رواية صغيرتي (الجزء الثامن)

“أنا عايزة أروح لماما.. أنت مش بتفهم ليه؟ عايزة أروح لماما يا رب.. عايزة ماما.. عايزة ماما”
مديت إيدي بشكل لا إرادي، ومسكت إيديها جامد، وأنا بقول: “كفاية يا رهف.. كفاية.. كفاية!”
رهف انفجرت، وقالت بانفعال شديد: “كأنك مش عارف اللي حصل فيا؟ أنت السبب! أنا فضلت كاتمة السر جوايا كل السنين دي.. الرعب كان بيقتل قلبي الصغير، وأنا مش قادرة أتكلم، ومعنديش الجرأة إني أجيب سيرة اللي حصل معايا بأي شكل.. أنت بعيد، ومتعرفش إيه اللي حصل فيا، ولا إيه اللي صابني.. أنت مش عارف إن أنا مريضة يا ليث؟ مش عارف؟ ها قلي.. مش عارف؟”
إتعصرت من كتر الوجع، وقلت وأنا بترجاها: “كفاية يا رهف.. عشان خاطري كفاية.. متزوديش عذابي.. كفاية بقى.. كفاية”
كنت حاسس بالرعشة وهي بتجري في إيد رهف اللي أنا ماسكها…
بصيت على رضوى اللي كانت واقفة عند الباب في مكانها، وقلت: “ممكن تجيبي شوية مياه؟”
رضوى بصتلنا شوية وهي متعجبة، وبعدين راحت تنفذ الطلب…
لما رضوى رجعت بإزازة المياه، أنا كنت لسة ماسك إيد رهف.. خدتها منها، ومسكت المصحف، وقرأت كام آية، وبعدين وديت الإزازة ناحية رهف…
“إشربي يا صغيرتي”
رهف خدت الإزازة الصغيرة من إيدي بنفس الرعشة، وقربت بق الإزازة لشفايفها…
رجعت بعيني ناحية كتاب الله، وكملت تلاوة القرآن، وأنا لسة قاعد على ركبتي قدام رهف بالظبط…
كنت بسمع صوت أنفاسها القوية.. اللي بدأت تهدى شوية شوية.. لغاية ما غابت خالص عن ودني…
رفعت عيني ناحية الصغيرة، ولقيتها باصة عليا…
“حاسة إنك أحسن دلوقتي؟؟”
هزت راسها بالإيجاب.. وأنا إتنهدت بارتياح أخيرا…
بوست المصحف الشريف، وحطيته على جنب…
“الحمد لله”
قلت كده وأنا مبتسم، وباصص في وش الصغيرة المذعورة.. لقيتها هي كمان بتتنهد…
“رهف.. أنا آسف يا صغيرتي.. عشان خاطري إغفريلي المرة دي.. وأنا أوعدك.. لا أنا هحلفلك برب الكتاب المقدس ده.. بإن أنا مش هكررها تاني مهما طال بيا العمر”
رهف رفعت إيديها باعتراض، وقالت: “لأ.. مفيش داعي إنك تقسم على حاجة أنت مش ملزم بيها.. أنت لازم.. تعيش حياتك بشكل طبيبعي”
بصت ناحية رضوى، وبعدين رجعت بصتلي، وكملت كلامها: “بعيد عن الناس اللي ميتطاقوش اللي زيي”
قلت وأنا مستغرب: “رهف!”
قالت: “رجعني بس أنت عند خالتي، وأوعدك إني عمري ما هزعجك تاني أبدا”
جملتها دي عصبتني، وكنت هتجنن.. لكن أنا مسكت نفسي.. ده مش الوقت المناسب للكلام في الوضوع ده خالص…
قلت: “إهدي بس إنتي ، ومتفكريش في أي حاجة”
بصتلي دلوقتي بنظرة كلها رجاء، وقالت: “متسيبنيش لوحدي يا ليث.. عشان خاطري”
قلت بسرعة: “خليكي واثقة إني عمري ما هكررها تاني أبدا.. أنا معاكي يا صغيرتي.. إتطمني”
ممكن الموقف كان غريب شوية…
ممكن رضوى كان من حقها تبصلي بنظرات الإستنكار اللي بصتلي بيها من شوية…
لكن إنتوا كنتوا مستنيين مني إني أتصرف إزاي وأنا شايف صغيرتي عندها نوبة ذعر بالشكل ده؟؟
أنا مش عارف هي فضلت واقفة ورا الباب وقت قد إيه وهي بتترعش من كتر الخوف.. لغاية ما رضوى فتحت الباب، وإكتشفت وجودها؟!
يعني أنا لو مكنتش هقدم الأمان بس للبنت اليتيمة المرعوبة دي.. في البيت المخيف، والمليان ذكريات ده.. لو مش هقدم الأمان على الأقل.. فإيه معنى وجودي حي على وش الأرض؟؟
زي الطفلة الصغيرة.. مسكتها من إيديها، ووصلتها على سريرها، وفضلت قاعد جنبها أقرأ القرآن الكريم.. لغاية ما راحت في النوم…
سيبت باب أوضتها نص مقفول، وخرجت…
رجعت لأوضتي، واترميت على السرير.. رضوى ساعتها كانت قاعدة على نفس الكرسي اللي جنب الباب في أوضتي…
لما شافتني بترمي على السرير، وبفرد أطرافي الأربعة على زواياه وأنا بتوجع.. جت ناحيتي، وقالت: “ليث!”
كنت ببص عليها، وشافت التعب خارج من عينيا…
“يعني.. هي طلعت مريضة فعلا.. زي ما كنت متوقعة!”
غمضت عيني وأنا موجوع من الحقيقة دي…
رضوى رجعت تقول: “أنا.. لاحظت عليها شوية تصرفات غريبة وإحنا في المزرعة.. أنا قلتلك الكلام ده قبل كده يا ليث.. لكن أنت مقلتليش إنها فعلا مريضة”
قلت: “هي عندها نوع من الرهبة.. بتجيلها نوبات ذعر لما تحس بالغربة، والوحدة.. ده مرض جالها من ساعة ما كانت طفلة.. لكن أنا مكنتش أعرفه لغاية السنة اللي فاتت”
“أنا متضايقة من اللي أنت بتقوله ده جدا يا ليث”
بصيت لعين رضوى، ولقيت فيهم عطف، وتعاطف كبير جدا مع اللي حاصل…
أنا بصيت عليها بنظرة مليانة رجاء، وأمل، وقلت: “رضوى.. بالله عليكي وقفي دايرة الخلاف اللي بينكوا، ومتخليهاش تكبر أكتر من كده”
رضوى مجاوبتش بسرعة، وبعدين قالت: “أنا مش ببقى متعمدة إني أعمل أي حاجة.. لكن هي…”
قاطعتها، وقلت: “هي وحيدة بيننا، ويتيمة.. أرجوكي إكسبي فيها ثواب حتى”
برضه لقيتها سكتت شوية.. كإنها بتفكر في حاجة معينة شاغلة بالها…
قالت: “أنت مش شايف إن رجوعها لبيت خالتها هيريحها يا ليث؟”
قلت بسرعة، وبحدة: “لأ”
“لكن…”
قاطعتها، وقلت: “أنا هعمل أي حاجة في الدنيا عشان أريحها.. ما عدا إني أبعدها عني، وعن رعايتي”
“ليث!”
اتنهدت، وقلت: “تصبحي على خير يا رضوى.. أنا عايز أنام”
رضوى مشيت من الأوضة، ووقفت عند الباب عشان تقفل النور، ولما جت تقفل الباب بعد ما خرجت قلت: “خليه مفتوح”
أنا مش عايز صغيرتي تيجي في أي لحظة محتاجة للأمان، وتلاقي بابي مقفول قدامها…
تاني يوم الصبح، لقيت صغيرتي صاحية، وباين على وشها علامات التعب…
“إنتي نمتي كويس؟”
سألتها، فهزت راسها بالسلب…
عرفتها بعد كده إن أنا رايح لمكتب المحامي، والعجيب بقى إنها قالت: “خدني معاك!”
………………
طبعا عشان عيون رهف، كان لازم أنا، وماما كمان نروح مع ليث في أي مكان بيروحه!
حسيت إن أنا هبلة.. لكن مكنش في إيدي حاجة غير إني أجاري الصغيرة المتدلعة دي…
في الأول روحنا لمكتب المحامي أبو سامي اللي كان ماشي بعربيته جنبنا، وبعدين روحنا لمكتبين تانيين…
ليث كان بيسيبنا في العربية، وبيروح مع المحامي، وبعد كده بيرجعلنا، وبيقول على المكان التاني، وبيروح عليه…
في وقت الإنتظار كنت أنا، وماما قاعدين بنتكلم.. لكن رهف قاعدة، وغرقانة في صمت مخيف…
مكنتش عايزة أتكلم معاها.. أنا لسة مش قادرة أنسى هي رمتني إزاي بالموبايل في وشي، ولا إزاي طردتني من أوضتها اليوم إياه الصبح..؟
لكن برضه أنا حاسة دلوقتي بالشفقة عليها، ومش عارفة الإحساس ده مصدره إيه؟؟
رجع ليث، وقال: “إحنا هنروح لمكتب إدارة المصنع دلوقتي.. ممكن القعدة هناك تطول شوية.. أرجعكوا البيت؟؟”
بص وراه عشان يوجه كلامه، وسؤاله لرهف!
رهف قالت: “هنفضل معاك”
مش عارفة إيه المتعة اللي بتلاقيها البنت دي في قعدتها محبوسة جوا العربية، ومستنية ليث؟!
كنت عايزة أعترض، لكن لقيت ليث دور العربية، ومشي ورا عربية المحامي، وده اللي خلاني أسكت…
لما وصلنا للمكان اللي كنا رايحينه.. إندهشت!!
كان مبنى كبير جدا، وفيه كذا دور.. متصمم بشكل حديث، وباين عليه إنه عظيم جدا…
ليث قال وهو بيركن العربية في الموقف، وبيبتسم: “هنا الإدارة بتاعة المصنع بتاعك يا رضوى.. ده كله ملكك إنتي”
اندهشت، وابتسمت مع بعض، وكنت عايزة أبص على المكان كله بشكل أعمق…
قلت وأنا بمد إيدي لأوكرة الباب، وبفتحه: “هبص بصة”
نزلت من العربية، ووقفت، وليث جه جنبي، وفضلت أتأمل المبنى الضخم اللي المفروض إن هو ملكي…
قلت: “كل ده ليا أنا؟؟”
ليث ابتسم، وقال: “ده ولا حاجة.. لما تشوفي المصنع هتتفاجئي.. مبروك عليكي”
حسيت بفرحة كبيرة كانت هتوقف قلبي…
قلت: “أنا نفسي أشوفه من جوا”
ليث فكر شوية، وبان عليه إنه متردد، فأنا قلت: “هو مش أنا صاحبة المكان؟ يعني أنا مش من حقي أبص بصة سريعة على ممتلكاتي؟ عشان خاطري يا ليث”
ليث ابتسم، وقال: “أنا مش عارف في ستات جوا ولا لأ.. أنا مدخلتش جوا قبل كده.. لكن مفيش مشكلة طالما إنتي عايزة كده”
فرحت أوي، ومسكت إيد خطيبي، وأنا مبسوطة منه جدا…
إيه اللي ممكن يسعدني أكتر من كده؟؟
عندي خطيب رائع واقف جنبي، وقدامي مبنى ضخم هو ملكي وجزء بسيط من ثروتي.. مفيش شك إني في اللحظة دي أنا أسعد واحدة في الدنيا…
الحمد لله…
ليث شاور لماما، ورهف عشان ينزلوا…
مشينا إحنا الأربعة ورا المحامي، ولقينا ناس تانية واقفين في استقبالنا…
مشيوا معانا جوا المبنى، وروحنا لمكتب معين!
المكتب ده كان المكتب الرئيسي للمبنى.. مكتب المدير!
أول ما دخلنا، لقينا ناس تانيين بيستقبلونا…
حاسة إنهم استغربوا لما شافونا أنا، ورهف، وماما ماشيين في آخر الموكب.. لكن ده ممنعهمش إنهم يرحبوا بينا…
خلونا نقعد في مكان جانبي بعيد عن زحمة الناس التانية…
لما كنا بنمشي في أوضة المكتب عشان نروح ناحية الكراسي اللي هنقعد عليها.. كنت بلف بعيني على كل حاجة حواليا وأنا مندهشة، ومعجبة بكل حاجة جدا…
قد إيه كان مكتب فخم، ورائع!
كل الفرش بتاعه كان بيدل على مدى البزخ اللي كان عمي الله يرحمه عايش فيه…
عيني وقعت أخيرا على الحيطة اللي ورا المكتب بالظبط…
هناك كانت متعلقة صورة كبيرة لراجل عجوز، وشاب صغير، ومحطوطة في برواز لونه إسود…
دول عمي، وإبنه الله يرحمهم…
وقفت شوية أبص على الصورتين بتوع الشخصين اللي عمري ما عرفتهم في حياتي.. وآدي الثروة الضخمة بتاعتهم بقت بين إيدي فجأة!!
“سبحان الله.. أنت مصدق اللي بيحصل ده يا ليث؟؟”
قلت كده، وبصيت على ليث، وكنت مستنياه يكرر التسبيح ورايا.. ويديني إبتسامة جميلة من شفايفه عشان يطمني بيها…
لكن.. مكانش باين على ليث إنه سامع حاجة من اللي أنا قلتها…
ليث كان بيبص على الصورتين بحدة رهيبة، وتعبيرات وشه غضبانة، ومقفولة!!
غريبة! هو ليث ليه بيبص للصورتين بالشكل ده؟؟
“ليث..؟”
ليث بصلي بنظرة مخيفة، وغريبة.. ورجع تاني يبص على الصورتين…
هو مش ده غريب شوية؟؟
استنوا.. ده ولا حاجة من اللي حصلت بعد كده!!
“علي!!”
تخيلوا الكلمة دي خرجت من مين وهي بتصرخ؟!
من رهف!!
بصيت على رهف عشان أتأكد إن ودني مش بيتهيألها.. لقيت رهف هي كمان باصة على الصورتين، وباين عليها الرعب…
دلوقتي بقى إيه اللي حصل؟؟
رهف بصت على ليث بسرعة، وبعدين على الصورة، وبتشاور بصباعها على علي ابن عمي، وبترجع تصرخ: “علي!!”
وبعدين بتبص على ليث، وبتقول بذعر: “هو ده! مش كده؟ هو.. هو”
ليث بيبص على رهف دلوقتي، وكان فيه على وشه خليط من الغضب، والتوتر، والقلق، وتعبيرات تانية مكنتش قادرة أفهمها، خلت وشه عبارة عن فحماية قايدة نار..!
رهف بصتلي بصة سريعة، وبعدين على ليث، وبعدين على الصورتين، وبعدين على ليث تاني اللي كان لسة مبحلق فيهم، وقالت بانفعال: “ليث!”
ليث قرب من رهف، وقال: “أيوة.. دول عم رضوى، وإبنه”
الذهول الفظيع بان على وش رهف.. كأنها اكتشفت حاجة خطيرة مكانتش عارفاها!
لكن الذهول اللي على وشي أنا، كان بسبب إني مش فاهمة أي حاجة من اللي بتدور حواليا…
رهف مسكت دراع ليث، وقالت: “خرجني من هنا بسرعة”
نظرات ليث اتحولت للقلق، والخوف، وكان باين على وشه التوتر جدا، وفتح بقه.. لكن اللي خرج منه ساعتها كان النفس بس من غير أي كلام!
“بقلك خرجني من هنا بسرعة.. خرجني فورا”
رهف قالت كده، وحطت إيدها التانية على راسها.. زي اللي عنده صداع شديد جدا!
“رهف”
ليث نده عليها بصوت حنين، وقلقان…
لما رفعت عنيها ليه.. مالت براسها ناحية الحيطة تاني، وقامت مغمضة عنيها بسرعة، ورفعت إيديها، ودرات وشها، وقالت بصوت عالي: “عشان خاطري…”
ليث فورا خدها، ومشاها ناحية الباب، وهي كانت لسة مكلبشة في دراعه…
ليث قالي أنا، وماما: “يلا بينا”
أنا، وماما لإننا مش فاهمين أي حاجة.. بصينا لبعض باستغراب، وذهول.. وجرينا بسرعة ورا ليث، ورهف…
كانوا كل الناس اللي واقفين بيبصوا علينا باستغراب شديد!!
الموضوع فيه سر؟؟
يا ترى إيه هو؟؟
……………
رهف دلوقتي بين إيديا.. منهارة، ومرتبكة، ومرعوبة.. بسبب شوفتها لوش علي الحقير وهو بيبتسم الإبتسامة الرخمة اللي في الصورة…
الإبتسامة دي بتستفز كل حتة فيا أنا كمان…
تأثر رهف بالصورة بالشكل ده، والخوف اللي كان باين عليها.. ده اللي بيأكدلي إنها لسة فاكرة وش علي بعد كل السنين دي..!
هو إزاي وش مجرم زي ده ممكن يتنسي؟؟
طفلتي الصغيرة لسة محتفظة في الذاكرة بتاعتها بوش الشاب المجرم الحيوان اللي إتجرأ إنه يخطفها في يوم من الأيام…
اليوم ده اللي غير كل مجرى حياتي.. وحياتها هي كمان…
فتحت باب العربية اللي قدام على اليمين، وخليتها تقعد عليه.. وأنا لفيت، وقعدت جنبها…
رهف كانت لسة في نوبة الخوف، والتوتر…
سمعت صوت رضوى اللي قعدت ورايا وهي بتقول: “في إيه؟؟”
مردتش عليها…
“ليث.. إيه الموضوع؟؟”
قلت بغضب: “أسكتي يا رضوى دلوقتي لو سمحتي”
الست فيردا قالت: “قولولنا إيه الموضوع؟”
قلت: “اسكتوا بعد إذنكوا”
دورت مفتاح العربية في نفس اللحظة اللي كان أبو سامي جاي ناحيتنا، وبيقول: “إيه المشكلة؟؟”
خرجت راسي من شباك العربية، وقلتله: “خلينا نأجل الموضوع لبكرا”
مشيت بعد كده بالعربية على البيت على طول…
كنت شايف رهف وهي حاطة إيديها على خدودها، ووشها باين عليه الوجع الشديد…
كنت حاسس إن الذكريات عمالة تعصر في راسها…
كنت بدوس جامد على البنزين من كتر الغيظ، والعربية كانت بتطير…
أول ما وصلنا البيت.. رهف راحت على أوضتها مباشرة…
كنت رايح وراها، ووقفت لما سمعت سؤال رضوى: “في إيه يا ليث.. ممكن تفهمني بعد إذنك؟؟”
قلت بسرعة: “بعدين يا رضوى”
بعد كده كملت طريقي لأوضة رهف…
الباب كان مقفول.. خبطت عليه، وندهت على رهف، وردت: “نعم؟”
صوتها كان متحشرج، ومخنوق، ومليان عياط…
قلت: “ينفع أدخل يا رهف؟؟”
قالت: “عايز إيه؟؟”
قلت: “عايز نتكلم شوية مع بعض لو سمحتي”
“سيبني في حالي”
اتضايقت من ردها ده.. فرجعت أقول: “أنا عايز أتكلم معاكي يا رهف.. ممكن أدخل؟؟”
إتضايقت جدا لما رهف ردت عليا، وقالتلي: “سيبني في حالي”
رجعت قلتلها: “أنا عايز أتكلم معاكي يا رهف.. ممكن أدخل؟؟”
مرضيتش ترد عليا…
رجعت أسألها: “ينفع أدخل يا رهف؟ أرجوكي؟”
لكن هي برضه مردضيتش ترد عليا…
أرجوكي٠
يا رهف متزوديش عذاب فوق عذابي…
فضلت أخبط على الباب، وأناديها.. لغاية ما قالت أخيرا: “سيبني لوحدي يا ليث”
لفيت، ومشيت وأنا يائس جدا.. لقيت رضوى واقفة تراقبني من بعيد…
أكيد في مليون سؤال بيدور في راسها دلوقتي…
زي ما بتدور في راسي ملايين من الذكريات المؤلمة اللي مش مخلياني عارف أفكر بشكل سليم…
رجعت لباب رهف تاني، وقلت: “لأ.. أنا مش هسيبك لوحدك يا رهف.. أنا هدخل”
حركت أوكرة الباب بالراحة.. وزقيت الباب شوية لقدام…
قلت: “أنا هدخل يا رهف”
لما مرضتش عليا، كملت فتح الباب بالراحة، وكنت سامع التزييق بتاعه وهو بيدخل جوا ودني…
لقيت صغيرتي قاعدة على سريرها، وعنيها باصة عليا…
مشيت كام خطوة ناحيتها وأنا بقول: “ينفع أدخل؟”
أنا عارف إن أنا دخلت، وإن أنا كنت هدخل سواء وافقت أو لأ!
قلت: “أنا آسف”
رهف وطت راسها وكانت بتهرب من عيني…
قربت منها أكتر، وأكتر، وقلت: “إنتي كويسة؟؟”
قدرت أشوف دمعة هربانة من عنيها، وبتبل إيديها اللي ضامين ركبها ناحية صدرها…
قربت منها أكتر.. لغاية ما بقيت قدامها بالظبط…
قلت بصوت حنين، وعطوف: “مكنتش لاقي أي داعي إني أعرفك حاجة زي دي.. مكنتش عايز أعرفك إن رضوى تبقى بنت عم علي.. وإن الثروة اللي خدتها كانت بتاعة علي، وأبوه”
رهف رفعت راسها، وصرخت: “متقولش إسمه قدامي”
إتقفلت، وإندهشت من رهف.. وبلعت لساني…
رهف بصت عليا بصة عميقة جدا.. غصت في أعماقها، وغرقت…
فضلت دماغي تدور في هواجس، وأفكار كتيرة.. مكنتش عارف أنا فين، ولا إمتى، ولا بعمل إيه…
رجعت رهف تمسك راسها تاني.. زي اللي بيحاول يمنع الذكريات إنها ترجع في دماغه من أول وجديد…
الأفكار، والتخيلات فضلت تلعب في دماغي لغاية ما كنت هتجنن…
يا ترى إيه اللي حصل؟؟
طب إيه اللي محصلش؟؟
حيرتي دي مزودتنيش غير حيرة زيادة!!
بعد صمت طويل، قلت: “ماشي يا رهف.. أنا بعد ما دخلت السجن.. اتعرفت على فهيم أبو رضوى الله يرحمه.. هو ساعدني كتير، وأنا حبيته محبة خالصة لوجه الله تعالى، وقبل ما يموت وصاني بعيلته.. ومكنش عارف إن أنا…”
مكملتش كلامي، ولفيت ورايا عشان أتأكد إن رضوى بعيد عننا، ومش سامعانا…
وبعدين قربت من رهف أكتر، وكملت كلامي بصوت واطي: “إن أنا اللي قتلت الحقير ده”
رهف بان على وشها إنها ابتدت تفهمني…
قلت بصوت واطي، وهادي جدا: “وده اللي رضوى هي كمان متعرفهوش”
اتنهدت بحيرة، ووجع، وكملت: “وخايف جدا من عواقبه لما تعرف”
حسيت بحاجة بتسيطر على تفكيري فجأة، واتبدلت تعبيرات وشي للحزم، والجدية، وكنت حاسس إن في شياطين بتتخانق جوا دماغي…
رهف كانت بتراقبني بقلق، وحيرة، وأكيد كانت سامعاني وأنا عمال أعض على سناني…
ضيقت عيني، وضغطت على إيدي الشمال بإيدي اليمين وأنا بقول: “ودلوقتي.. بقت ثروة الحقير ده.. بين إيدي”
خرجت من أوضة رهف، ولقيت رضوى مستنياني في أوضتي عشان تفهم…
رضوى وجهتلي سؤال مباشر، لكن أنا هربت منه، ووعدتها إني هعرفها الموضوع بعدين…
برغم الحيرة، والشك اللي كانوا باينين عليها طول الفترة اللي بعد كده.. مرضيتش تصر إنها تعرف علاقة رهف بعلي…
تاني يوم الصبح رجعت على مكتب إدارة المصنع الرئيسي.. عشان أكمل باقي الإجراءات.. ومرضتش آخد أي حد معايا…
يومها فضلت واقف أتأمل في صورة رائف، وعلي شوية، وابتسمت ابتسامة النصر…
آدي يا علي الثروة الضخمة بتاعتك.. بقت بين إيدي.. والمصنع اللي كنت عمال تتباهى بيه، وبتسخر مني، وبتطلب إني أروح أشتغل فيه.. بقيت أنا صاحبه…
ياه على الأقدار..!
بعد كده أمرت إنهم يشيلوا الصورتين دول، وحطيت بدالهم صور لمناظر طبيعية.. بدأت أتصرف كإني أنا صاحب المكان، والمالك بتاعه…
خدت من الخزنة الرئيسية للأموال المتداولة.. الكتيرة جدا.. مبلغ كبير كنت أنا، ورضوى متفقين إننا نسحبه عشان نغطي شوية مصاريف…
أما بقى أول حاجة خطرت في بالي ساعتها.. هو إعادة الفلوس اللي استلفتها من صاحبي سامي من سنة…
بداية من اليوم ده، بقيت بتصرف أنا في الفلوس بتصريح من رضوى.. وبقيت بكتب المصروفات، وبراجع الحسابات، وبحتفظ بنسخة منها، وبوريهالها كل شوية…
كان لسة قدامي وقت طويل عشان أتمكن من الوظيفة الجديدة بتاعتي…
رتبت الأمور عشان يفضل المصنع تحت إدارة المشرف العام اللي كان بيدير من ساعة وفاة رائف (الأستاذ ياسين) لغاية ما أستلم المنصب بشكل كامل بعد كام أسبوع…
الأستاذ ياسين بشهادة سامي، وأبوه، والمحامي يوسف المهدي هو راجل نزيه، وأمين.. وكان هو الساعي ورا تسليم الثروة للوريثة الوحيدة…
خطتنا كانت إن أنا لاز م أرجع المزرعة بأهلي في الأول…
أما رضوى فكانت خطتها التانية هي الجواز!
أنا عن نفسي عايز أأجل الموضوع ده لحين إشعار آخر…
لما رجعت البيت بعد ما خلصت الشغل.. ودخلت أوضة نومي.. إندهشت!
كانت نضيفة، ومترتبة، ومنظمة بالظبط زي ما كانت في أيام شبابي.. لما سيبتها، وروحت السجن…
بصيت حواليا وأنا منبهر، وبعد كده سمعت صوت رضوى جاي من عند الباب، وبتقول: “ها! عجبتك؟”
بصيت عليها، ولقيتها مبتسمة، ومبسوطة باللي هي عملته…
قلت: “جميلة جدا.. لكن إنتي أكيد تعبتي نفسك جامد عشان تشيلي كل أكوام التراب دي”
“ماما ساعدتني، والموضوع مكانش صعب أوي يعني”
رجعت أبص حواليا وأنا مبسوط.. كل حاجة باين عليها إنها نضيفة، ومتنظمة…
بدأت أشم ريحة الماضي، وأسترجع الذكريات…
ده سريري الجميل، وده مكتبي القديم، ودي مكتبتي الكبيرة، ودول كتبي الدراسية، والثقافية.. مرصوصة جنب بعضها بكل شموخ…
كإن معداش على هجري ليها تسع سنين أو أكتر!
آديها واقفة في الرفوف بتاعتها معززة مكرمة من جديد…
فجأة.. خدت بالي من حاجة مهمة…
قربت من المكتبة، وبصيت على كل حاجة فيها، وبعدين بصيت على رضوى، وسألت: “الصندوق فين؟؟”
قلت أوضحلها: “صندوق الأمنيات.. إسطوانة من الورق، ومحطوط عليها شوية قصاقيص.. كانت هنا”
شاورت على المكان اللي أنا سيبته فيه ليلة ما رهف كانت رافضة تفتحه…
رضوى بان عليها إنها فهمتني أخيرا، وقالت: “تقصد البتاع المتكرمش البايظ ده؟”
“أيوة بالظبط.. هو فين؟؟”
رضوى كانت بصالي باستغراب، وقالت: “أنا رميته!”
اندهشت، وقلت بانفعال: “رميتيه؟!”
“أيوة.. كنت فاكراه زبالة و…”
………………
ملحقتش أكمل الجملة بتاعتي، ولقيت ليث زعق جامد، وقال: “زبالة إيه؟؟ ليه عملتي كده؟”
بعد.كده خرج برا الأوضة، وراح على صندوق الزبالة، وخرجه منه..!
الموضوع يبان إنه سخيف جدا، لكن كان عندي فضول أعرف في إيه؟
سألته باستغراب: “أنت ليه محتفظ بحاجة زي دي”
جاوب عليا بخنقة: “إياكي تلمسيه تاني يا رضوى”
لما شاف مني نظرات الإستنكار، رجع يقول: “إياكي.. إنتي فاهمة؟؟”
في الحقيقة أنا مكنتش فاهمة أي حاجة خالص.. لكن فضولي كبر جدا، خصوصا وأنا شايفاه منفعل بالشكل ده…
وبعدين رجع البتاع المكرمش جدا ده، لنفس المكان اللي كان فيه…
أنا مستغربة.. هي إيه أهمية ورقة متكرمشة، وملزوق عليها شوية قصاقيص طفولية قديمة، بالنسبة لراجل كبير وعنده تمانية، وعشرين سنة.. وخلاص قرب يبقى مدير لأكبر مصنع في المنطقة؟!
أنا لازم أعرف…
في وقت تاني.. اتسحبت، وروحت على أوضة ليث في الخفى، وخدت الإسطوانة دي، وقعدت أبص عليها…
اكتشفت وجود كلمة (صندوق الأمنيات) مكتوبة عليها، واكتشفت كمان إن فيها فتحة صغيرة في طرف من أطرافها، وجواها شوية ورق…
الفضول مسكني عشان أفتح العلبة، وأشوف اللي فيها…
يا ريتني عملت كده!
إفتكرت تحذير ليث ليا.. واتراجعت في آخر لحظة إحتراما، وطاعة لأوامره، ورجعت الإسطوانة في مكانها…
لكن.. إنتوا كمان مش عندكوا فضول زيي عشان تعرفوا قصة العلبة دي؟
لو كنت عرفت قصتها دلوقتي.. كان زمان حاجات كتيرة جدا اتغيرت.. أنا معرفتهاش غير بعد زمن طويل…
……………..
“هتتجوز إمتى”
صاحبي سامي سألني السؤال ده، بعد ما إتعشينا مع بعض في بيته…
كان عازمنا كلنا هو، ومراته عشان نتعشى عندهم الليلة دي…
كنت عمال ألاعب إبنه الصغير (شادي) بين إيديا، وكنت حاسس بسعادة متتوصفش!
قد إيه الأطفال دول جمال، واللعب معاهم مسلي جدا…
كمل كلامه وهو باصصلي، وبيبتسم: “وتفرح بعيالك يا ليث؟؟”
ابتسمت ابتسامة تريقة.. كنت شايف الفكرة شبه الحلم البعيد…
قلت: “لسة بدري أوي على الكلام ده”
سامي استغرب، وقال: “خير البر عاجله يا راجل.. وآدي عدت فترة كبيرة جدا على…”
غمض عينه، وكمل كلامه بصوت هادي: “وفاة باباك، ومامتك.. ربنا يرحمهم”
اتنفضت، وكإني بسمع خبر موت أبويا، وأمي لأول مرة…
بصيت على سامي اللي كان باصص عليا، ومركز معايا وأنا وشي غرقان في الحزن، والألم…
اتنهد تنهيدة كبيرة.. الذكرى اللي مش ممكن إنها تتمسح من جوايا.. لسة بتقطع في قلبي…
الصوت الهادي، والبرئ اللي طلع من الطفل اللي قاعد بين إيدي.. هو اللي خلاني أبعتر ذكريات الماضي، وأرجع تاني للحاضر…
“لسة ما جاش وقته يا سامي.. لازم أرتب حالي، وحال شغلي الجديد، وحياتي الجديدة، وحياة رضوى.. ورهف”
سامي سكت خالص، لكن أنا كنت قادر أشوف التساؤلات اللي طالعة من عينيه…
قلت: “أنت عارف.. المسؤولية اللي مرمية على كتفي دلوقتي.. بقت كبيرة جدا”
قال: “أومال أخوك فين؟؟”
جاوبته بحزن: “لسة عايش في المنطقة الشمالية.. وبعد ما أبويا، وأمي ماتوا، وإنفصل عن رهف.. بقت هي ضمن مسؤولياتي.. وهو بقى.. طلب مني ما آخدش رهف، ونروحله تاني”
سكت شوية، وكملت: “وأنا مينفعش إني أتجوز.. وهي رهف الصغيرة تحت وصايتي”
وبعدين مسحت على راس الولد الصغير اللي قاعد على رجلي، وقلت كإني بحكيله هو: “ولما تكبر، وتبقى آنسة عاقلة.. أنا هتجوزها”
الإندهاش كان باين على سامي، وقال وهو فاتح بقه: “إيه؟؟”
ضحكت ضحكة خفيفة وأنا باخد شادي لحضني، وبقول بضحك: “هي قدري يا سامي، ومهما بعدت عني.. هترجعلي تاني”
سامي معلقش، لكن فضل محتار من اللي أنا فيه…
أنا واثق إن كان فيه ألف سؤال بيدوروا جوا دماغه في الوقت ده…
تلاقي بتدور نفس الأسئلة في دماغكوا إنتوا كمان…
أما أنا بقى، فهكمل لعب مع الطفل الرائع ده، وهتمنى من ربنا إنه يرزقني بطفل شبهه في يوم من الأيام…
سددت لصاحبي الديون اللي كانت عليا من ساعة ما خرجت من السجن، وشكرته جدا على دعوته، واستقباله الجميل، وودعته على أمل إننا هنتقابل تاني لما أرجع من المزرعة عشان الشغل…
استعنا بالله، واتوكلنا عليه، ومشينا في طريق رجوعنا للمزرعة…
كان مشوارنا وإحنا راجعين أكتر بهجة، وراحة من مشوارنا وإحنا جايين…
طبعا.. مهو إحنا خلصنا كل اللي ورانا، وراجعين بمبلغ كويس جدا من الفلوس…
كان في دماغنا خطط، وأفكار كتيرة، وكنا راجعين في الطريق وإحنا بنفكر فيها…
بنفكر بدماغنا أنا، والخالة فيردا، ورضوى…
لكن دماغ الصغيرة اللي قاعدة ورايا وهي ساكتة خالص.. ربنا هو العالم بنوعية الأفكار، والخطط اللي كانت بتدور فيه…
خلوني أعرفكوا إن رضوى، ورهف لسة متخاصمين من ساعة ما رهف رمت الموبايل على رضوى يومها…
كمان موضوع قرابة رضوى، وعلي مزودش رهف غير كره لرضوى أكتر، وأكتر…
الظاهر إن وضع الخصام ريحهم جدا، وخفف التوتر اللي كان حاصل طول الوقت، وخفف الصداع اللي كان عندي بسببهم طول الوقت…
لكن لغاية إمتى؟؟
كمان واضح إن رهف إتنازلت أخيرا عن جزء من الدلع بتاعها، وكانت بتتصرف بشكل كويس طول رحلة الرجوع…
مخفتوش شوية من تصرفها ده؟؟
فضلت هادية لإن إنا كنت واعدها إني هوديها عند خالتها تاني وإحنا راجعين المزرعة.. وكمان خالتي فيردا نصحتني بكده عشانها هي…
الدنيا كانت ماشية زي الفل، ورضوى كانت طايرة من الفرحة…
أما أنا بالرغم من إني كنت مبسوط.. كنت حاسس بالقلق، والتوتر…
الدنيا علمتني إن أنا مفرحش أوي بأي حاجة أنا فيها.. عشان معرفش بكرا في إيه..؟
“خلينا نعمل حفلة كبيرة لما نرجع يا ليث.. أنا عايزة كل الناس يشاركوني الفرحة اللي أنا فيها”
رضوى قالت كده، ومامتها ردت عليها: “ربنا يزودك فرحة، وسعادة من عنده يا بنتي”
وبعدين كملت: “ويرزقني بشوفة عيالك قريب يا رب”
رضوى وطت راسها وهي مكسوفة، وقالت: “قولي لليث.. هو اللي مأجل الموضوع”
كنت مركز مع الطريق، ومردتش عليها…
الخالة فيردا قالت: “أحسن حاجة تعملوها يا إبني إنكوا تتجوزوا أول ما نرجع على طول.. خير البر عاجله يا ليث يا إبني.. خلينا نكمل فرحتنا، ونعمل الفرح، ونفرح كلنا”
اتضايقت من كلامها.. معاد جوازي متأجل لأجل غير مسمى، وكمان ذكرى وفاة أمي، وأبويا لسة نارها مهديتش جوايا…
قلت عشان أجاريها بأي حاجة: “هفكر في الموضوع بعدين إن شاء الله”
هو ليه كله عمال يلح عليا بموضوع الجواز كده؟؟
هو مفيش راجل خاطب غيري في البلد؟!
فضل الكلام على جوازي أنا، ورضوى مسيطر على الجو شوية وقت…
أما رهف الساكتة.. كنت كل ما ببص عليها بلاقيها غرقانة في بحر السرحان…
قابلنا شوية عقبات في الطريق.. خصوصا مع الشرطة…
التفتيش كان متشدد جدا.. خصوصا في بعض الطرق، ومداخل المدن…
الوضع الأمني كله كان شبه متدهور.. وكان بيتم حظر رحلات كتير جاية من برا البلد، أو خارجة من البلد…
أخيرا.. وصلنا للمدينة الصناعية المتدمرة…
أخيرا.. وش رهف بدأ يفرح، والإبتسامة بدأت تترسم على شفايفها.. عكسي أنا كنت مرتبك، وخايف جدا…
اتعمدت إني أمشي من طريق بعيد عن بيتنا المحروق.. كنت خايف الذكريات المؤلمة تنط جوا قلوبنا تاني، وتوجعها…
لما وصلت لبيت أبو صبري، وقفت العربية، وفضلت قاعد جواها، وساكت شوية…
بصيت على رهف في المراية، ولقيتها بتبصلي بنفاذ صبر تقرييا…
قالت: “ينفع أنزل؟؟”
قلت: “إتفضلي”
نزلت على طول من العربية، وجريت ناحية البوابة بتاعة البيت عشان تضرب الجرس…
بصيت على رضوى اللي كانت بتكلمني، وبتقول: “إحنا هنفضل هنا قد إيه؟؟”
قلت: “شوية صغيرين.. هنسلم عليهم، ونتمطن على أحوالهم، ونمشي إن شاء الله”
رضوى قالتلي وإحنا واقفين قدام بيت أبو صبري: “بالله عليك يا ليث متخليناش نطول في القعدة جوا.. إحنا تعبانين جدا من المشوار، ومحتاجين نروح المزرعة في أسرع وقت عشان ننام، ونرتاح”
ساعتها الوقت كان لسة في أول الليل، وكان قدامنا مشوار طويل جدا عشان نوصل المزرعة…
لما خرجنا من العربية، لقينا بوابة البيت اتفتحت، وخرج منها أبو صبري، وإبنه عشان يرحبوا بينا…
طبعا نظراتهم ليا مكانتش خالية من الإتهام، والزعل…
أكيد طبعا إنتوا فاكرين الطريقة اللي مشينا بيها من البيت المرة اللي فاتت، قبل ما نروح على المدينة الساحلية…
أبو صبري، وعيلته لحوا علينا كتير جدا عشان نتعشى معاهم، لكن إحنا إعتزرنا، واتحججنا بالسفر، وبطول الطريق اللي مستنينا…
رهف كان باين عليها إنها مرتاحة، ومبسوطة جدا وهي في وسط خالتها، وبنات خالتها…
من ساعة ما رهف كانت صغيرة وهي بتحب جدا تيجي عند خالتها، وتقضي الوقت مع العيلة كلها…
خالة رهف كانت هي اللي هتبقى مسؤولة عنها، وهتربيها في حضنها، وفي وسط عيالها، لولا الظروف المادية للعيلة.. هي اللي منعت حاجة زي كده…
أخيرا.. جت لحظة الفراق…
أنا كنت متأكد إني مش هقدر أستحمل حاجة زي كده.. لكن أنا كنت عايز أحقق لرهف أمنيتها، وأسيبها تقعد عن خالتها كام يوم…
عشان خاطرك إنتي بس يا صغيرتي…
قبل ما أمشي طلبت من رهف تيجي معايا عشان نجيب حاجاتها من العربية.. كان قصدي إني أبقى معاها لوحدنا عشان أعرف أتكلم معاها…
شيلت شنطتين السفر الصغيرين بتوعها، ودخلت جنينة البيت، وحطيتهم فيها…
وقفت، وبصيت على رهف…
كانت ماشية جنبي.. كانت تقريبا سابقاني بخطوتين أو تلات خطوات، وكانت شايلة شنطة صغيرة في إيديها…
ندهت عليها: “رهف”
بطلت مشي، ولفت، وبصتلي…
كنت متردد شوية إني أتكلم، لكن قلت: “رهف.. إنتي عارفة كويس إن أنا.. كان مستحيل إني أسيبك في أي مكان، وأمشي بالمنظر ده.. لولا إنك لحيتي عليا جامد جدا كان مستحيل إني أعمل حاجة زي كده.. لو عليا أنا فأنا عايز آخدك من إيدك دلوقتي، ونرجع كلنا المزرعة مع بعض”
رهف مردتش عليا، وبصت على الأرض…
قلت وأنا متشعلق في آخر أمل ليا: “إنتي عايزة كده فعلا يا رهف؟؟”
رهف هزت راسها بالإيجاب…
كده مفضلش قدامي حاجة غير إني أدوس على قلبي، وأنفذلها اللي هي عايزاه…
قلت: “طيب.. لكن.. في أي وقت غيرتي رأيك فيه، وعايزاني آجي آخدك.. عرفيني فورا، ومتتردديش”
بصت عليا بنظرات فيها شك، فقلت: “رهف.. إوعديني بكده عشان خاطري”
كان باين عليها إنها مترددة شوية، لكن في الآخر قالت: “هعمل كده.. حاضر”
قلت عشان أأكدلها: “إتصلي بيا في أي وقت إنتي تحبيه.. ولو إحتاجتي لأي حاجة كلميني.. أنا هبقى سايب تليفوني مفتوح دايما.. متتردديش ولا لحظة.. توعديني بكده يا رهف؟؟”
وشها اترسم عليه علامة غريبة، وملهاش معنى…
يا ترى هي ابتسامة؟؟
ولا حزن؟؟
ولا رضا باللي هي عاملاه؟؟
ولا ضيق؟؟
يا ترى هي مرتاحة ولا ندمانة؟؟
أنا فعلا مش عارف…
“إوعديني يا رهف”
“أوعدك”
حسيت إن أنا ارتحت لما وعدتني، وبعدين قلت: “أنا هجيب حاجة.. إستني”
مشيت، وخرجت برا ناحية العربية، وخرجت منها ظرف فيه مبلغ مالي كنت مجهزه عشان رهف…
رجعتلها، ولقيتها واقفة في نفس المكان، وعلى نفس الوضع…
“خلي ده معاكي عشان لو احتجتي حاجة”
سألتني: “إيه ده؟؟”
“دي شوية فلوس.. اصرفي منها زي ما إنتي عايزة، ولو خلصت عرفيني”
رهف وطت راسها.. تقريبا كانت مكسوفة.. دي أول مرة أديها ظرف فيه فلوس…
“اتفضلي يا رهف”
لكن هي ممدتش إيديها عشان تاخده…
قلت بهزار: “يلا يا صغيرتي خديه.. مينفعش البنت تتكسف من باباها”
رهف دلوقتي بصت عليا، وعلى وشها خليط من تعابير الإندهاش، والكسوف، والضحك، والتريقة على كلامي…
اتشجعت أخيرا، ومدت إيديها، وخدت الظرف مني…
ابتسمتلها عشان أشجعها أكتر، وقلت: “اتصلي بيا لو احتجتي أكتر.. ومتستنيش أي حاجة من الناس اللي حواليكي، أو تعتمدي عليهم في حاجة.. توعديني بكده يا رهف؟”
هزت راسها بالإيجاب، وحطت الظرف جوا الشنطة اللي هي ماسكاها، ولفت عشان تدخل البيت…
هي كانت بتبعد، وأنا حاسس بحاجات عمالة تتقطع جوايا…
كنت حاسس إن فيه ربطة كبيرة من الأعصاب، والمشاعر كانت واصلة بيننا، وأول ما بعدت عني اتقطعت عصب عصب…
عملت جوا قلبي وجع كبير، ومميت…
إزاي قلبي طاوعني إني أسيبك يا رهف؟؟
مديت إيدي.. كنت بحاول أمسك ذرات الهوا اللي كانت حواليها.. بس إيدي رجعت فاضية، ومن غير حيلة…
ندهت عليها: “رهف”
وقفت، ولفت عشان تبصلي.. الضلمة كانت منعاني أشوف عينيها.. ومنعت ظهور الدمعة اللي خرجت من عيني في نفس اللحظة…
شيلت الشنطتين، ومشيت ناحيتها، ولما بقيت قدامها بالظبط، قلت: “خدي بالك من نفسك كويس يا صغيرتي”
تقريبا رهف شافت قلقي، والدمعة اللي في عيني.. اللي لا الضلمة، ولا أنا قدرنا نخبيها…
ابتسمت، وقالت عشان تطمني: “إتطمن عليا يا ليث، ومتقلقش.. أنا هكون كويسة جدا هنا.. وسط أهلي، والناس اللي بيحبوني”
وطت راسها لتحت، وبصت على الظرف اللي كان جوا الشنطة اللي هي شايلاها، وابتسمت، وقالت: “شكرا يا بابا ليث”
وبعدين لفت وراحت لجوا البيت…
آه منك يا رهف!!
إنتي بتتريقي عليا؟؟
يا ريتك تعرفي أنا حاسس بإيه ناحيتك؟!
آه لو تعرفي بس!!
بعد كده.. وإحنا خلاص هنمشي.. إتكلمت مع أم صبري، وقلت أوصيها: “أرجوكوا.. خدوا بالكوا كويس من رهف.. ولو احتجتوا لأي حاجة ياريت تعرفوني، ومتترددوش”
“مفيش داعي إنك توصيني على بنتي يا ليث.. سافر في رعاية الله وأنت متطمن عليها.. رهف دي متتخيرش عن بناتي”
“شكرا يا خالتي.. أنا هرجع تاني قريب إن شاء الله.. عشان خاطري.. راعي رهف الصغيرة كويس.. ربنا يباركلك”
الكل بدأوا يبصوا لبعض بطريقة غريبة.. لكن أنا مهمنيش نهائي اللي هم بيعملوه، وكملت الوصايا بتاعتي لغاية الآخر…
بعد كده.. وأنا خارج من البوابة الرئيسية.. بصيت بصة أخيرة على رهف، وقلت: “إستودعتك الله الذي لا تضيع عنده الودائع.. خدي بالك من نفسك يا رهف”
……………..
ليث مكنش باين عليه إنه ناوي يمشي خالص، ولو كنا سيبنا الموضوع عليه كان هيخلينا نبات كلنا في بيت أبو صبري، أو يخلينا نقضي كام يوم في نفس المدينة اللي فيها رهف…
إهتمامه الزايد بيها بيخليني أتخنق جدا…
أنا بقيت حاسة إنها شريكة ليا في ليث.. جوزي.. ودي حاجة أنا مش متحملة مجرد التفكير فيها عشان أتحمل إنها تبقى واقع…
ليث عرفني بعد كده إن هو إدالها شوية فلوس من اللي خدهم من الخزنة…
باين كده إن رهف هتشاركني في الثروة بتاعتي هي كمان…
أنا إديت لليث مطلق الحرية إنه يتصرف في الفلوس، والممتلكات بتاعتي زي ما هو عايز، ومن غير ما يرجعلي…
ليث عرفني قبل كده إن هو كان بيحلم إنه يكون رجل أعمال زي باباه ربنا يرحمه…
لكن الظروف اللي اتحط فيها، ودخوله السجن منعه من تحقيق الحلم ده، وغير مجرى حياته كلها…
دلوقتي بقى، وبقدرة قادر الحلم اتحقق، وبقى رجل أعمال كبير، وقوي جدا…
كنت حاسة بتغيير كبير جدا في شخصية ليث، ونفسيته، ونظرته للحياة…
بقى سعيد أكتر من الأول، وبقى مقبل على الحياة بنفس راضية، ومرتاحة…
رغم إن عدد الساعات اللي بيقضيها في الشغل، والدراسة اتضاعفت.. إحنا لقينا الوقت الكافي عشان نستمتع بوقتنا، وبخطوبتنا اللي ملحقناش نتهنى بيها.. وهي رهف موجودة طبعا!
برغم إنها بعدت أخيرا.. فضل إسم رهف يتردد على لسان ليث كل يوم، وكل شوية في المزرعة…
كانت هي اللي بتعكنن عليه على طول، وبتغير المود بتاعه في لحظة…
كان دايما قلقان عليها، وبيتصل بيها، وبأهلها كذا مرة في اليوم عشان يوصيهم عليها.. لغاية ما أنا ابتديت أتخنق من الوضع…
لكن رغم كل ده.. كنت حاسة بالفخر إن أنا متجوزة راجل عارف كويس جدا معنى المسؤولية، وبيقدرها، وبيعرف يتحملها كويس…
بعد التعب الكبير اللي أنا شوفته من ساعة ما بابا سابنا، وقسوة الحياة عليا كل السنين دي.. ربنا وهبني نعمتين كبار جدا، وعوضني بيهم.. ليث، وثروتي العظيمة.. أنا مستحيل إني أفرط فيهم أبدا…
مش فاضل بس غير إننا نتمم جوازنا على خير، ونسعد قلوب أهلي، ونكمل مع بعض مشوارنا، ونعيش مع بعض حياتنا الزوجية بكل سعادة…
………………..
عدت أيام كتير من ساعة ما جينا الشمال، ووصلنا للمدينة الزراعية…
بدأت أنفذ كل الخطط اللي أنا كنت راسمها في الفترة اللي فاتت…
وظفت عمال كتير عشان يهتموا بالمزرعة، وبالمحصول بتاعها، ويباشروا الشغل، ويزودوا الإنتاج…
كنت منظم برنامج خاص، وقوي للإشراف عليهم طول الوقت…
كنت كل يوم الصبح تقريبا بتصل ببيت أبو صبري عشان أتكلم مع رهف، وأتطمن عليها…
من نبرة صوتها كنت بعرف إنها كويسة، وزي الفل..!
ده كان بيبسطني، وبيضايقني في نفس الوقت…
برغم إنها كان باين عليها إنها مرتاحة، بس أنا برضه مكنتش بوقف تفكير فيها ولا ساعة…
عملنا شوية تصليحات في البيت الصغير، وجددنا العفش بتاعه…
كان عندي حاجات كتير عشان أعملها، وكنت مدووش بيها جدا…
كل ده خلى الأيام تعدي، والفراق يطول جدا، والشوق يزيد أكتر، وأكتر، وبالي ينشغل زيادة…
إبتديت أحس إني مكسوف من إتصالي ببيت أبو صبري كل شوية…
طلبت من رهف إنها تكلمني كل يومين على الأقل عشان أتطمن عليها.. لكن هي مكانتش بتعمل كده غير قليل جدا…
أما بقى رضوى، كانت متجننة بفكرة الجواز، وكانت عمالة تضغط عليا بيها هي، والخالة فيردا، ويزنوا من غير أي ملل.. لغاية ما أنا اتخنقت…
الخالة فيردا اتصابت بنكسة تاني، ونقلناها المستشفى.. دي الحاجة اللي أجلت سفري لفترة أطول…
في يوم من الأيام، اتصلت ببيت أبو صبري عشان أتطمن على صغيرتي البعيدة.. كنت قلقان عليها جدا، ومحتاج أسمع صوتها…
الشمس اللي بتشرق، وتغيب من غير ما أشوفها.. دي متبقاش شمس…
القمر اللي بيعوم في السما من غير ما يعكسلي صورتها.. ده مش قمر…
اليوم اللي بيعدي من غير ما أتطمن عليها.. ده مش محسوب عليا يوم من أيام حياتي…
أنا لازم أتصل، وأتطمن عليها…
“سلام عليكم.. أنا ليث”
“عليكم السلام..أيوة أنا عارف إنك ليث.. رهف مش هنا”
ده كان صبري، وكان بيتكلم معايا بطريقة خلتني أحس إني مكسوف من نفسي…
“هي راحت فين؟؟”
“راحت تزور ناس معارفنا.. أنت عايزني أوصلها حاجة؟”
“عرفها إني مستني إتصالها بيا لو سمحت.. وأنا آسف على الإزعاج”
استنيت كتير جدا لغاية نص الليل.. وهي متصلتش…
نمت وأنا بشكي همي للقمر، وصحيت وأنا بعرف الشمس نيتي في إني أروحلها النهاردة بأي شكل…
قمت من على سريري الصبح بدري، وخرجت للمزرعة عشان أشم شوية هوا منعش.. ده اللي بيخرج من صدري الهموم المدفونة جواه…
لقيت هناك عم إياس، ورضوى بيحرثوا الأرض…
قربت منهم، وقلت أحييهم: “صباح الفل”
بصوا عليا وهما مبتسمين، وردوا التحية…
قلت وأنا مستغرب من اللي هما بيعملوه: “إنتوا بتعملوا إيه؟ إستنوا العمال هييجوا دلوقتي!”
عم إياس قال: “في الحركة بركة يا إبني”
“الدنيا لسة بدري.. خلوا موضوع حرث الأرض، والحاجات الصعبة دي عليهم”
قربت من رضوى أكتر…
هي ابتسمت، وقالت: “متفتكرش يا ليث إني ممكن أتخلى عن المزرعة دي في يوم من الأيام.. أنا اتولدت فلاحة، وهموت فلاحة ولو ملكت كل كنوز الأرض”
مدت دراعاتها، وشاورت على كل حاجة حواليها وهي بتقول: “المزرعة اللي قدامك دي.. هي كل حياتي”
عم إياس فرح جدا بكلامها، وبدأ يدعي، ويقول: “ربنا يبارك فيكي، وفي زريتك يا بنتي”
وبعدين بصلي، وقال: “الأرض دي إحنا عشنا عليها، وكبرنا من خيرها.. مش هنقدر نبطل شغل فيها لغاية ما نموت”
مستغربتش أوي من كلام عم إياس.. تعلقه بالمزرعة كان شبه تعلق السمكة بمياه البحر…
أما رضوى، كلامها كله عارض الخطط المستقبلية بتاعتي…
قلت: “ربنا يطول في عمرك يا عمي، ويديك الصحة”
رد عليا: “يارب.. لغاية بس ما أشيل عيالكوا على إيدي.. إتجوزوا بقى، وفرحوا قلوبنا بيكوا يا حبايبي”
رضوى ابتسمت بكسوف، وأنا بصيت فوق عشان أتفرج على العصافير اللي بتطير فوق راسنا!
ياه لو كنت قادر أطير!
رضوى كانت عايزة تعيش في المزرعة مع خالها، ومامتها طول عمرها…
لكن أنا كنت بخطط إني أرجع المدينة الساحلية، وأجدد البيت بتاعنا القديم، وأعيش فيه.. عشان أكون قريب من مصنع رضوى، وممتلكاتها، وأقدر أدير الشغل، وأراقب كل حاجة…
الواضح إن الموضوع هيعمل صداع أنا في غنى عنه تماما دلوقتي.. خصوصا إني منمتش إمبارح كويس بسبب تفكيري في رهف اللي موقفش…
قلت لرضوى عشان أحاول أغير الموضوع اللي بنتلكم فيه خالص: “أنا رايح النهاردة للمدينة الصناعية إن شاء الله”
مش عارف ليه حسيت إن جملتي دي خلت رضوى تتضايق، وخيبت أملها؟!
…………..
بنفضل سهرانين كل يوم لغاية بليل متأخر.. ده اللي بيخلينا كسلانين جدا، ومش قادرين نتحرك بالنهار تاني يوم…
أنا، وبنات خالتي نهال، ووسام مبنلاقيش حاجة نعملها غير إننا نرغي، ونتفرج على التيلفزيون، ونقرأ المجلات…
“أووف! أنا حاسة إني زهقانة، ومخنوقة جدا.. نهال.. إيه رأيك نروح السوق نشتري شوية حاجات؟؟”
قلت كده وأنا بشيل الفوطة من على شعري المبلول…
نهال فكرت شوية، وبعدين قالت: “الصبح كده؟؟ طيب.. تمام.. شكلها هتبقى فكرة حلوة!”
وسام قالت بسرعة: “أنا هروح معاكوا”
وسام دي تقريبا لازقة فينا مش أقل من أربعة وعشرين ساعة في اليوم…
نهال بصت لوسام، وقالت : “يبقى إنتي بقى عليكي إنك تقولي لماما، وتقنعي صبري إنه ييجي معانا”
رضوى ملحقتش تكمل جملتها، وكانت وسام طايرة عشان تنفذ الأوامر…
ضحكنا شوية، وأنا كملت تسريح شعري قدام المراية…
كنت لسة مخلصة الشاور بتاعي من شوية، ونقط المياه كانت نازلة بانسيابية من شعري على ضهري…
نهال بنت خالتي كانت واقفة ورايا، وبتراقبني…
“شعرك طول أوي يا رهف.. إنتي مش هتقصيه؟؟”
أنا كنت واخدة على طول إني أقص شعري كل ما يطول.. الشعر الطويل مش بيعجبني، ولا بيليق على ملامح وشي.. ليلى كانت بتقللي كده على طول…
“أنا مكنتش عارفة أقصه قبل كده بسبب الحبسة اللي كنت فيها”
رديت على نهال لما قالتلي إن شعري طول وعايز يتقص…
نهال استغربت، وقالت: “حبسة إيه مش فاهمة؟؟”
“أيوة يا بنتي.. مش أنا كنت طول الوقت محبوسة في الحجاب بتاعي، ومش عارفة أخلعه على مدار شهور”
كنت بتكلم، وبفتكر الوقت اللي أنا كنت بقضيه في المزرعة وأنا معايا ليث، وعم إياس العجوز اللي مقيدين حريتي…
البيت كان صغير جدا، ومكنتش بقدر أمشي جواه بحرية، ومكنتش بقدر أخرج من أوضتي من غير الحجاب بتاعي، والعباية بتاعتي.. وشرابي كمان!!
لكن هنا، أنا بتحرك بحرية بعيد عن عين صبري، وباباه…
أما بقى عين نهال، فهي لسة بتفحصني!!
قالت: “واضح كمان إنك خسيتي شوية يا رهف.. بصي حتى علامة الحرق أنا حاسة إنها كبرت، وبقت ظاهرة أكتر!”
كانت ماسكة دراعي الشمال، وبتشاور على العلامة اللي الفحم المتولع سابها في دراعي من سنين…
“مع إني كنت باكل كويس جدا وأنا في المزرعة.. الأكل بتاعم لذيذ أوي”
“قوليلي يا رهف حياتك في المزرعة أصلا كانت عاملة إزاي؟؟”
اتنهدت تنهيدة طويلة، ورفعت راسي للسقف.. آه.. عدى عليا وقت طويل وأنا مسجونة هناك..!
برغم إني كنت قريبة من ليث، لكن كنت حاسة بالغيظ من قرب المتطفلة الشقرا منه…
الأيام مكانتش بتعدي بهدوء خااالص!!
“آه يا نهال.. أقولك إيه؟؟ حياة بسيطة خالص، وهادية.. مفيهاش أي حاجة.. هم بيشتغلوا في المزرعة، وأنا كنت قاعدة برسمها! كانت جميلة أوي.. لكن العيشة فيها كانت شبه العيشة في السجن بالظبط”
وصفتلها وضعي هناك كان عامل إزاي؟ وإزاي كنت فاقدة شعوري بالحرية حتى في أتفه الحاجات، وحكيتلها المعاناة اللي أنا كنت فيها بسبب إحساسي بالغربة، ومشاكلي مع رضوى…
أول ما نطقت إسم رضوى، وشي اتقلب فورا!
نهال لاحظت ده، وبعدين قالت: “البنت دي جميلة أوي.. قد إيه إبن عمك ده محظوظ!”
مش عارفة هي قالت كده بعفوية، ولا كانت متعمدة إنها تغيظني؟!
رفعت بإيدي فرشة الشعر اللي كنت ماسكاها، وهددتها إني هضربها!
نهال فضلت تضحك، وبعدت عني.. لكن أنا غرقت في الحزن، والسرحان…
لما نهال شافتني بالمنظر ده، جت ناحيتي، وقعدت تلعب في خصل شعري المبلول…
طبطبت على كتفي بالراحة، وبحنان، وقالت: “إنتي كمان يا رهف جميلة، وليكي جمالك الخاص.. الأعمى بس هو اللي مش هيلاحظ حاجة زي كده”
قلت: “لكن هي أجمل مني بكتير.. ولما بتحط ميك أب بقى، وبتظبط نفسها.. بتبقى لوحة مدهشة.. مفيش بيني، وبينها أي مقارنة”
اتضايقت، وقالت: “وليه أصلا يحصل بينكوا مقارنة.. إنتي رهف، وهي رضوى”
قلت بصوت مكسور، وحزين: “أيوة.. أنا رهف اليتيمة المعدومة.. لا أم ولا أب ولا بيت ولا فلوس.. وهي رضوى الجميلة الغنية، صاحبة أكبر ثروة في المدينة الساحلية، وأجمل مزرعة في المدينة الزراعية.. مين هيبص عليا قصاد كل الحاجات اللي عندها دي؟”
رميت الفرشة على آخر دراعي وأنا متضايقة…
نهال بصت عليا كتير، وبعد كده قالت: “طب وبعدين.. هتبطلي بقى تحبي إبن عمك ده؟؟”
أبطل؟؟
كإن الموضوع بإيدي؟؟
مستحييل.. مش هقدر…
غمضت عيني من كتر العجز عن إني أرد على اللي هي بتقوله…
“طب إنتي دلوقتي هتعملي إيه؟؟ الوضع اتعقد أكتر، والراجل إتجوز”
قلت بسرعة: “لأ هو لسة متجوزش.. هو خطب بس.. وممكن ينهي علاقته بالشقرا دي في أي وقت عادي”
نهال بصتلي بنظرات استنكار، فأنا كملت، وقلت: “مهو أنا كمان قعدت أربع سنين مخطوبة لواحد بيعشقني، وانفصلت عنه عادي”
نهال هزت راسها بحزن، وبعدين قالت: “رهف.. إنتي فاكرة إن الكلام ده هو اللي بيدور فعلا في راس إبن عمك؟ يا بنتي الراجل اتجوز واحدة تانية، وممكن يكون بيحبها، وبيخطط لجوازه منها”
قلت بانفعال: “وأنا أعمل إيه؟؟”
بصتلي كتير، وقالت وهي بتشاور عليا بصوباع إيديها اليمين: “إنتي كمان.. هتتجوزي راجل بيحبك، وبيحترمك جدا.. ومستني منك إشارة واحدة بس”
وسام في اللحظة دي جت، وقالت: “صبري وافق”
صبري خدنا، ووصلنا السوق بعربيته الصغيرة، والضيقة.. فضل معانا طول الوقت…
قضينا وقت طويل جدا هناك، وبرغم كده مكنش باين عليه إنه متضايق.. بالعكس ده كان مبسوط جدا، ومتعاون كمان..!
اشتريت حاجات كتيرة…
إنتوا عارفين إن أنا مابقاش عندي هدوم، وحاجات تكفيني، وإن حاجتي كلها اتحرقت في بيتنا القديم، والحاجات القليلة اللي اشتريتها بعد كده، سيبتها في المرزعة…
كنت عمالة بصرف من غير أي حساب!
الفلوس اللي سابهالي ليث عمري كتيرة أوي، ومغرية…
في الحقيقة أنا كنت مكسوفة جدا وأنا باخد منه ظرف الفلوس.. لكن أنا فعلا كنت محتاجاها…
حتى الفلوس اللي بابا سابهالي قبل ما يسافر الحج، واللي أنا مصرفتش منها أي شيء يذكر.. اتحرقت في نفس مكانها في البيت…
حتى بواقي رماد البيت المحروق.. أنا مليش نصيب في ورثه…
بعد ما خلصنا الشوبينج الممتع بتاعنا، رجعنا البيت، وفضلت أقيس الحاجات اللي أنا اشتريتها، ولبست حاجات منهم، وقعدت بيها وأنا حاسة بسعادة ماتتوصفش…
بعد كده.. قررت أنا، وخالتوا، وعيالها إننا نقعد في جنينة البيت، ونغير جو شوية…
أبو صبري كان بيحب جنينة بيته، وبياخد باله منها كويس…
بعد ما الشجر اللي في الجنينة اتحرق بسبب القصف الجوي.. هو رجع يزرعه من تاني، ويزرع العشب اللي على الأرض…
الحياة رجعت تدب في الجنينة دي من أول وجديد…
إخترت من هدومي الجديدة جلابية زرقا، وكمامها طويلة، وشال كبير، ولونه غامق، وخاتم لونه فيروزي بيلمع عشان ألبسها وأنا قاعدة معاهم في جنينة البيت…
الجو كان لطيف جدا، ونسيم الهوا كان منعش…
الشمس كان باين عليها الحمار في السما، والغيوم كانت بتتسابق عشان تغطي حمارها الجميل عن عيون اللي بيبصولها.. والظل كان ممدود على العشب، ومديله نضارة، ومبين لونه الأخضر الجميل…
المنظر حواليا مبهج جدا، وخلاب.. دي بداية الشتا…
فرشنا مفرش كبير على العشب المبلول، وقعدنا إحنا الخمسة عليه نتكلم، ونهزر، وناكل مكسرات، ونشرب عصير، ونلعب لعبة الألغاز على الورق…
كنت ساعتها مبسوطة، ومرتاحة جدا.. وكنت في قمة الحيوية، والسعادة…
…………….
لما البوابة اتفتحت، لقيت صبري بيستقبلني…
سلمنا على بعض، ومكانش بيحاول إنه يداري علامات الاستغراب، والاستنكار اللي كانت ظاهرة على وشه وهو بيستقبلني من غير ما أعرفهم إن أنا جاي…
خلاني أدخل، ومشيت جنبه وأنا حاسس بالإحراج من زيارتي المفاجئة دي…
في اللحظة دي سمعت أصوات ضحك خلتني أبص بسرعة على مصدرها…
على مفرش محطوط فوق العشب، في قلب الجنينة بتاعة البيت كانوا أربع ستات قاعدين جنب بعض على شكل حلقة مدورة…
كلهم بصولي كويس أول ما ظهرت في الصورة، وكلهم كانوا ساكتين تماما، وباين عليهم الإندهاش!
غضيت بصري، وكحيت عشان أعرفهم بوجودي، وبعدين رميت عليهم السلام، وسمعت الرد من أم صبري وهي بترحب بيا…
“اتفضل يا ليث.. أهلا بيك يا إبني”
“تعالى أقعد معانا”
صبري قال كده وهو بيشدني إني أمشي ناحيتهم…
كمل كلامه: “إحنا كنا قاعدين بنلعب لعبة الألغاز، وبنتسلى شوية.. كمان الجو جميل جدا”
أخت صبري الكبيرة، والصغيرة وقفوا عشان يدخلوا جوا…
أنا قلت بسرعة: “لأ.. أنا آسف على الإزعاج.. كنت جاي بس عشان أسلم عليكوا، وأتطمن على بنت عمي”
أم صبري قالت بسرعة: “إزعاج إيه بس يا ليث.. البيت بيتك، وإحنا أهلك يا إبني.. اتفضل”
“شكرا ليكي يا خالتي أم صبري.. ربنا يدوم عزك”
كل ده وأنا موطي راسي، وحاسس بخجل رهيب، وعيني بتبص على العشب…
قدرت أرفع عيني أخيرا عشان أدور على رهف، وشوفتها وهي قاعدة بين بنات خالتها، وهي كمان كانت موطية راسها، وباصة تحت..!
يا الله.. قد إيه أنا اشتقتلها!!
مش مصدق إنها أخيرا قدام عيني…
“عاملة إيه يا رهف؟؟”
رهف بصت يمين، وشمال كإنها بتدور على مصدر الصوت!!
ده أنا يا رهف.. ليث.. إنتي نسيتي صوتي؟؟
وبعدين لقيتها بتبتسم، وخدودها بتتودر، وبترد بكسوف: “كويسة”
مكانتش الإجابة دي شافية بالنسبالي خالص…
أنا عايز أعرف كل حاجة حصلت معاكي من ساعة ما سيبتك هنا الليلة إياها لغاية اللحظة دي…
هو إنتي متعرفيش أنا كان بالي مشغول عليكي قد إيه؟؟
“عرفيني دنيتك ماشية إزاي يا صغيرتي؟؟”
ابتسمت ابتسامة أكبر، وقالت: “كويسة!!”
كويسة.. كويسة!!
كل ده حتى، ومفكرتش ترفع عنيها عن الأرض، وتبصلي..!
قلت: “طب الحمد لله”
أم صبري قالت: “اتفضل أقعد يا ليث يا إبني”
صبري قال: “أنا هاخده لأوضة المجلس”
بعد كده قالي: “اتفضل يا ليث معايا”
مكنتش لاقي سبب مقنع عشان أروح معاه.. بس روحت وأنا سايب عقلي متبعتر على نفس العشب اللي كنت واقف عليه…
في أوضة المجلس كان قاعد أبو صبري بيتفرج على الأخبار في التيلفزيون…
بعد ما رحب بيا فتحنا موضوع المظاهرات، والعمليات الإنتحارية، والإستشهادية، والإغتيالات اللي حاصلة في البلد الفترة دي…
وكمان المنظمات السرية المعارضة اللي بيمسكوا أعضاءها، وبيرموهم في السجن كل يوم…
الأخبار دي تعبتلي نفسيتي، وخوفتني.. خصوصا بعد ما عرفت من أبو صبري إن فيه حد من قرايبه في المنظمات المتهددة بالخطر دي…
حكيتله عن الصعوبات اللي قابلتها في الطريق بسبب الشرطة وأنا رايح من المدينة الساحلية للمدينة الزراعية، وراجع منها…
إنتوا طبعا عارفين أنا بكره الشرطة، وبترعب منهم قد إيه..؟
بعد كده خرجنا من البيت عشان نروح نصلي في المسجد…
وإحنا معديين من الجنينة شوفت رهف قاعدة مع بنات خالتها وهم لسة قاعدين على نفس المفرش، وبيلعبوا لعبة الألغاز الورقية…
صبري نده، وسأل: “مين طلعت أذكى واحدة فيكوا؟؟”
وسام قالت: “رهف طبعا.. دي ذكية جدا”
صبري ضحك، وقال: “خديلك شوية ذكاء منها”
طلعت ضحكة عفوية، وصوتها عالي إلى حد ما من رهف…
صبري قال بهزار: “أنا هغلبك الدور الجاي يا رهف.. إستعدي”
رهف قالت وهي بتبص عليه بتحدي: “ماشى يا عم قبلت التحدي”
صبري ضحك، وقال بإصرار: “هتشوفي يا رهف العبقرية بتاعتي.. إستني بس”
رهف قعدت تضحك، وكان باين عليها إنها مبسوطة جدا…
كل ده وأنا.. واقف سامع، وشايف، وساكت، وكاتم جوا قلبي غل، وغيظ كبير جدا…
………….
“إنتي مبحلقة في إيه؟؟”
نهال سألتني وهي شايفاني مبحلقة في البوابة اللي صبري قفلها وراه هو، وباباه، وليث من شوية…
قلت: “شفتي صبري وهو واقف جنبه عامل إزاي؟؟ كإنه واحد من الأقزام السبعة!”
نهال استغربت، وبان عليها إنها مفهمتش حاجة…
قلت: “أراهن إن هو هيروح وراهم المسجد بعربيته.. إستحالة العملاق ده يعرف يدخل عربية أخوكي دي.. إلا بقى لو خرج راسه من فتحة السقف”
فضلت وسام تضحك جامد على كلامي…
مكنتش عارفة هي فاهمة حاجة، ولا مش فاهمة…
وقفت بعد كده، وفضلت أفرد إيدي، وأشم الهوا النقي اللي حواليا.. كنت حاسة بسعادة مالية قلبي، وكان عندي رغبة مجنونة في إني أحضن ذرات الهوا…
فضلت أدندن بسعادة، وأمشي وأنا حافية بخفة على العشب.. زي العصفور اللي بيستعد إنه يطير، ويحلق في السما…
أنا حاسة بالدم بيتجمع جامد في وشي…
أنا متأكدة إني في اللحظة دي لوني أحمر تماما…
“رهف يا صغيرتي.. دنيتك ماشية إزاي؟؟”
نهال قالت كده وهي بتشب عشان تقف على طراطيف صوابعها، وبتنفخ صدرها، وبترفع كتافها، وبتضغط على حبالها الصوتية عشان يطلع صوتها خشن.. طبعا وهي عاقدة حواجبها عشان تعرف تقلد ليث!!
مرة تاني وسام انفجرت من الضحك، وخلتني أستغربها جدا!!
هي في العادي بتكون غبية جدا، ومش فاهمة أي حاجة من اللي بتدور حواليها.. لكن الواضح إن ذكاءها شغال الساعة دي!!
قلت عشان أوضح: “هو بينادي عليا بالصغيرة من ساعة ما كنت طفلة.. إيه الجديد يعني في كده؟؟”
نهال لسة عاقدة حواجبها، وبتردد: “رهف يا صغيرتي.. رهف يا صغيرتي.. رهف يا صغيرتي”
وسام برضه لسة عمالة تضحك!
قلت: “وعشان أنا يتيمة.. فهو بيعاملني كإني بنته، وطلب مني إني أعتبره بابا الحقيقي”
نهال، ووسام بصوا لبعض، وإنفجروا من كتر الضحك..!
قلت وأنا ماشية، وبهرب من قدامهم: “يااه.. أنا أحسنلي إني أروح عشان أصلي”
ليث عمري مكنش لحضوره أي هدف غير إنه يتطمن عليا.. عشان كده كان عايز يمشي أول ما رجع من الصلاة.. لولا إن العيلة لحت عليه يقعد معانا عشان نتعشى سوا كلنا…
أنا كمان كنت عايزاه يقعد.. مجرد وجوده جنبي بيحسسني بشعور جميل، مفيش حد في الدنيا ممكن يحسسني بشعور زيه…
آه لو تعرفوا اللي أنا فيه…
قد إيه البعد مليان أشواق.. وقد إيه القرب مليان لهفة…
يا ترى حياتك من غيري يا ليث عاملة إزاي؟؟
إزاي قدرت تعيش كل الأيام دي وأنا بعيدة عنك؟؟
إزاي هتحمل بعدك عني تاني؟؟ وإزاي هطيق إني آجي معاك؟؟
بعد العشا، ليث، وصبري، وباباه خرجوا للجنينة، وقعدوا على نفس المفرش اللي كنا قاعدين عليه…
الجو الليلة دي كان تحفة، ومحدش يقدر يقاوم جماله…
أنا كنت جوا البيت، وفتحت الشباك اللي بيطل على الجنينة.. عشان أخلي الهوا، وضي القمر، وصوت الناس اللي برا كمان يتسحب لجوا البيت.. وأنا واقفة براقب كويس جدا حركات ليث…
ليث كان محترم، وذوق جدا.. كان بيتكلم، وبيضحك قليل.. عكس صبري المهرج اللي بيتكلم من غير حساب…
كان باين جدا فرق السن بينهم في الوقت ده من طريقة كلامهم، وحركاتهم.. حتى كمان في الطريقة اللي بيشربوا بيها القهوة…
بقصد أو من غير قصد، كنت بسمع لكل كلمة خارجة من لسان ليث، وبراقب حتى أتفه حركة بتطلع منه وهو قاعد.. حتى شعره اللي بيتحرك بسبب نسيم الهوا اللي بيلعب فيه…
“يا ترى الصغيرة العسولة بتتفرج على إيه؟؟”
نهال قالت كده وهي بتبص عليا بمكر.. هي أكيد عارفة كويس أنا إيه اللي بيشدني في الجنينة…
قلت بنبرة تحدي: “بابا ليث”
كانت هتضحك ضحكة صوتها عالي جدا، وهتفضحنا.. لولا إني حطيت إيدي على بقها عشان أكتم الضحكة…
“وطي صوتك.. هيسمعونا منك لله”
نهال زاحت إيدي عن بقها، وضحكت ضحكة خفيفة، وبعد كده قالت: “ليث ده مسكين أوي.. مطلوب منه إنه يراعي طفلة بالحجم ده!”
“ليث ده مسكين أوي.. مطلوب منه إنه يراعي طفلة بالحجم ده!”
نهال قالتلي كده وهي فاتحة دراعاتها على الآخر عشان تبين قد إيه أنا كبيرة..!
أنا كنت عارفة إنها مش هتبعد عني، وتسيبني في حالي…
فقررت إني أنسحب عشان محدش ياخد باله مني…
جيت أقفل الشباك، فطلع صوت.. ولقيت صبري بيشاور بإيده ناحيتنا، وبينادي: “رهف.. تعالي هنا”
بصيت أنا، ونهال على بعض، وفضلت واقفة مكاني…
صبري قال: “تعالي عشان ليث عايز يتكلم معاكي شوية”
في اللحظة دي بعدت عن الشباك، وحطيت إيدي على صدري عشان أحس بنبضات قلبي اللي زادت فجأة…
نهال بصت عليا بطرف عنيها، وقالت وهي بتهزر، وبتتريق عليا: “يلا يا صغيرتي المطيعة.. روحي لباباكي”
لما مظهرتش على ملامحي تعبيرات الهزار اللي هي كانت مستنياها، غيرت أسلوبها للجد، وسألتني: “في إيه يا رهف؟؟”
قلت وأنا وشي مقفول، وكنت لسة حاطة إيدي على صدري: “أكيد هو هيمشي دلوقتي”
نهال بصت عليا باستغراب!!
“مهو أكيد يعني هيمشي يا رهف.. كلنا عارفين حاجة زي كده.. أومال هيعيش معانا؟!”
صح.. إيه الجديد يعني؟؟
قلت: “أنا مش عايزاه يبعد عني يا نهال.. أنا مش بتحمل فراقه، ولا وداعه.. عايزاه يفضل معايا، وليا أنا لوحدي.. إنتي فاهماني؟؟”
في قلب الجنينة.. على العشب المبلول برذاذ المياه.. وفي وسط نسيم الهوا المنعش اللي بيزغزغ أي حاجة يلمسها.. وتحت نور ضعيف جاي من القمر اللي قاعد، ومتربع في وسط السما.. وقفت وشي في وش ليث عمري…
عشان أوصفلكوا لهفتي عليه هحتاج وقت طويل جدا، ودي حاجة مش هينفع أعملها دلوقتي…
العد التنازلي بدأ…
صبري، وباباه دخلوا البيت، وسابونا نتكلم أنا، وليث براحتنا.. مع إني مكنتش عارفة إيه الكلام اللي ممكن نتكلمه في الوقت ده؟؟
نسيم الهوا بدأ يشد، وإحساس الزغزغة بدأ يتحول لإحساس خبطات خفيفة…
ليث بدأ كلامه من هنا…
“واضح إن الهوا هيشد، وهيتقلب لرياح.. دي بوادر دخول الشتا”
“آه”
“المكان هنا جميل أوي”
قال كده وهو بيشاور على الجنينة اللي حواليه…
“آه”
بص عليا، وقال: “باين عليكي إنك مبسوطة من وجودك هنا”
هزيت راسي بالإيجاب…
قال بصوت دافي، وحنين جدا: “رهف.. إنتي مرتاحة فعلا؟؟”
قلت بسرعة: “أيوة طبعا”
ابتسم ابتسامة رضا، وقال: “أنا مبسوط إني بسمع حاجة زي كده.. الحمد لله”
هربت من نظراته، وبصيت على العشب اللي تحت رجلي…
بعد كده سمعته وهو بيقول: “إنتي مش عايزة ترجعي معايا المزرعة؟؟”
رفعت وشي بسرعة، وملامح وشي كلها اتغيرت…
ليث قال بصوت هادي: “متخافيش.. أنا مش هجبرك إنك تيجي معايا”
سكت شوية، وبعدين كمل: “أنا عايز راحتك، وسعادتك بس يا رهف.. وهنفذ أي حاجة إنتي عايزاها مهما كانت”
قلت عشان أوضح: “أنا مرتاحة هنا.. بين أهلي”
تقريبا الجملة دي جرحته.. وشه اتقلب واتكلم بزعل: “أنا كمان أهلك يا رهف”
خدت بالي إني غلطت، وقلت عشان أصحح بسرعة: “أيوة أكيد طبعا يا ليث.. لكن…”
صورة الشقرا المتطفلة ظهرت قدام عيني في الوقت ده، ومحت جمال اللحظات الرائعة…
كملت كلامي: “لكن أنا هفضل حاسة بالغربة، وإن أنا عالة عليهم هناك.. مفيش حد ممكن يحبني زي ما خالتي، وعيالها بيحبوني.. وأنا كمان مش هعرف أحب حد مش بيربطني بيه دم واحد”
ليث بصلي بحزن، وبعدين قال: “إنتي تقصدي رضوى صح؟؟”
مجاوبتش على سؤاله، وهو رجع قال: “على فكرة هي بتحبك جدا، وكمان الخالة فيردا.. هما باعتينلك معايا السلام”
قلت: “الله يسلمهم.. أنا مش هقدر أنكر جميلهم، وجميل العجوز عليا.. لو كان عندي أي حاجة أكافئهم بيها مكنتش هتأخر.. لكن أنت عارف إن أنا بنت يتيمة، ومعنديش أي حاجة في الدنيا أقدر أقدمهالهم.. وكمان باباك، ومامتك مشيوا، ومسابوش ليا أي حاجة أملكها طبعا”
دلوقتي ليث اتضايق، وقال بصوت مخنوق: “إنتي إيه اللي مخليكي تقولي الكلام ده دلوقتي يا رهف؟؟”
قلت وأنا مصرة على كلامي: “هي دي الحقيقة اللي مفيش أي حاجة في الدنيا هتقدر تغيرها.. أنا مجرد بنت يتيمة، وعالة على كل اللي حواليا.. مش هلاقي حد يطيقني، ويرحب بيا بكل حب غير خالتي”
تقريبا الجملة بتاعتي أثرت فيه جدا، لإنه فضل ساكت وقت طويل…
بعد شوية اتكلم أخيرا، وقال: “عموما.. مفيش داعي إننا نبوظ جمال الليلة دي بحاجات حزينة”
وبعدين ابتسم ابتسامة شقت طريقها بين جبال الحزن، وقال: “المهم إن صغيرتي تكون مبسوطة، ومرتاحة”
ضربات قلبي سرعت أكتر.. مكنتش عايزاه يمشي، ويبعد عني.. يا ريته يقعد معانا ولو ليلة واحدة بس…
أرجوك يا ليث متمشيش، وتسيبني…
قال: “تؤمريني بأي حاجة؟؟”
يا ريتيني أقدر أأمرك بإنك متمشيش يا ليث!
قلت: “الأمر لله.. شكرا ليك”
كرر كلامه، وقال: “إنتي مش محتاجة أي حاجة.. عرفيني يا صغيرتي، في أي حاجة نقصاكي؟؟”
“لأ”
“إوعي تترددي في إنك تطلبي أي حاجة إنتي محتاجاها مني.. عشان خاطري يا رهف”
ابستمت، وقلت: “شكرا ليك”
ليث حط إيده في جيبه!
ياه.. لأ.. هو معقول يكون فاكر إني صرفت كومة الفلوس دي كلها بسرعة كده؟؟
أنا مش مبذرة للدرجة دي!!
كنت خلاص هقول: (لأ.. أنا مش محتاجة فلوس)
لكن لما شفته بيخرج التليفون من جيبه حمدت ربنا إنه لجم لساني عن الهبل اللي كنت عايزة أقوله…
العجيب بقى.. إن ليث إداني التليفون بتاعه!
“خلي ده معاكي.. إتصلي بيا في المزرعة لو احتاجتي أي حاجة في أي وقت”
بصيتله باستغراب، فقال: “أنا كده أقدر أتصل بيكي، وأتطمن عليكي زي ما أنا عايز من غير إحراج، ولا إزعاج لأي حد”
فضلت مبحلقة في التليفون، وفي ليث شوية وأنا مستغربة..!
“أيوة.. لكن!!”
ليث لقاني عمالة أتهته، فقال: “متقلقيش.. أنا هشتري واحد تاني بكرا.. أنا مش محتاجه دلوقتي.. خديه”
مديت إيدي اليمين، وخدت التليفون وأنا مترددة، وليث كان واقف يراقب حركات إيدي كويس جدا!!
قال: “إوعي تنسي.. كلميني في أي وقت”
“تمام.. شكرا ليك”
ليث ابتسم بارتياح، وبعدين بان عليه إنه متضايق من حاجة، وقال: “أنا همشي دلوقتي.. لكن…”
مكملش جملته.. كإنه كان متردد يقول اللي هو كان عايز يقوله…
أنا قلت عشان أشجعه: “لكن إيه يا ليث؟؟”
تقريبا وش ليث دلوقتي اتقلب بقى كله أحمر!!
ده اللي أنا قدرت أشوفه من نور القمر، واللمض السهاري اللي نورها باهت…
ليث بص عليا، وبعدين على التليفون اللي في إيدي، وبعدين على العشب اللي أنا واقفة عليه…
اتنهد تنهيدة كبيرة، وقال: “يا ريت تبقي تلبسي العباية بتاعتك وهو صبري، وباباه موجودين”
استغربت جدا، وقلبي كان هيقف.. بحلقت في ليث وأنا مندهشة من اللي أنا بسمعه…
ليث رجع بعينه من العشب لإيدي اللي فيها التليفون، وبعدين لعيني، وقال: “مش شايف برضه إن في أي داعي إنك تحطي خواتم في وجودهم”
الدم اتفجر في وشي.. وطيت راسي ناحية الأرض وأنا مكسوفة جدا…
نفسي وقف، وصدري اتكتم.. برغم إن الهوا لسة عمال يلاعب وشي، ويطير هدومي!!
كنت عمالة أحاول إني أداري الخاتم الفيروزي بتاعي اللي في إيدي الشمال بإيدي اليمين…
ليث حاول يهدي من حدة الموقف، وقال بهزار: “لكن تقدري تعملي يا ستي أي حاجة إنتي عايزاها وإحنا مش موجودين”
بعد كده قال وهو بيغير مجرى الحوار، وبينهي اللقاء: “يلا يا صغيرتي.. أسيبك أنا بقى في رعاية الله”
………………..
عدت أيام، وأسابيع وأنا غرقان في الشغل…
كان المفروض إني أسافر المدينة الساحلية تاني عشان أمور المصنع…
رضوى مرضيتش إنها تيجي معايا.. عشان كده معرفتش آخد رهف كمان، و نسافر لوحدنا…
برغم إن الموضوع كان صعب جدا.. لكن أنا دوست على قلبي، وسيبت رهف، وسافرت، وبعدت عنها…
قبل ما أسافر كلمت أخويا آسر، وطلبت منه يفضل على اتصال برهف، ويكون مستعد إنه يروحلها لو عازت أي حاجة…
آسر اتردد بسبب الشغل بتاعه، لكن وعدني إنه هيعمل كل اللي يقدر عليه…
أما أنا بقى، اشتريت تليفون جديد، وإديته لرهف لما عديت عليها وأنا مسافر، وخدت منها التليفون القديم، وعرفتها إنها تفضل على تواصل مستمر معايا…
كنت عايش في البيت الكبير بتاعنا اللي في المدينة الساحلية، وحسيت بوحدة شديدة جدا وأنا هناك…
وجودي هناك قلب عليا مواجع كتير.. وصممت إني لازم أظبط البيت ده، وأرجع فيه الحيوية، والنشاط زي زمان…
خدت الإذن من إخواتي إني أتصرف في البيت زي ما أنا عايز.. هو بقى ملك مشترك لينا إحنا التلاتة بعد ما بابا، وماما إتوفوا.. ربنا يرحمهم…
اتفقت مع شركة نضافة متخصصة عشان ينضفوا البيت كله كويس…
بعد كده دهنته من أول وجديد، وجددت جزء كبير من العفش بتاعه، وعملت تعديلات كتيرة فيه…
طبعا أنا سيبت أوضة نوم بابا، وماما زي ما هي، وكمان أوضة آسر، وليلى، والجنينة الخلفية.. كلهم سيبتهم زي ما هم…
حطيت في الحديقة الخلفية شوية كراكيب، وحاجات قديمة جنب عدة المشاوي اللي انتوا عارفينها…
كنت مخطط إن أنا لازم أرجع أعيش بشكل دايم في البيت، وأجيب كمان آسر، ورهف، ورضوى في المستقبل.. وكمان ليلى لما ترجع من سفرها…
إيه أجمل من إننا نتلم كلنا عيلة واحظة في نفس المكان؟!
كنت عايز ألملم شمل العيلة المتفرقة.. ونرجع نعيش تاني زي ما كنا عايشين قبل ما تفرقنا الحرب، والظروف المؤلمة…
عشان أنا دلوقتي بقيت بدير واحد من أهم، وأكبر مصانع البلد.. نفوذي وسع بشكل كبير، وسلطتي عليت جدا…
برغم كل ده الموضوع مخليش من الهمز، واللمز، والنظرات الغامضة من كل الناس اللي عرفوا إن أنا اللي قتلت علي…
أستاذ ياسين إستقال من منصبه بسبب الخبر اللي سمعه.. وبسبب الولاء اللي عنده لصاحبه رائف…
اتنشرت إشاعات كتيرة حوالين جوازي أنا، ورضوى، ولقيت نفسي محتاج للدعم من الناس اللي أنا بحبهم، وبيحبوني، وبثق فيهم…
كنت عمال ألح على آسر عشان يسيب شغله، وعرضت عليه ييجي يشتغل معايا في المصنع، وظبطتله منصب مرموق، ومغري جدا.. لكن هو كان متردد…
عرفته إني نفسي أرجع ألم شمل العيلة من أول وجديد…
شرحتله كل التفاصيل بتاعة شغلي الحالي، وقلتله إزاي الحياة اتغيرت معايا بشكل كبير، وإن أنا دلوقتي محتاج ليه أكتر من أي وقت تاني…
أنا كنت شايف إن آسر لسة في حداد على وفاة أمي، وأبويا، ومفقش منه…
بالنسبة لرهف، أنا خططت إني أقدملها في الجامعة، وخصصت ليها جزء من الفلوس الخاصة بتاعتي من شغلي في المصنع، عشان أغطي تكاليف الدراسة بتاعتها…
أما البيت المحروق، فده خليناه على حالته لحين إشعار آخر، واتنازلت عن نصيبي فيه، وسجلته باسم رهف…
أما وضع البلد بقى، تقريبا لسة زي ما هو.. لسة الفوضى مالية المدن، وبتنتشر أكتر كل يوم، والسجون إتملت، وفاضت بالمساجين.. اللي اتسجنوا ظلم أو عدل…
لما رجعت مرة تانية للمدينة الصناعية، وروحت بيت أبو صبري، رهف كانت برا البيت، وأم صبري استقبلتني استقبال كريم جدا…
رهف كانت قايلالي إنها عايزة تقضي شوية مشاوير مهمة اليوم ده.. هي بتعرفني تحركاتها دايما…
أنا لاحظت إنها بتخرج كتير الفترة الأخيرة، وطبعا صبري هو اللي بيوصلها…
برغم إن ده كان مضايقني جدا، لكن كنت ببقى متطمن إن بنات خالتها معاها…
لما عرفت من أم صبري دلوقتي إنهم مراحوش معاها المرة دي اتضايقت، وولعت…
“يعني هي واخدة إن صبري يوصلها أي مكان لوحدهم؟”
سألت أم صبري، وهي فهمت قصدي، واتضايقت، وقالت: “آه.. يعني كام مرة قليلين”
قلت بصوت مخنوق: “طب وليه مفيش حد من بناتك راح معاها يا خالتي؟؟”
قالت: “نهال مدووشة مع وسام، وبتذاكرلها الدروس الصعبة بتاعتها.. لكن أنت إيه اللي مضايقك أوي كده يا إبني.. هي معاها إبن خالتها مش حد غريب، وهو أكيد هياخد باله منها كويس”
الكلام ده معجبنيش.. فسكت خالص، ومرضتش أرد…
الواضح إن أم صبري لاقيتها فرصة كويسة عشان تفتح الموضوع اللي شاغل بالها، وشاغل بالي أنا كمان، ومعفرتني…
“ليث يا إبني.. أنت مش شايف إن آن الأوان بقى ولا إيه.. عشان نكتب كتابهم بشكل رسمي؟”
كنت خايف إنها تفتح الموضوع، وللأسف فتحته، وكمان وأنا في وضعي ده…
قلت على طول: “ده مش الوقت المناسب لحاجة زي كده”
قالت: “ليه؟ ربنا يهديك يا إبني، وتفهم إن ده الصح.. هو مش كده هيكون أحسن لينا كلنا؟ آديهم عايشين مع بعض في بيت واحد، وأنت عارف الدنيا”
قلت بانفعال: “لأ يا خالتي.. أنا مستحيل إني أجوز رهف بالطريقة اللي أهلي جوزوها بيها.. مش هخليها ضحية للأمر الواقع المفروض عليها تاني أبدا”
أم صبري قالت باعتراض: “ضحية إيه يا إبني؟ ده جواز على سنة الله ورسوله.. صبري عمال يلح عليا في الموضوع، لكن أنا شوفت إن إحنا نأجله لغاية ما تيجي.. بصفتك الواصي عليها”
صبري نفذ، وقلت بأسلوب وحش: ” أرجوكي يا أم صبري.. أجلي الموضوع لبعدين عشان أنا مش فايق دلوقتي”
“إيوة إمتى يعني؟؟”
قلت: “على الأقل، لغاية ما تاخد الشهادة الجامعية بتاعتها، وتكبر كام سنة تاني”
أم صبري استغربت، لكن أنا كملت كلامي: “وكمان صبري يكبر شوية، ويبقى راجل مسؤول”
“يعني أنت شايفه عيل صغير دلوقتي؟؟”
مترددتش أبدا في الإجابة، وقلت بسرعة: “آه”
عشان هي اتضايقت، وهزت راسها بتقليل من الكلام اللي أنا بقوله، أنا كملت: “بصي يا خالتي.. أنا بعتبر الإتنين لسة صغيرين، ومراهقين.. الفرق بينهم مش مكمل سنتين.. ولو كان في حرج من وجودها هنا، فأنا هاخدها معايا، وهدبر أمورها بأي شكل”
هنا كان نهاية كلامنا سوا، لما البوابة اتفتحت، ودخلوا منها الإتنين وهم ماشيين جنب بعض…
اللي يبصلهم يفتكرهم إتنين مخطوبين، وبيحبوا بعض، ولايقين على بعض…
كانت السعادة باينة على وشوشهم، والإبتسامة مفارقتش شفايفهم من ساعة ما ظهروا من عند البوابة…
لو تعرفوا المنظر ده وجعني قد إيه؟!
الإتنين جم يرحبوا بيا وهم مبسوطين.. كانت السعادة باينة عليهم جدا…
أنا مفتكرش إن السعادة دي كانت بسبب إن أنا جيت..!
هي أكيد كانت بسبب حاجة تاني أنا معرفهاش للأسف!!
لتكملة القصة اضغط الزر بالاسفل






