أرض الذكاء (الجزء الثاني)

نفسي أرجع بلدي وأعيش حياتي الطبيعية.
خالد نام على ظهره، وحط إيديه الاتنين تحت دماغه، وبص للسماء وهو بيتأملها كأنه مستني أي أمل.
أسيل: إن قصتك مثيرة جدًا، ومعك حق لو سمعها أي حد من أهل الذكاء لقال إنك مجنون، ولكني أصدقك، وبصراحة أريدك أن تحدثني عن التلفزيون.
خالد: أكيد طبعًا.
أسيل: أريدك أن تحدثني عنه ولكن في وقت آخر.
خالد إبتسم لأسيل إبتسامة لطيفة، وخلاص كان هيودعها، بس افتكر حاجة مهمة، وبص على الشجرة وجري ناحيتها.
خالد بعد ما جاب حاجة من جنب الشجرة وقرب من أسيل: أنا معايا دليل دلوقتي يثبتلك كلامي.
خالد كان ماسك في إيده ساعة، بس الساعة دي كانت واقفة من ساعة ما دخل السرداب.
أسيل باستغراب: هذا هو التلفزيون؟
خالد بضحكة: لا ده مش التلفزيون، دي ساعة بنحسب الوقت من خلالها.
أسيل بدهشة بعد ما بصت على الساعة: إنها غريبة جدًا.
خالد بضحكة: هي غريبة فعلًا، ولو كنت بعرف إزاي أشغلها كان زماني اديتهالك هدية، بس للأسف وهي بايظة ملهاش أي لازمة.
أسيل بكسوف: إنك كريم جدًا يا خالد، وبعد كده بصت على الساعة وقالت: كيف تقوم هذه الآلة بقياس الوقت؟ هنا في الذكاء نقيسه بطرق أخرى، وهناك أشخاص مخصصون لهذا العمل ويحصلون على راتب.
خالد وهو بيهرش في دماغه: الصراحة برضه مش عارف إزاي بتقيس الوقت، بس العلماء عندنا بيصنعوا الحاجات دي وإحنا بناخدها على طول.
خالد بص لأسيل وما كانش عايزها تمشي، ومبسوط جدًا بالقعدة معاها، فحاول يخترع أي موضوع علشان تفضل قاعدة.
خالد: طب يا أسيل، بتحسبوا الوقت في الذكاء إزاي؟
أسيل: إننا في الذكاء نحسب الوقت من خلال الشمس، وبعد كده شاورت على السور وقالت: إن الأشخاص الذين يعملون لحساب الوقت يقفون بجانب سور الذكاء، وينتظرون الشمس كل يوم، وبعد أن تغيب الشمس يضعون علامة على السور، وهكذا يتم حساب يوم واحد في الذكاء.
العمال يضعون علامة بعد انتهاء كل يوم، وعندما ينتهي الأسبوع يضعون علامة فوق الست علامات الموجودة، وبعد إنتهاء شهر يضعون علامة مميزة، وعندما يمر 12 شهر نضع دائرة بجانب تلك العلامات، وهكذا يأتي العام الجديد.
هناك عمال كثيرون يقومون بهذا العمل كل يوم، ويأخذون أجرًا على ذلك، وهؤلاء العمال يُسمّون عمال الوقت.
أسيل بعد كده تنهدت وقالت: لكن هناك شيء غريب لاحظته، وهو إننا اقتربنا من نهاية العام التاسع بعد الألفين، ولكن الغريب في الأمر أن العلامات الموجودة على السور لا تتعدى نصف هذا الرقم.
لكني في الحقيقة غير مهتمة بهذا الأمر لأن معرفة الوقت الذي نحن فيه غير مهم.
خالد بتنهيدة: بجد أنا شفت العجب في الذكاء دي.
أنا كده عرفت النهارده حاجة ممكن تخرجني من المدينة دي، وتبقى بالنسبالي الأمل الوحيد، وكمان أظن إن الشخص إللي معاه الكتاب هو أبويا.
أسيل: في الحقيقة أنا لم أسمع عن هذا الكتاب الذي تتحدث عنه من قبل، لكن أخبرني كيف ستعثر عليه؟ هل ستسأل كل شخص موجود في الذكاء؟
خالد بتنهيدة: أنا هعمل إللي عليا وهدور عليه، ولازم ألاقيه عشان الكتاب ده هو أملي الوحيد، وهعرف من خلاله إزاي هخرج من الذكاء.
أسيل بابتسامة: أتمنى أن تجد ذلك الكتاب وتستطيع الذهاب إلى بلدك، والعودة إلى الناس الذين تحبهم، وأتمنى أن أستطيع مساعدتك في العثور على هذا الكتاب.
أسيل قامت من مكانها وقالت وهي ماشية: أنا مضطرة للذهاب الآن، سامحني فلدي الكثير من العمل غدًا وأحتاج إلى الاستيقاظ مبكرًا، وأظن أننا تحدثنا بما فيه الكفاية، ولكني إستمتعت بوقتي معك.
أسيل مشيت، وخالد كان باصص لها بحب وابتسامة لطيفة، وفضل مركز معاها لحد ما اختفت من قدامه.
خالد فضل يفكر في أسيل بعد ما مشيت، وكل ما يفتكر كلامهم مع بعض يبتسم، وكأنه حاسس بحاجة غريبة من ناحيتها، وفضل على الحال ده لحد ما الشمس طلعت، وكل ده من غير ما ينام ولا دقيقة واحدة، بس طبعًا ما كانش ينفع يقعد، وقام بسرعة واتجه لمكان عمله.
كالعادة، خالد أثناء ما كان ماشي لمكان الشغل بتاعه قابل الناس إللي بيقابلها كل يوم، وقابل طبعًا البلطجية إللي بياخدوا منه وحدتين. وقبل ما يوصل لمكان الشغل، قابل يامن.
خالد بعد ما نادى على يامن: يامن عامل إيه؟
يامن بابتسامة: بخير يا صديقي.
خالد بعد ما قرب منه: بقول لك إيه، ما تعمل معايا خدمة؟
يامن: بالتأكيد، كيف يمكنني مساعدتك؟
خالد: عايز أجيب حصان.
يامن بدهشة: حصان!!
خالد: آه، إيه المشكلة؟ هجيب حصان عادي.
يامن بنفس الاندهاش: ولماذا؟!
خالد كان عايز يخلي الموضوع سر، بس ما لقاش قدامه حل غير إنه يعرفه: الصراحة، في كتاب بدور عليه وهو الأمل الوحيد لخروجي من هنا، وعايز حصان علشان أعرف ألف كل المناطق إللي في الذكاء وألاقي صاحب الكتاب.
يامن كان باصص لخالد وحاسس بالشك ومش مصدق كلامه، بس ما ركزش معاه، لأن كل إللي كان شاغل باله إن مبلغ الحصان كبير.
يامن: لكن هذا الحصان سيكلفك الكثير، وأظن أن ثمن الحصان يتعدى الـ150 وحدة.
خالد: ماشي، ما فيش مشكلة برضه.
يامن وهو بيحاول يحذره: لكن هذا مبلغ كبير وسيستهلك من مخزونك.
خالد: عادي، أهم حاجة بس ألاقي الكتاب.
يامن بعد ما هز كتفه: حسنًا، إنها وحدات ذكائك، تصرف فيها كما تشاء، سأخبرك الآن بمكان جيد يبيع الأحصنة القوية.
بعد كده بصله باستغراب: أين ستبحث عن هذا الكتاب؟ هناك الكثير من المناطق في الذكاء.
خالد: مناطق كتير إزاي يعني؟
يامن: أجل، إننا حاليًا في المنطقة الشرقية، والتي يوجد بها أرض الاحتفال، وباب الذكاء، ونقوم هنا أيضًا بصناعة الطوب كما ترى، ويوجد غير هذه المنطقة أربع مناطق أخرى في الذكاء.
هناك المنطقة الغربية، والشمالية، والجنوبية، وهناك منطقة الوسط، ويعيش في هذه المنطقة حاكم الذكاء، وكل منطقة من هذه المناطق تختلف عن الأخرى في بعض الأشياء.
خالد: مش مهم، أنا لازم ألاقي الكتاب حتى لو تطلب الأمر إني أدور في كل منطقة.
لازم أعرف مين إللي اشترى الكتاب ده.
يامن: لكن بهذه الطريقة ستفقد عملك.
خالد: لا تقلق، أنا معايا مخزون كبير، فمش محتاج أشتغل.
يامن: يا صديقي، أعلم أن لديك مخزون كبير من الوحدات، ولكن أخشى أن تستخدم الكثير منها وتجد صعوبة في إسترجاعها.
خالد: صدقني، الكتاب ده هو فرصتي الوحيدة وما ينفعش أتخلى عن الفرصة دي.
يامن: معك حق، ولكن ماذا إن أنفقت الكثير من ثروتك ويأتي عليك يوم الذكاء وأنت أفقر شخص فيها؟
خالد: ما أظنش إنه لو جه يوم الذكاء، هبقى أنا أفقر واحد.
أكيد هيبقى في أفقر مني، حتى لو أنا بقيت أفقر واحد، أنا متأكد إن الكتاب ده هيساعدني إني أرجع بلدي، حتى لو فقدت قدر كبير من الذكاء.
يامن بص لخالد وكأنه بيقول له إنت صعبان عليا وقال بأسف: هناك شيء مهم لقد غفلت عنه يا صديقي، لا تظن أنك إذا حصلت على الكتاب وخرجت من هنا سوف تنجو، لأنك حتى إن خرجت من هنا وذهبت إلى بلدك ستظل مريضًا.
خالد بتعجب: يعني إيه؟ مش فاهم!
يامن: أقصد أنك إذا فقدت مقدار كبير من الذكاء وخرجت من الذكاء ستظل غبيًا كما أنت حتى إذا رجعت إلى بلدك.
خالد في اللحظة دي حس إن في صاعقة نزلت على قلبه، وعينيه وسعت من كتر الصدمة.
خالد بصدمة: إنت بتقول إيه؟!
يامن: صدقني يا صديقي، هذه هي الحقيقة.
يجب عليك المحافظة على ذكائك قبل أن تخرج من الذكاء، وذلك لتعود إلى بلدك وأنت بنفس قواك العقلية.
وإذا أردت أن تعمل بجد وتحصل على ذكاء أكثر، فستعود بثروة أكبر وتصبح أكثر ذكاءً من قبل، لكن إذا خرجت من الذكاء وأنت فاقد جزء كبير من ذكائك، فكيف ستسترجعه؟
خالد كان مصدوم من إللي بيسمعه، وقعد ساكت شوية، وبعد كده إتكلم مع نفسه وهو متضايق: يعني أختار الكتاب؟ ولا أختار الذكاء؟؟
خالد بص ليامن بضجر، ولف وشه الناحية التانية ومشي.
يامن بعد ما علي صوته: كفاك غباء يا خالد! لن تستفيد شيئًا من الحصان، عليك المحافظة على ذكائك!
خالد ما ردش على يامن وسابه، وكان باين عليه جدًا إنه مش مقتنع بكلام يامن، وبيحاول يوهم نفسه بعكس الحقيقة، وما كانش عارف ياخد قرار نهائي.
خالد مشي من مكان الشغل، بس بمجرد ما مشي، أسيل كانت وصلت لأنها كانت عايزاه.
أسيل فضلت تدور على خالد، وسألت عليه شوية شباب كانوا شغالين، والشباب قالوا لها إنها هتلاقيه مع صديقه يامن.
بعد شوية من البحث، أسيل أخيرًا لقت يامن، وشافته وهو بيقطع الصخور، وسألته: هل أنت يامن صديق خالد؟
يامن باندهاش: الدكتورة أسيل؟!
أسيل: نعم، أنا هي.
يامن: أهلاً بكِ. هل تبحثين عن خالد؟
أسيل: أجل، أين هو؟
يامن: لا أعرف أين هو الآن، ولكنه غادر في الصباح ولم يعمل اليوم.
أسيل بلهفة: لم يعمل؟! لماذا؟!
يامن بعد ما سكت شوية: صدقيني إن الأمر غريب، وأظن أنكِ لن تصدقيني إذا أخبرتكِ بالأمر.
أسيل بإدراك: إنه الكتاب، أليس كذلك؟
يامن باندهاش: هل تعرفين قصة الكتاب؟
أسيل: نعم، أعرف كل شيء، أخبرني، لماذا غادر؟
يامن حكى لأسيل قصة الحصان، وقال لها إن خالد هيلف في أنحاء الذكاء علشان يلاقي صاحب الكتاب.
يامن: صدقيني، أنا لا أعرف أين هو الآن، ولكنه أخبرني بقصة الكتاب فقط.
أسيل بابتسامة: أظن أنني أعرف أين هو.
أسيل بعد ما قالت الجملة دي ضحكت، وسابت يامن ومشيت.
يامن بابتسامة بعد ما بص عليها وهي ماشية: لا أصدق أن الطبيبة أسيل الغنية تهتم لأمر شخص بهذه الطريقة.
خالد راح كعادته، قعد في المكان المعتاد بتاعه، وهو شاطئ البحيرة، وقعد على الرملة، وكان باين عليه الحزن الشديد، وكان غضبان من كلام يامن.
وأثناء ما كان سرحان، راح على أغراضه إللي كان شايلها، وخرج الأقلام، والأوراق إللي اشتراها، وقرر يكتب.
خالد كان عايز يكتب أي حاجة، بس ما كانش في دماغه حاجة معينة، لكنه قرر يكتب علشان دي أكتر حاجة بيعملها لما بيبقى متضايق، زي ما كان بيعمل أيام ما أبو منى كان بيرفضه.
خالد مسك ورقة وقلم وبدأ يكتب إللي في دماغه، وكانت أول جملة كتبها في الورقة هي: ماذا أفعل؟
وبمجرد ما كتب الجملة دي، لقى أسيل داخلة عليه وهي مبتسمة إبتسامة ساحرة.
خالد باندهاش: أسيل؟!
أسيل بابتسامة لطيفة: كيف حالك أيها الرجل الكئيب؟
خالد بأسف: أديكى قلتِ كئيب.
أسيل: لماذا لم تذهب إلى عملك اليوم؟
خالد بصراخ: وإيه اللي يخليني أشتغل أصلاً؟ دي بلد غريبة وزهقت من كل حاجة هنا.
أسيل وهي بتحاول تهوّن عليه: لماذا أنت غاضب إلى هذا الحد؟ حسنًا، أخبرني ماذا فعلت عندما تركتك بالأمس؟
خالد: ما عرفتش أنام، وفضلت صاحي لحد الصبح.
أسيل بابتسامة: ليكن في علمك أنني أيضًا لم أستطع النوم، وأصابني الأرق.
خالد بدهشة: بجد؟ يعني إنتِ ما عرفتيش تنامي إنتِ كمان؟
أسيل: لا، كنت أفكر فيك، وأفكر في كيفية حصولك على الكتاب.
أسيل كانت مبتسمة بطريقة ساحرة، وقامت من مكانها وبصت على البحيرة، وشعرها كان عمال يتطاير وشكلها كان جميل جدًا.
أسيل بطريقة هادئة: إنت تريد أن تبحث عن الكتاب في مناطق الذكاء الخمسة، وأنا أريد مساعدتك في هذا.
وبعد كده ابتسمت وقالت: صدقني، هنا في الذكاء لا أحد يساعد أحد بالمجان، وأرى أنك تريد أن تعثر على الكتاب دون أن تعمل.
أنا لن أعدك بأي مساعدة دون مقابل.
خالد باستغراب: مش فاهم حاجة، تقصدي إيه؟
أسيل بابتسامة وهي شعرها بيتطاير: أنا أعرض عليك المساعدة يا خالد. أنا أذهب كل يوم إلى جميع مناطق الذكاء ما عدا المنطقة الشمالية، وها أنا واقفة أمامك الآن وأعرض عليك المساعدة.
خالد بدهشة: عرض إيه؟!
أسيل: أنا أعرض عليك أن تأتي معي كل يوم، وتعمل كمساعد لي بعض الوقت، وسيكون لديك وقت كافٍ لكي تبحث عن الكتاب باقي اليوم، وإن أردت أحد أحصنتي سأعيرك إياه.
وبعد كده أشارت إليه وقالت: لكن عليك الالتزام بمواعيد عملك معي، لإني أكره المتكاسلين، وعليك أن تأتي إليَّ مبكرًا لكي نعاود الكَرَّة في مناطق أخرى.
خالد بدهشة: أشتغل معاكي؟!
أسيل: وما المشكلة في ذلك؟
خالد: أيوه طبعًا في مشكلة، أنا أصلاً ما بفهمش في الطب.
أسيل: كيف لا تفهم في الطب وأنت أنقذت الفتى الذي كان يغرق؟!
خالد: ما أنا قلتلكِ قبل كده إن دي دورة إسعافات أولية، إتعلمتها في الجامعة، ومش معنى إني عارف حاجة زي كده إني بفهم في الطب كله.
أسيل: لا تهتم، فأنا سأعلمك، وأعلم أنك ذكي وستفهم الطب بسرعة. ومن المحتمل أن نجد الكثير من الغرقى، وحينها لن أجد أفضل منك يساعدني.
خالد: أنا عايز بس أسأل سؤال، هو إنتِ الطبيبة الوحيدة في الذكاء؟
أسيل: لا، هناك الكثير غيري، لكني أمهر طبيبة موجودة في الذكاء، وهذا ساعدني على أن أكون طبيبة أسرة الحاكم، وأيضًا أصبحت طبيبة الذكاء الأولى رغم صغر سني.
دعنا من هذا الكلام، هل توافق على العمل معي أم لا؟
خالد فضل ساكت شوية وكان بيفكر في العرض بتاع أسيل.
أسيل عملت نفسها كأنها ماشية وأدَّته ظهرها، وقالت وهي ماشية: حسنًا، أرى أنك لا تريد العمل معي، ولا تحب الطب.
خالد بلهفة وهو بينادي عليها: لا لا، صدقيني أنا موافق جدًا، أنا أصلاً كان نفسي أطلع دكتور من زمان.
أسيل في اللحظة دي فرحت جدًا إن خالد هيشتغل معاها، وابتسامتها اتسعت لدرجة إن عينيها غمضت.
أسيل بعد ما لفت وشها وبصَّت له: هل أنت جاهز حقًا للعمل معي؟
خالد: أنا أصلاً مولود جاهز.
قوليلي بس هنبدأ إمتى وفين وهتلاقيني موجود.
أسيل إبتسمت وهي مدّية لخالد ظهرها، بس ما ورّتوش الابتسامة، وكانت مبسوطة جدًا إنه وافق على الشغل معاها.
أسيل بعد ما لفت وشها، بصّت لخالد بعيونها الخلابة وقالت: حسنا أيها المساعد الجديد، أنا لا أحب التقاعص في العمل.
يجب عليك أن تقوم بتجهيز نفسك لكي تبدأ معي العمل من الغد، وعليك أن تحصل على قسط كافٍ من الراحة لأننا سنذهب إلى المنطقة الوسطى غدًا، وهذه المنطقة موجود بها حاكم الذكاء.
أسيل قالت الجملة دي ومشيت، وخالد كان طاير من الفرحه، وكان حاسس إحساس سعادة عمره ما حس بيه قبل كده، وفضل يغني ويقول: أنا بقيت مساعد الدكتورة أسيل.
خالد كان عمال يتنطط من الفرحة، وكان بيرقص ويغني ومش مصدق إن إنسانة بالجمال ده مهتمة بأمره.
خالد جري على الأغراض بتاعته وطلع الورقة والقلم وبدأ يكتب: أسيل من المستحيل أن تكون إنسان، أظن أنها ملاك أرسله الله لي لكي يرسلني إلى طريق الصواب.
إنها حورية موجودة في الذكاء المليئة بالمجانين.
حينما رأيتها أول مرة كنت أظن أنها جميلة الوجه فقط، لكن اكتشفت أن كل شيء فيها جميل، واليوم هو أسعد أيامي في الذكاء.
خالد كتب عن أسيل وعن جمالها، وساب الورقة والقلم وحطّهم في أغراضه.
بعد كده بص على هدومه ولاحظ إنها قدمت شوية، وحس إنه لازم يشتري حاجة جديدة علشان يليق بأسيل.
فعلاً اتجه مباشرةً إلى السوق وراح لبتاع الهدوم وطلب منه طقم جديد.
بياع الملابس باستغراب: ألم تأتِ إليّ قبل شهر وطلبت مني أغلى ملبس عندي؟
خالد: أيوه، إيه المشكلة؟
بياع الملابس: أتشتري ملبسًا جديدًا بعد شهر؟
خالد، وقتها، ما اهتمش بكلامه، مع إن الناس بتحاول توفر وحدتها وبيشتروا هدوم كل سنة مرة.
لكنه جاب منه طقم سعره مش غالي زي الأولاني، واتجه للشاطئ مرة تانية.
خالد فضل قاعد جنب الشجرة مستني الليل ييجي ويخلص علشان يبدأ شغله مع أسيل، وكان عمال يفكر إزاي هيشتغل معاها ومش مصدق إنه هيبقى معاها طول الوقت، لكنه قرر ينام علشان يبقى فايق ويقدر يشتغل ويلف براحته.
في صباح اليوم التالي…
خالد قام من النوم وهو مبسوط، وكالعادة رمى نفسه في البحيرة، بس المرة دي كان لابس بنطلونه القديم، بعد ما خلص طلع ولبس الهدوم الجديدة، وبقى جاهز تمامًا وشكله حلو، واستعد لمقابلة الدكتورة أسيل.
بعد إنتظار قليل، خالد سمع صوت حصان وعربية، وعرف ساعتها إن أسيل هي اللي جت.
خالد جري بسرعة ناحية العربية وركب جنب أسيل وهو مبتسم وباصص في عينيها.
خالد بطريقه غزل: صباح الفل يا أحلى دكتورة في الذكاء.
أسيل وهي بتبص على هدومه بابتسامة: مبارك عليك ملابسك الجديدة.
خالد بتعالي: عيب عليك يا باشا، إحنا جامدين أوي، وبعدين لازم نشرف الدكتورة، مش أنا هبقى المساعد بتاعك؟ يعني لازم أرفع راسك.
وبعد كده بص خالد للمكان إللي كانوا ماشيين فيه وقال: يا ترى إحنا هنعمل إيه بقى في المنطقة الوسطى دي.
أسيل: هذه المنطقة يعيش بها أسرة الحاكم، وقد جاء إليّ استدعاء بالأمس وطلبوا مني الحضور، ربما يكون هناك بعض المرضى الذين يمكنني معالجتهم.
خالد بتساؤل: طب طالما إنتِ الدكتورة الخاصة بأسرة الحاكم، إيه اللي يخليكي ما تقعديش هناك على طول؟ هو حد يلاقي دلع وما يتدلعش؟
أسيل: حاكم الذكاء طلب مني هذا الأمر من قبل، ولكني لم أقبل.
خالد بدهشة: ليه رفضتي؟!
أسيل: لا أعرف إن كنت هتفهمني أم لا، ولكني لا أحب أن أكون أسيرة لمكان واحد فقط حتى لو كان هذا المكان يخص الحاكم.
خالد بدهشة: يعني إنتِ تقدري ترفضي كلام الحاكم؟!
أسيل: هذا هو حقي وحريتي، ويمكنني فعل ما أريد، ولا أريد أن أشعر أن هناك شيء يقيدني.
خالد بعد السكوت جه في دماغه سؤال وقال: طب هو نظام الحكم هنا عامل إزاي؟ لحسن شكلي الحاكم بتاعكم ده طيب أوي.
أسيل باستغراب: ماذا تقصد؟
خالد: قصدي يعني الحكم ملكي ولا وراثي؟
أسيل: نعم، فهمت قصدك، الحكم في الذكاء لا يستمر أكثر من خمس سنوات.
خالد: يعني إيه؟
أسيل: أقصد أن مدة الحاكم الموجود في الوقت الحالي لا تتجاوز الخمس سنوات، هذه المدة تنتهي، ثم يأتي بعده حاكم جديد، وهذا الحاكم يختاره أهل الذكاء.
خالد باندهاش: خمس سنين بس؟
أسيل: أجل، ما المشكلة في ذلك؟
خالد بضحكة ساخرة: يعني الحاكم هنا ما بيعملش دستور جديد ويجدد الحكم لنفسه؟!
أسيل: لا، إن مدة الحكم لا تتجاوز الخمس سنوات، وأظن أن هذه المدة كافية جدًا لحاكم واحد، لأنه يجب أن يأتي حاكم جديد ويتعلم من أخطاء الحكام الذين سبقوه، وبهذه الطريقة ستظل الذكاء متقدمة طوال الوقت.
أسيل بصّت لخالد باستغراب وقالت: ألا تسير الأمور في بلادكم بهذه الطريقة؟
خالد بضحكة بعد ما فرك شعره: أرجوكي سيبيني في حالي، لأحسن أتحبس، بلاش نتكلم في سياسة بلادنا.
خالد في نفسه: أنا كده دلوقتي اتأكدت إن دي كلها مالهاش أي علاقة بالوطن العربي خالص، الحاجة الوحيدة إللي متشابهين فيها معانا هي اللغة العربية.
خالد بعد ما بص على الطريق: هو لسه كتير على منطقة الحاكم دي؟
أسيل بعد ما بصّت على الطريق: لا، لم يتبقَ إلا القليل.
خالد: طب أنا هيبقى نظامي معاكي إيه في الشغل؟
أسيل: أنا سأحتاج إلى مساعدتك فقط حينما يكون لدي مريض من الرجال، أما النساء فلا أريد مساعدتك.
خالد بابتسامة وهو بيحاول يهزر مع أسيل: إيه يا روحي، بتغيري ولا إيه؟
أسيل باستغراب: ماذا؟
خالد: لا لا، ولا حاجة.
أسيل بابتسامة: أريدك أن تستغل الوقت وتخرج لكي تبحث عن كتابك في وقت الفراغ، وإذا علمت أن أغلب مرضاي سيكونون من النساء، سأسمح لك بالخروج أثناء العمل.
خالد: والله أحلى مديرة اشتغلت معاها في حياتي، ربنا ما يحرمنا منك يا دكتورة.
أسيل: أشكرك على كلامك الجميل.
أريدك أن تعلم أنك محظوظ، لأن المنطقة التي سنذهب إليها صغيرة، ولا يوجد بها إلا بعض بيوت الأثرياء، وأتمنى أن تجد كتابك بسرعة هناك.
بعد وقت مش طويل، خالد بص من الشباك واتفاجئ بأجمل منظر شافه في حياته، وأجمل هندسة.
العربية وصلت أخيرًا لمنطقة الحاكم، وخالد شاف وقتها مناظر خلابة وقصور طويلة وعالية وعليها زخارف وأشكال خرافية.
شاف حراس كتير واقفين حوالين واحد من القصور الجميلة، وعرف ساعتها إن ده هو قصر الحاكم.
العربية وقفت قدام القصر ده، وأسيل وخالد نزلوا من العربية، وخالد كان شايل في إيديه شنطة أسيل اللي فيها المعدات بتاعتها.
خالد دخل مع أسيل القصر، وأثناء ما كان ماشي كان منبهر جدًا بالهندسة المعمارية الخلابة، عمال يتلفت حواليه ومش مصدق عينه.
أسيل لاحظت إنبهار خالد.
أسيل، بعد ما وقفت وبصّت لخالد بابتسامة: على مساعدي أن يعلم أنه ليس وقت مشاهدة سقف القصر، وعليه أن يسرع ويكون بجانبي طوال الوقت.
خالد إبتسم ومشي جنب أسيل لحد ما دخل معاها للبهو بتاع القصر.
خالد أول ما دخل البهو عينه جت تلقائي على راجل كان باين عليه الفخامة والعظمة، وكان حوالين الراجل ده ناس كتير، وكان باين عليهم الثراء الفاحش.
خالد عرف إن الناس دي غنية بسبب اللبس اللي كانوا لابسينه، لأن شكله كان حريري ومزخرف، وحاسس إن الهدوم دي تكفي لإنقاذ عشرات الرجال من الذبح.
خالد بص جنبه ولقى أسيل بصّت للراجل إللي كان باين عليه الفخامة، وانحنت. وساعتها خالد انحنى بسرعة معاها.
الحاكم، بعد ما بدأ يتكلم مع أسيل: أهلاً أيتها الطبيبة أسيل، لقد جئتِ في موعدك.
الحاكم بص على خالد وقال: من هذا أيتها الطبيبة؟
أسيل: إنه مساعدي الخاص يا سيدي.
الحاكم: حسنًا، لن نحتاجه اليوم، إن زوجتي مريضة، أريد منك أن تهتمي بها وتحافظي عليها لأنها تمر بفترة سيئة، وأشعر أنها ليست بحال جيد.
أسيل انحنت مرة كمان للحاكم، وأخذت خالد من إيده وخرجت برا البهو.
وبصّت لخالد بابتسامة وقالت: ألم أخبرك أنك محظوظ؟ لن أحتاج إليك اليوم، لكني سأقوم بإرهاقك في الأيام القادمة.
يمكنك الذهاب والبحث عن كتابك، وأنا سأذهب لكي أرى زوجة الحاكم وأتمنى أن تكون بخير.
خالد خرج من القصر وإبتسم وقال: بجد أسيل دي هي حورية الذكاء.
خالد، بعد ما خرج من القصر، بدأ يسأل كل شخص يقابله عن واحد شبهه في الملامح، وعريض، وبنفس الطول، وبيتكلم بلهجة غريبة وبيتكلم عن السحر أو حاجات تانية.
بس للأسف، ما لاقاش أي حد في القصر عارف حاجة عن الكتاب أو عن أبوه، وما كانش في حد يعرف حاجة اسمها سرداب فوريك.
خالد وقتها قرر يخرج من قصر الحاكم ويروح للقصور الثانية.
وكان عارف كويس إن الموضوع هيبقى صعب عليه، لكنه ما رضاش يستسلم، وكمل في إللي بيعمله، وكان الحافز الوحيد ليه هو رجوعه لبلده.
خالد بدأ يسأل الناس مرة تانية، بس للأسف برده كل ما يجي يسأل حد عن أبوه أو عن الكتاب، ما كانش في أي حد بيفيده، وفضل يسأل كل شخص يقابله، لكن برده من غير أي فايدة.
عدى الوقت وخالد كان تعب خلاص من كتر التدوير، واليأس بدأ يتسلل لقلبه، لحد ما كان في شخص بيعدي من جنبه.
خالد قرر يعمل محاولة أخيرة وسأل الشخص ده.
الشخص ده أفاده شوية، ونصحه إنه يدور في مكتبة الحاكم، ممكن يلاقي الحاجة إللي بيدور عليها هناك.
خالد إتجه بسرعة للمكان اللي الراجل الغريب وصفه له، وطبعا علشان إحنا في الذكاء، الراجل طلب من خالد وحدتين من ذكائه علشان يوصفله المكتبة دي.
وفعلا خالد راح للمكان اللي اتوصف له وشاف هناك شخص واقف في المكتبة.
قرر يسأله عن الكتاب، يمكن صاحب الكتاب باعه للمكتبة دي.
لكن الشخص اللي كان موجود ما كانش عنده معلومات كتير عن الكتب، بس سمح لخالد يدور فيها بنفسه.
وطبعا، علشان إحنا في الذكاء، الراجل خد من خالد خمس وحدات ذكاء مقابل إنه يدور بنفسه.
خالد وافق على العرض ده، لأنه مش مهتم بالوحدات، ومش عايز حاجة غير إنه يوصل للكتاب علشان يخرج من الذكاء.
خالد دخل المكتبة وبدأ بسرعة يدور في كل الكتب والأوراق المتناثرة.
قرر إنه ما يسيبش أي شبر في المكتبة إلا لما يدور فيه، وعزم إنه يلاقي الكتاب في المكان ده وحط أمل كبير عليه.
خالد فضل يدور، وكل ما يحس بتعب يرتاح شوية، وبعد كده يرجع يدور تاني علشان ما يضيعش وقته.
كان بيزيح التراب من على الكتب وبيبدأ يقرأ فيها، وصاحب المكتبة كان واقف بيتفرج عليه بطريقة ساخرة وما حاولش يساعده.
خالد ما اهتمش، وكان بيحاول يدور على أي عنوان له علاقة بسرداب فوريك.
لكن كل المحاولات دي كانت من غير أي فايدة.
الوقت عدى وما لاقاش الحاجة إللي بيدور عليها.
خالد في نفسه، بعد ما حس باليأس والتعب: أكيد الشخص اللي معاه الكتاب مش موجود في منطقة الحاكم، بس في مناطق تانية كتير لازم أدور فيها.
خالد مشي من المكتبة، والليل دخل عليه، وقرر يرجع للقصر لأنه حس إن خلاص ما فيش أمل في المنطقة دي.
خالد وصل القصر ولقى أسيل واقفة بالعربية قدام باب القصر.
خالد، بعد ما ركب العربية، سأل أسيل: إنتِ مخلصة شغلك من بدري ولا إيه؟
أسيل بابتسامة: نعم، لقد انتهيت من عملي منذ قليل.
خالد: طب وما مشيتيش ليه؟
أسيل بابتسامة لطيفة: هل يجوز أن أذهب وأترك مساعدي؟
خالد ساعتها ابتسم، وحس براحة شديدة، وكأنها المروحة إللي بتطلع هوا ساقع يطري على قلبه في عز الحر.
أسيل أمرت السائق إنه يتحرك بيهم ناحية البحيرة إللي خالد عايش جنبها.
أسيل بابتسامة: أخبرني، هل وجدت شيئًا؟
خالد بأسف: لا، للأسف ما لقيتش حاجة.
سألت ناس كتير جدًا، بس ما حدش فيهم كان يعرف حاجة عن السرداب أو الكتاب.
أسيل: اعذر جهلهم، فأنت تبحث عن شيء حتى أنا لم أسمع عنه من قبل.
حتى أنك تبحث عن شخص لا تعرفه، وأيضًا عن كتاب لا يعرفه أحد، يبدو صعبًا جدًا أن تجد هذه الأشياء.
لكن عليك ألا تيأس، وعليك أن تحاول العديد من المرات حتى تجد الشيء الذي تبحث عنه.
خالد: عندك حق، فعلاً حتى لو في أمل 1% لازم أتمسك بالفرصة دي.
أسيل بابتسامة: أتمنى ألا تشعر بأي حزن، وعليك أن تعلم أنك ما زلت في يومك الأول، ولم تبحث إلا في منطقة واحدة.
لديك الكثير لتقوم به، لكن اعلم أنك في يوم واحد أنهيت منطقة كاملة، وهذا إنجاز كبير.
أسيل بعد كده ابتسمت لخالد بطريقة ساخرة وقالت: أتعلم، لدي خبر سيجعلك سعيدًا.
خالد بلهفة: إيه؟ إيه؟
أسيل بضحكة: لقد كشفت على زوجة الحاكم، واكتشفت أنها ليست مريضة، وعلمت أن حالتها السيئة التي كانت تمر بها بسبب الحمل، وأظن أن حملها في الشهر الثالث.
خالد باستغراب: يعني طلعت حامل مش تعبانة؟
أسيل: أجل، وستستقبل مولودًا جديدًا بعد شهور قليلة.
خالد باستغراب: وإيه اللي يخليني سعيد بسبب الخبر ده؟ هي كانت مراتي ولا حاجة؟
أسيل: بالطبع إنه خبر سعيد، لأن زوجة الحاكم إذا أنجبت ذكرًا، سيقام احتفال في الذكاء بمناسبة المولود الجديد، وسيحتفل الحاكم مع أهل الذكاء بابنه.
خالد: برده إيه الحاجة اللي تخليني فرحان بالخبر ده؟ وإيه علاقته بيا؟
أسيل بضحكة: أنت لا تمتلك الصبر يا خالد، اسمعني للنهاية.
بعد الاحتفال بالمولود الجديد، سيقام يوم الذكاء بعد ولادة الطفل بسبعة أيام.
خالد بلهفة بعد ما اتسعت عيناه: يوم الذكاء؟! يعني باب الذكاء هيتفتح؟!
أسيل: أجل، وسيتم ذبح أفقر شخص في مدينة الذكاء، وأظن أن هذا اليوم سيكون بعد ستة أشهر فقط.
أسيل سكتت شوية، وبعد كده بصّت من شباك العربية، وعيونها بدأت تنزل منها دموع. وقالت بنبرة حزينة: حينها يمكنك الخروج من الذكاء كما تشاء.
خالد أول ما سمع الخبر فرحته ما كانتش سايعاه وكان حاسس إن الدنيا كلها بتضحكله.
بص لاسيل وقال: يعني لو جابت ولد بعد ست شهور بوابه الذكاء هتفتح؟
أسيل: ستفتح، ولكن بشرط Yن تنجب ذكر.
خالد بابتسامة عريضة: هتجيب ولد، عارفه ليه؟
أسيل باستغراب: ليه؟
خالد: علشان إنتِ وشك القمر ده هو وش السعد، ومن ساعة ما شفتك والحظ عمال ينزل عليا والدنيا بقى لونها وردي.
خالد قال الجملة دي وهو مبسوط جدًا وبعد كده فضل يسقف ويقول: معقول بجد ست شهور بس وهخرج من هنا؟!
وبعد كده بص لاسيل بفرحة وقال: يا رب تحصل معجزة ومرات الحاكم تولد النهاردة.
أسيل فرحتها رجعت لها لما شافت الابتسامة على وش خالد، وفرحت إن هي قدرت تساعده بالخبر ده.
أسيل بابتسامة رقيقة بعد ما مسحت دموعها: أنا كمان سعيدة إن الخبر ده أسعدك، وكنت عارفة إنك هتفرح بيه.
خالد ابتسم ابتسامة عريضة وبص من الشباك بتاع العربية، وبعد كده بص للسما إللي كانت مليانة نجوم والقمر كان شكله جميل في الليلة دي.
خالد بعد ما بص لاسيل وشاور على واحد من النجوم إللي موجودة في السما: أسيل شايفه النجم اللي هناك ده؟
أسيل: نعم، أراه وحيدًا لكنه مميز.
خالد بضحكة: نفس تفكيري والله، علشان كده هسمي النجم ده أسيل.
وبعد كده بص لها بابتسامة رقيقة وكإنه بيتأملها وقال: أنا لما أرجع بلدي وابص في السما أكيد هلاقي النجم ده تاني.
أسيل بابتسامة خجولة: أرى أن الخبر جعلك رومانسيًا.
خالد وهو بيحاول يتغزل فيها مرة تانية: أنا متأكد إن النجم ده مش في جمالك، بس أنا حبيته علشان هو جميل ومميز زيك.
أسيل إتكسفت وما كانتش عارفة ترد على كل الكلام الحلو ده ووشها إحمر من كتر الخجل، وخالد كان باصص لأسيل إللي كانت بصاله بعيونها الساحرة، والاتنين فضلوا باصين لبعض بطريقة جميلة كأنهم سرحوا في أفكارهم.
سواق العربية كان بيجري بسرعة جدًا لأن الوقت اتأخر، وخالد وأسيل كانوا قاعدين في العربية بيتكلموا شوية و يسكتوا شوية، وفضلوا طول الطريق على هذا الحال لحد ما العربية وصلت أخيرًا عند البحيرة ووقفت هناك.
خالد نزل من العربية وأسيل بصتله بحب وقالت: أتمنى إنك تجد ما تبحث عنه في المرة القادمة، سنتقابل بعد أسبوع لنذهب للمنطقة الجنوبية.
خالد بابتسامة بعد ما هز رأسه بالموافقة: إتفقنا يا أحلى دكتورة في الدنيا.
أسيل: عليك أن لا تضيع وقتك، قم باستغلال هذا الأسبوع واذهب إلى عملك.
خالد باندهاش: طب وشغلي معاكى كمساعد؟
أسيل بابتسامة: لا تشغل بالك، فأنا لدي الكثير من المساعدين هنا، لكن إن احتجت إلى مساعدتك لن أتردد لحظة واحدة.
على كل حال، لا تشغل بالك، فانا سأترك لك المساعدة في المناطق الأخرى، لذلك عليك أن تستغل وقتك ولا تضيعها بالجلوس أمام البحيرة، واذهب إلى عملك واحصل على الكثير من الأجر عشان ما تفقدش كثير من وحدات ذكائك.
خالد هز رأسه بالموافقة وإبتسم لأسيل بكل حب.
العربية اتحركت، وخالد كان باصص عليها لحد ما اختفت تمامًا، وبعد كده وجه نظره للبحيرة وقعد على الشاطئ يفكر في اللي هيحصل بعد كده.
أما بالنسبة لأسيل، فكانت ماشية بالعربية بتاعتها في أحد الشوارع النزيهة، ووقفت قدام بيت كبير باين عليه الثراء والفخامة، والبيت ده كان ليه باب ضخم وأسيل نزلت من العربية ودخلت البيت.
أسيل أول ما دخلت البيت، كله كان مضاء بالشموع، وكان فيه سقف عالي في نصه نجفة مليانة شموع مزخرفة وكانت حيطان البيت منقوشة بشكل خرافي، والأساس كان خشبي وحوامل الشموع كانت عبارة عن نحاس مطعم بالذهب.
أسيل طلعت على السلالم الفخمة بتاعة البيت وكانت بتمشي بكل ثقة وأناقة، ووصلت أوضتها وأول ما دخلت رمت نفسها على السرير وتنهدت براحة.
أسيل قامت من على السرير وراحت قعدت قدام المراية الكبيرة اللي في أوضتها، وابتسمت بطريقة رقيقة وهي بتبص على صورتها إللي موجودة جنب المراية، وعمّالة تبص في المراية على شعرها الطويل والأسود الناعم، وبدأت تحسس عليه بإيديها وبعد كده إكلمت مع نفسها وقالت: ما هذا الشعور الغريب الذى توغل بداخلي؟ هل أنا سعيدة أم حزينة؟
وبعد كده بصت على صورتها إللي موجودة جنب المراية وقالت: لماذا شعرت بالحزن حينما علمت أن خالد قد اقترب ميعاد خروجه من الذكاء؟
الصورة: أنا لم أشعر بأي حزن؟
أسيل: كاذبة، لقد حزنتى جدًا عندما عرفتي بقرب خروجه.
أخبريني بصدق، هل تحبينه؟
أسيل راحت على السرير وهي عمّالة تفكر في السؤال ده وقالت في نفسها: أنا لا أعلم إذا كنت أحبه أم لا، ولكني متأكدة إني لم أعرفه إلا منذ أيام قليلة، ما الذي يجعلني أحبه؟
وبعد كده تراجعت وقالت: أظن إني أحبه، وأظن إني أحببته بسبب اختلافه.
ربما أحببته بسبب حديثه وجُرأته، أو بسبب اختلافه عن باقي رجال الذكاء البخلاء، والأغبياء اللي ما يشغلش تفكيرهم سوى المحافظة على ذكائهم وخوفهم من إنهم يُذبحوا، حتى إنهم في بعض الأوقات يخافون أن يستعملوا تفكيرهم لكى لا يستهلكوا من ذكائهم شيئًا.
نعم، أظن إني أحبه بسبب اختلافه عن باقي أهل الذكاء.
أسيل قامت من على السرير واتجهت ناحية الشباك بتاعها وفتحت الستارة وبصت على السماء وهي حاطة إيديها على خدها، وبعد كده بصت على النجم إللي خالد سماه على إسمها، وقالت بحزن: لكنه سيرحل.
تاني يوم الصبح، خالد قام كالعادة ورمى نفسه في البحيرة وبعد كده اتجه لشغله، وهناك قابل يامن وسلم عليه، ويامن كان مستغرب جدًا من السعادة الكبيرة اللي كانت موجودة على وش خالد، ده غير إن السعادة دي كانت مقتصرة على شغله، وكان باين عليه الحماس وبيشتغل أحسن من أي حد في المكان.
يامن باستغراب: ماذا بك يا صديقي؟ أرى أنك سعيد جدًا اليوم، هل حصل شيء؟ هل عثرت على صاحب الكتاب الذي تبحث عنه؟
خالد بضحكة: لا يا يامن، ما فيش أي حاجة من اللي إنت بتقولها دي، بس سمعت خبر فرحني علشان كده بقى باين عليا إني مبسوط.
يامن باستغراب: أي خبر؟
خالد بابتسامة وهو بيبص في السماء: في أمل إني أخرج من الذكاء بعد نص سنة.
يامن بدهشة: كيف ستخرج بعد ستة أشهر فقط؟!!
خالد بابتسامة: أيوة، علشان يوم الذكاء هيكون بعد ست شهور. إحنا لحد دلوقتي ما تأكدناش بس احتمال يعني الباب يفتح بعد ست شهور.
يامن بتكذيب: هذا غير صحيح لأن يوم الذكاء متبقي عليه إحدى عشر شهرًا.
خالد: لا يا يامن، الكلام ده مش صحيح، بص في سر هقولك عليه.
خالد قال ليامن إن مرات الحاكم هتولد بعد ست شهور، وقال له إن أسيل هي إللي قالت له الخبر ده.
يا من بعد ما ابتسم بسعادة: مبارك يا صديقي، أنا أشعر بالسعادة لأجلك، ولكن صدقني كنت أتمنى أن أقضي معك المزيد من الوقت.
خالد بضحكة: حبيبي يا يامن، بس صدقني، أنا بلدي وحشتني جدًا، وبعد كده بصله بحزن وقال: بس في مشكلة وحيدة، أنا مش عارف لو خرجت من الذكاء هعمل إيه؟ علشان كده لازم ألاقي الكتاب بتاع سرداب فوريك في خلال الست شهور دول.
يامن بابتسامة: صدقني يا صديقي، أنت شخص جيد، وأظن أنك هتعثر على هذا الكتاب، وأتمنى إنك تحقق ما تريد.
وبعد كده ابتسم وقال: أظن إن أطفال الذكاء سيفرحون لأنهم سيرون ما فاتهم.
خالد باستغراب: إيه إللي هيخليهم فرحانين بحاجة زي كده؟
يامن: لأنهم هيشاهدوا لعبة الذكاء، وللأسف ما قدروا يشاهدوها في المرة السابقة لأن الفقراء الآخرين كانوا قد هربوا.
خالد باستغراب: لعبة الذكاء دي؟!
يامن: أجل، تذكرت، أنا لم أحكى لك عنها من قبل.
إن مدينة الذكاء سميت نسبة لهذه اللعبة، وهي ليست لعبة في الأساس، هي منافسة يتم تحديد أفقر شخص في المدينة من خلالها، وينتظر هذه المنافسة جميع سكان الذكاء طوال العام.
خالد بدهشة: لا، أنا مش فاهم، فهمني؟
يامن: الجنود في مدينة الذكاء بيجمعوا أكثر ناس في المدينة يظهر عليهم التعب والشحوب، بيأخذوهم للأطباء، وهناك يحدد الأطباء من هم المرضى فعلاً، ومن هم الفقراء.
وحينها يتبقى عدد قليل من الفقراء، يأخذهم الجنود للطبيبة أسيل.
وهنا يأتى دور أسيل في اختيار أفقر ثلاثة في الذكاء.
وبعدها يتم أخذ هؤلاء الثلاثة علشان يلعبوا لعبة الذكاء، وهذه اللعبة بتكون قبل يوم الذكاء بيوم واحد، يعني نفس اليوم اللي يتم فيه فتح باب الذكاء.
خالد: فهمت، بس إيه هي لعبة الذكاء دي؟
يامن وهو بيقطع الأحجار: لعبة الذكاء بتتعمل قدام الجميع، وهي ببساطة عبارة عن قرص خشبي بيدور بسرعة معينة، وفي هذا القرص ثلاثة أسهم بتنطلق منه، وبيقوم عمال النحت في الذكاء بنحت ثلاثة تماثيل بيشبهوا الفقراء الثلاثة، وبيتم وضع التماثيل دي قدام قرص السهام ويفصل بينهم أمتار قليلة.
حينها يجب على كل فقير أن يختار ثلاثة أماكن معينة في تمثاله علشان يحميها من السهام، والتمثال اللي يصيبه أكبر عدد من السهام يكون هو أفقر شخص في المدينة، ويكون هو المختار، وحينها مش هيشعر أي حد من الفقراء الثلاثة بالظلم.
خالد: طب مين مخترع اللعبة دي؟
يامن: لا أعلم، فقد وجدنا آباءنا يفعلون هذا من وقت ولادتنا، دي اللعبة دي بتخلي كل فقير يعرف قيمة حياته، وربما يكون فيه فقير تم اختياره مرات عديدة ولكنه بيجتاز اللعبة بنجاح، وده من حسن حظه.
خالد بعد ما قاطعه: طب اللعبة دي سهلة؟
يامن: بالنسبة لي، فأنا أرى أنها سهلة جدًا، والكثير من المتفرجين بيتنبأوا بالأماكن اللي هتصيبها السهام، لكن الأمر مختلف عندما تكون فقيرا.
خالد باستغراب: إيه المشكلة في كده؟
يامن: هل نسيت إنك إذا أصبحت فقيرًا فإنت تصاب بالغباء؟
خالد: يعني أنا لو بقيت فقير هبقى غبي فعلاً؟!
يامن: أجل، فـأنت حين تصاب بالغباء لا تستطيع تحدد تلك الأماكن بسهولة، وبسبب غبائك تحمي مناطق أخرى، وتتنبأ بالأماكن الخاطئة.
لهذا عليك أن تحافظ على ذكائك لكى تجد الكتاب وتخرج من هنا وأنت بنفس الذكاء.
وبعد كده بدأ يقطع الصخور وقال: هيا قم بعملك وعوض ما فقدته من الذكاء، ما رأيك بمنافسة أيها السعيد.
عدت الأيام وخالد كان كل يوم بيقوم من النوم ويروح لشغله، وبعد كده يرجع يقعد قدام البحيرة شوية لحد ما يغلبه النعاس وينام من كتر الإرهاق.
أما بالنسبة لأسيل فكانت شغالة كالعاده وبتساعد المرضى، وآخر اليوم تطلع غرفتها وتبص من الشباك بتاعها على السماء، وتحديدًا على النجم اللي خالد سماه بنجم أسيل.
أسيل كانت كل يوم عايزة تروح البحيرة علشان تشوف خالد، بس كانت بتمنع نفسها لأنها عايزة تتحقق من حقيقة مشاعرها تجاه خالد، ورغم إنها كانت بتصارع نفسها كل يوم ما بين الرغبة في إنها تروح تقعد مع خالد، وما بين كبريائها اللي مخليها عايزة تقعد في أوضتها، بس كانت بتفضل إن هي تبات في أوضتها لحد ما عدت أسبوع وجه اليوم اللي هتروح فيه مع خالد للمنطقة الجنوبية.
أسيل ركبت عربيتها واتجهت بسرعة ناحية البحيرة اللي بيعيش خالد جنبها.
أسيل بابتسامة بعد ما وقفت بالعربية قدام خالد: هل أنت جاهز للعمل يا مساعدي؟
خالد بفرحة بعد ما شافها: بالتأكيد يا سيدتي.
خالد ركب العربية مع أسيل والعربية اتحركت، وبدأ خالد وأسيل يبصوا لبعض.
أسيل بعد ما بصت على شنطة خالد: ما هذه الأوراق الموجودة في حقيبتك؟
خالد بابتسامة: دي شوية حاجات عن الذكاء قلت أسجلها، عشان لما أمشي من هنا أفتكرها.
أسيل ابتسمت وقالت: أخبرني ما الذي كتبته عن الذكاء؟
خالد بضحكة: أمممم مش عارف ما كتبتش يعني حاجات كتير.
أسيل بصت للورق بخبث وسحبته بسرعة وبصت فيه، وأول ما بصت عينيها جت على جملة خالد كان كاتبها وهي: أسيل هي حورية الذكاء.
أسيل ساعتها وشها احمر من كتر الخجل وبصت بطرف عينيها على خالد بس ما قدرتش تنطق حرف واحد.
خالد ساعتها حس بإحراج وحاول يخرج من الموقف ده وقال: لا ما تفهميش غلط، أنا قصدي على أسيل النجمة الموجودة في السما.
أسيل بضحكة مليانة خجل: لماذا تبرر لي؟ أنا لم أقل شيئًا.
أسيل بصت على الورقة مرة تانية وبدأت تقرا في الجملة في سرها كذا مرة لحد ما قاطعها خالد وقال: على فكرة أنا عرفت لعبة الذكاء.
أسيل باستغراب: ألم تكن تعرف عنها من قبل؟
خالد: لا، ما كنتش أعرف، بس إللي كنت أعرفه إن إنتِ إللي بتختاري أكثر ثلاث فقراء في المدينة.
أسيل: أجل، فهذه هي مهمة طبيبة الحاكم وأنا هي طبيبة الحاكم.
خالد: طب ممكن تقولي لي إنتِ بتعرفي إزاي أفقر واحد في الثلاث فقراء؟
أسيل بضحكة: إنه فرق الخبرات يا عزيزي.
خالد وهو بيبص لها بطرف عينه: أموت في النرجسية.
أسيل: بعدما ينتهي أطباء مدينة الذكاء من فصل المرضى الحقيقيين عن الفقراء، يتبقى عدد قليل جدًا من الفقراء، وحينها أختار من بينهم الثلاثة الأكثر فقرًا.
وأحيانًا أيضًا يكون بين هؤلاء الفقراء أشخاص مرضى وليسوا فقراء، ووارد جدًا أن يخطئ الأطباء الآخرين في الحكم على المريض الحقيقي والفقير.
حينها يكون لديَّ الصلاحية في إرسال المرضى إلى بيوتهم، ولا يمكن لأي أحد في المدينة أن يراجعني في هذا الأمر.
أما بالنسبة للفقراء، فلديهم شحوب مميز، وأستطيع بخبرتي التمييز بين الأفقر والأقل فقرًا.
خالد بتساؤل: طب يا ترى بقى الفقير هنا بيبقى معاه كام وحدة ذكاء؟
أسيل: الأمر يختلف من شخص لآخر لأنه أحيانًا يمكن أن يمتلك شخص 10 وحدات، وهناك من يمتلك أقل من ذلك، وأحيانًا يكون هناك من يمتلك 1000 وحدة ولكنه يكون أقل شخص في الذكاء، فيكون هو الأكثر فقرًا.
خالد بابتسامة خبيثة: طب تقدري تعرفي أنا عندي كام وحدة ذكاء؟
أسيل بعدما حطت إيديها على رأسه: تمتلك ما بين ثمانمائة وتسعمائة وحدة.
خالد بعدما خبط على دماغه بقوة: إيه؟!!
أسيل وهي بتحاول تطمنه: لا تقلق، إنه ليس قليلًا.
خالد بخوف: طب الناس هنا كانت بتقول إني غني؟
أسيل: أظن إنهم يقصدون بقولهم هذا أنك لست فقيرًا.
خالد بابتسامة خبيثة: طب وإنتِ معاكي كام وحدة بقى؟
أسيل بضحكة: لا يمكنك حصر الوحدات التي أمتلكها.
خالد بتعجب: معقوله هي دي بس وحدات الذكاء اللي معايا؟!
أسيل وهي بتحاول تطمنه: لا تقلق، إنه رقم جيد.
خالد: بس ليه الناس هنا كلها كانت بتقول عليا غني؟
أسيل: أجل، إنهم يخبرونك بأنك غني، وهذا معناه إنك لست فقير، والأغنياء درجات.
في أغلب الأوقات يمتلك الفقراء حوالي 100 وحدة، وأحيانًا يمتلكون أقل من ذلك، وإذا أرادوا أن يوصلوا إلى 900 وحدة فإنهم يوفرون كل يوم حوالي وحدتين فقط، وبالباقي يشترون احتياجاتهم.
وفي الغالب يحتاجون إلى عامين أو ثلاثة لكي يصلوا إلى مستوى الذكاء الذي تمتلكه،
وفي الناحية الثانية تكون أنتَ قد ضاعفت وحدات الذكاء اللي تمتلكها في هذه الفترة ، ويمكن أن تحصل على أكتر من ذالك لو عملت بجد، وبهذه الطريقة تظل غني في نظرهم.
خالد بعد ما افتكر حاجة مهمة: بس أنا فاكر إن الشخص إللي اتذبح في يوم الذكاء كان عنده بيت ضخم، وباين على البيت إنه غالي.
وأظن إن الشخص ده كان ممكن يبيع منزله مقابل عدد كبير من الوحدات، وينقذ نفسه من الهلاك.
أسيل: معك حق، ربما كان يريد ببع منزله، ولكن أنا متأكدة أنه لم يستطع أن يجد مشتري.
خالد باستغراب: طب وإيه إللي يخليكي متأكدة أوي كده؟
أسيل: لأنه عندما يقترب موعد يوم الذكاء، وقتها يخاف الجميع إنهم يفرطوا في وحدات ذكائهم، وأنا متأكدة أنهم لو عرفوا بخبر المولود الجديد، هيبدأ الناس في الحفاظ على وحداتهم لكي لا يتم ذبحهم.
خالد بابتسامة وهو بيغازل أسيل: طب ويا ترى بقى الحورية معاها كام وحدة ذكاء؟
أسيل بضحكة فيها تعالي: الحورية تمتلك رقم ما تقدرش تتخيله.
الوقت عدى بسرعة، وسواق العربية كان بيأمر الحصان إنه يسرع أكتر، وخالد وأسيل كانوا بيتكلموا طوال الطريق، والمواضيع بينهم ما كانتش بتخلص، والاتنين كانوا مبسوطين جدًا بوجودهم مع بعض.
بعد وقت طويل، أخيرًا وصلت العربية للمنطقة الجنوبية.
خالد نزل من العربية وهو شايل شنطته وشنطة أسيل، وأول ما نزل بص حواليه واتفاجئ إن المنطقة دي مختلفة تمامًا عن المنطقة بتاعة الحاكم، والمنطقة اللي بيعيش فيها.
خالد لاحظ إن المنطقة دي المباني بتاعتها صغيرة وبتتكون من دور واحد، ولاحظ إن كل البيوت لازقة في بعضها، والشوارع مليانة أحصنة وحمير، وكتر الدابات في المنطقة دي أدى إلى كتر مخلفات الحيوانات، وبعد كده بص حواليه وشاف آلات زراعية كتير، بس كان شكلها قديم جدًا.
أسيل بصت على خالد وابتسمت وعرفت باندهاشه وقالت: لا تقلق، دي المنطقة الجنوبية، وهي المنطقة الخاصة بالمزارعين في مدينة الذكاء، الجميع هنا بيشتغل في الزراعة، وكل شخص عنده أرضه الخاصة، غير إنهم بيمدوا الذكاء بالأرز والمحاصيل اللازمة، والقمح أيضا، ويمدوننا أيضا بكل أنواع الفواكه والخضروات.
أسيل بصت على خالد وقالت: كفاك تكاسل اليوم، لن تستريح مثلة المره السابقه في منطقة الحاكم لأنك ستساعدني، ولا مجال للكسل أو الاحتفال.
خالد بابتسامة: خليكي كده عايشة عليا دور المديرة وأنا إللي كنت فاكرك متواضعة.
أسيل بعد ما لفت وشها وبصت له بجدية: أتقول شيئا؟
خالد بتراجع: لا يا ست الستات ما أقدرش، ده أنا بقول يا بختى إني شغال مع دكتورة جميلة زيك.
أسيل وهي بتتصنع الجدية: حسنًا، هيا كفاك كلامًا.
أسيل مشيت هي وخالد في أحد شوارع المنطقة الجنوبية، وخالد كان شايل شنطته وشنطة أسيل، وبعد كده دخلوا واحد من البيوت إللي كانت موجودة في المنطقة دي، والبيت ده كان شبه كل البيوت الموجودة في المنطقة الجنوبية، وكان مكون من طابق واحد فقط.
خالد وأسيل أول ما دخلوا، في ست عجوز عندها حوالي 50 سنة استقبلتهم وأخذتهم للأوضة اللي جوزها كان نايم فيها.
خالد أول ما دخل شاف راجل كبير في السن نايم على ظهره ورجليه الشمال كانت ملفوفة بضمادات جروح.
أسيل بعد ما بصت لخالد: أريد مساعدتك في تغيير هذه الضمادات دون تحريك الجبيرة، ولا أريد أن أسبب له أي ألم.
خالد ابتسم وقعد جنب الراجل الكبير ومسك رجليه الشمال ورفعها، وثبتها على زراعه وبدأت أسيل تغير الضمادة للراجل.
أسيل شالت الضمادة القديمة وحطت ضمادة جديدة مكانها، وبعد كده طلعت من شنطتها مادة عشبية لونها أخضر وكانت المادة دي لزجة، وحطت شوية من المادة دي على رجل الراجل وبعد كده بدأت تلف الضمادة الجديدة حوالين رجليه.
الراجل الكبير وهو حاسس بالألم: أخبريني أيتها الطبيبة متى سأعود إلى العمل؟
أسيل بلطف: إنه ليس الوقت المناسب يا عم، لم تلتئم عظام قدمك بعد، وما زالت تؤلم.
الراجل العجوز: أجل ولكن علي أن أعمل لأني لم أذهب إلى العمل منذ شهر، وبدأت أشعر أن ثروتي تقل، وعلي تعويض ذلك بأي طريقة وإلا صرت فقيرًا.
أسيل بابتسامة لطيفة: صدقني يا عمي إنه ليس الوقت المناسب للعمل، يمكنك الانتظار حتى تخف قدمك تمامًا، وحينها يمكنك تعويض ما فاتك.
أسيل بصت على خالد وخالد: أرايت كيف أقوم بلف الضمادة؟
خالد: أيوه طبعًا، سهلة جدًا.
أسيل: حسنًا، أكمل مكاني وأنا سأذهب لأن هناك فتاة مريضة أريد أن أطمئن على حالتها، وبعد قليل سوف أعود.
خالد: ماشي، مستنيكي.
أسيل مشيت وخالد طلب من الراجل إنه يثبت قدمه علشان يقدر يكمل اللفة اللي كانت أسيل بتعملها، ولما أسيل بصت على خالد وشافته بيلف الضمادة بطريقة كويسة، إبتسمت وسابته وهي مطمئنة.
خالد بدأ يلف الضمادة وأثناء ما كان بيلفها كان عنده فضول يسأل الراجل عن حاله.
خالد بعد ما بص في أنحاء البيت: هو إنت عايش لوحدك يا حاج؟
الراجل الكبير: نعم يا بني، أعيش أنا وزوجتي فقط.
خالد باستغراب: طب وفين ولادك؟
الراجل الكبير بأسف: للأسف، لقد تركوني وذهبوا.
خالد باندهاش: سابوك ومشوا ليه يا حاج؟
الراجل الكبير: لقد تركوني بعدما أعطيتهم الأرض الخاصة بي.
خالد: طب وإنت تديهم الأرض بتاعتك ليه يا حاج؟
الراجل الكبير: لقد أعطيتهم أرضي بعدما اعتدوا عليّ كثيرًا وأمروني أن أقسم الأرض بينهم.
خالد: طب وإنت تستغني عن أرضك ليه لشوية عيال حقيرين زي دول؟!
الراجل الكبير وهو بيعيط: أنا أعذرهم لأن أطفالي يخافون من الفقر مثل أي شخص موجود في الذكاء، ولهذا ضحيت بنفسي من أجلهم.
خالد في نفسه وهو بيلف الضمادة: الناس هنا في الذكاء ما عندهاش قلب.
خالد بمجرد ما خلص لف الضمادة دخلت عليه واحدة وباين عليها الخوف والاستعجال.
الست بنبرة ترجٍى: أين هي الطبيبة أسيل؟ أين أسيل؟
خالد وهو بيحاول يهديها: ما تقلقيش هي جاية كمان شوية، إنتِ عايزاها في إيه؟
الست وهي بتعيط: أنا ابني تعبان جدًا وأظن المرض اللي جاله ده ممكن يموته، وأنا مش عايزاه يموت قبل ما الدكتورة تشوفه، أرجوك خلي الدكتورة تيجي تلحقه.
الراجل الكبير فجأة رفع إيده وشاور على خالد وقال: ليس عليكِ انتظار الطبيبة، هذا الطبيب في مثل مهاراتها.
خالد اتصدم من كلام العجوز وبص عليه ورفع حاجبه وقال: طبيب مين يا عم؟ أنا مش ماهر ولا حاجة، أنا اسمي خالد.
الست بعد ما شدت خالد: أرجوك أيها الطبيب، ساعدني وسأعطيك ما تريد من الوحدات، أنا فقط أريد أن يعيش ابني.
الست فضلت تشد في خالد وتسحبه ناحية البيت بتاعها وتتوسل إليه علشان ينقذ ابنها، وخالد كان بيحاول يقنعها إنه مش دكتور وما يعرفش أي حاجة عن الطب، بس الست ما كانتش مصدقاه وفضلت تشد فيه.
خالد ما لقاش أي مهرب منها فاضطر يروح معاها علشان يهديها، وطلب من الراجل الكبير إنه يعرف أسيل مكانه لما ترجع.
خالد مشي مع الست اللي كانت عمالة تجري في الشارع وتصرخ زي المجانين، وكمان كانت حافية ومش لابسة في رجليها أي شبشب.
الست وهي بتجري فضلت تصرخ بصوت عالي وتقول: لقد كان بصحه وعافيه، ولم يمرض من قبل، لا أعلم ما الذي حدث له.
خالد والست وصلوا للبيت، والبيت كان باين عليه إنه بسيط جدًا وموجود في نص البيت ده حوض كبير مليان ميه.
خالد أول ما دخل الست دخلته ودخلت بيه أوضة صغيرة موجود فيها طفل نايم على سرير صغير، وفاقد للوعي.
خالد ما كانش عارف يعمل إيه وكان عايز يعرف الست إنه لسه شغال مساعد جديد مع أسيل وما يعرفش أي حاجة عن الطب، بس الست ما أديتلوش أي فرصة وكان لسه بتصرخ فيه وتقول: ابني ما زال صغيرًا ولم يكمل العشر سنوات.
أرجوك أنقذ إبني وسأعطيك ما تريد.
خالد كان واقف حيران وما كانش عارف يعمل إيه وما كانش بيتحرك أي حركة، والست كانت لسه بتصرخ.
الست صرخت بصوت عالي وقالت: لقد كان بصحة جيدة، ورغم سنه الصغير كان يعمل في الحقل بكل جهده، ولكنه الآن يبدو عليه التعب الشديد.
خالد لما سمع كلام الست بص على الطفل علطول وافتكر إن الشمس بتاعته اليوم ده كانت شديدة الحرارة، وبعد كده حط إيده على راسه ولقى إنها سخنة جدًا ولاحظ إن جلده كان جاف تمامًا، ولما قرب أكتر من الطفل سمع صوت همسات من الطفل بكلام مش مفهوم.
خالد شال الطفل وراح بيه على حوض فيه شوية ميه كان موجود في مدخل البيت، وحط الطفل في الحوض ده بهدومه.
الست استغربت من اللي خالد بيعمله بس ما رضيتش تتدخل علشان كانت فاكرة خالد دكتور محترف وما رضيتش تتدخل في شغله.
خالد بعد ما بص للست بجديّة: عندكم ميه أبرد من دي؟
الست بصراخ: لا يوجد عندنا مياه باردة ولكن يمكنني أن أشتري من جيراننا.
وبالفعل الست خرجت بسرعة علشان تجيب ميه من الجيران، وخالد كمل اللي كان بيعمله وبدأ يطلع الطفل من الميه وينزله تاني لحد ما رجعت أمه ومعاها ميه باردة وبدأت تفضي الميه دي في الحوض.
خالد بعد كده طلب من الست إنها تروح تفتح كل الشبابيك الموجودة في البيت علشان الهواء البارد يخش، وفعلاً الست سمعت كلامه، وخالد طلع الطفل من الميه وشال من عليه كل الهدوم وحطه على بلاط الأرضية الساقعة علشان الطفل كان سخن جدًا.
خالد عمل كده وما كانش متأكد هل فعلاً اللي بيعمله ده هو الصح ولا أي هبد، بس عمل كده احتياطي لحد ما أسيل تيجي وتنقذ الموقف.
خالد فضل مستني أسيل جنب الطفل، ومستحمل صرخات أم الطفل وعمال يتمنى إن أسيل تيجي وتنقذه بسرعة من الموقف ده، بس المشكلة إن أسيل اتأخرت جدًا والطفل ما كانش لسه صحي ولا عمل أي رد فعل.
خالد خايف جدًا لأنه مش عارف هل اللي عمله صح ولا لا، هو ما كانش عارف الطفل هيبقى كويس ولا لا.
بعد فترة طويلة، أسيل أخيرًا جت وأول ما دخلت شافت خالد وهو قاعد على ركبته جنب الطفل العريان المرمي على الأرض.
أسيل بعد ما شافت الطفل: ما الذي يحدث ولماذا هذا الطفل مجرد من ملابسه؟
خالد ما ردش، والست كانت عمالة تصرخ، وأسيل بدأت تفحص الطفل، بس بمجرد ما حطت إيديها على جبينه إتفاجئت إن الطفل بيفتح عينيه.
الطفل أول ما صحي بدأ يدور على أمه، والأم فرحت جدًا إن ابنها صحي أخيرًا.
أسيل استغربت وحطت إيديها على دماغ الطفل وبعد كده وصلت لخالد وسألته: هل حرارته كانت أعلى من كده؟
خالد بفرحة بعد ما حط إيده على دماغ الطفل: أيوه فعلاً كانت أعلى من كده بكتير.
أنا استنتجت إن هو جات له ضربة شمس علشان كده قلت أحاول أبرده بأي طريقة.
أسيل ابتسمت لخالد وبعد كده بصت لأم الطفل وطلعت إزازة من شنطتها وقالت: اعطي ابنك من هذه الزجاجة كل يوم مرة واحدة وسيصبح بخير عما قريب.
الست شكرت أسيل على الزجاجة وبعد كده بصت لخالد وشكرته وقالتله إنه طبيب ماهر جدًا.
خالد ضحك: يا ستي والله أنا مش دكتور، أنا خريج تجارة.
الست بابتسامة: كم تريد؟
خالد بابتسامة لطيفة: لا أنا مش عايز حاجة، ممكن تدي الأجر للطبيبة أسيل.
أسيل: لا أنا أريد ثمن الدواء فقط، أما ثمن علاج الطفل فهو ملكك أنت، فانت من أنقذته.
خالد: لا الموضوع جه معايا صدفة.
خالد بص للطفل بحنية وبعد كده بص لامّه وقال: حمد لله على سلامة ابنك، أنا مش عايز أي أجر، كفاية عليكى الميه إللي إشتريتيها من الجيران.
الست شكرت خالد وبعد كده فضلت تتأملوا شوية وتبص له بغرابة، وده خلا خالد مستغرب من نظراتها بس ما اهتمش ومشي هو وأسيل بعد ما الست شكرتهم.
أسيل وهي ماشية مع خالد: خالد أخبرني هل أنت طبيب؟
خالد ضحك: يا ستي مش دكتور والله، خريج تجارة يا جماعة.
أسيل باستغراب: أخبرني إذًا كيف أنقذت الطفل من الغرق، وقلت حينها إن هذه دوره إسعافات أولية، واليوم قمت بربط الضمادة بطريقة بارعة، وبعد ذلك أنقذت طفل من الموت.
كيف يمكنك فعل كل هذا وأنت لست طبيبًا؟! وأنا طبيبة ولا أستطيع فعل الأشياء التي تقوم بها.
خالد: صدقيني الموضوع صدفة مش أكتر.
بصي هحكيلك حكاية، لما كنت صغير وبلعب مع صحابي فجأة واحد منهم أغمى عليه، وصاحبي كان سخن جدًا، زي سخونة الطفل ده، وفي الوقت ده شفت الدكتور لما جه وبدأ يكشف على صاحبي، وبعد ما كشف قال إن هي كانت ضربة شمس.
وساعتها شفت الدكتور كان بيعمل إللي أنا كنت بعمله دلوقتي.
أنا بقى لما لقيت الولد إللي أنقذته النهاردة حالته شبيهة بحالة صاحبي، قلت إن هي ضربة شمس وعملت معاه نفس إللي شفت الدكتور إللي أنقذ صاحبي كان بيعمله، وقلت لو حتى لو كنت بعمل حاجة غلط أكيد إنتِ هتيجي وهتنقذي الموقف، وعارف إن دي مخاطرة بس قررت أجازف، وقلت أنا كده كده مش هخسر حاجة، حتى اللي عملته ده ممكن كان ينقذ حياة الطفل لمدّة دقائق.
والصراحة ما كنتش عارف النتيجة لكن هي اتيسّرت معايا والولد بقى كويس فعلاً.
خالد: بس الحمد لله الولد بقى كويس أهو وقدرت أنقذ حياته.
أسيل بابتسامة: أنا معجبة بذكائك يا خالد، لقد أثبت اليوم أنك أفضل مساعد لي.
لكن أخبرني، لماذا لم تحصل على أجرك من السيدة؟ لقد رأيتك تقوم بهذا الأمر عدة مرات، تقوم بإنقاذ الناس وبعد ذلك ترفض أخذ أجرك.
خالد بابتسامة: مش لازم كل حاجة أخد عليها مقابل يا دكتورة، لازم أحيانا نضحي ونعمل خير لإن إحنا ما نعرفش ظروف الناس.
أكيد هي محتاجة وحدات الذكاء دي في حاجات تانية، فأنا لو في مقدرتي أني ما أخدش منها حاجة مش هعمل كده وهعتبره عمل خير، ولا مفيش حد هنا بيعمل خير خالص في الذكاء؟
أسيل بضحكة: إنه حقك، كان عليك أن تأخذه، وأيضا أنت قد إستخدمت ذكائك، هذا يعني أنك خسرت وحدات ذكاء أكثر ولم تقم بتعويض هذه الوحدات.
خالد ضاحكًا: دلوقتي أنا عرفت ليه الناس في الذكاء ما بتفكرش، عشان خايفين على ذكائهم، بس أنا برضه شايف إني مش لازم أخد مقابل علشان أنقذت إنسان.
متأكد إن الخير إللى عملته هيتردلي في يوم من الأيام وفي حد هيساعدني بدون مقابل.
أسيل بابتسامة: حسنًا أيها الشهم، الآن إذهب وإبحث عن كتابك وأنا سأقوم بزيارة بعض المرضى من السيدات، وبعد أن أنتهي سأنتظرك في العربة.
خالد بدأ يدور في المنطقة الجنوبية عن الكتاب، وأثناء ما هو ماشي افتكر كلام يامن عن الذكاء، وافتكر أنه كان بيقول إن الذكاء مدينة كبيرة جدًا، بس خالد كان شايف عكس كده لإن مناطقها كانت صغيرة جدًا بس محتاجة أي وسيلة تنقل، لكن المدينة صغيرة بالنسبة لخالد.
المنطقة الجنوبية كانت بتمتاز بكثرة الأراضي الزراعية، وخالد لما عدى عليها شاف مساحات واسعة مزروعة بالقمح، وشاف محاصيل تانية، واندهش أن الزراعات دي موجودة في أرض صحراوية، بس افتكر أن أهل الذكاء ممكن يعملوا أي حاجة علشان ما يتمش ذبحهم، وكمان ممكن يشيلوا جبل من مكانه، فأكيد مش صعب عليهم أنهم يزرعوا في أراضي صحراوية.
خالد بدأ يسأل الناس عن الكتاب، وبدأ يسألهم عن الشخص اللي شبهه في الطول، والعرض، وشكل الوش، واللهجة المختلفة.
بس كما هو متوقع، مفيش أي حد أفاده في الموضوع ده، وما كانش في أي حد يعرف حاجة عن الكتاب اللي خالد كان بيتكلم عنه، وفي بعض الأوقات الناس كانت بتتريق عليه لما كان خالد بيسألهم عن الكتاب ده.
خالد ما إستسلمش لليأس وفضل يسأل كل شخص بيقابله، وفضل يلف على كل الأراضي الزراعية ويسأل كل الموجودين فيها، بس برضه مفيش حد كان عارف أجوبة للأسئلة بتاعته.
خالد كان حاسس باليأس وراح قعد تحت شجرة يتظلل بظلها، واتنهد بصوت كله يأس وطلع الورقة والقلم من جيبه وكتب في أعلى الصفحة: المنطقة الجنوبية…
وبعد كده كتب في أسفلها: المنطقة الجنوبية هي كمان ما فيهاش أي حد يعرف حاجة عن الكتاب، ولا يعرفوا أي حاجة عن صاحبه، وما كانوش يعرفوا حاجة عن سرداب فوريك، بس اللي أدهشني أن سكان المنطقة دي مجتهدين جدًا ومهتمين بالزراعة لدرجة إنهم عملوا من الأرض الصحراوية أرض زراعية.
الناس هنا مفيش حد فيهم بيضيع وقته، وده خلاني أعرف كويس ليه الدكتورة قالت لي إن مع الوقت هعرف قيمة الذكاء، وفعلاً اكتشفت إن الذكاء قوية بسبب أهلها لإنهم بيعملوا كل حاجة بنفسهم، ومش محتاجين أي حاجة من أي دولة تانية.
يعني في المنطقة الجنوبية مهتمين بالزراعة كل الاهتمام ومش محتاجين أي محاصيل تانية، والمحاصيل الموجودة في المنطقة الجنوبية بتكفي الذكاء وبزيادة، وفي المنطقة الشرقية ممتازين جدًا في الصناعة، وخاصة الطوب، ممتازين في صناعة الملابس، وصناعات تانية كتير.
ده غير إن يامن حكالي عن المنطقة الغربية وقال لي إن فيها سوق كبير وهو أكبر سوق في الذكاء، والسوق ده في أي شيء بيحتاجه أي فرد في الذكاء، والسوق ده ما فيهوش أي حاجة مستوردة، كل الحاجات إللي موجودة فيه من إنتاج وصناعة أهل الذكاء.
الذكاء عندها اكتفاء ذاتي ومش محتاجة لأي حد تاني يتدخل في شؤونها، وخوف أهل الذكاء من الفقر مخليهم أقوياء وبيشتغلوا بكل جهد، وممكن هو ده السبب اللي مخلي الذكاء أقوى بلد في هذا العالم، وأظن إن كلامهم عن نفسهم وافتخارهم بأنهم أقوى بلد كلام صحيح.
والكلام ده حقيقي لإن اعتمادهم على نفسهم وعدم احتياجهم لأي دولة تانية مخليهم الأقوى.
خالد كان بيكتب بس توقف عن الكتابة لما لاحظ إن في حد داخل عليه.
خالد ساب القلم وبص على الشخص اللي داخل عليه ولاحظ إن الشخص ده هي الست اللي أنقذ طفلها.
الست بعد ما وقفت قدام خالد وسألته: هل الشخص الذي تبحث عن عريض وطويل مثلك، ويشبهك قليلاً، ولديه لهجة غريبة مثلك، ولكنه أكبر منك سناً؟!
خالد بلهفة: أيوه، إنتِ تعرفيه ولا إيه؟!
الست: إن مجيئك إليّ اليوم ذكرني بيوم منذ أعوام طويلة، كنت حينها في السابعة عشر، وكنت أعمل في المنطقة الشمالية، وفي هذا الوقت قابلت شخص يشبهك، ولديه لهجة غريبة مثلك، وكانت زوجة هذا الرجل مختلفه عن نساء الذكاء، وقد قدم إليَّ معروفًا مثلما فعلت أنت اليوم، وبعد أن ساعدني نصحني بأن أعود إلى العمل في المنطقة الجنوبية.
خالد بلهفة: يعني أبويا في المنطقة الشمالية؟
الست: لا أعرف مكانه الآن، ولكنني قابلته هناك قبل 20 عام، ولكني أيضًا أتمنى أن تجده هناك.
الست إبتسمت بفرح وقالت: حينما إنتهيت من إنقاذ ولدي، ذكرتني بهذا الشخص الطيب، ولكني لم أخبرك لكي لا تظن أني مجنونة.
ولكن بعد مغادرتك، أخبرني أحد الرجال أنك تبحث عن شخص بهذه الصفات، فتأكدت حينها أن تفكيري ليس خاطئًا.
وبعد كده بصتله باستغراب وقالت: لماذا سألت كل الموجودين في هذه المنطقة ولم تسألني؟!
خالد: سامحيني، أنا بس كنت مشغول بإبنك وكنت خايف عليه جدًا، ده غير إنك كنتي مرعوبة وما كنتيش في وعيك، وأكيد مش هاجي وإنتِ في الحالة دي أسالك عن حاجة تخصني.
المهم بس، إنتِ متأكدة من كلامك عن الشخص ده؟
أم الطفل: أجل، فأنا لن أنسى هذا الرجل أبدًا.
خالد بتساؤل: يعني الكتاب اللي معاه كان بيتكلم عن حاجة اسمها سرداب فوريك؟
أم الطفل: في الحقيقة أنا لا أعرف كثيرًا من التفاصيل، لقد أخبرتك بكل ما أعرفه عن هذا الشخص، ولكني أنصحك أن تخرج من هذا المكان لأنك لن تجد شيئًا فيه، وأنا أعرف كل الأشخاص الذين يسكنون في هذه المنطقة، وصدقني لن تجد أي أحد لديه هذه الصفات التي أخبرتك عنها، لأن أغلب الناس هنا لا يعرفون القراءة والكتابة ولا يهتمون بالعلم.
خالد بابتسامة: عمومًا، شكرًا ليكى جدًا على مساعدتك، أنا مش عارف أشكرك إزاي.
أم الطفل بابتسامة: لست أنا من يستحق الشكر، لقد قدمت لك المساعدة لأنك ساعدتني بدون مقابل، وأعتقد لو أنك سألتني من قبل لم أكن لأترك طفلي وأبحث معك عن الشخص الذي تبحث عنه.
خالد بابتسامة: ده أنتم كلكم هنا مصلحجيه.
المرأة باستغراب: ماذا؟
خالد بتراجع: لا لا، ولا حاجة، بشكرك على مساعدتك.
خالد استأذن من الست ومشى واتجه للمكان اللي أسيل اتفقت معاه إنه يقابلها فيه.
خالد أول ما شاف العربية جري بسرعة ناحيتها، وكان عايز يقول لأسيل الخبر المفرح ده.
خالد أول ما وصل بالعربية إستغرب لإنه ما لقاش أسيل موجودة فيها واضطر يستنى لحد ما تيجي.
خالد وهو مستني فضل يفكر في قرب خروجه من الذكاء، وفضل يفكر في كلام أم الطفل عن المنطقة الشمالية، وفرح جدًا إن الصدف جمعته بالست الطيبة دي، وفرح إنه عمل خير مع الطفل وإتأكد إن الخير بيترد بخير أحسن منه، وقال إنه لو ما كانش أنقذ الطفل ده من الموت ما كانش هيعرف المعلومات اللي عرفها وخلت عنده أمل كبير.
وإفتكر كلام الست عن الراجل اللي بيشبهه، والست الغريبة المختلفة عن جميع ستات الذكاء، وفضل يتساءل: هل معقول يكون الشخصين دول هم أمه وأبوه؟ هل معقول هيلاقي أمه وأبوه بعد المدة دي كلها؟
فضل في هذه الدوامة من التساؤلات لحد ما شاف أسيل دخلت عليه وهي ماسكة في إيديها شنطة.
خالد نزل من العربية وهو بيجري ومبسوط، ومسك الشنطة من أسيل ومشى جنبها لحد ما وصلوا للعربية، وأول ما وصلوا خالد قال بابتسامة مليانة أمل: أسيل، أنا لقيت خيط جديد ممكن يوصلني للي أنا عايزه.
خالد بدأ يحكي الموقف اللي حصل بينه وبين أم الطفل، وكان مبسوط جدًا وهو بيحكي التفاصيل لأسيل.
وبعد ما خلص كلامه، سألها: قولي لي بقى، إحنا هنروح المنطقة الشمالية دي إمتى؟
في اللحظة دي، أسيل سكتت وكان ظاهر على وشها ملامح البرود، وبعد كده بصت من الشباك وقالت: أنا لا أذهب إلى هذه المنطقة.
خالد باندهاش: يعني إيه؟! ليه ما بتروحيش هناك؟!
أسيل سكتت شوية وكأنها مش عايزة تتكلم في الموضوع، بس بصت لخالد بحزن وقالت: لقد وعدت شخصًا من قبل بأني لن أذهب إلى هناك أبدًا.
خالد بدهشة: وعد إيه؟!!!
أسيل: لقد أخبرتك من قبل أني دخلت إلى الذكاء بين العبيد والأسرى، وحينما دخلت اشتراني رجل حكيم، وهذا الرجل علمني الطب.
خالد بعد ما هز رأسه: أيوه فاكر.
أسيل: هذا الحكيم عاملني بحنية وطيبة كأني ابنته، وكان يخاف علي من أي شيء يؤذيني، وفي يوم من الأيام أخبرته أنني ذاهبة إلى المنطقة الشمالية لأن هناك شخصًا يريد مساعدتي في مداواة جراحه.
حينها تفاجأت برد هذا الرجل الحكيم الذي قال لي: لن تذهبي إلى هناك أبدًا، أوعديني بأنك لن تفكري أبدًا في الذهاب هناك.
أسيل بصت لخالد وقالت: لقد وعدت هذا الرجل بأنني لن أذهب إلى هناك أبدًا.
خالد بتساؤل وغضب: طب هو إنتِ توافقِ على أي حاجة كده من غير سبب؟!
أسيل بأسف: حينما سألت عن السبب لم يقل لي شيء سوى أن هذه الأرض يعيش بها كسالى أهل الذكاء، ولم يخبرني بأي شيء آخر إلى حين وفاته، وأنا لا أستطيع أن أخلف هذا العهد، وأيضًا أثق في هذا الرجل وأعلم أنه من الأفضل لي عدم الذهاب هناك.
وبعد كده سكتت شوية وقالت: أنا احترمه حتى بعد وفاته لأنني لم أجد في حياتي شخص يحبني مثل هذا الرجل.
خالد كان مصدوم من رد أسيل، ومندهش من كلامها، وفضل ساكت شوية، وبعد كده بص لها بابتسامة وقال: عندك حق، وأنا ما أقدرش أخليكي تخلفي وعدك.
أسيل باستغراب: ماذا؟
خالد ضحك ضحكة لطيفة: إنتِ ساعدتيني كتير أوي يا أسيل، وما أقدرش ألومك لو إنتِ مش عايزة تيجي معايا المنطقة دي، أنا هقدر أروح المنطقة دلوقتي.
أسيل بابتسامة هادئة: هل ستذهب هناك؟
خالد: أيوه، لازم أروح.
أسيل: أتمنى لك حظًا سعيدًا، وأتمنى أن تجد ما تبحث عنه، ولكن عليك أن تعود بسرعة إلى عملك معي إذا لم تجد أي شيء، فصدقني أنا لن أجد مساعدًا ماهرًا مثلك مهما بحثت في الذكاء.
خالد ضحك: ده أنا أصلاً من ساعة ما اشتغلت معاكي وأنا حبيت الموضوع، ولما أرجع مصر قررت إني أشتغل دكتور.
أسيل ضحكت وكانت مبسوطة بطيبة خالد ومبسوطة إنه شخص متفهم وعاقل.
خالد وأسيل فضلوا يحكوا عن اللي حصل معاهم في المنطقة الجنوبية، والمواضيع بينهم ما كانتش بتخلص لحد ما العربية وصلت عند البحيرة وخالد نزل.
أسيل بعد ما خالد نزل من العربية: متى ستذهب إلى المنطقة الشمالية؟
خالد بتفكير: لسه ما أعرفش، بس لازم أروح في أقرب وقت ممكن، مش عايز أضيع وقت في الست شهور اللي فاضلين.
أسيل بابتسامة: حسنًا، ولكن عليك إخباري قبل أن تذهب، وأيضًا إذا كتبت شيء آخر عن نجم أسيل عليك أن تريني إياه، وبعد كده بصت لسائق العربية وأمرته أن يتحرك.
خالد بص على العربية وهي بتتحرك وضحك، وبعد كده راح يقعد تحت الشجرة اللي بيقعد تحتها على طول.
خالد كالعادة فضل يفكر في كلام الست عن الراجل اللي شبهه، والست اللي كانت بتختلف عن ستات الذكاء كلهم، وفضل يفكر في الصورة اللي جده إدهاله يوم ما كان نازل السرداب، وزعل جدًا إن الصورة دي ضاعت مع الحاجة اللي ضاعت في السرداب، وفضل يحلم أحلام يقظة ويتخيل إنه رجع لبلده مرة تانية، بس المرة دي مع أبوه وأمه بعد سنوات غياب.
وبيفرح جدًا لما بيتخيل جده وهو مبسوط بعودة حفيده وأبنائه، وبعد كده بدأ يفكر في كلام أسيل عن المنطقة الشمالية، وعن وعدها، وما كانش عارف ليه المنطقة دي بيعيش فيها كسالى الذكاء، وكان عنده فضول يعرف إزاي كسالى الذكاء بيعيشوا؟ لحد ما غلبه النعاس ونام وهو قاعد.
الليل كالعادة عدى بسرعة، والشمس طلعت، وخالد قام من نومه، وعمل نفس الروتين اللي كان بيعمله في كل مرة بيصحى فيها من النوم، واتجه للشغل علشان يشتغل مع يامن، وكمان كان عايز يسأل يامن عن المنطقة الشمالية.
خالد وصل لمكان الشغل، بس صدره ضاق لما شاف الناس البلطجية اللي بياخدوا منه وحدتين، بس اضطر يديهم الوحدات، وبعد كده شاف يامن بعيد وجري عليه.
يامن أول ما شاف خالد: هل وجدت الكتاب الذي تبحث عنه؟
خالد بابتسامة فيها أسف: لا يا صاحبي، بس في أمل إن شاء الله، عشان في ست قالت لي إنها شافت راجل شبهي في الصفات.
يامن بفرحة: متى رأته؟
خالد: من حوالي 20 سنة.
يامن في دهشة: عشرون سنة؟!! وتريد أن تجد هذا الشخص!!!!
خالد باستغراب: هو صعب ألاقيه ولا إيه؟! بس عموما أنا كده كده لازم أتمسك بأي أمل ممكن يوصلني للكتاب، عشان كده لازم أروح المنطقة دي.
يامن باندهاش: المنطقة الشمالية؟!!
خالد بضحكة سخريه: إيه، إنت وعدت حد إنك ما تروحش المنطقة دي إنت كمان ولا إيه؟!
يامن بضحكة: لقد ذهبت إلى هناك مرة واحدة، ولكن أريدك أن تعود بسرعة إذا ذهبت إلى هناك.
خالد بعد ما فضوله زاد: لا بقى، أنا عايز أعرف في إيه في المنطقة دي؟
لتكملة القصة اضغط الزر بالاسفل