قصص إثارة وغموض

تحقيقات المفتش عمر (قضية المستأجر الغامض)

كان يوم شتوي جميل بالتحديد في أواخر الشتا… وقت ما بيكون الجو فيه نسمة برودة، وفي نفس الوقت الشمس الجميلة بتبعت أشعتها الدافية على الشوارع.

 في اليوم ده كنت قاعد أنا، وصديقي عمر بنفطر، وبعد الفطار قعدنا إتكلمنا عن مجموعة كبيرة من المواضيع، وفي الوقت اللي كنا بنتكلم فيه إتحرك عمر ناحية الشباك، وولع البايب بتاعه، وبدأ يدخن… فجأة إلتفتلي عمر، وقال: واضح إن في قضية مستعجلة جاية في طريقها ناحيتنا يا صديقي أحمد.

قمت بصيت من الشباك لقيت ست بتتحرك بخطوات سريعة ناحية بيتنا… لحظات، وسمعنا صوت خطوات رجلها على السلم…. بعد شوية دخلت ست جسمها مليان، بشرتها بيضا، وكانت بتنهج بإنفعال، وبمجرد ما سلمت علينا الضيفة بدأت تتكلم بسرعة، وبإنفعال، وبجمل سريعة بتحكي قصتها اللي من وجهة نظرها غريبة، ومرعبة.

عمر للضيفة مدام ورد: أنا مش شايف إن في سبب معين يخليكي مش مستريحة، ومش فاهم ليه، وأنا وقتي غالي جداً إني أتدخل في الأمر… أنا عندي أمور كتير أوي شغلاني.

“رجع عمر يبص في الورق اللي قدامه، ويحاول يرتبه، وينظمه”.

صاحبة البيت مدام ورد كانت مصممة، ومتمسكة برأيها جداً، وقالت: إنت حليت قبل كده قضية لواحد مأجر عندي السنة اللي فاتت إسمه أستاذ فادي هلال.

عمر: أيوه فاكر القضية دي كانت سهلة.

مدام ورد: عمره ما بطل كلام عنك بيتكلم قد إيه إنت شخص كويس، وإنك لطيف، وإنك ساعدته، ومديتله إيدك وقت ما كان في وسط الضلمة… وأفتكرت كلامه عنك… أنا فعلاً محتارة يا أستاذ عمر الضلمة حواليا من كل مكان لو قدرت إنك تساعدني.

إتنهد عمر، وساب الورق اللي في إيده، ورجع بالكرسي لورا، وقال: طيب يا مدام ورد خلينا نسمع إيه اللي عندك… ممكن أدخن سيجارة… شكراً ليكي… لو سمحت يا أحمد ممكن الكبريت… إنتي حاسة إنك مش مستريحة تمام أنا فهمت ده… وده لإن الشخص الجديد اللي مأجر عندك شقة مش قادرة إنك تشوفيه… ليه يا مدام ورد؟ لو كنت أنا الشخص اللي مأجر عندك كنتي ممكن تقعدي فترة طويلة متشوفنيش.

مدام ورد: أكيد يا أستاذ عمر بس الأمر هنا مختلف الموضوع مخوفني جداً، ومش قادرة أنام من كتر الخوف… أنا بسمع خطواته اللي بتجري هنا، وهناك من الصبح بدري جداً لغاية وقت متأخر بالليل، ورغم كده عمري ما شفته أبدا… أنا مش قادرة أستحمل… كمان جوزي متضايق جداً بس هو بيكون في شغله طول النهار… أنا مش مستريحة أبدا… ليه مستخبي، ومش راضي حد يشوفه؟ بيعمل إيه؟ أنا ببقى معاه لوحدي في البيت ده غير الخدامة، والأمر ده متعب لأعصابي جداً.

 كنت حكيتلكم قبل كده على عمر اللطيف مع الجنس الناعم، وأسلوبه اللي شبه التنويم المغناطيسي… إتكلم عمر بهدوء مع الست لدرجة إن إختفت حالة الفزع، والرعب اللي كانت في عينيها، وبدأت ملامحها ترجع لطبيعتها.

عمر: لو كنت همسك القضية دي فلازم أعرف تفاصيل أكتر من كده… خدي وقتك، وفكري… أصغر معلومة ممكن تكون مهمة جداً… إنتي بتقولي إن الشخص ده جه من 10 أيام، ودفع إيجار الأوضة، والأكل لمدة أسبوعين مش كده؟

مدام ورد: هو سألني عن سعر الشقة، وأنا قلتله 50 جنية في الأسبوع هي فيها أوضة صغيرة نوم، وأوضة جلوس، وفيها كل الخدمات، وهي في الدور اللي فوق من البيت.

عمر: كملي لو سمحت.

مدام ورد: هو قالي هدفعلك 100 جنية في الأسبوع لو وافقتي على اللي أنا هقوله، وأنا ست فقيرة يا أستاذ عمر، وجوزي ما معهوش فلوس كتير عشان كده الفلوس مهمة بالنسبالنا… خرج ورقة ب 100 جنية، وقالي هتاخدي نفس المبلغ كل أسبوع لو وافقتي على اللي أنا هقوله، ولو منفذتيش كلامي أنا همشي.

عمر: كان إيه اللي هو عايزه؟

مدام ورد: كان طالب إن يبقى معاه مفتاح البيت، ودي مش مشكلة لإن هو ده اللي بيحصل في العادة إن اللي بيأجر بياخد المفتاح… كمان كان عايزنا نسيبه في حالة تماماً، ومفيش أي حد يزعجه تحت أي ظرف.

عمر: أنا مش شايف الموضوع غريب مش كده؟

مدام ورد: اللي بيحصل مش طبيعي يا أستاذ عمر مش طبيعي أبدا… هو قعد 10 أيام، ولا أنا، ولا جوزي، ولا الخدامة شفناه ولا مرة واحدة بنسمع خطواته بتمشي بسرعة، وهو بيتحرك رايح جاي بالليل، والصبح، والضهر، إلا الليلة الأولى بعد ما جه على طول، وعمره ما خرج من البيت.

عمر: اه يعني خرج من البيت أول ليلة؟

مدام ورد: أيوه يا أستاذ عمر خرج، ورجع في وقت متأخر جداً بعد ما كلنا نمنا، وهو كان قايلي إنه هيعمل كده، وقالي ما اقفلش الباب… كنت أنا سمعته، وهو طالع على السلم بعد نص الليل.

عمر: وبالنسبة للأكل؟

مدام ورد: كان طلبه إننا نجيب الأكل لما يرن الجرس، ونسيبه قدام باب الأوضة، وقالي إنه هيضرب الجرس مرة تانية لما يخلص أكل، وقالي إنه لو عايز أي حاجة تانية هيكتب بحروف كبيرة على ورقة، ويسيبها علي الصنية.

عمر: بحروف كبيرة؟!

 مدام ورد: أيوه يا أستاذ عمر يكتب زي كده بقلم رصاص… أنا جبتلك الورق دي عشان تشوفه… صابونة، وورقة تانية مكتوب عليها كبريت، والورقة دي اللي سابها النهاردة الصبح جرنان الجزيرة، وعشان كده أنا بسيب الجورنان مع الفطار كل يوم.

عمر، وهو بيبص باهتمام للورقة اللي إديتهاله صاحبة البيت: اه يا أحمد الموضوع فعلاً مش طبيعي نوعاً ما… أقدر أفهم إنه شخص بيحب الإنعزال بس ليه يكتب الكلام بحروف كبيرة؟ الكتابة بالطريقة دي شئ غريب… ليه ما يكتبش بالطريقة العادية؟ ده معناه إيه يا أحمد؟

 قلت: ده معناه إن هو عايز يخبي خطه.

 عمر: بس ليه؟ ليه شيء مهم عنده إن صاحبة البيت اللي بيسكن فيه ما يبقاش معاها كلمة واحدة مكتوبة بخط إيده؟ يمكن يكون الموضوع زي ما بتقول بس برضو ليه بيبعت رسايل مختصرة كده؟

قلت: مش قادر أحدد أي سبب.

عمر: الموضوع ده هيفتح المجال للخيال الواسع، وللتخمين… القلم اللي مكتوب بيه هنا هو قلم رصاص لونه بنفسجي… خطة عريض… تقدر تاخد بالك إن الورقة مقطوعة من الجنب بعد ما إتكتبت الكلمة، وده لإنك تقدر تشوف كلمة صابون فيها جزء ممسوح بسيط… هل ده ليه تفسير يا أحمد؟

قلت: تفسيره إنه شخص حذر جداً.

عمر: بالضبط يا أحمد بس لازم يكون في بصمة، أو علامة أي حاجة تبين مين الشخص ده… دلوقتي يا مدام ورد إنتي بتقولي إن الشخص ده طوله متوسط، وبشرته غامقة، وعنده دقن… تفتكري عنده كام سنة؟

مدام ورد: هو صغير في السن لسه ما كملش الـ 30.

عمر: تقدري تقولي أي علامة تانية فيه؟

مدام ورد: كان بيتكلم عربي كويس جداً، ومع كده أعتقد إنه شخص أجنبي بسبب لهجته.

عمر: هل كان شكله كويس؟

مدام ورد: كان شكله كويس جداً… باين عليه إنه شخص محترم… لبسه كان لونه غامق، مفيش فيه أي شيء ملفت.

عمر: هل قال إسمه؟

مدام ورد: لاء يا أستاذ.

عمر: هل جاتله أي رسايل، أو في حد جه زاره؟

مدام ورد: أبدا.

عمر: بس أكيد إنت بتدخلي إنتي، أو الخدامة شقته عشان تنضفوها الصبح مش كده؟

مدام ورد: لأ يا أستاذ عمر هو اللي بيعمل حاجته بنفسه.

عمر: يا الله… ده شيء غريب فعلاً… طب بالنسبة للشنط اللي كانت معاه؟

مدام ورد: كان معاه شنطة كبيرة لونها بني، وما معهوش أي حاجة تانية.

عمر: طيب… واضح إن معندناش حاجات كتير تساعدنا إنتي بتقولي إن هو ما خرجش من شقته أبدا مش كده؟

حركت مدام ورد راسها بمعنى أيوه، وخرجت من شنطتها ظرف، وخرجت من الظرف عود كبريت محروق، وعقب سيجارة، وحطتهم على الترابيزة.

مدام ورد: الحاجات دي كانت موجودة في صينية الفطار النهاردة الصبح، وأنا جبتها عشان عرفت إنك بتقدر تجمع معلومات كتيرة من أصغر الحاجات.

حرك عمر كتفه بلا مبالاة، وقال: أنا مش شايف حاجة هنا… عود كبريت إستخدمه عشان يولع السيجارة ده واضح من عود الكبريت المحروق… نص علبة الكبريت بتستخدم عشان تولع البايب، أو السجاير… بس ثواني إيه ده… يا الله… عقب السيجارة ده غريب فعلاً إنتي بتقولي إن الشخص ده عنده شنب، ودقن مش كده؟

مدام ورد: أيوه يا أستاذ.

عمر: أنا مش فاهم… أعتقد إن مفيش حد يدخن ده إلا شخص ما عندوش شنب، ولا دقن حتى إنت يا أحمد لازم شنبك الخفيف هتمسكه النار.

 قلت: يمكن إستخدم ماسك للسيجار.

عمر: لأ عقب السيجارة متاكل… ما اعتقدش إن في شخصين في الشقة دي يا مدام ورد مش كده؟

مدام ورد: لأ يا أستاذ هو بياكل كمية صغيرة أوي من الأكل لدرجة إني ببقى مش عارفة إزاي بيقدر بالكمية دي يفضل عايش.

عمر: أظن من الأفضل علينا إننا نستنى يكون معانا معلومات أكتر من كده… لغاية دلوقتي مفيش حاجة نشك فيها… إنتي خدتي فلوس الإيجار بتاعك كمان هو شخص مش بيعمل مشاكل إلا إنه بالتأكيد شخص غريب في تصرفاته… كمان هو دفعلك مبلغ أكبر من اللي طلبتيه، وده لإنه بس حب إنه يبعد عن الناس، ودي حاجة ما تضايقكيش…

إحنا معندناش أي سبب يخلينا نقتحم عزلته، وهنفضل كده لحد ما نلاقي سبب قوي للعزلة دي… أنا همسك القضية، ومش هسيبها… لازم تبلغيني لو في أي حاجة جديدة، ولو إحتجتي أي حاجة أطلبي مساعدتي.

بعد ما مشيت صاحبة البيت قال عمر: في كام نقطة يا أحمد مثيرة في القضية دي يمكن تبان إنها تافهة، ويمكن تكون عميقة جداً أكتر مما يبان عليها… أول حاجة لفتت إنتباهي إن الشخص اللي موجود في الشقة دلوقتي مختلف عن الشخص اللي أجر الشقة من مدام ورد.

قلت: ليه بتقول كده؟

عمر: بعيد عن عقب السيجارة مش حاجة غريبة إن الوقت الوحيد اللي خرج فيه الشخص ده كان بعد ما أجر الأوضة على طول؟ وبعد كده رجع… إحنا معندناش شهود تثبت إن الشخص اللي رجع هو نفس الشخص اللي خرج…

كمان الشخص اللي أجر الأوضة كان بيتكلم لغة عربية كويسة جداً، أما الشخص التاني فكتب كلمة عود كبريت بدل كلمة أعواد كبريت… يمكن يكون بيستخدم الأسلوب المختصر عشان يخبي ضعفه باللغة العربيّة… أيوه يا أحمد في كتير من الأسباب اللي مخلياني أشك إن في شخصين مش شخص واحد.

قلت: بس ليه؟

عمر: أيوه يا أحمد هنا المشكلة، وبالرغم من ده في خط واضح.

قام عمر، وإتحرك لرف الكتب، وطلع دفتر كبير، والدفتر ده بيجمع فيه مجموعة من الورق المقصوص من الجرايد المختلفة

عمر، وهو بيقلب: يا الله… كتير من الكلام، والأخبار المختلفة… بس بالتأكيد هي مادة كويسة لكل شخص بيدور علي الحاجات الغريبة، والحاجات اللي مش طبيعية… الشخص ده وحيد، وما ينفعش حد يتواصل معايا من غير ما يخترق العزلة، والسرية اللي هو عايزها فإزاي توصله أخبار، أو رسايل من بره… واضح إن ده بيحصل عن طريق الإعلانات الموجودة في الجرايد.

من حسن حظنا إننا مش هندور إلا في جرنان واحد، وهو جرنان الجزيرة في الأسبوعين اللي فاتوا…

ست لابسه إيشارب طويل في نادي كذا للتزلج… شيء مش مهم…

بالتأكيد جمال مش هيكسر قلب أمه… أكيد مالوش دعوة بموضوعنا…

لو كانت الست اللي أغمى عليها في عربية كذا… برضو الموضوع مش مهم لينا…

كل يوم قلبي بيشتاق ليه…. كلام… كلام يا أحمد كلام كتير…

اه ممكن ده يكون مفيد أسمع: أصبر هنلاقي وسيلة نتواصل بيها، وفي الوقت ده تابع العمود توقيع ب… إتنشر الإعلان ده بعد يومين من الشخص المجهول اللي أجر الشقة من مدام ورد… واضح إن الأمر معقول مش كده؟

الشخص المجهول الغامض يقدر يفهم الكلام المكتوب باللغة العربية حتى ولو كان مش قادر يكتب بيها كويس… خلينا نشوف لو نقدر نتتبع الأثر ده مرة تانية… اه لقيته… بعد تلات أيام إعلان تاني بيقول: تم عمل ترتيبات ناجحة… أصبر، وخليك حذر الغيوم هتختفي توقيع ب…

عمر: مفيش إعلان تاني طول الأسبوع، وبعدين رسالة تانية بتقول بس المرة دي الرسالة واضحة أوي: كل شيء أمان لو لقيت فرصة هبعتلك إشارات… إفتكر الشفرة اللي متفقين عليها واحد أ… إتنين ب، وهكذا…. هتسمع مني أخبار قريب توقيع ب… ده إتنشر إمبارح، ومفيش إعلان تاني النهاردة…

أعتقد إن كل ده ليه علاقة بالشخص المجهول اللي مأجر عند مدام ورد، وأظن يا أحمد إننا لو إستنينا فترة قليلة فالموضوع هيكون واضح جداً.

ده اللي حصل فعلاً… تاني يوم الصبح لقيت صديقي عمر واقف على السجادة قدام الدفاية، وضهره للنار، وكانت على وشه إبتسامة كبيرة.

 قال عمر، وهو بيمد إيده بالجرنان… إيه رأيك في ده يا أحمد؟

 كان الإعلان اللي في الجرنان بيقول: بيت أحمر عالي… من الحجارة البيضا… الدور التالت… الشباك التاني ناحية الشمال بعد المغرب توقيع ب.

عمر: أظن إننا بعد الفطار لازم نروح، ونستكشف المنطقة اللي بتعيش فيها مدام ورد… اه… مدام ورد…أهلا وسهلاً… إيه الأخبار اللي عندك لينا النهاردة؟

دخلت مدام ورد فجاة للأوضة بإنفعال، وطاقة بتدل إن في حاجات جديدة حصلت، وهي حاجات مهمة جداً.

مدام ورد: لازم الشرطة تمسك الموضوع ده يا أستاذ عمر… أنا مش قادرة أتحمل أكتر من كده… لازم يلم حاجته، ويمشي من المكان….كنت هطلع، وهقوله الكلام ده في وشه بس شفت إن من الأفضل إني أرجعلك الأول… بس أنا خلاص ما عدتش مستحملة، ولما يوصل الموضوع إن جوزي يتضرب….

عمر: جوزك إتضرب؟!

مدام ورد: أو حد يتعامل معاه بشكل عنيف بأي شكل.

عمر: بس مين اللي تعامل معاه بشكل عنيف؟

مدام ورد: هو ده اللي إحنا عايزين نعرفه! ده حصل النهاردة يا أستاذ… جوزي هو المسؤول عن دفتر الحضور، والإنصراف في شركة م. و، وعشان كده المفروض إنه بيخرج من البيت قبل الساعة 7:00، والنهاردة الصبح لسه ما كملش 10 خطوات، ولقي راجلين رموا جاكت على راسه، ودخلوه بالقوة في عربية كانت واقفة جنب الرصيف… مشيت العربية لمدة ساعة، وبعد كده فتحوا الباب، ورموه برة.

فضل جوزي مرمي على الطريق خايف، ومرعوب، ومقدرش يشوف راحت فين العربية، ولما قدر يمسك نفسه، ويبص حواليه لقى نفسه في جنينة كذا … بعد شوية قدر إنه يقوم، ويركب الأتوبيس للبيت، وهو دلوقتي نايم على الكنبة في البيت، وأنا جيتلك على طول عشان أقولك على اللي حصل.

عمر: قد إيه هو أمر مثير للاهتمام… هل شاف شكل الرجلين؟ هل سمعهم وهما بيتكلموا؟

مدام ورد: لأ هو كان مخضوض جداً، وكل اللي حس بيه إن حد شاله، ورفعه، ورموه في العربية… كإن الموضوع سحر يمكن يكونوا شخصين على الأقل، ويمكن تلاتة.

عمر: وإنتي شايفة إن الموضوع ليه علاقة بالشخص اللي مأجر عندك؟

مدام ورد: إحنا عشنا في المكان ده 15 سنة محصلش قبل كده حاجة بالشكل ده… أنا زهقت من الشخص ده… الفلوس مش كل حاجة… أنا هخليه يسيب بيتي قبل النهاردة ما يخلص.

عمر: إستني شوية يا مدام ورد أرجوك متتسرعيش… أنا بدأت أعتقد إن الموضوع ممكن يكون مهم أكتر مما باين عليه…

واضح إن في خطر بيهدد الشخص اللي مأجر عندك، وواضح إن الأشخاص الخطيرين دول كانوا مستنيينه جنب باب البيت، وإنهم إعتقدوا إن جوزك هو الشخص ده، ولما إكتشفوا إنهم غلطانين سابوا جوزك… بس لو كانوا مش غلطانين كانوا هيعملوا إيه هو ده اللي نقدر نخمنه.

مدام ورد: وإيه اللي المفروض إني أعمله يا أستاذ عمر؟

عمر: أنا عايز أشوف الشخص ده يا مدام ورد.

مدام ورد: أنا مش عارفة ممكن أعمل ده إزاي… يمكن لو فتحت عليه الباب فجأة… أنا دايماً بسمعه بيفتح الباب، وأنا نازلة على السلم بعد ما بسيب صينية الأكل.

عمر: لازم يفتح الباب علشان ياخد الصينية… إحنا هنستخبى، ونشوفه، وهو بيعمل كده.

سكتت صاحبة البيت شوية، وبعد كده قالت: طيب يا أستاذ عمر في أوضة للخزين قدام أوضته أنا ممكن أحط مرايا هناك، ولو وقفت إنت ورا الباب…

عمر: كويس جداً إمتى بتقدموا الغدا؟

مدام ورد: الساعة 1:00 تقريباً.

عمر: تمام هنيجي أنا، ودكتور أحمد في الوقت ده تقريباً… أما دلوقتي فأعتقد إن المفروض إنك تمشي يا مدام ورد عشان تجهزي الحاجة .

وصلنا الساعة 12:30 قدام بيت مدام ورد، وكان الشارع عبارة عن صف من  العمارات الطويلة من الحجارة الصفرا، وكان الشارع ده شارع رئيسي، وضيق شوية من ناحية الشمال ناحية المتحف، وكان البيت على ناصية الشارع كمان هو بيطل على شارع تاني جانبي فيه بيوت فخمة.

شاور عمر، وهو بيضحك على واحد من البيوت، وقال: بصي يا أحمد بيت أحمر عالي من الحجارة البيضا هو ده المكان اللي كان مقصود في الرسالة… إحنا دلوقتي نعرف المكان، وعارفين حل الشفرة مهمتنا بسيطة… فيه هنا يافطة مكتوب عليها للإيجار واضح إن الشقة دي فاضية يقدر الشريك إنه يدخل، ويستخدمها بسهولة.

دخلنا بيت مدام ورد اللي كانت مستنيانا.

عمر: تمام يا مدام ورد… ها عملتي إيه؟

مدام ورد: أنا حضرت كل حاجة إتفضلوا إطلعوا معايا… لو سمحت إقلعوا الجزم على المشايه اللي عند السلم… هوصلكم للأوضة دلوقتي.

 كان المكان اللي حضرته مدام ورد عشان نستخبى فيه ممتاز… كمان هي حطت مرايا بحيث إننا نقدر، وإحنا قاعدين في الضلمة نشوف الباب اللي قدامنا بكل وضوح… قعدنا في المكان، وسابتنا مدام ورد.

 بعد شوية سمعنا صوت الجرس اللي ضربوه المستأجر المجهول… شوية، وظهرت مدام ورد، ومعاها صينية الأكل، وحطيتها على كرسي جنب باب الأوضة، وسابتها، ومشيت بخطوات ثابتة.

قعدنا ساكتين عند زاوية الباب، وركزنا عينينا على المرايا، وفجأة، وبعد ما اختفى صوت خطوات مدام ورد سمعنا صوت المفتاح في باب الأوضة اللي قدامنا، وخرجت إيدين رفيعة من الباب، ورفعت الصينية من على الكرسي… بعد كده رجعت الصينية لمكانها بسرعة.

قدرت أشوف وش لونه غامق جميل… باين عليه ملامح رعب، وخوف، وهو بيبص لفتحة الباب الضيقة لأوضة المخزن، وبعد كده إتقفل الباب بسرعة، وبقوة، وسمعنا صوت المفتاح مرة تانية، وبعد كده سكوت تام… شدني عمر من كومي، ونزلنا بالراحة.

قال عمر لصاحبة البيت اللي كانت مستنيانا بلهفة: هاجيلكم مرة تانية بالليل، وبعد كده قالي عمر: أعتقد يا أحمد من الأفضل إننا نتكلم في بيتنا.

لما رجعنا للبيت قالي عمر، وهو قاعد علي كرسيه المريح: إتأكدت إن تخميني صح… زي ما إنت شفت بنفسك مش هو ده نفس الشخص اللي أجر من مدام ورد… اللي مكنتش متوقعة يا أحمد إننا نلاقي ست، وهي مش ست عادية يا أحمد.

قلت: هي شافتنا.

عمر: هي شافت حاجة خوفتها… فعلاً الأمور بقت واضحة دلوقتي مش كده؟ جه الإتنين المتجوزين للمدينة عشان يستخبوا من خطر قوي، والخطر ده هو السبب في الحظر اللي هما فيه… الراجل كان لازم يعمل حاجة معينة، وساب الست في أمان في الوقت اللي هو بيعمل فيه الأمر ده.

كان الموضوع مش سهل بس هو لقي حل ذكي، وفعال لدرجة إن صاحبة البيت نفسها مش عارفة هي بتقدم الأكل لمين، وكان المفروض  إن الرسايل اللي بتكتب بحروف كبيرة ما تظهرش خط إيديها عشان ما يبانش إنها ست…

في نفس الوقت ميقدرش الراجل إنه يقرب من الست، وإلا هيبقى بيعرض حياتها للخطر، وعشان هو مش قادر يتواصل معاها إتجه لجرنان الجزيرة، وخاصة العمود الشخصي… كده كل شيء واضح.

قلت: بس إيه السبب لكل ده؟

عمر: أيوه يا أحمد إنت شخص عملي كالعادة… إيه ورا كل ده؟! واضح إن قضية مدام ورد هي قضية غريبة، وليها جوانب مشؤومة… هو ده كل اللي أقدر أقوله في الموضوع ده.

دي مش قصة حب عادية… أنا شفت وش الست لما حست إن في خطر… كمان موضوع الهجوم اللي تعرضله صاحب البيت اللي أكيد كانوا يقصدوا الشخص اللي مأجر الشقة… كل ده بيدل على الخطر… كل الحاجات دي بتدل إن الموضوع لازم يبقى سر، وإن الأمر بيتعلق بمسألة حياة، أو موت.

كمان اللي حصل لجوز مدام ورد بيوضح إن الأشخاص الخطيرة هي نفسها متعرفش إن الشخص اللي أجر الشقة جه مكانه واحدة ست… الأمر غريب جداً يا أحمد، ومعقد جداً جداً.

سالت: ليه عايز تستمر في القضية دي أكتر من كده؟ إيه اللي هتكسبه من ده؟

عمر: إيه اللي هكسبه؟!  الفن يا عزيزي أحمد… أظن إنك نفسك عملت كده لما إشتغلت في الطب، ولقيت نفسك بتعالج حالات صعبة من غير ما تفكر في الفلوس مش كده؟

قلت: عملت كده عشان أتعلم أكتر يا عمر.

عمر: التعليم ما بيقفش أبدا يا أحمد طول ما إنت عايش هتفضل تتعلم، ويمكن تلاقي المكسب الكبير في النهاية… القضية دي للتعليم فهي مفهاش فلوس، ولا شهرة هتجي من وراها، ورغم كده أنا عايز أحلها… لما يجي وقت المغرب هنلاقي نفسينا إتقدمنا خطوة ناحية حل القضية.

 

لتكملة القصة اضغط الزر بالاسفل



هل كان المحتوى مفيداً؟

نعم
لا
شكرا لك

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى