تحقيقات المفتش عمر قضية (لغز بيت الفيوم)

الحقيقة لما ببص للدفاتر التلاتة الكبيرة اللي فيها أعمالنا سنة 1894 بلاقي صعوبة شديدة في إني أختار قضية تكون مليانة بالإثارة، وفي نفس الوقت بتدل على موهبة صديقي الإستثنائية.
وأنا بقرأ مذكراتي لقيت مجموعة كبيرة من القضايا بس أكتر واحدة شفت إن هي مليانة بعناصر الإثارة هي قضية الفيوم… كانت بتضم إنتهاء حياة ولد شاب إسمه طارق محمد، ومجموعة كبيرة من الأحداث اللي حصلت بعد كده، وكانت مثيرة للإهتمام خاصة بدوافع الجريمة.
في يوم من أيام أخر شهر نوفمبر كان في عاصفة شديدة… كنت أنا، وصديقي عمر قاعدين ساكتين… إنشغل صديقي بحل شفرة آخر جزء باقي من نقوش أصلية، وكان بيستخدم العدسة المكبرة… أما أنا فإنشغلت بقراءة مقال طبي عن الجراحة.
برة البيت كانت الرياح شديدة جداً في شارع بغداد ، والأمطار قوية… شيء عجيب لما الواحد يحس بقوة الطبيعة في أعماق المدينة المتطورة حولينا، وإن كل التقدمات متقدرش تقف قدام قوة الطبيعة.
إتحركت، ورحت عند الشباك لقيت الشارع فاضي… كانت الأرض مليانة بالوحل، والرصيف بيلمع، وفي عربية واحدة هي اللي بتشق طريقها وسط المية.
عمر، وهو بيلف الورقة الأصلية: تمام يا أحمد… أعتقد إن من حسن حظنا إننا مش محتاجين نخرج النهاردة… كفاية تعب القاعدة دي لوحدها… قد إيه العمل ده شاق، ومتعب للعينين، واللي وصلتله في الآخر إنها مجموعة من الحسابات لمعبد، وبترجع للنص التاني من القرن ال 15… ثواني… ثواني… إيه ده؟
وسط صوت الرياح سمعنا صوت حوافر حصان، وصوت عجلة بتخبط في الرصيف، ووقفت العربية اللي شفتها قدام باب بيتنا.
شفت شخص بيخرج منها، وقلت: يا ترى إيه اللي الشخص ده عايزه؟
عمر: أكيد عايزنا… وإحنا يا صديقي العزيز هنحتاج الجواكت، والكوفيات، وجزم المطر، وكل حاجة إخترعها الإنسان عشان تحمينا من الطقس الصعب ده.
إستنى شوية… اه مشيت العربية مرة تانية… لسه في أمل يا صديقي لو كان عايزنا نروح معاه كان نزل، وساب العربية… بسرعة يا صديقي إفتح الباب فكل الخدم ناموا من وقت طويل.
مكانش شيء صعب إني أتعرف على الضيف اللي جاي في نص الليل… ضيفنا كان المفتش إسماعيل المحقق اللي عمر بتنبئ ليه بمستقبل مبهر، وكان عمر مهتم بأعماله أكتر من مرة.
إسماعيل بإنفعال: هل أستاذ عمر جوه؟
جي صوت عمر من الدور اللي فوق: أطلع يا عزيزي إسماعيل… أتمنى إن ميكونش عندك خطط لينا في ليلة زي دي.
طلع المفتش السلم، وهو لابس الجاكيت المضاد للمطر… ساعدته إنه يخلع الجاكيت بتاعه… أما عمر فولع الدفاية.
عمر: قرب يا إسماعيل عشان تتدفى رجليك، وخذ السيجارة دي، ودكتور أحمد هيحضرلك مية سخنة بالليمون… أعتقد إنه مشروب مناسب في ليله زي دي… أكيد في حاجة مهمة هي اللي خلتك تيجي في عاصفة شديدة زي اللي برة.
إسماعيل: أيوه يا أستاذ عمر… كنت مشغول طول الفترة اللي بعد الضهر… كان في أحداث كتير… هل قرأت حاجة عن قضية الفيوم في الجرايد المسائية الطبعة الأخيرة؟
عمر: لاء أنا كنت مشغول بردية من القرن ال 15.
إسماعيل: طيب كان الموضوع عبارة عن عمود بسيط، وكمان كان فيه غلط كبير… وعشان كده إنت ما فتكش حاجة… الحادثة حصلت في مدينة أطسا، وهي بعيدة حوالي سبع أميال عن المركز، وتلات أميال عن خط السكة الحديد.
وصلتني رسالة بالحادثة الساعة 3:15 فكنت موجود في الفيوم الساعة 5:00، وبدأت فحصي، وتحرياتي، وبعد كده رجعت للمحطة، وركبت آخر قطر، ومن عند المحطة ركبت عربية جابتني لغاية هنا.
عمر: ده معناه إن القضية فيها حاجات محيرة.
إسماعيل: ده معناه إني مش قادر أقف على أي أحداث في القضية الصعبة دي، وده اللي أنا شايفه لغاية دلوقتي… مفيش أي دوافع يا أستاذ عمر، وهي دي الحاجة الصعبة… مش قادر أحط إيدي على الدوافع… في شخص إنتهت حياته إلا إني مش شايف إن في أي حد على وجه الأرض يكون عنده سبب إنه يأذيه.
رجع عمر ظهره على الكرسي، وولع سيجارة، وبعد كده قال: أحكيلنا عن القضية.
إسماعيل: أنا عندي كل التفاصيل واضحة كل اللي أنا محتاج إني أعرف هي معناها إيه.
هحكيلك الحكاية اللي قدرت أستنتجها لغاية دلوقتي… من سنوات إمتلك شخص عجوز إسمه دكتور كرم بيت في ريف الفيوم …وكان الراجل العجوز أغلب الوقت في سريره… أما الوقت التاني فكان بيتحرك في البيت بصعوبة ساند على عصاية، أو بيزقه الجنايني على كرسي متحرك.
الدكتور العجوز كان في عدد من الجيران بيزوروه بمودة، وحب، وكان معروف عنه إنه شخص مثقف.
كان كل اللي عايشين في البيت هما مسؤولة البيت، وهي ست عجوزة إسمها مدام سيدة، وخادمة إسمها سناء إشتغلوا الإتنين عنده في البيت من ساعة ما جه للريف… وواضح إن الإتنين كويسين.
من سنة تقريباً بدأ الدكتور إنه يألف كتاب، ووقتها حس إنه محتاج مساعدة سكرتير… في المرة الأولى، والتانية مقدرش إن يكون إختياره كويس.
أما المرة التالتة كان أستاذ طارق محمد… وهو شاب لسه متخرج جديد، وواضح إن كان عنده الصفات اللي محتاجها الدكتور… كان كل اللي مطلوب منه إنه يكتب اللي بيمليه عليه الدكتور طول النهار، وبالليل يدور في المراجع، والكتب على عناصر مرتبطة بالجزء اللي هيكتبه تاني يوم.
مكانش في حاجة سيئة في الشخص اللي إسمه طارق محمد سواء، وهو صغير، أو وهو في الجامعة… شهاداته كلها بتدل إنه شخص محترم… مكافح… هادي… مفيش أي شيء سيء خالص… وللأسف هو ده الشاب اللي إنتهت حياته النهاردة الصبح في مكتب الدكتور في أحداث ما بتدلش إلا على جريمة.
شدت الرياح أكتر بره الشبابيك، وقربت أنا، وعمر من الدفاية، وكنا مركزين جداً في قصة المفتش إسماعيل.
إسماعيل: لو دورت في المنطقة كلها مش هتلاقي بيت زي بيت الدكتور في النظام، والتحفظ… كان ممكن يعدي أسابيع من غير ما واحد منهم يعدي بوابة الجنينة… فكان الدكتور دايماً مشغول بكتبه، أو بيشغل نفسه بحاجات تانية… مكانش الشاب طارق يعرف حد في المنطقة، وعاش بنفس طريقة مديره.
أما البستاني كان إسمه علي، وكان هو اللي بيزق كرسي الدكتور، وهو راجل عجوز، وكان قبل كده جندي في الجيش، وهو ما بيعيش في نفس البيت، وهو بيعيش في مبنى صغير في الجنينة متكون من تلات أوض… مفيش غير هما دول الأفراد اللي بيدخلوا البيت.
كانت بوابة الجنينة بعيدة ب 100 خطوة عن الشارع الرئيسي اللي بيوصل من المدينة للمركز، وكانت البوابة بتتفتح بسهولة، ومكانش في أي مشكلة إن أي حد يدخل.
هقولك دلوقتي اللي قالته الخادمة سناء، وهي الوحيدة اللي كلامها أكيد في الموضوع.
الوقت ما بين الساعة 11:00، والساعة 12:00 كانت هي بتركب الستاير في أوضة النوم اللي في الدور الأول… أما الدكتور كان في سريره، وكان قليل أوي لو الدكتور صحي قبل الضهر… كانت مسؤولة البيت بتعمل شغل في الجزء اللي وراء البيت… أما الشاب طارق محمد كان في أوضته اللي كان بيستخدمها كأوضة جلوس.
سمعت الخادمة الشاب طارق محمد، وهو بيعدي الممر، وبينزل لأوضة المكتب اللي موجود في الدور الأرضي هي ما شافتوش.. بس هي متأكدة من إنها سمعت خطواته السريعة، ومسمعتش صوت المكتب، وهو بيتقفل.
بعد دقيقة واحدة سمعت صوت صرخة قوية في أوضة المكتب اللي تحت… كان صوت الصرخة مرعب، ومش طبيعي لدرجة إنها مقدرتش تفرق إذا كانت الصرخة دي من راجل، أو من ست، وفي نفس اللحظة وقع شيء تقيل على الأرض، وبعد كده سكوت تام.
فضلت الخادمة مفزوعة، ومش قادرة تملك أعصابها، وبعد كده حاولت إنها تتماسك، وجريت للدور الأرضي… كان باب الأوضة مقفول ففتحته، ولما دخلت لقت أستاذ طارق محمد مرمي على الأرض.
الأول ما شافتش إن فيه أي إصابة إنما لما حاولت تحركه من على الأرض شافت الدم بيجري من رقبته… كانت رقبته فيها جرح صغير لكن كان عميق جداً، وإتصاب الشريان.
لقت الخادمة السكينة اللي إستخدمت في الجريمة، وكانت مرميه على السجادة، وكانت سكينة مكتب صغيرة اللي دايماً بتكون موجودة على ترابيزة الكتابة… كانت إيد السكينة مصنوعة من العاج، وكان النصل قاسي… وكانت تعتبر السكينة دي من الأدوات اللي موجودة دايماً من ضمن أدوات مكتب الدكتور.
إعتقدت الخادمة إن الشاب طارق إنتهت حياته بالفعل بس لما رميت شوية ميه فوق جبينه فتح عينه للحظة، وقال: الدكتور… كانت هي.
الخادمة بتقسم إن هي دي الكلمات اللي نطق بيها، وكان بيحاول يقول حاجة تانية بصعوبة، ورفع إيده اليمين في الهوا، وبعد كده إنتهت حياته.
الوقت ده جت مسؤولة البيت للمكان اللي حصلت فيه الحادثة بس للأسف كان الأوان فات، ومسمعتش الكلام اللي قاله طارق، وهو بيموت… جريت بسرعة الخادمة سناء لأوضة الدكتور اللي لقيته قاعد على السرير في حالة قلق، وده لإن اللي سمعه حسسه إن فيه مشكلة.
بتقسم مدام سيدة إن الدكتور كان لسه لابس بيجامة النوم… وفي الحقيقة كان مستحيل إنه يلبس لبسه من غير مساعده الجنايني علي اللي كانت عادته إنه بيروحله الساعة 12:00.
قال الدكتور إنه سمع صوت صرخة قوية جايه من بعيد، وهو ده كل اللي يعرفه، ومعندوش أي فكرة عن الكلام اللي قاله الشاب قبل ما تنتهي حياته… بس هو بيظن إنه ممكن يكون كان بيخطرف.
هو شايف إن الشاب طارق معندوش أي أعداء، ومفيش أي دافع للجريمة… وأول حاجة عملها الدكتور إنه بعت الجنايني يبلغ الشرطة… وبعد شوية طلبني مدير الشرطة هناك.
مكانش فيه أي حاجة إتحركت من مكانها لغاية ما وصلت لهناك… وكان في أوامر إن محدش يمشي في أي طريقة، أو ممر بيودي للبيت… كانت وسيلة كويسة إني أستخدم نظرياتك يا أستاذ عمر، في الواقع مكانش في حاجة ناقصاني.
عمر بإبتسامة: ما عدا المفتش عمر نفسه… خلينا نتكلم عن وجهة نظرك، وإيه اللي إنت إستنتجته؟
إسماعيل: الأول لازم تشوف يا أستاذ عمر الخريطة اللي ممكن تديك التفاصيل العامة عن مكان أوضة مكتب الدكتور اللي ممكن تساعد في التحقيق.
فرد إسماعيل ورقة مرسوم عليها خريطة، وحطها فوق رجل عمر… وقفت ورا عمر، وبدأت أبص على الخريطة.
إسماعيل: هي مش دقيقة أوي، وإنما بشكل تقريبي، وأنا كتبت فيها الحاجات الضرورية بس… أما الباقي فممكن تشوفه بنفسك بعدين.
خلينا نظن إن المجرم جوه البيت… فإزاي دخل، أو خرج؟ أكيد عن طريق ممر الجنينة، والباب اللي ورا… الإتنين اللي بيودوا بشكل مباشر على أوضة المكتب… أي طريق تاني هيكون صعب… وأكيد بالنسبة لطريقة الهروب فهي كانت من نفس الطريق اللي جه منه… وده لإن الطريقين التانيين واحد منهم كان فيه سناء لما جريت من السلم، والتاني بيودي لأوضة نوم الدكتور على طول.
عشان كده ركزت إهتمامي على ممر الجنينة اللي كان متشبع بالمطر، وكانت الآثار ظاهرة عليه.
لاحظت من فحصي إن المجرم شخص حذر، وذكي، وده لإني ملقيتش أثار أقدام في الممر… بالرغم من ده أنا متأكد إن في حد مشي على خط العشب اللي بيحدد الممر، وإنه عمل كده علشان ما يسيبش أي أثر، وللأسف ملقيتش أي أثر واضح… بس أخدت بالي إن في حد مشي على العشب، وده شيء أنا متأكد منه، وهو أكيد المجرم… المكان كان فاضي حتى من الجنايني في اليوم ده الصبح، والأمطار نزلت بالليل.
عمر: ثانية واحدة… الممر ده بيروح لفين؟
إسماعيل: للطريق.
عمر: طوله قد إيه؟
إسماعيل: تقريباً 100 خطوة.
عمر: أكيد إنت لقيت آثار أقدام في الجزء اللي بيعدي فيه الممر من البوابة مش كده؟
إسماعيل: للأسف الجزء ده كان متغطي بالطوب.
عمر: طيب بالنسبة للطريق نفسه؟
إسماعيل: للأسف برضو إتحول لبركة كبيرة.
عمر: للأسف… طيب الآثار اللي كانت موجودة على العشب كانت جاية، ولا رايحة؟
إسماعيل: كان صعب جداً إني أعرف ده، وده لإن مكانش فيه أثر محدد.
عمر: طب كانت الآثار لرجل كبيرة، ولا صغيرة؟
إسماعيل: مقدرتش أحدد ده برضو.
عمر بنفاد صبر: يا الله… ولسه المطر بينزل، والعاصفة بتضرب برة، وده معناه إن الأمر بقى صعب أكتر إنك تقرأ الوضع… طيب… طيب مفيش حاجة نقدر نعملها… هاه إيه اللي عملته يا إسماعيل بعد ما إتأكدت إنك مش قادر تتأكد من حاجة؟
إسماعيل: أظن يا أستاذ عمر إني إتأكدت من حاجات كتير… فأنا عرفت إن في حد دخل البيت من برة، وبعدين بصيت على السلم، ولقيته متغطي بحصير من الألياف… مكانش في أي آثار من أي نوع.
رحت لأوضة المكتب نفسها، ولقيت فيها عدد قليل من الآثار.
كان الجزء الرئيسي هي ترابيزة الكتابة، وكانت بتتكون من صفين من الأدراج، وفي النص خزنة.
كانت الإدراج مفتوحة، والخزنة مقفولة… وأعتقد إن الإدراج كانت دايماً بتبقى مفتوحة، وده لإن مكانش فيها حاجة قيمة إلا إن في بعض الأوراق المهمة في الخزنة، وكان واضح إن في حد لعب فيها، وبيقول الدكتور إن مفيش أي حاجة إتسرقت.
هتكلم دلوقتي عن جسم الشاب المسكين هما لقوه قريب من ترابيزة الكتابة بالظبط ناحية الشمال منها… ضربة السكين كانت في الناحية اليمين من رقبته، وكانت من ورا لقدام، وده معناه إنه مستحيل إنه يكون هو اللي عملها بنفسه.
عمر: إلا لو كان وقع على السكينة.
إسماعيل: بالضبط… جت الفكرة دي في دماغي… بس هما لقوا السكينة بعيده عن الجسم بكام خطوة، وعشان كده الأمر ده مستحيل… قدامنا دلوقتي الكلمات اللي قالها الشاب المسكين قبل ما تنتهي حياته… كمان عندي إثبات مهم جداً، وهو إننا لقينا طارق ماسك ده بقوة في إيده اليمين.
طلع إسماعيل من جيبه كيس صغير… فتحه، وخرج نضارة قراءة دهب متركب فيها خيط حرير أسود مقطوع في طرف من الأطراف.
إسماعيل: كان طارق نظره قوي، وده معناه إن النضارة دي هو شدها من وش المجرم، أو من جسمه.
مسك عمر النضارة، وفحصها بدقة، وحطها على مناخيره، وحاول إنه يقرأ بيها، وبعد كده راح عند الشباك، وبص على الشارع، وبعدين خد النضارة، وحطها تحت ضوء المصباح، وفي الآخر قعد، وهو بيضحك ضحكة بسيطة.
كتب عمر كلمات على ورقة، وبعد كده إداها للمفتش إسماعيل.
عمر: ده أكتر حاجة أقدر أقدمهالك يا إسماعيل يمكن تفيدك.
قرأ إسماعيل الورقة بصوت عالي، وكان مكتوب فيها: مطلوب ست أسلوبها مؤدب… لابسه لبس راقي… مناخيرها عريضة بشكل ملحوظ.. عينيها الإتنين قريبين من بعض… جيبينها مجعد… يمكن كتفها مدور… بتدل الإثباتات إنها راحت لمحل النضارات على الأقل مرتين في فترة الشهور اللي فاتت… مفيش صعوبة من تتبعها… لإن النضارة بتاعتها متينة، ومميزة، وكمان مفيش محلات نضارات كتير.
إبتسم عمر لما شاف ملامح الدهشة على وش إسماعيل.
عمر: كلامي واضح، وسهل… مفيش حاجة تانية ممكن تدينا تفاصيل دقيقة للإستدلال على المجرم قد النضارة… خاصة نضارة مميزة زي دي.
أنا قلت إن هي خاصة بست من رقة النضارة، وطبعاً مع الكلمات الأخيرة اللي قالها الشاب المسكين… أما بالنسبة لإن هي إنسانة راقية، ولبسها شيك… فالنضارة إطارها إطار شيك من الدهب الخالص.. مستحيل إن الشخص اللي بيلبسها يكون شخص فقير.
كمان هتلاقي بطانة ماسك الأنف واسع جداً، وده معناه إن مناخير الست عريضة جداً…فالمعروف إن المناخير دي بتكون قصيرة، وتخينة… بس في شوية إستثناءات بتخليني مش متأكد من النقطة دي.
بالرغم إن وشي رفيع إلا إني لاقي صعوبة في إني أشوف بعيني من وسط النظارة دي، أو حتى قريب من النص، وعشان كده فعين الست دي قريبين من بعض من عند مناخيرها.
كمان يا أحمد هتاخد بالك النضارة مقعرة، وده معناه إن الست عندها ضعف نظر شديد، وهتلاقي باقي الصفات الشكلية اللي بتظهر على الجبين، والجفن، والكتف اللي بيجي مع ضعف النظر.
قلت: ممكن أفهم كل النقط اللي إنت قلتها إلا إني شايف إن في نقطة صعبة إزاي وصلت لمسألة إنها راحت لمحل النضارات مرتين.
مسك عمر النضارة في إيده، وقال: هتلاقي هنا المكانين المبطنين عند الأنف مصنوعين من شريط صغير من الفلين عشان ما تضغطش على المناخير… واحد منهم لونه باهت… أما التاني فجديد، وده معناه إن واحد وقع، وغيرته بواحد جديد.
هنا إستنتجت إن القديم ما قعدش فترة طويلة تقريباً كام شهر لإنه مكانش لونه باهت أوي، وأعتقد إن الست رجعت للمكان نفسه عشان تركب التاني اللي وقع.
إسماعيل بإعجاب: يا الله… كل ده كان في إيدي طول الوقت، وأنا ما اخذتش بالي! بس على فكرة أنا كنت ناوي إني أدور في محلات النضارات في المدينة.
عمر: أكيد كنت هتعمل كده… هل في حاجة تانية تبلغهالنا عن القضية؟
إسماعيل: لاء يا أستاذ عمر أعتقد إنك تعرف كل اللي أعرفه ويمكن أكتر… إحنا عملنا تحريتنا يمكن يكون حد شاف أشخاص غريبة في البلد، أو في المحطة ملقيناش أي حاجة… اللي محيرني جداً إن مفيش دافع للجريمة مفيش أي حد قادر يحدد إيه الدافع من ورا جريمة زي كده.
عمر: ده شيء مقدرش أساعدك فيه… بس أظن إنك عايزنا نروح هناك بكرة.
إسماعيل: لو مكنتش هضايقك يا أستاذ عمر في قطر هيمشي من المحطة الساعة 6:00 الصبح، وهنوصل الفيوم بين الساعة 8 و9.
عمر: خلاص تمام هنركبه… القضية بتاعتك فيها بعض التفاصيل المشوقة يسعدني إني أحقق فيها… تمام الساعة دلوقتي واحدة من الأفضل إن إحنا ندخل ننام كام ساعة.
أعتقد إن ممكن تنام هنا يا إسماعيل على الكنبة قدام الدفاية… بس قبل ما أمشي هعملك كوباية قهوة تشربها.
تاني يوم هديت العاصفة… كان الجو لسه بارد لما بدأنا رحلتنا… شفنا الشمس الشتوية، وهي بتطلع فوق المستنقعات، والأنهار الطويلة، هيفضل يفكرني الجو ده، وإحنا بنطارد مجرم في أول حياتنا المهنية.
بعد رحلة طويلة نزلنا في محطة صغيرة بعيدة عن المركز بكام ميل… أكلنا فطار سريع في الوقت اللي كانوا بيحضروا العربية في الفندق، ووقتها كنا مستعدين… أول ما وصلنا قابلنا شرطي عند بوابة الجنينة.
إسماعيل: هل في أي أخبار جديدة؟
الشرطي: لاء يا أستاذ إسماعيل مفيش حاجة.
إسماعيل: هل في حد قال إنه شاف أي حد غريب؟
الشرطي: لاء يا أستاذ أنا متأكد ان مفيش أي شخص غريب جه، أو راح من المحطة إمبارح.
إسماعيل: هل كملت التحريات في الفنادق؟
الشرطي: أيوه يا أستاذ إحنا عملنا كل حاجة.
إسماعيل: المسافة لحد المركز مش كبيرة لو حد مشيها على رجله، وكمان يقدر إنه يقعد هنا، أو يركب قطر من غير ما أي حد يلاحظه… هو ده ممر الجنينة اللي كلمتك عنه يا أستاذ عمر… أحلفلك إني ملقيتش عليه أي آثار إمبارح.
عمر: على أي جنب من العشب كانت الآثار موجودة؟
إسماعيل: الناحية دي يا أستاذ عمر الحافة الصغيرة بين العشب، وبين الممر، وحوض الورد… منقدرش نشوف الآثار هنا بس كانت واضحة ليا وقتها.
عمر، وهو بيوطي على العشب: أيوه… أيوه.. في حد عدى من هنا، واضح إن الست اللي إحنا بندور عليها كانت واخده بالها من خطواتها.. مش كده؟ وإلا كانت سابت أثر على الممر من ناحية، ومن الناحية التانية كانت هتسيب أثر على حوض الورد الطيني.
إسماعيل: أيوه يا أستاذ عمر واضح إن هو ده اللي حصل.
لاحظت إن عمر ظهر على ملامحه إنتباه شديد، وبعد كده قال: إنت بتقول إن هي جت من ورا من الناحية دي؟
إسماعيل: أيوه يا أستاذ عمر مفيش مكان تاني.
عمر: على الخط ده من العشب؟
إسماعيل: أيوه يا أستاذ عمر بالظبط.
عمر: كانت طريقة مميزة جداً… مميزة جداً… أعتقد إن إحنا بحثنا هنا في الممر بشكل كافي خلينا نكمل بحثنا جوه… أظن إن باب الجنينة ده بيتساب مفتوح على طول مش كده؟ مكانش في مشكلة بالنسبة للست إن هي تعدي منه.
كانت فكرة جريمة إنهاء الحياة مش في دماغها، وإلا لكانت جت، ومعاها سلاح بدل من إنها تضطر تاخد السكين اللي موجود على ترابيزة الكتابة… هي مشيت هنا في الطرقة من غير ما تسيب أي أثر على الحصيرة، وبعدين لقت نفسها في أوضة المكتب… قد إيه من الوقت قعدت؟ مفيش حاجة تخلينا نقدر نحدد الأمر ده.
إسماعيل: مجرد دقايق يا أستاذ عمر… أنا نسيت أقولك مسؤولة البيت كانت بتخلص شغل هناك، وقعدت فترة قليلة… تقريباً ربع ساعة ده اللي هي قالته.
إسماعيل: تمام يعني عندنا المدة الزمنية.. دخلت الست الأوضة دي، وعملت إيه؟ راحت لترابيزة الكتابة علشان إيه؟ مش عشان حاجة في الدرج… لو كانت الحاجة القيمة اللي هي عايزاها موجودة في الدرج كان لازم يبقى مقفول… لاء… اللي كانت بتدور عليه كان موجود في الخزنة… ثواني إيه الخدوش اللي موجودة هنا دي؟ لو سمحت ولع عود كبريت يا أحمد… ليه يا إسماعيل ما قلتليش على الخدوش دي؟
فحص عمر الخدوش اللي كانت في الجزء النحاسي ناحية اليمين عند فتحة المفتاح، وكانت تقريباً أربعة سم، وكان في خدش على الدهان من السطح.
إسماعيل: أنا أخدت بالي منه يا أستاذ عمر بس من الطبيعي إنك تلاقي خدوش زي كده عند مفتاح الباب.
عمر: ده حديث جداً بص للجزء النحاسي، ولمعانه عند مكان الخدش لو كان الخدش ده قديم لكان أخد نفس لون السطح… بص عليه من العدسة المكبرة بتاعتي… كمان الدهان باين إن هو ظاهر من الجانبين… هل مدام سيدة مسؤولة البيت هنا؟
دخلت الست العجوز، وكان على ملامحها حزن شديد.
عمر: هل نظفتي الأوضة من التراب، وخاصة الجزء ده إمبارح الصبح؟
مدام سيدة: أيوه يا أستاذ.
عمر: هل شفتي الخدوش دي قبل كده؟
مدام سيدة: لاء يا أستاذ ما شفتهاش قبل كده.
عمر: كنت متأكد من كده… لو كانت مسحت التراب من هنا… كانت الذرات من الدهان دي إتشالت… مين اللي عنده مفتاح الخزنة دي؟
مدام سيدة: الدكتور اللي بيحتفظ بالمفتاح في سلسلة ساعة الجيب.
عمر: هل المفتاح ده عادي؟
مدام سيدة: لاء يا أستاذ ده مفتاح مخصوص.
عمر: تقدري تمشي دلوقتي يا مدام سيدة… أعتقد إننا بقينا متقدمين شوية… دخلت الست الأوضة، وراحت ناحية الخزنة، وحاولت تفتحها، أو فتحتها بالفعل.
الوقت ده دخل الشاب المسكين طارق محمد للأوضة، وبما إنها كانت مستعجلة سحبت المفتاح بسرعة، وبسبب ده حصل الخادش على الباب.
لما مسكها الشاب المسكين كانت أول حاجة وصلت لإيديها هي السكينة اللي ضربته بيها علشان تهرب منه بعد ما مسكها… كانت ضربتها مميتة، وبكده وقع طارق المسكين، وهربت هي بالحاجة اللي كانت جاية عشانها، أو من غيرها.
هل الخادمة سناء هنا؟… هل في حد كان يقدر يهرب من الباب بعد صوت الصرخة اللي سمعتيها يا سناء؟
الخادمة سناء: لاء يا أستاذ… مستحيل كنت هشوفه في الممر قبل ما أنزل السلم… كمان الباب ما اتفتحش أبدا، وإلا كنت سمعته.
عمر: كده يبقى إستبعدنا المخرج ده… أكيد الست خرجت من الطريق نفسه اللي جات منه… عرفت إن الممر ده ما بيوديش إلا لأوضة الدكتور… مفيش أي مخرج تاني يخرج برة؟
الخادمة سناء: لاء يا أستاذ مفيش.
عمر: تمام خلينا نمشي في الممر ده، ونروح نتعرف على الدكتور… ثواني يا إسماعيل… ده شيء مهم جداً… إنت ليه ما قلتليش إن طريق أوضة الدكتور هو كمان متغطي بحصيرة من الألياف.
إسماعيل: وإيه المشكلة في ده يا أستاذ عمر؟
عمر: إنت مش شايف إن ده ليه أي علاقة بالقضية؟ طيب… طيب… مش هتكلم في الموضوع ده كتير… يمكن أكون غلطان في الأمر ده… وإن كنت أظن إن الأمر واضح، وإن ليه علاقة قوية بالموضوع… تعالى معايا يا إسماعيل عشان تعرفني على الدكتور.






