعة لسنوات طويلة.
السياق الاجتماعي والاقتصادي للتعديلات
القانون الجديد الخاص بالإيجار القديم جاء كاستجابة طبيعية للتطورات الاجتماعية والاقتصادية التي مرت بها البلاد على مدار عقود طويلة. فقد وفر القانون القديم حماية كبيرة للأسر المستأجرة لكنه في نفس الوقت حد من حقوق الملاك وأثر على قيمة العقارات بشكل سلبي. ومع صدور القانون الجديد، سعت الدولة إلى تحقيق توازن بين الطرفين بحيث لا يظل المالك مقيداً إلى الأبد ولا يتعرض المستأجر للطرد الفوري. هذه التعديلات جاءت في محاولة لإيجاد صيغة عادلة تضمن الاستقرار الاجتماعي وتعيد تنظيم السوق العقاري بشكل أفضل.
آليات التنفيذ التدريجي وتحديات التطبيق
القانون الجديد نص على تنفيذ التعديلات بشكل تدريجي حتى لا تحدث صدمة مفاجئة في المجتمع. فالعقود السكنية القديمة ستنتهي بعد سبع سنوات من تاريخ العمل بالقانون، بينما العقود غير السكنية ستنتهي بعد خمس سنوات. كما نص على زيادات دورية محددة لحين انتهاء المدة. هذه الآلية تهدف إلى منح المستأجرين فرصة لتدبير أمورهم وتجنب الأزمات المفاجئة. ومع ذلك، فإن التطبيق العملي قد يواجه صعوبات كبيرة مثل تحديد المناطق المختلفة وآليات الرقابة على الالتزام بالزيادات، مما يطرح تحديات أمام الأجهزة التنفيذية.
الدعوات والضغط من المجتمع المدني
قبل إقرار القانون الجديد، ظهرت العديد من الدعوات من منظمات المجتمع المدني وخبراء القانون للمطالبة بتعديلات تراعي مصالح جميع الأطراف. فقد أكدوا ضرورة توفير بدائل للمستأجرين محدودي الدخل وتقديم دعم للفئات الأكثر تضرراً من هذه التغييرات. كما شددوا على أهمية أن تتم الزيادات في الإيجارات بشكل تدريجي لا يرهق الأسر البسيطة. هذه الضغوط ساهمت في تشكيل صياغة القانون بشكل أكثر توازناً، إلا أن الخلافات لا تزال قائمة بين الملاك والمستأجرين حول مدى عدالة البنود الحالية.
المخاوف من آثار اجتماعية واسعة
رغم التدرج في التنفيذ، تظل المخاوف قائمة لدى شريحة واسعة من المستأجرين الذين يخشون من فقدان مساكنهم بعد انتهاء المدة المحددة. كثيرون يعتبرون أن القانون قد يفتح الباب أمام زيادات كبيرة في أسعار الإيجارات بما يفوق قدرتهم على التحمل. هذه المخاوف لا تتعلق فقط بالأسر البسيطة، بل تمتد أيضاً إلى أصحاب الأعمال الصغيرة الذين يعتمدون على محال قديمة بعقود منخفضة. وبذلك يصبح التغيير بمثابة تهديد مباشر للاستقرار الاجتماعي، وقد يؤدي إلى موجات نزوح داخل المدن أو زيادة في مشكلات السكن.
المسار القضائي وتحديات الدستورية
الطعن الحالي أمام المحكمة الدستورية يمثل بداية لمسار قضائي طويل سيحدد مصير القانون الجديد. فالدعوى المرفوعة ركزت على المادة الثانية التي تنص على إنهاء العقود بعد سبع سنوات، معتبرة أنها تخالف مبادئ دستورية تتعلق بالحق في السكن والاستقرار الاجتماعي. أصحاب الدعوى يستندون أيضاً إلى أحكام سابقة للمحكمة نفسها، ويطالبون بإسقاط النص المطعون عليه. هذا المسار القضائي يضع القانون أمام اختبار حقيقي، ويترك آلاف الأسر والملاك في حالة ترقب حتى صدور الحكم النهائي.