تحقيقات المفتش عمر قضية (هلام عرف الأسد)

كنت وعدتكم إني هسيب موضوع كتابة القصص، والمذكرات لصديقي العزيز أحمد بس أدي الظروف خلتني أرجع، وأكتب تاني
أكتر حاجة عجيبة حصلتلي بعد ما سبت شغلي كمحقق هي قضية غريبة، وغامضة زيها زي كل القضايا اللي واجهتها في حياتي الطويلة…وقعت القضية دي في إيدي بعد ما إتنقلت لبيتي اللي على البحر… بعد ما سلمت نفسي للطبيعة المريحة اللي كنت بشتاقلها في جو المدينة الكئيب…
في الفترة دي تقريباً مكنتش أعرف أي حاجة عن صديقي العزيز أحمد آخر مرة شفته كانت زيارة سريعة في أجازة نهاية أسبوع في السنة اللي فاتت، وعشان كده هضطر إني أكتب القصة بنفسي…
يا لو كان أحمد معايا قد إيه كان هيبالغ في وصف الأحداث العجيبة اللي حصلت، وهيتكلم عن إنتصاري الكبير… بس مفيش بإيدي حيلة… هضطر أنا اللي أحكي القصة بطريقتي، وهحاول إني أوضح بشكل بسيط كل خطوة مشيتها في طريقي الصعب، وأنا بحقق في لغز هلام عرف الأسد.
البيت بتاعي على منحدر بيبص بشكل ممتاز على القناة… المكان الساحلي هنا مليان بالجبال ميقدرش حد ينزل من التلة اللي من طريق وحيد غير مستقيم، وطويل…
كمان هو طريق منحدر جداً، والحصى مليان لمسافة طويلة أسفل الطريق حتى في الوقت اللي بيكون فيه المد عالي، وبالرغم من كده فيه بحيرات في أماكن كتير في الشط، وهي بتكون حمامات سباحة جميلة بتتملي كل ما المد ما بيرتفع… طول الشط تقريباً كام ميل في كل إتجاه إلا في مكان واحد فيه خط خليجي، وقريتين صغيرين.
البيت بتاعي بعيد عن أي تجمع سكني… أنا بعيش أنا، ومسؤولة البيت العجوزة على بعد نص ميل من مؤسسة إتش أس التدريبية المشهورة ب ذا هيرو، وهي مكان كبير جداً بيضم مجموعة كبيرة من الشباب اللي بيتدربوا لوظايف مختلفة، ومجموعة كبيرة من المعلمين…
صاحب المؤسسة أستاذ سامي… هو من مشاهير لعبة التجديف، واخد جوايز كتير في شبابه، وكان عنده قدرات كبيرة… بقيت أنا، وهو أصحاب من أول يوم جيت فيه هنا، وكان هو الشخص الوحيد اللي كانت علاقتي بيه كويسة… كان كل واحد مننا يقدر يزور التاني بالليل من غير دعوة.
في نهاية شهر يوليو سنة 1907 كان في عاصفة شديدة، وكانت العاصفة في القناة بتخلي الأمواج مرتفعة… تاني يوم هديت الرياح، وبقى المكان كله رائع، ونقي… كان صعب جداً إن الواحد يشتغل في يوم جميل زي كده… خرجت أتمشى قبل الفطار عشان أستمتع بالجو الجميل مشيت من التلة للمنحدر الشديد، وبعد كده للشط، وفي الوقت اللي كنت ماشي فيه سمعت حد بينادي عليا، ولما لفيت لقيته أستاذ سامي، وشاورلي بتحيه.
أستاذ سامي: قد إيه الجو جميل يا أستاذ عمر… كنت متوقع إني أشوفك برة البيت النهاردة.
قلت: أظن إنك كنت رايح للسباحة.
إبتسم أستاذ سامي، وضرب على جيبه المنفوخ، وقال: رجعت لطريقتك القديمة تاني… أيوه بدأ موسي من بدري، وأتوقع إني ألاقيه هناك.
كان أستاذ موسي مدرس لعلوم الطبيعة، وهو شاب صغير في السن… محترم… شل مرضه حركة حياته الطبيعية… كان عنده مرض روماتيزم في القلب… بس هو كان رياضي بطبيعته، وكان متفوق في كل الرياضيات اللي مكانتش محتاجة مجهود كبير… كان بيحب السباحة في الصيف، وفي الشتاء، ولإني كمان بحب السباحة كتير كنت بشاركه فيها.
في اللحظة دي شوفنا إحنا الإتنين نفس الشخص، ولقيناه بيبص من فوق التلة عند نهاية الطريق المعوج، وبعدين ظهر جسمه كله عند القمة… كان غير متزن … بعد شوية وقف بيأس، ووقع على وشه مع صرخة رهيبة…
جريت أنا، وسامي، وكان ما بينا تقريباً 50 خطوة… قلبناه على ضهره، وكان في لحظاته الأخيرة… مكانش في معنى تاني لعينيه الهربانة، وخدوده الباهتة غير المعنى ده… نطق بكلمتين، أو تلاتة كإنه بيحذرنا.
كانت كلماته مش واضحة بس أنا سمعت آخرها… خرجت بين شفايفه زي الصرخة، وكانت: هلام عرف الأسد… كان كلام غريب، ومكانش ليه أي معنى… مقدرتش إني أفهم اللي سمعته… بعد كده رفع موسى نفسه عن الأرض، وحرك إيده في الهوا، وبعد كده وقع على جنبه، وإنتهت حياته.
كنت في ذهول أنا، وسامي، وكنا في حالة صدمة شديدة… بس زي ما إنتم عارفين أنا دايماً حواسي بتكون منتبهة، وكنت مضطر لده لإن إتضح بعد كده إن دي قضية مش عادية.
كان موسى مش لابس غير الجاكيت المضاد للمية، وبنطلونه، والجزمة بتاعته، وكان الرباط بتاعها مفكوك، وكانت مصنوعة من القماش التقيل، وكان الجاكيت المضاد للمية محطوط على كتفه، ووقع لما جسمه وقع، وظهر جسمه، وبقينا بنبصله بذهول.
كان ضهره متغطي بخطوط حمرا كإنه إتجلد بكرباج من المعدن، وواضح إن الحاجة اللي إتعذب بيها كانت مرنة، وده لإن علامات الضرب كانت موجودة على كتفه، وضلوعه كان الدم بينقط من تحت دقنه لإنه عض شفته من الألم… كان وشه باهت، ومشوه قد إيه كان ألمه شديد.
كان موسى على رجلي، وكان سامي واقف جنب الجسم فكان ضله علينا… في اللحظة دي لقينا أيمن داوود جنبنا، وهو مدرس رياضة في المؤسسة… هو راجل رفيع… طويل… بشرته غامقة… كمان هو شخص متحفظ لدرجة إنه مالوش أصحاب… كان بيعيش في منطقة بعيدة، ومكانش فيه أي حاجة بتربطه بالحياة العادية… كان الطلاب بيشوفوا إنه شخص غريب، وممكن إنه يكون موضوع ضحك ما بينهم.
كان أستاذ أيمن عنده عرق همجي مكانش بس بيظهر في عينيه السودة، ولا وشه الغامق كان بيظهر في إنفعالاته اللي بتحصل من وقت للتاني… اللي كانت بتتوصف إنها إنفعالات وحشية…
في مرة من المرات ضايقه كلب صغير بيملكه موسى فمسك أيمن الكلب، وخبطه في إزاز الشباك، وكان سامي هيطرده بسبب التصرف ده لولا إنه مدرس شاطر جداً…
كان هو ده الشخص الغريب اللي ظهر جنبنا في اللحظة دي، وكان مصدوم من المنظر اللي قدامه… على الرغم إن حادثة الكلب ممكن تبين إن مكانش فيه أي علاقة ود بينه، وبين موسي.
أيمن داوود: المسكين صديقي موسى… صديقي المسكين… إيه اللي أقدر أعمله؟ إزاي أقدر أساعده؟
سألته: إنت كنت معاه؟ هل تقدر تقولنا إيه اللي حصل؟
أيمن: لأ لأ أنا إتأخرت النهاردة الصبح، وما كنتش على الشط أبدا… أنا جيت من مؤسسة ذا هيرو على طول… إيه اللي أقدر أعمله؟
قلت: ممكن تروح لقسم الشرطة، وتبلغهم باللي حصل بسرعة.
إتحرك أيمن بسرعة كبيرة من غير ما ينطق كلمة… بدأت أتولى الأمور بنفسي، وفضل سامي اللي كان في حالة ذهول جنب الجسم…
كانت خطوتي الأولى إني أتأكد مين اللي كان على الشط… قدرت من فوق قمة التل إني أشوف الشط كله… كان مفيش أي حد إلا ضلين، أو تلاتة بيظهروا من بعيد، وهما بيتحركوا ناحية القرية…
لما إطمنت من النقطة دي نزلت بالراحة على الطريق… كان في طين طري، وكنت شايف في كل مكان آثار الأقدام طالعة الطريق، ونازلة منه… مفيش حد تاني راح للشط من الطريق ده إنهاردة الصبح…
بس اخدت بالي إن في مكان فيه أثر إيد مفتوحة، والصوابع بإتجاه التل… مكانش فيه غير معنى واحد إن المسكين موسى كان بيقع، وهو بيحاول يطلع التل، وكان في آثار مدورة برضو، وده معناه إنه وقع على ركبته أكتر من مرة…
أما نهاية الطريق كان فيه البحيرة الضخمة اللي حصلت بسبب المد، وكان موسى خلع لبسه في جنب من جوانبها، وده لإن الفوطة بتاعته كانت فوق صخرة هناك، وكانت مطبقة، وناشفة.
اخدت بالي، وأنا بفتش مرة، أو مرتين إن كان بيظهر أثر جزمته القماش، وأثر رجليه الحافيه… اكدتلي النقطة الأخيرة إنه كان بيجهز نفسه للسباحة بس الفوطة كانت بتدل إنه ما عملش كده.
هي دي كانت القضية بكل وضوح… كانت قضية غريبة زيها زي بقية القضايا الغريبة اللي قابلتها في حياتي.
كان موسى ما قعدش على الشط مدة طويلة تقريباً ربع ساعة، أو أكتر، وكان سامي خرج وراه من المؤسسة… ده مفيهوش شك… موسي راح للسباحة، وخلع لبسه، وده اللي بيدل عليه آثار رجليه الحافية، وبعد كده لبس هدومه بسرعة مرة تانية، وده لإنها كانت متبعترة، ومفكوكة، ورجع من غير ما يسبح، أو من غير ما ينشف نفسه على أبسط تقدير.
يمكن اللي حصل إنه إتعرض للجلد بشكل همجي، وإتعذب لدرجة إنه عض شفايفه من الألم، وان الشخص اللي عذبوه ما سبوش فيه قوة إلا قوة بسيطة زحف بيها بعيد، وإنتهت حياته… مين اللي عمل فيه كده؟
كان فيه كهوف صغيرة في نهاية التل بس الشمس كانت متسلطة عليهم فمكانش في مكان إن حد يستخبى… كمان من ناحية تانية الأشخاص البعيدة عن الشط… بس هما كانوا بعاد جداً لدرجة لا يمكن إن يكون ليهم علاقة باللي حصل… كمان البحيرة الواسعة اللي كان موسى ناوي إنه يسبح فيها كانت ما بينه، وما بين الأشخاص دي، وكانت ورا الصخور…
أما في البحر فكان فيه إتنين، أو تلاتة من مراكب الصيد على مسافة مش بعيدة… يمكن أستجوب ركاب السفن في وقتي الفاضي… كان في طرق كتير أبدا تحقيقي منها بس مكانش فيه ما بينهم حاجة توصل لشيء واضح.
رجعت في النهاية للجسم، ولقيت مجموعة من الناس واقفين بإندهاش… كان سامي لسه هناك، وكان أيمن داوود وصل، ومعاه ناصر، وهو شرطي القرية… هو شخص ضخم ليه شنب بني… يبان عليه الحكمة من مظهره الهادي… سمع كل حاجة، وكتب كل اللي قلناه، وبعد كده إتحرك على جنب، وكلمني.
الشرطي ناصر: يشرفني يا أستاذ عمر إني أسمع نصايحك… الموضوع كبير على إني أتعامل معاه، وهيأنبني رئيسي لو أخطأت.
كانت نصيحتي ليه إنه يطلب من رئيسه إنه يجي، وكمان إنه يطلب الدكتور، وإنه ما ينقلش أي حاجة من مكانها، وإن يمنع على قد ما يقدر آثار أقدام جديدة في المكان… في الوقت ده بدأت أفتش في جيوب الضحية… كان فيها منديل، وسكينة طويلة، ومحفظة صغيرة، وكان فيها ورقة ظاهرة… فتحتها، وإدتها للشرطي ناصر، وكان مكتوب فيها بخط ست: إطمن… أنا هاجي… توقيع مديحة.
واضح إن كان في علاقة حب ما بينهم… بس إمتى كانوا هيتقابلوا، وفين؟ مكانش ده مكتوم في الرسالة.
حط الشرطي ناصر الورقة مرة تانية في المحفظة، ورجع باقي الحاجة لجيوب الجاكيت… بعد كده وبما إن مفيش حاجة تانية أعملها رجعت لبيتي عشان أفطر… بس قبل ما امشي إتأكدت إن منطقة التلال هتتفتش باهتمام، وعناية.
بعد ساعة، أو إتنين وصل سامي عشان يبلغني إن الجسم إتنقل لمؤسسة ذا هيرو، وهناك هيكون التحقيق… كمان بلغني أخبار خطيرة… زي ما توقعت… ملقوش حاجة في الكهوف في نهاية التل، وإنهم فتشوا الأوراق الموجودة على مكتب موسى، وكان فيه رسايل كتير مع نفس الآنسة من قرية ف.ث… كده إحنا عرفنا مين اللي كتبت الرسايل.
قال سامي: الرسايل مع الشرطة مقدرتش إني اجيبها… بس أكيد هي كانت علاقة حب حقيقية، وما ظنش إن في أي سبب يربطها بالحادثة الرهيبة اللي حصلت غير إن الآنسة كانت وعدته إنها تقابله .
قلت: أعتقد إن مستحيل تكون المقابلة عند البحيرة اللي كنتم كلكم متعودين إنكم تستخدموها.
سامي: لأ كمان في طلاب بتروح هناك… صدفة إن مكانش في طلاب مع موسى.
قلت: هل كانت صدفة؟
ضم سامي حواجبه، وقال: سبقهم أيمن… أكيد هو أصر إن يديهم دروس جبر قبل وقت الفطار… قد إيه الشاب ده مسكين أظن إنه بيتألم من اللي حصل.
قلت: وأظن إن هما مكانوش أصحاب.
سامي: أيوه في وقت معين… بس من سنة، أو أكتر كان أيمن قريب من موسى… يمكن بشكل متحفظ فهو مش ودود بطبعه.
قلت: أنا عارف ده كمان… فاكر إنك حكيتلي مرة على الخناقة اللي حصلت بسبب اللي عمله مع الكلب.
سامي: الموضوع ده إنتهى على خير.
قلت: بس يمكن بسببه كان في كره في القلب.
سامي: لأ لأ أنا واثق إن هما كانوا أصحاب مخلصين لبعض.
قلت: تمام يبقى لازم نبدأ تحرياتنا في موضوع البنت… إنت تعرفها؟
سامي: الكل يعرفها فهي أجمل بنت في القرية… جميلة جداً يا عمر فأي مكان بتروحه بتلفت الأنظار… أنا كنت أعرف إن موسى معجب بيها بس مكانش عندي فكرة إن الموضوع تطور بالشكل اللي ظاهر في الرسايل.
سألت: بس هي مين؟
سامي: هي بنت العجوز برعي توحيد اللي عنده كل المراكب، وحمامات السباحة في المنطقة… بدأ حياته كصياد بس هو دلوقتي صاحب ثروة كبيرة… وهو، وإبنه وليد مسؤولين عن الشغل.
قلت: إيه رأيك نروح للقرية، ونقابلهم؟
سامي: بس بسبب إيه؟
قلت: نقدر نلاقي سبب بسهولة… في نهاية الموضوع موسى المسكين معذبش نفسه بالطريقة الصعبة دي… كان في شخص هو اللي ماسك الكرباج لإن كان سبب الجروح دي هو الكرباج فعلاً… أظن إن دايرة معارف موسي في المكان كانت محدودة خلينا نتتبعها، وأكيد هنقدر نوصل إننا نعرف الدافع ورا الجريمة، واللي من خلاله هنقدر نوصل للمجرم.
كانت هتبقى تمشية ممتعة في التلال إلا إن نفوسنا كانت إتسممت بالكارثة اللي شفناها… كانت القرية في نهاية المنحدر على شكل النص دايرة، وكان في بيوت جديدة إتبنت فوق الأرض المرتفعة ورا القرية القديمة… خدني سامي لواحد من البيوت دي.
سامي: هو ده البيت… إيه ده… يا الله… بص هناك.
إتفتحت بوابة جنينة البيت، وخرج منها راجل طويل، وهدومه مش منظمة… كان هو ده أيمن داود مدرس الرياضيات… بعد شوية قابلناه في الطريق.
سلم عليه سامي، وقال: أهلا.
حرك أيمن راسه، وبصلنا بعيونه السودة الغريبة، وكان هيتحرك، ويمشي لولا رئيسه مسكه، و سأله: إنت بتعمل إيه هنا؟
غضب أيمن، وقال: حضرتك رئيسي تحت سقف المؤسسة معتقدش إني مطالب أفسرلك أي حاجة في حياتي الشخصية.
كانت أعصاب سامي هتنفجر بعد كل اللي حصل، وفي اللحظة دي فقد هدوءه، وقال: ردك بالطريقة دي في الظروف اللي إحنا فيها وقاحة منك يا أستاذ أيمن.
أيمن: نفس الكلام بينطبق على سؤالك يا أستاذ سامي.
سامي: دي مش المرة الأولى اللي أتغاضى فيها عن عصبيتك بس هي أكيد هتكون الأخيرة… لو سمحت جهز نفسك للاستقالة بأسرع وقت ممكن.
أيمن: كنت ناوي أعمل كده… النهاردة أنا خسرت الشخص الوحيد اللي عشانه كنت أقدر أعيش في مؤسسة ذا هيرو.
إتحرك أيمن بخطوات سريعة، ووقف سامي يبصلي بإندهاش.
بعد ما مشي أيمن صرخ سامي: مش شايف إنه شخص سيء لا يطاق؟
كانت أول حاجة جت في دماغي إن أستاذ أيمن داوود بينتهز أقرب فرصة عشان يهرب من مكان الجريمة… بدأ الشك في اللحظة دي يثبت في راسي… يمكن زيارة عيلة الآنسة مديحة تظهر معلومات جديدة في الموضوع… تمالك سامي نفسه، وقربنا من البيت.
كان واضح على أستاذ برعي إنه شخص عجوز… دقنه بيضه، وكان ظاهر عليه إنه كان متضايق جداً… كان وشه أحمر.
أول مدخلنا، وقبل ما ينطق سامي إتكلم العجوز برعي بغضب، وقال: لأ يا أستاذ مش عايز تفاصيل.
بعد كده كمل كلامه، وهو بيشاور على شخص عضلاته قوية، وملامحة جامدة قاعد في ركن الأوضة، وقال: إبني متفق معايا إن علاقة موسى لمديحة بنتي مكانش شيء مهذب… أيوه يا أستاذ كلمة جواز ما اتذكرتش… رغم إن كان في رسايل، ومقابلات بشكل كبير… مكانش حد راضي عنه… مديحة يتيمة الأم، وإحنا المسؤولين عنها… إحنا مصممين إن….
وقف أستاذ برعي عن الكلام لما ظهرت البنت نفسها… مين كان يتخيل إن زهرة جميلة كده تنمو في مكان، وفي جو زي هنا…
بالنسبالي مكانتش الستات بتشغلني، وده لإن عقلي دايماً كان مسيطر على قلبي… بس بمجرد ما بصيت لوش آنسة مديحة، وتفاصيلة الجميلة فهمت إن مفيش شاب هيمشي في طريقها من غير ما تصيبه بسهامها…
كانت هي دي البنت اللي فتحت الباب، ووقفت في اللحظة دي بعيون متوترة قدامنا.
مديحة: أنا عارفة إن موسى إنتهت حياته ما تخافش إنك تبلغني بالتفاصيل.
أستاذ برعي: بلغنا الشخص التاني الخبر.
قال الشاب بصوت قوي: مفيش داعي إن أختي تتدخل في الموضوع ده.
بصتله مديحة بنظرة غضب، وقالت: دي حاجة تخصني أنا يا وليد… لو سمحت خليني أتصرف فيها بطريقتي… كل الناس بتتكلم إن في جريمة حصلت، ولو قدرت إني أقدم مساعدة عشان أظهر المجرم فدي أقل حاجة أقدر أقدمها لموسى.
سمعت البنت بهدوء، وتركيز القصة بإختصار من صديقي سامي… قدرت أفهم من طريقتها، وأسلوبها إنها عندها شخصية قوية جنب جمالها الرائع… هتفضل مديحة برعي في ذكرياتي واحدة من أكمل، وأروع الستات.
واضح إنها كانت تعرف شكلي لإن هي لفت ناحيتي في الآخر، وقالت: قدمهم للعدالة يا أستاذ عمر، وليك مني المساعدة أيا كانوا هما مين.
ظنيت في اللحظة دي إنها بتبص لأبوها، وأخوها بنظرة تحدي.
قلت: شكراً ليكي أنا مقدر مشاعرك… بس إنتي قلتي كلمة قدمهم… هل بتعتقدي إنهم أكتر من واحد؟
الآنسة مديحة: كنت أعرف أستاذ موسي بما فيه الكفاية عشان أعرف إنه شخص قوي، وشجاع… مستحيل إن شخص واحد كان يقدر يتغلب عليه، ويعتدي عليه بالشكل ده.
قلت: ممكن أتكلم معاكي على إنفراد؟
إتكلم الأب بغضب: أنا بحذرك يا مديحة إنك تدخلي نفسك في الموضوع ده.
بصتلي مديحة بيأس، وقالت: أعمل إيه؟
قلت: الكل هيعرف باللي هيحصل قريب… مفيش مشكلة لو إتكلمت هنا، وإن كنت أفضل إننا نتكلم على إنفراد بس لو كان والدك مش هيسمحلك بده فالأفضل إن يكون موجود في المناقشة.
بعد كده إتكلمت عن الرسالة اللي لقيناها في جيب موسى، وقلت: ممكن توضحيلنا اللي تقدري عليه؟
الآنسة مديحة: مفيش سبب إني أخبي… إحنا كنا مخطوبين، وهنتجوز… بس خلينا الموضوع سر بسبب عم موسى… هو راجل كبير في السن، وفي آخر أيامه، وكان ممكن يحرمه من الميراث لو إتجوز من غير رغبته… مكانش في سبب تاني.
قال أستاذ برعي بغضب: كان ممكن تبلغينا.
الآنسة مديحة: كنت هعمل كده يا بابا لو كنت أظهرت أي تعاطف، أو حب في أي وقت.
أستاذ برعي: أنا ما وافقش لبنتي إنها تتجوز من ناس أقل من مستوانا.
الآنسة مديحة: أسلوبك ده هو اللي منعنا إننا نبلغك… أما بالنسبة للميعاد…. بدأت تفتش في فستانها، وبعد كده خرجت رسالة مطبقة، وقالت: كان رد على الرسالة دي.
قرأت الرسالة بصوت عالي: حبيبتي مديحة… يوم التلات في المكان القديم عند الشط بعد غروب الشمس… هو ده الوقت الوحيد اللي قدرت اخد فيه أجازة… توقيع موسى.
الآنسة مديحة: التلات النهاردة… وكنت نويت إني أقابله الليلة.
قلبت الورقة على ضهرها، وقلت: الرسالة دي مجتش عن طريق البريد إزاي وصلتك؟
الآنسة مديحة: أفضل إني ما اجاوبش على السؤال… الأمر ملوش علاقة بالقضية اللي بتحقق فيها… هجاوبك على أي حاجة ليها علاقة بالقضية .
مكانش في حاجة تانية مفيدة في تحققنا… أما آنسة مديحة فكانت مصممة إن مكانش فيه أي عدو خفي لخطبها بس إعترفت إن كان ليها معجبين كتير.
سألت: هل كان أستاذ أيمن داوود واحد منهم؟
إحمر وش آنسة مديحة، وإرتبكت، وقالت: في وقت كنت بعتقد إنه كده… بس كل ده إتغير لما عرف بعلاقتي بموسى.
بدأت الشكوك تزيد جو عقلي لأيمن… لازم أحقق عنه أكتر… لازم أفتش مكان سكنه، وكان سامي مستعد للمساعدة وده لإنه شك فيه هو كمان.
رجعنا من زيارة عيلة أستاذ برعي، وكان عندنا أمل إننا مسكنا طرف أول خيوط التحقيق.
لتكملة القصة اضغط الزر بالاسفل






