Close

أخباركم

رواية “كان لك معايا” تأليف: خالد دياب الجزء الثاني

 


تمتلك نفس روحها؟ فهي تبدو طاهرة الروح مثل زوجته، حنونة، عطوفة. استطاعت أن تدخل إلى عقله في هدوء تام، بدون مجهود يذكر. يقول لنفسه إنه يستحق فرصة أخرى للحياة، ولكنه يتساءل: هل سيظلمها بمجرد مقارنتها بزوجته؟

 

ثم يعيق تفكيره ما يحدث في شركته. هل هو إهماله طوال تلك الفترة؟ يبرر ذلك لنفسه بأنه لا يستطيع أن يعمل وهو في تلك الحالة. إن كل ما يؤثر فيه، بضعة ذكريات مع زوجته وابنته، عدة تساؤلات مرت عليه، ولكنه لا يجد إجابة واضحة. ينظر إلى الهاتف في تردد شديد. هل يقوم بالاتصال بـ “مي”؟ هو يشعر برغبة شديدة في أن يسمع صوتها، ولكن في نفس الوقت يحاول منع نفسه من الانسياق إليها.

 

لكنه يشعر رغم ذلك أنه مكبل بلا قيود، تقوده مشاعره نحوها عنوة. يشعر برغبة شديدة في البكاء، لكنه يتماسك. ولا يزال صوت السيدة أم كلثوم في أذنه وهي تشدو:
“فات الميعاد.”

 

وجد نفسه يمسك هاتفه، ويقوم بالاتصال بـ “مي”. يسمع صوت رنين هاتفها ولكنها لا تجيب. يضع الهاتف بجانبه مستسلمًا. فالوقت تأخر قليلا، ويقول لنفسه:
“لم يكن علي الاتصال بها في ذلك الوقت.”
حتى يقطع تفكيره صوت الهاتف. يمسكه ليشاهد اسمها على الشاشة، فيجيب:
“آسف إني اتصلت في وقت متأخر.”
“لا، أبدًا مفيش حاجة، كنت هسالك هتعملي إيه بكرة مع المهندس، حبيت أفكرك بس علشان متنسيش.”
يحاول أن يجعل المكالمة تطول:
“بقولك إيه يا مي، هو إنتي هتعملي إيه بعد الشغل بكرة؟ طيب ممكن نتقابل؟ لا، أبدًا، بس علشان أعرف منك عملتي إيه، مش عايز حد في الشركة بس يعرف اتفاقنا. تمام؟ سلام.”

تغلق “مي” الهاتف، ويظل يوسف ينظر إلى الشاشة. يبدو عليه أنه قد هادأ تفكيره قليلًا. تبسم خجلا من نفسه، وهو يشعر أنه كالطفل الذي يحتاج إلى أمه. ذلك الشعور الذي انتابه وهو يتحدث إليها. وضع الهاتف بجانبه، ووضع رأسه على وسادته، وخلد إلى النوم في هدوء.

مشاعر

أغلقت “مي” الهاتف، وهي تشعر بهدوء غريب قد سيطر عليها. لا تدرك لماذا انتابها هذا الشعور، ولكن كل ما يسيطر عليها حينما تسمع صوت “يوسف” هو أنها تشعر بالراحة. تشعر أنها تنجذب إليه بكل سهولة، وكانه مهد إليها الطريق إليه، في هدوء راسخ لا يقبل الشك. ولكنها ترفض بشدة ذلك الشعور. لا تسمح لنفسها ولا لقلبها بعبور المشاعر، فقد أوصدته منذ زمن طويل، منذ أول خيانة، منذ أول عهد لقلبها، حينما أخلصت بكل جوانحها لشخص كان ماهرًا في امتصاص كل طاقتها بمهارة شديدة، بدون أن يرمش له جفن.

تتساءل كيف كان بذلك الجمود والجحود، كيف كانت له تلك القدرة على إهدار مشاعرها، على استنزافها بتلك القذارة. هل بعد ذلك تعطى فرصة ولو بسيطة لأي شخص آخر؟

تجلس على سريرها، وهي تفكر بعمق شديد. حياتها في الماضي كانت خاوية، منذ وفاة والدها وهي تتمنى ذلك الرجل الذي يعوضها حنان أبيها، يحتويها، يجعلها كالاميرات. وكانت تدرك أنها في المقابل يجب أن تجعله كالملك، ولكن ذلك الملك جعل منها جارية.

ثم تتذكر معاملة يوسف لها، وكيف أنه مخلص لزوجته إلى هذه الدرجة. شتان ما بين الحب بإخلاص، والحب من أجل الامتلاك. هي كانت تتمنى “يوسف”، تتمنى لو قابلته منذ زمن بعيد. تخيلت للحظات كيف ستكون حياتهما معًا. بالتأكيد كانت ستكون حياة هادئة، وسعيدة.

لوهلة تخيلت نفسها وهي ترتمي في أحضان يوسف، لتحكي له كل ما مرت به من قسوة، من كل الاتجاهات: قسوة المجتمع، حينما ينظرون إليها نظرة “العانس”، ونظرة العائلة التي تنظر إليها هي وأمها أنهما بدون رجل يحميهما من الحياة. وقسوة العمل، حينما ينظرون إليها كمجرد جسد بلا عقل.

انهارت كل أحلامها واستسلمت حينما أدركت وتأكدت أنها يجب أن تواجه الحياة وحيدة، حتى بوجود أمها بجانبها. فأمها بالنسبة لها هي الملاذ الآمن الأوحد في وسط عبثيات تلك الحياة المؤلمة. ولكنها تعلمت أنها يجب أن تقاوم، يجب دائمًا أن تبدأ من جديد. يجب أن تتخلى عن كل ما يؤذيها أو يؤذي مشاعرها. يجب أن تحافظ على استقرارها النفسي.

ولكن كان السؤال الأهم: هل في ذلك الوقت يجب أن تبدأ من جديد؟ هل يجب عليها أن تسمح بعبور المشاعر إلى قلبها؟ ولكنها ترفض تلك الفكرة، فهي لا تعرف حقيقة مشاعر يوسف تجاهها.

يقطع ذلك التفكير صوت باب غرفتها وأمها تدخل عليها كعادتها، تحمل في يديها الطعام، ثم تنظر إليها وتتجه نحو مكتبها الصغير وتضع عليها الطعام، وتذهب لتجلس بجانبها.

  • أمها: “هو إنتي دايمًا تعبة نفسك كده يا ست الكل؟”
  • مي: “لقيتِ طولتِ العقِدة في الأوضة وسيباني لوحدي، قولت أكيد بتفكرِ في حاجة، عارفة.”
  • أمها: “ها؟ طول عمرك من وإنتي صغيرة، بتحبي لما تفكرِ في حاجة أو تذاكري، تدخلي أوضتك وتقفلي على نفسك الباب.”
  • مي: “بقولك يا ماما، هو ممكن تحكيلي عن بابا شوية؟”
  • أمها: “بِاستغراب: إشمعنا دلوقتي؟ إيه اللي فكرك بيه؟”
  • مي: “معلش، علشان خاطري، وحشني.”
  • أمها: “تتنهد: مع إن عمرك ما طلبتي منى الطلب ده، ومع إنّي هتنكدي عليا بس حاضر.”
    تسرح بخيالها لتتذكر زوجها وتحديدًا يوم مولد مي.
  • أمها: “أبوكي، إنتي عارفة شكله؟ كان أبيض وحلو كده، وطول بعرض، أحلى من الصور بكتير. بس أنا هحكيلك موقف واحد بس. يوم ما كنت بولد في المستشفى، اليوم ده أبوكي مكنش على بعضه. كل دقيقة يدخل عليا الأوضة ويقول للممرضة طمنيني عليها، وأنا فطسانة على نفسي من الضحك، لدرجة إن الممرضة قفلت باب الأوضة علشان يجهزوني للولادة. المهم ولدتِك والحمد لله، لكن عمري أبدًا ما هنسى لما شالك لأول مرة. فضل مبحلق فيكي وكانه مش مصدق. وقرب لودنك، وأذن فيها، وهو بيبصلي وبيضحك وبيعيط في نفس الوقت. مبقتش فاهماه، أول مرة أشوفه كده، أول مرة أحس إنه ضعيف، مع إنه كان أيه؟ كانت الشخطة منه توقف شارع. سالته، قولتله: مالك؟ قال لي: إنتي مش فاهمة حاجة، دي وش الخير، وش السعد. كان أيامها عنده مشاكل كتير جدًا، لكن وأنا بولدك، جاله تليفون بشره إن كل مشاكله في الشغل اتحلت، وإن كل مستحقاته هترجعله. وكان يوم عيد بالنسباله. مش عارفة أوصفلك إحساسه في الوقت ده كان إيه. لو فضلت أحكي من هنا لسنين قدام.”

(تلاحظ أن عيون مي تدمع، فتقوم باحتضانها في عطف)

  • أمها: “عارفة إنه قبل ما يموت بيوم قال لي: أنا عايز أوصيكي وصية واحدة.” وصية إيه يا خويا؟”قال لي: مي، خدي بالك منها، لو لا قدر الله حصلي حاجة، متخليهاش تحس إني مش موجود.”

تبكي مي أكثر، وتضم أمها بقوة وهي تبكي أمها تضمها أكثر، حتى أنها نامت في حضنها

حينما تمتلك القوة

يجلس “عاطف”، مهندس الكمبيوتر، أمام مكتبه. هو مكتب مغلق صغير نسبيًا، ولكن به عدد من أجهزة الكمبيوتر. ويبدو عليه الت

ركيز الشديد. تقوم “مى” بطرق الباب بهدوء ثم تدخل.

مى:

  • “صباح الخير، أستاذ عاطف، صح؟”

عاطف:

  • “صباح النور، تمام، اتفضلي يا أستاذة مى.”

يجذب “عاطف” كرسيًا بجانبه في هدوء، تجلس “مى” بالقرب من الجهاز، ثم يتحدث “عاطف” إليها.

عاطف:

  • “مستر يوسف كلمني، وقال لي إني أبلغ حضرتك بأي شيء جديد أكلمه، وطلب مني كمان إني ما أتصلش بيه تاني، وأن أي حاجة تبقى عن طريق حضرتك.”

تنتبه “مى” إليه.

مى:

  • “فاهمة، هو بلغني بكل حاجة، ها، قول لي وصلت لحاجة؟”

يبدو عليه التوتر.

عاطف:

  • “حاجة واحدة، أنا وصلت لبلاوي، في مصايب بتحصل من خلال الإكسس بتاع مستر محسن، وتحديدًا في ملفات الحسابات. مستر يوسف بصراحة أداني الإكسس بتاعه، وده بيملك كل الصلاحيات. تقنيًا مستر يوسف مش هيعرفها كلها، لكن بالنسبة لي ده سهل لي كل حاجة تقريبًا. كل ملفات الحسابات بيتعدل عليها تقريبًا بشكل أسبوعي عن طريق مستر محسن، بخلاف إن الفلاشة اللي دخلت هي كمان، دخلت عن طريق نفس الإكسس. بس اللي محيرني إن في التوقيت ده، كان مستر محسن عاملنا كلنا ميتنج وكان معانا.”

تنتبه “مى” إليه.

مى:

  • “وده معناه إيه؟”

عاطف:

  • “في حزم: معناه إن في شخص ثالث، معاه الإكسس بتاع مستر محسن، وده خلاه بكل سهولة يدخل ويحمل كل الملفات. خطوة الملفات دي، إن فيها كل الصفقات اللي جاية، وأسعار كل المناقصات اللي مقدمتها الشركة. الصفقات دي لو راحت من الشركة، معناه إن الشركة هتبقى من غير شغل، على الأقل لمدة 9 شهور. عارفة ده معناه إيه؟”

مى:

  • “طبعًا، معناه حرفيًا إن الشركة هتقفل، لأن كل المصاريف دي هتتحمل على مستر يوسف. طيب ما تقدرش تعرف مين الشخص اللي دخل وعمل كده؟”

عاطف:

  • “أنا مش ساكت، أنا بحاول أدخل على كاميرات الشركة، بس الموضوع محتاج شوية وقت. أول ما أقدر أوصلها هكلمك على طول.”

مى:

  • “تمام، أنا هقوم دلوقتي علشان محدش يلاحظ حاجة، وهبلغ مستر يوسف بالكلام ده، علشان يبتدي يشوف هو هيعمل إيه. وبالمناسبة، هو بيشكرك جدًا على موقفك ده، وخوفك على الشركة.”

عاطف:

  • “المفروض أنا اللي أشكره، إنتِ مش عارفة الراجل ده عمل معايا إيه. ولو ما عملتش كده أكون ناكر للجميل.”

كانت ستسأله في فضول، ولكنها اكتفت بالنظر إليه، ثم توجهت نحو الباب. التفتت إليه مرة أخرى ثم حدثته.

مى:

  • “المرة الجاية أكيد هحب أعرف عمل معاك إيه.”

تخرج “مى” وتغلق الباب خلفها، وينتبه “عاطف” مرة أخرى إلى جهاز الكمبيوتر.

 

فاقد الشيء يعطيه

إسراء ترتدي ملابسها وتقف أمام المرآة، تهندم ملابسها، وتنظر إلى نفسها بعمق. تتأمل ملامح وجهها التي تغيرت فجأة، أصبح شاحبًا، جمالًا يطغى عليه العمر، ملامح تبدلت من غاية الجمال إلى جمال يبدو وكأنه مجروح.

تتذكر نفسها في شبابها، كيف كان الكل يتلهف فقط لإلقاء التحية، كان الجميع يتمنى أن تجلس معه، ولمَ لا؟ فهي جميلة، ذكية، متفتحة، طموحة، تعتز بذلك الجمال. لكنها اكتشفت في النهاية أنه زائف، بلا معنى، جمال يختلس العمر.

حينما يتملك الغرور الإنسان يجعله بلا معنى. لا ترتيبات في القدر، كانت تقدر لنفسها حياة باهرة، وكانت على يقين بأنها ستكون من سيدات المجتمع، تتفاخر بكثرة المتلهفين عليها. متمردة على كل أوضاعها، العائلية والمادية، نفرت من كل شيء فنفر منها كل شيء.

والآن… لا تتذكر سوى أنها أصبحت تمتلك ذلك الشعور البائس، الذي يتملكها بقوة. ضحت بكل حياتها من أجل لا شيء. تندم، ولكن ليس أمامها إلا أن تستمر وتقاوم. تستمر في تلك اللعبة التي وضعت نفسها بداخلها، وتقاوم من أجل أن تحيا.

تساءلت: هل حينما يتحطم الحب من حياتنا، نشيخ مسرعين؟ تنقلب علينا مقدرات الحياة؟ نترك أهواءنا وشهواتنا تتملكنا حتى نتوه بداخلها ولا نستطيع الهروب؟

لم يستطع شيء في الدنيا أن يجعلها مكسورة، ووحيدة، ومتألمة، أكثر من يوسف. لم تستطع أن تنساه، حاولت مرات عديدة ولكن بلا جدوى. والآن عليها مرة أخرى، إما أن تشاهده وهو يسقط، أو أن تدافع بقوة عن الحلم السابق. ولمَ لا وقد خلت لها الطريق؟ ولكن، هل سيسمح لها بذلك؟

تقرر بداخل نفسها أنها تريد مساعدته. فكم من مرة قدم لها النصيحة؟ كم مرة حاول أن يجعلها إنسانة سوية؟ ولكن عنادها وغرورها منعاها من أن تستمع إليه. تتداخل الأفكار في عقلها، وتشعر بحيرة يغلبها الكبرياء.

ولكن بما أنها فقدت كل أحلامها، فما المانع أن تحيا من أجل أن يعيش حلم آخر؟ ولمَ لا وقد أتتها فرصة لإثبات أنها تعلمت الدرس؟ صحيح أنه في وقت متأخر من العمر، لكنها تعلمته جيدًا. تعرف بداخلها أن ضعفها في الوقت الراهن، هو ضعف مباح. أمام الحب، ينهار كل شيء، تسقط كل أقنعة الصمود التي نرتديها هربًا من الآخرين.

الحب، الذي لو ساد العالم، لكان أفضل.

انتبهت إلى صوت الأمطار وهي ترتطم بزجاج النافذة، حاولت أن تلم شتات أفكارها، ولكن حينما نظرت إلى المطر، أدركت أنه هو الآخر يحارب من أجل إعطاء الحياة إلى الحياة. اتجهت إلى سريرها، أخذت حقيبتها، ثم سارت نحو باب غرفتها وأغلقته خلفها.

لم يتبقَ في الغرفة سوى صوت الصمت، يمتزج بصوت حبات المطر.

المؤامرة

يقف محسن في شرفة الشركة، ممسكًا بكوب من الشاي، وفي يده الأخرى سيجارة، يشربها بهدوء. لحظات قليلة وشريفة تدخل، تتجه نحوه بخطوات ثابتة، وتقف بجانبه. ينظر إليها مطولًا قبل أن تحدثه.

شريفة: إيه، لحقت وحشتك؟

محسن: منتي عارفة، ما بشبعش منك. إنتي بالنسبالي زي المسكن بالظبط.

شريفة (بتهكم): وده بقى مسكن قصير المدى ولا طويل المدى؟

محسن (يعتدل في وقفته ويفهم مقصدها): إنتي شايفة إيه؟

شريفة: لا، أنا ما بشوفش… أنا بحس بس، يا حبيبي.

يقطعهما صوت رنين هاتف محسن، يتجه نحو مكتبه، ينظر إلى شاشة الهاتف، فينتابه الذهول، ويحدث نفسه.

محسن (باندهاش): هيكون عايز إيه ده؟

شريفة (تتجه نحوه بفضول): هو مين ده؟

محسن (يباغتها): فاكرة صبري؟

شريفة (ترتبك وتحاول التماسك): صبري؟ صبري مين؟

محسن (بخبث): حد كده… معرفة قديمة. بس مش عارف، اتصاله بعد السنين دي كلها أكيد مش هيكون اتصال عادي. عمومًا، هتلاقيه اتصل غلط… أصله مرنش تاني.

شريفة (بتوتر): جايز…

يقطع حديثهما صوت طرق على الباب، تدخل مي وتتجه نحوهما.

مي: صباح الخير، يا مستر محسن.

محسن (بنظرة متأملة): صباح الخير، يا مي. بقالي كام يوم ما شوفتكيش، قولت أسيبك براحتك من ساعة موضوع الفيلا.

مي: لا أبدًا، يا مستر، أنا موجودة كل يوم، بس مكنتش عايزة أزعج حضرتك.

شريفة تنظر إلى مي ثم إلى محسن، تلاحظ نظرات الإعجاب في عينيه، فتقطع حديثهما.

شريفة: خير يا آنسة مي، في حاجة ولا إيه؟

مي (بثقة): لا أبدًا، دي كانت أوراق مستر محسن كان طالبها مني، محتاج يراجعها ويمضيها.

شريفة (بعجرفة): طيب، سيبيهم هنا، ولما يخلصوا هنبلغك.

مي (على مضض): تمام، تحت أمركم.

تضع الأوراق على مكتب محسن، ثم تتجه نحو الباب وتخرج. يلتفت محسن إلى شريفة ويحدثها بعصبية شديدة.

محسن: إنتي بتكلميها كده ليه؟ إيه الأسلوب ده؟ وازاي تقطعي كلامي معاها بالشكل ده؟ أنا مرضتش أحرجك قدامها!

شريفة (بلطف مصطنع): أصل شايفة عينك زايغة عليها، يا حبيبي، وإنت عارف إني بغير عليك قوي.

محسن (بضعف): أيوة، بس مينفعش التعامل ده قدام الموظفين، أنا مش عايز حد يعرف طبيعة علاقتنا، وإنتي عارفة الموضوع ده كويس. يلا، اتفضلي على مكتبك، لحد ما أشوف سي صبري ده هيتصل تاني ولا لأ.

شريفة: ماشي، هروح على مكتبي. بس عارف، لو لعبت بديلك كده ولا كده، مش هقولك أنا هعمل فيك إيه.

تتجه نحو الباب بخطوات ثابتة، تخرج وتغلقه خلفها. يتابعها محسن بعينيه، ثم يبتسم في هدوء، ويحدث نفسه.

محسن: أنا كده اتأكدت إن اللي كان موجود امبارح هو صبري… بس ده كده بيلعب بسرعة قوي، مش قادر يستحمل، ولا قادر ينسى…  ” يطفئ سيجارته ، ويبتسم ابتسامة هادئة ” تمام، نخلي اللعب على المكشوف.

 

عدو الأمس صديق اليوم

وصف المشهد: يجلس صبري بجلسته المعتادة، معطيًا ظهره لمكتبه، والإضاءة الخافتة تُلقي بظلالها على المكان. يتصاعد دخان سيجاره في الهواء، يختلط مع الأضواء ليعطي انطباعًا بالتوتر للمحيطين به، لكنه يمنحه شعورًا بالثقة. تقف إسراء خلف المكتب، تحاول فهم مخططاته بينما يتحدث إليها:

صبري: تفتكري يا إسراء، القوة في الحياة سرها إيه؟

إسراء (بتهكم): بالنسبالي، ولا بالنسبالك؟

صبري: لا، أحب أسمع بالنسبالك إنتي الأول، وبعدين بالنسبالي.
(يعتدل في كرسيه ليشاهد وجهها وهي تتحدث.)

إسراء: بالنسبالي، ممكن كلامي ميعجبكش.

صبري: لا، قولي بس، ممكن يعجبني. إنتي عارفة إني بحب أشتري.

إسراء: أوكي… بالنسبالي، القوة في الأمان. إنك لما تحتاج لحد تلاقيه في ضهرك، وتلاقيه معاك في أي موقف وبدون مبررات. مش هيسألك ليه إنت محتاجني، مش هيستغل ضعفك، ولا احتياجاتك.

صبري: اممم، طب وبالنسبالي؟

إسراء: لا، إنت بالنسبالك الموضوع بيختلف. ممكن تكون القوة في نفوذك وفلوسك. إنت شايف إنهم وسيلة بتحقق بيها كل رغباتك. بس للأسف، في نقطة واحدة ممكن تخسرك كل ده.

صبري (بتهكم): وإيه هي بقى النقطة دي يا سيدة القصر؟

إسراء: الانتقام. إنك تفضل شاغل كل تفكيرك إزاي تنتقم. ده الشيء الوحيد اللي ممكن يدمر القوة اللي بتحلم بيها.

(يخبط صبري بيده على مكتبه، محدثًا صوتًا مدويًا.)

صبري: الانتقام ده هو اللي خلاني كده! هو الدافع اللي خلاني أفضل على القمة، وإن مفيش حد يقدر يواجهني. أنا لو كنت ضعيف، كان أي حد حطني تحت رجله، وداس عليا، وفرمني!
(يحاول استعادة هدوئه، ينفث دخان سيجارته بتأنٍ، ثم يكمل.)

عارفة يا إسراء؟ زمان وأنا صغير، أول ما اشتغلت، اشتغلت صبي ميكانيكي. كان الأسطى بتاعي بيخليني أفك الموتور حتة حتة، أنضفه وأركبه، وهو يصلح العطل اللي موجود. آخر الأسبوع كان يديني خمسة جنيه. خمسة جنيه يا إسراء! كنت باخد بكل جنيه فيهم ضرب، وإهانة، ومرمطة. لما اعترضت وقلتله زودني لأن إخواتي كانوا محتاجين يتغدوا، ربطني وفضل نازل فيا ضرب! ساعتها قررت إني مش هكون ضعيف تاني أبدًا.

(يتوقف للحظة، ثم يستأنف بنبرة انتصار.)

تاني يوم، وقعت موتور كنت بفكه بالقصد، وقع واتكسر. طبعًا صاحب العربية مسكتش، والأسطى هو اللي دفع حق موتور جديد. كنت شايفه وهو بيخسر، لكن كان عندي حالة من الفرحة… إحساس بالنصر! وبقى ده منهجي في الحياة يا إسراء. اللي يضربك ضربة، أوجع قلبه بضربة أقوى منها! أما الأمان اللي بتتكلمي عنه ده، تروحي تتفرجي عليه في الأفلام!

إسراء (يبدو عليها القلق لكنها تحاول الرد بثقة): قلتلك إن كلامي هيضايقك.

صبري: لا خالص، بس أنا حبيت أفوقك! وعلشان أثبتلك إن الحياة مش زي ما إنتي فاكرة، أنا النهاردة اتصلت بمحسن، رنيت رنة وقفلت. سايبه دلوقتي أكيد عمال يسأل نفسه ألف مرة: “أنا عايز منه إيه؟” أسيبه لحد ما يستوي شوية، وبعدين أكلمه أقوله أنا عايز منه إيه.

إسراء (بترقب): وإنت عايز منه إيه؟

صبري (بابتسامة باردة): علشان تعرفي قوة الفلوس، لازم تعرفي إنها بتشتري أي حاجة، حتى البني آدمين! وحتى لو معاهم فلوس، هتشتريهم. لأنه علشان يحافظ على مصالحه، قدامه اختيارين: يا يبقى معايا ويحافظ، يا يبقى ضدي ويخسر. وعلشان محسن فاهم بيزنس وفاهم السوق، أنا متأكد إنه هيبقى معايا ويحافظ… حتى ولو على حساب صديق عمره!

إسراء (بتوتر): يوسف؟

صبري (يبتسم ابتسامة خبيثة، ويشعل سيجارة جديدة): أيوة… حبيب القلب، يوسف!

 

حينما نحب نصمت

جلس يوسف في أحد الكافيهات، يضع سماعات الأذن، ويستمع إلى السيدة أم كلثوم وهي تغني “ألف ليلة وليلة”، مغلقًا عينيه مستمتعًا بغنائها. حتى يقطعه إحساس بيد تخبط على كتفه ببطء، ففتح عينيه ليجد أمامه “مي”. نظر إليها نظرة مطولة، فقد بدت في أجمل صورها، حتى تقاطعه وهي تبدو عليها الخجل.

“مش هتقولى اعقد؟”

انتبه يوسف وقال: “لا، أبداً، إزاي؟” ثم وقف ليقدم لها كرسيًا، وهي تزداد خجلًا.

“اتفضلي.”

ردت في هدوء: “شكرًا لذوقك. آسفة إني تأخرت.”

جلس يوسف وقال: “لا، أبداً، إنتي متأخرتيش. أنا اللي جيت بدري.”

ثم سألها: “تسمحي لي أسأل؟ كنت مندمجة كده مع مين؟”

“طبعًا، مفيش حاجة بتخلي أعصابي وتفكيري هادي غير واحدة بس، الست أم كلثوم. بحس كده إنها فهمتني، بتعبر عني. مرتبط بيها من وأنا صغير. كل ما يكون تفكيري مشغول، بسمعها.”

“آسفة لو كنت متطفلة، بس لقيتك مندمج جدًا معاها.”

“متأسفش على حاجة. خدي راحتك. ها، قولي لي، عاطف وصل لحاجة؟”

“بصراحة، الموضوع طلع معقد أكتر مما كنت متخيلة. عاطف بيقول إن الحسابات فيها تلاعب بشكل كبير. بيقول لي على الأقل مرة كل أسبوع بيتم التلاعب فيها، وكلها بتتم عن طريق أكسس مستر محسن، واللي نقل الملفات كلها برضه أكسس مستر محسن. بس في حاجة غريبة.”

انتبه يوسف وقال: “إيه الغريب؟”

“بيقول إن الوقت المتسجل لسحب الداتا دي كان مستر محسن عامل ميتنج، وده معناه إن شخص تاني هو اللي دخل على الجهاز.”

“يعني في شخص تاني معاه نفس الأكسس بتاع محسن، مع إنه صعب جدًا محسن يعمل كده. محسن بطبعه شكاك، وبيخاف على شغله ومصالحه بشكل مبالغ فيه. تفتكري مين يكون الشخص ده؟”

ردت في تردد: “هو ممكن ما يكونش شخص، ممكن تكون واحدة مثلاً.”

“بتشكي في حد؟”

“شريفة. شايفة إنها أغلب الوقت ما بتخرجش من مكتبه، والنهاردة وأنا بديله الأوراق، عاملة معايا كانها صاحبة الشركة وأكثر. أنا مسكت أعصابي، واختصرت ردي علشان أسيبها على راحتها، لكن هو شك، مش أكيد.”

“نقطة ضعف محسن الوحيدة.”

“إيه هي؟”

“بدون تردد: الستات. محسن ضعيف جدًا، فوق ما تتخيلي قدام الجنس اللطيف. لو هي فهمت ده، هتقدر تسيطر عليه بكل سهولة.”

“طب وانت شايف إيه الخطوة الجاية؟”

“ولا حاجة، هنصبر لحد ما نتأكد. المشكلة إن لو واجهت محسن من غير دليل قوي، هنخسر بعض. ومحسن ده عشرة كبيرة قوي. ده كفاية إنه كان سبب إني أعرفك.”

في ذهول، قالت: “ها؟”

أضاف يوسف بسرعة وكأنه لا يقصد: “لا، قصدي يعني إنك دلوقتي بالنسبة لي دراعي اليمين، وعيني في الشركة، وثقة محسن فيك هي اللي خلتني عندي ثقة فيك.” تلعثم: “فاهمة إيه أقصد؟”

ردت في خجل واضح: “آه، فاهمة طبعًا. هو أنا ممكن أستأذن؟”

بلهفة قال: “لا، استأذني فين؟ ده أنا محضر عشاء. هنتعشى مع بعض أنا وأنتِ. ده لو معندكيش مانع يعني.”

“لا، أنا معنديش مانع، بس مش عايزة أتأخر على ماما. يعني أنت عارف إني سيباها لوحدها.”

“حالا العشاء هيكون جاهز.” التفت إلى المتر: “لو سمحت، ممكن ينزلوا الأكل؟”

“حالا يا فندم.”

نظرت إليه مي في إعجاب ممزوج بالذهول وقالت: “طيب، مش هتقول لي ناوي تعشيني إيه؟”

“لا، خليها مفاجأة. أنا عارف إيه أكتر أكلة بتحبيها وطلبتها.”

“باستغراب: ده إزاي؟”

“من ماما. ربنا يبارك لنا فيها، كلمتها وسألتها.”

نظرت إلى الأرض في خجل وقالت: “أممم… يعني اتفقتوا عليا؟”

بصراحة قال: “آه.”

قام المتر بوضع الطعام أمامهم، وبدآ في تناوله. كان كل منهما ينظر إلى الآخر بين الحين والآخر دون أن يتحدثا، ولكن كانت أعينهم تتحدث. امتزج صمتهم مع صوت الموسيقى في الخلفية، وكلما ازداد صمتهم، كلما امتزج بصوت الموسيقى لتعبر عن اشتعال مشاعر مطفأة منذ سنوات، كبركان يفيض حبًا وشوقًا وحنينًا إلى ما مضى من مشاعر مكبلة، حلت أصفادها لتبحث عن ذاتها في الصمت.

تصحيح مسار

يوسف يجلس على كرسيه الهزاز أمام شرفته، يبدو عليه الهدوء والسكينة، فرحًا بهذا اليوم. فقد شعر أن حياته تجددت بوجود مي. الغريب في الأمر أنه لم يشعر بذلك الذنب حينما يتذكر زوجته. مشاعره أصبحت موقدة، مقبلة على الحياة. في هدوء استعاد تلك اللحظات على طاولة الطعام، كلما اختلس إليها النظر، ووجد على وجنتيها ذلك الخجل. لكن لا يقطع صفو تلك اللحظة إلا أنه سمع صوت حركة مريبة. اعتدل في ارتياب باحثًا عن مصدر الصوت، وما هي إلا لحظات حتى وجد وحيد أمامه، ظهر شاحب الوجه. يعرف أن يوسف فزع منه، فيباغته يوسف بالسؤال:

يوسف: جاي تخلص عليا أنا كمان يا وحيد؟

وحيد (يجلس على الأرض ويضع يديه خلفه ليطمئن يوسف، ثم يرد بندم شديد): لا، أنا جاي أعتذر لك الأول، لأني قررت أسلم نفسي.

يوسف (باستغراب وترقب): تعتذر لي على إيه يا وحيد؟ انت عارف انت عملت إيه؟

وحيد (يبدأ ببكاء ضعيف): عارف، واستاهل كل اللي يجرالي، بس عزّ عليّا إني أسلم نفسي من غير ما آجي لك وأتكلم معاك. انت مش عارف انت كنت بالنسبالها إيه؟ أمي كانت بتحبك، يمكن أكتر مني كمان، كان نفسها أكون زيك، على الأقل كان نفسها أكون كويس.

يوسف (بدأ يشعر بالارتياح قليلًا): وبعدين؟

وحيد: أنا فوقت يا أستاذ يوسف، وكل اللي طالبه منك إنك تسامحني. يمكن لما انت تسامحني هي كمان تسامحني، يمكن ترتاح. مع إني والله والله ما كان قصدي أعمل كده، أنا بس كنت عايز آخد حتتين الصيغة وخلاص. أنا من بعدها حاسس إني ماليش لازمة، دعاها ليا بالستر خلاص خلص يا أستاذ يوسف. (ينهار بالبكاء) لو ليها عندك معزة، سامحني بالله عليك.

يوسف (يتذكر سيدة، ويتذكر كيف كانت تحب وحيد، ورغم ذلك الألم الذي شعر به، يشعر بتعاطف تجاه وحيد. يتجه إليه ويربت على كتفه): قوم يا وحيد. انت عارف هي كانت بالنسبالي إيه، وكل اللي هقدر أعملهولك، إني هحاول أساعدك وأخلي المحامي بتاعي يترافع عنك. يمكن تسليمك لنفسك يخفف الحكم شوية، ويمكن لو أثبت إنك مكنتش في وعيك برضه. واللي بعمله ده مش علشان انت صعبان عليا، لا، علشان أحاول أخليك زي ما هي كانت عايزة.

وحيد (ينهض وهو يبكي بشدة): يعني سامحتني؟

يوسف (يتجه إلى منضدة بجانب كرسيه، ويمسك هاتفه، ويتصل بالشرطة، ثم يتحدث إلى وحيد): مش مهم أنا أسامحك، المهم انت تكون مسامح نفسك.

الحقيقة تقود إلى المعرفة

يجلس عاطف أمام مكتبه، وبجانبه تجلس مي، يشاهدان مقطع فيديو يظهر فيه شريفة داخل غرفة الكمبيوتر، وهي تقوم بسرقة الملفات من على الأجهزة. تنظر مي إلى عاطف بنظرة انتصار، ثم تتحدث بثقة:

مي (بابتسامة خفيفة): كنت متأكدة.

عاطف (بدهشة): يعني إنتي كنتي عارفة؟

مي: لا، كنت شاكّة، بس كان شك بيقين. أسلوبهم مع بعض كان بيأكد إن في حاجة بينهم.

عاطف (مستغربًا): بس الغريب… ليه تاخد الملفات من وراه؟ المفروض معاه “أكسس” لكل حاجة، يعني مش محتاج يسرقها.

ممكن يكون عايز يبعد الشبهة عنه؟

مي (بتردد): ممكن… بس مش مقتنع. في طرف ثالث في الموضوع. شريفة دي مش سهلة، وأكيد متفقة مع حد تاني… بس تفتكري مين؟

عاطف: علمي علمك. (بحماس) عموماً إحنا كده معانا دليل قوي وقاطع! دلوقتي مستر يوسف يقدر يتكلم وياخد حقه.

مي (بهدوء): تعرف… هو صعبان عليا جدًا. مش عارف يلاقيها منين ولا منين.

عاطف: المهم دلوقتي إننا نوصّله الفيديو، وهو يشوف هيتصرف إزاي.

مي: صح كلامك.

يخرج عاطف فلاشة من درج مكتبه، وينقل الفيديوهات عليها، ثم يعطيها لـ مي. تأخذها منه بحذر، تنهض من مقعدها، تلقي نظرة أخيرة على الشاشة، ثم تخرج في هدوء، وتغلق الباب خلفها بحركة حازمة.

سكتنا واحدة

يجلس محسن في لوبي أحد الفنادق الشهيرة، يحتسي كوبًا من الشاي. يلتفت حوله في توتر، لكنه يحاول أن يظل محافظًا على هدوئه. في الجانب الآخر، يقف صبري خلف بانوه يترقب محسن في صمت، وفي عينيه نظرات انتصار. ربما يدرك تمامًا أن محسن يحاول المحافظة على هدوء ملامحه، لكنه يعرف أن بداخله تساؤلات كثيرة. لقاء يحسم الكثير، يستعيد مباراة قديمة، كان بطلها يوسف، سانده محسن، وخسر هو فيها. الآن قد أتيحت له الفرصة ليستعيد مكسبه الضائع، فقد خسر يوسف زوجته، والآن سيخسر صديقه ونجاح عمله.

يحدث نفسه: يا له من انتصار محقق!

يسير في خطوات ثابتة نحو محسن وهو يشعل سيجاره، يقترب منه في هدوء ثم يجلس بدون أن يمد يده ليسلم عليه. ينظر إليه محسن وهو يتأمل ملامحه التي تغيرت قليلًا، ليبادره صبري بالسؤال:

صبري (ساخرًا): إيه؟ بان عليا العمر؟” يضحك ساخرا” ً صغرت أكتر، صح؟

محسن (بهدوء): عايز إيه يا صبري؟

صبري (يعتدل في جلسته، وكأنه كان متوقع السؤال): مصلحتك.

محسن: وانت مالك ومال مصلحتي؟ ومن إمتى بتخاف عليها؟

صبري: لا، مش مسألة خوف عليها، تقدر تقول مصالح مشتركة. بص من الآخر كده، أنا ما عنديش عداء شخصي معاك، وما يرضنيش إنك تقع وترجع تبدأ من الصفر. فقلت أعرض عليك عرض، وأنا عارف وواثق إنك هتوافق، لأنك بصراحة ما تقدرش ترفض.

محسن (ساخرًا): مش عارف أنت جايب الثقة دي منين… طيب قول الكلام ده لحد تاني ميكونش عارفك كويس، ولا إيه؟

صبري (بثقة): لا، هتوافق. بص من الآخر كده، أنا قادر أخلي الشركة تفلس من بكرة الصبح، وكل مناقصات الشركة أنا فعلاً جهزت عروض أقل منها، وأقدر أقدمها، ولسه قدامي وقت، بس قلت أخليك في الأصول الأول.

محسن (بهدوء وثقة): شريفة، مش كده؟ على فكرة أنا كنت عارف، وكنت مستنيك تكلمني. وعايز أقولك إني أنا كمان عملت عروض جديدة، شريفة متعرفش عنها حاجة. ينظر إليه بمكر بس لسه مقدمتهاش.

صبري (يضحك بخبث): خلبوص كبير انت… لاعيب قديم” ! ثم ينظر إليه بحدة ” بس تقدر تقولي مقدمتهاش ليه؟ ما تتعبش نفسك، هقولك أنا، علشان انت عارف إنك معايا هتكسب أكتر، صح؟

محسن (بجفاف): هات من الآخر، قول اللي عندك.

صبري: أنا هقدم العروض بتاعتي، وانت ليك نص المكسب. الشركة عند يوسف هتقع، هنغير اسمها، وانت اللي هتمسكها. وكده تبقى انت مبسوط، وأنا مبسوط، وكل اللي جاي، هرميه عليك. وأظن كده يبقى عداني العيب.

محسن (يعتدل في جلسته، بنبرة متوجسة): ممكن أسألك سؤال؟

صبري (بثقة): عايز تعرف أنا بعمل كل ده ليه؟ صدقني… مش من مصلحتك تعرف. عايز تلعب معايا؟ العب من غير سؤال.

ينهض، يعدل سترته، ثم ينظر إلى محسن نظرة نهائية قبل أن يقول:

صبري: أنا مش هسيبك تفكر… هستناك بكرة في مكتبي نخلص الاتفاق. سلام.

يسير باتجاه باب الخروج، بينما يتابعه محسن بنظرة طويلة حتى يخرج. يخرج نفسًا من سيجارته في هدوء، ثم يتلفت حوله، وينهض، ويسير هو الآخر باتجاه باب الخروج.

 

خيوط تتواصل من جديد

تقف إسراء أمام باب منزل يوسف، تتردد في طرق الباب. تخاف من ردة فعله، لكن ليس لديها أي خيار آخر. قامت برن الجرس، ولكن بدون أي استجابة من الداخل. ضغطت على الزر مرة أخرى، وانتظرت قليلاً، حتى سمعت صوت خطوات قادمة باتجاه الباب. يفتح يوسف الباب ليفاجأ بإسراء تقف أمامه. نظر إليها في صمت، وهي الأخرى كانت تنظر إليه في صمت، ولكن صمتًا يختلط به اللهفة. لقاء انتظرته لمدة طويلة، بداخلها تتمنى أن ترتمي في أحضانه وتبكي، لكنها تمالكت نفسها وتحدثت إليه في هدوء:
“مش هتقولي أدخل؟ الموضوع مهم، هقوله لك وأمشي على طول.”

يوسف:
في قلق وتوتر،:”اتفضلي.”
سار بخطوات سريعة إلى الداخل، كأنه يرفض النظر إليها، ويخاف أن يكون أحد أعيب صبري. لكن كان عليه الاستماع إليها. اتجه نحو الأريكة.
دخلت إسراء وتركت باب المنزل مفتوحًا، ثم اتجهت نحو الأريكة وجلست. نظرت إليه

يوسف:
نظر إليها على مضض: “خير.”

إسراء:
“لا، مش خير. أنا عايزة أقولك إن صبري بيخطط لشيء كبير ضدك. أنا مش عارفة كل التفاصيل، لكن اللي متأكدة منه إنه مش خير خالص. عمري ما شوفته عنده الثقة دي إنه هيأذيك، ولا شوفته بالفرحة دي قبل كده.”

يوسف:
قام بالرد عليها بغضب:
“وأنتي بقى المفروض جاية تحذريني؟ والمفروض إني أسمع كلامك، وأبقى طاير من الفرحة إنك جاية تنقذيني؟”

إسراء:
نهضت غاضبة:
“إنت بتعاملني كده ليه؟ أيوة، جاية أنقذك. أقولك على حاجة كمان: عارفة إنى غلطت، بس ده كان زمان. كنا صغيرين، مكناش بنعرف نقدر المواقف. عايز تسمع إيه تاني؟ إن حياتي اتدمرت؟ إنى محققتش ولا حاجة؟ عايز تسمع إنى بقيت زي اللعبة في إيد صبري؟ إيه تاني عايز تسمعه يا يوسف؟ ندمانة يا أخي، ندمانة!”

يوسف:
نظر إليها في عطف، لكنه حاول أن يظل متماسكًا:
“طيب، اعقدي.”

إسراء:
ظلت واقفة وهي تبكي:
“بص يا يوسف، أنا كنت عارفة من الأول إنك هترفض تسمعني، لكن مقدرتش أبيعك مرة كمان. مقدرتش أشوف إنك هتضيع تاني وأفضل واقفة بتفرج.”

في تلك اللحظة، دخلت مي لتشاهد يوسف وإسراء. رأت إسراء تبكي بحرقة، فتوجهت نحوهما بترقب:
“أنا أسفة، لقيت الباب مفتوح فقلقت فدخلت.”

يوسف:
نهض يوسف:
“تعالي يا مي.”
ثم حاول تبرير الموقف:
“أعرفك، الآنسة إسراء، معرفة قديمة، وشغالة مع صبري، وكانت جاية تحذرني منه.”

إسراء:
نظرت إسراء إلى مي بذهول، فرأت فيها شيئًا من زوجة يوسف. ثم نظرت إلى عيني يوسف، ولاحظت لمعةً تدل على مشاعره تجاه مي. قالت بتردد:
“أيوة، معرفة قديمة.”

مي:
تحدثت مي إلى إسراء بعطف:
“طيب، ممكن تهدي وتعقدي؟ أنا مش عارفة إنتي بتعيطي ليه، لكن اهدي لو سمحتي، وإن شاء الله كل الأمور هتتحل.”
تقدمت مي نحو إسراء وربطت على يديها، ثم جذبتها ليجلسا بجانب بعضهما.

يوسف:
كان يوسف يحاول استيعاب الموقف، ثم بادر مي بالحديث:
“وصلتي لإيه؟”

مي:
أخرجت مي الفلاشة من حقيبتها وأعطتها ليوسف:
“شريفة زي ما قولتلك، هي اللي خدت الملفات من على الجهاز.”

إسراء:
نظرت إسراء إلى يوسف:
“شريفة؟ الاسم ده مش غريب عليا. سمعت صبري بيتكلم معاها قبل كده.”

يوسف:
“شريفة دي مش سهلة، بتلعب على الوينجين. لعبت على محسن، ولعبت مع صبري.”

نظرت مي إلى يوسف وكأنها تقول له أن يهدئ إسراء. فهم يوسف المقصد وتحدث إلى إسراء:
يوسف:
“بصي يا إسراء، أنا أسف على المقابلة دي، لكن أكيد إنتي مقدرة موقفي. طبعًا أنا عايز أشكرك، لكن مش عارف إزاي.”

إسراء:
قاطعته إسراء ونهضت:
“أنا مش مستنية منك شكر يا يوسف. أنا دلوقتي ضميري مستريح.”
نظرت إلى مي:
“وشايفة إنك مش هتكون محتاجة لي في حاجة.”

تركتهم إسراء وخرجت، وهم يتابعونها بأعينهم. نظرت مي إلى يوسف وكأنها تتساءل.

يوسف:
قال لها مباشرة:
“هبقى أفهمك بعدين. المهم إحنا لازم نبدأ نتحرك. عايزك تتفقي مع عاطف على ميتنج بليل. هبعتلك اللوكيشن.”

نهض يوسف وسار إلى الأعلى. كانت مي تتابعه بنظرة لا تخلو من العطف والحب.

 

 

 

سباق مع الزمن

في أحد الكافيهات الشهيرة، تجلس مي وإلى جانبها عاطف، وأمامهما لاب توب. يمسك عاطف كوبًا من الشاي، ويبدو عليه التوتر والحماس بينما يشاهد يوسف وهو قادم إليهما. ينهضان فور رؤيته، ينتظران وصوله. تلاحظ مي أنه يبدو سعيدًا، وترتسم على وجهه ابتسامة خفيفة. ينظر إليها، ثم ينتقل ببصره إلى عاطف، قبل أن يمد يده ليصافحه، قائلًا:

يوسف: تفضلوا، واقفين ليه؟

(يجلسون، ويبدأ عاطف الحديث بحماس واضح.)

عاطف (بفرح): حضرتك مش متخيل أنا مبسوط قد إيه إني شوفت حضرتك النهاردة!

مي (مازحة): من ساعة ما وصلنا وهو كل دقيقة يسألني: “متأكدة إن مستر يوسف هييجي؟” مش عارفة مكنش مصدقني ليه!

يوسف (مبتسمًا): أهو أنا جيت يا سيدي! في الأول حابب أشكرك على موقفك معايا، ومتأكد تمامًا إن ده نابع من حب وإخلاص ليا وللشركة.

عاطف: أكيد يا مستر يوسف، أفضالك عليا لا تعد، وعمري ما أنسى جميلك معايا.

(تقاطعه مي، موجهة الحديث إلى يوسف.)

مي: ها، نويت تعمل إيه؟

يوسف (بثقة ونبرة نصر): لا، أنا خلاص عملت… وتحديدًا، مش أنا. ينظر إلى عاطف عاطف اللي عمل.

مي (باستغراب): عمل إيه؟

يوسف: هخليه هو يحكيلك، احكيلها يا عاطف.

(يعتدل عاطف في جلسته، يرتدي نظارته، وينظر إلى اللاب توب أمامه قبل أن يتحدث.)

عاطف: مستر يوسف كلمني وطلب مني إني ألغي الـ  اكسس بتاع مستر محسن، وكمان أشفر الملفات على كل الأجهزة، بحيث محدش يقدر يفك الشفرة غير مستر يوسف، بكود تم إنشاؤه مخصوص. حتى أنا مقدرش أفك التشفير إلا لما مستر يوسف يسمح بكده.

(يتوقف لحظة، ثم يكمل بحماس.)

عاطف: طبعًا، خدنا  بيك اب لكل الملفات، وثانيًا، عدلنا كل أسعار المناقصات، وده بحركة ذكية اقترحها مستر يوسف. بما إن جهاز محسن مرتبط بشبكة الشركة، قدرت ببساطة أدخل على جهازه وأعرف كل حاجة تقريبًا، وده سهل علينا تعديل العروض وإرسالها، مع اعتذار رسمي من الشركة. معظم الشركات تفهمت الموقف وردوا علينا بالإيجاب. وبكده، كل اللي كانوا بيحاولوا يعملوه بقى مالوش أي قيمة.

مي (بانبهار): يا عفاريت!

يوسف (ضاحكًا): ولا عفاريت ولا حاجة! عاطف شاطر جدًا في شغله، ومحسن على الأقل محتاج يومين أو تلاتة علشان يكتشف اللي حصل، لأننا عملنا كده بعد آخر تعديل هو شخصيًا عمله في ملفات الحسابات.

(يتوقف لحظة، ثم يتحدث بجدية.)

يوسف: المهم دلوقتي… هنهي الموضوع ده إزاي؟

مي (بعطف): لازم ترجع الشركة، لازم تواجه كل اللي بيحصل!

عاطف (بحماس): أنا متفق تمامًا مع الأنسة مي، لازم ترجع الشركة!

يوسف ينظر إليهما للحظة، ثم يومئ برأسه ببطء، وكأنه قد اتخذ قراره  ينظر كل من مي وعاطف إلى بعضهما في صمت، ثم يعاودان النظر إلى يوسف، في انتظار قراره

 

الشيطان يعظ

(يجلس صبري في مكتبه، ورائحة الدخان تملأ المكان، والإضاءة الخافتة  ،يجلس محسن أمامه، يشعر بضيق صدره وضعفه أمامه، لكنه لا يملك بديلًا آخر. يرى أنه يستحق الشركة، يؤمن بأنها حقه بكل تأكيد، فهو السبب الرئيسي في كل النجاحات. نعم، لم يبخل يوسف عليه بشيء، بل كان كريمًا، وجعل مركزه مرموقًا، بل اليد العليا في الشركة، لكنه يشعر أن ذلك لا يكفيه. لماذا لا يأخذ ما يراه حقه؟ الآن، حانت لحظة قوته، ولن تتكرر مرة أخرى.)

(ينظر إليه صبري وكأنه يشاهد صراعه الداخلي، يتلذذ وهو يخرج أنفاس سيجارته، ثم يباغته بالسؤال:)

صبري: “إنت خايف من يوسف ولا إيه؟”

(ينتبه محسن ويرد بغرور يغلبه التوتر:)

محسن: “أنا مبخافش، وإنت عارف كده كويس… وأقولك على حاجة، ولا بخاف منك إنت كمان!”

صبري: “اهدى بس، ملوش لازمة الكلام اللي لا بيودي ولا بيجيب ده… إنت عارف إني حافظك أكتر من نفسك، وعارف إنت عمال تفكر في إيه، بس ده ميخصنيش. اللي تغلب به العب به، وإنت حصاني الكسبان، وأنا مراهن… وإنت عارف، مبحبش الخسارة.” (يقترب قليلًا، ينظر إليه بمكر) “ولا إنت زعلان علشان شريفة؟”

(يشعر محسن بضيق أشد:)

محسن: “شريفة دي حسابها معايا بعدين.” (يحدثه بعنف) “بس خد بالك، أنا مش يوسف، أي حركة ندالة معايا يا صبري، ورحمة أمي، ما هسيبك، وهاخد حقي منك للآخر!”

صبري: “يا عم، هو إنت على طول عصبي كده؟ خليك هادي علشان تعرف تسيطر. ها… مش هنمضي العقود بقى؟ الوقت اتأخر، وأكيد عايز تروح ترتاح شوية، ولا إيه؟”

ينظر “محسن” إليه نظرة اشمئزاز، قبل أن يرد بنبرة ضجرة

محسن: “خلصنا يا عم… هات الزفت العقود!”

(بهدوء، يخرج صبري الأوراق من درج مكتبه، ويضعها أمام محسن وهو يحدثه:)

صبري: “في حد يكلم شريكه كده؟ امضي يا حبيبي… امضي!”

يلتقط “محسن” الأوراق، ينظر إليها لثوانٍ في تردد، أصابعه تتوتر وهو يمسك القلم، يضغطه بين يديه، وكأنه يتصارع مع نفسه. ثم، يتنهد أخيرًا ويوقع، بينما تراقبه عينا “صبري” بلمعان الانتصار. بمجرد أن ينتهي، يسحب “صبري” الأوراق بهدوء، يعدل جلسته، يمرر أصابعه على التوقيع، ثم يبتسم ابتسامة تدل على انتصاره

 

لحظاتي السعيدة

(تفتح مي باب شقتها، تدخل باتجاه الصالة، تبحث عن أمها فتطمئن أنها نامت. تجلس على الأريكة مستلقية، تضع حقيبتها بجانبها، وهي لا تعرف ذلك الشعور الذي يتملكها. تشعر بالسعادة لأنها استطاعت مساعدة يوسف، لكنها في الوقت نفسه تخشى ما سيحدث. غير أن أكثر ما يعكر صفوها هو ذلك الإحساس الذي يقودها نحو يوسف بجنون. تشعر وكأنها كانت تقف على أعلى نقطة في جبل، ثم هوت بلا هوادة، وارتطمت بواقع أن قلبها لا يزال يمتلك القدرة على الحب. كانت تظن أنها قد أوصدته بكل قوتها، لكنها الآن تضعف، بل أكثر من ذلك، تشعر أنها لا تملك قوة السيطرة على تلك المشاعر الجارفة التي تأخذها نحو طريق لا تعلم نهايته.)

(تشاهد صورة أبيها أمامها، فتنظر إليها وكأنها تسأله: هل توافق على ذلك الشعور؟ ولكن بالطبع لن تجد الإجابة. تنهدت ببطء، حتى سمعت صوت باب غرفة أمها يفتح. تتوجه إليها الأم بهدوء وعطف، تحتضنها وتبادرها بالحديث.)

الأم: “فكراني نمت طبعًا؟ تفتكري أقدر أنام من غير ما أطمن عليكي؟”

مي (مازحة): “بصراحة استغربت، لأنك متصلتيش بيا، ولا قولتيلي اتأخرت ليه، فقلت أكيد خدتي العلاج ونمتي.”

الأم (في هدوء وهي تجلس بجانبها): “أولًا مخدتش العلاج، لأني متعودة إنك إنتي اللي تدهولي، ثانيًا متصلتش علشان مضايقكيش.”

مي (باستغراب): “وأنا إيه اللي هيضايقني؟”

الأم: “متفهمنيش غلط، قصدي إني قلت أسيبك تفكري مع نفسك شوية…” (بمكر) “ومع يوسف.”

مي (بخجل): “يوسف؟!”

(تعتدل الأم في جلستها، وتنظر إليها بحنان.)

الأم: “آه يوسف يا مي، أنا أمك، حافظاكي وعارفاكي أكتر من نفسك. من زمان مشوفتكيش بالحالة دي… فرحانة، وهادية، بحس إن لما بيكلمك بتكوني مبسوطة. بصي كده من الآخر، إنتي بتحبي يوسف، صح؟”

مي (ترد بخجل وتردد): “بحبه إيه بس يا ماما، كل الموضوع إنه في مشكلة وأنا بحاول أساعده… إنتي عارفة إني قافلة باب الموضوع ده من زمان.”

الأم: “طيب، أنا هقولك كلمتين وإنتي حرة يا بنتي… الإنسان ساعات بيفتكر إن قراراته صح، وإنه أكتر حد عارف مصلحة نفسه، لكن العمر يا بنتي بيفرق… في الخبرة، وفهم الناس. وربنا سبحانه وتعالى خلق الكون كله فيه الحلو والوحش، مش معنى إننا قابلنا الوحش في الأول إننا مش هنقابل الحلو. فلما نقابله لازم نحافظ عليه.” (في حب) “إدي لنفسك فرصة يا بنتي، أنا نفسي أطمن عليكي قبل ما أسيبك وأقابل وجه كريم.”

(تحتضنها مي بعاطفة.)

مي: “بعد الشر عنك يا ست الكل!”

الأم: “توعديني؟”

(تنظر إليها مي في خجل.)

مي: “أوعدك.”

حيرت قلبي معاك

يوسف يجلس أمام شرفته في جلسته المعتادة، وصوت السيدة أم كلثوم يصدح في الخلفية بأغنيتها حيرت قلبي معاك، وتحديدًا مقطع:

بدي أشكي لك من نار حبي، بدي أحكي لك عن اللي في قلبي، وأقول لك عن اللي سهرني… وأقول لك عن اللي بكاني…”

يتنهد يوسف مع سماع تلك الكلمات، تنهيدة تدل على الصراع بداخله. تغيب عيناه للحظات، متذكرًا مي، يتأملها في خياله، وهي تتحدث، وهي تبتسم، وهي جادة… كل شيء كان هي، وكأنها الفرصة الوحيدة لاستعادة ذاته الضائعة منذ سنوات.

ولكن ما أصعب تلك الحياة… حينما تبتسم لك، تأتي أيضًا بما لا تشتهيه. لم يكن يتخيل أن تأتيه الخيانة من صديق الدرب، من محسن. يتذكر كيف كانا في ريعان شبابهما، يقاتلان معًا من أجل تحقيق ذاتيهما، يتذكر أول فرحة انتصار، يوم ركضا في الشارع مهللين، والناس تنظر إليهما وكأنهما طفلان أو مجذوبان. يتذكر فرحته بزواجه، وكيف كان محسن بجانبه، واقفًا معه في كل لحظاته.

لماذا تغيّر إلى هذه الدرجة؟
هل السلطة والمال يدمران ذات الإنسان، يجعلان منه آلة نهمة للالتهام والسيطرة؟
أم أنه الحقد؟

هو يعلم تمامًا فشل محسن في كل علاقاته العاطفية. نصحه كثيرًا:
عليك أن تحب، لا أن تسيطر.”

لكن محسن لم يتعلم، بل ظل يعيد نفس الخطأ، وكأنه يهرب من شيء لا يفهمه. لم ينسَ يوسف قصة والدي محسن، كيف كانت والدته مسيطرة في كل القرارات، مما جعل الحياة مستحيلة بينهما. قرر محسن بعد ذلك أن يكون هو صاحب الكلمة في كل شيء، حتى في المشاعر.

يجب أن تحبني كما أريد، تبتسم حينما أريد، تأكل حينما أريد.”

كان يحب أن تخضع له كل النساء بلا تساؤلات. جانب مظلم من شخصية محسن، ربما هو نفسه لا يدركه، لكنه يحيا على أساسه. فشلت تجربة تلو الأخرى، ولم يتعلم، بل كان سعيدًا بعلاقاته المتعددة، رغم أن أغلبها في النهاية تحولت إلى علاقات سامة ومُلوثة. دائرة مغلقة، لن يستطيع الخروج منها.

لكن أكثر ما كان يُقلق يوسف هو تلك اللحظة التي سيواجه فيها صديق العمر… كيف سيكون متماسكًا أمامه؟

هو يعلم في قرارة نفسه أنه يلين سريعًا، فقد علمته زوجته كيف يرقّ، كيف يسامح… لكنها تناست أن تعلّمه كيف ينتقم.

الانتقام رغبة، والرغبة إذا زادت أصبحت شهوة، والشهوات تسيطر على صاحبها.”

هو بالتأكيد لا يريد أن تسيطر عليه فكرة الانتقام، لكنه يعلم أنها ستكون مواجهة صعبة، حتمية، بقرارات يجب أن يتحمل هو وحده عواقبها.

ثم يتذكر مي، يبتسم بهدوء… يدرك أنها ستتحمل معه. لا يعرف حقيقة شعورها، لكنه يرى في عينيها كل الحب.

صوت الموسيقى يضعه في حالة استرخاء واستسلام تام، حينما تشدو أم كلثوم:

وأقول ما شافش الحيرة عليّا لما باسلم، ولا شافش يوم الشوق في عيني راح يتكلم…”

يضحك على نفسه حينما يتنهد، ويشعر أنه الآن كطفل أمام تلك الأنثى، ويتمتم في خجل ملحوظ:

حيرت قلبي معاك…”

 

العودة

يوسف يقف بالقرب من الشركة، ينظر إلى هذا الصرح الكبير الذي بدأ بكيان صغير جدًا. يفخر بهذا الإنجاز الذي حققه، والآن عليه أن يحارب من أجله من جديد. يستند إلى كرسيه، ثم ينظر إلى ساعته، حتى تأتي مي، تفتح باب السيارة، تدخل وتجلس، ثم تحدثه:

مي: أسفة، اتأخرت عليك.”

ينظر إليها يوسف نظرة مطولة، تشعر بالخجل، تحاول أن تخرج من هذا الموقف فتقول بسرعة:

مي: مش يلا بينا ندخل؟

يرد بهدوء وكأنه سعيد بتلك النظرة الخجولة:

يوسف: لا، استني شوية، أنا عايز محسن يكون جوة في مكتبه وكمان شريفة.”

مي: انت هنا من بدري بقى؟

يوسف: معرفتش أنام كويس، انتي مش مدركة ولا متخيلة إيه اللي ممكن يحصل.”

مي: لا، عارفة، علشان كده كنت مصممة أبقى معاك.”

يباغتها بالسؤال:

يوسف: خايفة عليا؟

ترتبك، ثم ترد بتوتر:

مي: يعني… مش مسألة خايفة عليك… هو يعني…” ثم باستسلام: آه يا يوسف، خايفة عليك… ارتحت؟

يبتسم ثم يرد بهدوء:

يوسف: يعني إحساسي مكدبنيش.”

تحمر وجنتاها أكثر، فترد بسرعة محاولة تغيير الموضوع:

مي: انت شايف إن ده وقته؟ بص، أنا هنزل، وانت لما تحب تدخل، ابقى تعالى.”

تعتدل لتفتح باب السيارة، لكن يوسف يمد يده ويمسك بيدها بحب. تنظر إليه، وتشعر أن جسدها كله ينتفض، وضربات قلبها تزداد بقوة عارمة، بينما يحدثها في هدوء، فقد لمح محسن وهو يدخل إلى الشركة:

يوسف: خلاص يا ستّي، هننزل… محسن وصل.”

تسحب مي يدها في هدوء، تحاول أن تتمالك نفسها، ثم تخرج نفسًا عميقًا، وهي تنظر إليه. يبتسم ابتسامة هادئة، ثم يفتح باب السيارة ويخرج منها، وهي الأخرى تسير بجانبه باتجاه الشركة.

المواجهة
يقف محسن أمام مكتبه، يسير بتوتر ملحوظ، ظاهر من حركة يديه، وتعابير وجهه. تفتح شريفة باب المكتب وتدخل مسرعة إليه ثم تحدثه ويبدو عليها التوتر الشديد.

شريفة: في إيه؟ مالك؟ كل اللي يشوفني يقولي روحي لمستر محسن، إيه اللي حصل؟

محسن (ينظر إليها في غضب): يعني مش عارفة إيه اللي حصل؟ (يمسك يديها بقوة) بعتيني تاني لمين يا شريفة؟ انطقي، أديتي الفلاشة لمين تاني؟

شريفة (ترد بخوف): فلاشة إيه يا محسن؟ منا أديتها لك.

محسن (بعنف): بصي يا بت إنتِ، أنا عارف كل حاجة. أوعي تفتكري إن صبري هيعمل حاجة لله وللوطن. أول حاجة باعها كانت إنتِ، يعني من الآخر كده مش عايز لف ودوران. الفلاشة دي راحت لمين تاني؟

شريفة (باستسلام): والله مفيش حد تاني، إنت وصبري وبس.

محسن (بتوتر): بتعملي فيا أنا كده؟ طب يوسف عرف منين؟ قولي لي عرف منين؟

شريفة (تحاول سحب يديها): يعني تفتكر إنّي عبيطة علشان أروح أدي الفلاشة ليوسف؟ أنا في عميل كلمني الصبح وقال لي إنه جاله عرض جديد، وجواب اعتذار رسمي من الشركة. عارفة ده معناه إيه؟ معناه إن يوسف عرف كل حاجة. تقدري تقولي لي ازاي؟

(يفتح يوسف باب المكتب ويدخل في هدوء هو ومي وعاطف. يرتبك محسن ويترك يدي شريفة، ثم يلتفت إلى يوسف ويتجه نحوه ويتحدث معه في خوف).

محسن: يوسف، حمد الله بالسلامة. نورت مكتبك، الشركة كلها منورة بوجودك والله.

يوسف (ينظر إليه بقوة): لا قديم الكلام ده، كملوا كنتوا بتقولوا إيه؟ ولا أقولك أكملك أنا؟

(ينظر محسن إلى عاطف ومي، ويدرك الموقف تمامًا ولكنه يحاول التماسك).

محسن: لا إحنا مكناش بنقول حاجة. ده شريفة كانت باعته بيانات غلط للعملاء، وكنت بفهمها غلطها بس. اتفضل، اتفضل يا يوسف اعقد على مكتبك.

عاطف (ينظر إلى مي في نظرة استغراب، ثم يتحدث يوسف إلى عاطف في هدوء): ما تفرجنا على الفيديوهات دي يا بشمهندس، يمكن يكون مستر محسن مشفهاش ولا حاجة.

(يتجه عاطف إلى المكتب وهو يحرك نظارته).

عاطف: حاضر يا مستر يوسف. (يضع اللاب توب على المكتب ويقوم بتشغيل فيديو السرقة).

يوسف (يتحدث إلى محسن): أنا عارف إنك مش محتاج تتفرج على الفيديو ده، بس علشان ما يكونش في أي كلام تاني بعد اللي هقوله. سيبك إنها استغفلتك، وباعت البيانات لصبري. إنت، بقالك قد إيه بتسرق؟

محسن (يقاطعه بعنف): يوسف، ميصحش اللي بتقوله ده.

يوسف (بالرد بقوة حازمة): إنت تسكت خالص لحد ما أخلص كلامي، فاهم؟ كل التلاعبات في ملف الحسابات موجودة، بحسابك إنت، وكل التحويلات معروفة راحت فين. لكن اللي أنا مستغربه يا أخي، ليه؟ وتيجي منك إنت؟ (يقوم بالخبط على المكتب). أنا قصرت معاك في إيه؟

محسن (يتحدث كأنه يدافع عن حقه): حقي يا أخي، أنا اللي بتعب، أنا اللي بخلص، وإنت بتيجي تاخد على الجاهز. بقالك قد إيه مجتش الشركة؟ بقالك قد إيه متعرفش عنها حاجة؟ من حقي أكون مكانك، الشركة دي يعني أنا يا يوسف، أنا وبس.

(تحاول شريفة التسلل والخروج من المكتب، لكن يستوقفها يوسف).

يوسف: رايحة فين؟ هو إنتِ فاكرة اللي عملتيه ده هيعدي بالساهل؟ كده كده في قانون يتعامل مع اللي زيك، لكن أنا مش هستخدم أسلوبكم الرخيص. أنا هتعامل بالقانون. اتفضلي اطلعي بره، هنتقابل تاني.

(تخرج شريفة مسرعة، تحاول جمع شتاتها. يتوجه يوسف إلى محسن بالحديث).

يوسف: أما إنت فبرضه القانون هيجيب لي حقّي منك. كل جنيه سرقته، وكل اللي كنت بتحاول تعمله هيتهد على دماغك. هرجعك زي ما كنت للصفر يا محسن، للصفر.

محسن (بعصبية شديدة، وهو يخرج): مش هتقدر يا يوسف، مش هتقدر. كل حاجة تحت إيدي يا يوسف، وريني هتعمل إيه؟

(يخرج محسن ليشاهد مجموعة من الموظفين مجتمعين بالقرب من الباب. يقوم بدفعهم بقوة وهو يتحدث إليهم بعنف).

محسن: واقفين بتتفرجوا على إيه؟ خصم شهر ليكم كلكم، لا رفد.

(ثم يسير باتجاه السلم وينزل مسرعًا).

(تنظر مي إلى يوسف، ويوسف يحاول استجماع قواه، ثم يتحدث إلى الموظفين).

يوسف: مفيش حاجة حصلت يا جماعة، إحنا زي ما إحنا، وهنرجع أقوى من الأول. وأحب أقول لكم إن أول قرار النهاردة، أنا عينت المهندس عاطف مكان مستر محسن. ليه كل الصلاحيات، وهتشاركه في الإدارة. الأنسة مي، وكل واحد فيكم في مكانه زي ما هو. والفترة اللي جاية هتشوفوا تغيير كبير. اتفضلوا على مكاتبكم.

(يتجه الموظفون إلى مكاتبهم، ومي وعاطف ينظرون إلى بعضهم في استغراب شديد. يتجه يوسف ليجلس على كرسي المكتب، ثم يتنهد بقوة. تتجه إليه مي وتضع يديها على كتفه تحاول تهدئته).

صبري يغلق هاتفه ويضعه بقوة على المكتب، ويبدو عليه الانهيار التام. إسراء تقف أمامه في صمت وهدوء، يشعر صبري بالجنون، ويبدأ بالتحدث إلى نفسه:

صبري:
يعني إيه؟ يعني كل اللي عملته راح على الأرض؟ يعني يوسف قدر يقف قصادي تاني؟ وبسبب إيه؟ غباء موظف. هيفضل طول عمره موظف، وحتة بت لا راحت ولا جت.

يقوم صبري برمي الأشياء من على مكتبه بقوة، لتقع على الأرض وتنكسر، كل ذلك وإسراء** تقف في هدوء شديد وتقوم بالتحدث إليه:**

إسراء:
وايه الجديد؟ ما طول عمره بيكسبك، عارف ليه؟ لأنه مش شاغل نفسه بيك، هو شاغل نفسه بنفسه وبس. هيفضل يوسف أزمتك طول حياتك، والفرصة دي مش هتتكرر تاني.

يتجه صبري إليها ويقوم بالإمساك بها بعنف.

صبري:
لا أنا اللي بخلق الفرص يا إسراء، وإنتِ هتفضلي طول عمرك كده. إحنا ما نختلفش عن بعض كتير يا إسراء. إنتِ عندك استعداد تبيعِ أي شيء، ومهما كان، علشان توصلي لأي هدف إنتِ عايزاه. الفرق اللي بيني وبينك إنك ضعيفة، ما بتقدريش تكملِ لآخر، لكن أنا نفسي طويل. هفضل ورا حبيب القلب ده لحد ما أجيبه الأرض، فاهمة؟

إسراء (بترد في هدوء وهي تسحب يديه من عليها):
كان زمان يا صبري. ده أنا تلميذتك. عيب أبقى معاك كل السنين دي وما أتعلمش منك حاجة. إنت اللي علمتني إزاي أنتقم، بس المرة دي أنا هنتقم منك إنت. دقايق وهتلاقي البوليس داخل يقبض عليك. كل بلاويك أنا سلمتها للشرطة، واعترفت على كل حاجة أنا أعرفها. ووريني لما تخرج من السجن هيبقى عندك طاقة تاني تنتقم ولا لأ؟ لأن بلاويك كتير، وأعتقد إنك مش هتخرج بدري أبدًا.

محاولة صبري استيعاب كلامها، وينقلب حديثه إلى هدوء ولطف:

صبري:
يعني إيه يا إسراء؟ إنتِ عملتِ كده بجد؟ يعني بعد العز اللي عيشتِ فيه؟ والعمر ده كله، هتعملي فيا كده؟

يتصاعد في العصبية:
ده أنا أموتك!

إسراء (محافظة على هدوئها):
آه يا صبري، العز اللي عيشتني فيه ده كان علشان خاطر إني بحب يوسف وبس. كنت عاملني لعبة، بتغيظه بيها. بس اكتشفت إني مليش قيمة عنده. واكتشفت كمان إني أنا كلعبة عجبتك.

تدخل الشرطة وصبري** يقف مذهولًا، ولا يستطيع التحدث، وهو ينظر إلى إسراء وعينيه بها رغبة شديدة في الانتقام. تتجه الجنود إليه ويقومون بالإمساك به.**

الضابط (في هدوء):
اتفضل معانا، ومفيش أي داعي للمقاومة.

ينظر صبري إليها ويحدثها بغضب:

صبري:
هقتلك يا إسراء، هقتلك!

إسراء (تنظر إليه وترتسم على شفتيها ابتسامة صغيرة، وهي تشعر بالانتصار).

جنة نعيمى في هواك

يوسف: يجلس على الأريكة بمنزل مي، وهو يرتدي بدلة غاية في الروعة، ويبدو عليه الخجل. بجانبه عاطف، الذي كعادته يمسح نظارته. على الطاولة أمامهم بعض قطع الحلويات والجاتوه. تأتي الأم وهي تحمل صينية وضعت عليها الشربات، وتضعها أمام يوسف وعاطف وتتحدث إليهما:

الأم (وهي تمزج معه):
“مالك يا ابني مكسوف كده ليه؟”

عاطف (مازحًا):
“معلش يا طنط، عريس جديد، متشفهوش في الشركة ده.”

يوسف (يخبطه بركبته ليسكت):
“ولا مكسوف ولا حاجة، بس هي فين مي؟”

الأم (مازحة):
“مستعجل على إيه؟ بكرة تزهق منها، هتفضل معاك العمر كله إن شاء الله.”

تخرج مي من غرفتها، وهي ترتدي فستانًا أسود اللون، باهر الجمال، يجعلها كالقمر المضيء، ويظهر ملامحها الطيبة وبراءتها. ظل يوسف ينظر إليها في صمت، نظرة مطولة تحمل كل معاني الحب واللهفة. لم يقطعه من ذلك الصمت إلا صوت عاطف وهو يحدثه:

عاطف:
“أنا بقول نتوكل على الله ونبعت نجيب المأذون بقى.”

يضحك الجميع، وتقوم الأم فرحة بابنتها، وهي تشدو بزغروطة طويلة، ويوسف لا يزال ينظر إليها، حتى احمرت وجنتاها خجلاً.

فواصل

فرح أسطوري، لــ يوسف و مي، وبحضور كل أفراد الشركة. كان فرحًا تحدث عنه جميع أطياف المجتمع، يجمع بين رجال الأعمال والفنانين، والصحافة والإعلام، وبعض الضيوف من دول أخرى. يوسف ومي كانا في قمة سعادتهما، حيث تألقت مي بفستانها الرائع، الذي جعلها تشع جمالًا في وسط الحضور. أما يوسف، فقد بدا في غاية الفخر والسعادة وهو يقف بجانبها، ويشعر وكأن هذا اليوم هو تتويج لحلمه الذي تحقق أخيرًا.

وحيد: يقف في قفص الاتهام، والقاضي يقوم بالحكم عليه، حكم مخفف ليثبت حالته في ذلك الوقت. ينظر إلى محامي يوسف، وهو يشعر بالارتياح كونه حصل على عقابه المستحق.

شريفة: وُجدت مقتولة في شقتها، ولا أحد يعلم من الجاني حتى هذه اللحظة. وقد أثبتت براءة محسن من تلك القضية، ولكن حكم عليه برد جميع المبالغ التي سحبها من الشركة بدون وجه حق، وخمس سنوات لبقية التهم.

صبري: كعادته، يجلس في محبسه يفكر بالانتقام من يوسف، حتى بعد الحكم عليه بالمؤبد، ليثبت تورطه في أعمال غير مشروعة.

إسراء: قررت الرحيل والسفر إلى دولة أخرى لتبدأ حياتها بهدوء، بعيدًا عن الذكريات، ولتستعيد توازن نفسها مرة أخرى، لربما تعود.

 

بعد مرور عدة سنوات

يجلس يوسف جلسته المعتادة أمام الشرفة، ولكن في هذه المرة كانت السيدة أم كلثوم تشدو بأغنيتها الشهيرة “روحى وروحك”، وتحديدًا هذا المقطع:

روحي وروحك في امتزاج في الحب من قبل الوجود، كاس الفراق مالوش علاج والعشق من طبعه الوعود، قالوا الحياة فيها ابتهاج والحب فيه سعد السعود، لكن حياة فيها العذاب والوصل فين لو كان يعود.”

كان يوسف ينظر إلى مي التي كانت تلعب مع ابنتهما أمام حمام السباحة. ينظر إليها في رفق، وحب، وهدوء، تلك التي أعادت إليه حياته، جعلت الحياة تمتلئ كل أركانها بالسعادة. استطاعت أن تكتسب كيانه بالود.

شاهد ابنته الصغيرة وهي تلعب فرحة مع أمها، فهي تشبه أمها إلى حد كبير. يرى فيهما كل ما يحتاج إليه من العالم، لا يريد أي شيء آخر غيرهما. هما إلى الأبد كل شيء.

حتى التفتت مي إليه، ونظرت إليه نظرة مطولة، تحدثت فيها نفسها:
كم أحبته، كم تمنت أن تجد ذلك الحب، والعطاء، والرفق واللين، كم كانت بحاجة إليه، وكم كان بحاجة إليها.

التقيا صدفة بدون ترتيب، وأحبا بعضهما بدون تفسير، واطمئنا إلى بعضهما بدون قيود، والتحمت حياتهما بدون اصفاد.

إن الحب، كلمة من اسهل الكلمات ، ولكنها من اصحب الصفات ، لا يدرك معناها الى من يعيشها حقا ، ويعلم قدرها ، ويستطيع تفهم كل معانيها ، ويزداد يقينا انه حينما يأتي بصدق وإخلاص، يكون هو أفضل مقياس لعطاء الإنسان. هو ما يجعلنا نشعر أننا أحياء، أننا ننبض بتفاصيل الحياة المملة، على استعداد أن نقدم كل التضحيات لمن نحب، أن نتنازل، أن نرضى بكل شيء، وأن نكون على استعداد للتقبل. تقبل الاختلاف، وتقبل تقلبات مشاعرنا، وتقبل الآلام والأحزان، وتقبل لحظات الفرح. تقبل أن يمر العمر، على أن نكون سويًا، على أن نحب.

تمت بفضل الله وحمده

هذه الرواية مقبسة من موقع حكاوينا بعد الحصول علي السماح بالنشر منهم