أهم المعلومات عن مشروع تطوير سوق العتبة بعد افتتاحه.. نقلة حضارية تعيد الحياة لقلب القاهرة التجارية

يشهد قلب القاهرة اليوم حدثًا استثنائيًا بكل المقاييس، بعد إعلان افتتاح مشروع تطوير سوق العتبة التاريخي رسميًا في احتفالية حضرها عدد من كبار المسؤولين، وممثلي الوزارات، والتجار، والمواطنين الذين تابعوا الحدث بفخر. هذا المشروع الذي طال انتظاره يمثل أحد أبرز محاور خطة الدولة المصرية لتطوير القاهرة التاريخية وتحويلها إلى منطقة حضارية نابضة بالحياة، تجمع بين روح التراث المصري العريق ومتطلبات الحياة العصرية الحديثة.
سوق العتبة.. قلب التجارة المصرية لأكثر من قرن
يُعتبر سوق العتبة واحدًا من أقدم وأشهر الأسواق في مصر والشرق الأوسط، حيث يعود تاريخه إلى أواخر القرن التاسع عشر، حينما كانت القاهرة تزدهر كمركز تجاري وثقافي للمنطقة بأكملها. لطالما شكلت العتبة شريانًا رئيسيًا للحياة الاقتصادية اليومية في العاصمة، ومقصدًا لملايين المصريين الباحثين عن السلع بأسعار تنافسية، من الملابس والإكسسوارات، إلى الأجهزة المنزلية، والمنتجات التقليدية التي تحمل عبق التاريخ الشعبي للقاهرة.
لكن مع مرور الوقت، تعرض السوق لتحديات عديدة، أبرزها الازدحام، وتهالك البنية التحتية، وضعف الخدمات العامة، فضلًا عن العشوائية التي طغت على ممراته الضيقة، مما جعل تطويره ضرورة وطنية، وليس مجرد مشروع تجميلي. وهنا جاءت رؤية الدولة المصرية ضمن مبادرة “تطوير القاهرة الخديوية” لتعيد لهذا المكان العريق مكانته اللائقة كرمز للتجارة والتراث معًا.
تفاصيل مشروع تطوير سوق العتبة
بدأت أعمال التطوير في النصف الثاني من عام 2023، ضمن خطة شاملة لتحديث الأسواق التاريخية في القاهرة. وقد أشرفت على تنفيذ المشروع محافظة القاهرة بالتعاون مع وزارة الإسكان والمرافق والمجتمعات العمرانية، وصندوق التنمية الحضرية، وبدعم من رئاسة مجلس الوزراء.
شمل المشروع إعادة تأهيل البنية التحتية بالكامل، بما في ذلك شبكات المياه، والصرف الصحي، والكهرباء، والاتصالات، ونظام مكافحة الحريق، إلى جانب إعادة تنظيم الممرات الداخلية لتسهيل حركة المواطنين، وتحسين الأمن والسلامة داخل السوق. كما تم إنشاء مناطق تحميل وتفريغ حديثة، ومخارج طوارئ وفق أعلى المعايير العالمية.
الطراز المعماري الجديد.. بين الأصالة والحداثة
حرص القائمون على المشروع على الحفاظ على الهوية التاريخية لسوق العتبة التي تعود إلى الطراز الخديوي الفريد، مع إدخال لمسات معمارية حديثة تضفي طابعًا مريحًا وجذابًا للزوار.
تم ترميم الواجهات التاريخية بعناية باستخدام مواد مطابقة للأصل، وإزالة الإضافات العشوائية التي شوهت المنظر العام، كما أُعيد طلاء الواجهات بلونها الكريمي المميز الذي يعكس روح القاهرة القديمة.
أما الإضاءة فقد تم تطويرها بالكامل بنظام حديث يعتمد على الإضاءة الذكية الموفرة للطاقة، لتبرز جمال الواجهات ليلاً وتمنح المكان طابعًا مميزًا يناسب سهرات القاهرة. كما تم وضع لافتات إلكترونية حديثة لتنظيم عرض أسماء المحال التجارية بشكل حضاري بعيدًا عن العشوائية التي كانت تسيطر لعقود طويلة.
تصميم السوق بعد التطوير.. تجربة تسوق عصرية في ثوب تراثي
يضم السوق بعد التطوير أكثر من 1200 محل تجاري تم توزيعها على طوابق منظمة، مع ممرات واسعة لتيسير حركة الزوار، وسلالم متحركة ومصاعد لذوي الاحتياجات الخاصة. كما تم تخصيص مناطق استراحة للمتسوقين ومناطق خدمات عامة تشمل دورات مياه نظيفة ومكيفة، ومكاتب إدارية لتنسيق حركة العمل.
وتضمن التصميم الجديد أيضًا مناطق ترفيهية ومطاعم شعبية تقدم الأكلات المصرية الأصيلة مثل الفول والطعمية والكشري، لتجمع بين متعة التسوق ومتعة المذاق الشعبي. كما تم تخصيص ساحة خارجية لإقامة الفعاليات التراثية والعروض الفنية التي تبرز التراث الشعبي المصري.
الفوائد الاقتصادية لمشروع تطوير سوق العتبة
من الناحية الاقتصادية، يُعد المشروع دفعة قوية لقطاع التجارة المحلية، حيث يوفر أكثر من 5000 فرصة عمل مباشرة وغير مباشرة للبائعين والعمال وسائقي النقل والخدمات اللوجستية. كما يُتوقع أن يزيد العائد التجاري اليومي بنسبة تتجاوز 40% نتيجة تحسين تجربة التسوق ورفع مستوى الخدمات.
وإلى جانب ذلك، يمثل السوق نقطة جذب سياحي بفضل طابعه التراثي الفريد، ما يجعله جزءًا من مسار السياحة الثقافية في القاهرة التاريخية، بالتكامل مع المناطق المحيطة مثل خان الخليلي، وشارع المعز، وباب زويلة. ومن المتوقع أن يسهم المشروع في زيادة إيرادات محافظة القاهرة من رسوم النشاط التجاري بما يقارب 20% سنويًا.
دعم البائعين وتوفير البدائل أثناء التطوير
من أهم ما ميز المشروع هو حرص الحكومة على عدم الإضرار بالبائعين أثناء فترة التطوير. فقد تم نقلهم مؤقتًا إلى أسواق بديلة مجهزة بالكامل في مناطق قريبة، مع توفير حوافز مالية وتعويضات جزئية عن فترة الغلق. كما تم تدريبهم على استخدام أنظمة البيع الحديثة، بما في ذلك الدفع الإلكتروني والتعامل عبر المحافظ الرقمية، ضمن خطة الدولة لتشجيع التحول الرقمي في التجارة الداخلية.
مشروع العتبة ضمن خطة القاهرة 2030
يأتي تطوير سوق العتبة كجزء من رؤية أوسع أطلقتها الحكومة تحت اسم “القاهرة 2030”، التي تستهدف إعادة إحياء العاصمة التاريخية وتحويلها إلى مركز سياحي وتجاري عالمي. وتشمل هذه الخطة أيضًا تطوير منطقة الموسكي، والازبكية، ووسط البلد، لتصبح القاهرة الخديوية واحدة من أجمل العواصم التراثية في العالم.
ردود فعل المواطنين والتجار بعد الافتتاح
شهدت مواقع التواصل الاجتماعي موجة من الإعجاب بعد افتتاح السوق رسميًا، حيث نشر العديد من المواطنين صورًا ومقاطع فيديو تظهر الجمال الجديد للمكان بعد سنوات من الإهمال.
وصرح عدد من التجار بأن السوق الآن أصبح “يليق بتاريخ العتبة ومكانتها”، بينما وصفه آخرون بأنه “تحفة معمارية” تعيد للمنطقة بريقها القديم وتمنحها هوية عصرية.
إحدى السيدات من سكان المنطقة قالت في تصريحاتها إن التطوير “أعاد لنا الأمان والنظافة والنظام”، مضيفة أن السوق الآن أصبح مكانًا يمكن للأسرة زيارته دون خوف أو معاناة من الزحام.
كما أشاد مجلس الوزراء المصري بسرعة الإنجاز وجودة التنفيذ، مؤكداً أن تجربة العتبة ستكون نموذجًا يحتذى به في باقي المشروعات.
الأثر البيئي للمشروع
من الجوانب التي لم تغب عن المشروع هو الاهتمام بالاستدامة البيئية. فقد تم إنشاء نظام لجمع المخلفات وفرزها من المصدر، واستخدام مواد صديقة للبيئة في أعمال الإنشاء، إلى جانب زراعة ممرات خضراء على الأسطح والجدران لخفض درجات الحرارة وتحسين جودة الهواء.
كما تم تركيب محطات طاقة شمسية صغيرة لتغذية الإضاءة العامة في الممرات، مما يجعل المشروع من أوائل الأسواق المصرية التي تعتمد على الطاقة النظيفة جزئيًا.
هذه الخطوات تتماشى مع رؤية مصر 2030 للتنمية المستدامة، وتؤكد أن التطوير الحضري لا يعني فقط تحسين الشكل، بل الحفاظ على البيئة أيضًا.
البنية التكنولوجية.. سوق ذكي في قلب القاهرة
لم يكن التطوير المعماري وحده هو التغيير الكبير، بل تم تحويل السوق إلى سوق ذكي يعتمد على التكنولوجيا. فهناك كاميرات مراقبة عالية الدقة في كل الممرات، ونظام تحكم مركزي بإدارة السوق، إلى جانب نقاط واي فاي عامة، وشاشات إلكترونية تعرض الإعلانات والمعلومات للزوار.
كما أُطلقت تطبيقات رقمية يمكن من خلالها التعرف على أماكن المحال، وأسعار السلع، والعروض المتاحة، في خطوة تعكس توجه الدولة نحو رقمنة الخدمات التجارية وتحسين تجربة المستخدم.
الختام: العتبة.. من الفوضى إلى الأيقونة
ما حدث في سوق العتبة ليس مجرد تجديد هندسي، بل هو تحول حضاري شامل يعكس مدى الجهد المبذول لإعادة إحياء المناطق التراثية بأسلوب يحترم التاريخ ويفتح آفاق المستقبل.
لقد تحولت العتبة من رمز للفوضى والزحام إلى أيقونة عمرانية تنبض بالحياة والنظام، تعيد للقاهرة روحها القديمة في ثوب عصري جديد.
وبهذا، يثبت مشروع تطوير سوق العتبة أن التنمية الحقيقية لا تُقاس بالخرسانة فقط، بل بما تمنحه من كرامة وتنظيم وإنسانية. العتبة اليوم ليست مجرد سوق، بل درس في كيف يمكن للمدن العريقة أن تُولد من جديد، لتبقى القاهرة — كما كانت دائمًا — عاصمة الحضارة التي تجمع الماضي بالمستقبل في قلبٍ واحدٍ نابضٍ بالحياة.






