اكتشاف مذهل: أدلة على بقايا أرض بدائية عمرها 4.5 مليار عام
كيف تم اكتشاف بقايا الأرض البدائيه

في اكتشاف علمي يعتبر من أهم واحدث الاكتشافات الجيولوجية خلال العقود الأخيرة قد توصل فريق من العلماء إلى أدلة تشير إلى وجود أجزاء من أرض بدائية أي بقايا من القشرة الأصلية التي تشكل منها كوكب الأرض قبل 4.5 مليار عام لا تزال مدفونة في أعماق باطن الكوكب حتى اليوم وهذا الاكتشاف يفتح باباً جديداً لفهم أصل الأرض وتاريخها المبكر حيث انه يعيد صياغة كثير من المفاهيم المتعلقة بتطور الكوكب منذ نشأته
اكتشاف مذهل: أدلة على بقايا أرض بدائية عمرها 4.5 مليار عام
اعتمد العلماء في أبحاثهم على تحليل الموجات الزلزالية التي تنتشر في أعماق الأرض أثناء حدوث الزلازل، ومن خلال تتبع طريقة مرور هذه الموجات وسرعتها وكثافتها في مناطق مختلفة من باطن الكوكب، لاحظ الباحثون وجود طبقات كثيفة وغريبة التركيب تقع على عمق مئات الكيلومترات أسفل القشرة الأرضية، هذه الطبقات لا تشبه أي صخور حديثة أو مواد معروفة ناتجة عن النشاط البركاني أو التكتوني الحالي، ما دفع العلماء للاعتقاد بأنها بقايا من القشرة البدائية التي تكونت مع نشأة الأرض نفسها.
النتائج التي اجراها الباحثون من جامعه امريكا الاوروبيه
قد جاءت هذه النتائج نتيجة دراسات أجراها باحثون من جامعات أمريكية وأوروبية بارزة، منها جامعة ستانفورد ومعهد كاليفورنيا للتكنولوجيا، استخدم العلماء بيانات مأخوذة من آلاف الزلازل حول العالم، ثم قاموا بتمريرها عبر نماذج حاسوبية متقدمة تحاكي التركيب الداخلي للأرض، ووفقاً لتقاريرهم، فإن تلك الطبقات البدائية تقع على عمق يتراوح بين 500 و3000 كيلومتر تحت سطح الأرض.
ما المقصود بالأرض البدائية؟
يشير مصطلح الأرض البدائية إلى المرحلة الأولى التي تشكل فيها الكوكب من الغبار الكوني والغازات التي أحاطت بالشمس منذ نحو 4.5 مليار سنة في ذلك الوقت، كانت الأرض عبارة عن كرة منصهرة من الصخور والمعادن ومع مرور ملايين السنين، بدأت عملية التبريد و التصلب التدريجي، مما أدى إلى تكوين القشرة الأرضية الأولى، غير أن النشاط الجيولوجي العنيف، والانفجارات البركانية الكثيفة، وحركة الصفائح التكتونية أدت إلى إعادة تدوير معظم تلك القشرة المبكرة في باطن الأرض ولذلك، فإن العثور على بقايا منها يعتبر أشبه بالعثور على حجر، كان من الماضي ما زال محفوظاً في أعماق الكوكب منذ نشأته الأولى.
دلائل علمية قويه
تشير التحليلات إلى أن هذه الطبقات البدائية تتكون من مواد غنية بعناصر ثقيلة مثل الحديد والمغنيسيوم، وهي أكثر كثافة بكثير من الصخور الحديثة، كما أن نمط الموجات الزلزالية التي تمر عبرها يوحي بأنها لم تتعرض لعمليات الذوبان والتبدل الكامل مثل بقية أجزاء باطن الأرض، ما يعزز فرضية كونها بقايا من الأرض الأصلية، وقال الدكتور توماس ديفيز، أحد أعضاء الفريق البحثي، إن هذا الاكتشاف أشبه بفتح نافذة زمنية على الماضي السحيق للأرض، نحن ننظر إلى بقايا لم تمسها يد الزمن منذ أكثر من 4 مليارات عام.
أين تقع هذه البقايا؟
بحسب النماذج الجيوفيزيائية، يعتقد أن أكبر أجزاء من الأرض البدائيه، تقع أسفل المحيط الهادئ والمحيط الأطلسي، على أعماق تصل إلى نحو 2900 كيلومتر، أي بالقرب من الحدود بين الوشاح الخارجي ولب الأرض، وتبدو هذه المناطق شديدة الكثافة بحيث تعكس الموجات الزلزالية بطريقة مختلفة عن بقية المناطق، وهو ما ساعد العلماء على تحديد مواقعها، ومن المثير للاهتمام أن هذه المناطق العميقة ترتبط أيضاً ببعض النقاط الساخنة على سطح الأرض مثل هاواي وآيسلندا، وهي المناطق التي تشهد نشاطاً بركانياً استثنائياً، ويرجح الباحثون أن المواد المنصهرة الصاعدة من أعماق الأرض قد تكون حاملة لآثار من تلك القشرة البدائية القديمة.
أهمية هذا الاكتشاف
تكمن أهمية هذا الاكتشاف في أنه يقدم مفتاحاً لفهم كيفية تشكل الأرض وتطورها منذ المراحل الأولى، ف العلماء لطالما تساءلوا، ما الذي حدث للقشرة الأولى التي تكونت بعد نشأة الكوكب؟ وهل تم تدميرها بالكامل أم أن جزءا منها نجا من الانصهار العميق؟ الآن يبدو أن الإجابة بدأت تتضح، حيث تشير الأدلة إلى أن بعض هذه البقايا ما زالت باقية، لكنها مدفونة على أعماق يصعب الوصول إليها، كما أن هذا الاكتشاف قد يساعد في فهم العمليات الديناميكية التي تحدث داخل باطن الأرض، مثل حركة الوشاح الحراري، ونشاط البراكين، وتطور المجال المغناطيسي للكوكب فإذا كانت هذه البقايا بالفعل من المرحلة الأولى لتكوين الأرض، فإن دراستها قد تكشف عن طبيعة المواد التي شكلت كوكبنا، وكيف أثرت في تكون كل القارات والمحيطات والغلاف الجوي لاحقاً.
تأثير على النظريات الجيولوجية
على مدى عقود، افترض العلماء أن باطن الأرض مر بعمليات انصهار شاملة أعادت خلط كل طبقاته في مرحلة مبكرة من التاريخ الجيولوجي، لكن وجود بقايا قديمة ومحفوظة بهذا الشكل يشير إلى أن الأرض لم تنصهر بالكامل، وأن بعض مناطق الوشاح ظلت مستقرة و مغلقة منذ نشأتها الأولى،ويرى بعض الباحثين أن هذا الاكتشاف يتعارض مع النماذج التقليدية لتطور الأرض، وقد يجبر المجتمع العلمي على إعادة النظر في كيفية تشكل اللب و الوشاح، وكذلك في توقيت الأحداث الكبرى مثل تكوين القمر وانفصال الغلاف الجوي المبكر.
تكنولوجيا متطورة وراء الاكتشاف
لم يكن من الممكن الوصول إلى كل هذه النتائج دون التقدم التكنولوجي في تحليل البيانات الزلزالية والحوسبة الفائقة فقد استخدم بعض العلماء ما يعرف بـالتصوير المقطعي الزلزالي الذي يعرف ب Seismic Tomography، وهي تقنية تشبه الأشعة المقطعية المستخدمة في الطب، لكنها تطبق على كوكب الأرض بأكمله تساعد هذه التقنية على رسم خرائط ثلاثية الأبعاد لأعماق الأرض بدقة غير مسبوقة، مما أتاح التعرف على مناطق تختلف في تركيبها و كثافتها، وبالإضافة إلى ذلك، استعان الفريق بخوارزميات ذكاء اصطناعي لتحليل تريليونات النقاط من البيانات الزلزالية خلال فترة استمرت أكثر من عشر سنوات، وبذلك تمكنوا من تحديد أماكن هذه الجيوب البدائية التي ظلت غامضة لعقود طويلة.
تساؤلات مستقبلية
على الرغم من قوة الأدلة، لا يزال هناك العديد من الأسئلة التي تنتظر الإجابة فهل هذه البقايا متجانسة في تركيبها؟ وهل تحتوي على عناصر نادرة يمكن أن تكشف عن طبيعة الأرض الأولى؟ وهل يمكن أن تكون مرتبطة بتطور القارات أو بنشأة المياه على سطح الكوكب، وكل هذه التساؤلات تدفع العلماء للتفكير في طرق جديدة للوصول إلى بيانات أكثر دقة من أعماق الأرض، ربما عبر دراسة الموجات الناتجة عن الزلازل الكبرى أو عبر تحليل البراكين العميقة التي تُعد بمثابة نوافذ طبيعية إلى باطن الكوكب.
اكتشاف يمثل علامه فارقه يفهمنا عن تاريخ الارض
يمثل هذا الاكتشاف علامة فارقة في فهمنا لتاريخ الأرض، لأنه يؤكد أن باطن الكوكب لا يزال يحتفظ بذكريات من نشأته الاولي، فبينما شهد سطح الأرض تغيرات هائلة على مدار مليارات السنين من تشكل القارات والمحيطات إلى تغير المناخ والحياة ظلت بعض أجزائها العميقة محتفظة ببصمتها الأصلية، ويقول العلماء إن هذه البقايا تشكل بمثابة كبسولة زمنية تحمل أسرار تكوين الأرض وربما حتى الكواكب الأخرى في النظام الشمسي، ومع استمرار الأبحاث في هذا المجال، من المتوقع أن تكشف السنوات القادمة عن مزيد من المفاجآت حول ما تخفيه أعماق كوكبنا.