
هذا العالم قد شهد قفزة نوعية غير مسبوقة تماما في مجال الذكاء الاصطناعي جعلت هذه التقنية تتحول من مجرد أدوات مساعدة فقط إلى منظومة متكاملة قادرة على تغيير طبيعة العمل والاقتصاد العالمي ومع هذا التطور السريع بدأت كبرى شركات التكنولوجيا تدخل في سباق سريع لتبني أدوات الذكاء الاصطناعي وتوظيفها بأقصى طاقاتها وهو ما انعكس بشكل مباشر على هياكلها الإدارية والوظيفية النتيجة كانت واضحة من موجة جديدة من التسريحات وهي تضرب عمالقة وادي السيليكون والشركات العالمية محدثة جدلًا واسعا حول مستقبل الوظائف البشرية
موجه تسريحات ضخمة مع تسارع طفرة الذكاء الاصطناعي
منذ بداية عام 2023 وحتى منتصف عام 2025، أعلنت شركات كبرى مثل شركة مايكروسوفت، وشركه جوجل، وايضا شركة أمازون، وشركه ميتا، وإنتل عن تقليصات ضخمة جدا في أعداد موظفيها، وكل هذه التسريحات لم تقتصر على الوظائف التقليدية فقط، بل طالت حتى بعض من فرق كثيرة متخصصة في التطوير والهندسة، وهو ما أثار تساؤلات كثيرة جدا حول الأسباب الحقيقية وراءها، فالكثير من الخبراء يرون أن السبب الحقيقي قد يعود إلى ثورة الذكاء الاصطناعي التوليدي، وهي التي جعلت العديد من المهام التي كانت تتطلب فرقا كاملة وكثيره من بعض المبرمجين أو من محللي البيانات تنجز اليوم ب خوارزمية، أو نموذج تعلم عميق جدا في وقت قياسي وبتكلفة تكون أقل.
الذكاء الاصطناعي: الحل والتهديد معا
هناك تحديات كثيره من بعض الشركات وتسارع كبير جدا، في ظل وجود الذكاء الاصطناعي ومن بعد هذه التحديات هي تكون كالاتي:
1. كفاءة غير مسبوقة
الذكاء الاصطناعي أتاح لشركات كثيرة إنجاز مهام معقدة جدا حيث انها تكون بسرعة فائقة، مثل كتابة بعض الأكواد البرمجية، وايضا تحليل البيانات الضخمة، وإنشاء محتوى رقمي، وحتى إدارة بعض الحملات التسويقية، وهذا جعل الكثير من الوظائف مهددة تماما، لأن بعض الشركات لم تعد بحاجة إلى نفس العدد الكافي، من الموظفين لأداء كل هذه الأدوار.
2. التحدي الأخلاقي
رغم الكفاءة التي يوفرها وجود الذكاء الاصطناعي، إلا أن الاعتماد المفرط عليه يثير مخاوف كثيرة جدا بشأن فقدان ملايين الوظائف على مستوى العالم، حيث ان البعض يرى أن معظم الشركات تتعامل مع موظفيها كأرقام، وتضع الربح المادي فوق كل الاعتبارات الإنسانية والاجتماعية.
3. التوازن المطلوب
هنا يظهر التحدي الأكبر، كيف يمكن للشركات أن تستفيد من القدرات الخارقه بوجود الذكاء الاصطناعي، وذلك دون أن تتحول إلى كيانات بلا روح، تقضي على فرص العمل وايضا تزيد من معدلات البطالة عالميا.
تسريحات من شركة مايكروسوفت
أمثلة هامه من كل عمالقة التكنولوجيا فقد قامت شركة مايكروسوفت بتسريح آلاف الموظفين في ظل أقسام التطوير والدعم الفني بعد دمج وجود تقنيات الذكاء الاصطناعي في منتجاتها مثل ال Copilot وهي داخل تطبيقات أوفيس، حيث أصبح البرنامج يكون قادر على القيام بمهام كانت تستلزم وجود فرق كثيرة كاملة، مثل تلخيص الاجتماعات أو ايضا كتابة الأكواد الأولية.
جوجل تخفض أعداد العاملين
رغم أن شركة جوجل من أكبر المطورين، في تقنيات الذكاء الاصطناعي عبر مشروع ال Gemini، إلا أنها خفضت أعداد العاملين في كل أقسام الإعلانات والخدمات السحابية ايضا، و السبب يعود إلى أن الخوارزميات الخاصه ب الذكاء الاصطناعي أصبحت تدير الحملات بكل كفاءة وأعلى في الامكانيات وبأقل تكلفة ايضا.
شركه أمازون وتخليها عن موظفي خدمة العملاء
خفضت شركة امازون عددًا كبيرًا جدا من موظفي خدمة العملاء بعد إطلاق روبوتات، تكون خاصه بالدردشة حيث انها تعتمد على الذكاء الاصطناعي، وهي تكون قادرة على الرد على استفسارات خاصه بالمستخدمين وحل كل المشكلات التقنية.
ميتا وتركيزها على دمج الذكاء الاصطناعي في مجالات الواقع الافتراضي
ركزت شركة ميتا وهي الشركه الام للفيس بوك و الانستجرام، وذلك على دمج الذكاء الاصطناعي في مجالات الواقع الافتراضي و الميتافيرس، وهو ما جعلها تقلص فرقا كبيرة جدا من المطورين التقليديين، وهذا ليكون لصالح الاعتماد على حلول أكثر تطورا وايضا اكثر ذكاء.
الأبعاد الاقتصادية
هذه الموجة من التسريحات ليست مجرد قرارات إدارية فقط، بل هي تحمل آثارا اقتصادية عالمية، وايضا تقارير حديثة جدا تشير إلى أن أكثر من 20% من الوظائف في القطاع التكنولوجي باتت مهددة تماما با لاختفاء، وذلك من خلال السنوات الخمس المقبلة، إذا استمر التوسع في الاعتماد على وجود تقنيه الذكاء الاصطناعي، ومن ناحية أخرى فأنه يخلق الذكاء الاصطناعي فرص عمل جديدة جدا في مجالات كثيرة مثل، تطوير النماذج و خوارزميات، و صيانة أنظمة الذكاء الاصطناعي، وايضا التدريب على البيانات ال Data Labeling، و الأخلاقيات والحوكمة التقنية، ولكن السؤال المطروح هو، هل كل هذه الوظائف الجديدة يمكنها ان تعوض كل هذه الخسائر الهائلة في الوظائف التقليدية ام لا.
البعد الاجتماعي والإنساني
ملايين الأسرار حول العالم وقد تعتمد على وظائف في شركات التكنولوجيا الحديثه، ومع موجات التسريح المستمرة، يزداد الضغط النفسي والاجتماعي على كل الموظفين، البعض يضطر للانتقال إلى قطاعات أخرى تكون أقل دخلًا، والبعض الآخر يفقد الأمل تماما في العودة إلى سوق العمل، وهناك أيضًا بُعد إنساني يكون أعمق بكثير ف الموظف الذي يكتشف أن مهمة استغرق سنوات كثيرة جدا في تعلمها وإتقان ها يمكن أن تستبدل ب خوارزمية في ثوان معدوده، ويشعر أن جهده لم يعد ذا قيمة، و هذه الأزمة قد تؤدي إلى فقدان الحافز لدى كل الأجيال القادمة، وتجعلهم يتساءلون، هل الاستثمار في المهارات البشرية ما زال مجديًا.
سياسات مقترحة للتوازن
لمواجهة كل هذه التحديات، قد يرى بعض الخبراء ضرورة اتخاذ خطوات هادفه جدا و عملية، مثل إعادة تدريب كل الموظفين على مهارات تتكامل وتناسب مع الذكاء الاصطناعي بدلا من استبدالهم به، وتشريعات حكومية تفرض على بعض الشركات نسبه معينة من الحفاظ على هذه الوظائف، وإطلاق صناديق دعم لمساعدة الموظفين المسرحين على الانتقال إلى وظائف جديدة، وايضا التعاون بين الجامعات وايضا الشركات لتطوير برامج تعليمية وهي تركز على المهارات المستقبلية.
المستقبل: ما بين التفاؤل والتشاؤم
المشهد الحالي يفتح الباب سيناريوهات متناقضين المتفائل، والذكاء الاصطناعي سيوفر فرصا جديدة جدا ويحرر الإنسان من المهام الروتينية ليتفرغ للإبداع والابتكار، السيناريو المتشائم، واستمرار كل هذه التسريحات سيقود إلى بطالة واسعة النطاق، وايضا وزيادة الفجوة بين من يملكون التكنولوجيا ومن لا يملكونها.
الذكاء الاصطناعي اداه قويه لاغني عنها
الحقيقة ربما تكون في منتصف الطريق، حيث سيظل الذكاء الاصطناعي أداة قوية جدا و لا غنى عنها ابدا، لكنه يحتاج إلى إدارة رشيدة وهي تحقق التوازن بين الكفاءة وبين البعد الإنساني ايضا، وموجة التسريحات الجديدة التي تضرب عمالقة التكنولوجيا ليست مجرد أخبار اقتصادية عابرة فقط، بل هي مؤشر واضح على كل التحولات الجذرية التي يشهدها العالم بفعل ثورة الذكاء الاصطناعي، و السؤال المطروح اليوم ليس عن مدى قوة هذه التقنية الحديثه، بل عن كيفية إدارتها بما يخدم الإنسان قبل أن يخدم الأرباح، المستقبل يظل مفتوحا على جميع كل الاحتمالات، لكن المؤكد أن القادم سيحمل تغيرات كثيرة وتكون أعمق وأسرع مما نتوقع.